المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلام على أسباب النزول: - نزول القران الكريم وتاريخه وما يتعلق به

[محمد عمر حويه]

الفصل: ‌الكلام على أسباب النزول:

‌الكلام على أسباب النزول:

إن القرآن الكريم نزل لهداية البشر، وإرشادهم إلى الطريق المستقيم في العقائد والأحكام ومكارم الأخلاق، وأكثر القرآن نزل إلى هذه الأغراض النبيلة من غير سبب، وبعضه نزل مرتبطاً بأسباب خاصة.

فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاشوا معه حياتهم قد تقع منهم حادثة تحتاج إلى بيان حكم الله فيها، وقد يسألون عن أشياء فينزل القرآن لذلك.

فسبب النزول هو ما نزلت الآية أو الآيات أيام وقوعه متحدثة عنه مبينة حكمه والمعنى أن حادثة وقعت أو سؤالاً وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي ببيان ما يتصل بتلك الحادثة مثل حادثة خولة التي ظاهر منها زوجها فأنزل الله تعالى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} (المجادلة:1) . واعلم أنه لا طريق لمعرفة سبب النزول إلا بالنقل الصحيح عن الصحابة رضي الله عنهم. قال الواحدي في أسباب النزول "لا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب ".

فالمعول عليه في أسباب النزول هم الصحابة، ومن أخذ عنهم من التابعين ومعرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تختص بالقضايا، وكثير ما يجزم بعضهم بالسبب وربما لم يجزم بعضهم بالسبب، وربما لم يجزم بعضهم فقال: أحسب هذه الآية نزلت في كذا، كما قال الزبير في قوله تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (سورة النساء: 65) ، روى الشيخان في صحيحيهما1 عن عروة بن الزبير عن أبيه أن رجلاً من

1 -البخاري رقم 2361 في كتاب المساقاة، مسلم برقم 3257. في كتاب الفضائل.

ص: 48

الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون منها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر، فأبى عليه فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير اسق يازبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري ثم قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير يازبير احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك. {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد أشار على الزبير رأيا1.

هذا وقول الصحابة في سبب النزول محمول على الرفع كما نص على ذلك أئمة المصطلح لأنه قول فيما لا مجال للرأي فيه، وبعيد كل البعد أن يقول الصحابي ذلك مِن تلقاء نفسه فعدالته تمنعه من ذلك، فذلك محمول على السماع أو المشاهدة.

أما قول التابعي: في سبب النزول فله حكم الرفع إلا أنه مرسل، قد يقبل إذا صح السند إليه وكان من أئمة التفسير كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير.

واعلم أيها القارئ الكريم أن الصحابة كانوا علماء مجتهدين في معرفة سبب النزول ولذلك جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في صحيح البخاري والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، ولو كنت أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه2.

1 -البخاري كتاب التفسير سورة النساء 2/3، أسباب النزول للسيوطي 1/15.

2 -

البخاري رقم 5002 في كتاب فضائل القرآن مسلم برقم الفضائل.

ص: 49