المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌((أيهما تقدم اليدين أم الركبتين حال السجود)) - نهي الصحبة عن النزول بالركبة - جـ ٢

[أبو إسحق الحويني]

الفصل: ‌((أيهما تقدم اليدين أم الركبتين حال السجود))

((أيهما تُقدم اليدين أم الركبتين حال السجود))

أبو الحسن وليد بن محمد المصباحي الوصابي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين القائل: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"، وَالصلاة والسلام على نبينا محمد القائل:" صلوا كما رأيتموني أصلي "

أما بعد:

فإن من المتعارف عند طلبة العلم أنهم إذا أرادوا أن يتكلموا في مسألة من مسائل الدين سلكوا المنهج العلمي في بحثهم وَاعتمدوا على الضوابط والقواعد التي قررها أهل العلم وابتعدوا عن الأهواء المذمومة ومن جملة هذه القواعد:

1) النظر في المتن فرعُُ عن النظر في الإسناد

فلا نستطيع أن نبدي رأينا في المتن حتى نعرف هل هو ثابت أم ليس بثابت؟

2) المسألة المطروحة للبحث لا تأخذ شكلها النهائي إلا بعد المرور بأربع مراحل:

أولاً: التحقيق وهو الإتيان بالحُكم مع دليله.

ثانياً: التدقيق وهو الإتيان بالحُكم السابق المراد إثباته من طريق آخر أي من غير دليله المشهور أو المعتمد.

ثالثاً: التنميق وهو تحسين العبارة عند الوصول إلى الحُكم وذلك بإسلوب لُغوي سهل.

رابعاً: التوفيق وهو سلامة الحُكم في المسألة عن المُعارض المُسقط له.

3) لا يُكتفى في البحث المتعلق بالحديث النظر فقط إلى الإسناد مُجرداً عن النظر إلى المتابعات وَالشواهد واللغة ومقتضى الذوق السليم والنظرالصحيح وكلام أهل العلم عموماً من المتقدمين والمتأخرين بل وَالمعاصرين، وَرحم الله من قال:

قُل لمن لا يرى للأواخر شيئا

ويرى للأوائل التقديما

قد كان ذاك القديم جديدا

وسيغدو هذا الجديدُ قديما

4) لا يجوز التقليد في دين الله لمن كان له أهلية البحث والمعرفة بضوابط وقواعد العلماء، أما من كان عامياً أو طالب علم مبتدئ فإنه يُقلد من يثق بدينه وعلمه وأمانته.

ص: 31

5) لا بد أن تعرف سِر الخِلاف في المسألة المطروحة بين يديك، فقد تجد في المسألة اعتراضات كثيرة مبناها على أساس واحد، فتعمد إلى معالجة أصل الخِلاف حتى تتساقط هذه الاعتراضات.

وَالمسألة التي بين أيدينا هي هل إذا سجدت بعد قيامك تُقدم يديك أم ركبتيك؟؟

وَالجواب على ذلك: أن نقول هذه المسألة مبنية على عِدة محاور:

1-

المحور الحديثي بتفاصيله.

2-

المحور الفقهي بخِلافه.

3-

المحور الُلغوي بدلالته.

4-

المحور النظري بحججه.

وَنلاحظ أن سِرَ الخِلاف يكمن في المحور الحديثي، وَنناقش أدلة المختلفين في التصحيح والتضعيف على حسب القواعد التي تحكم الجميع ونجعلها كأرضية مشتركة بين الفريقين:

أخرج أبو داود عن عبد العزيز الداروردي حدثنا محمد بن عبد الله الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كم يبرك البعير، وَليضع يديه قبل ركبتيه)) وَأخرجه النسائي وَغيره من أصحاب السُنن.

هذا الحديث تكلم فيه المُضعفون له بسبب " الدراوردي " وَ " محمد بن عبد الله الحسن " فقالوا أن الداروردي تُكلم فيه من قِبل حفظه مع العلم أنه من رجال مسلم وَحديثه لا ينحط عن درجة " الحسن " لا سيما وقد تابعه " عبد الله بن نافع " عن " محمد بن عبد الله بن الحسن " عن أبي الزناد به مختصراً بلفظ

((يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل)) ، فهذه متابعةُُ قوية من ابن نافع أخرجها النسائي والترمذي وأبو داود، فاندفعت بذلك العلة الأولى وَبشِدة وَعبد الله بن نافع ثقة من رجال مسلم، ومن المعلوم في علم المصطلح أن تفرد الثقة لا يضر، فما بالك إذا تُوبعَ براوِ ثقةٍ أيضا.

ص: 32

قال الخطيب البغدادي في " الكفاية "ص597: ((زيادة الثقة مقبولة إذا تفرد بها، وَلم يفرقوا بين زيادة يتعلق بها حُكم شرعي أو لا يتعلق بها حُكم، وَبين زيادة توجبُ نقصاناً من أحكام تثبت بخبرٍ ليست بتلك الزيادة)) وهذا قول الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث كابن حبّان والحاكم وجماعة من الأصوليين منهم الغزّالي في " المستصفى " وَجرى عليه النووي في مصنفاته وهو ظاهر تصرفُ مسلم في صحيحه.

وَالقول بقبول رواية الثقة إذا تفرد بالحديث من أصله أولى بقبولها إذا زاد في الحديث، لأن تفرده بالحديث من أصله لا يتطرق نسبة السهو وَالغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة في روايته لهم

ومن أوضح الأمثلة فيما تقرر حديثُ الأعمال بالنيات، فإنه لم يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَلم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي وَلم يروه عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ورواه عن يحيى خلق كثير قاله ابن دقيق العيد في شرحه للأربعين النووية، مع أن هذا الحديث قاله عمر على المنبر وهو من أساسيات الدين بل نصف الدين -كما قاله الشيخ بن باز رحمه الله، وَالهمم متوافرة لنقله فلماذا لم يثبت إلا من هذا الطريق الغريب! فهل معنى ذلك أن نرد هذا الحديث لتفرد الثقة والقول بعدم قبول تفرد الثقة بالحديث يلزم منه رد خبر الآحاد؟؟؟

"وَقد اتفق جميع أهل العلم على أنه لم انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوه وذهابهم عن العلم به معارضاً ولا قادحا في عدالة راويه ولا مبطلاً له"

ص: 33

" وَيدل أيضا على صحة ما ذكرناه أن الثقة العدل يقول سمعت وحفظت ما لم يسمعه الباقون وهم يقولون ما سمعنا ولا حفظنا وليس ذلك تكذيباً له وإنما هو إخبارُُ عن عدم علمهم بما علمه وذلك لا يمنع علمه به ولهذا المعنى وجب قبول الخبر إذا انفرد به دونهم "

وَأما قولهم أن البخاري أعله فنقول هذه العلة ليست بعلة إلا عند البخاري بناءً على أصله المعروف وهو إشتراط معرفة اللقاء وَليس ذلك بشرط عند جمهور المحدثين بل يكفي عندهم مجرد إمكان اللقاء مع أمن التدليس، وَحيث قال البخاري:" وَلا يُتابع عليه، وَلا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا " فنقول الجواب من وجوه:

أ- قد تقدم الكلام في تفرد الثقة، و" محمدبن عبد الله بن الحسن " ثقة.

ب- وقول البخاري" أسمع من أبي الزناد أم لا " يدل على تطرق الشك والاحتمال، فلا نستطيع أن نقول أن البخاري يعله بعدم سماع محمد بن الحسن من أبي الزناد، والأصل سماعه منه فلا يُنتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، وَقد أسلفنا أنه برئ من تهمة " التدليس "، وَالسبب في قول البخاري " لا يتابع عليه " بناءً على مذهبه في اشتراط ثبوت اللقاء وقد نص العلماء كالإمام مسلم والحاكم وابن حبان والباقلاني والصيرفي وقد جعله مسلم قول كافة أهل الحديث وهو أن لقاء الرواي لِمن روى عنه بالعنعنة ممكناً من حيث السِن وَالبلد وَكان الحديث متصلا ولم يأت أنهما اجتمعا قط بشرط برائته من " التدليس " وأن القول بإشتراط ثبوت اللقاء قول مخترعُُ بل لم يُسبق قائله إليه وبالغ في رده وطوّل في الإحتجاج لذلك في مقدمة صحيحه، وهناك كتاب بعنوان " السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الأمامين في السند المعنعن " لأبي عبد الله محمد بن عمر السبتي بتحقيق محمد الحبيب بن الخوجه

ص: 34

وقد صحح البخاري نفسه أحاديث على غير شرطه في الصحيح مثل بعض الأحاديث التي عرضها الترمذي عليه مما يدل على أن هذا الشرط شرط كمال في صحة الحديث وَزيادة تثبت لِما عُرفَ به من دقته وَأمانته رحم الله الجميع.

وَلايفوتني أن ننوه على أن " محمد بن الحسن " لم يُعرف بتدليس ثم هو قد عاصر أبي الزناد وأدركه زماناً طويلا فإنه مات سنة 145 هـ وله من العمر ثلاث وَخمسين سنة وَشيخه أبوالزناد سنة 130هـ فالإتصال ثابث لا ريب فيه بناءً على القواعد والضوابط التي يتحاكم إليها الجميع.

وأما قول من قال بأن محمد بن الحسن كان يميل إلى العزلة والخلوة فهذا ليس بقادح لا من قريب ولا من بعيد فإن الرجل من أهل البادية يأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وَيسمع منه الحديث ويتفرد به ولا يُقدح فيه بسبب جهله أو بداوته مثل ذلك حديث رجل من أهل البادية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئاً إتقاء الله إلا أتاك الله خيراً منه " رواه أحمد فلماذا لا نقول إن هذا الرجل أعرابي مقل بل مجهول الاسم فلا نقبل روايته التي تفرد بها عن باقي الصحابة السبب في ذلك أنه عدلُُ بتعديل الله له.

جـ- وهنا نقطة لا بد من التنبيه عليها أثارها قول من قال " أن محمد بن الحسن غير معروف بحمل العلم " والجواب: أنه قد اتفق أهل الحديث على اشتراط أربعة شروط في الراوي الذي يؤدي الحديث وهي:

1-

التكليف

2-

العدالة

3-

الضبط

4-

التيقظ

وهناك شروطُُ مختلف فيها مثل:

1-

اشتراط العدد في تأدية الراوية

2-

أن يكون مشهوراً بطلب الحديث

3-

أن يكون معروف النسب

4-

أن يكثر من الراوية

5-

أن يكون عالماً بالمعاني اللغوية

6-

أن يكون مجتهداً إذا روى راوية مخالفة للقياس من كل وجه

7-

أن لا يكون محدوداً في قذف

ص: 35

قال الشيخ الدكتور حسن محمد الأهدل في كتابه " مصطلح الحديث وَرجاله " معلقاً على هذه الشروط: والصحيح أن هذه الشروط المختلف فيها مردودة وليس عليها دليل يثبت اعتبارها، والذي ينبغي لمن تكلم في الحديث عن رسول الله أن يكون واسع الإطلاع على كتب السنة المشهورة المعروفة المتواترة عن مؤلفيها الموثق بهم وأن يكون عالماً بمصطلح الحديث وقواعد المحدثين مميزاً بين الصحيح والحسن والضعيف والموضوع وأن تكون لديه ملكة وفهم يدرك به معاني الأحاديث الصحيحة والأحكام المستفادة منها وأن يهتدي في كلامه بما ثبت عن الأئمة المجتهدين الموثوق بهم وبإجتهادتهم أهـ.

وفي هذا الكلام المتقدم رد واضح على من اشترط لقبول رواية الراوي أن يكون معروفاً بحمل العلم ولو كان الأمر كما يدعون لرددنا أكثر الأحاديث الصحيحة وَالله المستعان.

د- ومما يزيد القلب طمأنينة بصحة حديث أبي هريرة هو حديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا ووصله ابن خزيمة في صحيحه وَأبو داود كما في " اطراف المزي " قال البخاري: " وقال نافع عن ابن عمر كان إذا سجد وضع يديه قبل ركبتيه " وهنا أورده البخاري بصيغة الجزم فهذا يدل على أنه صحيح عنده وَهذا الحديث كما قال الحافظ من طريق الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمرأنه كان يضع يديه قبل ركبتيه. وقال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك.

قال الحاكم: " فأما القلب في هذا فإنه إلى حديث ابن عمر أميل، لروايات في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين ".

ص: 36

وهذا الحديث أخرجه البيهقي ثم علق عليه بقوله له: " كذا قال عبد العزيز، ولا أراه إلا وهما " يعني أن رفع الحديث وهم، لكن تعقبه ابن التركماني بقوله:" حديث ابن عمر المذكور أولاً أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وما علله به البيهقي من حديثه المذكور فيه نظر لأن كل منهما معناه منفصل عن الآخر وحديث أبي هريرة أولاً دلالته قولية وقد تأيد بحديث ابن عمر فيمكن ترجيحه على حديث وائل بن حُجر لأن دلالته فعلية على ما هو الأرجح عند الأصوليين"

وقد تكلم بعض العلماء في راوية الداروردي عن عبيد الله بن عمر خاصة حيث قالوا ومما يدل على ذلك ما أخرج البيهقي من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: " إذا سجد أحدكم فليضع يديه وإذا رفع فليرفعهما " قال الحافظ: " ولقائل أن يقول هذا المرفوع غير الموقوف فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين والثاني في وضع اليدين في الجملة " وهذا يشرح قول ابن التركماني المتقدم، ولم يخالف عبد العزيز أيوب لأنه زاد الرفع وهي زيادة مقبولة منه إعمالاً للقاعدة التي ذكرناها في تضاعيف البحث بل إن عبد العزيز قد حفظ هذه السُنة وأكبر دليل على ذلك راويته للموقوف والمرفوع معاً، ومما يدل أيضا على حفظه مخالفة محمدبن عبد الرحمن بن أبي ليلى في راويته عن نافع به بلفظ:" أنه كان يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه ويرفع يديه إذا رفع قبل ركبتيه " أخرجه ابن أبي شيبه وهذا منكر لأن ابن أبي ليلى سيء الحفظ وقد خالف في مسنده الدراوردي وأيوب كما رأيت.

وهذه الأمور هي التي جعلت الحاكم يميل قلبه إلى أثر ابن عمر، وجعلت صاحب "عون المعبود" يقول (إسناده حسن)

أضف إلى ذلك انضمام هذا الشاهد لحديث أبي هريرة يجعله حسناً على أقل أحواله، إذن نقول يتبين من هذا البحث عن هذا الحديث أنه حديث صحيح لا مرية في ثبوته.

ص: 37

وَنأتي الآن إلى الشق الآخر من المحور الحديثي وهو حديث وائل بن حُجر وهو: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم من طريق يزيد بن هارون أخبرنا شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حُجر. قال البيهقي: " إسناده ضعيف " وقال أيضاً: " هذا حديث يُعدُ في أفراد شريك القاضي وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلا. هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين "

وقال ابن العربي في " عارضة الأحوذي " حديث غريب.

نستفيد من هذا الكلام أن حديث وائل ضعيف بعدة عِلل:

الأولى: ضعف شريك: قال إبراهيم بن سعد الجوهري: " أخطأ شريك في أربعمائة حديث" وقال النسائي: " ليس بالقوي " وضعفه يحيى بن سعيد القطان جداً، وأما قول الحاكم" أنه صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي فهو وهم، فشريك أخرج له مسلم متابعةً ولم يُخرج له احتجاجا فأنى يكون على شرطه؟ وقد صرّح بذلك الذهبي نفسه في الميزان ثم كأنه ذهِل عنه، قال الدارقطني عقب الحديث " تفرد به يزيد عن شريك ولم يُحدث به عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به " بل قال يزيد بن هارون الراوي عن شريك: " إن شريكاً لم يروي عن عاصم غير هذا الحديث " وهو سئ الحفظ عند جمهور الأئمة بل صرّح بعضهم أنه كان قد اختلط فلذلك لا يُحتج به إذا تفرد، فكيف إذا خالف غيره من الثقات الحُفاظ حيث روى زائدة بن قدامة وهو ثقة ثبت عن عاصم بن كليب أخبرني أبي أن وائلاً بن حُجرالحضرمي أخبره قال وَذكر حديثاً طويلاً رواه أحمد وأبوداود والنسائي وَصححه ابن خزيمة وابن حبان والنووي وابن القيم، وليس فيه ما ذكره شريك، فتأمل!!!

ص: 38

لثانية: مخالفة همام لشريك قال حدثنا شقيق أبو الليث قال حدثني عاصم بن كليب عن أبيه مرسلا أخرجه أبوداود والبيهقي وقال " قال عفان هذا الحديث غريب "، وقد خالف شقيق شريك القاضي أرسله، قال الذهبي:" شقيق عن عاصم بن كليب وعنه همام لا يُعرف " قال الحافظ في (التقريب)" مجهول "

ومن طريق همام حدثنا محمد بن جُحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا الحديث واهٍ فعبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئاً كما قال ابن معين والبخاري وغيرهما

واما قولهم إن لهذا الحديث شواهد يتقوى بها فسننظر ما هي هذه الشواهد وما درجتها وهل تصلح أن تكون شواهد؟.

1 -

اخرج ابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي من طريق محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة مرفوعا فذكره وهذا موضوع وآفته عبد الله بن سعيد فقد كذبه يحيى القطان وقال أحمد (منكر الحديث متروك الحديث) وقال ابن عدي (عامة ما يرويه الضعف عليه بين) وقال الحاكم أبو أحمد (ذاهب الحديث)

2 -

أخرج البيهقي من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل قال حدثني أبي عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين) هذا الحديث إسناده ضعيف جدا فيه ثلاث علل: -

إبراهيم بن اسماعيل قال فيه ابن حبان في روايته عن أبيه بعض المناكير. قال العقيلي (لم يكن إبراهيم يقيم الحديث)

الثانية أبوه اسماعيل بن يحيي متروك كما قال الأزدي والدارقطني

الثالثة يحيى بن سلمه واه. تركه النسائي وقال أبو حاتم وغيره (منكر الحديث) وقال ابن معين (لا يكتب حديثه) والحق ما قاله النووي في المجموع (ولا حجة فيه لأنه ضعيف)

فكيف يكون هذا الإسناد معضد لحديث وائل؟؟؟؟

ص: 39

3-

حديث أنس رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم (انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه) أخرجه الدارقطني من طريق العلاء بن إسماعيل العطار حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس به.

قال البيهقي في المعرفه: (تفرد به العلاء وهو مجهول) ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه في العلل " حديث منكر " فكيف تكون هذه المناكير معضدات لحديث وائل بل تدل هذه على نكارة حديث وائل كما تقرر في علم مصطلح الحديث، وَأزيدك تأكيداً حيث أخرج الطحاوي في " شرح المعاني " من طريق عمربن حفص بن غياث ثنا أبي ثنا الأعمش قال حدثني إبراهيم عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود قالا:(حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخرُ البعير، وَوضع ركبتيه قبل يديه) !!

عمربن حفص من أثبت الناس في أبيه قد خالف العلاء فجعله عن عمر لم يتجاوزه، فهذه علة أخرى.

قال الحافظ في " اللسان": (وقد خالفه عمر بن حفص بن غياث وهو من أثبت الناس في أبيه فراوه عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وَغيره عن عمر موقوفاً عليه، وَهذا هوالمحفوظ) أ. هـ

وَهذا الأثر الصحيح يعتبر فصل في مورد النزاع يتعين إليه المصير حيث بيّن أن عمر كان يُقدم ركبتيه قبل يديه وَأن هذا الفعل هو كما يخر البعير، فهو حُجة لنا لا علينا، وبذلك نكون قد انتهينا من المحورالحديثي.

ونشرع الآن في المحور الفقهي بخِلافه فنقول:

اختلف العلماء في مسألة هل يُقدم إذا سجد بعد الرفع من الركوع يديه أم ركبتيه؟ إلى ثلاثة آراء:

1-

يتعين عليه أن يُقدم ركبتيه، وَهو قول الشافعي وأبي حنيفة وَرواية عن أحمد وَمسلكهم الفقهي في ذلك هو اعتمادهم على حديث وائل وَتضعيف حديث أبي هريرة.

2-

مُخيّر في ذلك وهي راوية عن مالك وَأحمد وَاختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وَمسلكهم الفقهي في ذلك أن الحديثين ضعيفان، فُيرجع إلى الأصل وَهو أن المطلوب السجود على الصفة التي لا تشق على المُكلف.

ص: 40

3-

يتعين عليه تقديم اليدين وَهو قول مالك والأوزاعي وَالمُحدثين وَمسلكهم الفقهي في ذلك ثلاثة أمور:

أ- على افتراض ضعف الحديثين، فلا مانع من الاستئناس بالهيئة التي تُناسب الخشوع في الصلاة، وليس فيها إيلام للركبتين وَلا شك أنها تقديم اليدين حيث قال مالك (هو أحسن في خشوع الصلاة) .

ب- على افتراض صحة الحديثين، فحديثُ أبي هريرة قولي وَحديث وائل فعلي وَقد تقرر في علم الأصول أن دلالة القول مقدمة على دلالة الفعل لأن القول يدل على العموم وَالفعل يحتمل الخصوص.

جـ- بناءً على ما سبق في البحث الحديثي، فحديثُ أبي هريرة صحيح، وَحديث وائل ضعيف، فيُعمل بالصحيح وَيُترك الضعيف.

وَنلاحظ أن الرأي الأول لم يبحث جيداً في ثبوت الأحاديث وَلم يتبين لهم الصحيح من الضعيف فهم معذرون في ذلك، وَأما الرأي الثاني فهو أحسن من الأول لأنه قد بحث في الحديثين وتبين له ضعفهما، فرجع إلى الأصل لكنه لم يتفحص في الأنسب من حيث النظر الصحيح، وَأما الرأي الثالث فقد بحث بحثاً شاملاً فلم يكتف بتضعيف الحديثين في الفرض الأول بل اختار منهما ما يُناسب خشوع الصلاة وَسلامة البدن، وَفي المسلك الثاني افترض صحتهما وَوفق بينهما على طريقة أهل العلم في الجمع بين النصوص، وَالمسلك الثالث عرف أن سِر الخِلاف في ثبوت الأحاديث، فبحثها بتفصيل على طريقة أهل العلم وعرف أن الصواب صحة حديث أبي هريرة وَضعف حديث وائل، فترجح بذلك الرأي الثالث وَهو تعين تقديم اليدين على الركبتين.

وَننتقل إلى المحور الُلغوي بدلالته فنقول:

ص: 41

إن ركبة ذوات الأربع من ضمنها البعير في يديه كما قاله ابن منظور في " لسان العرب " وَالأزهري في " تهذيب اللغة " وَابن سيدة في " المُحكم وَالمحيط الأعظم" وابن حزم في " المحلى " وَروى أبوالقاسم السرقسبطي في " غريب الحديث " بسندٍ صحيح عن أبي هريرة أنه قال: (لا يبرك أحد بروك البعيرالشارد) يعني لا يرمي بنفسه في السجود على ركبتيه كما يفعل البعير الشارد وَلكن عليه أن يطمئن فيضع يديه ثُم ركبتيه، وَفي قصة سُراقة بن مالك:(وَساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين) أخرجه البخاري وَغيره.

وَننتقل الآن إلى المحور النظري بحُججه مُبتدئين بما ذكره الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في " شرح الترمذي":

1-

قال: " وَحديث أبي هريرة نص صريح وَمع هذا فإن بعض العلماء ومنهم ابن القيم حاول أن يعله بعلة غريبة فزعم أن متنه انقلب على راويه وَأن صحة لفظه لعلها (وَليضع ركبتيه قبل يديه) ثُم ذهب ينصر قوله ببعض الراويات الضعيفة وَبأن البعير إذا برك وضع يديه قبل ركبتيه فمقتضى النهي عن التشبه به هو أن يضع الساجد ركبتيه قبل يديه. وَهو رأي غير سائغ لأن النهي هو أن يسجد فينحط على الأرض بقوة وَهذا يكون إذا نزل بركبتيه أولاً والبعير يفعل هذا أيضاً وَلكن ركبتاه في يديه لا في رجليه وهو منصوص عليه في " لسان العرب" لا كما زعم ابن القيم " أ. هـ

أقول وَلو سألت راعي إبلٍ لأخبرك أن ركبة البعير في يديه وَهو يخر عليها.

2-

أن خرور مجموعة كبيرة من المصلين على ركبهم يُحدث صوتاً يُخل بالخشوع وَالسكينة، وَقد كنت ذات يومٍ في أحد المساجد الصغيرة وَكان به دورعلوي، فعندما يسجد الناس وَأنت بالدور السفلي تسمع جلبة الرُكب مما يُذهب الخشوع وَيُوحي بعدم التزام الأدب في المسجد، وَلو أن هذه المجموعة قدموا أيديهم في سجودهم لكان هذا ادعى إلى السكون والخشوع المفترض في بيوت الله.

ص: 42

3-

لو كنت جالساً وَجاءك رجلان لأجل أن يجلسا إليك فأما أحدهما فانحط على ركبتيه والآخر وضع يديه، فأيهما احرى بالتواضع والأدب؟؟ لا شك أنه الثاني بإجماع العُقلاء من أجل ذلك قال الإمام مالك (هو أحسن في خشوع الصلاة) بل هذا هو ما كان عليه السلف رحمهم الله حيث قال الأوزاعي:(أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم) ذكره المروزي في مسائله بسندٍ صحيح، وَقال ابن أبي داود:(وَهو قولُ أصحاب الحديث)، وَقال الحافظ ابن سيد الناس:(أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح.... قال وينبغي أن يكون حديثُ أبي هريرة داخلاً في الحُسن على رسم الترمذي لسلامة رواته من الجرح) .

4-

وَأما فعل عمر رضي الله عنه فالذي يظهر وَالله أعلم أن عمر كان طِوالاً جسيماً وَبالأخص كان طويلَ الرجلين كما هو مذكور في سيرته وَقد جرت العادة أن من كان هذا وصفه يشق عليه وَيتحرج أن يُقدم يديه، فهو يصنع ما يسهل عليه فعله.

5-

الإكثار من تقديم الركبتين يُحدث مع الزمن ألماً فيهما فكان الاعتماد على اليدين أخف على الركبتين كما ذكر ذلك الحافظ في " الفتح " عن الزين ابن المنير.

*** خاتمة البحث ***

يتبين من خِلال هذه المحاورالتي تُعتبر ضوابط يمشي عليها أهلُ العلم تبين أن تقديم اليدين على الركبتين في السجود واجب لا محالة، وَقد قال بهذا القول من العلماء المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله وَغيره، وَرجحّه الشيخ محمد المختارالشنقيطي حفظه الله وَمن بدا له غيرَ هذا الرأي فليرد رداً علمياً من خِلال نقده لتلك المحاور بشرط أن يكونَ نقده على طريقة أهلِ العلم.

وصلى الله على نبينا محمد وَعلى آله وَأصحابه وَسلم تسليماً كثيرا

وَكتب أبوالحسن وليد بن محمد المصباحي الوصابي

ص: 43