المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

) وَأَن صِفَاته لَا تشبه صِفَات الْمُحدثين وكل مَا خطر - تحريم النظر في كتب الكلام

[ابن قدامة]

الفصل: ) وَأَن صِفَاته لَا تشبه صِفَات الْمُحدثين وكل مَا خطر

) وَأَن صِفَاته لَا تشبه صِفَات الْمُحدثين وكل مَا خطر بقلب أَو وهم فَالله عز وجل بِخِلَافِهِ لَا شَبيه لَهُ وَلَا نَظِير وَلَا عدل وَلَا ظهير {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}

وَأما إيمَاننَا بِالْآيَاتِ وأخبار الصِّفَات فَإِنَّمَا هُوَ إِيمَان بِمُجَرَّد الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا شكّ فِي صِحَّتهَا وَلَا ريب فِي صدقهَا وقائلها أعلم بمعناها فَآمَنا بهَا على الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَ رَبنَا تبارك وتعالى فجمعنا بَين الْإِيمَان الْوَاجِب وَنفي التَّشْبِيه الْمحرم

وَهَذَا أَسد وَأحسن من قَول من جعل الْآيَات وَالْأَخْبَار تجسيما وتشبيها وتحيل على إِبْطَالهَا وردهَا فحملها على معنى صِفَات المخلوقين بِسوء رَأْيه وقبح عقيدته ونعوذ بِاللَّه من الضلال الْبعيد

‌فصل

وَأما قَوْله هاتوا أخبرونا مَا الَّذِي يظْهر لكم من معنى هَذِه الْأَلْفَاظ الْوَارِدَة فِي الصِّفَات فَهَذَا قد تسرع فِي التجاهل والتعامي كَأَنَّهُ لَا يعرف مُعْتَقد أهل السّنة وَقَوْلهمْ فِيهَا وَهُوَ قَوْله وَقد تربى بَين أَهلهَا وَعرف أَقْوَالهم فِيهَا وَإِن كَانَ الله سبحانه وتعالى قد أبكمه وأعمى قلبه إِلَى هَذَا الْحَد بِحَيْثُ لَا يعلم مقالتهم فِيهَا مَعَ معاشرته لَهُم واطلاعه على كتبهمْ ودعواه الْفَهم فَالله على كل شَيْء قدير

وَكم قد شرح هُوَ مقَالَة أهل السّنة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين الْحق فِيهَا بعد تَوْبَته من هَذِه الْمقَالة وَبَين أَنه إِذا سَأَلنَا سَائل عَن معنى هَذِه الْأَلْفَاظ قُلْنَا لَا نزيدك على ألفاظها زِيَادَة تفِيد معنى بل قرَاءَتهَا تَفْسِيرهَا من غير معنى بِعَيْنِه وَلَا تَفْسِير بِنَفسِهِ وَلَكِن قد علمنَا أَن لَهَا معنى فِي الْجُمْلَة يُعلمهُ الْمُتَكَلّم بهَا فَنحْن نؤمن بهَا بذلك الْمَعْنى

وَمن كَانَ كَذَلِك كَيفَ يسْأَل عَن معنى وَهُوَ يَقُول لَا أعلمهُ وَكَيف يسْأَل عَن كَيْفيَّة مَا يرى أَن السُّؤَال

ص: 59

عَنهُ بِدعَة وَالْكَلَام فِي تَفْسِيره خطأ والبحث عَنهُ تكلّف وتعمق أَو مَا سمع حِكَايَة مَالك بن أنس رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي الله عَنهُ حِين سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَيفَ اسْتَوَى فاطرق حَتَّى علاهُ الرحضاء ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة ثمَّ أَمر الرجل فَأخْرج

‌‌

‌فصل

وَأما قَوْله إِنَّكُم بدعتم مخالفيكم فِي هَذِه الْأُصُول وسوغتم مُخَالفَة أصحابكم فِيهَا فكذب وبهتان

فإننا لَا نسوغ لأحد مُخَالفَة السنه كَائِنا من كَانَ

وَإِن كَانَ من أَصْحَابنَا فَنحْن عَلَيْهِ أَشد إنكارا من غَيره

وَدَلِيل ذَلِك أَنَّك منتسب إِلَى أَصْحَابنَا وإمامنا فَإذْ صدرت مِنْك هَذِه الْمقَالة بدعناك وهجرك أَصْحَابنَا وَأَحلُّوا دمك وَلَوْلَا توبتك ورجوعك لَكنا عَلَيْك أَشد ومنك أبعد

وَنحن لَا نبدع إِلَّا من بدعته السّنة وَلَا نقُول شَيْئا من عندنَا وَلَكِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة

فَمن أحدث فِي الدّين خلاف مَا أَتَى عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَخَالف أَصْحَابه رضي الله عنهم وَترك قَول الْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء فِي الدّين وَرجع إِلَى قَول الْمُتَكَلِّمين ودعا إِلَى خلاف السّنة فقد ابتدع وَإنَّهُ تَعَالَى حسيبه والمجازي لَهُ إِن شَاءَ تَابَ عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ أضلّهُ وَحقّ القَوْل عَلَيْهِ وَالله سبحانه وتعالى الفعال لما

فصل

وَأما قَوْله فِي مَسْأَلَة الْقُرْآن فَالْكَلَام فِيهَا فِي فصلين أَحدهمَا فِي الصَّوْت الَّذِي بَدَأَ بإنكاره

فَنَقُول ثَبت أَن مُوسَى صلى الله عليه وسلم سمع كَلَام الله تبارك وتعالى مِنْهُ بِغَيْر وَاسِطَة

فَإِنَّهُ لَو سَمعه من شَجَرَة أَو حجر أَو ملك لَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل أفضل مِنْهُ فِي ذَلِك لأَنهم سَمِعُوهُ من مُوسَى نَبِي الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أفضل

ص: 59

من الشَّجَرَة وَالْحجر

فَلم سمي مُوسَى إِذا كليم الرَّحْمَن وَلم قَالَ الله تَعَالَى {يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي} وَقَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك} وَلَا يَقُول لَهُ هَذَا إِلَّا الله تَعَالَى

وَإِذا ثَبت هَذَا فالصوت مَا سمع وَمَا يَتَأَتَّى سَمَاعه

وَقد جَاءَ ذكر الصَّوْت مُصَرحًا بِهِ فِي الْأَخْبَار الْوَارِدَة

قَالَ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد قلت لأبي يَا أبه إِن الْجَهْمِية يَزْعمُونَ أَن الله تَعَالَى لَا يتَكَلَّم بِصَوْت

فَقَالَ كذبُوا إِنَّمَا يدورون علم التعطيل

ثمَّ قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمحَاربي عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عبد الله رضي الله عنه قَالَ إِذا تكلم الله بِالْوَحْي سمع صَوته أهل السَّمَاء

قَالَ السجْزِي وَمَا فِي رُوَاة هَذَا الحَدِيث إِ لَا إِمَام مَقْبُول

وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَفِي حَدِيث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أَن الله تَعَالَى يناديهم يَوْم القيامه بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب أَنا الْملك أَنا الديَّان وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور

وَفِي الْآثَار أَن مُوسَى صلى الله عليه وسلم لما ناداه ربه عز وجل يَا

ص: 61

مُوسَى أجَاب سَرِيعا استئناسا بالصوت فَقَالَ لبيْك لبيْك أَيْن أَنْت أسمع صَوْتك وَلَا أرى مَكَانك

فَقَالَ يَا مُوسَى أَنا فَوْقك وَعَن يَمِينك وَعَن شمالك وَبَين يَديك وخلفك

فَعلم أَن هَذِه الصّفة لَا تكون إِلَّا لله عز وجل قَالَ فَكَذَلِك أَنْت يَا رب ومروي أَن مُوسَى صلى الله عليه وسلم لما سمع كَلَام آلآدميين مقتهم لما وقر فِي أُذُنَيْهِ فِي سَماع كَلَام الله تَعَالَى

وَأما قَوْله إِن الصَّوْت اصطكاك فِي الْهَوَاء أَو فقرع فِي الْهَوَاء فهذيان مَحْض وَدَعوى مُجَرّدَة لَا يشْهد بِصِحَّتِهَا خبر وَلَا مَعَه فِيهَا أثر وَلَا أَقَامَ بِهِ حجَّة وَلَا هُوَ فِيهِ على محجة

فَإِذا قيل لَهُ لَا نسلم أَنه كَذَلِك فَمَا دَلِيله

فَإِن قَالَ هَذَا اصطلاحنا معشر الْمُتَكَلِّمين قُلْنَا فَهَذَا أبعد من الصَّوَاب وَأقرب لَهُ إِلَى الْبطلَان

فَإِنَّكُم نبذتم الْكتاب وَالسّنة وعاديتم الله سبحانه وتعالى وَرَسُوله

فَمَا تكادون توفقون لصواب وَلَا ترشدون إِلَى حق وَلَا يقبل قَوْلكُم وَلَا يلْتَفت إِلَى اصطلاحكم

فان قَالَ هَذَا حد وَالْحَد لَا يمْنَع قُلْنَا وَلم لَا يمْنَع وَهل سَمِعت بِدَعْوَى تلْزم الْخصم الانقياد لَهَا بمجردها من غير ظُهُور صِحَّتهَا أَو إِقَامَة برهَان عَلَيْهَا فَإِن قَالَ لَا يُمكن إِقَامَة الْبُرْهَان عَلَيْهَا قُلْنَا

فَهَذَا اعْتِرَاف بِالْعَجزِ عَن دليلها وَالْجهل بِصِحَّتِهَا

فَإِذا لم تعرف دليلها فَبِمَ عرفت صِحَّتهَا وَمن اعْترف بِالْجَهْلِ بِصِحَّة مَا يَقُول فقد كفى مُؤْنَته واعترف لَهُم بجهله وَبطلَان قَوْله

وَكَيف يُصَار إِلَى قَول لَا يدرى أصحيح هُوَ أَو بَاطِل فَكيف ينقاد خَصمه إِلَيْهِ فِيمَا هُوَ معترف فِيهِ بعمى نَفسه وجهله بِهِ

وَمن الْعجب أَن هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمين أعمى الله بصائرهم فَوق مَا قد أعماها يَزْعمُونَ أَنهم لَا يرضون إِلَّا بالأدله القاطعه والبراهين اليقينية ويرون الْأَخْبَار زعما مِنْهُم أَنَّهَا أَخْبَار آحَاد لَا تفِيد علما يَقِينا ثمَّ يستدلون بِمثل هَذَا الَّذِي لَا يدل على شَيْء أصلا وَلَا ظَاهرا لَا يَقِينا بل هُوَ بِمُجَرَّد عمى

ص: 62

وهذيان يصوغه من عِنْد نَفسه ويخرجه من زبد معدته

فَإِذا مَنعه وطولب بِصِحَّتِهِ لم يكن مَعَه شَيْء يدل عَلَيْهِ سوى أَنا قد اصطلحنا أَن الْحَد لَا يمْنَع

أفترى إِذا أعمى الله أَبْصَارهم وبصائرهم يظنون أننا نقبل مِنْهُم مُجَرّد دَعوَاهُم ونتابعهم على عماهم وَإِنَّمَا مثلهم فِي هَذَا كَمثل أعمى يَبُول على سطح مُسْتَقْبلا النَّاس بفرجه يحْسب أَن أحدا لَا يرَاهُ لما عمي هُوَ عَن رُؤْيَة نَفسه

ثمَّ تَقول بل الصَّوْت هُوَ مَا يَتَأَتَّى سَمَاعه

وَهَذَا هُوَ الْحَد الصَّحِيح الَّذِي يشْهد لَهُ الْعرف

فَإِن الصَّوْت أبدا يُوصف بِالسَّمَاعِ

فَتعلق السماع بالصوت كتعلق الرُّؤْيَة بالمرئيات ثمَّ ثَبت بالْخبر الصَّحِيح إِضَافَة الصَّوْت إِلَى الله تبارك وتعالى

وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أعلم بِاللَّه تبارك وتعالى وأصدق من الْمُتَكَلِّمين الَّذين لَا علم لَهُم وَلَا دين وَلَا دينا وَلَا آخِرَة

وَإِنَّمَا هم شَرّ الخليقة الْغَالِب عَلَيْهِم الزندقة

وَقد ألْقى الله تَعَالَى مقتهم فِي قُلُوب عباده وبغضهم إِلَيْهِم

ثمَّ لَو ثَبت أَن الصَّوْت فِي المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام فَلم يكون كَذَلِك فِي صِفَات الله سبحانه وتعالى قَوْلهم إِن مَا ثَبت فِي حَقنا يكون فِي الْغَائِب مثله

قُلْنَا أخطأتم من وُجُوه ثَلَاثَة

أَحدهَا تسميتكم الله تَعَالَى غَائِبا

وَأَسْمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته إِنَّمَا تُوجد من الشَّرْع

وَأَنْتُم قبحكم الله مَا وجدْتُم لله تَعَالَى من تِسْعَة وَتِسْعين اسْما اسْما تسمونه بِهِ حَتَّى أحكيتم لَهُ من عنْدكُمْ اسْما ثمَّ قد نفى الله سبحانه وتعالى هَذَا عَن نَفسه فَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا غائبين}

الثَّانِي أَنكُمْ رجعتم إِلَى التَّشْبِيه الَّذِي نَفْيه معتمدكم فِي رد كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم وجعلتم الله تَعَالَى مقيسا على عباده ومشابها لَهُم فِي صِفَاته وأسمائه

وَهَذَا هُوَ عين التَّشْبِيه فبعدا لكم

ص: 63

الثَّالِث أَن هَذَا بَاطِل بِسَائِر صِفَات الله تَعَالَى سلمتموها من السّمع وَالْبَصَر وَالْعلم والحياة

فَإِنَّهَا لَا تكون فِي حَقنا إِلَّا من أدوات

فالسمع من انخراق وَالْبَصَر من حدقة وَالْعلم من قلب والحياة فِي جسم

ثمَّ جَمِيع الصِّفَات لَا تكون إِلَّا فِي جسم

فَإِن قُلْتُمْ إِنَّهَا فِي حق الْبَارِي كَذَلِك فقد جسمتم وشبهتم وكفرتم وَإِن قُلْتُمْ لَا تفْتَقر إِلَى ذَلِك فَلم احْتِيجَ إِلَيْهَا هَهُنَا

على أَن مَا ثَبت بِالْكتاب وَالسّنة لَا يدْفع بِمُجَرَّد هذيان متكلمكم وَلَا نَتْرُك قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقَوْل مُبْتَدع متكلف

وَنحن لَا نقبل قَوْلهم فِيمَا لَيْسَ كتاب فِيهِ وَلَا سنة

وَلَا لَهُم عندنَا قدر وَلَا مَحل

فَكيف نقبل فِي إبِْطَال الْكتاب وَالرَّدّ على السّنة مَعَ تمسكنا بهَا ولزومنا إِيَّاهَا وعضنا عَلَيْهَا بالنواجذ وحرصنا عَلَيْهَا حرص من يقطع بِأَن النجَاة فِي لُزُومهَا والعطب فِي فراقها وَالْخَطَأ والخذلان فِي خلَافهَا ونسأل الله تَعَالَى الثَّبَات عَلَيْهَا فِي الْحَيَاة وَالْمَمَات إِلَى يَوْم نَلْقَاهُ فيجزينا بِهِ ويجعلنا فِي زمرة شارعها صلى الله عليه وسلم

وَأما شبهتة فِي قَوْله كجر السلسلة على الصَّفَا فِي أَن هَذَا تَشْبِيه فَهَذَا اعْتِرَاض على سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد رَسُول الله الصَّادِق الْأمين صلى الله عليه وسلم وَنسبَة لَهُ إِلَى التَّمْثِيل والتجسيم

وَمن فعل هَذَا فقد مرق من الدّين

وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا زعم هَذَا المتخرص العديم الدّين

وَلكنه إِنَّمَا أُتِي من فَسَاد

قَصده وَقلة فهمه

(وَكم عائب قولا صَحِيحا

وافته من الْفَهم السقيم)

وَلَيْسَ هَذَا تَشْبِيها للمسموع

وَإِنَّمَا شبه السماع بِالسَّمَاعِ أَي سَمَاعنَا لَهُ كسماعنا لذَلِك

كَمَا قَالَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْخَبَر الآخر

إِنَّكُم ترَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَا تضَامون فِي رُؤْيَته يَعْنِي أَن رؤيتكم

ص: 64

لربكم كرؤيتكم للقمر فِي أَنه لَا يرَاهُ الْبَعْض دون الْبَعْض

كالمتناول لَا يحْتَاج فِي رُؤْيَته إِلَى أَن يَنْضَم بَعضهم إِلَى الْبَعْض

كَمَا فِي رُؤْيَة الْهلَال يجْتَمع بَعضهم إِلَى بعض ليريه من يرَاهُ من لم يره

ورؤية الْقَمَر لَيست كَذَلِك

وَلِهَذَا رُوِيَ لَا تضَامون

وَلَا تضَامون فِي الضيم وَالضَّم جَمِيعًا

وَهَذَا كَذَلِك فِي تَشْبِيه السماع بِالسَّمَاعِ لَا المسموع بالمسموع

وَمن قصد الْحق أرشده الله تَعَالَى إِلَى الصَّوَاب فحصلت لَهُ الحكم والفوائد من كَلَام الله تَعَالَى وَكَلَام رَسُوله صلى الله عليه وسلم

وَمن قصد غير ذَلِك أعماه الله تَعَالَى عَن الْهدى فَصَارَ الْقُرْآن وَالسّنة عِنْده شبها فضل بهَا

قَالَ الله تَعَالَى {وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين وَلَا يزِيد الظَّالِمين إِلَّا خسارا}

وَنَظِير ذَلِك ضوء الشَّمْس تضيء لصحيح الْبَصَر وَمن ضعف بَصَره ومرضت عينه أعشاه ضوؤها فأعماه

قَالَ الشَّاعِر

(الْعلم للرجل اللبيب زِيَادَة

ونقيصة للأحمق الطياش)

(مثل النَّهَار يزِيد أبصار الورى

نورا ويعمي أعين الخفاش)

وَأما مَا ذكر من تفاصيل شبهه الكلامية فَلَا نَخُوض مَعَه فِيهَا

وَلَكِن علمنَا بُطْلَانهَا من أَصْلهَا

وَقد بَينا بِمَا سبق فَسَاد علم الْكَلَام من أَصله وذم أَئِمَّتنَا لَهُ واتفاق أهل الْعلم على أَن أصحابة أهل بدع وضلالة وَأَنَّهُمْ غير معدودين من أهل الْعلم وَأَن من اشْتغل بِهِ يتزندق وَلَا يفلح

وَقد ظهر برهَان قَول الْأَئِمَّة وَصدقهمْ فِي صَاحب هَذِه الْمقَالة

فَإِنَّهُ أفضت حَاله إِلَى الزندقة والبدعة حَتَّى بدع وضلل وأبيح دَمه وَاحْتَاجَ إِلَى التَّوْبَة وَالْإِقْرَار على نَفسه بِأَنَّهُ كَانَ على الْبِدْعَة والضلالة وَأَن الْمُنكر عَلَيْهِ مُصِيب فِي إِنْكَاره عَلَيْهِ

وَهَذِه الْمقَالة من جملَة الضلالات الَّتِي تَابَ مِنْهَا والبدع الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا

ص: 65