المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التعليق على محاضرة السيد المنتصر لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - موسوعات الفقه الإسلامي أو معاجم القوانين الفقهية

[محمدالمنتصر الكتاني]

الفصل: ‌التعليق على محاضرة السيد المنتصر لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

يَدي الْفُقَهَاء من فقه الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهَؤُلَاء الْأَئِمَّة أَكثر مِمَّا قدره لَهُ ابْن حزم.

وَقد سبق لي أَن قلت هَذَا أَو شبيهه فِي مُقَدّمَة تخريجي بالمشاركة لأحاديث فقه الْحَنَفِيَّة، مُنْذُ سنوات وَهُوَ مطبوع متداول بَين أَيدي النَّاس فِي أَربع مجلدات.

وَبعد، فَإِن قيام هَذِه (المعاجم لموسوعة الْفِقْه الإسلامي) سَيبقى دينا فِي ذمَّة الدول الإسلامية ملوكا ورؤساء وحكومات ودينا فِي ذمَّة الجامعات الإسلامية إدارة وأساتذة وموجهين ودينا فِي ذمَّة الْقَضَاء محاكم وحكاما وقضاة.

وَالَّذِي سيسعده الْحَظ من الْمُلُوك والرؤساء الْمُسلمين سَيكون نابليون الْمُسلم الَّذِي سَيَقُولُ بملء فِيهِ: ستنتهي فتوحاتي حَيْثُ يصل قانوني. والمنتظر أَن يكون الْقَائِم بذلك فيصل خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين ومنزلي الْوَحْي ومولد صَاحب الشَّرِيعَة ومرقده صلوَات الله عَلَيْهِ، فَمن أولى بذلك مِنْهُ فَلَا يزَال فِي مَمْلَكَته للحدود سُلْطَان وللشريعة محاكم وقضاة.

نُرِيد أَن نسْمع قَرِيبا: قانون فيصل، بدل قانون نابليون.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} .

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.

ص: 23

‌التَّعْلِيق على محاضرة السَّيِّد الْمُنْتَصر لسماحة الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن باز

التَّعْلِيق على محاضرة السَّيِّد الْمُنْتَصر

محاضرة لسماحة رَئِيس الجامعة الإسلامية الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن باز

الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله وَسلم وَبَارك على عَبده وَرَسُوله نَبينَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه وَمن سلك سَبيله واهتدى بهداه إِلَى يَوْم الدّين.

أما بعد، فَإنَّا نشكر الْأُسْتَاذ الْكَبِير والعلامة الشهير الْأَخ الشَّيْخ الْمُنْتَصر الْمُوفق.

نعم، لقد أَجَاد أخونا الْعَلامَة وَأفَاد وَأحسن فِيمَا ذكر واقترح، وإنّ مَا ذكره عَن الموسوعات الْقَدِيمَة الْفِقْهِيَّة

ص: 23

ولاسيما موسوعة الْعَلامَة الْكَبِير أبي مُحَمَّد بن حزم الْمُسَمَّاة بالإيصال، لَا شكّ أَن هَذِه الموسوعة موسوعة عَظِيمَة وَإِن لم تُوجد، فقد بَقِي وَوجد مختصرها الَّذِي يدل على علم الْمُؤلف الْوَاسِع وَعظم عنايته وسعة اطِّلَاعه.

وَإِنِّي أؤيد فَضِيلَة الْأُسْتَاذ فِيمَا ذكر من الاقتراح ومسيس الْحَاجة إِلَى معاجم مُتعَدِّدَة لفقه الْإِسْلَام وَإِن الْحَاجة ماسة بل شَدِيدَة جدا إِلَى جمع أَقْوَال عُلَمَاء الْإِسْلَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام رضوَان الله عَلَيْهِم جَمِيعًا. وَإِن إِيجَاد معاجم لفتاواهم وأحكامهم لَيْسَ ذَلِك وَاجِبا فَقَط وَإِنَّمَا ذَلِك مُفِيد جدا وَنَافِع كثيرا، وَقد أَجَاد فضيلته فِي بَيَان حَاجَة النَّاس لذَلِك وَإِن هَذَا القانون وَهَذِه المعاجم سَوف تفِيد الْعَالم كُله الإسلامي وَغير الإسلامي وحاجة الْمُسلمين أنفسهم إِلَى تراثهم الْعَظِيم على نقاوته وصفائه من معادنه لَا شكّ حَاجَة عَظِيمَة، وَمن استبعد وجود ذَلِك وَإِمْكَان ذَلِك فَإِنَّمَا ذَلِك من عدم الْعِنَايَة بِهَذَا الْأَمر والتدبر لَهُ والتفكير فِيهِ تفكيرا جدَّيا، وَإنَّهُ كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذ لَيْسَ بعسير وَلَا مُسْتَحِيل، بل مُمكن إِذا فُرِّغ لَهُ الْعلمَاء المتبصرون والمتحمسون لهَذِهِ الفكرة فَإِن الْحُصُول عَلَيْهِ وَإِمْكَان جمعه أَمر مُمكن بِلَا شكّ، وَإِنِّي أقترح أَن يكون ذَلِك من طَرِيق تكوين لجنة من أهل الْعلم المتبصرة فِي الْفِقْه الإسلامي مِمَّن يفرغون فِي مَكَان وَاحِد ليجمعوا هَذِه المعاجم بادئين بِفقه الصَّحَابَة رضي الله عنهم وأرضاهم ثمَّ التَّابِعين وَهَكَذَا وَفِي الْإِمْكَان أَيْضا أَن يتشاوروا ويدرسوا الْمَوْضُوع دراسة جدية على ضوء الدراسات السَّابِقَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا محاضرنا وعَلى الطَّرِيقَة الجيدة الْحَسَنَة الَّتِي سلكت فِي وضع المعاجم كَمَا أَن فِي الْإِمْكَان أَن ينْظرُوا فِي ذَلِك من جِهَة أُخْرَى من جِهَة البدء بمعاجم الصَّحَابَة أَو غَيرهم، كل ذَلِك مُمكن إِذا فرغ لَهُ الْعلمَاء المبصرون المعوَّل عَلَيْهِم فِي الْفِقْه الإسلامي مِمَّن لَهُم سمعة حَسَنَة وَمَعْرِفَة جَيِّدَة فِي هَذَا الْبَاب.

وكما أَن النَّاس فِي حَاجَة إِلَى جمع نُصُوص الْفُقَهَاء والعناية بهَا مرتبَة على أحرف المعجم فَكَذَلِك هم فِي حَاجَة إِلَى تَرْتِيب مَا لم يرتب من أَحَادِيث رَسُول الله عليه الصلاة والسلام وَنشر مَا رتب والعناية بالتصحيح والتضعيف، حَتَّى

ص: 24

يكون النَّاظر فِي ذَلِك على بَيِّنَة وعَلى بَصِيرَة من أَمر الحَدِيث الشريف من جِهَة الصِّحَّة والضعف والوضع وَغير ذَلِك ولابد من الْإِشَارَة إِلَى تكوين لجان مُتعَدِّدَة، لجنة لكذا ولجنة لكذا ولجنة تقوم بإعداد التَّرْتِيب الْكَافِي الْمُنَاسب لما يتَعَلَّق بالأحاديث ولجنة تكون لما يتَعَلَّق بِفقه الصَّحَابَة ولجنة أُخْرَى لفقه التَّابِعين وَهَكَذَا على حسب الْإِمْكَان واليسر من جِهَة وجود الْعلمَاء الَّذين يصلحون لهَذَا الْغَرَض.

وَمن أهم الْأُمُور فِي هَذَا الْبَاب الْعِنَايَة بِصِحَّة الفتاوي وَالنَّظَر فِي أسانيدها إِلَى من نسبت إِلَيْهِ فَإِن هَذَا أَمر عَظِيم فقد تنْسب الْفَتْوَى إِلَى شخص هُوَ برَاء مِنْهَا وتنسب الْفَتْوَى إِلَى شخص لم يقلها كَمَا نسبت وَإِنَّمَا قَالَ شَيْئا مِنْهَا فيزيد فِيهَا وَينْقص. فالحاجة ماسة إِلَى الْعِنَايَة بأسانيد الْفَتْوَى عَمَّن نقلت عَنهُ من الصَّحَابَة وَغَيرهم وَعَن الْمرجع ومكانها فِي الصفحات والطبعات، وَغير ذَلِك، حَتَّى يكون المراجع والمطالع على بَيِّنَة وعَلى هدى وعَلى بَصِيرَة فِي ذَلِك كُله. وكما أَن الْعلمَاء محتاجون إِلَى مَا دوِّن فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَالتَّفْسِير فَكَذَلِك هم محتاجون أَيْضا إِلَى معرفَة صِحَة الْفَتَاوَى عَمَّن نسبت إِلَيْهِ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْإِسْلَام، وَعدم صِحَّتهَا حَتَّى يكون النَّاقِل لَهَا والناظر فِيهَا على بَصِيرَة. وَقد علمنَا وَعلم غَيرنَا فتاوي كَثِيرَة تنْسب لكثير من أهل الْعلم وَلَا صِحَة لَهَا، وَقد علم النَّاس مَا لَدَى الشِّيعَة فِي كتبهمْ وَغير الشِّيعَة من فتاوي تنْسب إِلَى أهل الْبَيْت تحْتَاج إِلَى تمحيص وَإِلَى عناية وَالْوَاجِب فِي هَذَا، يتثبت فِي كل شَيْء.

فَالَّذِي ينْسب للأئمة من الصَّحَابَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رضي الله عنهم جَمِيعًا وَغَيرهم من أَئِمَّة الصَّحَابَة وعلماء الصَّحَابَة يجب أَن يكون الْعِنَايَة بِهِ أكبر ثمَّ هَكَذَا التابعون وَالْأَئِمَّة بعدهمْ، وبخصوص مَا ينْسب لأهل الْبَيْت يَنْبَغِي أَن يمحص وَينظر فِي أسانيده حَتَّى ينْتَفع فِي ذَلِك من أَرَادَ الله هدايته وتوفيقه إِلَى معرفَة الصَّحِيح وَالصَّوَاب فِيمَا ينْسب إِلَى أهل الْبَيْت كَمَا ينْتَفع أَيْضا من ينتسب إِلَى الشَّافِعِي وَإِلَى مَالك وَإِلَى أبي حنيفَة وَإِلَى أَحْمد بِمَا يُوقف عَلَيْهِ من الفتاوي بأسانيدها وَدَلَائِل صِحَّتهَا أَو ضعفها حَتَّى يكون ذَلِك الشَّخْص أَو تِلْكَ الْجَمَاعَة على

ص: 25

بَيِّنَة فِيمَا ينْسب إِلَى مَذْهَبهم وَإِلَى إمَامهمْ وَقد تكون أُمُور كَثِيرَة فِي مسَائِل فقهية يُوجد الشَّيْء وضده فِيهَا فتحتاج إِلَى بحث وتمحيص إِلَى أَن يُوجد السَّنَد الْقوي أَو الأَصْل الْمُعْتَمد فِي صِحَة ذَلِك الحكم وَتلك الْفَتْوَى فَالْحَاصِل أَن مَا ذكره أخونا الْعَلامَة الشَّيْخ الْمُنْتَصر فِي هَذَا الْبَاب حقيق بالعناية وَلَا شكّ أَنه قد أصَاب فِي ذَلِك وَلَا شكّ أَن هَذَا الْعَمَل أَمر عَظِيم ومشروع جليل يحْتَاج إِلَى عناية كَبِيرَة وَإِلَى عُلَمَاء معروفين بالأمانة والنصح والصدق والبصيرة وَالْعلم حَتَّى يطمئن النَّاس إِلَى علمهمْ وَإِلَى صِحَة مَا ذكرُوا من الحَدِيث وَالْفِقْه والفتاوى.

وَفِي الْجَامِع الصَّحِيح للْبُخَارِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ من الْآثَار وَالْأَحَادِيث مَا ينفع جدا هَذَا السَّبِيل كَمَا هُوَ فِي كتب السّنة وَكتب الْأَحَادِيث الْمَعْرُوفَة من الْآثَار والعلوم الْكَثِيرَة مَا ينقع فِي هَذَا الْبَاب وَفِي كتب الْفِقْه كالمحلى وَالْمُغني وَغَيرهمَا من الْفَوَائِد الْعَظِيمَة والْآثَار الْكَبِيرَة مَا ينفع فِي هَذَا الْبَاب أَيْضا، وَالْحَاصِل أَن هَذَا مُمكن بِحَمْد الله وَلَيْسَ بعسر وَلَا مُسْتَحِيل إِذا أوجد لَهُ الرِّجَال الْأَكفاء وَإِذا هيئت لَهُ الْأَسْبَاب وفرَّغوا لهَذَا الْأَمر. وَإِن أولى النَّاس بِهَذَا الْأَمر وَلِهَذَا الْمَشْرُوع الْعَظِيم هُوَ كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذ حَاكم هَذِه الْبِلَاد وَإِمَام الْمُسلمين فيصل بن عبد الْعَزِيز وَفقه الله وهداه إِنَّه أولى النَّاس بِهَذَا الْمَشْرُوع والعناية بِهِ وإخراجه إِلَى حيّز الْوُجُود لإيجاد عُلَمَاء صالحين لهَذَا الْغَرَض متفرغين يعنون بِهِ ويكرِّسون جهودهم ويمنحونه مَا لديهم فِي هَذَا الْبَاب مستعينين بِاللَّه سبحانه وتعالى ثمَّ بإخوانهم بَقِيَّة الْعلمَاء فِي كل مَا يهم فِي هَذَا السَّبِيل من المراجع والمحفوظات وَغير ذَلِك.

وأسأل الله أَن يَجْزِي محاضرنا عَن محاضرته خيرا، وَأَن يُبَارك فِي جهوده وعلومه وَأَن ينفع بِهِ وبسائر عُلَمَاء الْمُسلمين الْأمة الإسلامية وَأَن ينصر بهم الْحق ويدحض بهم الْبَاطِل وَأَن يجمع عُلَمَاء الْمُسلمين وولاة أَمرهم على الْحق وَالْهدى وَيصْلح عَامَّة الْمُسلمين جَمِيعًا ويهديهم سَوَاء السَّبِيل وَيصْلح ويوفق قادتهم لحكم الشَّرِيعَة والتحاكم إِلَيْهَا وتسهيل سَبِيل ذَلِك إِنَّه على كل شَيْء قدير، وَصلى لله وَسلم على نَبينَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه.

ص: 26