المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وعَلى كل فَلَيْسَ لنا قَول نعاب بِهِ إِن عيبت علينا الْأَلْفَاظ - تحريم النظر في كتب الكلام

[ابن قدامة]

الفصل: وعَلى كل فَلَيْسَ لنا قَول نعاب بِهِ إِن عيبت علينا الْأَلْفَاظ

وعَلى كل فَلَيْسَ لنا قَول نعاب بِهِ

إِن عيبت علينا الْأَلْفَاظ الَّتِي آمنا بهَا فَمَا عيب إِلَّا قَائِلهَا وَلَا كفرُوا إِلَّا بالمتكلم بهَا وَهُوَ الَّذِي يجازيهم على كفرهم وإلحادهم

وَإِن عيب علينا السُّكُوت فَلَيْسَ السُّكُوت بقول وَلَا ينْسب إِلَى سَاكِت قَول

وَإِن قَالُوا قد اعتقدتم التشبية مِنْهَا فقد كذبُوا علينا ونسبوا إِلَيْنَا مَا قد علم الله تَعَالَى براءتنا مِنْهُ

ثمَّ لَيْسَ لَهُم اطلَاع على قُلُوبنَا وَإِنَّمَا يعبر عَمَّا فِي الْقلب اللِّسَان وألسنتا تصرح بِنَفْي التَّشْبِيه والتمثيل والتجسيم فَلَيْسَ لَهُم أَن يتحكموا علينا بِأَن ينسبوا إِلَيْنَا مَا لم يظْهر منا وَلم يصدر عَنَّا

وَالْإِثْم على الْكَاذِب دون المكذوب كَمَا أَن حد الْقَذْف على الْقَاذِف لَا على الْمَقْذُوف وكفانا مدحا وَبَرَاءَة أَن خصومنا لَا يَجدونَ لنا عَيْبا يعيبوننا بِهِ هم فيصادقون وَنحن بِهِ مقرون وَإِنَّمَا يعيبوننا بكذبهم وَلَو قدرُوا على عيب لما احتاجوا إِلَى الْكَذِب

‌فصل

وَأما قَوْله إِن الْإِخْبَار يجب إطراحها لِأَنَّهَا أَخْبَار آحَاد وَقد ثَبت بأدلة الْعُقُول الْقطع بِنَفْي التَّشْبِيه والتجسيم فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن

أَحدهمَا بَيَان وجوب قبُول هَذِه الْأَخْبَار لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا اتِّفَاق الْأَئِمَّة عل نقلهَا وروايتها وتخريجها فِي الصِّحَاح وَالْمَسَانِيد وتدوينها فِي الدَّوَاوِين وَحكم الْحفاظ المتفقين عَلَيْهَا بِالصِّحَّةِ وعَلى رواتها بالإتقان وَالْعَدَالَة فطرحها مُخَالف للْإِجْمَاع خَارج عَن أهل الِاتِّفَاق فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعرج عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَن رُوَاة هَذِه الْأَخْبَار هم نقلة الشَّرِيعَة ورواة الْأَحْكَام وَعَلَيْهِم

ص: 56

الِاعْتِمَاد فِي بَيَان الْحَلَال وَالْحرَام فِي الدّين

وَإِذا أبطلنا قَوْلهم بتأويلنا وَجب رد قَوْلهم ثمَّ فَتبْطل الشَّرِيعَة وَيذْهب الدّين

الْجَواب الثَّانِي أننا لَا نسلم لَهُ فِي جَمِيعهَا أَنَّهَا أَخْبَار آحَاد

فَإِن مِنْهَا مَا نقل من طرق كَثِيرَة متواطئة يصدق بَعْضهَا بَعْضًا وَيشْهد بَعْضهَا لبَعض

فَهِيَ وَإِن لم تتواتر آحادها لَكِن حصل من الْمَجْمُوع الْقطع وَالْيَقِين بِثُبُوت أَصْلهَا وَيَكْفِي ذَلِك فِي التَّوَاتُر

فإننا نقطع بسخاء حَاتِم وشجاعة عَليّ وَعدل عمر وَعلم عَائِشَة وَخِلَافَة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَلم ينْقل إِلَيْنَا فِيهَا خبر وَاحِد متواتر لَكِن تظاهرت الْأَخْبَار بهَا وَصدق بَعْضهَا بَعْضًا وَلم يُوجد لَهَا مكذب فَحصل التَّوَاتُر بالمجموع

كَذَا هَهُنَا

وَأما مَا يموه بِهِ من نفي التَّشْبِيه والتجسيم فَإِنَّمَا هُوَ شَيْء وَضعه المتكلمون وَأهل الْبدع توسلا بِهِ إِلَى إبِْطَال السّنَن ورد الْآثَار وَالْأَخْبَار والتمويه على الْجُهَّال والأغمار ليوهموهم إِنَّمَا قصدنا التَّنْزِيه وَنفي التَّشْبِيه

وَهَذَا مثل عمل الباطنية فِي التَّمَسُّك بِأَهْل الْبَيْت وَإِظْهَار بحثهم إيهاما للعامة أَنهم قصدُوا نَصرهم

وَإِنَّمَا تستروا بهم إِلَى إبِْطَال الشَّرِيعَة والتمكن من عيب الصَّحَابَة وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين رضوَان الله عَلَيْهِم بنسبتهم إِلَيْهِم وظلم أهل الْبَيْت والتعدي عَلَيْهِم

كَذَلِك طَائِفَة الْمُتَكَلِّمين والمبتدعة تمسكوا بِنَفْي التَّشْبِيه توسلا إِلَى عيب أهل الْآثَار وَإِبْطَال الْأَخْبَار وَإِلَّا فَمن أَي وَجه حصل التَّشْبِيه إِن كَانَ التَّشْبِيه حَاصِلا من الْمُشَاركَة فِي الْأَسْمَاء والألفاظ فقد شبهوا الله تَعَالَى حَيْثُ أثبتوا لَهُ صِفَات من السّمع وَالْبَصَر وَالْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة والحياة مَعَ الْمُشَاركَة فِي ألفاظها

وَللَّه تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما لَيْسَ فِيهَا مَا لَا يُسمى بِهِ غَيره إِلَّا اسْم الله تَعَالَى والرحمن وسائرها يُسمى بهَا غَيره سبحانه وتعالى وَلم يكن ذَلِك تَشْبِيها وَلَا تجسيما

ثمَّ كَيفَ يعْملُونَ فِي الْآيَات الْوَارِدَة فِي الصِّفَات فَهَل لَهُم سَبِيل إِلَى

ص: 57

ردهَا أَو طَرِيق فِي إِبْطَالهَا أَو يثبتونها مَعَ التَّشْبِيه فِي زعمهم وَلَقَد علمُوا إِن شَاءَ الله أَن لَا تَشْبِيه فِي شَيْء من هَذَا وَلَكنهُمْ قبحهم الله تَعَالَى يبهتون وَلَا يستحيون

وَإِن كَانَ الله تَعَالَى قد أعمى قُلُوبهم حَتَّى ظنُّوا ذَلِك فَمَا هُوَ بِبَعِيد

فقد رَأينَا من ينْسب قَول الله تَعَالَى وَقَول رَسُوله صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا على وَجه الْعَيْب لنا بهَا فَيَقُول أَنْتُم تَقولُونَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى}

وَأَنْتُم تَقولُونَ {وكلم الله مُوسَى تكليما} وَأَنْتُم تَقولُونَ ينزل الله كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا

وَهَذَا كَلَام الله تبارك وتعالى الَّذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} وَكَلَام رَسُوله صلى الله عليه وسلم حملتهم العصبية وعمى الْقلب على أَن جَعَلُوهُ كلَاما لنا ثمَّ عابوه علينا

وَمن عَابَ كتاب الله عز وجل وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ بِمُسلم

وَمن جعل كَلَام الله عز وجل كلَاما لغيره فَهُوَ جَاهِل غبي

وَسمعت بعض أَصْحَابنَا يَقُول سَمِعت قوما يَقُولُونَ الْحَنَابِلَة يَقُولُونَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى}

قَالَ فَقلت لَهُم يَا قوم الله الله إِنَّكُم لتنسبون إِلَى الْحَنَابِلَة شَيْئا مَا يصلحون لَهُ وَلَا يبلغون إِلَيْهِ

هَذَا قَول الله سبحانه وتعالى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا}

فجعلتموه قولا للحنابلة ورفعتم قدرهم حَتَّى جعلتموهم أَهلا لذَلِك

وَإِنَّمَا يحصل التَّشْبِيه والتجسيم مِمَّن حمل صِفَات الله سبحانه وتعالى على صِفَات المخلوقين فِي الْمَعْنى وَنحن لَا نعتقد ذَلِك وَلَا ندين بِهِ بل نعلم أَن الله تبارك وتعالى {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}

ص: 58