الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسوعات الْفِقْه الإسلامي
أَو معاجم القوانين الْفِقْهِيَّة
لفضيلة السَّيِّد مُحَمَّد الْمُنْتَصر الكتاني المستشار الْعَام لرابطة الْعَالم الإسلامي والمدرس فِي الجامعة الإسلامية سَابِقًا
تقنين الْفِقْه بِجَمِيعِ مذاهبه مُنْذُ عصر الصَّحَابَة إِلَى عصر تجميد الِاجْتِهَاد، أَي الْقُرُون الْخَمْسَة الأولى، قُرُون الْخَيْر والنور وإمامة الْعُلُوم وسيادة الْمُسلمين للْعَالم، تقنين الْفِقْه صناعَة عَرَبِيَّة إسلامية عنَّا أَخذهَا الْأَجَانِب وَكَانَ الأندلسيون هم رواد الْمُسلمين والعالم فِيهَا.
فَأَبُو مُحَمَّد ابْن حزم الأندلسي إِمَام فقه الحَدِيث، وَقد عَاشَ مَا بَين عَام (384) وعام (456) هُوَ الرائد الأول لتقنين الْفِقْه، فقد وضع كتابا يعْتَبر أول موسوعة فقهية جَامِعَة وَأول مُعْجم شَامِل لجَمِيع مَذَاهِب الْفِقْه وَهُوَ: كتاب الْخِصَال الجامعة لجمل شرائع الْإِسْلَام فِي الْوَاجِب والحلال وَالْحرَام وَسَائِر الْأَحْكَام على مَا أوجبه الْقُرْآن وَالسّنة وَالْإِجْمَاع. قَالَ عَنهُ مُؤَلفه ابْن حزم فِي الْمحلي: "قد جَمعنَا فِيهِ كل مَا رُوِيَ من نُصُوص الْقُرْآن وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، مُنْذُ أَرْبَعمِائَة عَام ونيف وَأَرْبَعين عَاما من شَرق الأَرْض إِلَى غربها".
وَقَالَ عَنهُ تِلْمِيذه الْحَافِظ الْحميدِي فِي جذوة المقتبس: "أورد فِيهِ أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من أَئِمَّة الْمُسلمين فِي مسَائِل الْفِقْه وَالْحجّة لكل طَائِفَة وَعَلَيْهَا وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّحِيح والسقيم بِالْأَسَانِيدِ وَبَيَان ذَلِك كُله وَتَحْقِيق القَوْل فِيهِ".
وَذكر معاصر ابْن حزم الْحَكِيم صاعد الأندلسي فِي كِتَابه أَخْبَار الْحُكَمَاء
أَنه رأى كتاب الإيصال فِي أَرْبَعَة وَعشْرين مجلدا بِخَط مُؤَلفه ابْن حزم قَالَ: "وَكَانَ خطه فِي غَايَة الإدماج". يُرِيد بالإدماج الْخط الدَّقِيق المرصوص، الَّذِي لَو كتب بِخَط أوسع لأخذ مَسَافَة أكبر ولبلغ مجلدات أَكثر.
وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي سير النبلاء: "كتاب الإيصال فِي خَمْسَة وَعشْرين ورقة".
وَيعْتَبر هَذَا الْكتاب ضائعا بَين مَا ضَاعَ من كنوز وتراث الفردوس الْمَفْقُود: الأندلس.
وَلَكِن إِذا ضَاعَ الإيصال فقد بقيت لنا صُورَة مصغرة عَنهُ وَهُوَ مُخْتَصره لِابْنِ حزم الْمُؤلف نَفسه وأعني بِهِ: كِتَابه الْمحلي وَقد طبع ثَلَاث مَرَّات.
فالمحلي مُخْتَصر الإيصال فِي أحد عشر مجلدا مَاتَ ابْن حزم وَهُوَ يؤلفه وَقد وصل فِيهِ إِلَى ثنايا المجلد الْعَاشِر فأتمه وَلَده الشَّهِيد الْفضل أَبُو رَافع أَمِير ولَايَة مالقة الأندلسية أتم الْعَاشِر وَكتب المجلد الْحَادِي عشر والأخير مِنْهُ، اختصر من الأَصْل الْجَامِع كتاب أَبِيه الإيصال.
وبمعرفتنا للمحلي عرفنَا الإيصال فالمحلي دون مواد قانونية باسم مسَائِل يبلغ عَددهَا (2308) مَسْأَلَة مِنْهَا مَا هُوَ فِي عشر صفحات وَفِي عشْرين، وَفِي ثَلَاثِينَ، وَفِي أَكثر من ثَلَاثِينَ، وَهِي مواد مُسْتَقلَّة أشبه برسائل محررة مُسْتَقلَّة فِي بَابهَا، وصفحاتها (4388) صفحة.
والإيصال فِي خَمْسَة وَعشْرين ألف ورقة كَمَا قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ: أَي خَمْسُونَ ألف صفحة، وَمعنى هَذَا أَن الْمحلي اختصر فِيهِ الإيصال إِلَى أقل من عشره، وَمعنى هَذَا أَيْضا أَن مسَائِل الإيصال تبلغ (23080) مَسْأَلَة وَإِذا كَانَ الْمحلي وَهُوَ الْمُخْتَصر للإيصال قد طبع فِي أحد عشر مجلدا فَمَعْنَى ذَلِك أَن الإيصال إِذا عثر عَلَيْهِ وطبع يخرج فِي أَكثر من مائَة مُجَلد بعدة مجلدات.
والرائد الثَّانِي لتقنين الْفِقْه الشَّهِيد أَبُو الْقَاسِم بن جزي الأندلسي الإِمَام الْمَالِكِي، وَقد عَاشَ بَين عَام (693) وعام (741) فقد وضع كتابا - طبع أَكثر من مرّة - فِي فقه أَئِمَّة الْمذَاهب الْأَرْبَعَة أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَسَماهُ:"القوانين الْفِقْهِيَّة".
والعودة إِلَى تقنين الْفِقْه مَسْأَلَة
مَسْأَلَة كَمَا دون فِي الْعَصْر الْخَامِس، ومادة مَادَّة كَمَا دون فِي الْقرن الثَّامِن، هِيَ عودة ضَرُورِيَّة ملحة، توجبها العقيدة والتزام الثَّبَات عَلَيْهَا ويوجبها الْعلم وَالْتزم الدعْوَة إِلَيْهِ.
توجبها العقيدة والتزام الثَّبَات عَلَيْهَا: نَحن الْيَوْم نَعِيش فِي غَزْو فكري، الْغُزَاة فِيهِ وحوش ضارية، هم أَشد ضراوة من الْغُزَاة العسكريين، فَهَؤُلَاءِ استهدفوا الأَرْض قرونا أَو قرنا وَبَعض قرن وَفِي النِّهَايَة طردوا مِنْهَا أشلاء صاغرين وَقَامَت على تِلْكَ الأَرْض دوَل إسلامية تشهد بِشَهَادَة التَّوْحِيد وتستقبل كعبة الْمُسلمين، أما غزَاة الْفِكر فقد استهدفوا الْمُسلم نَفسه لَا أرضه فَقَط، فغزوا مخه وَقَلبه وعشعشوا فيهمَا وعنكبوا، باض فيهمَا وفرخ سرطان تمكن من عقيدة الْإِسْلَام وَفقه الْمُسلمين، فحوَّلهما إِلَى عقيدة الْكفْر وَفقه الشَّيَاطِين.
حررت أَرض الْمُسلمين من الْغَزْو العسكري، وَقَامَت جيوش وحكومات إسلامية مَكَان ذَلِك الْغَزْو، وَلكنهَا بألسنة عَرَبِيَّة وَقُلُوب أَعْجَمِيَّة كَمَا أنذر نَبينَا صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ.
فقد تكهن شَيْطَان من شياطين الْغَزْو العسكري، وَقد فشل فِي غَزوه وَهلك شَرِيدًا طريدا بِأَن فتوحاته ستعود مَا انْتَشَر قانونه ودام فقهه، وأعني بِهِ نابليون، فقد تكهن قَائِلا:"ستمتد فتوحاتي حَيْثُ يصل قانوني".
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . وَهَذَا الْفَرِيق على قلَّته بَين الْمُسلمين، قد أَخذ إِبْلِيس بقانونه النابليوني ينتقص من أَطْرَاف فقهه، فِي مؤسسات وشركات وأنظمة.
أما الْعَالم الإسلامي فِي أَكْثَره فقانون نابليون بِكُفْرِهِ وظلمه وَكَثْرَة فسوقه قد غزاه وَحكمه حكومات وشعوبا وَلَا تزَال كليات الْحُقُوق فِي جامعاتهم تجمع لإبليس طلابا وتخرِّج لَهُ أساتذة ودكاترة، يحلُّون قوانينه محلَّ فقه الْإِسْلَام، {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} .
وَكثير من هَؤُلَاءِ لَو يقرب لَهُم الْفِقْه بِمَا اعتادوه من تقنين ووسائل لعادوا إِلَيْهِ عود الْغَرِيب لأَهله والشارد إِلَى قومه.
وَالطَّرِيق لهَذَا التَّقْرِيب هُوَ تدوين موسوعة للفقه جَامِعَة لكل قضاياه