المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفيما يلى عرض لجملة من آراء المستشرقين في السُنَّةِ النبوية:   ‌ ‌المستشرقون - موقف الاستشراق من السنة والسيرة النبوية

[أكرم العمري]

الفصل: وفيما يلى عرض لجملة من آراء المستشرقين في السُنَّةِ النبوية:   ‌ ‌المستشرقون

وفيما يلى عرض لجملة من آراء المستشرقين في السُنَّةِ النبوية:

‌المستشرقون والسُنّة:

لم يفرد المستشرقون القدامى السُنَّةَ بدراسات مستقلة بل ركزوا على العقيدة والقرآن والسيرة والتاريخ.

في نهاية القرن السابع عشر كتب هربلو De Herbelot وهو فرنسي (1635 - 1695 م) صاحب " المكتبة الشرقية " وهي دائرة معارف عن الشرق نُشرت 1738 م - بحثًا في «حديث، قصة، خبر مسموع مقول، أحاديث الرسول، حديث عن أشياء قالها الرسول الزائف وقد نقل من فم إلى فم ومن شخص إلى آخر» .

وخلاصة رأيه أَنَّ جملة الأحاديث التى في " الكتب الستة " و " الموطأ " و" الدارمي " و" الدارقطني " و" البيهقي " و" السيوطى " مأخوذة إلى حد كبير من " التلمود ".

ويلاحظ أنه يُفَرِّقُ بين السُنَّةِ التى التزم المسلمون بتطبيق أحكامها وبين الحديث الذي هو مُجَرَّدُ خبر تاريخى غير موثوق !! (1).

كذلك يلاحظ في دراسة هربلو التكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم وَاتِّهَامِهِ بِالزَّيْفِ والألقاب الأخرى الشائنة. والزعم بأن المُحَمَّدِيَّةَ (2) مستقاة من " التلمود "، واليهود الذين دخلوا في الإسلام، مِمَّا سيتطور فيما بعد إلى الاستقاء من عدة ديانات وحضارات كانت على صلة بجزيرة العرب.

وكذلك اتهام المسلمين بعدم التمييز في دراسة أصول شريعتهم، مِمَّا تبناه كجولدتسيهر وشاخت وهما أبرز من تناول موضوع السُنَّةِ من المستشرقين.

وقد جعل الزُّهْرِي أول من جمع الحديث، مِمَّا يُوَلِّدُ فجوة تاريخية بين مرحلة النطق بالأحاديث وتدوينها مِمَّا يُشَكِّكُ في إمكانية الثقة بها.

وفي القرن الثامن عشر قَسَّمَ المستشرقون حقول الدراسات الشرقية بصورة موضوعية، وفي نهاية القرن برز Caetani الأمير كايتاني (1869 - 1926 م) وميور Muir ( ت 1905 م) وشبرنجر Sprenger ( ت 1893 م). وكانوا

(1) De Herbelot، B، Bibliotheque Orientale P.416،827 وراجع عنه نجيب العقيقي:" المستشرقون ": 1/ 159.

See also Von Denffer،A،Literature on Hadith in European Languages، P.12-14

(2)

يُسَمِّي الكثيرون من المستشرقين الإسلام بـ «المحمدية» نسبة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قياسًا على المسيحية. وهذه التسمية مبتدعة لا أساس لها في الإسلام وتاريخه الثقافي.

ص: 70

مهتمين بتاريخ السُنَّةِ واعتقدوا الشك في صحة الأحاديث وسعوا للكشف عما أسموه (المادة الأصلية للحديث).

أفاد من الثلاثة أحد المتضلعين بأصول اللغات السامية والتاريخ الإسلامي هو إجناس جولدتسيهر (1) الذي دَرَسَ بالأزهر، وهو مجري الجنسية يهودي الديانة، وقد اعتبره المستشرقون - ومن تأثر بهم - الرائد الأول في دراسة الحديث ونقده بالاستعانة بمنهج النقد التاريخي، حيث توصل إلى فكرة تطور الأسانيد والمتون في الفكر الإسلامي، ولا شك في أهمية تأثيره على سَيْرِ الدراسات الاستشراقية في حقل السُنَّةِ، ويرى أَنَّ وضع الحديث بدأ في جيل الصحابه المبكر، وإن كان يثبت وجود مادة أصلية، فهو يعترف بوجود أحاديث مكتوبة في الصحف في أيدي الصحابة، لكنه رغم ذلك يرى أَنَّ التدوين لِلْسُنَّةِ لم يبدأ إلا فى القرن الثانى (2). وأن معظم الأحاديث - في رأي جولدتسيهر - وَضَعَتْهَا الفِرَقُ السياسية الكلامية والمذهبية في القرنين الثاني والثالث، لذلك هى تعكس تطور المسلمين السياسي والفكري خلال القرنين ولا تَمِتُّ غالبًا إلى القرن الأول بصلة، وَيُرَكِّزُ على الصراع بين الأمويين الذين يصورهم بصورة الطغاة الجهلة وبين العلماء الأتقياء وأنصار أهل البيت، ويتهم الزهري بوضع حديث «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَاّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ

». وقد عَزَا جولدتسيهر أصول الإسلام إلى اليهودية والمسيحية، وأكد على تأثير الهلينية في تطور الإسلام، وتأثير القانون الروماني في نمو التشريع الإسلامي.

لقد صارت دراساته دستورًُا للمستشرقين من بعده، وقليل منهم انتقد بعض آرائه أو عدَّل فيها مثل فيوك Fueck ( ت 1939 م) وهوروفتس Horovitz ( ت 1931 م)، أما الأكثرية الساحقة فاكتفوا بتعميق آرائه بإضافة براهين جديدة أو تعميمها على حقول جديدة مثل كيوم Cullaume ونيكلسون Nickolson وهاملتون جب Gibb وواط watt وفنسنك Wensink ( ت 1939 م).

وقد ركز فنسنك على أحاديث العقيدة في كتابه The Muslim Creed " العقيدة الإسلامية " في حين ركز جوزيف شاخت Schacht ( ولد 1902 م)

(1)[" إجناس جولدتسيهر Ignas Goldziher 1850 - 1921 يهودي ولد في المجر (هنغاريا)، درس في أشهر مدارس الاستشراق في برلين وليبزيغ وبودابست ثم رحل إلى سوريا سَنَةَ 1873 حيث تتلمذ على العلَاّمة الشيخ طاهر الجزائري ثم نزح إلى فلسطين ومصر، ثم درس اللغة العربية على شيوخ الأزهر وقد شهد له علماء الغرب بطول الباع وَبُعْدِ النظر. له مؤلفات عديدة في الفِرَقِ الإسلامية والفقه].

(2)

إِنَّ دراسات سيزكين وحميد الله والأعظمي تُفَنِّدُ ذلك بالطبع.

ص: 71

على أحاديث الأحكام في كتابه " أصول الشريعة المحمدية " The Origins Of Muhammadan Jurisprudence وكتابه الآخر Introduction to Islamic Law، " مقدمة في الفقه الإسلامي " وهو يهودي الديانة بريطاني الجنسية، وقد أكد شاخت على اختلاق الأحاديث، وأثنى كيب وسافوري [ Savory] على كتابه، واعتبره كيب أساسًا لكافة الدراسات في الحضارة الإسلامية والتشريع الإسلامي في الغرب - على الأقل - في حين عَدَّهُ سافوري من أكبر علماء الشريعة الإسلامية في العالم (1).

وقد درس شاخت في مؤلفه " أصول الشريعة المحمدية " كتابي " الموطأ " لمالك و" الأم " للشافعي ثم عَمَّمَ نتائج دراسته على كتب الحديث والفقه الأخرى، فقال بنظرية «القذف الخلفي» لتفسير تطور الأسانيد، وتتلخص آراؤه في زعمه اختلاق الجزء الأكبر من الأسانيد، واعتقاده أَنَّ أقدم الأحاديث لا يرقى إلي ما قبل سَنَةِ 150هـ، وَأَنَّ الأحاديث اختلقها الفقهاء وأصحاب الفرق، وأن الشافعى هو الذي استحدث مبدأ حُجِيَّةَ السُنَّةِ، وكان العمل قبله على السُنَّةِ المذهبية، وقد كان أثره كبيرًا على جيله من المستشرقين.

لقد طعن شاخت في سند مالك عن نافع عن ابن عمر بِأَنَّ نافعًا مات ومالك صغير، وهذا خطأ، فمالك كان صاحب حلقة في مسجد المدينة في حياة نافع. وقد رَدَّ روبسون على شاخت في هذا السند في مقاله «الإسناد في الحديث النبوي» (2) وفي هذه المقالة عَدَلَ عن آرائه التي تابع فيها شاخت عندما نشر بحثه (3)، حيث كان يَشُكُّ في جملة الأحاديث ويرى أَنَّ ما يمكن عزوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو القرآن وحده. والملاحظ أن كيوم وواط وروبسون كلهم من رجال الكنيسة.

وقد ظهر توجه نحو دراسة موارد الحديث وَنَقْدِ بعض وثائقه عند روبسون (ولد 1890 م) الأستاذ في مانشستر منذ سَنَةِ 1949 م، وقد أثبت أَنَّ ثمة مادة أصلية من الأحاديث خِلَافًا لما ذهب إليه شاخت ومن قبله جولدتسيهر، كما أنه لم يوافق كايتاني وشبرنجر (1813 - 1893 م) في القول بأن أسانيد عُروة بن الزبير (ت 93 هـ) مختلقة ألصقها به المُصَنِّفُونَ المُتَأَخِّرُونَ (4).

(1) R. M. Savory. Introduction to Islamic Civilisation P.54

(2)

Robson، The Isnad in Muslim Tradition P. 22-23

(3)

James Robson، 'Muslim Tradition: The Question of Authenticity'،. Memoires and Proceedings of the Manchester Literary and Philosophical. Society q3 ، 1951-1952، P. 84-102

(4)

Sprenger، A، Origin and Progress of Writing Down Historical Facts Among the Musulmans in Journal and Proceeding of the Asiatic [Society] of Bengal 25، 1856، P303-318

ص: 72

لقد أشار شبرنجر (ت 1893 م) إلى تعاسة نظام الإسناد وأنَّ اعتبار الحديث شيئًا كاملاً سندًا ومتنًا قد سبب ضَرَرًا كثيرًا وفوضى عظيمة، وَأَنَّ أسانيد عُروة مختلفة ألصقها به المُصَنِّفُونَ المُتَأَخِّرُونَ. وكذلك مقالة «أصول تدوين الوثائق عند المسلمين» (1) ولكنه أثبت تدوين الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتماد على كتاب " تقييد العلم " للخطيب. وهذا ما خالفه فيه جولدتسيهر فيما بعد.

أما ميور [ Muir] معاصر شبرنجر فينتقد طريقة اعتماد الأسانيد في تصحيح الحديث لاحتمال الدَسِّ في سلسلة الرُوَاةِ، ورغم أنه مثل شبرنجر أَقَرَّ بِأَنَّ ثمة مادة أصلية في الحديث لكنه اعتبر نصف أحاديث " صحيح البخاري " ليست أصلية ولا يوثق بها.

وأما كايتاني (ت 1926 م) فقد ذكر في حولياته (2) أَنَّ الأسانيد أضيفت إلى المتون فيما بعد بتأثير خارجي لأن العرب لا يعرفون الإسناد، وأنها استعملت ما بين عُرْوَةَ وابن اسحق، وأن عُرْوَةَ لم يستعمل الإسناد مُطْلَقًا، وابن إسحق استعملها بصورة ليست كاملة.

وقد أثبت هوروفتس (1874 - 1931 م) معرفة عُرْوَةَ للإسناد، وأن الإسناد دخل في الحديث منذ الثلث الأخير من القرن الأول. وألمح إلى الإسناد الجمعي عند الزهري حيث يفيد وقوفه على عدة أسانيد للمتن الواحد (3).

ولكن هوروفتس يرى أَنَّ العرب أخذوا فكرة الإسناد عن المدارس التلمودية عند اليهود. ويرى - ويوافقه كيوم - تشابه المسلمين واليهود في نسبة شرائعهما إلى نَبِيَّيْهِمَا (4).

وَرَدَّ فيوك Fueck ( ت 1939 م) على جولدتسيهر فَبَرَّأَ المُحَدِّثِينَ والفقهاء من تُهْمَةِ وضع الأحاديث، وكشف عن منهج جولدتسيهر في التعامل مع الإسلام وأنه يستخدم المذهب المادي لنقد التاريخ ( Materialistic) ومنهج الشك ( Skepticism) فانتهى إلى أَنَّ كل أحاديث الأحكام تعتبر زائفة حتى يثبت العكس.

(1) On the Origins of Writing down historical records among Musulmans 1837 P.381

(2)

Annali dell Islam. Milan-1905

(3)

Horovits، J ، AL Ter Und Urprung des Isnad Der Islam، 8، 1918، P 39-47

(4)

James Robson، Muslim Tradition: The Question of Authenticity P. 100.AND: Guillaume، Muslim Hadith on P 53-54

ص: 73