الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في توحيد الأسماء والصِّفات
* هو: اعتقاد انفراد الله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال، وذلك بإثبات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رَسُوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات بغير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، بل نعتقد أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فلا ننفي عنه بما وصف به نفسه، ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نلحد في أسماء الله وآياته.
* فمن صفات الله التي وصف بها نفسه:
الاستواء.
1 -
فقال عزَّ من قائل في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] .
2 -
وقال في سورة يونس: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3] .
3 -
وقال في سورة الرعد: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد: 2] .
4 -
وقال في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] .
5 -
وقال في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 59] .
6 -
وقال في سورة السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة: 4] .
7 -
وقال في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد: 4] .
فهذه سبعة مواضع، أخبر فيها سبحانه أَنَّه على العَرش، وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله عز وجل كَتَبَ كِتَابًا قبل أنْ يَخْلُق الخلق: إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَت غَضَبِى، فهو عِنْدَهُ فَوق العَرش» .
وقد سُئِل الإمام مالك رحمه الله عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فأطرق مالك، وعلته الرحضاء- يعني العرق-، وانتظر القوم ما يجيء منه، فيه فرفع رأسه، وقال:"الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء، وأمر به فأخرج".
وهذا الجواب من مالك رحمه الله في الاستواء كاف وشاف في جميع الصفات؛ مثل النزول، والمجيء، واليد، والوجه، وغيرهما، فيقال في النزول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وهكذا يُقال في سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنة، ولا يجوز تأويل الاستواء على العرش بالاستيلاء؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه؛ إذ هو مستولٍ على العرش، وعلى الخلق، ليس للعرش مزية.
قال الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله: "من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سماوات، بائن من خلقه فهو كافر، يستتاب، فإن تاب، وإلا
ضُربت عنقه، وأُلْقِي على مَزْبلة؛ لئلا يَتَأَذَّى بريحه أهل القبلة، وأهل الذمة".
كما أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى فوق سماواته، بائن من خلقه، قال الله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] .
{يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران آية: 55]{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16] .
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلا تَأْمَنُوني، وأَنَا أَمِينُ مَنْ في السَّمَاء» .
وفي حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة» . رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
ومنكر أن يكون الله في جهة العلو بعد هذه الآيات والأحاديث مخالف لكتاب الله، ومنكر لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال مالك بن أنس: "الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان".
وقال عبد الله بن المبارك: "نعرف ربنا فوق سبع سماوات بائنًا من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه ها هنا، وأشار إلى الأرض"، بل نعتقد أن
الله سبحانه وتعالى فوق سَمَاواته مُسْتو على عرشه، وأنه ينزل كل ليلة إلى سَماء الدُّنيا، فيجب الإيمان والتَّسليم لذلك، وترك الاعتراض عليه، وإمراره من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل، ولا نفي لحقيقة النُّزول.
فروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَنْزِلُ رَبُّنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدُّنيا، حين يبقى ثُلث اللَّيل الآخر، فيقول: مَن يَدْعُوني فأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَه، مَن يَسْتَغْفِرنَي فَأَغْفِرُ لَهُ، حَتَّى يَطْلُع الفَجر» .
وفي لفظ: «يَنْزل الله عز وجل» ولا يصح حمله على نزول القدرة ولا الرحمة، ولا نزول ملك، لما روى مسلم - بإسناده- عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، أنا الملك من ذا»
«الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له حتى يضيء الفجر» .
وروى رفاعة بن عروبة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مضى نصف الليل، أو ثلث الليل ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا، فيقول: لا أسأل عن عبادي أحدًا غيري، من ذا الذي يستغفرني أغفر له، من ذا الذي يدعوني أستجيب له، من ذا الذي يسألني أعطيه، حتى ينفجر الصبح» . رواه الإمام أحمد.
وهذان الحديثان يقطعان تأويل كل متأول، ويدحضان حجة كل مبطل.
وروى حديث النزول علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وجبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وعمرو بن عبسة، وأبو الدرداء، وعثمان بن أبي العاص، ومعاذ بن جبل، وأم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وخلق سواهم رضي الله عنهم، ونحن مؤمنون بذلك، مصدقون من غير أن نصف له كيفية، أو نشبهه بنزول المخلوقين.
اليدان:
ومن صفاته سبحانه الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليدان، قال الله عز وجل:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، وقال عز وجل:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] .
فلا نقول: يد كيد، ولا نكيف ولا نشبه، ولا نتأول اليدين على القدرتين، كما يقول أهل التأويل، بل نؤمن بذلك، ونثبت الصفة من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا يصح حمل اليدين على القدرتين؛ فإن قدرة الله عز وجل واحدة، ولا على النعمتين؛ فإن نعم الله عز وجل لا تحصى. كما قال عز وجل:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] .
*وثبت لله عز وجل صفة النفس التي وردت في كتاب الله تعالى، وثبتت في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل -إخبارًا عن نَبِيِّه عيسى عليه السلام أنه قال-: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، وقال عز وجل {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ} [الأنعام: 54] ، وقال سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام:{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41]، وقال:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] .
وروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعًا، وإن اقترب إلي ذراعًا اقتربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» . رواه مسلم.
* الوَجْه: ومن الصِّفات التي نطق بها القرآن، وصَحَّت بها الأخبار: الوَجه. قال الله عز وجل: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، وقال:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] .
وفي حديث أبي موسى قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع، فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، ثم قرأ: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} » [النمل: 8] .
فهذه صفة ثابتة بنص الكتاب، وخبر الصادق الأمين، فيجب الإقرار بها، والتسليم كسائر الصفات الثابتة بِواضح الدِّلالات.
* ونعتقد أن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة -كما جاء في كتابه-، وصح به النقل عن رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22] .
وروى جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال:«إنكم سترون ربكم عز وجل كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته» الحديث.
قال مالك بن أنس رضي الله عنه: "الناس ينظرون إلى الله تعالى بأعينهم يوم القيامة".
* وفي معتقد أهل السنة والجماعة إن الله عز وجل لم يزل متكلمًا بكلام إذا شاء متى شاء، قال
الله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] .
* قال أبو العباس بن سريج: "إن جميع الآي الواردة عن الله في ذاته وصفاته والأخبار الصادقة الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفاته التي صححها أهل النقل، يجب على المرء المسلم الإيمان بكل واحد منه كما ورد، وتسليم أمره إلى الله كما أمر، وذلك مثل قوله سبحانه:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]، وقوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]، وقوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وقوله:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] .
ونظائرها مما نطق به القرآن، كالفوقية، والنفس، واليدين، والسمع، والبصر، والكلام، والعين، والنظر، والإرادة، والرضاء، والغضب، والمحبة، والكراهة. والقرب
والبعد، والسخط والاستجابة، وصعود الكلام الطيب إليه، وعروج الملائكة والروح إليه، ونزول القرآن منه، وندائه الأنبياء وقوله للملائكة، وقبضه وبسطه، وعلمه، ووحدانيته، وقدرته، ومشيئته، وصمدانيته، وفردانيته، وأوليته، وآخريته، وظاهريته، وباطنيته، وحياته، وبقائه، وأزليته، ونوره، وتجليه، والوجه، وخلق آدم بيده، ونحو قوله:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] . وسماعه من غيره، وسماع غيره منه، وغير ذلك من صفاته المذكورة في كتابه المنزل، وجميع ما لفظ به المصطفى من صفاته، كغرس جنة الفردوس بيده، وشجرة طوبى بيده، وخط التوراة بيده، والضحك والتعجب، ووضعه القدم، وذكر الأصابع، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا، وغيرته، وفرحه بتوبة العبد، وأنه ليس بأعور، وإن كلتا يديه يمين، "وحديث القبضتين" وله كل يوم كذا وكذا نظره في اللوح المحفوظ، وأنه "يوم القيامة يحثو ثلاث حثيات من حثياته، فيدخلهم الجنة"، وحديث "القبضة التي يخرج بها من النار قومًا
لم يعملوا خيرًا قط"، وإثبات الكلام بالحرف والصوت، وكلامه للملائكة، ولآدم، ولموسى، ومحمد، والشهداء، وللمؤمنين عند الحساب، وفي الجنة، ونزول القرآن إلى سماء الدنيا، وكون القرآن في المصاحف، «وما أذن الله بشيء إذنه لنبي يتغنى بالقرآن» ، وصعود الأقوال والأعمال والأرواح إليه.
وغير هذا مما صح عنه صلى الله عليه وسلم من الأخبار الواردة في صفات الله سبحانه ما بلغنا، وما لم يبلغنا مما صح عنه، اعتقادنا فيه أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها، ولا ننقص منها، ولا نكيفها، ولا نشير إليها بخواطر القلوب، بل نطلق ما أطلقه الله، ونفسر ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون، والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونُجمِعُ على ما أجمعوا عليه، ونمسك عما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر لظاهره، والآية لظاهرها، مع اعتقاد معناها وما دلت عليه، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية، والجهمية، والملحدة، والمُجَسِّمة،
والمشبهة، والكرامية، والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل، ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب على وجه يليق بجلاله".
* قال نعيم بن حماد شيخ البخاري رحمه الله: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله نفسه تشبيهًا".
وقد قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد على المشبهة، وقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} رد على المعطلة.
* فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات، فصفاته ثابتة حقيقية من غير أن
تكون من جنس صفات المخلوقين، فمن قال: لا أعقل علمًا ويدًا إلا من جنس العلم واليد المعهودة، قيل له: فكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذات المخلوقين؟! ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته، وتلائم حقيقته، فمن لم يفهم من صفات الرب الذي:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] إلا ما يناسب المخلوقين فقد ضل في عقله ودينه.
وما أحسن ما قال بعضهم: "إذا قال لك الهجمي: كيف استوى؟ أو كيف ينزل إلى سماء الدنيا؟ أو كيف يراه ونحو ذلك؟ فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: لا يعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري غير معقول للبشر، فقل له: فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن يعلم كيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفيته؟ وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي".
ومن أول نصوص الصفات، أو قال: إنها ألفاظ لا يعقل معناها، ولا يدري ما أراد الله ورسوله منها، ولكن نقرأها ألفاظًا لا معاني لها، فقد أخطأ خطأ
بينا، بل هي آيات بينات دالة على أشرف المعاني وأجلها.
* وبالجملة: إن مذهب أهل السنة والجماعة: إثبات ما أثبته الرب لنفسه، وما أثبته له أعلم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، كالاستواء، والمحبة، والغضب، والرضا، والسمع والبصر، والرحمة، والعلم، والكلام، واليدين، والوجه، والنداء، وإن هذا القرآن المحفوظ في صدورنا المتلو بألسنتنا المسموع بآذاننا هو كلامه حقيقة، كما قال تعالى:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49]، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [فاطر:29]، وقوله:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، إلى غير ذلك مما ورد في الكتاب، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إثبات الصفات له جل وعلا، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، مع اعتقاد معناها
وما دلت عليه، على حد قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وقوله:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1-4] .
وهذا هو حقيقة مَذْهب سَلَف هذه الأمة من الصَّحابة والتَّابِعين، وأئمة العلماء المُحققين، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين.
عبد الله بن محمد بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى والرئيس العام للمجمع الفقهي 15\ 11\ 1409 هـ