الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يَنْهَ عن كل أمر ابتدأه مبتدئ، وأحدثه محدث.
كمن1 مَرّ إلى فَسَقَةٍ، أو كُفَّارٍ فدعاهم، ووعظهم، بل هو المَعْنِيُّ بقوله عليه السلام:"من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من اتَّبعه"2 الحديث.، وبقوله:"من سَنَّ سُنَّة حسنة"3. وقال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} 4.
وليس المراد بقوله: "من سَنَّ سُنَّة" أنه يبتدع عبادة أو قولاً لم يأذن الله به.
1 الأصل: (كم) والسياق يقتضي ما أثبت.
2 م: كتاب العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة 4/ 2060 ح 674، من حديث أبي هريرة رصي الله عنه، وتمامه:".. لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".
3 تقدّم، انظر: ص (99) .
4 سورة البقرة، آية:148.
باب تقسيم السنة إلى حسنة وسيئة من حيث اللغة
…
[السنة الحسنة والسنة السيئة]
ومن السُّنة الحسنة؛ ما فعله عمر بن عبد العزيز5 من رد المظالم، وأخذه من الأمراء أموالا6.
ومن السُّنَّةِ السَّيِّئَةِ؛ ما فعله الحجَّاجُ7 من أَيمان البيعة، وجرأته على الدِّمَاءِ بمُجَرِّدِ شبهة، فإنه أحدث أموراً قبيحة.
5 الخليفة الأموي المشهور بالعدل والسيرة المرضية، ولد سنة 61هـ، وتولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك، سنة 99هـ، وتوفي مأسوفا عليه سنة 102هـ بدير سمعان. انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 9/192-200-227.
6 أي وردها إلى بيت مال المسلمين. انظر المصدر السابق: 9/208-216.
7 هو: الحجاج بن يوسف الثقفي (39، 40، 41 - 95) أحد عمال وولاة بني أمية، قال عنه الإمام الذهبيِ:"كان ظلوماً جبارا ناصبياً خبيثاً، سفاكاً للدماء. . وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله". سير أعلام النبلاء 4/343.
وانظر أيضا: ابن كثير: البداية والنهاية 9/139، وابن نباتة: سرح العيون 170-186.
ولهذا عَظَّمَ العلماء من قدر الشافعي، وأحمد1، والجنيد2، وأمثالهم أكثر من غيرهم؛ لأنهم سَنُّوا في الإسلام سنَّةً حسنة، وأماتوا بدعاً سيِّئَة.
قال عليه السلام: "إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها"3.
فمن لم يُفرِّق بين ما ابتدعه الجعد4، وغيلان5، والجهم6، وبين
1 هو الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (164-241هـ) راجع: ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة1/4، وابن الجوزي: مناقب الإمام أحمد.
2 هو: أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز النهاوندي، (220-298هـ) كان شيخ الصوفية في وقته، وكان يقول:"علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدى به". وهذا منهج ابتعد عنه متأخروا الصوفية فلحقهم الذم بسبب ذلك وغيره. انظر ترجمته لدى أبي نعيم: الحلية10/255، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/241، وابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة1/127، والذهبي: السير14/66.
3 د: كتاب الملاحم، باب: ما يذكر في قرن المائة: 4/480ح4291.
الحاكم: المستدرك4/522، وسكت عليه الحاكم والذهبي، وذكر المناوي أن الحاكم صححه ولعله سقط من النسخة المطبوعة للمستدرك، قال الشيخ الألباني:"والسند صحيح ورجاله ثقات، رجال مسلم".
الداني: الفتن ص700-701، وقال محققه:"وقد صرح بصحته عدد من أئمة الشأن" - وذكر ممن صححه -: السيوطي، والعراقي، وابن حجر، والحاكم، والبيهقي، والسخاوي.
4 هو: الجعد بن درهم، أول من ابتدع القول بأن الله لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلا، وقال بخلق القرآن، كان معلما لآخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد، فنسب إليه وقيل له مروان الجعدي.
قتله خالد بن عبد الله القسري يوم عيد الأضحى لمقالته في كلام الله، سنة 124هـ. انظر: الذهبي: ميزان الاعتدال 1/399، وابن كثير: البداية والنهاية 9/364، وابن نباتة: سرح العيون 393-394.
5 هو: غيلان بن مسلم الدمشقي، أبو مروان، قال ابن قتيبة:"كان قبطبا قدريا، لم يتكلم أحد في القدر قبله، ودعا إليه إلا معبد الجهني"، - قلت:"وقبلهما سوسن أو سنسويه كما تقدم ص (104) أخذه هشام بن عبد الملك فصلبه بباب دمشق" المعارف: 484، وانظر: الذهبي: الميزان 3/338.
6 تقدم ص (104) حاشية رقم (4) .
ما أحياه عمر بن عبد العزيز1، والحسن2، وأيوب3، والأوزاعي4، لم يفقه. وإن كان الكُلُّ في اللغة قد ابتدعوا وشرعوا. بل كًلّ نبيٍّ له شِرْعَة ومنهاج بإذن ربه، وإنَما ذمَّ الله مَنْ شرع ديناً لم يأذن به الله.
[المراد بقول عمر: نعمت البدعة]
ومن ذلك قول عمر: "نِعْمت البدعة"5؛ لأنها بدعة في اللغة لا في العُرف الشَّرعي.
ومن بدعة اللًّغة: جَمْعُ المصحف، وشَرَح الله لذلك صدرَ عمر، وزيد6، وأبي بكر، ثم عثمان.
[المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة"]
فقوله: "كُلًّ بدعة ضلالة" ليس المراد كل ما سمي في اللغة بدعة، ويوضحه قوله:"وشَر الأمور محدثاتُها" 7 فكلاهما في العرف صار لما يذَمّ.
1 تقدم ص (106) .
2 تقدم ص (99) .
3وهو: أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (86-131 هـ) ، أحد الأعلام، قال فيه حماد بن زيد:"هو أفضل من جالست، وأشدهم اتباعاً للسنة". الذهبي: التذكرة 1/130، والسير 6/15، وابن سعد: الطبقات 7/246.
4 وهو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (88-157هـ) ، كان ثقة مأمونا، صدوقاً فاضلاً خيراً، كثير الحديث والعلم والفقه، حجة. ابن سعد: الطبقات 7/488.
5 تقدم، انظر: ص 99.
6هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري، كان من علماء الصحابة، وكتّاب الوحي، وهو الذي جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنهما. مات سنة 45هـ في قول الأكثرين. ابن حجر: الإصابة 2/41.
7 تقدم، انظر: ص (94) .
[كمال الدين وعدم الحاجة إلى الابتداع]
وديننا بحمد الله تام كامل مرضيٌّ، قالت تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 1، وقوله عليه السلام:"ما تركت من شيء يُقرِّبكم إلى الجنَّة ويبعدكم عن النار إلاّ وقد حدَّثْتُكُمْ به"2.
فأيُّ حاجة بنا بعد هذا إلى البدع في الأعمال والأقوال؟ قال ابن مسعود: "اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدعوا فقد كفيتم"3.
واتِّبَاع الشرع والدين متعيِّن، واتّباع غير سبيل المؤمنين بالهوَى وبالظَّنِّ وبالعادات المردودة مَقْتٌ، وبِدْعة. اللهمَّ اصرف قلوبنا إلى طاعتك.
1 سورة المائدة آية: 3.
2 عبد الرزاق: المصنف11/125ح20100، من حديث معمر عن عمران عن صاحب له.
الشافعي: الرسالة ص 87 رقم 289، وجماع العلم ص 119 رقم 514. وقال محققه الشيخ أحمد شاكر:"وهو حديث صحيح فيما أرجّح".
3 أبو خيثمةْ: كتاب العلم ص 122رقم 54، وتمامه: "
…
وكل بدعة ضلالة".وقال محققه الشيخ الألباني: "هذا إسناد صحيح".
دي: المقدمة، باب في كراهية أخذ الرأي: 1/69.
ابن وضّاح: البدع والنهي عنها ص 10.
المروزي: السنة ص 28، رقم 78، وقال محققه:"إسناده صحيح".
ابن بطة: الإبانة 1/327 رقم 174-175.
اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/86، رقم104.
الطبراني: المعجم الكبير، قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح". مجمع الزوائد:1/181.
قيل: إن أويساً القَرَني1 قال لهَرم بن حَيّان2: "سَلِ الله أن يُصلح قلبك ونِيَّتَك، فإنّي ما عالجتُ شيئاً عليَ أشد من صلاح قلبي ونِيَّتي"3.
وفي مُسْلم4 عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما بعث الله من نَبيٍّ إلا كان له من أُمَّتِه حواريون، وأنصار يستَنُّونَ بسُنَّتِه، ويَتَّبعون هديَه، ثم يَخْلُف من بعدهم خُلُوفٌ5 يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن6، ليس وراء ذلك من الإيمان حَبَّة خردل".
1 وهو: سيد التابعين في زمانه أبو عمر أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني، أسلم زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن منعه من القدوم عليه برّه بأمه.
ترجم له ابن حجر في الإصابة: 1/187رقم 497، شهد صفين مع علي وقاتل حتى قُتل، وانظر ترجمته أيضا لدى الذهبي في السير: 4/19، وابن سعد: الطبقات 6/161، وأبي نعيم: الحلية 2/79.
2 وهو: هَرِمُ بن حيَّان العَبْدي، ويقال: الأزدي البصري، أحد العابدين، قَدِمَ دمشق في طلب أويس القرني، ترجم له ابن حجر في الإصابة: 10/240رقم 8947، وهو فيه "ابن حبَّان" بالباء. وانظر ترجمته أيضا لدى: الذهبي: السير 4/48، وابن سعد: الطبقات 7/131، وأبي نعيم: الحلية 2/119.
3 لم أقف عليه.
4 كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان: 1/69ح80 وفيه زيادة: "ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن" قبل قوله: "ليس وراء ذلك. . .".
حم: 1/458-461، إلى قوله:"ويفعلون ما لا يؤمرون".
5 خُلُوفُ: جمع خَلْف بتسكين اللام، وهو كل من يجيء بعد من مضى، إلا أنه بالتسكين في الشَّرِ، ويأتي بتحريك اللام في الخير.
انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: 2/65-66.
6 في الأصل (فهو من) .
وفي البخاريّ1 حديث: "من عَمِل عملاً ليس عليه أَمرُنا فهو رَدّ" ولو كانت البدعة مُستَحَبَّةً لكانت مَقبولة.
وقد أَمَرَ بأشياء لم تكن على عهده صل
ى الله عليه وسلم، أو لم تُعمل لعدم الحاجة إليها، أو لانتفاء شرط الفعل، ووجود مانعه، مثل: قتال أهل الرِّدةِ2، وقتال المجوس3، والتُّرْك4، وياج5، والخوارج6، وكأمره بإطاعة أمراء الجور،
1 كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردودْ: 5/ 301 ح2697 من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ " وعلقه بلفظ المؤلف في كتاب: الاعتصام بالسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم: 13/317.
وأخرجه مسلم: في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور:3/1343ح 1718 من حديث عائشة رضي الله عنها.
2 وقد قاتل الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه طوائف المرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقال كلمته المشهورة في ذلك: "والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة
…
" خ: كتاب استتابة المرتدين، باب قتل من أبى قبول الفرائض، 12/275ح 6925.
3 جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم
…
"، خ: كتاب المناقب، باب علامات الساعة، 6/ 604 ح3590.
4 أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في حديث أبيِ هريرة رضي الله عنه: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه دلف الأنوف كأن وجوههم المجّان المطرقة" خ: كتاب المناقب، باب: علامات النبوة 6/ 604ح 3587.
5 أي يأجوج ومأجوج، وهم قوم من ولد آدم يخرجون آخر الزمان، في زمنِ عيسى عليه السلام، كما جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه:"إذ أوحى الله إلى عيسى أَنى قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فَحرِّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون.. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة.." م: كتاب أشراط الساعة، باب ذكر الدجال 18/68-69بشرح النووي.
6 كما جاء في حديث علي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة". خ: كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين 12/283ح6930 وقد قاتلهم علي رضي الله عنه.
والصلاةِ خلفَهم1، وكشروط عمر عَلىَ الذِّمَّةِ2، وكانَ عليه السلام أَقرَّ يهود خيْبَر لفِلَاحَتِها بلا جَزية، ثمَّ أجلاهم عمر، وضرب عليهم الجزية3.
وكذا نزول ابن مريم حكما عدلاً، فيكسر الصَّليب، ويقتُل الخنزير، ويضع الجزية4، وإنَّما يفعل ذلك بأمر نبينا صلى الله عليه وسلم5.
وكذلك ما يفعله المؤمنون في اليوم الطويل، زمَنَ الدَّجَّال في كثرة الصلوات في قوله:" [اقدروا] 6 له قدره"7.
1 في قوله صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حملتم". م: كتاب الإمارة، باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق 3/1474ح1486.
2 أي على أهل الذمّة، وشروط عمر رضي الله عنه، مشهورة بالشروط العمرية. شرحها العلامة ابن القيم في كتاب: أحكام أهل الذمة 2/657 وما بعدها.
3 أخرج قصة إجلائهم وسبب ذلك الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في كتاب الشروط، باب: إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك: 5/327ح2730.
4 كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. . .". م: كتاب الإيمان، باب نزول عيسى عليه السلام حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1/135ح242.
5 لأن عيسى عليه السلام إذا نزل إنما يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، ووضعه الجزية - وهو عدم قبوله لها، إذ لا يقبل من الناس إلا الإسلام- لأن مشروعية قبولها مقيدة بنزول عيسى عليه السلام، كما دلّ عليه الخبر المتقدم، وليس عيسى عليه السلام بناسخ لحكم الجزية بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ بقوله هذا. راجع النووي: شرح مسلم 2/1900.
وهو إذا نزل عليه السلام يكون تابعا لنبينا صلى الله عليه وسلم وعلى ملته، لذا يصلي خلف المهدي ولا يتقدم للإمامة كما في حديث جابر:"فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: "تعال صل لنا" فيقول: "إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة". م: إيمان، باب نزول عيسى 2/193، بشرح النووي.
6 ساقطة من الأصل.
7 م: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال: 4/2252ح2137، من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.
وكذلك أمْرهُ بالقعودِ في يوم الفتنة، وبالفرار إلى الجبَال في غَنَمِه1ِ، وباتِّخاذِ سيف من خشب2.
وكُلُّ ذلك بحسب الأحْوالِ، على ما دَلَّتْ عليه النُّصُوص والعُمُومَات.
ومن ذلك: إذْنُه في دُخول حمَّاماتِ الأعاجم للرجل بمِئْزَرٍ، ومَنع المرأة منه، إلَاّ المريضة، والنُّفَسَاء3، فََلَا يُقَالُ: دُخُولُ الحمَّام بَدعة، فما كان في الحجاز حَمَّامٌ4.
وكذلك المطاعم، والملابس، والدور، والزّيُّ5، قال الله تعالى:{لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} 6، وقال:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} 7.
1خ: كتاب الفتن، باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم: 13/29ح7081-7082من حديث أبي هريرة، وفي كتاب المناقب، باب علامات النبوة: 6/612ح3601.
م: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب نزول الفتن: 4/2212ح2887من حديث أبي بكرة.
2ت: كتاب الفتن، باب ما جاء في اتخاذ سيف من خشب في الفتنة: 4/90ح2203 من حديث أهْبان بن صيفي الغفاري رضي الله عنه.
حم: 5/69.
3د: كتاب الحمّام، باب (1) : 4/301ح4011 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وح2009 من حديث عائشة رضي الله عنها في الإذن للرجال في الميازر وليس فيها ذكر النساء.
جه: كتاب الأدب، باب دخول الحمام: 2/1233ح 3748 من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وح3749 في الترخيص للرجال في الميازر دون النساء.
4 الجملة في الأصل غير واضحة اجتهدت في قراءتها على ما أثبت.
5 في الأصل بالراء، ولعلها "والزّيّ " بالمعجمة كما أثبتُّ.
6 سورة المائدة، آية:87.
7 سورة الجاثية، آية:13.
ولمَّا عَافَتْ نفسه الزْكِيَّةُ أكْلَ الضَّبِّ ما حرَّمَه، واعتذر بأنْ لم يَكُنْ بأرض قومه1، وكان يُحبُّ الحلوى2، والحُلُوَ البَارد3، واللَّحْم4، وأكَلَ الدّجَاج5، والرُّطَبَ، والقِثَّاءَ6، والطَّيِّبَاتِ التي بأَرضه، وتَزَوَّجَ ببضعِ عشْرةَ امرأة، ولَبسَ القميصَ7، والعِمَامَةَ8 والجُبَّةَ الضيِّقَة9، وركبَ الفرس10،
1 خ: كتاب الأطعمة، باب الشواء: 9/542ح 5400، من حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه. وباب الأقط: 9/ 544ح 5402 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وفي كتاب الذبائح والصيد، باب الضب: 9/662 ح 5536، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وح5537 من حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه.
م: كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب: 3/1543ح1945 و1946 من حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه.
2 انظر: خ: كتاب الأطعمة، باب الحلوى والعسل: 9/557 ح 5431.
3 انظر: ت: كتاب الأشربة، باب ما جاء في أيّ الشراب كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: 4/307ح1895.
حم: 6/38-40.
4 انظر: خ: كتاب الأطعمة، باب النهش وانتشال اللحم: 9/545 ح 5404 - 5405.
5 انظر: خ: كتاب الذبائح والصيد، باب لحم الدجاج: 9/ 645 ح 5517.
6 انظر: خ: كتاب الأطعمة، باب القثاء بالرطب: 9/ 564 ح 5440.
7 انظر: خ: كتاب اللباس، باب لبس القميص: 10/ 266ح 5796.
ت: كتاب اللباس، باب ما جاء لبس القميص: 4/237ح 1762 وح1763 و1746 و 1766.
جه: كتاب اللباس، باب لبس القميص: 2/1183ح3575.
8 ت: كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس العمامة السوداء: 4/225ح1735 وقال الترمذي: "حديث جابر حسن صحيح".
جه: كتاب اللباس، باب إرخاء العمامة بين الكتفين: 2/1186ح3587.
9 انظر: خ: كتاب اللباس، باب من لبس جُبَّة ضيِّقة الكمين في السفر:10/268ح5798.
10 فكان له صلى الله عليه وسلم فرس يقال (اللُّحَيف) بالمهملة وقيل بالخاء المعجمة.
خ: جهاد، باب اسم الفرس والحمارِ: 6/58ح2855.
والنَّاقةَ1، والحِمَار2، والبَغْلَةَ3، ولا كان مع ذلك يُكْثِرُ من التَّنَعُّمِ والرَّفاهِيَة، وما خُيِّر بين اثنين أمرين إلاّ اختار أيسرهما4 صلوات الله عليه وسلامه.
قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} 5. وقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} 6.
فاحْذَرِ الورَعَ الفاسِدَ، ولا تَكُنْ عَبْدَ شَهَوَاتِكَ.
وكان يَمْرَضُ ويَتَداوَى، ويَحرص على أدْويةٍ نافعة، وعلى الحِجَامَةِ7.
ومما أًحْدِثَ: تَمْصِيُر الكوفةِ8، والبصْرة9، والمناير10، ووضْعُ الدَّواوين11، وخزائن الأموال12، وأمثال ذلكَ مما فعله الخلفاء الراشدون، والأئمة، أو الأمَّةُ كلُّها.
1 انظر: خ: كتاب اللباس، باب إرداف المرأة خلف الرجل ذا محرم: 10/398ح 5968.
2 انظر: خ: كتاب اللباس، باب الارتداف على الدابة: 10/395ح 5964.
3 انظر: م: كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه: 4/2199ح2867.
4 كما ورد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما
…
". خ: كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم: 6/566ح3560.
5 سورة الطلاق، آية:7.
6 سورة الأعراف، آية:31.
7 انظر: خ: كتاب الطب، باب السعوط: 10/147ح5691، وباب أيّ ساعة يحتجم: 10/149ح5694، وباب الحجم في السفر والإحرام: 10/150ح5695.
8 اختطها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17هـ. انظر: البلاذري: فتوح البلدان: 274.
9 مَصَّرَها الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه سنة 14هـ. انظر: المصدر السابق ص 341.
10 وأول ما أحدثت في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ولم تكن قبل ذلك، كما ذكر السيوطي في الوسائل في مسامرة الأوائل ص 15 فقرة 72.
11 أول من وضع الدواوين، أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. انظر: ابن الجوزي: تاريخ عمر:121.
12 وأول من اتخذ ذلك عمر أيضا رضي الله عنه، قال قتادة:"آخر مال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة ألف درهم من البحرين، فما قام حتى أمضاه، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بيت مال، ولا لأبي بكر، وأول من اتخذ بيت المال عمر بن الخطاب". انظر: المصدر السابق 119.
و [إن] 1استدَلَّ مُتَكَلم على من أَنكر عليه بعض حجاجه، ومسائله، بأنَه بدعة؛ لأنَّ السلف لم ينقَل عنهم نهيك عن هذا، فلابُدَّ أن تجيبه بأن السًلفَ ما احتاجوا إلى النَهي، ودَلَتِ النُّصُوصُ على النَّهْىِ، فالنَهْي حَسَنٌ.
وأيضاً فإذا كان الَفعل بدعة، والبدعة ضلالةٌ، فهذا تناقض.
فالفعل إن ثبت حُسْنُه بأدلَّةٍ شَرعيَّةٍ، فالنَّهْيُ عنه بِدعةٌ، وإن لم يَدَّل عليه الشرع فهو بدعة، والنَّهْي عنه سُنَة.
ورُبمًا كان فَصْلُ الخطاب، أنَّ بعض الفعل حَسَن، وبَعْضُه سيّئ، مثاله: النَظَر والمُنَاظَرَةُ، فالجدالُ بالحسنى حَسَنٌ، ومِنْه مَذْمُومٌ، قال الله تعالى:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} 2، وقال تعالى يجمع الأمرين:{هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} 3
فمن جادل في الحق بعد ما تبين فهو مَذْمُوم، سواء قصد نصر إمَامِه، أو هَوَاه، وجادل بلا علم.
ومنه قوله عليه السلام في السُّنَنِ: "القُضاةُ ثلاثة: قاضيان في النَّارِ وقاضٍ في الجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الحق فقَضَى به فهو في الجنَّةِ، ورجلٌ قَضَى على جهلٍ فَهو في النارِ، ورَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فقَضَى بخلافه، فهو في النَار" 4
1 ليست في الأصل والسياق يقتضي إثباتها.
2 سورة غافرِ، آية:4.
3 سورة آل عمران، آية:66.
4 د. كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطئ: 4/5ح 3573 من حديث ابن بريدة عن أبيه.
جه: كتاب الأحكام، باب الحاكم يجتهد: 2/776ح 2315، من حديث ابن بريدة عن أبيه.
ت: كتاب الأحكام، باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي: 3/613ح 1322، باختلاف في لفظه.
وصححه الشيخ محمد ناصرِ الدين الألباني في إرواء الغليل: 8/235ح 2614.
وكذلك الْمُفْتِي، والشَّاهد، والمفتي1، والمصنِّف، والمحدِّث، فمن تكلم بلا علم فجاهل، أو حَادَ عن الحقِّ فظالم، أو تكلم بعلم فله أجران إنْ أَصابَ، أو أجرٌ إِنْ أخطأ.
فمن جادل الخَصْمَ بحُجَجٍ صَحِيحة دَلَّ عليها النَّصُّ أو الإِجماع عند الحاجَةِ فَهُو مُحْسِنٌ إن صَلحت نِيَّتُه، وذلك من فُروض الكفايات والنّهْي عنه عدوان.
ومن جادل بلا حُجج، وأعرض عن النُّصُوص، ومَشَى مع رأيِهِ وهواه كما يفعله كثير من المتكلّمين، فهو من المذمومين لاسيَّما إذا أوقعه2 حِجاجُه في التزام ما3 يخالف الكتابَ والسُّنَّة، ونَهْيُه سُنَّةٌ حسنةٌ، قال الله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} 4، وقال:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} 5.
1 كذا في الأصل وهو تكرار.
2 في الأصل (وقعه) .
3 والأصل (مما) وما أتبت يقتضيه السياق.
4 سورة النساء، آية:69.
5 سورة النور، آية:54.
[ما ينبغي للعالم فعله تجاه النوازل من المسائل]
فعلى العالِمِ أن يُفَتِّشَ على المسألة النازلة في كتاب الله، فإن لم يجد فَتَّشَ السًّنَن، فإن لم يجد نَظَرَ في إجماع الأمَّةِ. وهذا هو المجتهد المطلق، وأَنَّى يُوجدَ ذلك.
[الاستدلال بتركه، أو إقراره مع علمه صلى الله عليه وسلم]
ومن الدّليل على مسائل عِدَّة: تركُهُ، أو إقرَاره مع علمه عليه السلام بالمسألة كما يُسْتَدل بتركه الزكاة في الخضروات التي بالمدينة على عدم الوجوب1، وبتركه نَْهيَه للحَبَشَة عن الزَّفْن2 في المسجد على الرُّخْصةِ3، وبترك التأذين في العيد والكسوف، والاستسقاء على عدم الاستحباب4، وأنه ليس بدين فما أمسك عن فعله، أو5 الأمر به والنَّدْب، مع قيام المقتضي دَلَّ على أنه ليس بَحَسَن ولا بِرٍّ.
1 وقد استدل بذلك الإمام أحمد رحمه الله وغيره من فقهاء الحديث، فلم يوجبوا في الخضروات زكاة، لما في الترك من عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه. راجع: المغني: 4/158.
والحديث الذي رواه الترمذي في كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الخضروات 3/30 ح 638: أن معاذ رضي الله عنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضروات فقال: "ليس فيها شيء" قال عنه الترمذي: "ليس بصحيح، وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.. والعمل على هذا عند أهل العلم أن ليس في الخضروات صدقة" استدلالاً بتركه صلى الله عليه وسلم الزكاة فيها.
2 في الأصل (الدفن) وهو تصحيف، والزفْنُ: اللعب والدفع والرقص. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: 2/305.
3 انظر: م: كتاب العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد: 2/609 ح 18-21.
4 انظر: خ: كتاب العيدين، باب المشي والركوب إلى العيدين بغير أذان ولا إقامة: 2/451 ح959-960.
م: كتاب العيدين، 2/604 ح886-887.
5 في الأصل (إذ) وهو تصحيف.
وما أُحدِثَ بعده، وكَانَ بنا إليه حاجَةٌ فحَسَنٌ كفرض1 عمر للصحابة وغيرهم2، وكالتراويح3، وجَمْعِ الناس على مُصحف4.
ثم خَلَف قومٌ اعْتَدوا في الجُوع، والسَّهَرِ، والرَّهْبَانِيَّةِ، وفي المسائل، والسماع، وفي بَذْلِ بُيوت الأموال لمَن شاءوا، ومَنْعِ المستحق، وتعدَّوا في العقوبات، والجور، واحْتَالُوا على الرِّبا، وبالغوا في نفيِّ الصِّفَات، أو في إثْبَاتها، وتَنَطَّعُوا، وزيّدوا5، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وقد يَفْعَلُ المُسْلِمُ بعضَ الأمور بنَوْعِ تَأْويلٍ فيخطئ، والله يغفر له، وقد يتوبُ، وينقاد للحق، أو له حَسَنات مَاحية.
وقد كَثُر المنكر والمُحْدَث، فَليَنْهَ6 الفقيهُ عَمَّا أمْكَنَ من البدع بنِيَّةٍ خالصة، وليحذر7 الغضبَ، فإن الفُرقة هَلَكَةٌ والجماعة رحمة. ويروى "أنه ما ابتدع قوم بدعة إلاّ رفع منهم من السنة مثلها".
[المشروع في استماع القرآن وأقسام من أعرض عنه]
شَرَعَ الله استماع القرآن، ونَدَبَ إليه، وذَمَّ من يُعرضُ عنه. فأعرض قوم
1 في الأصل (لعرض) وهو تصحيف.
2 ذكر ابن الجوزي عن أبي هريرة رصي الله عنه أن عمر فرض للمهاجرين في خمسة آلاف، وللأنصار في أربعة آلاف، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أثنى عشر ألفا. انظر: تاريخ عمر: 121.
3 تقدم قول عمر في جمع الناس عليها: "نعمت البدعة".
4 حيث جمعهم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على مصحف واحد وأمر بتحريق ما سواه.
انظر: المصاحف لابن أبي داود. ص 26-27.
5 في الأصل رسمها أقرب إلى (الرا) بدال الدال.
6 في الأصل (فليت) وَما أثبت يناسب السياق.
7 في الأصل: بالتاء.
عن حقيقته وفَهْمِه الذيَ يخشع له القلب، ثم صاروا لونين:
لوناً1: فتنوا واقتصروا على ظاهره، وعلى تلاوتِه أمانيّ كأهل الكتاب.
ولوناً: طلبوا رقَّةَ قلوبهم بسماع غيره كالرُّهبان.
وكُلٌ من الطائفتين يقول للأخرى: لستم على شيء.
ولا رَيْبَ مع كل منهما نوع من المشروع.
[وقوع التفريط في مسمى السنة والشرع]
وكذا وقع التفريطُ في مُسَمَّى السُّنَّةِ، حتى أخرج عنها بعضُ مسمَاها2 وعُدَّ بدعة، وأُدخل فيها ما ليس منها بخبر منها قول شاذ.
وكذلك الشّرع أدخل في مُسَمَّاه أشياء في العبادات، والمعاملات، والأنكحةِ، والعقوبات، وغير ذلك مما فيه اختلاف فصار الشرع عند العَامِّي عبارة عَمَّا يحكم به قاض وإن كان جاهلا.
أمَّا الشَّرْعُ المُنَزَّل فما ثبت بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.
وأما الشرع المُبَدَّل، كما يصدر من جهة الحًكَّام، والوكلاء3، فالمنزَّل واجب، والثاني شائع4، والثالث منهيُ عنه.
الطيّبَات، أحلها الله لنا وحَرَّمَ الخبائث.
فأما اليهود فبِظُلمٍ منهِم حَرَّم الله عليهم طيبات، وحمل عليهم آصارا ً كما
1 كذا في الأصل.
2 في الأصل (مسمَّاه) وهو تحريف بيّن.
3 كذا.
4 كتبَت الكلمة بدون نقط، فتقرأ (شائع) وتقرأ (سائغ) .
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ} 1 الآية.
فالمُحَرَّمُ خبيث: كالدِّم، والميْتَةِ، وأكْلِ مالٍ بالظُّلمِ، كالرِّبا، والقِمَار، وأكْلِ السم، والسِّبَاع، والرَّخَم، وكُلِّ حيوان خبيث الغِذَاء، إذ الاغتذاء به يورث الطبع بغيا، واعتداء.
وكذا الدَّم هو الحامل للاغتذاء به، يورث الطبع بغياً واعتداء، لقوة الشّهوة، والغضب، وكذا الخمر، فالمحرمات تَضرّ المزاجَ والدِّينَ أو أحدهما.
[حد المعروف والمنكر]
وكذا من أكل فوق عادته يتضرر به، فالمعروف2: كل صلاح وعدل وخير، والمنكر: كل فساد وبغي وظلم وفحش.
[حد الطيب والخبيث]
والطيب: كل حلال مريّ هنيّ، من كسب طيب.
والخبيث: كل حرام وبيِّ نكدٍ مؤذٍ، من كسب مُحَرَّم، قال تعالى:{قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ3 أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} 4 وفي الحديث:
1سورة الأعراف، آية: 157 وتمامها: {الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: الآية: 157) .
2 في الأصل (كالمعروف) .
3 في الأصل (ولا) .
4 سورة المائدة، آية:100.
"الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وما سكت عنه فهو مما عفي"1.
[سماحة شريعتنا ورفع الآصار والأغلال عن هذه الأمة]
ونبينا صلى الله عليه وسلم بُعث بالحنيفيّةِ السَّمحةِ، وبوضعِ الآصار والأغلالِ، وبإباحة طيبات كثيرة حُرِّمت على أهل الكتابين، فلله الحمد على دين الإسلام الحنيفي، فإنّه يسر، ورفق، ورحمةٌ للعالمين.
فأباح الله لنا الغنائم2، ولَحْمَ الإبل3، ومواكلةَ الحائض4، وأَباح لنا
1ت: كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء: 4/ 220 ح 1726 من حديث سلمان رضي الله عنه، وقال
الترمذي فيه: "وهذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه".
جه: كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن: 2/1117 ح 3367 من حديث سلمان بزيادة: (في كتابه) في الموضعين.
وضعفه الشيخ الألباني، فقال:"وخلاصة القول: أن الراجح في هذا الحديث أنه موقوف كما جزم به أمير المؤمنين في الحديث (البخاري) ، ولم نجد له طريقاً أخرى قوية نرجح بها المرفوع".. وأشار إلى أن في حديث "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو
…
" الذي رواه الحاكم وصححه 2/ 375 وحسنه الألباني في غاية المرام 14/5 ح 2- 3 غُنية عن الموقوف إذ هو في معناه.
2 قال عز وجل: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنفال:69)، وقال صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر
…
وأحلت لي الغنائم". أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" 3/533ح438 من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
3 قال تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (المائدة: من الآية1) .
وقال تعالى: {وَمِنَ الأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْن} - إلى قوله- {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه} (الأنعام: 144-145) .
4 أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرَّقُ العَرَق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ". كتاب الحيض، باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد:1/245ح300.
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سعد قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض؟، فقال:"واكلها". كتاب الطهارة، باب ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها: 1/240ح133.
قال ابن كثير: "ويحل مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلاف". تفسير القرآن العظيم: 1/379.
وقد كان اليهود لا يواكلونهن، أخرج مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي فأنزل الله تعالى:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (البقرة: الآية:222) آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اصنعوا كل شيء إلاّ النكاح" 1/246ح302كتاب الحيض.
العمل في السَّبْت1، وأربعاً من الزوجات، وعِدَّة من السراري2، والعفو عن أثر الغائط3، والتطهير بالتراب، والصلاة في الأرض إلا المقبرة والحمام4، ولطف بنا في أشياء كثيرة، ووعدنا بإجابة الدعاء5، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 6.
وشرع لنا نبينا كُل عبادة تقربنا إلى الله، وعلّمنا ما الإِيمان، وما التوحيد.
1 وقد كان محرماً على اليهود العمل في يوم الست، وقد مسخ الله جماعة منهم عملوا فيه قال تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (البقرة:65) وكان من يعمل فيه يقتل عندهم، وقد جئ إلى موسى برجل وجد يحتطب في يوم السبت فأمر بقتله، كما جاء في سفر العدد: الإصحاح 15 فقرة (33-36) .
2 فقال الله عز جل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ} (النساء: الآية:3) .
3 وقد كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم البول قرض موضعه، كما في حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم "كانوا- أي بني إسرائيل- إذا أصابهم البول قطعوا ما أصابه البول منهم.." أخرجه: الإمام أحمد في المسند 4/196.وأبو داود في السنن، باب الاستبراء من البول 1/26. وهو في مسلم من كلام أبي موسى، طهارة رقم 74.
أما هذه الأمة فقد خفّف الله عنها، فيكتفي بغسل موضع البول كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. راجع كتاب الطهارة في الصحاح والسنن، وانظر مثلا سنن أبي داود 1/171ح247.
4 قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المتقدم: "
…
وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً".
5 فقال عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر: الآية:60) .
6 سورة إبراهيم، آية:34.
وتَركنا على البيضاء ليلها كنهارها، فأيُّ حاجةٍ بنا إلى البدع في الأقوال، والأعمال، والأحوال، والمحدثات.
ففي السنة1 كفاية وبركة، فيا ليتنا نَنْهَضُ ببعضها علماً وعملاً، وديانة، ومعتقداً.
[تفاوت البدع في الشر والخبث]
فَشَرُّ البدع وأخبثُها ما أخرجَ صاحِبَها من الإِسلام، وأوجبَ له الخلود في النَّار، كالنُصيْرِية2، والباطِنِيَّةِ3، ومن ادّعى4 نُبَوَّةَ عَليٍّ، ثم بعدهم غلاة الرافضة5، وغلاة الجهمية6، والخوارج7، وهؤلاء مُتَرَدَّدٌ في كفرهم. وكذا مَنْ صرّح بخلقِ القرآن، أو جَسَّم، أو جحد الصفات، أو شَبَّه الله بخلقه.
1 في الأصل: (الستر) وهو تحريف بيِّن.
2 في الأصل: (المصرية) وهو تصحيف، وسميت نصرية نسبة إلى مؤسسها: أبي شعيب محمد بن نصير النميري (ت270هـ) ، ويقال لهم "النميرية" أيضا، وهي فرقة باطنية غالية، يقول اتباعها بألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأحلّوا كثيراً من المحرمات.
انظر في شأنها: الأشعري: المقالات: 1/86، باسم"النميرية"، والبغدادي: الفرق بين الفرق: 252، والشهرستاني: الملل والنحل: 1/188، والسكسكي: البرهان: 67، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة: 511، وانظر: أحمد محمد جلي: دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين: ص 243، ط: الأولى، فقد ذكر كلاماً عن أصل هذه الطائفة، وعقائدها، غير أنه في الطبعة الثانية للكتاب أضاف مبحثاً جديداً تحت عنوان"النصيرية والشيعة الإمامية من ص و (325-330) "، ذكر فيه اجتماع وفد علماء شيعة إيران بعلماء النصيرية، وإصدارهم بيانا تضمن أن العلويين- شيعة، وأن"العلويين" و"الشيعة" كلمتان مترادفان مثل "الإمامية" و"الجعفرية" وأن مذهبهم هو المذهب الجعفري.
ثم علق المؤلف على ذلك بقوله:"ولا شك أن هذه خطوة طيبة ينبغي الإشادة بها في سبيل تصحيح عقائد النصيرية من دائرة الغلو الخرافية الفاسدة التي كانوا يعتقدونها".
مع أن المؤلف نفسه أثبت في الطبعة الأولى غلو"الإمامية" المتقدمين منهم والمعاصرين، في أئمتهم وأن لهم مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما أثبت غلو الإمامية في الحط على الصحابة وتكفيرهم.
فهل يصح بعد ذلك أن يشيد بانتقال النصيرية أو بعضهم إلى عقائد الإمامية، ويعدُّ ذلك خطوة في طريق تصحيح عقائد النصيرية، وهل هذا منهم إلا انتقال من غلو مقيت إلى غلو مثله، أو هو إضافة غلو إلى ما عندهم من الغلو.
وينبغي أن يتنبه إلى أن للمؤلف في هذه الطبعة الثانية إضافات في مواضع أخرى على ما في الطبعة الأولى، زلّ فيها قدمه - عفا الله عنا وعنه -، فندّها فضيلة شيخنا الدكتور علي بن محمد بن ناصر فقيهي في الدراسة التي أعدّها فضيلته عن طبعتي الكتاب وما وقع فيه المؤلف من مجانبة للحق فيما زاده في الطبعة الثانية في مواضع، نشرت هذه الدراسة في العدد (101-102) من مجلة الإسلامية سنة 1414-1415.
3 الباطنية: لقب اصطلاحي تندرج تحته اتجاهات لطوائف وفرق مختلفة، القاسم المشترك فيما بينها، أو الصفة العامة التي تجمعها: تأويل النص الظاهر بالمعنى الباطن.
قال الغزالي:" إنما لقّبوا بالباطنية لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللّب من القشر، وذكر لهم ألقاب أخرى.
انظر في شأنها: البغدادي: الفرق بين الفرق: 181، والشهرستاني: الملل والنحل: 1/192، والغزالي: فضائح الباطنية: 11، واليافعي: ذكر مذاهب الفرق اثنتين وسبعين: 89، والاسفرائيني: التبصير في الدين:140، وصابر طعيمه: دراسات في الفرق: 75.
4 في الأصل: "الدعى"وهو خطأ.
5 تقدم التعريف بهم: (103) وفي الأصل (الرفضة) .
6 تقدم التعريف بهم: (104) .
7 تقدم التعريف بهم ص: (101) .
ثم دونهم: القدرية1، ودعاة المعتزلة2، ومَنْ ينقص3 بأبي بكر وعمر4، ثم من تنقّص بعثمان، وعلي، وعمّار، وعائشة رضي الله عنهم5.
ثم دونهم الشيعة الذين يُحبّون الشيخين، وُيفَضِّلون علياً عليهما6، والزيدية7.
فبدع العقائد تَتَنَوَّع أعاذك الله وإيَّانا منها.
وخلائق من كبار العلماء رحمةُ الله عليهم بَدَّعَ بعضُهم بعضاً، من الشافعيةِ، والحنفيةِ، والحنابلةِ، وأهلِ الأثرِ، وأهل الكلامِ، ومثبتةِ الصفات
1 وهم القائلون بنفي القدر وأن الله لم يقدر أفعال العباد ولم يخلقها، وتقدم أن روَّادَ هذا القول هم: سنسويه، ومعبد الجهني، وغيلان الدمشقي، ثم تبنَّاه المعتزلة ولُقِبوا بالقدرية لذلك. انظر ص (104) .
2 المعتزلة: سمّوا بذلك نسبة إلى الاعتزال وهو: الاجتناب، وسبب تسْميتهم بذلك أن مقدمهم واصل بن عطاء (80-131هـ) لما أحدث القول بأن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر وأنه في منزلة بين المنزلتين، اعتزل مجلس شيخه الحسن البصري (110هـ) وأخذ يقرر مذهبه هذا ويدعو إليه، فسمّي هو ومن اعتزل معه بالمعتزلة انظر: الشهرستاني، الملل والنحل 1/48. وزهدي جار الله، المعتزلة: ص 2.
3 كذا بالياء.
4 وممن يتنقّص منهم الرافضة، فلهم فيهما أقوال شائنة أدناها تأخيرهما عن مرتبتهما، وأعلاها القول بتكفيرهما وبذلك تغلظت بدعتهم.
5 وهم الخوارج انظر: السجزي، الرد على من أنكر الحرف والصوت: ص 218.
6 وهؤلاء هم المفضِّلة إحدى طواف الشيعة قال. شيخ الإسلام ابن تيمية: عن شيعة علي: "كانوا ثلاث طوائف:
طائفة: غلت فيه كالتي ادّعت فيه الألوهية، وهؤلاء حرَّقهم بالنار.
وطائفة: كانت تسبّ أبا بكر، وكان رأسهم عبد الله بن سبأ، فلما بلغ عليا ذلك طلب قتله فهرب.
وطائفة كانت تفضّله على أبي بكر وعمر، قال - أي علي رضي الله عنه:"لا يبلغني عن أحد منكم أنه فضّلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حدَّ المفتري". الفتاوى: 4/407.
7 الزيدية: إحدى فرق الشيعة. قال الأشعري: "وإنما سمُّوا"زيدية" لتمسكهم بقول"زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،..... وكذا زيد بن علي يُفضّل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولى أبا بكر وعمر، ويرى الخروج على أئمة الجور". المقالات: 1/136.
القرآنية لا الخبرية1، ومثبتةِ السبع2 دون غيرها، ومثبتةِ ما ثبت من3 الأخبار دون ما حَسُن، على اختلاف آرائهم، ومبالغة بعضهم في التنزيه، والتأويل، أو مبالغة بعضهم في الإقرارِ والإمرارِ، وذَمِّ التأويل، فبَيْنَ هؤلاء نزاع، وخلاف شديد مع إيمانهم الكل4 بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث، والقدر، والانقياد5 للكتاب، والصحاح، والإِجماع، وتعظيم الرّب، وإجلاله، ومراقبته، والانقيّاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والخضوع له، والمحافظة على الفرائض، والطهارة، والابتهال إلى الله في الهدى والتوفيق، مع الذكاء والعلم.
وبعضهم يتعجّب من بعض كيف خالف في تأويل6 الصفات، كما يتعَجَّبُ الآخر منه ومن سعة علومه كيف جمد على إثباتها وأَقَرَّهَا. وبعضهم يتعْجَّبُ مِنْ هؤلاء ومِن هؤلاء كيف لم يسكتُوا كما سكت الجمهور، وفوّضوا ذلك إلى الله ورسوله، حتى إن التلميذَ يتعجَّب من شيخه، والمفضولَ منهم مِنَ الأفضل، ونحن نرجو للجميع العفو والمغفرة، ويعد خطأهم7 مع بذل
1 وهؤلاء هم أكثر متقدمي المتكلمين من الأشاعرة، يثبتون الصفات السمعية القرآنية كالوجه واليد،.. وأما ما لا يرد إلا في الحديث فأكثرهم - أي المتقدمين- لا يثبتها، وأما متَأخروهم فأكثرهم يتأوّل جميع الصفات الخبرية، القرآنية منها والحديثية.
انظر:. ابن تيمية، الفتاوى: 12/32. وعبد الرحمن المحمود، موقف ابن تيمية من الأشاعرة: ص 1224، ط: الأولى 1415هـ، نشر مكتبة الرشد.
2 في الأصل (السبعة) والمراد بها: الصفات السبع التي يثبتها جميع الأشاعرة وهي: (العلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، والحياة) أثبتوها لأن العقل دل عليها، ثم إنهم لما وجدوا السمع وافق العقل في هذا احتجوا به، وهذا خلاف منهج السلف الصالح رحمهم الله الذي يقوم على الإقرار بما ورد في الكتاب والسنة وإن لم نعلمه بعقولنا. انظر: عبد الرحمن المحمود، المصدر السابق: ص 1049، 1051. وراجع: ابن تيمية، شرح الأصفهانية: ص12، تقديم: مخلوف.
3 في الأصل (من) مكررة.
4 كذا في الأصل والجملة مضطربة، ولعل صحتها (إيمان الكل) .
5 في الأصل: الدال ساقطة.
6 في الأصل (التأويل) .
7 كذا في الأصل ولعل الصواب (خطؤهم) أو لعل الكلمة التي قبلها (ونعُدُّ) بالنون.
الوسع، وحسن النية في الأصول والفروع شيئاً واحداً1، أعني أرباب هذا النوع، الذين لا مَحِيْدَ لهم عن الكتاب والسًّنة.
[بدع العبادات والعادات]
وأمَّا بدَعُ العبادات، والعادات، فخطبها يسير، وكتلاوة2 جماعة بتطريب3، وأذانهم4، وصلاة النصف5، والحلاوة فيه، وأمثال ذلك من الشعارات، والهيئات، والنِّيَّات، والحوادث وأشباه ذلك، ولكنّ الخير كله في الإتّباع واجتماع الكلمة.
1 أي: إنه من باب الاجتهاد الذي يؤجر صاحبه مع خطئه فيه، لاجتهاده وحسن نيته في طلب الحق. فهذا يعذر ويؤجر، ولكن من تبين له من أتباع هؤلاء مذهب السلف ومنهجهم في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات، وجب عليه اتباعه، ولا عذر له في اتباع أئمته على اجتهادهم بعد تبين خطئهم، وثبوت رجوع أكثرهم عند موتهم وفي آخر حياتهم.
2 كذا بالعطف في الأصل، ولعل الواو زائدة.
3 في القراءة بالتطريب قولان:
أحدهما: المنع والكراهة.
والثاني: الجواز.
فقد روي منع ذلك وكراهته عن بعض أئمة السلف، كأنس بن مالك رضي الله عنهما، والإمام أحمد والإمام مالك، وسعيد بن المسيب وغيرهم.
وروي الجواز عن عمر وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم، والإمام أبي حنيفة وأصحابه.
ذكر القولين الإمام ابن القيم، وذكر أدلة كل قول، ثم ذكر أن فصل النزاع في المسألة: أن التطريب على وجهين:
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة من غير تكلف ولا تمرين، فذلك جائز حتى وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كمال قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم:"ولو علمت أنك تسمع لحبرته تحبيرا".
قال: وهذا الذي كان السلف يفعلونه، ويستمعونه، وهو التغنّي الممدوح، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.- أي أدلة المجيزين -.
والوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصل إلاّ بتكلف وتصنّع وتمرّن، كما تتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على
إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف، فهذه هي التي كرّهها السلف، وعابوها، وذمّوها، ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول - أي المانعين- إنما تتناول هذا الوجه". انظر: زاد المعاد: 1/484-493.
4 التطريب في الأذان: هو التغني به بحيث يؤدي إلى تغيير كلماته وكيفياتها، ونقص بعض حروفه، أو زيادة فيها محافظة على توقيع الألحان. فهذا - بدعة - لا يحلّ إجماعاً.
والأذان الجماعي: هو المعروف بالأذان السلطاني، وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك، ولا خلاف في أنه مذموم مكروه لما فيه من التلحين والتغني وإخراج كلمات الأذان عن أوضاعها العربية وكيفياتها الشرعية. انظر: علي محفوظ، الإبداع في مضار الابتداع: ص 176.
5 لعل مراد المؤلف: صلاة النصف من الشعبان.
وهي من البدع التي أحدثت، وقد رويت أحاديث في فضل هذه الصلاة كلها موضوعة. انظر: ابن الجوزي، الموضوعات: 2/127. وراجع عن هذه البدعة: الطرطوشي، الحوادث والبدع: 261-267. ورسالة "التحذير من البدع" لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: ص 11-16.
[مشابهة أهل الذمة في أعيادهم وحكم ذلك]
أما مشابهة الذِّمة في الميلاد1، والخميس2، والنيروز3، فبدعة وحشة.
فإن فَعلها المسلم تديُّناً فجاهل، يزجر وُيعَلَّم، وإن فعلها حُبّاً [لأهل الذِّمة] 4 وابتهاجاً بأعيادهم فمذموم أيضاً، وإنْ فعلها عادةً ولعباً، وإرضاءً لعياله، وجبراً لأطفاله فهذا محل نظر، وإنما الأعمال بالنيَّات، والجاهل يُعذر ويبين له برفق، والله أعلم.
وكتبت هذه النسخة من خط مُؤلِّفها الحافظ الذهبي وقوبلت على خطِّه.
1 المراد به: اليوم الذي ولد فيه عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة والسلام. انظر: المقريزي، الخطط: 1/ 494.
2 "الخميس ": عيد من أعياد النصارى، ويسمونه الخميس الكبير، وذلك أن الأسبوع الذي يقع في آخر صوم النصارى يسمون خميسه الخميس الكبير، ويسمى: خميس البيض، لأنهم يصنعون لأولادهم فيه البيض ويصبغونه، لأنهم فيه يأكلون ما يحرج من الحيوان من لحم ولبن وبيض، إذ صومهم هو عن الحيوان وما يخرج منه، وإنما يأكلون في صومهم الحب وما يصنع منه.
ويزعمون أن في مثله نزلت المائدة على عيسى عليه السلام، فهو يوم عيد المائدة. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/478-480.
وللمؤلف رحمه الله رسالة في هذا اليوم وإنكار تشبه المسلمين بالنصارى فيه سماها "تشبه الخسيس بأهل الخميس " طُبعت بتحقيق: علي حسن عبد الحميد، نشرتها دار عمار في الأردن عام 1408 هـ.
3 النيروز: بفتح النون: كلمة فارسيهَ معَربة، وأصلها في الفارسية " نوروز" وهي لفظة مركبة من كلمتين: أولاهما " نو" بفتح النون وضمها، ومعناها الجديد، وثانيهما " روز" وتفسيرها: اليوم، فمعناها: اليوم الجديد.
وهو عيد من أعياد الفرس، ويُعد أعْظم أعيادهم، ويقال: إنّ أول من اتخذه " جمشيد " أحد ملوك الفرس الأول، ويقال فيهْ "جمشاد ".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والنيروز: أول أيام السنة الفارسية، ويستمر خمسة أيام بعده.
ويحتفل أقباط مصر بالنيروز، وهو أول سنتهم، وهو المعروف بعيد شم النسيم.
قال المؤلف رحمه الله في رسالة "تشبه الخسيس بأهل الخميس" ص 46: "فأما النيروز، فإن أهل مصر يبالغون في عمله، ويحتفلون به، وهو أول يوم من سنة القبط، ويتخذون ذلك عيداً، يتشبه بهم المسلمون وهو أول فصل الخريف".
راجع عن هذا اليوم: الخطط للمقريزي:1/494. والأزمنة والأمكنة، للمرزوقي: 2/288. ومقدمة عبد السلام هراس لكتاب النيروز لأبى الحسين أحمد بن فارس، ضمن كتاب: نوادر المخطوطات: 2/4 وما بعدها.
4 في الأصل العبارة هكذا: (حبّا لله ذمه
…
) .