الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
شكر وتقدير
الحمد لله فاطر القلوب على حب الخير وإقرار الجميل والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الداعي إلى مكافأة صانع الجميل وبعد،
فقد منّ الله عليّ بالانتهاء من إعداد هذه الرسالة فأرى من الواجب عليّ أن أتقدم بخالص شكري وبالغ تقديري لفضيلة أستاذي الدكتور محمود أحمد ميرة المشرف على الرسالة، والذي لم يدّخر جهداً في إبداء توجيهاته وملاحظاته السديدة، وتوفيره لي بعض المصادر ذات القيمة وقراءته لجزئيات الرسالة.
كما أقدّم خالص شكري وامتناني لفضيلة الشيخ الدكتور محمّد أمين المصري رحمه الله والذي كان له كل الفضل في إعدادي للخوض في هذا العلم في السَّنة التحضيرية، وتشجيعي لاختيار هذا الموضوع، سائلاً المولى أن يتغمّده بواسع رحمته.
كما أقدّم شكري أيضاً لفضيلة الدكتور أكرم ضياء العمري وفضيلة الشيخ حماد الأنصاري لما بذلاه أيضاً من توجيهات قيّمة أيام الدراسة والتحضير.
وفي الختام أقدّم شكري لكل من قدّم لي عوناً أيّاً كان من الأساتذة الكرام والأصدقاء والزملاء وأخصّ بالذكر الأخ الكريم مصطفى عبد لجليل أمين مكتبة الدراسات العليا وجزا الله الجميع كل خير.
تقديم:
بقلم: الدكتور عبد الله بْن عبد الله الزائد نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
وبعد
…
فهذا كتاب (سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل) نقدمه لرواد علوم الحديث الشريف، وللباحثين المعتنين بالرجوع إلى المصادر الأولى في اقتباساتهم، والواردين الموارد الأصلية في استفاداتهم.
والكتاب أحد تلك الركائز القديمة في علم الجرح والتعديل لإمامٍ من أئمته الأوائل، هو الإمام أبو داود سليمان بْن الأشعث السجستاني (202- 275) أحد خاصة الإمام يحيى بن معين (158- 233) والإمام أحمد بن حنبل (164-241) إمامي علم الجرح والتعديل في عصرهما، وأبرز من ورث علمهم رحمهم الله تعالى جميعاً.
وكثيراً ما يتردد في ثنايا الكتب المطولة النقل عن أبي داود بواسطة تلميذه هذا: أبي عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجري، أحد علماء القرن الرابع الهجري، فتتوق النفس إلى التعرّف على الآجري وكتابه الذي خزن في طواياه جانب النقد والجرح والتعديل عند الإمام أبي داود لأن هذا الإمام لم يشتهر إلاّ بكتابه (السنن) وهو كتاب ظاهره سرد المتون بأسانيدها دون أن تتجلى فيه شخصيته المتميّزة الناقدة.
فإلى هؤلاء نقدم جزءاً من هذا الكنز الدفين: كتاب (سؤالات الآجري) وهو القسم الخاص برجال أهل الكوفة ورواتها، لنضع لبنة في زاوية من صرح
السؤالات، وبرهن في تحقيقه على قوة وجلد ونفاذ في حلّ مشكلاته، جزاه الله خيراً، ووفقه لمتابعة إخراج بقية الموجود من أجزاء الكتاب، وإخراج غيره من أمهات كتب السنة.
وإنا نتوجه إلى الله عز وجل بالحمد له والشكر على ما وفقنا إليه، ونسأله المزيد - ثم نتقدم بخالص الشكر إلى جلالة الملك خالد وسمو ولي عهده الأمير فهد، على رعايتهما هذه الجامعة الإسلامية، وتقديمهما يد العون لها، وعين الاهتمام بها، من حيث المادة والتطوير في مختلف مجالاتها النافعة للأمة الإسلامية. جزاهما الله كلّ خير.
والله تعالى هو المسؤول أن يكلل أعمالنا بالتوفيق والفلاح، وييسرنا لخدمة دينه بإخلاص ودوام عمل، إنه أكرم مسؤول - وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تمهيد:
لا أظن أن الباحث الكريم بحاجة إلى التنويه بفائدة كتب الرجال على اختلاف أنواعها. فهذه الكتب تعتبر مصدرا رئيسياً يمكن الاعتماد عليه للوصول إلى حقيقة حال من ترجم لهم فيها، إضافة إلى ما تنفرد به تلك الكتب من مواد علمية جديدة.
وقد بدأ المسلمون بالتصنيف في كتب الرجال في وقت مبكر، وأفردوا لكل نمط معين من الناس كتباً خاصة بهم، فنجد منها تلك التي اهتم مصنفوها بذكر رواة الحديث النبوي الشريف، ونجد أخرى اقتصرت على ذكر المفسرين، وتلك في البلغاء واللغويين، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل تعداه إلى التصنيف في البخلاء والمغنين وما إلى ذلك.
والواقع أن البدء المبكر في هذا النمط من التصنيف ليدل على ما تمتع به المسلمون الأوائل من وعي ثقافي، ومستوى علمي رفيع، على أن المحدثين كانوا أول من طرق هذا الباب، فأخذوا بتقييد أسماء الصحابة والتابعين، وتبيين أحوالهم على اعتبار أنهم نقلة السنّة المطهرة، الأمر الذي دعا من جاء بعدهم ليحذو حذوهم، فوصفوا رواة الحديث من بعد، وهكذا.
وقد اتبع المصنفون في تواليفهم أساليب متعددة، فمنهم من صنف كتابه
علم الجرح والتعديل، الذي ما يزال الباحثون فيه يجدون أنفسهم واجمين أمام ثغرات كثيرة فيه، وما تزال هذه الثغرات تستنهض همم الباحثين وأهل التخصص والمراس، لإخراج الكتب الأولية الأصلية، والدواوين الزاخرة، وتقديمها للباحثين، لإرواء غلتهم وسد حاجاتهم. وذلك أن علم الجرح والتعديل من أهم علوم الإسلام، وأهميته بأهمية تخليص المصدر الثاني للإسلام - وهو السنَّة - من كل شائبة ودخيل.
وإن كتابنا هذا واحد من تلك الكتب الأصلية فيه - فهذه مزية أولى له.
وثانية مزاياه: أنه جاء على طريقة السؤال والجواب، وهي طريقة طريفة في تدوين العلم، سلكها كثير من علمائنا الأقدمين - وقد جمع المحقق في مقدمته للكتاب عدداً وفيراً من أسمائها - ولم يطبع إلاّ اليسير النادر منها.
والمزية الثالثة: تتجلّى في المكانة العلمية للسائل، فتكون مسائله عن نقاط دقيقة، وقضايا علمية جديرة بالاهتمام والسؤال، وإذا ما عرضت له مشكلة في بحثه - وهو العالم المتمكن - وعجز عن حلها، أو أراد أن يتثبت من الحل الذي ارتآه - فزع إلى شيوخه، فسألهم، ودوّن ذلك عنهم1.
على أن كتب المسائل - أو السؤالات - تجمع فوائد يسمعها جامع الكتاب من شيخه الذي يدوّن له أجوبته، ولو لم يكن سأله عنها.
فهي - إذاً - معلمة فوائد، وديوان نوادر، يلتقطها العالم البصير من شيخه بسؤال يوجهه هو أو غيره إلى شيخه، أو أن يقول الشيخ فائدة عابرة دون سؤال سائل.
وإن الآجري أحد علماء هذا الفن المتمكنين فيه، كما يظهر لقارئ كتابه، وإن كانت المصادر المتداولة في التراجم لا تعطينا أخباراً - بل ولا خبراً - عنه، وهذا لا يضيره، وكم من أئمة علماء غمرهم التاريخ أو غمروا أنفسهم فلم
1 وهذا يدل على ما كان عليه سلفنا رحمهم الله من الارتباط الوثيق بين التلاميذ وشيوخهم: تلقياً، وطول صحبة وملازمة، ورجوعاً إليهم في المشكلات.
يعرفوا! مع أنهم تركوا آثاراً أشبه بالموسوعات، مثل التبريزي صاحب (مشكاة المصابيح) والخزرجي صاحب (خلاصة تذهيب تهذيب الكمال) . ومنهم من كانت آثارهم الحجر الأساس في العلم، فما من طالب علم إلاّ وقرأ كتابه أو حفظه، ومؤلفه مغمور أو غير معروف الاسم!! مثل (متن الآجرومية) في علم النحو، و (متن البناء والأساس) في علم الصرف.
والآجري من هؤلاء المغمورين إذ لم يتداول ذكره إلاّ بنسبته (الآجري) مقروناً باسم شيخه الإمام أبي داود.
وإن اعتماد الأئمة الحفاظ على نقوله اعتماداً كبيراً يدل على رفيع رتبته عندهم، وقد قال شيخ حفاظ عصره أبو الحجاج المزي في مقدمة كتابه (تهذيب الكمال) :(وما لم يذكر إسناده فيما بيننا وبين قائله: فما كان من ذلك بصيغة الجزم فهو ما لا نعلم بإسناده عن قائله المحكي ذلك عنه بأساً) وتابعه على هذا المنهج والشرط الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) .
وقد أورد المزي وابن حجر كلاهما أقوال أبي داود في الجرح والتعديل بصيغة الجزم من طريق الآجري في أكثر من سبعمائة موضع - كما أحصاه محقق الكتاب - وهذا هو شرطهما، فلا أدل من ذلك على علو رتبته وكمال ثقته وهما الحافظان الناقدان.
ومن المعلوم إن أوسع كتب الجرح والتعديل تداولاً (تهذيب التهذيب) للحافظ ابن حجر، وأصله (تهذيب الكمال) للمزي الذي بدئ بطبعه من قريب، وهذان الكتابان الضخمان يجد فيهما القارئ كثرة النقول عن كتابنا هذا، كثرة تزيد على سبعمائة نقل، كما تقدم.
ومن هنا تتجلّى أهمية نشر الكتاب وإخراجه إلى الناس، باعتباره أصلاً ومرجعاً لكثير من الكتب المتداولة، ولا سيما إذا كان الكتاب المتداول غير محقق ولا مخرج إخراجاً دقيقاً، كما هو حال (تهذيب التهذيب) فيكون من الضروري الرجوع إلى مصادره التي يستقى منها للتثبت من صحّة النصّ.
ومن الأمثلة التي توضح هذه الأهمية - وسيجد القارئ غير هذا المثال - ما جاء في فقرة 22: "سئل أبو داود عَن أَبِي الجَحَّافِ؟ فَقَالَ: قَالَ سُفْيَان: ثنا، وكان مرضياً"، أي إن سفيان الثوري كان يحدث عن أبي الجحاف ويرضاه، فهذا توثيق له من الإمام الثوري.
وكذلك جاء النص عند الحافظ المزي، لكنه جاء محرفاً في (تهذيب التهذيب) 3: 196- 197 إلى "وكان مرجئاً"، وهو تحريف يسير، يترتب عليه اختلاف كبير وقد تكون الفائدة في هذا الكتاب بوجود معلومات فيه عن راوٍ ما، لا توجد في غيره من الكتب الكبيرة المعنية بذكر تلك المعلومات، ففي فقرة 142 يقول الآجري:"سألتُ أبا دَاوُد عَن أَبِي سَلَمة الصَّائغ، حدّث عَنْهُ وكيع، فَقَالَ: مَا سمعت إلا خيرًا" فأفادنا أن وكيعاً يروي عن أبي سلمة الصائغ، في حين أن ابن أبي حاتم - كما علق المحقق - لم يذكر عمن روى، ومن روى عنه، وهو من المهتمين بذكر شيوخ الرجل وتلامذته.
وغير ذلك من الفوائد المنثورة في الكتاب، التي يقدر أهميتها المحتاج إليها، المتلقط لها بنافذ بصيرته.
وقد صنف الآجري الرواة الذين يذكر أخبارهم وأحوالهم على حسب بلدانهم، فيذكر المدنيين - مثلاً - ثم المكيين، وهكذا، جاء كتابه في عدة أجزاء.
وقد يسّر الله تعالى الوقوف على الجزء الثالث منها - وهو في رواة الكوفة والبصرة - وقام بأعباء تصحيح نصوصه وتحقيقها تحقيقاً علمياً دقيقاً، أحد طلاب شعبة السنّة من قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، وهو الأستاذ السيّد محمد عليّ قاسم العمري - الأردني - وقدّم ذلك لنيل شهادة العالمية (الماجستير) .
فبذل في ذلك الجهد المشكور، وقدّم للكتاب مقدمة علمية رصينة فيها تعريف موجز بالإمام أبي داود، وجلى من أمره ما يتصل بموضوع الكتاب وهو النقد والجرح والتعديل، وعرف بجامع الكتاب أبي عبيد الآجري، وبكتب
على الطبقات، وكان ابن سعد من الأوائل الذين استخدموا هذا الأسلوب بعد أستاذه الواقدي فأبدع وأجاد، ونجد آخرين صنفوا كتبهم على النسب سواء كان ذلك إلى القبيلة، أو المدينة، أو الصنعة. على أن بعضهم قد عمد إلى استخدام أكثر من أسلوب كما هو الحال عند خليفة ين خياط، حيث صنف كتابه على الأنساب، ولكن ضمن الطبقة الواحدة.
وهناك مسلك آخر قد سلكه بعضهم، وهو التصنيف على المدن، فيذكرون في مصنفاتهم تراجم أهل بلد معين، سواء كانوا من أهلها أصلاً أو ممن دخلها من غير أهلها، ومن أشهر ما ألف في هذا تاريخ بغداد للخطيب البغدادي رحمه الله.
والذي يعنينا من هذا كله هو ما ألّف في تراجم رواة الحديث النبوي الشريف، وقد اتبع مصنفوها أيضاً مناهج متعددة تبعاً للأغراض المقصودة منها، فمنها ما يهتم بحياة صاحب الترجمة وأخباره، فيذكر سنة مولده ووفاته ويطيل في أخباره والمشاهد التي شهدها، ومعتقده والمناصب التي شغلها إن كان من ذوي الشأن، وما قيل فيه من جرح أو تعديل، إلى غير ذلك من معلومات، وقد مال بعضهم إلى الاختصار على ذكر ما قاله الأئمة من جرح وتعديل بعبارات مقتضبة.
وهكذا تكاثرت الكتب المؤلفة في رجال الحديث، وتبعاً لذلك تشابهت الأسماء وأصبح من الصعب التمييز بين كثير منها، مما دفع بعضهم إلى تأليف كتب خاصة تهتم بضبط أسماء الرواة، وأخرى للتمييز بين الرواة بالقرائن إن كانوا من أهل بلدة واحدة، أو طبقة واحدة.
إن المتتبع لما أُلف في الحديث النبوي الشريف على اختلاف علومه ليجد أن هذا العلم قد حظي بعناية بالغة حققت الأهداف المنشودة منه. ولم يكن
التأليف في هذا الفن مجرد تحقيق رغبة علمية فحسب، بل لما لهذا العلم من مساس بأحكام هذا الدين الحنيف، وخدمة السنة أمر واجب على أتباعها ولا يكون ذلك إلاّ بالإحاطة بأحوال نقلتها، ولهذا فقد اتبع علماء الإسلام من المحدثين أساليب علمية دقيقة سبقوا غيرهم باستخدامها في مجال البحث والتدقيق.
سائلاً المولى جلّ وعلا أن يحفظ للإسلام مجده ولأهله العزة والسؤدد، وأن يجزي كل من أراد خدمة هذا الدين خير الجزاء، وهو نعم المولى ونعم النصير.
المقدّمة
أبو داود السجستاني رحمه الله:
نسبه:
هو الإمام الجليل إمام عصره سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران أبو داود السجستاني1 صاحب السنن.
مولده ووفاته:
ذكر الآجري2 صاحب السؤالات أن أبا داود ولد سنة 202هـ، وكانت وفاته في السادس عشر من شوال سنة 275هـ بالبصرة3. ويكون بذلك قد عاش في هذه الدنيا 73 عاماً قضاها في خدمة العلم وأهله..
1 سجستان بكسر السين المهملة والجيم وسكون السين الثانية وفتح التاء من فوقها وبعد الألف نون، نسبة إلى سجستان الإقليم المشهور. انظر: طبقات الحنابلة 1/118، أخبار أصبهان 1/ 334، تاريخ بغداد 9/ 55، تهذيب الكمال 3/ 132، اللباب 2/ 105، طبقات الشافعية للسبكي 2/193، تذكرة الحفاظ 2/591، سير أعلام النبلاء 9/ 45، البداية والنهاية 11/54، شذرات الذهب 2/ 167، وفيات الأعيان 2/ 138، تهذيب التهذيب 4/ 169، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 261.
2 محمد بن علي بن عثمان يأتي الكلام عليه في فصل مستقل.
3 تذكرة الحفاظ 2/593.
أهم شيوخه:
رحل أبو داود وطوف بالبلاد شرقاً وغرباً، وسمع خلقاً كثيراً من كبار المحدثين في مختلف البلاد، ومن أشهرهم: الإمام أحمد بن حنبل وابن معين وهما اللذان أخذ عنهما علم الحديث1. كما روى عن ابن المديني، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وأبي الوليد الطيالسي، وقتيبة بن سعيد وغيرهم من الأئمة.
أهم تلاميذه:
روى عنه الأئمة، أمثال أبي عيسى الترمذي صاحب الجامع، وهو من أقرانه، وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي صاحب السنن، وابنه عبد الله بن أبي داود الحافظ، وأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفراييني. وأبي بشر محمد بن أحمد بن سعيد الدولابي، وأبي عمرو أحمد بن علي بن الحسن البصري، وأبي بكر محمد بن داسة، وزكريا الساجي، وأبي عبيد الآجري، وغيرهم.
توثيقه:
اتفق أهل العلم على توثيق أبي داود رحمه الله وسأقتصر في هذا المقام على ذكر أقوال بعض أهل العلم فيه:
قال ابن حبان رحمه الله: "كان أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً ونسكاً وورعاً وإتقاناً، جمع وصنّف وذبّ عن السنن"2..
وقال الهروي: "كان أحد حفاظ الإسلام، في أعلى درجة النسك والعفاف والصلاح والورع"3..
1 تهذيب الكمال 3/133.
2 طبقات الشافعية للسبكي 2/293.
3 تهذيب التهذيب 4/ 172.
وقال النووي: "اتفق العلماء على الثناء على أبي داود، ووصفه بالعلم الوافر والإتقان والورع والدين والفهم الثاقب في الحديث وغيره"1.
مكانته العلمية، وثناء أهل العلم عليه:
عاش أبو داود رحمه الله في بيئة علمية مكنته من ارتقاء أرفع مراتب المعرفة، وخاصة في علم الحديث النبوي الشريف، إلى جانب ما بذله من جهد شاق خلال رحلاته المتتالية وتتلمذه على من طارت شهرتهم في الآفاق، فكان من نتيجة هذه العوامل مجتمعة أن أصبح رحمه الله عَلماً من أعلام الإسلام. وهذه طائفة من أقوال الأئمة والحفاظ فيه:
قال أبو بكر الصاغاني: "ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد"2. وقال أبو عبد الله بن مندة: "الذين أخرجوا وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة: البخاري ومسلم، وبعدهما أبو داود والنسائي"3.
وقال أبو عبد الله الحاكم: "إمام أهل الدنيا في عصره بلا مدافعة"4.
وقال أبو بكر الخلال: "الإمام المقدم في زمانه لم يسبق إلى معرفته بتخريج العلوم وبصره بمواضعه، رجل ورع مقدم"5.
وقال موسى بن هارون: "خلق أبو داود في الدنيا للحديث وفي الآخرة للجنة"6.
1 تهذيب الأسماء واللغات 2/ 225.
2 طبقات الشافعية للسبكي 2/293.
3 تهذيب التهذيب 4/ 172.
4 تذكرة الحفاظ 2/592.
5 طبقات الشافعية 2/295.
6 طبقات الشافعية للسبكي 2/ 295.
وكان إبراهيم الأصبهاني، وأبو بكر بن صدقة يذكرونه بما لا يذكرون أحدا في زمانه بمثله1.
عقيدته:
عاش رحمه الله في فترة زمنية ظهر فيها العديد من الاتجاهات الفكرية، فكان في الكوفة المذهب الشيعي، وكانت بالبصرة موطن القدرية، والشام موطن الناصبة، إلى جانب بعض الطوائف الأخرى كالخوارج والجبرية والمرجئة والجهمية، والقائلين بالاعتزال.
وقد كان التخاصم فيما بين تلك المذاهب من أهم العوامل في تنشيطها وسرعة انتشارها. وهكذا ابتلي بها الكثيرون من الساسة فضلاً عن عوام الناس، بل أن مذهب الاعتزال تربع على مقعد السلطة أيام المأمون، حتى صار يحكم بمبادئه، ويحارب ويذل من خالفه، ومسألة القول بخلق القرآن من أبرز الدلائل على ذلك.
وبحكم ترحال أبي داود المستمر في البلاد فقد باشر رحمه الله بنفسه أهل تلك الطوائف على اختلاف اتجاهاتهم، فعرف ما تنطوي عليه عقائدهم الفاسدة، الأمر الذي باعد بينه وبينهم، فسلك سبيلاً غير سبيلهم، سبيل الاستقامة والسلامة، ولا ريب أن تأثره بشيخه الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنّة والجماعة كان عاملاً هاماً في ثباته على مسلكه القويم، الذي ارتضاه السف الصالح لأنفسهم، فضلاً عن ذلك النوع من العلم الذي تخصص فيه رحمه الله وفيه ما يعصم الإنسان من الوقوع في المهالك.
وهكذا فقد عصمه الله تعالى، فكان إماماً من أكابر أهل السنّة والداعين إليها، وكثيراً ما نراه يحطّ من قدر أولئك المنحرفين باتباعهم مذاهب لا تقوم بها حجة شرعية وفي هذا الكتاب المحقق الكثير من الأدلة على ما نقول.
1 تاريخ بغداد 4/ 57.
رحلاته:
لما كانت السنّة النبوية ذات مكانة هامة في التشريع الإسلامي فقد بذل العلماء ما في وسعهم لخدمتها، فرحلوا المسافات البعيدة من أجل تقييد الحديث وجمعه والوقوف على أحوال رواته، وشعارهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة"1.
وقد اعتبر كثير من العلماء الرحلة أمراً ضرورياً للمشتغل بالحديث. قال ابن معين رحمه الله: "أربعة لا يؤنس منهم رشداً
…
وذكر رجلاً يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث"2. وكذلك كان أحمد رحمه الله ممن يرى ضرورة الارتحال في طلب العلم3. وهو مذهب جملة من العلماء كابن الصلاح4.
ولإدراك أبي داود لهذه الحقيقة فقد شرع منذ الصغر في رحلاته، فرحل إلى بغداد، وصادف ذلك وفاة عفان بن مسلم فقال: شهدت جنازته وصليت عليه5. وكان ذلك سنة 220هـ، وعليه فإن عمره كان حينئذ ثمانية عشر عاماً. وقد دخل بغداد غير مرة وكان آخرها سنة 272هـ، وقدم الكوفة سنة 221هـ، ورحل إلى البصرة وسكنها، وفيها كانت وفاته. ولم يقتصر رحمه الله في رحلاته على مراكز العلم في العراق، بل رحل إلى مصر والشام، وفيها كتب عن إسحاق بن إبراهيم الفراديسي، وإلى خراسان والحجاز والري6، وغير ذلك من بلدان العالم الإسلامي. وقد أطلق عليه الحافظ ابن كثير رحمه الله لقب الرحّال حيث قال:"أحد أئمة الحديث الرحّالين إلى الآفاق في طلبه"7.
1 أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم، 1/ 27.
2 الرحلة في طلب العلم ص17.
3 مقدمة علوم ابن الصلاح، ص369.
4 المصدر السابق.
5 تاريخ بغداد 12/ 277.
6 تهذيب الكمال 3/ 133.
7 البداية والنهاية 11/ 55.
وقد ترتب على هذا الجهد المبذول أن صار أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وفارساً من فرسان الحديث النبوي الشريف.
أشهر مصنفاته:
تقدم أن أبا داود رحمه الله حظي بمكانة علمية عالية شهد له بها الجهابذة، حيث قضى حياته في طلب العلم وتحصيله، وما أن ترك الدنيا حتى خلف للمسلمين ثروة من مصنفاته التي تعد من أنفس كتب التراث الإسلامي ومن أهمها:
كتاب السنن: وقد جمع فيه الأحاديث المتعلقة بالأحكام والأمور الفقهية، ورتبه على أبواب الفقه، وعدتها ثمانمائة وأربعة آلاف حديث، وذكر شرطه فيه فقال:"ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه، وما يقاربه، وما كان في كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح"1.
وقد لاقى كتاب السنن إعجاباً بالغاً عند أهل العلم، بل كان ينافس الصحيحين منافسة قوية أول أمره، قال فيه الخطابي:"إنه لم يصنف في علم الدين مثله، وهو أحسن وصفاً وأكثر فقهاً من الصحيحين"2.
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "كتاب السنن لأبي داود من الإسلام بالموقع الذي خصه الله به بحيث صار حكماً بين أهل الإسلام، وفصلاً في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب ونظمها أحسن نظام مع انتقائها أحسن انتقاء، وإطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء"3.
وقد اعتنى العلماء به عناية بالغة فشرحوه شروحاً متعددة4..
1 انظر: رسالة أبي داود لأهل مكة.
2 فتح المغيث 1/ 84.
3 توضيح الأفكار 1/ 60.
4 طبع أكثر من مرة.
كتاب المراسيل: وهو أحد أجزاء السنن الثمانية عشرة، وقد أفرده العلماء بجزء مستقل، ذكر فيه أبو داود ما يروى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من المراسيل، منها ما لا يصح ومنها، ما يسند عند غيره وهو متصل صحيح1.
كتاب مسائل أبي داود للإمام أحمد في الرواة2: وقد رتبه على البلدان3.
كتاب مسائل أبي داود للإمام أحمد في الفقه4.
كتاب السؤالات، الذي بين أيدينا من جمع تلميذه الآجري.
كتاب البعث والنشور5.
كتاب تسمية الإخوة الذين روي عنهم الحديث6.
الناسخ والمنسوخ7.
مسند مالك8.
دلائل النبوة9.
كتاب أصحاب الشعبي10.
كتاب الرد على أهل القدر11.
وله مصنفات أخرى تدل على غزارة علمه في مختلف العلوم.
1 نموذج من الأعمال الخيرية، ص611، وكتاب المراسيل أيضاً مطبوع.
2 تاريخ التراث العربي 3/ 189.
3 مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق، ضمن مجموع رقم 46.
4 مطبوع في بيروت تقديم محمد رشيد رضا.
5 كشف الظنون 2/ 1402)
6 مخطوط في دار الكتب القاهرية ضمن مجموع رقم 129.
7 تهذيب التهذيب 4/ 170.
8 المصدر السابق.
أبو داود إمام في الجرح والتعديل:
إن علم الجرح والتعديل من أصعب علوم الحديث، فلا يقدم على الخوض فيه إلاّ من اتصف بسعة الاطلاع في الأخبار المروية ورواتها، عارفاً بأحوال أولئك الرواة ومقاصدهم، وطرق مروياتهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل أو الانحراف عند بعضهم، إضافة إلى معلومات حديثية أخرى، كمعرفة سنة ولادة الراوي، ووفاته وممن سمع ومن أخذ عنه، وكيف كانت كتبه هل هي صحيحة أولا، إلى غير ذلك مما لا بد منه في هذا الميدان.
والناقد لا بد وأن يكون أيضاً ذا فهم حاد ويقظة، واعياً لكل ما ينطق به في هذا المجال، لا يستفزه غضب ولا يستميله هوى، ولا يتجاوز في حكمه على أحد فيصدر حكمه بأمانة علمية.
وهذه المرتبة من العلم صعبة المرتقى وشائك سبيلها، لا ينالها إلاّ من سهل الله سبيل الوصول إليها، فلم يبلغها إلاّ الأفذاذ ممن بزوا أقرانهم، فكم من عالم لا يعوّل على ما يقوله في هذا الفن. قال ابن المديني رحمه الله:"أبو نعيم وعفان - يعني الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم - لا أَقْبَلُ كَلامَهُمَا فِي الرِّجَالِ هَؤُلاءِ لا يَدْعُونَ أَحَدًا إِلا وقعوا فيه"1. وأبو نعيم وعفان من كبار المحدثين، وممن نالوا شهرة بالغة، ولكنهم مع ذلك لا يلتفت إلى تجريحهم أو تعديلهم في
1 تهذيب التهذيب 7/ 232.
الرواة على أن عبارة ابن المديني تفيد أنهما ممن أكثر في النقد، لكنا لا نجد مما قالوه في كتب هذا الفن إلاّ القليل النادر مع كثرتها، إذ أغفلت ما صدر عنهم.
وقد نبغ في هذا الفن أناس يدين لهم به كل منصف أمين لما قدموه من خدمة بالغة الأهمية لا يستطيع غيرهم أن يسديها، فاستسهلوا من أجل ذلك الصعب بدافع ديني نبيل وفطري سليم، وكان من بين هؤلاء إمامنا الجليل أبو داود السجستاني رحمه الله وقد نوّه الأئمة بفضل هؤلاء النقاد وأشادوا بجهدهم الكريم في مقدمات كتبهم التي ألفوها في هذا الميدان كابن أبي حاتم وابن عدي، والذهبي وغيرهم، وكم كان بودي أن أعثر على ذكر لأبي داود فيمن ذكر ليكون ذلك عوناً لي في بحثي هذا، ولكني لم أر من ذكره كناقد فيمن ذكر من ذوي الشأن، ولا أقول هذا اعتراضاً عليهم، فالقوم لم يلزموا أنفسهم بذكر سائر النقاد، ولكن قد يظن بعضهم أن عدم ذكر من هم مثل أبي داود في تعداد أولئك إنما هو للتقليل من شأنهم، أو لأنهم لم يبلغوا مرتبة في هذا الفن يستحق من أجلها أن يذكروا في مصاف النقّاد الكبار. الواقع غير ذلك، فإنني أستطيع الجزم بأن أبا داود من كبار النقاد ومن الذين شاركوا في إنشاء أسس هذا الفن، وليس من حقي أن أغمط كلاً من السخاوي والسبكي - رحمهما الله - حقه. ففي ذكرهما لطبقات النقّاد ذكرا أبا داود في الطبقة التي تلي طبقة الإمام أحمد1. وتجدر الإشارة إلى أنني لم أعثر على أي بحث مستقل حول أبي داود في النقد فيما اطلعت عليه.
وأكبر الشواهد على إمامته وأكثرها وضوحاً هذا الكتاب الذي بين أيدينا الآن إذ يحتوي على الآلاف ممن تكلم فيهم أبو داود بجرح أو تعديل، أو غير ذلك سواء كان من اجتهاده، أو آثراً عن شيوخه، بالإضافة إلى معلومات حديثية أخرى. ولم يختصر رحمه الله على نقد رواة أهل مصر معين، كلا، بل تكلم في رواة الحديث من سائر البلاد الإسلامية، وفي هذا الكتاب رواة الحديث من بغداد والكوفة، والبصرة ودمشق، والثغور وأيلة والجزيرة، وبلاد أخرى كثيرة، ولكم
1 الإعلان بالتوبيخ 165، طبقات الشافعية للسبكي 1/316.
أود أن يخرج هذا الكتاب بكامل أجزائه والتي أتصور أن تبلغ ثمانية كبار بما في ذلك المفقود.
وقد تكلم أبو داود رحمه الله في الرواة بلسان الناقد البصير، ولم أر في كلامه ما يدعو إلى الاستغراب، فلم يكن لينفرد بما لا يتابع عليه في أحكامه إضافة إلى ما يدعم به رأيه من أدلة إذا اقتضت الضرورة.
وأبو داود رحمه الله خاض غمار هذا الفن بعلمه واجتهاده، فلم يكن متبعاً، بل كان له رأيه المستقل، وقد قرأت كتاب السؤالات بأجزائه الثلاثة الموجودة، وتتبعت ما قاله باجتهاده وما نقله عن شيوخه، وأذكر هنا أن نسبة أقواله في هذا الجزء المحقق تزيد على 90% من مجموع الآراء التي قيلت فيما احتواه من رجال. وقد يخالف رأي شيخه فها هو يوثق العوام بن حمزة، ورد على شيخه ابن معين، إذ ضعّفه بقوله:"مَا نعرف لَهُ حَدِيثًا منكرًا"1. وقال في نوح بن قيس: "ثقة"، بلغني أن يحيى ضعّفه. وقد أنكر على عفان بن مسلم إذ يروي عَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِبْرَاهِيم صاحب العلاء، وقال: هو عندي منكر الحديث2. ومثل هذا كثير. وهذه النماذج لا تدع مجالاً للشك في أن أبا داود من أهل الخبرة والاستقراء، والتثبت في النقد شديد الاحتياط في قبول الروايات.
نقل العقيلي في ترجمة يعقوب بن كاسب عن زكريا بن يحيى الحلواني3 قال: "رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب في وقايات4 على ظهور كتبه، فسألته عنه فقال: رأينا في سنده أحاديث أنكرناها فطالبناه بالأصول فدافعنا، ثم أخرجها بعد فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها"5.
1 انظر: نص رقم 355.
2 انظر: نص رقم 384.
3 بضم الحاء المهملة واللام.
4 أغفلة توضع على ظهور الكتب.
5 ضعفاء العقيلي 3/ 451.
إن البراعة النقدية التي تمتع بها أبو داود كما ترى يعجز الكثير من النقّاد عن بلوغها، وإنه لنقد علمي سليم، يقوم على نقد الكتابة والمخطوطات، وتقدير عمرها بالنظر في جديد الخط وقديمه، وقد علّق فضيلة الشيخ محمد الصباغ على هذا بقوله: إنه مجال سبق إليه أبو داود، ويحسب بعض الباحثين أنه جديد وأن الأقدمين لم يعرفوه1.
وقد شهد الأئمة لأبي داود بإمامة عصره في الحفظ والإتقان، ومعرفة علل الحديث، والتبصر بأحوال الرواة، وها هو يسئل عن الأئمة الكبار، سأله الآجري قائلاً:"أيهما أعلم بالرجال يحيى أو علي؟ فقال: يحيى أعلم الرجال وليس عند علي من خبر أهل الشام شيء"2.
وحسب أبي داود اعتماد من جاء بعده على أقواله في هذا الفن إلى يومنا هذا، وأما ما قيل من أن أبا داود أكثر عناية بالمتون من الأسانيد فهذا لا يتعارض مع ما قلناه، وهذا في السنن إذ ضمنه من الأحاديث ذات الأحكام الفقهية ما لا يوجد في غيره من الكتب الستة، حتى قيل في سننه:"إنها أكثر فقهاً من الصحيحين"3. على أن من يتتبع سننه يرى أنه يعقب على كثير من الأحاديث ببيان حال رواتها، وعما إذا كان هذا الحديث فرداً غريباً أو غير ذلك من أمور نقدية، فكان رحمه الله عالماً بالمتون والأسانيد، ومن يطلع على ما ألفه في أحوال الرواة يظهر له الأمر جلياً، وقول ابن المديني يشهد لواقع أبي داود حيث قال: معرفة الرجال نصف العلم ومعرفة فقه الحديث نصف العلم4.
1 مجلة البحوث الإسلامية 1/1/ 258.
2 تاريخ بغداد 14/ 181.
3 قاله الخطابي، انظر: فتح المغيث 1/ 84.
4 تذهيب تهذيب الكمال. ورقة 3/ أ.
مرتبة أبي داود بين النقّاد:
سبق أن تكلمنا على إمامة أبي داود في النقد واعتماد الأئمة على أقواله وإخراجها في كتبهم، ولكن إلى أي طبقات النقد ينتمي إمامنا الجليل؟ وهنا أورد ما ذكره الذهبي في تقسيمه لطبقات النقاد ليتسنى للقارئ الكريم الوقوف على ماهية تلك الطبقات.
قال السخاوي رحمه الله: قسم الذهبي من تكلم في الرجال أقساماً:
1-
قسم تكلموا في سائر الرواة كابن معين وأبي حاتم.
2-
وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة.
3-
وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي.
قلت: "واعتماداً على ما استخلصته من نتائج من خلال دراستي لكتاب السؤالات تبين لي أن أبا داود من القسم الأول - أعني الذين تكلموا في سائر الرواة. وقد أشرت مسبقاً إلى أنه تكلم في رواة الحديث على اختلاف بلدانهم وتبيانها".
ثم تابع الذهبي قائلاً: والكل على ثلاثة أقسام:
1-
قسم منهم متعنت في الجرح متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاثة، فهذا إذا وثق شخصاً فعضّ على قوله بنواجذك وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعّف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه، فإن وافقه ولم يوثق ذلك الرجل أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا هو الذي قالوا فيه: لا يقبل الجرح فيه إلا مفسراً. يعني لا يكفي فيه قول ابن معين مثلاً ضعيف، ومثل هذا يختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه.
قال السخاوي: "ثم قال الذهبي وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن على توثيق ضعيف
ولا تضعيف ثقة، ولهذا كان مذهب النسائي، أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه".
2-
وقسم منهم متمسح كالترمذي والحاكم.
3-
وقسم معتدل كأحمد والدارقطني وابن عدي1.
قلت: وبعد التمحيص والتدقيق في أقوال أبي داود في الرواة ومقارنتي لها بأقوال الأئمة أكاد أجزم بأن أبا داود كان من القسم الثالث، أعني من وصف بالاعتدال، فلم يكن رحمه الله متشدداً في توثيق الرواة متساهلاً في تجريحهم، ولا ممن تعنت فجرح من كان ثقة، أو ممن تساهل فوثق من كان مجروحاً، بل راعى في أحكامه مناهج أهل الاعتدال. ولقد تأثر بمنهج شيخه الإمام أحمد تأثراً كبيراً ظهرت نتائجه في سمته وعلمه ومنهاجه.
قد يسأل سائل فيقول: "فما مدى تأثره بمنهج شيخه ابن معين وهو من المتشددين في النقد؟ " أقول: إن ابن معين رحمه الله قد شارك بقدر كبير في نشأة أبي داود العلمية، فلما بلغ أبو داود رحمه الله مبلغاً علمياً رفيعاً مكنه من النظر في الأمور بدقة، نهج منهج أهل الاعتدال لأنه يستقيم مع معلوماته ودرايته، فكان قريباً كل القرب من منهج شيخه أحمد بن حنبل، وإن كان هذا لايمنعه من استعراض بعض آراء شيخه ابن معين والأخذ بها، وقد يتابعه فيما ينفرد فيه أحياناً وهذا قليل.
وبين يديّ قضية أود أن أطرحها، وهي ما مدى اتفاق أقوال أبي داود مع أقوال الحافظ ابن حجر في التقريب؟ سؤال قد يبدو غريباً لأول وهلة، فأبو داود ممن شاركوا في وضع أسس هذا الفن، وإمام له اجتهاده الخاص في حين أن ابن حجر لم يكن كذلك، أقول هذا حق، ولكن ابن حجر في التقريب خرج بخلاصة أقوال الأئمة بعبارة ذات مدلول معين مراعياً في ذلك قول من عرف بالتعنت أو التساهل، ومن جرح ببينة أو مجرد قول قيل، فخرج بقول وسط
1 الإعلان بالتوبيخ 167، والرفع والتكميل 181.
يحكم من خلاله على الرواة، فكأني أقول ما مدى موافقة أبي داود لخلاصة أقوال الأئمة؟ وهو ما فعله ابن حجر فكان قوله وسطاً على وجه التغليب.
وقبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أشير إلى أن الأقدمين قد استخدموا عبارات لها مدلولات تختلف عما اصطلح عليه المتأخرون في العبارات ذاتها. فالثقة مثلاً عند المتقدمين أعم مما اصطلح عليه المتأخرون الذهبي وابن حجر مثلاً، فهي تشمل الصدوق عند المتأخرين أيضاً، فيراعى هذا، وقد قمت بتتبع عبارات أبي داود في هذا الجزء المحقق وقارنتها بقول ابن حجر، وقلما يخالف أحدهما الآخر. كما أنهما يتفقان في الغالب فيما يقال فيه ثقة، وأحياناً يكون ما هو ثقة عند أبي داود صدوقاً عند ابن حجر، وقد يكون ثبتاً أو ثقة حافظاً، وكثيراً ما يتفقان على ما يقال فيه لا بأس به أو صدوق.
وهذا مما يوضح لنا مدى الاعتدال الذي نهجه أبو داود رحمه الله تعالى.
منهج أبي داود في النقد:
اتبع النقاد في نقدهم لرواة الحديث مناهج متعددة تمكنوا بواسطتها الكشف عن أحوال الرواة، والوقوف على صحيح مروياتهم من سقيمها، وقد شارك أبو داود رحمه الله بنصيب كبير في تحديد المنهج النقدي عند المحدثين، ويمكن تلخيص منهجه في النقاط التالية:
1-
النزاهة العلمية:
تمتع أبو داود رحمه الله بنزاهة علمية رفيعة ولا غرابة، فقد نشأ منذ نعومة أظفاره نشأة علمية سليمة، مبتغياً وجه الله تعالى، متمسكاً بما يمليه عليه دينه الحنيف من استقامة لا عوج فيها ولا انحراف، فما يصدر حكماً على راوٍ إلا لتحديد موقف الناس منه ببيان حقيقة أمره، فلا مجال لهوى يتبع، فلا يذكر الراوي إلا بما فيه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، لا فرق في ذلك بين قريب وبعيد، وها هو رحمه الله يجرح ابنه ويرميه بالكذب لأنه يرى أنه ليس أهلاً
لأن يؤخذ عنه الحديث الشريف، ولم يكن يقتصر على ذكر جانب السوء في الراوي فحسب أو العكس، بل كان يذكر فيه ما يحمد أو يذم من أجله. سأله الآجري عَن عَمرو بْن ثابت1 فَقَالَ: هو رجل سوء وجعل يذمه، لكنه قال: ليس حديثه يشبه حديث الشيعة، يعني أن أحاديثه مستقيمة. فذمه لأنه كان من غلاة الشيعة، لكنه لم ينكر أن أحاديثه مما يؤخذ بها فوصفها بالاستقامة، ومثله أيضاً ما قاله في يونس بن خباب2 ووصفه بأنه شتّام للصحابة - رضوان الله عليهم -، لكنه أردف قائلاً: وليس في حديثه نكارة، وقال في أيوب بن عائذ3:"ثقة إلا أنه مرجئ"، فالرجل عنده ثقة لكنه لم ينس أن يذكره بما عيب به وهو مخالفته لأهل السنة باتباعه سبيلاً غير سبيلهم. والأمثلة الدالة على نزاهته المتناهية لا عد لها ولا حصر رحمه الله.
2-
الدقة العلمية:
إن المتتبع لما قاله أبو داود في الرجال ليجد أنه ذو وصف علمي دقيق لحالهم، فنراه يجري المقارنات فيمن هم من مرتبة واحدة كأن يكونوا ثقات أو غير ذلك، مما يفيد ويلزم عند التعارض والترجيح، فينزل كل راوٍ منزلته، ويعطي كل ذي حق حقه. كما ويذكر مواطن الرواة وسني ولادتهم ووفياتهم وعمن رووا سماعاً أو بالإرسال، بل ويحدد وقت لقي بعضهم ببعض، وأيهم المكثر من المقل، ووقت اختلاط بعض من اختلط منهم، ومن روى عنه قبل وبعد الاختلاط، وكم روى بعضهم عن بعض، ومن أثبتهم في راوٍ معين، وعلة تضعيف بعض الروارة، وغير ذلك مما يعجز عن وصفه الكثير من الحذاق في هذا الفن.
3-
الأمانة العلمية:
كان أبو داود رحمه الله أميناً صادقاً في حكمه على الرواة، فلا يُصدر
1 انظر: نص رقم 242.
2 انظر: الجزء الخامس من السؤالات ورقة 67 وجه (أ) .
3 انظر: نص رقم 128.
حكماً إلا بما يعلم، وإذا لم يجد من علمه ما يمكنه أن يُصدر حكمه أحال على غيره من شيوخه، وكم من مسألة سئل فيها فقال:"لا أدري". سأله الآجري عن عرفجة العمي1 فقال: "لا أعرفه". وعن سالم المرادي2 فَقَالَ: "لَيْسَ لي بِهِ علم". وعن العلاء بْن خَالِد فَقَالَ: "مَا عندي من علمه شيء"3. وسئل: هل سمع عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى من عمر رضي الله عنه فقال: "قَدْ رَوَى ولا أدري يصح أم لا، وقد رأيت من يدفعه"4. وقال في أبي إسرائيل الملائي وهو رافضي: "لم يكذب وليس في حديثه نكارة، حدّث عنه الثوري".
إنها الأمانة العلمية التي حملته على قول الحق بكل صدق وإخلاص.
4-
الجرأة في قول الحق:
لم يقدم النقاد على نقد الرجال إلا بدافع ديني يدعوهم إلى تنزيل كل راوٍ منزلته التي تليق به إقراراً للحق، وتلبية لنداء الفطرة، وفي هذا نصح للأمة، فأظهروا من هم أهلاً للرواية ممن ليسوا بأهل لها، ولم يخشوا في قول الحق أحداً.
ذكر ابن مبارك رجلاً فقال: "يكذب"، فقيل: يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟ قال: "اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل5؟ " وقال ابن عُلَّية في الجرح: "هذا أمانة ليس بغيبة"6. وهذا أبو داود يقضي بأن ابن معين أعلم في الرجال من ابن المديني قائلاً: "يحيى أعلم بالرجال وليس عند علي من علم أهل الشام شيء". وقال في عليّ بن الجعد الجوهري: "رجل سوء لأنه كان من غلاة الشيعة" ومثله ما قاله في رياح بن عمرو القيسي ونسبه إلى الزندقة، وسأله الآجري عن الحسن بن ذكوان قائلاً:"زعم قومُ أَنَّهُ كَانَ فاضلًا"، فقال:"ما بلغني عنه فضل".
1 انظر: نص رقم 484.
2 انظر: نص رقم 23.
3 انظر: نص رقم 143.
4 انظر: نص رقم 207.
5 انظر: شرح علل الترمذي ص77.
6 المصدر السابق.
وقال محمد بن رجاء البصري: قلت لأبي داود: "لم أرك حدثت عن الرمادي1؟ قال: رأيته يصحب الواقفة2 فلم أحدث عنه"3.
لقد كان الحق يجري على لسانه رحمه الله في كل أمر يهم أمور المسلمين.
5-
موقف أبي داود من أهل الإبتداع:
اختلف المحدثون في قبول الرواية عن أهل الإبتداع كالخوارج والرافضة والقدرية، فمنعته طائفة منهم مالك وابن عيينة وعلي بن حرب وغيرهم، ورخصت فيه طائفة إذا لم يتهموا بالكذب، وقال به ابن المديني وابن سعيد القطان. قال ابن المديني رحمه الله:"لو تركت أهل البصرة للقدر وأهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب"4، وذهب آخرون إلى منع الرواية عمن يدعو إلى بدعته دون غيره، ومن هؤلاء أحمد بن حنبل وابن معين.
والمانعون للرواية مطلقاً ذهبوا إلى أن المبتدعة كفار على رأي من ذهب إلى تكفير المتأولين، أو فساق على رأي من لم يحكم بكفرهم، على أن بعضهم إنما عمد إلى ترك الرواية عنهم من باب العقوبة والإهانة، أو لأنه لا يؤمن جانب هؤلاء من الكذب. وعلى الرأي الأخير يستثنى من هؤلاء ما قاله أبو داود رحمه الله:"لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنَ الْخَوَارِجِ"ثُمَّ ذَكَرَ عِمْرَانَ بْنَ حِطَّانَ وَأَبَا حَسَّانٍ الأعرج5.
قلت: وعمران بن حطان، وأبو حسان الأعرج أخرج لهما أبو داود في سننه، والمتتبع لمن أخرج لهم أبو داود رحمه الله في سننه يرى أنه يروي
1 هو أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي المتوفى سنة 265هـ.
2 هم الذين توقفوا عن القول بخلق القرآن أو عدمه.
3 تهذيب سنن أبي داود 8/ 156.
4 الكفاية 129.
5 انظر: الكفاية 130.
الحديث عمن رمي ببدعة إذا كان أهلاً لأن يؤخذ عنه، فها هو يروي عن إسماعيل بن بشير بن منصور، ونعمان بن المنذر الغساني، وهما متهمان بالقدر، وعن حصين بن نمير الواسطي، ونعيم بن أبي هند، وهما ناصبيان، وعن خلاد بن يحيى السلمي، وعبد الحميد بن يحيى الحماني وهما من المرجئة، وعن الفضل بن دلهم1 وهو معتزلي، وعن إسماعيل بن موسى الفزاري، ويونس بن خباب، وجابر بن يزيد الجعفي وهم من الروافض. بل وقد ينفرد بالرواية عن أناس ممن تكلم فيهم ببدعة فيخرج لهم في سننه دون غيره، كروايته عن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن، ويونس بن راشد الحراني، فالأول قدري، والثاني مرجئ. ومثل هذا كثير، ولم ينفرد أبو داود رحمه الله بهذا بل إن في البخاري ومسلم أعداداً ممن رمي ببدعة، فإذا كان المبتدع ثبت الأخذ والأداء، وغير داعية لبدعته، وليس في حديثه ما يعضد بدعته روى حديثه، وهذا ما جرى عليه أكثر الأئمة رضوان الله عليهم، وقد يكون في هؤلاء من هو داع لبدعته، لكن الأئمة كأبي داود وغيره أعلم بروايات هؤلاء من غيرهم فيروون ما يرون أنه مما يؤخذ به ويتركون ما عداه2، والله أعلم.
6-
عدم قبول الجرح إلا مفسراً:
شارك أبو داود رحمه الله كثيراً من النقاد بهذا الرأي، وهذا بالطبع فيمن تعارض فيه الجرح والتعديل.
قال الخطيب: "وهو مذهب حفاظ الحديث ونقاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم، فالبخاري احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم، وهكذا فعل مسلم بن الحجاج، وسلك أبو داود هذه الطريق وغير واحد من بعده فدل ذلك على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه، وذكر موجبه"3
1 بكسر الدال المهملة وفتح الهاء، انظر: المغني في ضبط أسماء الرجال ص31.
2 انظر: التفصيل في شرح علل الترمذي 83، مقدمة لسان الميزان 1/6.
3 الكفاية 108.
وقد سلك النقاد مذاهب عدّة، وربما جرح بعضهم من لا يستحق الجرح أو جرح بما لا يكون جرحاً عند غيره، ولهذا فقد كان أبو داود رحمه الله يخرج حديث من ضعف بالجملة. قال المنذري في مختصر السنن في حكايته عن ابن مندة أنه قال: إن شرط أبي داود إخراج حديث قوم لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال1، ولهذا فقد ذهب إلى توثيق العوام بن حمزة والذي ضعفه شيخه ابن معين فقال: لم نر له حديثاً منكراً أي يستوجب ضعفه، وهكذا قال في نوح بن قيس: ثقة بلغني أن يحيى ضعفه، أي بدون حجة.
1 تهذيب سنن أبي داود 8/ 149.
أبو عبيد الآجرّي:
دأب المحققون على ذكر ترجمة لمؤلف الكتاب - سواء كان ذلك الكتاب من تأليفه أصلاً أو من جمعه وتصنيفه كالآجرّي هنا - المحقَّق لما لذلك من أهمية، ولا شك أن كل قارئ لأي كتاب ما فأول ما يبدي اهتمامه بالمؤلف ليطمئن إلى ما يقرأ، بل إن الكثيرين يفضلون مؤلفات لمؤلفين أُعجبوا بهم أيما إعجاب، لما اتصفوا به من قدرة علمية تتيح للقارئ الوصول إلى النتائج المرجوة بأساليب جذابة.
وإعجاب القارئ بالمؤلف يختلف باختلاف الأمر المقصود من القراءة فنرى مثلاً أن من أراد البحث في علل الحديث فأول ما يتبادر إلى ذهنه ما كتبه أهل هذا الفن كأحمد بن حنبل والدارقطني، ومن أراد الفقه فيتبادر ذهنه كتب الأئمة الأربعة.
ومن هنا كان التعريف بالمؤلف وتسليط الأضواء على مختلف نواحي حياته العلمية أمراً ضرورياً، ليطمئن القارئ إليه في فنه المحقق.
وقد يتصور القارئ الكريم بعد هذه النبذة البسيطة أني سوف أكشف له عن حياة الآجرّي وبإسهاب مستفيض، ولكني أتوقف قليلاً وأقدم لعزيزي القارئ أسفي الشديد إذ لم أتمكن من العثور على ترجمة هذا المؤلف - إن جاز
هذا التعبير - على الرغم من قدرته العلمية وخاصة في هذا الفن - أعني نقد الرواة ومروياتهم - ولقد أطلق عليه بعضهم لقب الحافظ1.
والواقع أنني قمت بالبحث في كتب الرجال، وبطون الكتب التي يُظن أن تذكر عنه شيئاً، ولكني لم أجد شيئاً يمكن أن يصور لنا شخصية الرجل اللهم إلا بعض العبارات النادرة والمتناثرة في بطون الكتب كقولهم أبو عبيد الآجرّي الحافظ، وقولهم: صاحب أبي داود2. مع أنني لمست منه قدرة علمية كبيرة في علم الحديث، ولا أعرف لم أكتنف الغموض حياة هذا الرجل مع أن كتب التراجم بأنواعها ترجمت لأناس هم دونه في المنزل بكثير بل ولا مقارنة ولعل أولى الكتب بذكره هو تاريخ بغداد، لأن الآجرّي إما أن يكون منسوباً لدرب الآجر وهي محلة ببغداد، أو إلى عمل الآجر وبيعه، إلى جانب أنه كان ملازماً لأبي داود، ومعلوم أن أبا داود سكن بغداد مدة من الزمن.
وعلى أية حال فسأحاول جاهداً إعطاء القارئ صورة واضحة المعالم بعض الشيء بناء على ما تمكنت من استنتاجه من خلال تحقيقي ودراستي لكتابه السؤلاات وعلى ما وجدته من بعض العبارات بشأنه راجياً من الله أن أوفق في ذلك.
نسبته ووفاته:
هو أبو عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجرّي3 البصري4 صاحب أبي داود السجستاني، أحد علماء القرن الثالث الهجري، والظاهر أن حياته أدركت
1 كذا قال المزي في تهذيب الكمال 3/ 133، والذهبي في سير أعلام النبلاء 9/ 46، في ذكرهما لتلاميذ أببي داود رحمه الله.
2 تهذيب الكمال 3/ 133.
3 جاء في تعليق الشيخ محمود عبد الوهاب فايد في تحقيقه لكتاب الخلاصة أن الآجري هذا هو أبو بكر محمد بن الحسين، وهو وهم يحسن التنبه له. الخلاصة 1/ 408.
4 كذا في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 225.
أوائل القرن الرابع الهجري، ودليل هذا أني وجدت أبا أحمد العسكري1 صاحب تصحيفات المحدثين يقول: ثنا أبو عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجري في أكثر من موضع من كتابه المذكور2. ومعلوم أن أبا أحمد العسكري ولد سنة 293هـ وتأخرت وفاته إلى سنة 382هـ مما جعلني أقطع بتأخر وفاته إلى ذلك الوقت. وقد أشار الدكتور فؤاد سزكين إلى تأخر وفاته لكنه لم يقم الدليل على ذلك، بل إن عبارته تفيد الاحتمال حيث قال ما نصه: وربما أدركت حياته أوائل القرن الرابع3.
ثقافته:
إن عدم العثور على ترجمة الآجري كان له أثر كبير في اختفاء الجوانب الثقافية المختلفة لحياته، إذ لم يتيسر الكشف عن حدود ثقافته، بل ولا شيء منها سوى ما يمكن أن نلمسه من دراستنا للسؤالات.
ومهما يكن من أمر فسأحاول البحث عن مدى ثقافته وفي الجانب الحديثي بالذات، لما له من علاقة بما نحن بصدده، معتمداً بالدرجة الأولى على بعض الأقوال النادرة فيه، ثم دراستي لكتابه الذي بين أيدينا.
والذي ظهر لي أن الآجري رحمه الله كان من العلماء النابهين حيث كان يلم بعلم حديثي غزير وخاصة في علم الرواة، مما جعل أهل العلم يطلقون عليه لقب الحافظ كما تقدم4، وهذه الكلمة ذات مدلول علمي رفيع. ولعل أهم مقومات علمه أن عاش في عصر ازدهار العلوم، إلى جانب ملازمته لأبي داود رحمه الله وهو العارف العالم بالصناعة الحديثية.
1 هو أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل العسكري، معجم المؤلفين 3/239.
2 تصحيفات المحدثين ص25، 32، 34.
3 تاريخ التراث العربي 1/ 416.
4 والأثر الذي بين أيدينا يدل دلالة واضحة على ذلك.
ومن هنا فقد ألم الآجري رحمه الله بعلم الحديث إلماماً كبيراً نحكم من خلاله على مدى تمكنه فيه فنراه البادئ بالسؤال في جزئيات هذا الكتاب، بل وعن أمور ذات قيمة كبيرة في مجال النقد الحديثي، كما أن اختلاف طبيعة الأسئلة وتنوعها لدليل على غزارة علمه فيه، ولم يقتصر الآجري على البدء بالسؤال فحسب بل كان أحياناً يقوم بتفسير وتوضيح ما قد يشكل أو يصعب فهمه من عبارات أبي داود، وفي بعض الأحايين بدلي بما عنده من معلومات إذا اقتضت الحاجة، وهذه الأمور لا تصدر إلا عن عالم متمكن في هذا الفن.
على أن هناك أمراً لا يمكن إغفاله، وهو تصنيف الآجري لكتاب السؤالات على البلدان ليكون بذلك سهل الاستخدام، الأمر الذي يدل بوضوح على إحاطته بفن التصنيف، وهو فن ذو أهمية كبرى، والآجري ليس مبتدعاً لهذا بل سبقه باستعماله آخرون، ولكن اختياره لهذا النوع من التصنيف إنما يدل على عقلية فذة وذوقٍ فنيٍ رفيع.
توثيقه:
لم أوفق في الحصول على عبارة صريحة في تعديل الآجري، إذ لم يترجم له أحد فيما أعلم حتى يذكر ما يفيد ذلك، إلا ما قاله الأئمة كالمزي والذهبي وابن حجر في ذكرهم لتلاميذ أبي داود حيث قالوا: وأبو عبيد الآجري الحافظ، وهذه الكلمة وإن كانت لا تدل على توثيق عند أئمة هذا الشأن فهي رتبة علمية رفيعة قل من يحصل عليها، ولكن إطلاق الحفاظ عليه لقب صاحب أبي داود رحمه الله، وهو الإمام الناقد المعتد بقوله ليفيد أن أبا داود قد رضي به في دينه وخلقه، واطمأن إليه لما وجد فيه من أهلية علمية تؤهله لأن يحتل هذه المكانة لديه.
هذا بالإضافة إلى أن الأئمة اعتدوا بما نقله عن أبي داود وعملوا به على وجه التسليم، وعلى أية حال فمن الصعب أن أجزم بتوثيقه وإن كنت أشم رائحة ذلك.
شيوخه:
ليس من السهل أن نتعرف على شيوخ الآجري قبل أن نعرف من هو بوضوح، وقد استطعت أن أعرف أربعة من شيوخه وهم:
1-
الإمام أبو داود رحمه الله.
2-
محمد بن يونس الكديمي حيث ذكر الحافظ ابن حجر الآجري من تلاميذته1.
3-
محمد بن إسماعيل بن يوسف أبو إسماعيل الترمذي، كما تبين لي ذلك في السؤالات حول الكلام على مسلم بن إبراهيم الأزدي.
4-
الحسن بن علي بن عفان2.
تلاميذه:
تمكنت بعد البحث من معرفة ثلاثة من تلامذته وهم:
1-
أبو أحمد العسكري حيث كان يقول: ثنا أبو عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجري3.
2-
محمد بن عدي بن زحر المنقري، راوي كتاب السؤالات عنه4.
3-
حسين بن محمد الشافعي ومن طريقه اقتبس الخطيب 58 نصاً5.
1 تهذيب التهذيب 9/ 540.
2 انظر: التعليق على نص رقم (62) .
3 تصحيفات المحدثين ص25، 32.
4 يأتي الكلام عليه في سند النسخة.
5 مواد الخطيب البغدادي 543.
مؤلفاته وما روي من طريقه من كتب:
لم أقف إلا على كتاب السؤالات الذي بين أيدينا، وقد روي من طريقة كتاب شيخه أبي داود: تسمية الإخوة الذين روى عنهم الحديث.
علاقته بأبي داود رحمه الله:
من خلال المقتطفات التي تمكنت من جمعها تبين لي أن الآجري كان ذا علاقة وطيدة بشيخه، ولعل هذا هو ما دعا المزي وغيره أن يطلقوا عليه لقب صاحب أبي داود. والظاهر أن الآجري رحمه الله قد لازم أبا داود فترة طويلة من الزمن، حتى صار يعتد بما نقله عن أبي داود، بل إن كثيراً من أخبار أبي داود جاءت من طريقه، فنجد أنه ينقل لنا وقت ولادة أبي داود ووقت وفاته1، وكذا يروي ما يفيد أنه على علم تام به فيقول: كان أبو داود لا يروي عَن ابن الحماني2 ولا عَن سويد3 ولا عَن ابن كاسب4. ومما يوضح هذا أيضاً أنه كان يحدد لنا بعض رحلاته فها هو يقول: دخل أبو داود الكوفة سنة إحدى وعشرين5، فهذه الأمور لا تدع مجالاً للشك أنه كان من المقربين لديه، والله أعلم.
1 سير أعلام النبلاء 9/45.
2 يحيى بن عبد الحميد الحماني اتهم بسرقة الحديث، توفي سنة 228هـ.
3 سويد بن سعيد الهروي كان ممن يلقن، مات سنة 240هـ.
4 يعقوب بن حميد بن كاسب، مات سنة 240هـ أو بعدها.
5 سير أعلام النبلاء 9/46.
أهميّة كتاب السُّؤالات
اهتم المؤلفون بعلم الرجال - وخاصة فيما يتعلق بالجرح والتعديل - بكتاب السؤالات اهتماماً بالغاً، حيث نقلوا منه أقوال أبي داود في هذا العلم.
ومن الواضح أن هذا الكتاب يعد من الكتب القديمة التي تكلمت في الرجال، مما جعله أصلاً يعتمد عليه، وهذا ما نراه بوضوح في كثرة الافتباسات المتناثرة وبكثرة في كتب الرجال، ويمكن القول بأن كلاً من المزي والذهبي والخطيب البغدادي وابن حجر قد اعتمدوا عليه اعتماداً كبيراً في مختلف مصنفاتهم في الرجال، وهؤلاء أئمة النقد في عصورهم. وسيأتي الكلام على الكتب التي اعتمدت كتاب السؤالات كمصدر من مصادر النقد.
ومما يزيد في فائدة هذا الكتاب تلك المقارنات الكثيرة بين الرجال فيه سواء كانت تلك المقارنات بين من هم من مرتبة واحدة كأن يكونوا ثقات مثلاً أو ضعفاء أو غير ذلك مما يلزم عند التعارض والترجيح، يضاف إلى ذلك ما اشتمل عليه الكتاب من علل حديثية، ومواد تاريخية.
موضوع الكتاب:
بما أن هذا الكتاب يدور حول النقد وأحوال الرواة، فإني أرى من باب إتمام الفائدة أن أتكلم حول الموضوعات التالية وبإيجاز:
أ- تعريف النقد.
هو العلم الذي يبحث في تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، والحكم على رواتها تجريحاً أو تعديلاً بألفاظ مخصوصة، وذات دلائل معلومة عند أهله.
ب- مشروعية النقد:
انعقد الإجماع على مشروعية الجرح والتعديل، إذ هو نصح للأمة، بل وعلى وجوبه إذا اقتضت الضرورة1.
ج- دوافع النقد:
منّ الله تعالى على هذه الأمة بحفظ دينها، ومعلوم أن أحكام ديننا لا تقتصر على القرآن، وإن كان هو المصدر الأول في التشريع، وقد تكفل الله بحفظه، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2. بل يضاف إليه السنة النبوية المطهرة من حيث الأهمية.
1 مقدمة مجروحي ابن حبان، 20/21، منهج النقد في علوم الحديث، ص84.
2 سورة الحجر، آية رقم (9) .
وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم كَانَ لا بد من نقل سنته خلفاً عن سلف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقد بذل الصحابة رضوان الله عليهم جهداً بالغاً في أداء هذا الواجب، فنقلوا لمن جاء بعدهم أقوال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأفعاله وما أقرَّ به، وكل ما له علاقة بهذا الدين، حتى غلب على الظن أنهم لم يتركوا شيئاً من سنته صلى الله عليه وسلم إلا بيّنوها لتابعيهم.
ولما فتحت الأمصار الإسلامية تفرق الصحابة رضوان الله عليهم، فمنهم من كان غازياً، ومنهم خرج في أرض الله هادياً ومرشداً. وقد كان لتفرقهم في البلاد، واختلاط الشعوب الإسلامية بغيرها أثر كبير، إذ مهّد هذا الأمر لأن ينال المغرضون من مكانة هذا الدين بتشويه معالم السنة بالتزوير واختلاق ما ليس منها.
ولما كان الخطأ بالنسبة لبني الإنسان أمراً فطرياً، فقد أدخل في السنة ما ليس منها سواء كان الباعث على ذلك خطأ متعمداً أو غير ذلك1 مما دعا النابهين من علماء الحديث إلى القيام بنقد الحديث النبوي الشريف نقداً علمياً يتبين من طريقه الكشف عن صحيح الحديث من ضعيفه أو مختلقه.
د- ميادين النقد:
استخدم العلماء النقد كأسلوب من أساليب البحث العلمي الدقيق في مختلف مجالات الحياة العلمية. فقد استخدمه أهله في علم الاجتماع، والأدب وغير ذلك من العلوم، ولكن برز أثر استخدام هذا المنهج بجلاء ووضوح تام في الحديث النبوي الشريف2.
ولما كان المسلم معنياً بدراسة السنة النبوية دراسة واعية، كان لا بد من التثبت مما ينسب إلى صاحب التشريع صلى الله عليه وسلم، لذا توجه العلماء إلى استخدام هذا الفن بدقة علمية نالت إعجاب الباحثين.
1 مقدمة كتاب التمييز لمسلم، ص7.
2 انظر: نقد الحديث عند المحدثين، نشأته ومنهجه، ص5.
هـ- مهمة الناقد:
إن مهمة الناقد هي الحكم على الحديث من حيث الصحة أو الضعف، وذلك بعد جمع طرقه المتعددة، ومقارنتها والكشف عن أحوال رجالها.
و نشأة النقد وتاريخه:
بدأ النقد بادئ ذي بدء في عهده صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله:"ما أظن فلانا وفلاناً يعرفان من ديننا الذي نحن عليه"1. وقوله صلى الله عليه وسلم فِي أحدهم2: "بئس أخو العشيرة" 3. وقد كان النقد آنذاك على نطاق ضيق إذ لم تكن إليه حاجة، وما قيل من نقد إنما كان من باب الحيطة والتثبت. فضلاً عن وجود المشرع بين ظهرني الصحابة وتنزه هؤلاء عن الكذب وداوعيه.
وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ازداد اهتمام الصحابة بالحديث والتأكد من ثبوت نسبته إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من احتاط في قبول الروايات حتى قال فيه الحافظ الذهبي:"إليه المنتهى في التحري والقبول"4. وقصة تثبته في ميراث الجدة مشهورة5. ثم جاء دور عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال ابن حبان: "إن عمر وعلياً كانا أول من فتشا عن الرجال وبحثا عن النقل في الأخبار"6. ويمكن تفسير هذا بأن عمر وعلياً قد توسعا في التثبت والبحث عن أحوال الرجال توسعاً لم يكن معهوداً من قبل.
وهكذا قام الصحابة من بعد بدور بالغ الأهمية في هذا المجال، وممن عرف بذلك عائشة رضي الله عنها وأنس بن مالك وآخرون.
1 أخرجه البخاري في كتاب الأدب في باب ما يكون من الظن 8/24.
2 هو عيينة بن حصن الفزاري، كما هو المشهور، وكان أحمق.
3 أخرجه البخاري في كتاب الأدب في باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد 8/20.
4 تذكرة الحفاظ 1/2.
5 المدخل إلى علوم الحديث لأبي عبد الله الحاكم، ص46.
6 مقدمة مجروحي ابن حبان، ص36-37.
ثم جاء دور التابعين ليشاركوا في هذا المجال، فبرع فيهم الكثيرون أمثال محمد بن سيرين، وهو أول من تكلم في الرجال من التابعين1، ولم ميدان النقد مقصوراً على المدينة باعتبارها مهد الدولة الإسلامية، بل انتشر هذا المنهج في سائر البلاد الإسلامية فبرع بالكوفة النقّاد العظام ولهم في البصرة نظائر، وكذا في بغداد وبلاد فارس وغيرها، وذلك بفضل انتشار العلم وأهله في البلاد الإسلامية.
وما أن أطل القرن الثالث الهجري حتى ظهر هذا الفن بصورته المميّزة كعلم من علوم الحديث، وقد برع فيه فرسانه الذين تكلموا في الرواة كابن المديني وابن معين، ولم يزل المسلمون يتناقلون هذا العلم جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا، ولكل جيل نقاده.
ز- تدوين النقد ومراحل تطوره:
لقد ساير تطور النقد منذ البدء تطوراً في تدوينه، إذ كان النقد في أول أمره عبارة عن أقوال تقال في الرواة وعلل الحديث، وملاحظات حديثية عابرة، أو تصويبات واستدراكات تكتب في الهوامش. وقد كان هذا بداية لما عرف بعد بالمسانيد المعللة، وكانت هذه المسانيد تشمل على معلومات حديثية متباينة، ولعل هذه المسانيد كانت أول كتب النقد نشأة2.
ثم نمت تلك المعارف من جديد وأخذت تنفصل عن كتب الحديث بمسميات مختلفة، فكان منها ما يسمى بالسؤالات، والتي جاء على نمطها المخطوط الذي أقوم بتحقيقه الآن، حيث كان التلاميذ يدوّنون ما يلتقطونه من إجابات شيوخهم على الأسئلة الموجهة إليهم سواء كانت الأسئلة منهم أو من زملائهم.
ومن الواضح أن كتب السؤالات هذه احتفظت بمادة علمية دقيقة في
1 شرح علل الترمذي، 82.
2 مقدمة تاريخ ابن معين 1/22.
النقد فضلاً عن سعة تلك المادة وتباينها، وما أكثر النقاد الذين قيدت أقوالهم في النقد، ولكنها لم تصل إلينا على كثرتها، وسأذكر بعضاً منها في عنوان مستقل إن شاء الله.
وفي نفس الوقت انصرف المحدثون إلى تأليف كتب مستقلة في علل الحديث والرواة وأحوالهم، فمنهم ما كان كتابه يبحث في الرواة ووصفهم، بالإضافة إلى ذكر علل الأحاديث المروية من طريقهم، ومن ذلك العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد، ومنهم من نهج نهجاً آخر فجعل كتابه أصلاً في الأحاديث وعللها ضمنها مادة نقدية في الرجال، ومنها كتاب المسند المعلل ليعقوب بن شيبة1.
وكذلك توجه النقّاد إلى إفراد علل الحديث بكتب خاصة، وإفراد الرواة بمثلها، ويمثل هذا الاتجاه ابن أبي حاتم في كتبه، فألف في الرجال الجرح والتعديل، وفي علل الحديث الكتاب المعروف بهذا الاسم، على أن آخرين ممن عاصروا ابن أبي حاتم قد جمعوا بين الأسلوبين في مصنف واحد وهذا ما فعله ابن حبان في المجروحين2.
وقد دأب النقّاد فيما مضى على إيراد النصوص من مصادرها بأسانيدها المتعددة، فلما تجمع عند المتأخرين مادة علمية وفيرة ومن طرق متعددة، عمد هؤلاء إلى حذف تلك الأسانيد والاقتصار على ذكر المادة النقدية فقط، وممن فعل هذا المزي والذهبي وابن حجر وغيرهم، وفياقتباسهم لما في سؤالات الآجري لدليل واضح بيّن، وكانت هذه آخر مراحل تدوين النقد3.
ح- أهم كتب النقد:
تنقسم الكتب المؤلفة في النقد إلى قسمين:
1 المصدر السابق 1/24، 25.
2 مقدمة تاريخ ابن معين 1/24، 25.
3 المصدر السابق.
أولاً- الكتب التي تناولت علل الحديث سواء كانت في السند أو المتن.
ثانيا- الكتب التي تناولت رواة الحديث بالجرح أو التعديل أو التعريف بهم وبأخبارهم.
وقد ألف في هذين الضربين من النقد كتب كثيرة، ومما ألف في الضرب الأول:
1-
علل الحديث 1 لابن أبي حاتم المتوفى سنة 327هـ، ويقع في مجلدين كبيرين، ذكر فيها مصنفها حوالي ثلاثة آلاف حديث معلّ، وقد رتبه على الأبواب الفقهية، وهو من أجود كتب العلل ترتيباً وتنظيماً، وقد اعتمد في بيان علله على والده الحافظ أبي حاتم والحافظ أبي زرعة الرازي.
2-
العلل الصغير 2 للترمذي: المتوفى سنة 279هـ، وقد جعله مصنفه رحمه الله في آخر جامعه، لكن العلماء بعده أفردوه بكتاب مستقلّ، وقد قام بشرحه ابن رجب الحنبلي رحمه الله، وهو ذو فائدة عظيمة.
3-
علل الدارقطني 3 المتوفى سنة 385هـ، وهو من أجمع كتب العلل، رتبه مؤلفه على المسانيد، ويقع في اثنتي عشرة مجلدة. ذكر الخطيب بسنده إلى البرقاني أنه قال: كان أبو منصور بن الكرخي يريد أن يصنف مسنداً معلماً، فكان يدفع أصوله إلى الدارقطني فيعلم له على الأحاديث المعللة، ثم يدفعها أبو منصور إلى الوارقين. فينقلون كل حديث منها في رقعة، فإذا أردت تعليق الدارقطني على الأحايث نظر أبو الحسن، ثم أملى عليّ الكلام من حفظه فأكتب من كلامه في رقعة مفردة، وكنت أقول له: لم تنظر قبل إملائك الكلام في
1 طبع سنة 1343هـ.
2 طبع بشرح الحافظ ابن رجب في بغداد، بتحقيق صبحي الحميد، وحلب بتحقيق العتر.
3 مخطوط بنكبيور، المجلدات 2، 3، 5، برقم 301، وفي دار الكتب بالقاهرة 2/1/131 حديث 394، والمكتبة الآصفية 1/646 حديث 114- 115، المجلد الرابع والخامس، ومنه نسخة مصوّرة في مكتبة الجامعة الإسلامية.
الأحاديث؟ فقال: أتذكر ما في حفظي بنظري، ثم مات أبو منصور والعلل في الرقاع، فقلت لأبي الحسن بعد سنين من موته: إني قد عزمت أن أنقل الرقاع إلى الأجزاء وأرتبها على المسانيد، فأذن لي وقرأتها عليه من كتابي، ونقلها الناس من نسختي1.
4-
المسند المعلل ليعقوب بن شيبة المتوفى سنة 262هـ، وقد رتبه على المسانيد ومعظمه مفقود، وقد عثر على مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه -2، والكتاب يحتوي على مادة واسعة في علل الأحاديث وأحوال الرجال3.
5-
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية. لأبي الفرج بن الجوزي المتوفى سنة 597هـ4.
6-
علل ابن المديني 5 المتوفى سنة 178هـ.
7-
علل الإمام أحمد بن حنبل 6 المتوفى سنة 241هـ.
8-
علل الإمام البخاري 7، المتوفى سنة 256هـ.
9-
العلل للإمام مسلم 8، المتوفى سنة 261هـ.
1 تاريخ بغداد 12/ 37، 38.
2 طبع في بيروت للمرة الأولى سنة 1940م، وللمرة الثانية في بيروت أيضاً 1969م، بعناية سامي حداد (موارد الخطيب البغدادي، ص350) .
3 موارد الخطيب البغدادي ص350.
4 طبع بلاهور بتحقيق الأستاذ ارشاد الأثري ويقع في مجلدين كبيرين.
5 طبع في المكتب الإسلامي، بتحقيق محمد مصطفى الأعظمي.
6 فتح المغيث 2/334.
7 المصدر السبق.
8 المصدر السابق.
10-
علل أبي بكر الخلال 1، المتوفى سنة 311هـ.
11-
العلل الكبير للترمذي 2.
12-
المسند الكبير للبزار، المتوفى سنة 292هـ3.
وهناك كتب أخرى لبعض المتقدمين والمتأخرين.
أما الكتب التي تبحث في الرواة فهي كثيرة جداً، وهي على ثلاثة أقسام:
أ- قسم جمع بين الثقات والضعفاء.
ب- وقسم اقتصر فيه على ذكر الثقات.
ج- وقسم اقتصر فيه على ذكر الضعفاء.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض المؤلفين اقتصر على ذكر رواة كتب بأعيانها مثل رواة الكتب الستة، وسأنبه على ذلك في موضعه إن شاء الله.
أما القسم الأول أعني الذي جمع بين الثقات والضعفاء فمن أهم ما ألف فيه:
1-
التاريخ لابن معين4: وهو عبارة عن مجموع أقوال ابن معين في الرجال من جرح أو تعديل وذكر نسبة الرواة ووفياتهم، وأسماء من عرفوا بكنيتهم أو العكس ومعلومات أخرى مع ذكر بعض الأحاديث. وهذا الكتاب من رواية تلميذه العباس الدوري المتوفى سنة 271هـ، والذي أضاف بدوره بعض المعلومات التي تتعلق بذات المادة.
1 طبقات الحفاظ للسيوطي 330، موارد الخطيب 179.
2 موجود بترتيب القاضي أبي طالب الأصبهاني. وهو مخطوط.
3 يوجد منه المجلد الأول في مراد ملأ 210ورقة، انظر: فهرس معهد المخطوطات 1/99- 100كوبريلي 426، (6/175ورقة) ، مكتبة الأزهر 1/604 حديث 924 (تاريخ التراثي العربي 1/257) . ويذكر أنه وجد كاملاً في الهند.
4 حققه الدكتور أحمد نور سيف. وطبع ضمن منشورات مركز البحث العلمي بمكة المكرمة.
2-
العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد1، وهو نظير كتاب التاريخ لابن معين من حيث طبيعة المادة.
3-
سؤالات الآجري، لأبي داود السجستاني، وهو ما أقوم بتحقيقه.
تقدمت الإشارة إلى أن الأقدمين قد سلكوا في تقييدهم للعلم عدة أساليب، وكان من بينها ما استخدمه الآجري رحمه الله وهو أسلوب الأسئلة والإجابة وتقييدها، حيث كان التلاميذ يقيدون ما سمعوه من شيوخهم، فإذا ما تجمع لديهم قدر كاف أخرجوه في كتاب مستقل، وأضافوه إلى أنفسهم مع بعض التعليقات التي يقتضيها توضيح النص.
وعبارات التحمل التي استخدمها الآجري في هذا الكتاب هي: سئل أبو داود، سَأَلْتُ أَبَا داود، سَمِعْتُ أَبَا داود، قَالَ أبو داود، قيل لأبي داود، ثنا أبو داود.
أما المعلومات التي وردت في هذا الكتاب على لسان أبي داود فتشمل على ذكر أسماء الرواة وكناهم، أو ذكر كنية من اشتهر باسمه أو العكس، مع ذكر اللقب أحياناً وسنة وفاة بعضهم، وإثبات سماع بعضهم من بعض أو نفيه، وقد يذكر مهنة الراوي، وقد يورد له بعض الأحاديث والمشاهد التارخية التي شهدها، مع ذكر رأيه فيه جرحاً أو تعديلاً، أو نقل رأي غيره وسكوته عليه أو استدركه، وقد يذكر طبقة الراوي كأن يقول فيه هو صحابي أو غير ذلك، كما يذكر من ينسب إلى بدعة كالتشيع أو الإرجاء، ومن اختلط مع تحديد سنة اختلاطه أحياناً. وقد يتكرر ذكر الرجل في موضعين أو ثلاثة ونادراً ما يتغير اجتهاده فيه، وربما تتغير العبارة مع الحفاظ على المعنى.
1 طبع منه الجزء الأول في أنقرة، بتحقيق طلعت قوج بيكت، وإسماعيل جراح أورغلي، ويقع في 414 صفحة، 1963م. على أن هذا الكتاب يوجد كاملاً في تركيا بمكتبة أيا صوفيا، وفي مكتبة الجامعة منه نسخة مصوّرة.
4-
الجرح والتعديل 1، لابن أبي حاتم، وهو من أجمع كتب الرواة. ذكر فيه مؤلفه اسم صاحب الترجمة وكنيته وبعض شيوخه وتلاميذه، وقد رتبهم على حروف المعجم، كما يذكر في الترجمة أقوال بعض النقّاد في صاحبها، ثم يتبع رأيه في كثير من الرواة.
5-
تاريخ بغداد 2 للخطيب البغدادي، المتوفى سنة 463هـ، وهو مرتب على حروف المعجم، وبدأ بذكر المحمدين تشريفاً لاسم النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقد ذكر فيه مؤلفه المحدثين وغيرهم من علماء بغداد والوافدين إليها. ويذكر فيه اسم صاحب الترجمة وكنيته وأهم شيوخه وتلاميذه، ووقت وفاته ويطيل أحياناً بذكر أخباره، مع ما قيل فيه من جرح أو تعديل. وقد ذكر الخطيب رحمه الله أنه يعتمد في جرح الرجل أو تعديله على آخر قول يذكره فيه3.
6-
تهذيب الكمال 4 للحافظ المزي، المتوفى سنة 742هـ، وكتابه هذا مختص بذكر رواة أصحاب الكتب الستة فقط، رتبه على حروف المعجم، وكان يذكر فيه أسماء الرواة وأنسابهم وكناهم ووفياتهم وشيوخهم وتلاميذهم، وأقوال أئمة النقد فيهم، وقد يطيل في ذكر أخبار بعضهم ووصف عقائدهم وغير ذلك كما ويذكر في بداية كل ترجمة رموزاً تشير إلى من أخرج له من أصحاب الكتب الستة.
7-
تهذيب التهذيب 5، للحافظ ابن حجر، المتوفى سنة 852هـ وكتابه هذا تهذيب لكتاب المزي، لكن ابن حجر اختصره وهذبه في مواضع وزاد عليه في أخرى، فكان مثلاً يقتصر على ذكر أهم مشايخ صاحب الترجمة وأهم
1 طبع في مجلس دائرة المعارف العثمانية في الهند سنة 1372هـ، ويقع في تسع مجلدات.
2 طبع في القاهرة للمرة الأولى، مكتبة الخانجي، سنة 1349هـ.
3 تذكرة الحفاظ 3/1139.
4 طبع منه مجلدان، بتحقيق الدكتور بشار عواد.
5 مطبوع في مجلس دائرة المعارف العثمانية في الهند، سنة 1327هـ.
تلاميذه، مع حذف بعض ما قيل في الترجمة مما لا يدل على تعديل أو تجريح، كما ويضيف إلى بعض التراجم مادة نقدية أخرى. هذا وقد زاد فيه أيضا بعض التراجم ممن هم على شرط المزي رحمه الله تعالى1.
أما المصنفات التي أفردت الثقات بالذكر فمن أهمها:
1-
كتاب الثقات 2 لأبي الحسن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي المتوفى سنة 261هـ. وقد وصلنا بترتيب الحافظ الهيثمي، المتوفى سنة 757هـ، حيث رتبه على حروف المعجم3. ويتناول فيه ذكر الرواة وما قاله فيهم من تعديل، كما ويذكر عقائدهم وبعض الأمور الأخرى التي تتعلق بتعريف صاحب الترجمة.
2-
كتاب الثقات 4 لابن حبان السبتي، المتوفى سنة 354هـ. وقد رتبه صاحبه على الطبقات، مبتدئاً بالصحابة، ثم التابعين وأخيراً أتباع التابعين، وقد رتبه على حروف المعجم أيضاً في كل طبقة.
وتجدر الإشارة إلى أن ابن حبان متساهل في التوثيق، والعدل عنده من انتفت جهالة عينه، ولم يثبت فيه جرح؛ لأن الجرح ضد التعديل، فمن لم يثبت فيه جرح فهو على العدالة أصلاً 5، وقال رحمه الله في آخر كتابه: وكل شيخ ذكرته في هذا الكتاب فهو صدوق يجوز الاحتجاج بروايته إذا تعرّى عن خمس خصال، فإذا وجد خبر منكر عن شيخ من هؤلاء الشيوخ الذين ذكرت أسماءهم فيه كان ذلك الخبر لا ينفك عن إحدى خصال خمس:
1 انظر: مقدمة تهذيب التهذيب 1/4، 5.
2 مخطوط في مكتبة شهيد علي 2747/1، ويقع في 67 ورقة موارد الخطيب 312.
3 وصلنا أيضاً بترتيب التاج السبكي وهو مخطوط في المكتبة الأحمدية بحلب تحت رقم 342. وقد عثر على أصل الكتاب مؤخراً في بعض مكتبات الهند.
4 طبع في تسعة أجزاء في مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند.
5 مقدمة لسان الميزان 1/ 14، 15.
أ- إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرته في هذا الكتاب شيخ ضعيف سوى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن الله نزّه أقدارهم عن إلزاق الضعف بهم.
ب- أو دونه شيخ واه لا يجوز الاحتجاج بخبره.
ج- أو الخبر يكون مرسلاً لا تلزمنا به الحجة.
د- أو يكون منقطعاً لا تقوم بمثله الحجة.
هـ- أو يكون في الإسناد شيخ مدلس لم يبين سماع خبره عمن سمع منه.
فإذا وجد الخبر متعرياً عن هذه الخصال الخمس فإنه لا يجوز التنكب عن الاحتجاج به1.
قلت: ومما يؤخذ على ابن حبان أنه ذكر عدداً غير قليل ممن أوردهم في كتابه الثقات في المجروحين وبيّن ضعفهم، وهذا تناقض، أو تغيّر اجتهاد.
3-
كتاب الثقات لعمر بن أحمد بن شاهين، المتوفى سنة 385هـ، وقد سمى كتابه: تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم، وهو مرتب على حروف المعجم تناول فيه ذكر اسم الراوي واسم أبيه، ونقل أقوال أئمة النقد فيه باختصار2.
4-
تذكرة الحفاظ 3 للإمام الذهبي، المتوفى سنة 748هـ، وقد رتبه على الطبقات، وذكر فيه الثقات الحفاظ من عهد الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى عهد شيوخه، وكان يذكر في الترجمة اسم صاحبها ونسبته، وسنة
1 الرفع والتكميل. ص202- 203.
2 مخطوط في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، ويقع في 93 ورقة. وفي الجامعة منه نسخة مصورة.
3 مطبوع في أربعة أجزاء في مجلس دائرة المعارف العثمانية في الهند، سنة 1377هـ.
وفاته وأهم شيوخه وأهم تلاميذه، وأقوال بعض أهل العلم فيه، وقد يطيل في أخبار بعضهم، وربما ذكر بعض الأحاديث المروية من طريقه. ويعتبر هذا الكتاب من أجود الكتب التي ألفت في الطبقات.
أما الكتب التي انفردت بذكر الضعفاء، فمن أهمها:
1-
كتاب الضعفاء 1 لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي المتوفى سنة 322هـ، وقد رتبه على حروف المعجم، وذكر فيه كل من ينسب إلى الضعف سواء كان الضعف في العدالة أو الضبط، ومن اتهم بالكذب، ووضع الحديث، ومن غلب على حديثه الوهم، ومن يتهم في بعض حديثه، ومن كان مجهولاً روى ما لا يتابع عليه، وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو إليها، وإن كانت حاله في الحديث مستقيمة، كما وذكر باباً في تليين أحوال من نقل عنه الحديث ممن لم ينقل على صحة2، وكان يذكر اسم صاحب الترجمة وأهم شيوخه وتلاميذه، وبعض ما قيل فيه من نقد، مع ذكر لبعض ما انتقد عليه من أحاديث.
2-
كتاب الكامل في ضعفاء الرجال 3 لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني المتوفى سنة 365هـ. وكتابه هذا من أهم ما كتب في الضعفاء، وقد حظي بتقدير كبار المحدثين والنقّاد، حتى قال فيه السخاوي رحمه الله: أكمل الكتب المصنفة قبله وأجلها4. وقد بدأه مصنفه بمقدمة تكلّم فيها عن تحفظ الصحابة في رواية الحديث، ومن استجاز لنفسه الكلام في الرجال من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم. وقد رتب أسماء التراجم على حروف
1 مخطوط في دار الكتب الظاهرية، ويقع في 455 ورقة، ومنه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية، وقطعة من نسخة مصورة من ألمانيا.
2 مقدمة ضعفاء العقيلي، 1/2.
3 مخطوط في تركيا طوبقبو، ويقع في 3900 ورقة، ويوجد لدى الجامعة نسخة مصورة كاملة في ستة مجلدات، ومنه أجزاء متفرقة في الظاهرية. وقد طبعت مقدمته.
4 الإعلان بالتوبيخ، 586.
المعجم، ويذكر فيها أهم شيوخ صاحب الترجمة، وأهم تلاميذه، وأقوال النقّاد فيه مع ذكر بعض الأحاديث التي انتقدت عليه.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل من ذكر في هذا الكتاب ضعيف؛ لأن صاحبه التزم أن يذكر فيه كل من ذكر بجرح، وكم من مجروح جرّح بما لا يقدح فضلاً عن توثيق الأئمة له.
3-
كتاب مجروحي ابن حبان البستي 1: وهو كتاب نفيس في فنه بدأه ابن حبان بمقدمة هامة تكلم فيها حول ضرورة الحفاظ على السنة ونشرها، والتثبت مما ينسب إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، والتغليظ في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم2. وضرورة معرفة الضعفاء من الرواة، وأنواع الضعف المنسوب إليهم3. ثم قال في آخر مقدمته: وإنما نملي أسامي من ضعف من المحدثين وتكلم فيه الأئمة المرضيون، ونذكر ما نعرف من أنسابهم ونذكر عند كل شيخ منهم من حديثه ما يستدل به على وهنه4، ثم قال: وأقصد في ذكر أسمائهم المعجم إذ هو أدعى للمتعلم، وأنشط للمبتدئ في وعيه، وأسهل عند البغية لمن أراده5.
وتبرز أهمية هذا الكتاب النفيس بما عرف من تشدد ابن حبان في التجريح فإذا ما جرّح راو فإنه يعض على جرحه بالنواجذ، على أنه في بعض الأحيان يجرّح أناساً من حقهم أن يوثقوا.
4-
ميزان الاعتدال 6 للحافظ أبي عبد الله الذهبي المتوفى سنة
1 طبع في حلب في ثلاث مجلدات، بتحقيق محمود إبراهيم زايد، سنة 1396هـ، وفي الهند بتحقيق عزيزبك في ثلاث مجلدات أيضاً.
2 مقدمة مجروحي ابن حبان، ص6.
3 المصدر السابق، ص15.
4 المصدر السابق، ص94- 95.
5 المصدر السابق، ص95.
6 طبع في القاهرة بمطبعة عيسى البابي الحلبي، سنة 1382هـ.
748هـ، وكتابه هذا من أجود وأجمع كتب الضعفاء المطبوعة. قال فيه مصنفه: وأصل موضوعه في الضعفاء، وفيه خلق كثير من الثقات ذكرتهم للذب عنهم، أو لأن الكلام غير مؤثر فيهم، وقد رتبته على حروف المعجم حتى في الآباء ليقرب تناوله ورمزت على اسم من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة برموزهم السائرة1.
والكتاب أقسام:
أ- القسم الأول في هذه التراجم للرجال والنساء وهي مرتبة على حروف المعجم.
ب- القسم الثاني يشمل الكنى.
ج- القسم الثالث يشتمل على من عرف بأبيه ويبدؤه بابن) .
د- القسم الرابع ويشتمل على فصل في الأنساب.
هـ- القسم الخامس ويشتمل على مجاهيل الاسم من الرجال.
و القسم السادس ويشتمل على المجهولات من النسوة.
ز- القسم السابع ويشتمل على الكنى من النسوة.
ح- القسم الثامن ويشتمل على فصل فيمن لم تسم ويبدؤها بكلمة والدة2) .
1 مقدمة ميزان الاعتدال، ص ح.
2 المصدر السابق.
ذكر جملة من كتب السؤالات:
1-
سؤالات ابن الجنيد لابن معين1.
2-
سؤالات ابن الكوسج لابن معين أيضاً.
3-
سؤالات عثمان بن سعيد الدارمي لابن معين.
4-
أسئلة أبي بكر الأثرم للإمام أحمد.
5-
أسئلة أبي داود للإمام أحمد2.
6-
أسئلة البرذعي لأبي زرعة وأبي حاتم3.
7-
أسئلة البرقاني للدارقطني4.
8-
أسئلة السهمي للدراقطني5.
9-
أسئلة السلمي للدارقطني6.
1 مخطوط في سراي أحمد الثالث 624/4، ويقع في 24 ورقة تاريخ التراث العربي 1/159.
2 مخطوط في دار الكتب الظاهرية ضمن مجموع رقم 46، وهو ناقص.
3 كوبريلي 40/3 133 أ- 171 أ، انظر: فهرس معهد المخطوطات 2/رقم 719، تاريخ التراث العربي 1/ 258.
4 مخطوط يقع في عدة ورقات، وقد وقفت له علىنسخة مصورة في مكتبة الجامعة.
5 مخطوط في دار الكتب الظاهرية، مجموع رقم 111، وقد حقق في الرياض.
6 مخطوط/ سراي أحمد الثالث 624/16، ويقع في 16 ورقة موارد الخطيب 373.
10-
أسئلة الحاكم للدارقطني1.
11-
أسئلة السلفي لخميس الحوزي2.
12-
أسئلة السلفي لشجاع الذهلي3.
13-
أسئلة السلفي للمؤتمن الساجي4.
14-
أسلة السلفي لأبي علي البرداني5.
15-
أسئلة السلفي لأبي الغنائم النرسي6.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك كتباً نهجت نهج السؤالات في التدوين، لكنها سميت بأسماء أخرى، كالتاريخ لابن معين من رواية تلميذه العباس الدوري، والعلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد من رواية ابنه عبد الله.
1 مخطوط/ سراي أحمد الثالث 624/23، تاريخ التراث 1/342.
2 مطبوع بتحقيق مطاع الطرابيشي، دمشق 1396هـ.
3 انظر: مقدمة سؤالات الحافظ السلفي، تحقيق مطاع الطرابيشي، ص23.
4 انظر: المصدر السابق.
5 المصدر السابق.
6 المصدر السابق.
منهج كتاب السُّؤالَات:
صنّف الآجري رحمه الله كتابه هذا على البلدان، فذكر فيه الرواة من أهل الكوفة، والبصرة، وبغداد، ودمشق والجزيرة وأيلة، وبعض باقي المراكز العلمية المختلفة آنذاك، سواء كانوا من أهل تلك البلاد أصلاً أو ممن دخلها من غير أهلها، ويغلب على ظني أن الجزأين الأول والثاني هما في رواة مكة والمدينة على اعتبار أنهما من أهم المراكز العلمية التي كان الرواة يؤمونها.
والجزء الثالث وهو ما يعنينا هنا اقتصر فيه على ذكر رواة أهل الكوفة، ثم البصرة، ولم يستوعبهما، ويغلب على ظني أن في الجزء الثاني من هذا الكتاب ذكراً لجملة من رواة أهل الكوفة، كما هو الحال في أول الجزء الرابع في البصريين؛ لأن المصنف - أو ربما الناسخ - لم يخصص لكل جزء أهل بلد معين.
وقد سبق الآجري في التصنيف على البلدان أناس آخرون، ولعله اقتدى بشيخه أبي داود، حيث رتب كتابه - سؤالات أبي داود لأحمد - على البلدان أيضاً.
ولم يتبع المصنف ترتيباً معيناً في رواة أهل بلد معين، ولربما ذكر بعض من تشابهت أسماؤهم أو كناهم، أو من كانوا من طبقة واحدة على التوالي.
وقد يتكرر ذكر الراوي في أكثر من موضع، ونادراً ما يتغير رأي أبي داود فيه، وربما تغيرت عبارته مع الحفاظ على الدلالة.
واتباع أسلوب الأسئلة في تدوين المعلومات يبرز أثره في اتساع المادة العلمية المدونة، وبعبارات مختصرة دقيقة.
وأما ما نقله أبو داود عن شيوخه في استعراضه لآرائهم في بعض المسائل فلم يستخدم فيه الإسناد بصورة مستمرة.
توثيق نسبة الكتاب للآجري:
ذكرت المصادر التي تهتم بذكر كتب التراث ونسبتها لمؤلفيها كتاب السؤالات هذا، ونسبه مؤلفوها إلى الآجري، على أن أكثر تلك الكتب تذكره في مؤلفات أبي داود.
وقد ذكره السخاوي رحمه الله في الإعلان بالتوبيخ1 في الكتب التي تتكلم في الرجال ونسبه إلى الآجري عن أبي داود، وهو ما ذكره أيضاً في فتح المغيث2، كما ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس3، ونسبه إلى الآجري أيضاً، وقد أشار إليه كل من الحافظ المزي، والذهبي في تهذيب الكمال4 وسير أعلام النبلاء5، قال المزي رحمه الله في عده لتلاميذ أبي داود: وأبو عبيد الآجري صاحب المسائل. وتابعه على ذلك ابن حجر في التهذيب. وذكره أيضاً كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي6 ونسبه إلى الآجري وتابعه الدكتور فؤاد سزكين في كتابه تاريخ التراث العربي7.
1 الإعلان بالتوبيخ، ص115.
2 فتح المغيث، 1/74.
3 المعجم المفهرس 1/521.
4 تهذيب الكمال 3/133.
5 سير أعلام النبلاء 9/46.
6 تاريخ الأدب العربي 3/ 188.
7 تاريخ التراث العربي 1/416.
أما المصادر التي اقتبست منه فهي كثيرة، وكلها تنقل عن الآجري عن أبي داود، وبعضها ينقل عن الآجري بالإسناد كما في تاريخ بغداد، ولذا فقد عدّه الدكتور أكرم العمري أحد موارد الخطيب في تاريخه1، وسيأتي الكلام على الكتب التي اعتمدت أقوال الآجري عن أبي داود في عنوان مستقل.
ومن أهم الدلائل أيضاً على ثبوت نسبة الكتاب إلى الآجري رحمه الله -إسناد النسخة المثبت على وجه الورقة الأول من المخطوط، إضافة إلى العنوان المقيد على وجه الورقة الأولى أيضاً وبخط عريض حيث جاء بلفظ: الجزء الثالث من سؤالات أبي عبيد محمد بن عثمان الآجري أبا داود السجستاني.
1 انظر: موارد الخطيب البغدادي، 353.
مصادر أبي داود في كتاب السُّؤالَات:
إن الناظر في كتاب السؤالات يجد أن أبا داود رحمه الله قد اعتمد في غالب الأقوال على اجتهاده الخاص، ومع هذا فلم يفته أن يستعرض آراء شيوخه في كثير من المسائل، وسأرتب أسماءهم حسب كثرة النقول عنهم:
1-
الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله المتوفى سنة 245هـ، وهو أكبر شيوخ أبي داود وأكثرهم في السنة علماً، وقد نقل عنه أبو داود ما يقارب ثلاثين رأياً فيما سئل عنه في هذا الجزء وما يزيد على أربعين رأياً في الجزأين الرابع والخامس.
وقد تأثر أبو داود رحمه الله بالإمام أحمد تأثراً كبيراً في هذا العلم وغيره حتى عرف ذلك في هديه وسمته، حتى صار يشبه به1، ولذا فقد اتبع منهج شيخه في الحديث، فنراه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وهو عنده أقوى من رأي الرجال2، وهو ما ذهب إليه أحمد من قبل3. وما أقرب قول أبي داود من قول أحمد في الرجال، وقد وجدت
1 تذكرة الحفاظ 2/ 428.
2 قواعد في علوم الحديث، ص37.
3 توضيح الأفكار 1/37.
أن أبا داود ينقل رأي الإمام أحمد بلفظه، كما نقله من بعض كتبه كمسائله عن الإمام أحمد1.
2-
الإمام يحيى بن معين: إمام الجرح والتعديل، المتوفى سنة 233هـ. تتلمذ أبو داود رحمه الله على يحيى بن معين وأخذ عنه وعن الإمام أحمد علم الحديث. ولهذا فقد استعرض أبو داود رأيه في كثير من المسائل التي سئل فيها، وقد بلغ عدد الأقوال المنقولة عنه في هذا الجزء أكثر من عشرين نصاً، وما يزيد على أربعين في الجزأين التاليين.
وقد وصف الحفاظ ابن معين بالتعنت في التوثيق، ولعل سائلاً يسأل ما مدى تأثر أبي داود بمنهجه المذكور؟ والواقع أني أجبت على هذا السؤال فيما مضى2، ولكني أقول مجدداً أن أبا داود لم يتأثر به في منهجه كناقد، بل كان أقرب إلى منهج شيخه الإمام أحمد مما دفعني إلى ذكره في طبقة أهل الاعتدال.
3-
الحافظ علي بن عبد الله بن جعفر السعدي المعروف بابن المديني، المتوفى سنة 234هـ. قال فيه أبو داود: علي بن المديني أعلم من أحمد باختلاف الحديث3. وقد نقل عنه أبو داود في الأجزاء الثلاثة الموجودة لدي ما يزيد على عشرة نصوص، وكان يسند قوله إذا لم يكن قد سمعه مباشرة.
4-
الحافظ يحيى بن سعيد القطان، المتوفى سنة 198هـ. قال ابن المديني:"ما رأيت أحداً أعلم بالرجال منه"4. وقال بندار: "هو إمام أهل زمانه"5.
1 انظر: النصين رقم 172، 190، وقارن بينهما وبين ما جاء في سؤالات أبي داود لأحمد، ورقة 9، وجه ب.
2 تقدم الكلام عليه في الحديث على مرتبة أبي داود بين النقّاد.
3 تذكرة الحفاظ 2/ 428.
4 تذكرة الحفاظ 1/298.
5 المصدر السابق.
وقد نقل عنه أبو داود آراءه في الرجال في كتابه هذا، وقد بلغ عددها عشرة نصوص تقريباً، في الأجزاء الثلاثة الموجودة. وقد استخدم أبو داود الإسناد في بعض ما نقله عنه دون البعض الآخر.
5-
شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، المتوفى سنة 160هـ، وهو أول من فتش عن الرجال في العراق، نقل عنه أبو داود عشرة نصوص من آرائه في الرجال، ولم يكن يسند كل ما قاله عنه.
6-
سفيان الثوري، الثقة الحافظ الحجة، المتوفى سنة 161هـ.
7-
زهير بن معاوية، الثقة الثبت، المتوفى سنة 174هـ، أو قبلها.
8-
أَحْمَد بْن عَبْد اللَّهِ بْن يونس، الثقة الحافظ، المتوفى سنة 227هـ.
9-
عيسى بن شاذان المصري، الثقة الحافظ، المتوفى بعد سنة 240هـ.
10-
سفيان بن عيينة، الإمام الحافظ، المتوفى سنة 198هـ.
11-
يزيد بن هارون السلمي، الثقة المتقن، المتوفى سنة 206هـ.
12-
أبو خيثمة زهير بن حرب بن شداد الحرشي، وهو شيخ مباشر لأبي داود، توفي سنة 234هـ.
13-
الليث بن سعد، الإمام الفقيه الحجة، المتوفى سنة 175هـ.
14-
أحمد بن صالح المصري، الثقة الحافظ، وهو شيخ مباشر لأبي داود، توفي سنة 248هـ.
15-
محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وقد ينسب إلى جده، توفي سنة 194هـ.
16-
حماد بن زيد، الثقة الثبت، المتوفى سنة 176هـ.
17-
حماد بن سلمة، الثقة العابد، المتوفى سنة 167هـ.
18-
الحسن بن علي بن محمد الهذلي أبو علي الخلال، الثقة الحافظ، المتوفى سنة 242هـ.
19-
عبيد الله بن عمرو بن ميسرة القواريري، الثقة الثبت، وهو شيخ مباشر لأبي داود، توفي سنة 235هـ، على الصحيح1.
20-
عباس بن فروخ الرياشي، الثقة شيخ مباشر لأبي داود، توفي سنة 257هـ.
21-
عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، الثقة الجليل، المتوفى سنة 157هـ.
22-
أيوب بن أبي تميمة السختياني، الإمام الحجة، المتوفى سنة 131هـ.
23-
قتيبة بن سعيد الثقفي، الثقة الثبت، وهو شيخ مباشر لأبي داود، توفي سنة 240هـ.
24-
عبد الله بن المبارك، الثقة، المتوفى سنة 181هـ.
1 تقريب التهذيب، 226.
المصادر التي اعتمدت كتاب السُّؤالات:
في مادّة النّقد:
إن الكتب التي اعتمدت على سؤالات الآجري كثيرة وقد وقفت على أكثر من خمسة وعشرين مصنفاً من أمهات كتب النقد من تلك التي نقلت رأي أبي داود عن الآجري عنه. وسأورد ذكر هذه الكتب مرتبة ترتيباً زمنياً حسب وفاة مؤلفيها. مع إيضاح طبيعة الاقتباسات في الكتب التي أكثرت النقل عنه:
1-
تصحيفات المحدثين لأبي أحمد العسكري المتوفى سنة 382هـ، ويبدو أن العسكري قد أكثر النقل عنه، وهو من شيوخه، فكثيراً ما كان يقول: ثنا أبو عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجري1.
2-
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، المتوفى سنة 463هـ. وقد أكثر الخطيب النقل عن كتاب السؤالات في كتابه المذكور، وقد بلغت النصوص المنقولة فيه عن الآجري زيادة على تسعين ومائتي نص2. استخدم الخطيب فيها الإسناد ولم يعمد إلى الاختصار في تلك النقول، كما فعله بعضهم.
3-
الكفاية في علم الرواية للخطيب3.
1 انظر: تصحيفات المحدثين، ص 25- 32. وهو الآن قيد النشر بتحقيق الدكتور محمود ميرة.
2 انظر: ما قاله الدكتور أكرم العمري في موارد الخطيب البغدادي، ص353.
3 انظر:، ص113، 130، 149.
4-
موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب1.
5-
طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى، المتوفى سنة 526هـ2.
6-
تاريخ دمشق لابن عساكر المتوفى سنة 571هـ.
لم أتمكن من تصفح الكتاب كاملاً إذ لا يوجد في متناول يدي إلاّ مجلدة واحدة مما دعاني إلى استخدام تهذيب التاريخ3، وقد وجدت فيه بعض النقول عن الآجري عن أبي داود.
7-
تهذيب الكمال للحافظ المزي، المتوفى سنة 742هـ.
وهذا الكتاب من أكثر الكتب التي اعتمدت على سؤالات الآجري، ويمكن الجزم بأن ما نقله عن الآجري يزيد على سبعمائة نص4. حيث كان يقول فيها: قال الآجري عن أبي داود، وربما اختصر أقوال أبي داود واكتفى بذكر موضع الشاهد كأن يقول: وثقه أو ضعفه أبو داود، أو قال أبو داود كذا. وبعد المقارنة فيما لم يسنده للآجري ثبت لي أن المرجع في ذلك هو كتاب السؤالات بعينه. وتجدر الإشارة إلى أن المزي لم يستخدم إسناده في تلك النقولات.
8-
ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي، المتوفى سنة 748هـ.
يظهر أن الذهبي رحمه الله قد اعتمد كتاب السؤالات في كتابه
1 1/386.
2 1/160.
3 6/59.
4 لم أقم بعدّها ولكن بالمقارنة مع النصوص المثبتة في تهذيب التهذيب والتي بلغت ثلاثين وسبعمائة نص تقريباً، ومعلوم أن الحافظ ابن حجر لم يختصر من تهذيب الكمال آراء الأئمة في النقد، والتي من بينها أقوال أبي داود في السؤالات.
المذكور بكثرة، وغالباً ما كان يختصر قول أبي داود، ويكتفي بذكر موضع الشاهد. وبالمقارنة ثبت لي أنها من السؤالات. ولم يكن يستخدم الإسناد في تلك النقولات إلاّ نادرًا1.
9-
سير أعلام النبلاء للذهبي. والذي ذكر فيه نصوصاً منقولة عن الآجري عن أبي داود، ولم أقم بتتبع أقوال الآجري فيه، ولكني لمست ذلك خلال مراجعاتي في الكتاب المذكور2.
10-
تذكرة الحفاظ للذهبي3.
11-
الكاشف للذهبي، وقد اكتفى الذهبي بذكر أقوال أبي داود دون أن يسندها للآجري وباختصار، وأثبتت المقارنة أن مادته تلك من السؤالات4.
12-
المغني في الضعفاء للذهبي، وطبيعة الاقتباسات كما في الكاشف تماماً5.
13-
الديوان في الضعفاء للذهبي.
14-
جامع التحصيل، للعلائي المتوفى سنة 761هـ6.
15-
إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي، المتوفى سنة 762هـ.
ومن خلال تتبعي لبعض التراجم في هذا الكتاب، تبيّن لي أن مؤلفه قد استخدم كتاب السؤالات بكثرة بالغة، لكن عدم تتبعي
1 الميزان 1/576، 3/27، 270، 4/203.
2 السير 2/170، 3/195، 270، 4/173.
3 التذكرة 2/591، 1/ 308.
4 الكاشف 2/ 123.
5 المغني 2/ 448، 754.
6 جامع التحصيل 2/694.
لأجزاء الكتاب كاملة يجعل من الصعب الوقوف على مدى كثرة الاقتباسات الواردة فيه؛ إذ لا يوجد في متناول يدي إلاّ جزأين فقط، ولم يكن المؤلف يستخدم الإسناد في نقله عن الكتاب. وأحياناً كان يختصر العبارة، كما في تهذيب الكمال الأصل 1.
16-
البداية والنهاية للحافظ ابن كثير، المتوفى سنة 774هـ2.
17-
شرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب الحنبلي، المتوفى سنة 795هـ3.
18-
مقدمة ابن خلدون، المتوفى سنة 808هـ4.
19-
تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر المتوفى 852هـ.
وهذا الكتاب أكثر الكتب اعتماداً على السؤالات فيما استظهرت وقد بلغ مجموع ما نقله ابن حجر عن الآجري في كتابه هذا أكثر من ثلاثين وسبعمائة نص ولا أقول هذا من قبيل المجازفة، بل بعد تتبع ذلك وتمحيصه. وطبيعة الاقتباسات، كما هو الحال في تهذيب الكمال، ولم يكن يستخدم الإسناد في نقولاته المذكورة، على أن الحافظ ابن حجر ربما زاد على ما في تهذيب الكمال نقولات أخرى من السؤالات، وهذا يعني أن الحافظ كان يمتلك نسخة من السؤالات.
20-
تعجيل المنفعة للحافظ ابن حجر5.
1 إكمال تهذيب الكمال. 1 ورقة 78، وجه أ، ورقة 132، وجه ب، 2 ورقة، 149، وجه أ. ويذكر أنني قد أتممت تحقيق بعض هذا الكتاب في اطروحتي للدكتوره.
2 البداية 9/25.
3 شرح العلل، ص 466.
4 مقدمة ابن خلدون، ص349.
5 تعجيل المنفعة، ص175.
21-
لسان الميزان، للحافظ ابن حجر. وقد اعتمد فيه على السؤالات اعتماداً كبيراً وطبيعة الاقتباسات هي بعينها كما في تهذيب التهذيب1.
22-
الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ ابن حجر. وقد بلغ مجموع النصوص المنقولة عن الآجري فيه حوالي أربعة عشر نصاً2.
23-
طبقات الحفاظ للسيوطي، المتوفى سنة 911هـ3.
24-
الكواكب النيرات لابن الكيال، المتوفى سنة 929هـ.
25-
توضيح الأفكار للصنعاني، المتوفى سنة 1182هـ4.
26-
تاج العروس للزبيدي، المتوفى سنة 1205هـ5.
27-
قواعد في علوم الحديث للحافظ ظفر أحمد عثماني التهانوي6.
1 اللسان 2/103، 3/57، 4/387، 6/107.
2 انظر: موارد ابن حجر في الإصابة 2/801.
3 طبقات الحفاظ، ص123.
4 توضيح الأفكار 2/ 264.
5 تاج العروس 3/252.
6 ص149، 350، 432.
وصف النّسخَةِ:
إن الجزء الذي بين أيدينا من كتاب السؤالات هو من نسخة فريدة، ولم أعثر على أية نسخة أخرى بعد مطالعة فهارس المخطوطات في المكتبات الأخرى، وقد أشير في تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان، وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين إلى وجود نسخة أخرى في المكتبة الوطنية بباريس، وبعد الحصول على النسخة المذكورة تبيّن أنها تشتمل على الجزء الرابع والخامس من كتاب السؤالات، وبنفس الخط الذي كتب به الثالث، أي أن هذين الجزأين يتممان قسماً من النسخة الموجودة لدي بعينها. ولهذا فقد اعتمدت النسخة الفريدة والتي هي من مخطوطات مكتبة كابرولي في تركيا والمودعة تحت رقم 292) ، والجزء بعينه مصور في مكتبة الجامعة الإسلامية، ولم أقف على الأصل.
أما عدد أجزاء هذا الكتاب، فالذي ظهر لي أنها تزيد على خمسة أجزاء، وهذا ما يفيده ما كتب في آخر ورقة من أوراق الجزء الخامس حيث قال: آخر الجزء الثاني من الأصل وأول الثالث منه إلى أن قال: ويتلوه في ثالثه أخبرنا الشيخ الأوحد، ثم أخذ بذكر سند النسخة كعادته في نهاية كل جزء وأوله، كما أن الجزأين الأول والثاني لم أقف عليهما. والظاهر من هذا الترتيب للأجزاء أن الناسخ قد جزء الكتاب تجزئة تختلف عن تجزئة الكتاب أصلاً.
على أن الذي يقرأ ما كتب آخر الأجزاء الثلاثة الموجودة الآن وهي الثالث والرابع والخامس يخيل إليه أن ترتيب الكتاب غير سليم. فهذا هو الناسخ يقول في آخر الجزء الثالث - وهو المحقق - آخر الثالث من الأصل وأول الرابع منه يتلوه إن شاء الله في أول رابع يليه منه أخبرنا الشيخ الأوحد، ثم ذكر سند
النسخة، وها هو يقول في آخر الرابع: آخر الرابع وأول الخامس يليه في أوله أخبرنا الشيخ الأوحد، ثم ذكر سند النسخة. وقال في آخر الخامس ما سبق أن ذكرته. وهذا يفيد أن الجزء الخامس كما كتب عليه الناسخ هو أول الأجزاء الثلاثة الموجودة الآن بناء على ترتيبه الأصلي، اللهم إلا أن تكون الورقة التي كتب عليها سماع الجزء الخامس وضعت في غير مكانها الصحيح وهي في الواقع سماع الجزء الثاني وهذا ما أميل إليه، وآخر الخامس يشتمل على ذكر أهل بغداد. أما تراجم الجزء الثالث في أوله - وهو المحقق - فهم من أهل الكوفة يقيناً وإن لم ينص على ذلك في الجزء نفسه، وربما نص عليه في الذي قبله بناء على تقسيم الناسخ، وقد استغرق أهل الكوفة حوالي أربع عشرة ورقة من مجموع أوراق هذا الجزء.
وقد اشتمل الجزء الثالث على ثلاثين ورقة، والرابع على سبع عشرة ورقة والخامس على إحدى وخمسين ورقة، وكلها ذات وجهين. وقد استخدم الناسخ في كتابته الخط النسخي، وكان عدد سطور كل صفحة سبعة عشر سطراً وفي كل سطر اثنتا عشرة كلمة تقريباً.
وكعادة بعض المتقدمين في الكتابة فقد كان الناسخ يرسم بعض الكلمات على غير صورتها المعتادة الآن، فمثلاً لم يكن يثبت الألف في ابن وكان يستبدل الهمزة المتصلة بحرف آخر بياء فيقول في سئل سيل بالياء. وكذلك كان من دأبه إسقاط الألف رسماً في الأعلام فيقول في سفيان سفين1 والقاسم قسم. كما كان يستبدل الألف المقصورة بممدودة فيقول في روى: روا.
وقد رزق الكاتب حظا كبيراً من جمال خطه لكنه بالمقابل لم يوفق في إعطاء هذا الكتاب حقه علمياً. فنجد أن التصحيف عنده أمر طبيعي، وقل أن تجد صفحة تخلو من ذلك، وكثيراً ما كان يسقط بعض الكلمات، وقد يأتي في النص
1وهذه قاعدة إملائية قديمة سليمة استخدمها القدماء.
انظر: تدريب الراوي 2/310، وكتاب الإملاء وكتاب الإملاء للشيخ حسن والي.
بما ليس منه، وهذا نادر قليل. ولهذا فقد عانيت في تقويم النصوص وتصحيح عباراتها كثيراً من الصعوبة، وتكون أبلغ عندما لا أجد للنص أثراً في الكتب اللاحقة، ولعل هذا هو السبب الذي جعلني أقف مكتوف الأيدي أمام بعض النصوص، كما لم أتمكن من معرفة بعض التراجم وإن كان عددها يعد على الأصابع.
والواقع أن النسخة لم تتعرض للخروم أو السقط إلا في بعض الكلمات المتناثرة القليلة.
وأما ناسخ المخطوط فلم أقف على اسمه إذ لم يعرف بذلك ولم يذكر وقت فراغه من النسخ كما اعتاد النساخ ذلك. وأما الخطاط الذي نقل السماعات من الأصل المفقود الذي يرجع إلى أوائل القرن السابع الهجري والتي كانت بخط المنذري فهو الحسن بن أحمد النشار.
وأما مادة المخطوط العلمية فقد سبق الكلام عليها في الكلام على كتاب السؤالات في كتب العلل.
سند النّسخَةِ:
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الأَوْحَدُ الإِمَامُ الْحَافِظُ أبو طاهر أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن محمد بن إبراهيم السِّلفي الأَصْبَهَانِيُّ1. أَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحُسَيْنِ المبارك بن
1 الحافظ الناقد المتقن الثبت انتهى إليه علو الإسناد، صاحب التصانيف، كان أوحد أهل زمانه في علم الحديث وأعلمهم بقوانين الرواية، توفي سنة 576هـ.
انظر: ترجمته في: تذكرة الحفاظ 4/ 1298، شذرات الذهب 4/255، طبقات الشافعية للسبكي 6/32، طبقات الحفاظ للسيوطي، ص468.
عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ القاسم الصيرفي1، من أصل سماعه قال: قرئ على أبي الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد بن منصور العتيقي2 عن كتاب محمد بن عدي بن زحر المنقري3 عليه وأنا أسمع ثنا أبو عبيد محمد ابن عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجُرِّيُّ قَالَ:
1 الإمام الثقة الأمين، كان صالحاً مكثراً لم يلتفت أحد إلى تكذيب مؤتمن الساجي له، مات سنة 500هـ، ببغداد. قاله الحافظ الذهبي.
انظر: ميزان الاعتدال 3/ 431، شذرات الذهب 3/ 412، لسان الميزان 5/9.
2 بفتح العين المهملة وكسر التاء نسبة إلى عتيق وهو اسم لبعض أجداد المنتسبين إليه، منهم أبو الحسن بن منصور العتيقي، وهو أحد الثقات المكثرين من الحديث، مات سنة 441هـ.
انظر: تاريخ بغداد 4/379، اللباب 2/323.
3 المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف نسبة إلى منقر بن عبيد بن قيس بن غيلان، وهو بطن من بني سعد تميم.
والمذكور عده الخطيب وغيره في شيوخ الحافظ العلامة أبي الحسن علي بن أحمد النعيمي البصري المتوفى سنة 423هـ.
انظر: تاريخ بغداد 11/331، تذكرة الحفاظ 3/1112، طبقات الشافعية للسبكي 5/237، طبقات الشافعية للأسنوي 1/ 258، اللباب 3/264.
"السَّمَاعَات المثبتة في آخر الجزء بلغت قراءة"1.
والحمد لله حق حمده وصلى الله على محمد وآله وسلامه، حسبنا الله ونعم الوكيل.
نقل من نسخة بخط ....2) إبراهيم البلنسي3، وذكر ما مثاله وعلى التالي ما مثاله) 4. النسخة من أصل الشيخ
…
5) وقت الكتابة، إلا أن النسخة كانت في غاية الرداءة، واحتاج إلى المقابلة بأصل الشيخ، وصح ذلك بسماع أبي نصر محمود بن الفضل الأصبهاني6، ومحمد بن الحسين بن بركات، وهزارست بن عوض الهروي7، وأبي الغنائم أحمد بن محمد المؤدب، بقراءة
1 كتبت في الهامش الأيمن.
2 لم أتمكن من قراءة ما كتب في هذا الموضع ولعلها كلمة تعظيم وإجلال.
3 إبراهيم بن الحسين بن يوسف أبو إسحاق البلنسي، المتوفى سنة 581هـ.
انظر: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 12.
4 سقطت هذه العبارة من المخطوط وأثبتها من سماع الجزء الخامس.
5 في هذا الموضع قدر أربع كلمات لم أستطع قراءتها.
6 الإمام الحافظ أبو نصر الأصبهاني، المتوفى سنة 512هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1252، طبقات الحفاظ للسيوطي 455.
7 هزارست بن عوض أبو الخير الهروي الحافظ، المتوفى سنة 515هـ.
انظر: شذرات الذهب 4/ 48، اللباب 3/540.
عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي1، في شوال سنة خمس وتسعين وخمسمائة، والشيخ أبي نصر المؤتمن بن أحمد الساجي2 وـ3) ابن ظفر بن رداد، شهر رمضان سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وعنده خط عبد العظيم المنذري4، وقد كانت النسخة حاضرة وقت السماع) 5.
سمعت من الحافظ أبي طاهر أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السلفي بقراءة ابن عيسى وولده عيسى وحماد الحراني6. وطه بن إبراهيم، وعبد الكريم الربعي7، وعبد الله العمار، وجعفر الهمداني8
…
9) ، وعبد الرحمن بن مروان الطبيب، ومنصور بن علي
…
) 10، وأبي الحسن علي بن المقدسي وإبراهيم البلنسي، والسماع بخطه في شهر صفر سنة أربع
1 الحافظ العالم محدث بغداد، توفي سنة 538هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 4/1282، شذرات الذهب 4/116، ذيل طبقات الحنابلة 1/201، طبقات الحفاظ للسيوطي 464.
2 الثقة الحافظ الرحال. انظر: ميزان الاعتدال 4/ 198، شذرات الذهب 4/20.
3 في هذا الموضع قدر كلمة لم أستطع قراءتها.
4 الإمام الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، المتوفى سنة 656هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 4/1436، شذرات الذهب 5/277، البداية والنهاية 13/212، طبقات الشافعية للسبكي 8/259.
5 ما بين قوسين سقط من المخطوط وأثبته من سماع الجزء الرابع.
6 حماد بن هبة الله بن حماد الحراني. انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/434، شذرات الذهب 4/335.
7 عبد الكريم بن عتيق بن عبد الملك بن عبد الغفار الربعي. انظر: طبقات القراء لابن الجزري 1/402.
8 جعفر بن علي بن هبة الله أبو الفضل الهمداني، المتوفى سنة 636هـ. انظر: طبقات القراء لابن الجزري 1/193، تذكرة الحفاظ 4/1424.
9 في هذا الموقع قدر كلمتين لم أستطع قراءتهما.
10 في هذا الموضع قدر كلمة لم أستطع قراءتها.
وتسعين وخمسمائة بقلم المنذري ملخصاً، نقله من خطه الحسن بن أحمد النشار
…
1) .
سمع جميع هذا الجزء على الشيخ الفقيه المقرئ أبي الفضل جعفر بن أبي الحسن بن أبي البركات الهمداني2، بقراءة القاضي الأجل
…
3) الأوحد الأمين الوزير أبي العباس أحمد بن القاص الأجل الفاضل، وأبي الفتح حسن وأبي محمد بن عبد الرحمن، ابنا العالم الأجل زين الدين أبي الحسن علي بن القاص الأشرف المقرئ، وأبي الحسن علي بن عبد الوهاب ابن عتيق بن وردان المقرئ، وبركات بن ظافر بن عساكر4. وصح في ثالث عشر محرم سنة ثلاثين وستمائة) 5.
1 في هذا الموضع قدر أربع كلمات لم أتمكن من قراءتها.
2 الإمام المقرئ المحدث الثقة جعفر بن علي بن هبة الله بن جعفر أبو الفضل الهمداني، كما جاء مصرحاً به في سماع الجزء الرابع. توفي سنة 636هـ بدمشق.
انظر: ترجمته في تذكرة الحفاظ 4/1424، طبقات القراء لابن الجزري 1/193. 3 سقط بقدر كلمة ولعلها كلمة إجلال وتعظيم.
4 المحدث المصري أبو اليمن بركات بن ظافر بن عساكر الأنصاري، المتوفى سنة 634هـ، تذكرة الحفاظ 4/1419.
5 ما بين قوسين من نهاية سماع الجزء الرابع، حيث ذكر هذا السماع أيضاً.
منهَجُ التحقِيق:
يتلخص عملي في التحقيق في الخطوات التالية:
1-
خدمة النص: تقدم أن هذا الجزء من نسخة فريدة، ولذا فسأعتبر ما فيه هو الأصل والنصوص المتناثرة في الكتب بمثابة نسخة ثانية يمكن بواسطتها التثبت من سلامة النص، أو تصحيح ما أخطأ فيه الناسخ، وكذا إثبات ما قد سقط منها. وقد قمت بتقسيم النصوص إلى 607) نصاً كل مسألة في نص مستقل، وقد أجمع بين مسألتين في نص واحد للضرورة.
2-
الإشارة إلى أماكن وجود النص في الكتب اللاحقة.
3-
ضبط الكلمات التي قد يشكل على القارئ ضبطها.
4-
فيما يتعلق بالتراجم، فمنها ما يدور السؤال حولها، وهي التي سأخصها بالعناية. ولذا فسأعرف بها إن كانت من تراجم الكتب الستة بما في التقريب1، بذكر الاسم والنسب والكنية والمرتبة والطبقة أو سنة الوفاة إن وجد، مع الإشارة إلى أماكن وجود الترجمة. أما إذا كان المسئول عنه من غير رواة الكتب الستة فإني سأعرف به، وأذكر بعض شيوخه، وبعض تلاميذه، وربما اكتفيت بذكر شيخ مشهور أو تلميذ كذلك لتحديد طبقته، مع ذكر سنة الوفاة إن أمكن، مع الإشارة إلى أماكن وجود الترجمة.
1 معتمداً في ذلك على النسخة المطبوعة في الباكستان. وقد أعدل عنها إلى الطبعة المصرية إذا اقتضت الضرورة ذلك.
أما التراجم التي تأتي ضمن النصوص عرضاً فسأقتصر على التعريف بها بما في التقريب إن كانت من تراجم الكتب الستة، وإن كانت من غيرها فسأعرّف بأصحابها، مع ذكر بعض الشيوخ والتلاميذ زيادة في التعريف، مع الإشارة إلى مصدر أو مصدرين من أماكن وجود الترجمة.
وسأقتصر على تعريف الترجمة في أول مكان ترد فيه، وهذا في نصوص السؤالات فقط، وأما التراجم الواردة في المقدمة فلن أترجم لهم إلا للضرورة؛ لأن المذكورين فيها من الأئمة في الغالب، على أني لن ألتزم بكامل نص ابن حجر في التقريب، بل قد أزيد عليه ما أراه ضرورياً، وقد أحذف منه ما لا لزوم له في النص.
5-
تخريج الأحاديث بذكر أهم أماكن وجودها.
6-
إن النصوص الواردة في هذا الجزء لا تقتصر على الجرح والتعديل فحسب، بل تشتمل قضايا حديثية أخرى، فما كان منها في الجرح والتعديل ورأيت ما قاله أبو داود موافقاً لقول الأئمة أو غالبهم فأسكت عليه، وما خالف فيه أبو داود فأذكر أقوال الأئمة ثم أرجح على ضوء النصوص والقواعد إن أمكن، سواء كان الحق مع أبي داود أو مع غيره. أما باقي القضايا الأخرى فسأشير إلى آراء الأئمة الآخرين ممن وافقوا أبا داود أو خالفوه، مع ترجيح ما يمكنني ترجيحه. ولربما انفرد أبو داود بالإدلاء برأيه في بعض المسائل، وهذه سأسكت عليها بالطبع.
الرّموز المُستَخدَمَة في التحقيق:
خ: البخاري في الصحيح.
خت: البخاري في التعليق.
بخ: البخاري في الأدب المفرد.
عخ: البخاري في خلق أفعال العباد.
ز: البخاري في جزء القراءة.
ي: البخاري في رفع اليدين.
م: مسلم في الصحيح.
د: أبو داود في السنن.
مد: أبو داود في المراسيل.
صد: أبو داود في فضائل الأنصار.
خد: أبو داود في الناسخ والمنسوخ.
قد: أبو داود في القدر.
ف: أبو داود في التفرد.
ل: أبو داود في المسائل.
كد: مسند مالك.
ب: سنن الترمذي.
تم: شمائل الترمذي.
س: سنن النسائي.
عس: مسند علي للنسائي.
كن: مسند مالك للنسائي.
ق: سنن ابن ماجة.
فق: ابن ماجة في التفسير.
ع: لما أخرج له الستة في كتبهم.
4: لما أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
تمييز: من ليست له رواية في الكتب الستة.
*: إشارة إلى أماكن وجود النص.
أ: الوجه الأول للورقة من المخطوط.
ب: الوجه الثاني للورقة من المخطوط.