الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: رضا الحافظ عن كتابه هذا، وثناء العلماء عليه، وتاريخ تأليفه
لقد ذكر السخاوي أنه لم يكن راضيا عن شيء من تصانيفه سوى الفتح، ومقدمته، والمشتبه، والتهذيب، واللسان، ثم ذكر السخاوي أنه رأى الحافظ –في موضع آخر - أثنى على شرح البخاري، والتغليق، والنخبة (1) .
يُضاف إلى هذا –مما يُبيّن مكانتَها- كونُها قُرئت عليه في حياته (2) ، وبعضهم قرأها عليه قراءة بحث (3) ، وقراءةُ البحث - عند العُلماء المُحقّقين- منَ الأهمّيّةِ بمكانٍ؛ حيث نجد الحافظ نفسه، رحمه الله نوّه بها، في مُناسبة تكلّم فيها على شرحها (4)، فكتب على نُسخةٍ لأحد طُلاّبه أنه قرأ عليه كذلك؛ ووصفها بقوله: (قراءةً حرّرها وأجاد، وقرّرها فأفاد؛ كما استفاد، وقد أَذِنْتُ له أن يَرويها عني ويُفيدها
…
لمن أراد منه تَقريبَ معانِيها مِمّن يُعانيها؛ يُوضّحُها، حتى يدري - من لم يَطَّلعْ على مُرادي - ما الذي أعني) .
وهذا المتن مع كونه احتوتْهُ - لاختصاره - كراسةٌ، إلا أنه جمع فيه مقاصدَ الأنواع التى عند ابن الصلاح، وزاد عليها أنواعاً لم يذكرها، فاحتوى
(1) الجواهر والدرر 2/659.
(2)
الجواهر والدرر 1/312، وانظر ما يأتي في ص (20) .
(3)
المجمع المؤسس 3/663، ويُضاف لما سبقت أن أحلت عليه في كتاب الجواهر والدرر: 3/1174 وانظر فيه: 1/477 و 1213.
(4)
الجواهر والدرر 3/195-1096، وانظر 3/1136.
على أكثر من مائة نوع من أنواع علوم الحديث، كما قال السخاوي (1) .
وقد أثنى عليها العلامة ابن الوزير نثرا ونظما - ونقله عنه الصنعاني (2) - مُتمثّلا بالبيتين القائلين:
أَبْلَغُ العِلْمِ وأَشْفَاهُ (م) لأَدْوَاءِ الْفُؤَادْ
اِخْتِصَارٌ في جِلاءٍ وَّبُلُوغٌ في مُرَادْ (3)
ومن ذلك قول الصنعاني في منظومته للنخبة (4) :
وَبَعْدُ: فَـ (النُّخْبَةُ) في عِلْمِ (الأَثَرْ)
…
مُخْتَصَرٌ يَّا حَبَّذَا مِن مُّخْتَصَرْ
وللعلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد الشُّحروري؛ الشهير بـ (ابن
(1) الجواهر والدرر 2/677، ونبّه السخاوي على سبق ابن واصل لنحو هذه التسمية؛ لكن اسم كتابه (نخبة الفكر في علم النظر)، واعتذر للحافظ بأنه لعلّه: ما استحضره حين التسمية به، وابنُ واصل هو: محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم ابن واصل المازني، وانظر الأعلام 6/133 فقد ذكر أنه صنف رسالته الأنبرورية في المنطق في جزيرة صقلية، وأنها تُسمى (نخبة الفكر) .
(2)
مختصر في علم الحديث، ل (121 أ)) ضمن مجموع، وإسبال المطر ص (19و20) .
(3)
وقد تمثّل ابن الوزير بهذين البيتين - أيضا- مُقتبسا لهما في شعر أثنى به على كتاب العلامة تقي الدين الفاسي: العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين؛ ونقلها الفاسي فيه في أثناء ترجمته لنفسه -1/358- وأوّلها:
يا تقي الدين أحسنتَ (م) قِرَى أُمِّ البلادْ
في اثني عشر بيتا ختمها بالبيتين المذكورين، وللعلامة ابن الوزير ترجمة أفردها من المعاصرين: القاضي إسماعيل بن علي الأكوع؛ بعنوان: (الإمام محمد بن إبراهيم بن الوزير وكتابه العواصم والقواصم)، (ت:840 ?) ، والترجمة مكتوبة في الأصل: لتكون مقدمةً للكتاب المذكور.
(4)
إسبال المطر ص (17) .
الشُّحرور) (1) أبيات أربعة في الثناء على (النخبة) وعلى (النّزهة)(2) ، وقد خَتَمْتُ بها عِدّةَ عشرةِ أبياتٍ قلتها للثناء على مُصنّفها - ورحمهم الله جميعا- وعلى مؤلفاته، وهي:
مَا أَطْيَبَ الْعِلْمَ في وِرْدٍ وَّمُصْتَدَر (3)
…
يَغْدُو، يَرُوحُ، يُعَاني خِدْمَةَ (الأَثَرِ)
فَانْظُرْ لآثَارِهِ
…
كَمْ شُرِّفَتْ قَدَمٌ
…
سَعَتْ لَهُ.. فَأَفَادَتْ خَيْرَ مُدَّخَرِ
عِلْمُ الْكِتَابِ - لَهُ- تَاجٌ يُّكَلِّلُهُ
…
وَسُنَّةُ المُصْطَفَى المُخْتَارِ مِن مُّضَرِ
كَمْ عَالِمٍ فِيهِ؛ أَعْلَى اللهُ مَنْزلَهُ
…
فَوْقَ السُّهَا (4) وَالثُّرَيَّا طَاهِرَ السِّيَرِ
وَالعَسْقَلانِيُّ نَجْمٌ.. في تَأَلُّقِهِ
…
(فَتْحٌ) لَّهُ قَدْ أَتَى مِنْ (بَارِئِ) الصُّوَرِ
كَم مِّنْ تَوَالِيفَ أبْدَى في الْعُلُومِ لَهَا
…
نَفْعٌ جَلِيلٌ يُّحلِّي الجِيدَ بالدُّررِ
إن رُّمْتَ تَبْغِي سَبِيلَ الرُّشْدِ في الأَثَرِ
…
فَاشْفِ الْغَلِيلَ بما في (نخبة الْفِكَر)
(واكْحُلْ بِـ"تَوْضِيحِهَا" عَيْنَ الْبَصِيرَةِ كَيْ
…
تَحظَى بما رُمْتَهُ مِن "نزهَةِ النَّظَرِ")
(1) محمد بن عمر بن عثمان، الشمس المصري الحنفي، نزيل حلب، ويُعرف بابن الشحرور، ولد بعد (760 ?) ، ومات بدمشق سنة (858 ?) ، وله نظم، هكذا ترجم له السخاوي في طبقات الحنفية (ل: 271) بترجمة مختصرة، ولم أقف على غيرها.
(2)
أوردها الشيخ إبراهيم الّلقاني في (قضاء الوطر) ل (3) مصورة عن مكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله، ووردت على طُرّة مخطوطة أصلية لنزهة النظر؛ محفوظة بمكتبة الحرم المكي برقم (777) نُسخت في عام 1263? بالطائف.
(3)
مصدر ميمي منقول لباب الافتعال.
(4)
السُّهَا: كُويكب صغير خفيّ الضوء
…
والناس يمتحنون به أبصارهم، كما في لسان العرب (س ? ا) 14/408.
(للهِ دَرُّ الَّذِي أَنْشَا حَدَائِقَها
…
فَكَمْ رَأَتْ مِن شَذَاهَا الْعُمْيُ بِالْبَصَرِ)
(لا زَالَ يُبْلي ثِيَابَ المجْدِ (1) مَا طَلَعَتْ
…
شمْسٌ وَّغرَّدَ شُحْرُورٌ (2) عَلَى الشَّجَرِ)
أما تاريخ تأليفها: فإن الحافظ رحمه الله ألف (نخبة الفكر) وهو مقيم في بلاده بمصر، وذلك في عام 812 ? كما أرّخ تلميذه السخاوي (3) .
وهذا القول يُعكّر عليه ما اشتهر من أنه ألفها وهو مُسافر، وسبب الشهرة مُستند إلى بيت جاء في نظم النخبة للأمير الصنعاني هو:
أَلَّفَهَا الحَافِظُ في حَالِ السَّفَرْ وَهْوَ الشِّهَابُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ حَجَرْ
وفي نسخة: (ألّفها الحافظ ثاقب النظر)(4) وهي أصوب، ولو كان الشأن راجعا لاختلاف النسخ لهان الأمر، إلا أن الإمام الصنعاني رحمه الله لما شرح هذه المنظومة التي سمّاها (قصب السكر) بشرحه الذي سمّاه (إسبال المطر) ، نقل عن العلامة ابن الوزير رحمه الله، وكان عصري الحافظ- خبرا لم أقف على من وافقه عليه، وبدا لي فيه نظر على ضوء ما جاء عند المترجمين للحافظ ولحياته
(1) في فتح الباري 10/280 قول الحافظ رحمه الله: (العرب تُطلق ذلك وتُريد الدعاءَ بِطُولِ البقاء لِلمُخاطبِ بِذلك) ؛ وذلك في شرحه لدعائه صلى الله عليه وسلم للطفلة (أَمَة) المُكنّاة (أم خالد) : «أَبْلِي وَأَخْلِقِي» ؛ قال: (أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلَق) ، والشاعر يدعو للحافظ - والله يرحمهما- بدوام مجده وعزّه.
(2)
الشُّحْرُور في الأصل: طائر أسود فُوَيق العصفور يُصوّت أصواتا، لسان العرب (ش ح ر) 4/398، وكأنّ ناظمها بدا له ربطُ أبياته هذه باسم شُهرته.
(3)
الجواهر والدرر 2/677.
(4)
كما في شرح المنظومة للشيخ عبد الكريم مراد ص (19) .
العلمية، ولتواريخ رحلاته؛ اللاتي وجدتها شغلت ثلاث فترات من حياته –أولى ووسطى وأخيرة - ولمؤلفاته.
والخبر هو ما جاء في قول ابن الوزير عن الحافظ: (كتب - في سفره إلى مكة، سنة سبع عشرة وثمانمائة- مختصرا بديعا في علوم الحديث)(1) ، ففي السفر المذكور، وفي هذا التاريخ نظر من وجهين:
أولهما: أن الحافظ كان في الفترة من عام (807 هـ) إلى عام (814هـ) مُستقرًّا بمصر غير مُرتحل، والتاريخ الصحيح لتأليف (النخبة) واقع ضمن هذه الفترة كما سبق نقله عن السخاوي، وأكّده السخاوي بقوله - أكثر من مرة - بأنها قُرئت على الحافظ قبل التاريخ الذي ذكره ابن الوزير، وذلك سنة (815هـ)(2) ، ثم إن الحافظ شرح (النخبة) بكتابه (نزهة النظر) شرحا مُدمَجا فيه متنُ النخبة، لكنّ شرحه لها كان في أواخر عام (818 هـ) وفرغ منه في مُستهلّ ذي الحجة من هذا العام (3) ، فلو قُدّر أن ابن الوزير يقصد هذا الشرح فالتاريخ الذي عنده لا ينطبق على هذا، وقد نقل عن كتاب (نزهة النظر) في (العواصم والقواصم) ؛ (ويُسمّيه: علوم الحديث) (4) .
ثانيهما: أنّ رحلات الحافظ في فِئاتها الثلاثِ كما يلي (5) :
(1) مختصر في علم الحديث، لابن الوزير، ل (121أ) ضمن مجموع، وإسبال المطر ص (19) ، ونقل الشيخ عبد الكريم مراد هذا في شرحه للمنظومة ص (19) ، ولم يُنبّه على ما فيه.
(2)
تكرّر ذكر هذا في الجواهر والدرر، انظر: 1/312 و 3/1107 و1109 و1128 و1131 و1165 و1157 و1165.
(3)
الجواهر والدرر 2/677.
(4)
مقدمة تحقيق (الروض الباسم) 1/59، وأحال على (العواصم والقواصم) 9/127، 260، وهو كما ذكر.
(5)
تتبّعت- مؤخّرا- المواضع التي ذكر أرقام صفحاتها د. يوسف المرعشلي في مجلّد (الفهارس الفنّيّة) لكتاب (المجمع المؤسس) ص (441-442) ، واقتصرت في الإحالة على ما كان منها صريحا في ذِكر الموضع والسنة.
أ- الأولى: الفترة الواقعة مدتها ما بين عام (775هـ) إلى عام (799هـ) :
فقد زار بيت المقدس سنة (775هـ) بصحبة والده (1) ، كما ذكر سماعه لصحيح البخاري بمكة سنة (785هـ)(2) ؛ وذلك حين جاور في هذا العام في صُحبة وصيّه وحجّ معه (3) ، وذكر السخاوي أنه حج وجاور مع وصيه عام (786هـ) ؛ (وهو مُراهق، وقبلها وهو طفل مع والده)(4) ، وتعلّم الخط بمكة في السنة المذكورة (5) .
أما رحلاته العلمية -التي أنشأ سفرها- فكانت أوّلها عام (793هـ)، وكان نطاقها - إلى الغاية المذكورة: عام (799هـ) - في بلدان مصر: قوص (6) وبعض بلدان الصعيد عام (793هـ، ثم الإسكندرية في أواخر عام 797هـ، ولم يَعُدْ منها إلا بعد أشهُر من عام 798هـ (7) .
(1) المجمع المؤسس 1/354.
(2)
المجمع المؤسس 3/76.
(3)
المجمع المؤسس 3/96، وانظر: 3/267 و269.
(4)
الجواهر والدرر 1/150.
(5)
المجمع المؤسس 3/185.
(6)
قوص: من مدن جنوب مصر؛ تبعد عن القاهرة بنحو (650) كيلا، كما في (أطلس) طرق مصر، الخارطة ص (21) ، وفي معجم البلدان –4/413- أنها مدينة كبيرة؛ وهي قصبة صعيد مصر؛ وأنها كانت مركزا تجاريا مهماً، أما (الأطلس) المذكور آنفا فإن العلامات الإرشادية في خارطته تفيد أنها اليوم مدينة صغيرة لم يَعُدْ لها ما كان سابقا من أهمية، والطرق الموصلة إليها ثانوية.
(7)
الجواهر والدرر 1/142و145-146.
ب- الثانية: من الفترة الواقعة ما بين أواخر عام (799 هـ) إلى عام (815هـ) ، فبعد عودته من الإسكندرية أقام حتى توجّه في شهر شوال من عام (799 هـ) قاصدا للحجاز عن طريق البحر، ووافق جمعا من الفضلاء بالطور قاصدين اليمن، فرافقهم في رحلتهم مرورا بينبع ثم جدة (1) ، وكانت تلك أولى رحلتيه إلى اليمن حيث وصلها في ربيع الأول من عام (800 هـ)(2) ، وتنقّل عامه ذاك بين بلدانها (3) ، ثم في أواخر عامه ذاك خرج قاصدا للحج، ليؤدّي حجة الإسلام، بصحبة موكب للحج جهّزه الملك الأشرف (4) ، ثم إنه عاد بعد حجة الفريضة إلى مصر، وتنقّل بها تنقُّلاتٍ وَصَفَ السخاوي فيها ما كان من الحافظ بأنه: (أشرف على الاستيفاء وحصول الاستيعاب لما أمكن بالديار
(1) في المجمع المؤسس 3/111 تحت ترجمة (خليل بن محمد الأقفهسي) ذكر الحافظ مُرافقته له إلى مكة من البحر في سنة (799 هـ) وأنه طلع من جدة إلى مكة، وتوجّه الحافظ إلى اليمن، ثم جاور الأقفهسي سنة (800 هـ) ، وأن الحافظ لما قدم لحج هذا العام من اليمن لقيه بمكة، كذلك ذكر أن الأقفهسي رحل إلى دمشق ودخلها عام (802 هـ) ، وأن الحافظ نفسه رحل إليها في العام ذاته فلقيه بها، ثم قدم معه إلى القاهرة؛ فأقام الأقفهسي إلى أن سافر للحج عام (804هـ) ، وأن الحافظ حج عام (805هـ) فلقيه بمكة على ما كان عَهِدَهُ عليه سابقا، وذكرت هذا المقطع لما فيه من تفصيلات؛ بحسبما اشترطتُهُ.
(2)
المجمع المؤسس 2/550 والجواهر والدرر 1/147.
(3)
الجواهر والدرر 1/146-149.
(4)
الملك الأشرف اسمه (إسماعيل الغساني) مؤلف كتاب (العسجد المسبوك في طبقات الخلفاء والملوك) ؛ (ت:803هـ) ، قدّم عنه د. شاكر محمود عبد المنعم دراسة مُستفيضة مع تحقيق قسم كبير من كتابه المذكور، انظر: الحافظ ابن حجر ودراسة مُصنفاته 1/119؛ حاشية (1) ، والخبر في الجواهر والدرر 1/150، وانظر الحافظ ابن حجر ودراسة مصنفاته: 1/124.
المصرية) (1) ، حتى رحل منها إلى الشام، في شعبان من عام (802هـ)(2) .
وكان رَافَقَهُ تقيُّ الدين الفاسي في رحلته لدمشق (3) ، وما زال مُتَنَقِّلاً بين بلدان الشام، وأرّخ مروره بنابلس في سنة (803هـ)(4) ، وفيها رجع إلى مصر؛ وفي صُحبته تقي الدين الفاسي (5) .
وحجّ الحافظ في عام (805 هـ) وجاور بعض السنة التي تليها، ثم رحل من مكة إلى اليمن عن طريق البحر، وهي رحلته الثانية (6) ، وغرقت السفينة،
(1) الجواهر والدرر 1/156، وجاء فيها قبل صفحة: 1/155 قول السخاوي: (لما رجع من حجة الإسلام إلى بلده - في سنة إحدى وثمانمائة- جدّ في استكمال ما بقي عليه من مسموع القاهرة ومصر) ، وجاء معنى هذا عند د. شكر محمود عبد المنعم -في كتابه (الحافظ ابن حجر ودراسة مصنفاته) 1/127- إلا أنه أوهم أن ذلك كان بعد سنة (807هـ)، وممّا يُفيده هذا الخبر: أن الحافظ رحمه الله توقف عن الأسفار في بلدان مصر عند هذا الحد؛ قبل سفره للشام في شعبان سنة (802هـ) لكونه استوفى ما فيها كما ذكر السخاوي هنا، أما وقت تأليف الحافظ للنخبة عام (812 هـ) فلم أقف على خبر يذكر سفره بداخل مصر ولا خارجها بعد عام (807 هـ) إلى أن خرج منها للحج في عام (815هـ) ؛ فمجموع هذا يُفيد ما ذكرته من كون الحافظ لم يُؤلّفها في حال السفر، بل في الحضر، وفي مصر؛ لا في سفر له إلى مكة، والله أعلم.
(2)
المجمع المؤسس 1/354 وانظر: 1/380 و2/365 و499 و572 و581، والجواهر والدرر: 1/156.
(3)
وهو مؤلف (العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين)، ذكر هذا في كتابه:(ذيل التقييد) 1/352-357.
(4)
المجمع المؤسس 1/211.
(5)
(ذيل التقييد) 1/454، و (العقد الثمين) 1/377.
(6)
أشار الحافظ إلى رحلتيه لليمن سنة (800هـ) وسنة (806 هـ) : في كتابه المجمع المؤسس 3/85-86 في ترجمة إسماعيل بن إبراهيم الجحافي التعزّي.
وأنقذه الله وأَكْثَرَ كُتُبِهِ التي اصطحبها وبعضها بخطه (1) ، ولم أقف على خبر يُحدّد تاريخ عودته من اليمن في هذه المرّة (2)، وقد حج عام (806هـ) كما ذكر هو عن نفسه في ترجمة (أحمد بن إبراهيم القوصي) ؛ حيث قال:(حج معنا سنة ست وثمانمائة)(3) ، أما السخاوي فجزم بأن الحافظ كان في جدة في المحرم من عام (807 هـ) ، وأما الحج فلم يجزم به بل ظنّه، وكأنه لم يقف على قول شيخه هذا، ثم ذكر السخاوي أنه عاد من جدة إلى بلده (4) .
هذا ولم أقف بعدها على رحلة للحافظ بمصر ولا خارجها (5) ، حتى حجّ
(1)(الجواهر والدرر) 1/151-152، ووصف الحافظ - بعض ما لاقاه في رحلته- للملك الأشرف باليمن؛ أحمد بن إسماعيل، في قصيدة نظمها له، انظر (الحافظ ابن حجر ودراسة مصنفاته) 1/125-127؛ وأحال على المطبوع من الديوان (47) .
(2)
جاء في آخر (المعجم الأوّل) من المجمع المؤسس: قول الحافظ: (يتلوه المعجم الثاني، وكان الشروع في جمعه بمدينة عدن سنة ست وثمانمائة) ، فلعلّ الحافظ بقي مُتنقلاً بين بلدان اليمن في أثناء عام (806 هـ) ، ثم إنه رحل عنها في عامه نفسه إلى مكة المكرمة.
(3)
المجمع المؤسس 3/21، وقال الحافظ في ترجمة شيخه العراقي - في المجمع المؤسس 2/188 -:(لازمته من شهر رمضان سنة ست وتسعين - يعني: 796هـ - إلى أن حججت في شوال سنة خمس وثمانمائة، سوى ما تخلّل ذلك من سفر إلى الشام وغيرها، ومات وهو في غيبتي في الحجاز) ، وأرّخ وفاته عام (806هـ) .
(4)
الجواهر والدرر 1/152، وفي (العقد الثمين) 1/344 أن الحافظ وولي الدين أبي زرعة -ابن الحافظ العراقي- وقفا بالقاهرة عام (807هـ) على مختصر للفاسي في تاريخ مكة اختصره نفسه من كتاب له؛ وسبق اختصاره له مرتين، وكتب كل منهما ثناء عليه وعلى مؤلفه.
(5)
في سنة (813هـ) - في شهر ربيع الآخر منه- كتب الحافظ تقريظا لكتاب الفاسي الذي سمّاه: (تحفة الكرام بأخبار البلد الحرام) ، وفي التاريخ نفسه قرّظه الحافظ أبو زرعة أحمد بن الحافظ العراقي، ولم يُذكر الموضع الذي كتبا فيه، والظاهر أنه بالقاهرة التي صُرّح بها في التقريظ التالي لتقريظيهما، وفي الجواهر والدرر 1/162 أنه ختم صحيح مسلم بمصر في أواخر هذا العام.
في سنة (815هـ) ، ولم يذكر السخاوي بعدها إلا خروجه من مصر لحجته الأخيرة (1) ، ورحلته الشامية، كما سيأتي.
ج- الثالثة: من سنة (824هـ) إلى أوائل سنة (837هـ) :
حجّ الحافظ حجته الأخيرة في عام (824هـ)(2) ، ورحل- في صحبة السلطان الأشرف (3) -إلى حلب، سنة (836هـ)(4) ؛ ومَرُّوا بدمشق (5) ، وصاموا رمضان وهم في بعض بلدان الشام، وذكر الحافظ توجُّهه - بعد استئذان السلطان، ثم أدائه صلاة عيد الفطر- إلى جهة حلب (6) ، ثم إنهم مكثوا إلى آخر ذلك العام، ثم عادوا إلى مصر فكان وصولهم إليها في المحرم من سنة (837هـ)(7) ، وبعدها لم أقف على رحلة للحافظ، على كثرة الأماكن التي رحل
(1) الجواهر والدرر 1/152-153.
(2)
المجمع المؤسس 2/171، والجواهر والدرر 1/153.
(3)
ذكر الحافظ صُحبته له في المجمع المؤسس 3/15، وذكر تفاصيل الرحلة في كتابه إنباء الغمر 3/492 في حوادث سنة (836هـ)، وترجم للأشرف في: 4/78 وهو: الملك برسباي سلطان مصر؛ تولى عام (825 ?) وتوفي عام (841هـ) ، وانظر التعليق رقم (2) في المجمع المؤسس 3/15، وانظر: 2/317.
(4)
يُضاف لما سبق: الجواهر والدرر 1/176.
(5)
المجمع المؤسس 3/6 و15 و211.
(6)
إنباء الغمر: 3/496-497.
(7)
الجواهر والدرر 1/190.
إليها (1) ؛ إلى العام الذي توفي فيه رحمه الله بمصر عام (852هـ)(2) .
والخلاصة ممّا تقدم - مّما ذكره السخاوي من حجات الحافظ ورحلاته (3) ، ومّما ذكره غيره- لم أقف له رحلة في سنة اثنتي عشرة، ولا في سبع عشرة، ومن ذلك ما نجده عند تقي الدين الفاسي –وكان قد رافق الحافظ في بعض أسفاره وترجم له- فإنا لا نجده يذكر شيئا من هذا (4) .
فأخلص من هذا إلى ما سبق أن قرّرته أن الحافظ ألّف (نخبة الفكر) وهو مقيم في بلاده بمصر، في عام (812هـ)(5) ، والله أعلم.
(1) الجواهر والدرر 1/192-195 سرد فيها ما يُقارب خمسين موضعا.
(2)
الجواهر والدرر 3/1185 وما بعدها.
(3)
الجواهر والدرر 1/142- 192.
(4)
ذيل التقييد 1/352- 357.
(5)
وتاريخ شرحه لها في (نزهة النظر) هو عام (818هـ) - كما سبق - وقد ذكرت الباحثة الفاضلة / سُهيلة الحريري - في مقدمة تحقيقها لشرح (بهجة النظر)(ص 186-187) تاريخي تأليف النخبة والنّزهة، وأردفته بالتاريخ الذي ذكره ابن الوزير بأنّه (قيل غير ذلك
…
) فذكرته معزوّاً إليه؛ مُكتفية بتمريضه.