الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ} 1 الآية.
وغير ذلك، قالوا: لا يجوز العمل لنا ولا لمثلنا بكلام الله ولا بكلام الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون.
ولما قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي والشافعي والحنبلي؛ كُلٌّ أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم، فلما أبوا ذلك نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله. وذكرتُ كل ما قالوا بعدما صُرِّحَتْ الدعوةُ عند القبور والنذر لها، فعرفوا ذلك وتحققوه؛ فلم يزدهم إلا نفورا.
وأما التكفير: فإني أكفر مَنْ عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سَبَّهُ ونَهَى الناس عنه، وعادى مَنْ فعله، فهذا هو الذي أُكَفِّرُهُ، وأكثر الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك.
وأما القتال: فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أَتَوْنَا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة، وجزاء سيئة سيئة مثلها. وكذلك مَنْ جَاهَرَ بسَبِّ دين الرسول بعد ما عرفه.
فإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه؛ وأن الواجب إشاعته في الناس، وتعليمه النساء والرجال، فرحم الله من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله، وأقر على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لما يحب ويرضى. والله أعلم.
1 سورة يونس آية: 31.
رسالة في المسائل الخمس الواجب معرفتها
…
رسالته في المسائل الخمس الواجبة معرفتها
الإنذار عن الشرك بالله
وله أيضا - قدس الله روحه، ونور ضريحه- ما نصه:
الواجب عليك أن تعرف خمس مسائل:
(الأولى) : أن الله لما أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، كان أول كلمة أرسله الله بها قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 1، ومعنى قوله:{فَأَنْذِرْ} : الإنذار عن الشرك بالله. وكانوا يجعلونه دينا يتقربون به إلى الله تعالى مع أنهم يفعلون من الظلم والفواحش ما لا يحصى، ويعلمون أنه معصية.
فمن فهم فهما جيدا أن الله أمره بالإنذار عن دينهم الذي يتقربون به إلى الله قبل الإنذار عن الزنى ونكاح الأمهات والأخوات، وعرف الشرك الذي يفعلونه، رأى العجب العجاب، خصوصا إن عرف أن شركهم دون شرك كثير من الناس اليوم لقوله تعالى:{وَإِذَا مَسَّ الأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} 2.
التوحيد هو إخلاص الدين لله تعالى
(الثانية) : أنه لما أنذرهم عن الشرك، أمرهم بالتوحيد الذي هو إخلاص الدين لله تعالى، وهو معنى قوله تعالى:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 3، يعني: عظمه بالإخلاص. وليس المراد تكبير الأذان وغيره؛ فإنه لم يشرع إلا في المدينة.
فإذا عرف الإنسان أن ترك الشرك لا ينفع إلا إذا لبس ثوب الإخلاص، وفهم الإخلاص فهما جيدا، وعرف ما عليه كثير من الناس من ظنهم أن الإخلاص وترك دعوة الصالحين نقص لهم، كما قال النصارى: إن محمدا يشتم عيسى، لما ذكر أنه عبد الله ورسوله ليس يعبد مع الله تعالى، فمن فهم هذا عرف غربة الإسلام، خصوصا إن أحضر بقلبه ما فعل الذين يَدَّعُونَ
1 سورة المدثر آية:1: 3.
2 سورة الزمر آية: 8.
3 سورة المدثر آية: 3.
أنهم من العلماء؛ من معاداة هذه المسألة وتكفيرهم مَن دَانَ بها وجاهدهم مع عُبَّاد قُبة أبي طالب وأمثالها، وقبة الكواز وأمثالها، وفتواهم لهم بحل دمائنا وأموالنا؛ لتركنا ما هم عليه. ويقولون لهم: إنهم ينكرون دينكم.
فلا تعرف هذه والتي قبلها إلا بإحضارك في ذهنك ما علمت أنهم فعلوا مع أهل هذه المسألة، وما فعلوا مع المشركين؛ فحينئذ تعرف أن دين الإسلام ليس مجرد المعرفة: فإن إبليس وفرعون يعرفونه، وكذلك اليهود يعرفونه كما يعرفون آباءهم، وإنما الإسلام هو: العمل بذلك والحب والبغض، وترك موالاة الآباء والأبناء في هذا.
الرسول عليه السلام جاء ليصدق ويتبع
(الثالثة) : أن تُحْضِر بقلبك أن الله سبحانه- لم يرسل الرسول إلا لِيُصَدَّقَ وَيُتَّبَعَ، ولم يرسله لِيُكَذَّبَ وَيُعْصَى. فإذا تأملتَ إقرار من يدعي أنه من العلماء بالتوحيد وأنه دين الله ورسوله، لكن من دخل فيه فهو من الخوارج الذين تحل دماؤهم وأموالهم، ومن أبغضه وسَبَّهَ وَصَدَّ الناسَ عنه فهو الذي على الحق، وكذلك إقرارهم بالشرك وقولهم: ليس عندنا قبة نعبدها، بل جهادهم الجهاد المعروف مع أهل القباب، وأن من فارقهم حل ماله ودمه، فإذا عرف الإنسان هذه المسألة الثالثة كما ينبغي، وعرف أنه اجتمع في قلبه، ولو يوما واحدا أن قلبه قَبِلَ كلامهم: أن التوحيد دينُ الله ورسوله، ولكن لا بد من بغضه وعداوته، وأن ما عليه أهل القباب هو الشرك، ولكن هم السواد الأعظم، وهم على الحق، ولا يقول: إنهم يفعلون الشرك، فاجتماع هذه الأضداد في القلب مع أنها أبلغ من الجنون؛ فهي من أعظم قدرة الله تعالى وهي من أعظم ما يعرفك بالله وبنفسك، ومن عرف نفسه وعرف ربه، ثم أمره. فكيف إذا علمت أن هذين الضدين اجتمعا في قلب صالح وحيوان وأمثالهما أكثر من عشرين سنة.
الشرك يحبط العمل ولو لأجل الإسلام
(الرابعة) : أنك تعلم أن الله أنزل على رسوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1، مع أنهم راودوه
1 سورة الزمر آية: 65.
على قول كلمة أو فعل مرة واحدة، ووعدوه أن ذلك يقودهم إلى الإسلام.
إذا عرفت أن أعظم أهل الإخلاص وأكثرهم حسنات، لو قال كلمة الشرك مع كراهيته لها ليقود غيره بها إلى الإسلام حبط عمله وصار من الخاسرين؛ فكيف بمن أظهر أنه منهم، وتكلم بمائة كلمة؛ لأجل تجارة، أو لأجل أن يحج؛ لما مَنَعُوا الموحدين من الحج كما منعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى فتح الله مكة؟
فمن فهم هذا فهما جيدا، انفتح له معرفة قدر التوحيد عند الله عز وجل وقدر الشرك. ولكن إن عرفت هذه بعد أربع سنين فَنِعِمَّى لك، أعني: المعرفة التامة كما تعرف أن قطرة من البول تنقض الوضوء الكامل إذا خرجت ولو بغير اختياره.
الإيمان بما جاء به الرسول عليه السلام كله
(الخامسة) : أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض الإيمان بما جاء به كله لا تفريق فيه، فمن آمن ببعضٍ وكفر ببعض، فهو كافر حقا، بل لا بد من الإيمان بالكتاب كله. فإذا عرفت أن من الناس من يصلي ويصوم، ويترك كثيرا من المحرمات؛ لكن لا يُوَرِّثُونَ المرأةَ، ويزعمون أن ذلك هو الذي ينبغي اتباعه، بل لو ورثها أحد عندهم وخالف عادتهم لأنكرت قلوبهم ذلك.
أو ينكر عدة المرأة في بيت زوجها مع علمه بقول الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 1، ويزعم أن تركها في بيت زوجها لا يصلح، وأن إخراجها منه هو الذي ينبغي فعله، أو أنكر التحية بالسلام مع معرفته أن الله شرعها حبا لتحية الجاهلية لما ألفها، فهذا يكفر؛ لأنه آمن ببعض، وكفر ببعض، بخلاف مَن فعل المعصية أو ترك الفرض مثل فعل الزنى وترك بر الوالدين مع اعترافه أنه مخطيء وأن أمر الله هو الصواب2.
واعلم أني مثلتُ لك بهذه الثلاث؛ لتحذو عليها؛ فإن عند الناس من هذا
1 سورة الطلاق آية: 1.
2 يعني أن الكفر في: استقباح شرع الله، وتفضيل العادات المحرمة عليه؛ لا مجرد فعل المحرم مع اعتقاد فاعله أنه مذنب وأن فعله قبيح.