المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمات معاني القرآن: - موقف الاستشراق من السنة والسيرة النبوية

[أكرم العمري]

الفصل: ‌ترجمات معاني القرآن:

واحدًا، نحن لا ننكر أن الإنجيل وأن التوراة من عند الله، ولكننا نقول ما أثبته القرآن من كون الإنجيل والتوراة لم يعودا كلمة الله تعالى بسبب التحريف الذي وقع والذي لا يمكن تمييزه وتحديده وتخليصه بدقة من الحق، فكون الوحي الإلهي واحدًا وكون العقائد الدينية واحدة والشرائع هى التى تختلف، هذا الأمر يؤدي بالطبع إلى أَنْ يلتقي الوحي الإلهي للأنبياء جميعًا في بعض الجوانب.

‌ترجمات معاني القرآن:

هناك ترجمات كثيرة لمعاني القرآن الكريم قام بها المستشرقون وهي تزيد على خمس وسبعين ترجمة، ونحن لا نعرف هذه التراجم، بل لا تكاد تجتمع في مكتبة من مكتبات العالم الإسلامي، وهذا بلا شك تقصير كبير، إننا لا نعرف ماذا يُكْتَبُ عنا، وكيف يترجم كتاب الله تعالى، وماذا يقال في تصديره للعالم الغربي، لا بد أن نمثل أنفسنا وخاصة بعد أن أصبح عندنا العديد من المثقفين وَالكُتَّابِ مِمَّنْ يعرفون اللغات الأجنبية، يجب أن نتكلم عن أنفسنا، ولا ندع المستشرقين يتكلمون عنا ويمثلوننا.

يقول جورج سيل George Sail في مقدمة الترجمة الإنكليزية لمعاني القرآن الكريم سَنَةَ 1736 م: «أما أن محمدًا كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيسي له فأمر لا يقبل الجدل، وإن كان من المُرَجَّحِ مع ذلك أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن معاونة يسيرة، وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك، يشير إلى آيات القرآن {إِنْ هَذَا إِلَاّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} (1) وقول الحق تعالى:{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} (2) المقصود أن هذه مقدمة لترجمة لمعاني القرآن إلى الإنكليزية، وهي من أقدم الترجمات!!.

هناك دراسة لمالك بن نبي وهي " الظاهرة القرآنية " وفيها مناقشة دقيقة ومنطقية لما قيل من تشابه بين القصص الديني القرآني والقصص الديني التوراتي.

وينبغى أيضاً أن نلاحظ أن تمثيل الاستشراق للإسلام وللمسلمين بالنسبة للغرب ينعكس على قضايانا السياسية، وعلى علاقاتنا مع الغرب حيث يتصور

(1)[الفرقان: 4].

(2)

[النحل: 103].

ص: 64

الرأي العام الغربي أننا أُمَّةٌ همجية وأننا برابرة كما تزعم كثير من الدراسات، وأننا لا نمتلك مقومات حضارية، ولا نمتلك عقلية منطقية، ولا نفكر في المستقبل، هذا كله يمكن أن يؤدي إلى مشكلة في نطاق العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والصراع بين الشرق والغرب، لذلك فإن قيامنا بتمثيل أنفسنا هو الحل الأمثل، نحن الذين نطرح فكرنا وديننا وعاداتنا لكنه ينبغي أن نعترف أننا حتى الآن لم نمثل أنفسنا أمام أنفسنا، أقصد لازلنا ندرس الإسلام، ولازلنا ندرس أوضاع المسلمين وندرس شرائح كثيرة تاريخية، وجغرافية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، من خلال الدراسات الغربية والاستشراقية، وأن مناهج جامعاتنا في أرجاء العالم الإسلامي مليئة بمثل هذه الكتب وحتى تلك الكتب التى ألفها عرب لو قارناها بدقة فإننا سنجد أن كثيرًا من الأفكار مترجمة دون عزو عن الاستشراق.

فلا بد إذًا من أن نبني صرحنا الثقافي الفكري الديني بأنفسنا وأن تكون دراستنا مستقلة ذات مناهج مستقلة، ورؤى مستقلة، وأن هذا الذي يطرح لا يكون متأثرًا وغارقًا في بؤرة الاستشراق. أن نمثل أنفسنا أولاً عن طريق بناء الصرح العلمي والرؤى الإسلامية الخالصة المنبثقة عن كتاب الله تعالى وَسُنَّةَ محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أن نعكس هذا على الغرب بترجمات إلى اللغات العالمية المختلفة، لكن الذي حدث أن المستشرقين مثلونا أمام الغرب وبعد أن شَوَّهُوا الصورة تمامًا خلال قرنين من الزمان وعادوا إلى عكس الصورة، فبدل أن يكون الإنشاء يخاطب به الغربي باللغة الألمانية أو الفرنسية أو الإنكليزية صار الخطاب - بعد الترجمة للعربي وللمسلم الذي يقرأ العربية أو بعض اللغات الإسلامية الأخرى - إذن عكس الخطاب الذي شَوَّهَ الصورة أمام الغربي، بحيث قبل أن نُستعمر «لأننا بحاجة إلى الاستعمار، قبِل أن نُخْتَرَقَ لأننا لا نستطيع النهوض بأنفسنا ولئلا نبقى بعيدين عن الحياة الطيبة التي لا بد أن تكون ثمرة من ثمرات الاستعمار وخيراته علينا!!» .

ص: 65

وتعكس الصورة منذ مطلع القرن العشرين إلى الآن بشكل ترجمة إلى لغاتنا فَتُحَوِّلُ الخطاب القديم - إلى الأوروبى - إلى خطاب جديد للمسلم وبنفس الأفكار والتوجيهات التي تولِّد الشك في نفس المسلم.

أولاً: لأن التربة صالحة لبذر أية فكرة فلا توجد تربية إسلامية مو جهة لكل أبناء العالم الإسلامي، ولأجياله الصاعدة، ولا يوجد تغذية بالقرآن وَالسُنَّةِ ومفاهيم الإسلام بشكل يحصن الشاب المسلم عن تقبل مثل هذه الأفكار.

ثانياً: هذا الخطاب يحطم الأُمَّةَ لأن المعنوية التي تأتيها من صلتها بالقرآن، بالوحي الإلهى كتابًا وَسُنَّةً، واستشعارها بأنها الأُمَّةَ الوحيدة التي تحمل وحيًا إلهيًا خالصًا من التحريف، هذا الاستشعار يمكن أَنْ يعيدها إلى مجد حضاري جديد، والمجد الحضاري الجديد معناه وقف المصالح للعالم الغربي، معناه توجه المنطقة توجهًا مستقلاً يحفظ كرامتها وشخصيتها وهويتها الإسلامية وثقافتها التاريخية وتطلعاتها نحو مستقبل أفضل.

قبل ثلاثة عقود في المرحلة الجامعية كان الأستاذ يتكلم بلسان الآخرين، وطبعاً هناك أناس متدينون في القاعة، ولازالت الطينة بصورة عامة فيها بقايا خير كثير، ولازالت لم تتسخ كثيرًا، من الصعب أََنْ يقول الإنسان ائتمر أبوبكر وعمر وأبو عبيدة على انتزاع الخلافة، ولكن يستطيع أََنْ يقول ذلك على لسان الأب " لا مانس " ويسوق هذا الكلام ثم يسكت. والمهم أَنَّ الصورة التي تكونت في أذهان الطلبة الجامعيين أَنَّ هؤلاء الصحابة أناس يأتمرون بينهم على انتزاع سلطة وخلافة دنيوية، وأنهم ليس كما يقول المسلمون عنهم من كونهم رُبُّوا على عين النبوة، ونشأوا مع آيات الوحي وتمثلوها قولاً وعملاً وبما أنهم نماذج الإسلام الأولى فلا يعقل أَنَّ آخرين سيأتون بعدهم يصبحون نماذج أفضل. وهكذا فإن الإسلام ليس دينًا واقعيًا يُرَبِّي رجالاً نظيفين وأقوياء، وإنما مجرد خيال ومثاليات.

ص: 66

كم أُثْنِيَ على " توماس كارليل Thomas Carlyle صاحب " الأبطال " الذي ترجم إلى العربية، إنه جعل النبي بطلاً تاريخيًا وأنه مستشرق منصف، والآن اقرأوا فقرة من كلام كارليل عن القرآن، يقول: «هو خليط مهلهل مُشَوَّشٌ، محل خام، مستغلق تكرار لا نهاية له، وإسهاب وإطناب ومعاضلة، خام إلى أقصى الدرجات، ومستغلق وبإيجاز غباء فارغ لا يطاق». هذا الكلام نقله إدوارد سعيد - وهو أستاذ جامعي أمريكي نصراني من أصل عربي - نقله عن كارليل في كتابه " الاستشراق " (1) وكتاب " الاستشراق " هذا يعد من أقوى ما كتب في فضح المستشرقين ومناهجهم وتعريتهم، ووضعهم في الإطار الكلي من قبل رجل ليس مسلماً ليقال إنه يتعصب للإسلام وللمسلمين، وإنما هو رجل نصرانى، ومنذ أن كُتب هذا الكتاب وَصُدِّرَ إلى أسواقنا بالعربية سنة 1981 م تتالت كتابات مسلمين أستثيروا، فظهرت عدة دراسات أثارت نفس القضايا الكبرى سواءً ما تعرض له إدوارد سعيد أو أخذت نماذج من الاستشراق كالهولندي، كما فعل الدكتور قاسم السامرائي في " الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية "، وكما فعل الدكتور زقزوق في محاضرته التى نشرت في سلسلة كتب مجلة " الأمة " عن الاستشراق، وثمة كتاب يستحق أَنْ يشار إليه وهو " مناهج المستشرقين " الذي طبعه مكتب التربية لدول الخليج العربي والذي يقع في مجلدين تحت عنوان " مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية " فلا شك أن هذا الكتاب يعد عملاً نقديًا رائعًا في مجاله، ولكن الكُتَّاب لم يتمكنوا أن يقولوا كل ما يريدون لأنهم كتبوا بحوثًا ومقالات اجتمعت في المجلدين، والأمر يحتاج إلى جهد أكبر لِيُفْحَصَ كلام الاستشراق وكيف طُرِحَ على الغرب وكيف تَكَوَّنَتْ صورة العربي والمسلم في ذهن الغربي المعاصر. ثم إذا ما عُدِّلَ المخاطب أو المراد بالخطاب إلى الشرقي المسلم العربي ما الذي سينتج بعد ربع قرن إذا ترجم ستون ألف كتاب أو عشرون ألف منها إلى لغات العرب والمسلمين.

(1)" الاستشراق ": ص 169.

ص: 67

لا ينظر إلى الأمر من زوايانا ونحن ندرس في كلية قرآن وكلية حديث وكلية شريعة وكلية لغة عربية، لا ينظر الأمر من هذه الزاوية، وإنما ينبغي أَنْ ننظر برؤية واسعة إلى العالم الاسلامي إلى تلك الأجيال التى تعد بالملايين والتي لا تعرف عن الإسلام إِلَاّ الشهادة وَإِلَاّ بعض المظاهر العامة. ماذا لو نُوقِشَتْ قضية الوحي الإلهي، وتطبيقات علم النفس التحليلي عليه؟ ألا يتسرب الشك إلى عقل خال وليس عنده مِنْ تَصَوُّرٍ لقضية الوحي الإِلهي؟ بالطبع ليس معنى ذلك أن هذه القضية هي من بنات أفكار هذا القرن، نعم إن استخدام التحليل النفسي هو من أفكار القرن لارتباطه بعلم مُعَيَّنٍ أو فرع مُعَيَّنٍ من فروع علم النفس ولكن قبل ذلك ماذا قيل؟ قيل إن النبي عليه الصلاة والسلام يُصْرَعُ، ولكن المستشرقين الذين تأخروا لما درسوا ظاهرة الصَّرَع من الناحية الطبية وجدوا أَنَّ الدعوى لا يمكن أَنْ تقبل لأن المصروع يفقد عقله، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان على أتم اليقظة والوعي واستحضار العقل بل شِدَّةِ التركيز، بحيث قال له الله تعالى أَلَاّ يفعل ذلك إشفاقًا عليه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (1). وعده الله تعالى بأن يجمع ذلك له، بأن يُحْفِظَهُ إِيَّاهُ دون هذا التركيز العقلي المشدود، فأين هذا من حال المصروع؟ فالمصروع كما نعلم يَهْذِي لكنه لا يأتي بقرآن مُبِينٍ لا يتناقض إطلاقاً، وعدم التناقض إطلاقاً ليس إلا من صفات الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال الحق:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (2).

أيضاً قالوا لنا بأن " جوستاف لوبون " الفرنسى الذي كتب " حضارة العرب " رجل حصيف، ورجل عادل وهو يثني على العرب وحضارتهم، وكتابه هذا اعتراف بمكاننا، ولكنهم لم يقولوا لنا ماذا يقول جوستاف لوبون عن القرآن، يقول:«ليس في عامية القرآن ولا صوتيته أو هويته الصبيانية التى هي من صفات الأديان السماوية ما يقاس بنظريات الهندوس» . يَعْنِي: لوبون يرى أَنَّ القرآن الكريم في لغته وفي أفكاره لا يرقي إلى الهندوسية، ثم ينكر شمولية القرآن، ويرى أنه مؤقت لعصره، وأنه لا يحقق حاجات الفرد في عصور لاحقة بل يجعله سبب تخلف المسلمين.

(1)[القيامة: 16 - 19].

(2)

[النساء: 82].

ص: 68

إِنَّ خلط السم بالدسم، بالثناء على الحضارة العربية وأنها تستحق الإشادة بها، ومن ناحية ثانية الطعون في القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ظاهرة الوحي يعنى أن المقصود هو الطعن، وأما الإطار بالثناء على حضارة العرب فهو للتخدير، لأنه في حالة الوعي الكامل سيرفض القارىء الشتم، ولكن إذا قيل له إنك إنسان نبيل ونابغة ومهذب ولا ينقصك إلا كذا - وهذا الكذا يفقد الإنسان قيمته - هذا هو الأسلوب والمنهج المتبع في معظم الدراسات الاستشراقية في القرن العشرين، فهي لا تتجه إلى الأساليب المباشرة، وإنما تتجه إلى تغليف الكلام.

وقد كتب جولدتسيهر (1) مئات البحوث عن الإسلام والمسلمين وعشرات الكتب الكبيرة، وأشهر كتبه " مذاهب التفسير الإسلامي " الذي يمثل نضجه الثقافي حيث كتب قبل ذلك " دراسات إسلامية " و " العقيدة والشريعة "، وهذا المؤلف المَجَرِي اليهودى أَثَّرَ على كثير من أساتذتنا الذين تكلموا عن تاريخ الحديث النبوي في مطلع القرن، واستمرت آراؤه تحظى باحترام العديد من الدارسين في الغرب هو و" شاخت " صاحب كتاب " أصول الفقه الإسلامي ". ولا يمكن في هذا البحث الوجيز استعراض كل ما قيل في هذا المجال وإنما المراد هو إيضاح أَنَّ الاستشراق وَإِنْ كان قد بدأ حركة دينية ثم تحول إلى حركة مقترنة بالسياسية بحيث اشتغل معظم المستشرقين بل كلهم إلا اليسير في دوائر المخابرات الأجنبية وخدموا وزارات الخارجية، وهذا معروف عن أساطينهم مِمَّا لا يُوَلِّدُ الشك في اقترانهم بالسياسة وأن ما يكتبونه يراد منه خدمة واقع سياسي، وأنه حتى بعد التطور الحديث من مطلع القرن العشرين وحتى الآن لازال يواصل خطاه، وأن مايبدو عليه من تعميق لبحوثه بالإفادة والاستثمار للعلوم الحديثة لن يخلصه من الإطار القديم المرسوم له، فأهداف طرح الشرق أمام الغرب بصورة مُشَوَّهَةٍ ثم عكس القضية لإضعاف ثقة المسلمين بأنفسهم، بدينهم، بماضيهم، هذا كله إضافة إلى زرع بذور العنصرية والتفرقة بين الأُمَّةِ الإسلامية بشتى الطرق.

(1)[البعض يكتب باللغة العربية اسم Goldziher هكذا «جولد زيهر» بينما كتبتها في أغلب البحوث المنقولة للمكتبة الشاملة هكذا «جولدتسيهر» لتسهيل عملية البحث في كل البحوث حفاظا على نفس النسق].

ص: 69