المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بسم الله الرحمن الرحيم - تحريم النظر في كتب الكلام

[ابن قدامة]

الفصل: ‌بسم الله الرحمن الرحيم

‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الْحَمد لله حمدا موافيا لنعمه مكافئا لمزيده وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مخلص فِي توحيده وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبده وَرَسُوله خَاتم أنبيائه وَخير عباده صلى الله عليه وسلم وعَلى آله وصحابته وَسَائِر المتمسكين بسنته المحتذين لطريقه

أما بعد فإنني وقفت على فضيحة ابْن عقيل الَّتِي سَمَّاهَا نصيحة

ص: 29

وتأملت مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْبدع القبيحة والشناعة على سالكي الطَّرِيق الْوَاضِحَة الصَّحِيحَة فَوَجَدتهَا فضيحة لقائلها قد هتك الله تَعَالَى بهَا ستره وَأبْدى بهَا عَوْرَته وَلَوْلَا أَنه قد تَابَ إِلَى الله عز وجل مِنْهَا وتنصل وَرجع عَنْهَا واستغفر الله تَعَالَى من جَمِيع مَا تكلم بِهِ من الْبدع أَو كتبه بِخَطِّهِ أَو صنفه أَو نسب إِلَيْهِ لعددناه فِي جملَة الزَّنَادِقَة وألحقناه بالمبتدعة المارقة

وَلكنه لما تَابَ وأناب وَجب أَن تحمل مِنْهُ هَذِه الْبِدْعَة والضلالة على أَنَّهَا

ص: 31

كَانَت قبل تَوْبَته فِي حَال بدعته وزندقته

ثمَّ قد عَاد بعد تَوْبَته إِلَى نَص السّنة وَالرَّدّ على من قَالَ بمقالته الأولى بِأَحْسَن كَلَام وأبلغ نظام وَأجَاب على الشّبَه الَّتِي ذكرت بِأَحْسَن جَوَاب وَكَلَامه فِي ذَلِك كثير فِي كتب كبار وصغار وأجزاء مُفْردَة وَعِنْدنَا من ذَلِك كثير

فَلَعَلَّ إحسانه يمحو إساءته وتوبته تمحو بدعته فَإِن الله تَعَالَى يقبل التَّوْبَة عَن عبَادَة وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات

وَلَقَد كنت أعجب من الْأَئِمَّة من أَصْحَابنَا الَّذين كفروه وأهدروا دَمه وأفتوا بِإِبَاحَة قَتله وحكموا بزندقته قبل تَوْبَته وَلم أدر أَي شَيْء أوجب هَذَا فِي حَقه وَمَا الَّذِي اقْتضى أَن يبالغوا فِيهِ هَذِه الْمُبَالغَة حَتَّى وقفت على هَذِه الفضيحة

فَعلمت أَن بهَا وبأمثالها استباحوا دَمه

وَقد عثرت لَهُ على زلات قبيحة وَلَكِن لم أجد عَنهُ مثل هَذِه الَّتِي بَالغ فِيهَا فِي تهجين السّنة مُبَالغَة لم يبالغها معتزلي وَلَا غَيره

وَكَانَ أَصْحَابنَا يُعَيِّرُونَهُ بالزندقة

فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْخطاب مَحْفُوظ بن أَحْمد الكلواذاني رَحمَه الله تَعَالَى فِي قصيدته يَقُول فِيهَا

(ومذ كنت من أَصْحَاب أَحْمد لم أزل

أُنَاضِل عَن أعراضهم وأحامي)

(وَمَا صدني عَن نصْرَة الْحق مطمع

وَلَا كنت زنديقا حَلِيف خصام)

يعرض بِابْن عقيل حَيْثُ نسب إِلَى ذَلِك

ص: 32

وَبَلغنِي أَن سَبَب تَوْبَته أَنه لما ظَهرت مِنْهُ هَذِه الفضيحة أهْدر الشريف أَبُو جَعْفَر رَحمَه الله تَعَالَى دَمه وَأفْتى هُوَ وَأَصْحَابه بِإِبَاحَة قَتله

وَكَانَ ابْن عقيل يخفى مَخَافَة الْقَتْل فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا رَاكب فِي سفينة فَإِذا فِي السَّفِينَة شَاب يَقُول تمنيت لَو لقِيت هَذَا الزنديق ابْن عقيل حَتَّى أَتَقَرَّب إِلَى الله تَعَالَى بقتْله وإراقة دَمه

فَفَزعَ وَخرج من السَّفِينَة وَجَاء إِلَى الشريف أبي جَعْفَر فَتَابَ واستغفر

وَهَا أَنا أذكر تَوْبَته وصفتها بِالْإِسْنَادِ ليعلم أَن مَا وجد من تصانيفه مُخَالفا للسّنة فَهُوَ مِمَّا تَابَ مِنْهُ فَلَا يغتر بِهِ مغتر وَلَا يَأْخُذ بِهِ أحد فيضل وَيكون الْآخِذ بِهِ كحاله قبل تَوْبَته فِي زندقته وَحل دَمه

أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام الثِّقَة الْمسند أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن طبرزد الْبَغْدَادِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وسِتمِائَة بمسجدنا المحروس بِظَاهِر دمشق حرسها الله تَعَالَى قلت لَهُ أخْبركُم القَاضِي الْأَجَل الْعَالم أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد الْبَزَّار إجَازَة إِن لم يكن سَمَاعا قَالَ حضرت يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن من الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة تَوْبَة الشَّيْخ الإِمَام أبي الْوَفَاء بن عقيل فِي مَسْجِد الشريف أبي جَعْفَر رَحمَه الله تَعَالَى فِي نهر مُعلى وَحضر فِي ذَلِك الْيَوْم خلق كثير

قَالَ

يَقُول عَليّ بن عقيل إِنَّنِي أَبْرَأ إِلَى الله تَعَالَى من مَذَاهِب المبتدعة الاعتزال وَغَيره وَمن صُحْبَة أربابه وتعظيم أَصْحَابه والترحم على أسلافهم والتكثر بأخلاقهم وَمَا كنت علقته وَوجد بخطي من مذاهبهم وضلالاتهم فَأَنا تائب إِلَى الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى من كِتَابَته وقراءته وَإنَّهُ لَا يحل لي كِتَابَته وَلَا قِرَاءَته وَلَا اعْتِقَاده

وَذكر شَيْئا آخر ثمَّ قَالَ فَإِنِّي أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ من مُخَالطَة المبتدعة الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم ومكاثرتهم والترحم عَلَيْهِم والتعظيم لَهُم فَإِن

ص: 33

ذَلِك كُله حرَام لَا يحل لمُسلم فعله لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم من عظم صَاحب بِدعَة فقد أعَان على هدم الْإِسْلَام

وَقد كَانَ سيدنَا الشريف أَبُو جَعْفَر أدام الله علوه وحرس على كافتنا ظله وَمن مَعَه من الشُّيُوخ والأتباع سادتي وإخواني أحسن الله عَن الدّين والمروة جزاءهم مصيبين فِي الْإِنْكَار عَليّ لما شاهدوه بخطي فِي الْكتب الَّتِي أَبْرَأ إِلَى الله تَعَالَى مِنْهَا واتحقق أنني كنت مخطئا غير مُصِيب

وَمَتى حفظ عَليّ مَا يُنَافِي هَذَا الْخط وَهَذَا الْإِقْرَار فلإمام الْمُسلمين أعز الله سُلْطَانه مكافاتي على ذَلِك بِمَا يُوجِبهُ الشَّرْع من ردع ونكال وإبعاد وَغير ذَلِك وأشهدت الله تَعَالَى وَمَلَائِكَته وأولي الْعلم على جَمِيع ذَلِك غير مجبر وَلَا مكره وباطني وظاهري فِي ذَلِك سَوَاء

قَالَ الله تَعَالَى {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ وَالله عَزِيز ذُو انتقام}

ثمَّ كتب الشُّهُود خطوطهم وَهَذِه نسختها

أشهدني الْمقر على إِقْرَاره بِجَمِيعِ مَا تضمنه هَذَا الْكتاب وَكتب عبد الله بن رضوَان فِي الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة

بِمثل ذَلِك أشهدني وَكتب مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق بن أَحْمد بن السّني فِي التَّارِيخ

أشهدني الْمقر على إِقْرَاره بِجَمِيعِ مَا تضمنه هَذَا الْكتاب وَكتب الْحسن بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن يُوسُف بِخَطِّهِ

سَمِعت إِقْرَار الْمقر بذلك وَكتب مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن

أشهدني الْمقر على نَفسه بذلك وَكتب عَليّ بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن يُوسُف آخرهَا

وَكتب مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد بن عبد الله وَحضر فِي هَذَا الْيَوْم فِي مَسْجِد الشريف خلق كثير

ص: 34

فَهَذِهِ الفضيحة من جملَة مَا تَابَ مِنْهُ إِلَى الله تَعَالَى وَأقر بِأَنَّهُ ضلال وبدعة وَأَنه مَتى وجد بِخَطِّهِ وَجَبت مُقَابلَته عَلَيْهِ وينتقم الله مِنْهُ

فَكيف يحْتَج بقول هَذَا مُحْتَج أَو يغتر بِهِ مغتر أَو يَقُول بِهِ قَائِل أَو يتَعَلَّق بِهِ مُتَعَلق مَعَ شَهَادَة قَائِله عَلَيْهِ بالضلال وَإِجْمَاع الْعلمَاء من أهل بلدته على استتابته مِنْهُ وإهدار دَمه بِهِ وبأمثاله وَهَذَا أدل شَيْء على خطئه وضلاله وَإِن كَانَت هَذِه الْمقَالة صدرت مِنْهُ بعد تَوْبَته فَهَذَا دَلِيل على زندقته وإصراره على بدعته ورجوعه إِلَى ضلالته

فَإِن معنى الزندقة إِظْهَار الْحق واعتقاد خِلَافه وَهُوَ النِّفَاق الَّذِي كَانَ على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَيُسمى الْيَوْم الزندقة

وَهَذَا الرجل قد صنف فِي نفي تَأْوِيل الصِّفَات وَالرَّدّ على متأولها جُزْءا مُفردا وصنف فِي الْحَرْف وَالصَّوْت جُزْءا مُفردا وصنف كتاب الِانْتِصَار للسّنة وَغَيرهَا من الْكتب وملأها من السّنة وَالرَّدّ على المبتدعة

فَإِن كَانَ يظْهر ذَلِك ويبطن هَذَا ويعتقده فَهُوَ زنديق فَكيف يجوز أَن يحْتَج مُحْتَج بمقالته أَو يرضى لنَفسِهِ بِمثل حَاله أَو يضل بضلالته ونعوذ بِاللَّه تَعَالَى وَلَا يظنّ بِهِ هَذَا وَلَكِن لما علمت مِنْهُ حالتان حَالَة بِدعَة وَحَالَة تَوْبَة نسبنا كل مَا وجد من كَلَامه من الْبدع إِلَى حَالَة الْبِدْعَة لَا غير

وَمَا عادتي ذكر معائب أَصْحَابنَا وإنني لأحب ستر عَوْرَاتهمْ وَلَكِن وَجب بَيَان حَال هَذَا الرجل حِين اغْترَّ بمقالته قوم واقتدى ببدعته طَائِفَة من أَصْحَابنَا وشككهم فِي اعْتِقَادهم حسن ظنهم فِيهِ واعتقادهم أَنه من جملَة دعاة السّنة

فَوَجَبَ حِينَئِذٍ كشف حَاله وَإِزَالَة حسن ظنهم فِيهِ ليزول عَنْهُم اغترارهم بقوله وينحسم الدَّاء بحسم سَببه

فَإِن الشَّيْء يَزُول من حَيْثُ ثَبت وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والمعونة ونسأل الله تَعَالَى أَن يثبتنا على الْإِسْلَام وَالسّنة

وعَلى كل حَال فَهُوَ قد نفر من التَّقْلِيد وَأنكر حسن الظَّن بالمشايخ

فَكيف يحسن الظَّن فِيمَن يُنكر حسن الظَّن بِهِ وَكَيف يقبل قَول من ينْهَى

ص: 35

عَن قبُول قَول غَيره وَيَنْبَغِي لنا أَن نقبل قَوْله فِي نَفسه فيساء الظَّن بِهِ وَلَا نقبل قَوْله فِي غَيره كمن أقرّ بِشَيْء عَلَيْهِ وعَلى غَيره قبل قَوْله عَلَيْهِ وَلم يقبل على غَيره

وَهَا أَنا أُجِيب عَن مقَالَته إِن شَاءَ الله تَعَالَى فصلا فصلا وَأبين عوار كَلَامه فرعا وأصلا بِتَوْفِيق الله ومعونته

أما قَوْله إِنَّا كُنَّا أعزاء بَين أهل الْمذَاهب فها نَحن الْيَوْم سَبْعُونَ منفيون محصورون إِلَى آخر كَلَامه

فَهَذَا إِيمَاء مِنْهُ إِلَى أَن أسلافنا رَحِمهم الله تَعَالَى كَانُوا على قَول وَنحن على غَيره وأننا أحدثنا مقَالَة غير مقالتهم استحققنا بهَا الْعقُوبَة

وَهَذَا كذب وفرية وَقَول من لَا حَيَاء لَهُ وَلَا دين فليخبرنا أَي شَيْء أحدثناه وَأي مقَالَة خَالَفنَا فِيهَا أسلافنا فَإِن قَالَ تركْتُم تَأْوِيل الْآيَات وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي الصِّفَات وَادّعى أَن السّلف تأولوها وفسروها فقد أفك وافترى وَجَاء بالطامة الْكُبْرَى

فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي أَن مَذْهَب السّلف الْإِقْرَار وَالتَّسْلِيم وَترك التَّعَرُّض للتأويل والتمثيل

ثمَّ إِن الأَصْل عدم تأويلهم فَمن ادّعى أَنهم تأولوها فليأت ببرهان عل قَوْله

وَهَذَا لَا سَبِيل إِلَى مَعْرفَته إِلَّا بِالنَّقْلِ وَالرِّوَايَة

فلينقل لنا ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو عَن صحابته أَو عَن أحد من التَّابِعين أَو الْأَئِمَّة المرضيين

ثمَّ الْمُدَّعِي لذَلِك من أهل الْكَلَام وهم أَجْهَل النَّاس بالآثار وَأَقلهمْ علما بالأخبار وأتركهم للنَّقْل

فَمن أَيْن لَهُم علم بِهَذِهِ وَمن نقل مِنْهُم شَيْئا لم يقبل نَقله وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ

وَإِنَّمَا لَهُم الْوَضع وَالْكذب وزور الْكَلَام

وَلَا خلاف بَين أهل النَّقْل سنيهم وبدعيهم فِي أَن مَذْهَب السّلف رضي الله عنهم فِي صِفَات الله سبحانه وتعالى الْإِقْرَار بهَا والإمرار لَهَا

ص: 36

وَالتَّسْلِيم لقائلها وَترك التَّعَرُّض لتفسيرها بذلك جَاءَت الْأَخْبَار عَنْهُم مجملة

ص: 37

ومفصلة

فَروِيَ عَن مَالك بن أنس وَالْأَوْزَاعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر بن رَاشد فِي الْأَحَادِيث فِي الصِّفَات أمروها كَمَا جَاءَت

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي كتاب الْعلم مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من نقل الثِّقَات وَصَحَّ عَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم فَهُوَ علم يدان بِهِ

وَمَا أحدث بعدهمْ وَلم يكن لَهُ أصل فِي مَا جَاءَ عَنْهُم فَهُوَ بِدعَة وضلالة

وَمَا جَاءَ فِي أَسمَاء الله وَصِفَاته عَنْهُم نسلم لَهُ وَلم نناظر كَمَا لم يناظروا

وَرَوَاهَا السّلف وسكتوا عَنْهَا وَكَانُوا أعمق النَّاس علما وأوسعهم فهما وَأَقلهمْ تكلفا وَلم يكن سكوتهم عَن عي

فَمن لم يَسعهُ مَا وسعهم فقد خَابَ وخسر

وروى مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة أَنه أجمع أهل الْعلم فِي الْمشرق وَالْمغْرب على أَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِي الصِّفَات لَا تفسر أَو كَمَا قَالَ

وَقَالَ حنبلي سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رضي الله عنه عَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي تروي أَن الله تبارك وتعالى يرى وَأَنه ينزل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا وَأَنه يضع قدمه وَمَا أشبه ذَلِك

فَقَالَ أَبُو عبد الله رَضِي الله

ص: 38

عَنهُ نؤمن بهَا ونصدق بهَا وَلَا نرد مِنْهَا شَيْئا إِذا كَانَت بأسانيد صِحَاح

وَلَا نرد على الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قَوْله

ونعلم أَن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم حق وَلَا يُوصف الله تَعَالَى بِأَكْثَرَ مِمَّا وصف بِهِ نَفسه بِلَا حد وَلَا غَايَة {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}

فَنَقُول كَمَا قَالَ وَنصفه كَمَا وصف نَفسه لَا نتعدى ذَلِك وَلَا نزيل عَنهُ صفة من صِفَاته لشناعة شنعت

نؤمن بِهَذِهِ الْأَحَادِيث ونقرها ونمرها كَمَا جَاءَت بِلَا كَيفَ وَلَا معنى إِلَى على مَا وصف بِهِ نَفسه تبارك وتعالى وَهُوَ كَمَا وصف نَفسه سميع بَصِير بِلَا حد وَلَا تَقْدِير

صِفَاته مِنْهُ وَله

لَا نتعدى الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْخَبَر وَلَا نعلم كَيفَ ذَاك إِلَّا بِتَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وتثبيت الْقُرْآن

وَقَالَ أَبُو عبد الله حَدثنَا وَكِيع يَوْمًا بِحَدِيث من هَذِه الْأَحَادِيث فاقشعر زَكَرِيَّاء بن عدي فَقَالَ وَكِيع وَغَضب أدركنا الْأَعْمَش وسُفْيَان يحدثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَلَا يُنْكِرُونَهَا

وَهَذَا مِمَّا لَا نعلم فِيهِ بَين سلفنا رحمهم الله اخْتِلَافا وَالْمُنكر لَهُ إِمَّا جَاهِل أَو متجاهل قَلِيل الدّين وَالْحيَاء لَا يخَاف من الله تَعَالَى إِذا كذب وَلَا يستحيي من النَّاس إِذا كذب

وَنحن على طَريقَة سلفنا وجادة أَئِمَّتنَا وَسنة نَبينَا صلى الله عليه وسلم مَا أحدثنا قولا وَلَا زِدْنَا زِيَادَة بل آمنا بِمَا جَاءَ وأمررناه كَمَا جَاءَ وَقُلْنَا بِمَا قَالُوا وسكتنا عَمَّا سكتوا عَنهُ وسلكنا حَيْثُ سلكوا فَلَا وَجه لنسبة الْخلاف والبدعة إِلَيْنَا

وَإِنَّمَا تكلم ابْن عقيل على حَال نَفسه فِي حَال بدعته

حِين أحدث فِي دين الله عز وجل وَخَالف سلفه وأئمته وسَادَة أهل مذْهبه وَاتبع أهل الْكَلَام والبدع وَفَارق السّنة وَأخذ فِي الْبِدْعَة أهْدر دَمه وأخيف سربه وَقصد بالأذى والتشريد والإخافة والتطريد وَصَارَ ذليلا حَقِيرًا فنسب حَاله إِلَى من سواهُ وَجعل الْحَدث مِنْهُ حَادِثا مِمَّن عداهُ وكسى وَصفه لغيره وعير أهل السّنة بِمثل ذَنبه

كَمَا قيل رمتني بدائها وانسلت

ص: 39

أما أهل السّنة المتبعون للآثار السالكون طَرِيق السّلف الأخيار فَمَا عَلَيْهِم غَضَاضَة وَلَا يلحقهم عَار مِنْهُم الْعلمَاء الْعَامِلُونَ وَمِنْهُم الْأَوْلِيَاء والصالحون وَمِنْهُم الأتقياء الْأَبْرَار والأصفياء والأخيار أهل الولايات والكرامات وَأهل الْعِبَادَات والاجتهادات بذكرهم تزين الْكتب والدفاتر وأخبارهم تحسن المحافل والمحاضر تحيا الْقُلُوب بِذكر أخبارهم وَتحصل السَّعَادَة باقتفاء آثَارهم بهم قَامَ الدّين وَبِه قَامُوا وبهم نطق الْكتاب وَبِه نطقوا وهم مفزع الْخلق عِنْد اشتداد الْأُمُور عَلَيْهِم فالملوك فَمن دونهم يقصدون زياراتهم ويتبركون بدعائهم ويستشفعون إِلَى الله سبحانه وتعالى بهم

فَنحْن أَصْحَاب المقامات الفاخرة وَلنَا شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن نظر فِي كتب الْعلمَاء الَّتِي أفردت لذكر الْأَوْلِيَاء لم يجد فِيهَا إِلَّا منا وَمَتى نقلت الكرامات لم تنقل إِلَّا عَنَّا وَمَتى أَرَادَ واعظ أَو غَيره يطيب مَجْلِسه ويزينه زينه بأخبار بعض زهادنا أَو كرامات عبادنَا أَو وصف عُلَمَائِنَا وَعند ذكر صالحينا تنزل الرَّحْمَة وتطيب الْقُلُوب ويستجاب الدُّعَاء ويكشف الْبلَاء وَللَّه در الْقَائِل

(ذهبت دولة أَصْحَاب الْبدع

ووهى حبلهم ثمَّ انْقَطع)

(وتداعى بانصداع شملهم

حزب إِبْلِيس الَّذِي كَانَ جمع)

(هَل لكم بِاللَّه فِي بدعتكم

من فَقِيه أَو إِمَام يتبع)

ص: 40

(مثل سُفْيَان أخي الثَّوْريّ الَّذِي

علم النَّاس خفيات الْوَرع)

(أَو سُلَيْمَان أخي التيم الَّذِي

هجر النّوم لهول المطلع)

(أَو إِمَام الْحَرَمَيْنِ مَالِكًا

ذَلِك الْبَحْر الَّذِي لَا ينتزع)

(أَو فَقِيه الشَّام أوزاعيها

ذَاك لَو قارعه القرا قرع)

(أَو فَتى الْإِسْلَام أَعنِي أحمدا

ذَاك حصن الدّين إِن حصن منع)

(لم يخف سوطهم إِذْ خوفوا

لَا وَلَا سيفهم حِين لمع) الرمل

أما هُوَ حزبه من أهل الْكَلَام فَمَا ذكرهم إِلَّا ذمهم والتحذير مِنْهُم والتنفير من مجالستهم وَالْأَمر بمباينتهم وهجرانهم وَترك النّظر فِي كتبهمْ لَا يثبت لأحد مِنْهُم قدم فِي الْولَايَة وَلَا يقوم لَهُم فِي الصَّالِحين راية وَلَا يكون لأحد مِنْهُم كَرَامَة وَلَا يرَوْنَ رَبهم فِي الْآخِرَة وَلَا كرامه يكذبُون بكرامات الصَّالِحين وَيُنْكِرُونَ نعْمَة الله على عباده الْمُؤمنِينَ فهم فِي الدُّنْيَا ممقوتون وَفِي الْآخِرَة معذبون لَا يفلح مِنْهُم أحد وَلَا يوفق لاتباع رشد

قَالَ الإِمَام أَحْمد لَا يفلح صَاحب كَلَام أبدا وَلَا يرى أحد نظر فِي الْكَلَام إِلَّا فِي قلبه دغل

وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي مَا ارتدى أحد بالْكلَام فأفلح

وَقَالَ حكمي فِي أهل الْكَلَام أَن يضْربُوا بِالْجَرِيدِ وَيُطَاف بهم فِي العشائر والقبائل وَيُقَال هَذَا جَزَاء من ترك الْكتاب وَالسّنة وَأخذ فِي الْكَلَام

وَقَالَ أَبُو يُوسُف من طلب الْعلم بالْكلَام تزندق

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر أجمع أهل الْفِقْه والْآثَار من جَمِيع أهل الْأَمْصَار أَن أهل

ص: 41