الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة في إنزال القرآن جملة إلى السماء:
1-
تفخيم أمره وأمر مَن نزل عليه، وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم. قال السيوطي: نقلاً عن أبي شامة في المرشد الوجيز " لولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين: إنزاله جملة ثم إنزاله مفرّقاً تشريفاً للمنزل عليه"1.
2 -
وقال السخاوي في جمال القراء:" نزوله إلى السماء الدنيا جملة تكريم لبني آدم وتعظيم لشأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم ".
والقرآن بالاستقراء كان ينزل حسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل، وصح نزول عشر آيات في قصة الإفك جملة.
ونزول عشر آيات من أول سورة المؤمنون جملة، كما صح نزول {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} وحدها وهي بعض آية وكذا قوله {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} إلى آخر الآيات.
ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري2 عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب
1 -الإتقان في علوم القرآن 1/116 وما بعدها، مباحث في علوم القرآن، ص100 فما بعدها، المدخل في علوم القرآن ص58، فما بعدها.
2 -
رقم 4993 في كتاب الفضائل.
الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل "لا تزنوا" لقالوا لا ندع الزنى أبدا.
اعلم أن القرآن الكريم له وجودات ثلاثة:-
1 -
وجوده في اللوح المحفوظ.
2 -
وجوده في السماء الدنيا.
3 -
وجوده في الأرض.
بنزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقترن النزول إلا بالوجود الثاني والثالث وقد دل القرآن الكريم أنه كان قبل نزوله في اللوح المحفوظ حيث يقول الله تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (البروج: 21-22) .
وهذا اللوح المحفوظ هو الكتاب المكنون الذي قال الله عنه {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الواقعة: 77-80) والذي عليه جمهور المفسرين أن الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ هو السجل العام الذي كتب الله فيه في الأزل كل ما كان وكل ما يكون، والواجب علينا أن نؤمن به وأنه موجود ثابت، أما البحث فيما وراء ذلك فلسنا مطالبين به.
أما كيف كان جبريل يتلقى الوحي، فلا يركن إلى شيء مما قيل في ذلك إلا ما أومأ له الدليل، وأولى قول في هذا المجال هو ما ذكره البيهقي في تفسير قوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} قال: يريد والله أعلم "إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إيّاه وأنزلناه بما سمع، وهذا القول يشهد له ما رواه الطبراني من حديث النواس بن سمعان" مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماء
صعقوا وخروا سجداً، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله بوحيه بما أراد فينتهي به حيث أمر" والحديث وإن لم يكن نصاً في القرآن إلا أن الوحي يشمل وحي القرآن وغيره1.
أما قول من قال إن جبريل أخذ القرآن من الكتاب، لم يسمعه من الله، فهذا قول باطل كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية2 وقد أخبر تعالى بأنه منزل منه قال تعالى {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} (الأنعام: 114) وقال تعالى {حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فصلت: 1-2) . وقال تعالى {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (الأحقاف: 1-2) . فجبريل رسول الله من الملائكة جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البشر والله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس. وكلاهما مبلغ له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية3:" وهو مع هذا كلام الله ليس لجبريل ولا لمحمد فيه إلا التبليغ والأداء كما أن المعلمين له في هذا الزمان والتالين له في الصلاة أو خارج الصلاة ليس لهم فيه إلا ذلك لم يحدثوا شيئاً من حروفه ولا معانيه ".
قال الإمام السيوطي4 قال الجويني: كلام الله المنزل قسمان:
أ - قسم قال الله لجبريل قل للنبي صلى الله عليه وسلم -الذي أنت مرسل إليه إن الله يقول افعل كذا وكذا، ففهم جبريل ما قاله ربه، ثم نزل على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
1 -المدخل 1/255، الاتفاق 1/45، مباحث في علوم القرآن ج1، ص105 وما بعدها.
2 -
الفتاوى 12/127 فما بعدها.
3 -
الفتاوى 12/260.
4 -
الإتقان 1/128.
وقال له ما قاله ربه ولم تكن العبارة تلك العبارة، كما يقول الملك لمن يثق به: قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع جندك للقتال. فإن قال الرسول بقول الملك لا تتهاون في خدمته ولا تترك الجند تتفرق وحثهم على المقاتلة لا ينسب إلى كذب ولا تقصير في أداء الرسالة.
ب – قسم آخر قال الله لجبريل اقرأ على النبي هذا الكتاب فنزل جبريل بكلمة من الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتابا ويسلمه إلى أمين ويقول له اقرأه على فلان فهو لا يغير منه كلمة ولا حرفاً.
قال السيوطي: القرآن هو القسم الثاني، والقسم الأول هو السنة، وقد ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن قال: ولهذا جازت رواية السنة بالمعنى بخلاف القرآن الكريم فإنه نزل جبريل بألفاظه ومعانيه فلا تجوز روايته بالمعنى. والسر في ذلك أن القرآن يقصد التعبد بألفاظه وهو كذلك معجز فلا يمكن لأحد مَهْمَا أوتي من البلاغة والفصاحة أن يأتي بلفظ يقوم مقامه.
كما أن فيه تخفيفاً على الأمة حيث جعل المنزل إليهم على قسمين قسم يروونه بلفظه الموحي به وقسم يروونه بالمعنى، ولو جعل كله مما يروي باللفظ، لشق، أو بالمعنى لم يؤمن التبديل. قال صاحب المدخل1:"وكذلك ليس للنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن شيء إلاّ مجرَّد التبليغ فقط وهذا هو الحق الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده ويؤمن به ".
قال: ولا يلتفت إلى ما زعمه بعض من يهرف بما لا يعرف، أو من يفتري ويختلق من أن جبريل أوحي إليه المعنى، وأنه عبّر بهذه الألفاظ الدالة على
1 -الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله 1/62.
المعاني بلغة العرب، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أو أن جبريل أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم عبر عن هذه المعاني بلفظ من عنده فهذا القول زعم وَخَرْصٌ لم تقم عليه أثارة من علم.
وهو خلاف ما تواتر عليه القرآن والسنة، وانعقد عليه إجماع الأمة من أن القرآن لفظه ومعناه كلام الله ومن عند الله مِنهُ بدأ وإليه يعود.
إلى أن قال: وهذا الزعم لا يقول به إلا جاهل استولى الجهل والغفلة عليه أو زنديق قد يدس في الدين والعلم ما ليس منه.
ولا يغتر بوجوده في بعض الكتب الإسلامية، فأغلب الظن أنه مَدْسوسٌ على الإسلام والمسلمين هذا وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير لشيء منه ولا كتمان له، ولو كان كاتماً شيئاً " حاشاه من ذلك " لكتم تبليغ الآيات التي عوتب فيها ويكفي أن تقرأ قول الحق تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة،: 67.) وقوله {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (يونس: 15.) وقوله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (الحاقة: 44-47)