المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بعض فوائد أسباب النزول باختصار: - نزول القران الكريم وتاريخه وما يتعلق به

[محمد عمر حويه]

الفصل: ‌بعض فوائد أسباب النزول باختصار:

‌بعض فوائد أسباب النزول باختصار:

1-

الاستعانة على فهم الآية وإزالة الإشكال عنها: قال الواحدي "لا يمكن معرفة الآية دون الوقوف على قصتها ". وقال ابن دقيق العيد:معرفة سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. وقال شيخ الإسلام بن تيمية في رسالته أصول التفسير1 "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث معرفة المسبب " ولذلك أمثلة كثيرة منها:-

أ - أن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أشكل عليه فرضية السعي بين الصفا والمروة من قول الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فقال: إن الله نفى الجناح ونفي الجناح يدل على نفي الوجوب فسأل خالته عائشة رضي الله عنها، فقالت له "إن سبب النزول أنه كان قبل الإسلام على الصفا صنم يقال إساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة فلما جاء الإسلام تحرج المسلمون من السعي بينهما فأنزل الله الآية رفعاً للحرج2.

ب - قوله تعالى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة حتى نقل عن الظاهرية أن الآيسة لا عدة عليها إذا لم تَرتَب وقد أزال هذا الإشكال سبب النزول، وذلك أنه لما نزلت الآية التي في البقرة في

1 لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي 1/17، أصول التفسير 1/59.

2 صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3/392.

ص: 50

عدد النساء قال الناس بقي عدد من النساء لم تذكر عدتها، فحينئذ أنزل الله الآية فعلم منها أن حكم عدة اليائسة والصغيرة ثلاثة أشهر، إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم عدتهن1.

ج - – قوله تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فلو تركت على ظاهرها لفهم منها أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة فلما علم أنها نازلة في صلاة النافلة، أو في من عميت عليه القبلة فصلى باجتهاده وبان له الخطأ بعد ذلك زال الإشكال عنه.

د - ومن ذلك ما روى في الصحيح عن مروان بن الحكم أنه أشكل عليه قوله تعالى {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: 188) قال مروان: لئن كان كل أحد فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون، حتى سأل ابن عباس عن ذلك فقال له ابن عباس: إن هذه الآية نزلت في اليهود سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأروه أنهم أجابوه واستحمدوه لذلك2.

(2)

من الفوائد دفع توهم الحصر: قال الشافعي: في قوله تعالى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} الآية قال: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة فجاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال لا حلال

1 مناهل العرفان 1/ المدخل في علوم القرآن 1/138، الاتقان في علوم القرآن 1/45 فما بعدها، مباحث في علوم القرآن 1/79 فما بعدها.

2 صحيح البخاري 3/

ص: 51

إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلوى فتقول له لا آكل اليوم إلا حلوى، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه قال لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل1.

اعلم أيها القارئ الكريم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هذا إذا كان السبب خاصاً واللفظ عاما، فالحكم الذي يؤخذ من اللفظ العام يتعدى صورة السبب الخاص إلى نظائرها كآيات اللعان التي نزلت في قذف هلال بن أمية زوجته {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} . إلى قوله {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (سورة النور 6-9.) فيتناول الحكم المأخوذ من هذا اللفظ العام {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} غير حادثة هلال دون احتياج إلى دليل، هذا هو الرأي الراجح والأصح وهو الذي يتفق مع عموم أحكام الشريعة والذي سار عليه الصحابة والمجتهدون من هذه الأمة2.

أما صيغة سبب النزول فتارة تكون نصا في سبب النزول، وتارة تكون محتملة فتكون نصاً في سبب النزول فيما إذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا، أو إذا أتى بفاء تعقيبيه داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال، كما إذا قال "حدث كذا" أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا فنزلت الآية، فهاتان صيغتان صريحتان في السببية وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما

1 الاتقان 1/25وما بعدها، المدخل 1/130، مباحث في علوم القرآن 1/79، وما بعدها.

2 مباحث في علوم القرآن 1/84، مذكرة الأصول 1/372، الشيخ محمد الأمين.

ص: 52

تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا، فذلك يراد به تارة سبب النزول ويراد به تارة أنه داخل في معنى الآية1.

هذا: وقد يتعدد السبب والمنزل واحد، وذكر العلماء لذلك أربع حالات:-

1 -

إما أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى غير صحيحة فالمعول عليه ما صحت روايته.

2 – أن تكون كلتا الروايتين صحيحة، ولأحدهما مرجح.

3 – وإما أن تكون كل منها صحيحة ولا يمكن الترجيح، وقد يمكن نزول الآية عقبها.

4 – وإما أن تكون كل منهما صحيحة ولا يمكن الترجيح ولا يمكن نزول الآية عقبها.

(1)

مثال الحالة الأولى: أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى غير صحيحة فالمعتمد في السبب الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم اشتكى فلم يقم ليلة أو ليلتين، فجاءت امرأة فقالت: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 2 مع ما أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة والواحدي وغيرهم بسند فيه من لا يعرف عن حفص بن ميرة عن أمه عن أمها، وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير ومات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني فقلت في

1 أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/59-61.

2 فتح الباري 8/71.

ص: 53

نفسي لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله {وَالضُّحَى} فالمعتمد الرواية الأولى لأنها صحيحة أما الثانية وإن كانت مشهورة لكنها غير صحيحة لوجود الجهالة في سندها.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح1:قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ مردود وفي إسناده من لا يعرف.

(2)

مثال الحالة الثانية: التي هي أن تكون كلتا الروايتين صحيحة ولأحدهما مرجح ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لو سألتموه فقالوا حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه ثم قال {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} 2.

مع ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل يريدون النبي صلى الله عليه وسلم 3.

فالأولى تدل على أن السائل اليهود، وأن نزولها بالمدينة والثانية تدل على أن السائل الكفار وأنها نزلت بمكة، والرواية الأولى أرجح لأمرين:

أ - أنها من رواية البخاري.

1 البخاري رقم 4950، مسلم برقم 1797 الجهاد.

2 البخاري برقم 125 في كتاب العلم، ومسلم برقم 2794 في صفة القيام.

3 الاتقان 1/33.

ص: 54

ب - أن الراوي في الأولى وهو ابن مسعود حاضر للقصة ومشاهد لها بينما ابن عباس الذي هو الراوي في الثانية لم يثبت أنه كان مشاهدا لها1.

مثال الحالة الثالثة: التي هي أن تكون كل من الروايتين صحيحة، ولا يمكن الترجيح لكي يمكن نزول الآيتين عقب السببين لعدم العلم بالتباعد مثاله: ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة أو حدّ في ظهرك فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري فأنزل الله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ....} الآية وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع به؟ فسأل عاصم رسول الله فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر عاصم عويمر فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فقال: إنه قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك القرآن

الحديث.

فهاتان الروايتان صحيحتان: ويمكن الجمع بينهما بأن أول من سأل هلال ثم سأل عويمر قبل الإجابة ثم نزلت الآيات2.

مثال الحالة الرابعة التي هي استواء الروايتين أو الروايات في الصحة، ولا مرجح مع عدم إمكان نزول الآية عقبها لتباعد الزمان فالحكم أن يحمل الأمر على تكرر النزول. مثال ذلك ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة

1 مسلم بشرح النووي 10/2120.

2 الترمذي برقم 3140 كتاب تفسير القرآن وأحمد رقم 2309.

ص: 55

أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد، وقد مثل به فقال "لأمثلن بسبعين منهم مكانك" فنزل جبريل بقوله {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِه} مع ما أخرج الترمذي والحاكم عن أبيّ بن كعب قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله سبحانه: وإن عاقبتم فعاقبوا الآية. قال في المدخل:" فالأولى تفيد أن الآيات نزلت عقب أحد والثانية تفيد أنها نزلت يوم الفتح، وبين الفتح وأحد حوالي خمس سنين إلى أن قال فلا مناص من القول بتعدد النزول مرة يوم أحد ومرة يوم الفتح1 ".

1- المدخل في علوم القرآن 1/138، مباحث في علوم القرآن 1/87-90، مناهل العرفان 1/106 فما بعدها.

ص: 56