المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يريد: رجلها ويدها، وبين الخير وبيني. ومنهم مَنْ قال: لا - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ٤

[السمين الحلبي]

الفصل: يريد: رجلها ويدها، وبين الخير وبيني. ومنهم مَنْ قال: لا

يريد: رجلها ويدها، وبين الخير وبيني. ومنهم مَنْ قال: لا حَذْفَ؛ لأنَّ كل متحرك قد يُسَكَّن. وقيل: لأن المتحرك أقلُّ والساكن أكثر، فلذلك أوثر بالذكر.

ص: 554

قوله تعالى: {أَغَيْرَ الله} : مفعول أول ل «أتَّخِذُ» و «وليَّاً» مفعولٌ ثاني، وإنما قَدَّم المفعول الأول على فعله لمعنى: وهو إنكار أن يُتَّخَذَ غيرُ اللَّهِ ولياً لا اتخاذ الوليّ، ونحوُه قولك لمن يهين زيداً وهو مستحقٌّ للإِكرام:«أزيداً أهنت» ، أَنْكَرْتَ أن يكون مثله مُهاناً. وقد تقدَّم هذا موضحاً في قوله:{أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116] ومثله: {أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبّاً} [الأنعام: 1‌

‌14]

{أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ} [الزمر: 64]{ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59]{ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} [الأنعام: 13] وهو كثير. ويجوز أن يكون «أتخذ» متعدياً لواحد فيكون «غيرَ» منصوباً على الحال من «وليَّاً» لأنه في الأصل صفة له، ولا يجوز أن يكون استثناءً البتة، كذا منعه أبو البقاء، ولم يُبَيِّنْ وجهَه. والذي يظهر أنَّ المانع تقدُّمه على المستثنى منه في لامعنى وهو «وليَّاً» ، وأما المعنى فلا يأبى الاستثناء، لأن الاستفهام لا يُراد به حقيقته، بل يُراد به الإِنكار، فكأنه قيل: لا أتَّخذ ولياً غير الله، ولو قيل كذا لكان صحيحاً، فظهر أن المانع عنده إنما هو التقديم على المستثنى منه، لكن ذلك جائز، وإن كان قليلاً ومنه:

187 -

4- وما ليَ آل أحمدَ شيعةٌ

وما لي إلا مَشْعبَ الحقِّ مَشْعَبُ

ص: 554

وقرأ الجمهور «فاطرِ» بالجر، وفيها تخريجان، أحدهما - وبه قال الزمخشري والحوفي وابن عطية - صفة للجلالة المجرورة ب «غير» ، ولا يَضُرُّ الفصل بين الصفة والموصوف بهذه الجملة الفعلية ومفعولها؛ لأنها ليست بأجنبية، إذ هي عاملة في عامل الموصوف. والثاني - وإليه نحا أبو البقاء - أنه بدلٌ من اسمِ الله، وكأنه فرَّ من الفصل بين الصفة وموصوفها، فإن قيل: هذا لازمٌ له في البدل، فإنه فَصَل بين التابع ومتبوعِه أيضاً. فيقال: إن الفصل بين البدلِ والمبدلِ أسهلُ؛ لأنَّ البدل على نية تكرار العامل فهو أقرب إلى الفصل، وقد ترجَّح تخريجُه بوجهٍ آخرَ: وهو أنَّ «فاطر» اسم فاعل، والمعنى ليس على المضيِّ حتى تكون إضافتُه غيرَ محضة فيلزم وَصْفُ المعرفة بالنكرة لأنه في نية الانفصال من الإِضافة، ولا يقال: الله فاطر السماوات والأرض فيما مضى، فلا يُراد حال ولا استقبال؛ لأن كلام الله تعالى قديم متقدِّمٌ على خلق السماوات، فيكون المراد به الاستقبال قطعاً، ويدلُّ على جواز كونه في نية التنوين ما سأذكره عن أبي البقاء قريباً.

وقرأ ابن أبي عبلة برفعه، وتخريجه سهل، وهو أنه خبر مبتدأ محذوف. وخَرَّجه ابن عطية على أنه مبتدأ فيحتاج إلى تقدير خبر، الدلالةُ عليه خفيةٌ بخلاف تقدير المبتدأ فإنه ضمير الأول أي: هو فاطر: وقرئ شاذاً بنصبه، وخرَّجه أبو البقاء على وجهين، أحدهما: أنه بدل من «وليَّاً» قال: «والمعنى على هذا أجعلُ فاطر السماوات والأرض غيرَ الله» كذا قدَّر وفيه نظر؛ فإنه جعل المفعول الأول وهو «غير الله» مفعولاً ثانياً، وجعل البدل المفعول الثاني مفعولاً أول، فالتقدير عكسُ التركيب الأصلي.

والثاني: أنه صفةٌ ل «وليَّاً» قال: «

ص: 555

ويجوز أن يكون صفة ل» وليَّاً «والتنوينُ مرادٌ» قلت: يعني بقوله: «التنوين مراد» أن اسم الفاعل عامل تقديراً / فهو في نية الانفصال، ولذلك وقع وصفاً للنكرة كقوله:{هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] .

وهذا الوجه لا يكاد يَصِحُّ إذ يصير المعنى: أأتخذ غيرَ الله وليَّاً فاطر السماوات إلى آخره، فيصفُ ذلك الولي بأنه فاطر السماوات. وقرأ الزهري:«فَطَر» على أنه فعل ماضٍ وهي جملة في محل نصب على الحال من الجلالة كما كان «فاطر» صفتها في قراءة الجمهور. ويجوز على رأي أبي البقاء أن تكون صفة ل «ولياً. ولا يجوز أن تكون صفةً للجلالة، لأن الجملة نكرة.

والفَطْر: الشَّقُّ مطلقاً، وقيَّده الراغب بالشق وقيَّده الواحدي بشَقِّ الشي عند ابتدائه. والفَطْر: الإِبداع والاتخاذ على غير مثال، ومنه» فاطر السماوات «أي أوجدها على غير مثالٍ يُحتذى. وعن ابن عباس:» ما كنت أدري ما معنى فَطَر وفاطِر، حتى اختصم إليَّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما:«أنا فَطَرْتُها» أي: أنشأتها وابتدأتها. ويقال: فَطَرْتُ كذا فَطْر هو فُطوراً، وانفطر انفطاراً وفَطَرْتُ الشاة: حَلَبْتُها بأصبعين، وفَطَرْت العجين: خبزته مِنْ وقته، وقوله تعالى:{فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} [الروم: 30] إشارةً منه إلى ما فَطَر أي أبدع وركَّز في الناس من معرفته، ففطرةُ الله ما رُكِّز من القوة المُدْرِكة لمعرفته، وهو المشار إليه بقوله تعالى:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} [الزخرف: 87]، وعليه:«كلُّ مولودٍ يَوْلَدُ على الفطرة. . .» الحديث، وهذا أحسنُ ما سمعت في تفسير «فطرة الله» في الكتاب والسنة.

ص: 556

قوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} القراءة المشهورة ببناء الأول للفاعل والثاني للمفعول، والضمير لله تعالى، والمعنى: وهو يَرْزق ولا يُرْزَق، وهو موافقٌ لقوله تعالى:{مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 57] . وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد بن جبر والأعمش وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وأبو عمرو بن العلاء في رواية عنه: «ولا يَطْعَمُ» بفتح الياء والعين بمعنى ولا يأكل، والضمير لله تعالى.

وقرأ ابن أبي عبلة ويمان العماني: ولا يُطْعِم، بضم الياء وكسر العين كالأول، فالضميران - أعني هو والمستكنُّ في «يطعم» - عائدان على الله تعالى، والضمير في ولا يُطْعِم للوليّ. وقرأ يعقوب في رواية ابن المأمون.

«وهو يُطْعَمُ ولا يُطْعِم» ببناء الأول للمفعول، والثاني للفاعل، على عكس القراءة المشهورة، والضمائر الثلاثة أعني هو والمستترَيْنِ في الفعلين للولي فقط، أي: وذلك الوليُّ يُطْعمه غيره ولا يُطْعِمُ هو أحداً لعَجْزه.

وقرأ الأشهب: {وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعِم} ببنائهما للفاعل. وذكر الزمخشري فيها تخريجين ثانيهما لنفسه، فإنه قال - بعد أن حكى القراءة -:«وفُسِّر بأن معناه وهو يُطْعِم ولا يَسْتَطْعِم» . وحكى الأزهري: أطعمت بمعنى استطعمت، ونحوه: أَفَدْت، ويجوز أن يكون المعنى: وهو يُطْعِم تارة ولا يُطْعم أخرى على حسب المصالح كقولك: هو يعطي ويمنع ويَقْدِر ويبسط ويغني ويفقر «قلت: [هكذا ذكر الشيخ هذه القراءة، وقراءةُ الأشهب هي] كقراءة ابن أبي عبلة والعماني سواء، لا تخالُفَ بينهما،

ص: 557

فكان ينبغي أن يذكر هذه القراءة لهؤلاء كلِّهم، وإلَاّ يوهمْ هذا أنهما قراءتان متغايرتان وليس كذلك.

وقرئ شاذاً: {يَطْعَم} بفتح الياء والعين، ولا يُطْعِم بضم الياء وكسر العين أي: وهو يأكل ولا يُطْعِم غيره، ذكر هذه القراءةَ أبو البقاء وقال:» والضمير راجع على الولي الذي هو غير الله. فهذه ست قراءات وفي بعضها - وهي تَخَالُفُ الفعلين - من صناعة البديع تجنيس التشكيل: وهو أن يكون الشكل فارقاً بين الكلمتين، وسمَّاه أسامة بن منقذ تجنيس التحريف، وهو تسمية فظيعة، فتسميتُه بتجنيس التشكيل أَوْلى.

قوله: {مَنْ أَسْلَمَ} «مَنْ» يجوز أن تكون نكرةً موصوفة واقعةً موقعَ اسمِ جمع، أي: أول فريق أسلم، وأن تكون موصولة أي: أول الفريق الذي أسلم. وأفرد الضمير في «اسلم» إمَّا باعتبار لفظ «فريق» المقدَّر، وإمَّا باعتبار لفظ «مَنْ» وقد تقدَّم الكلام على «أول» وكيف يُضاف إلى مفرد بالتأويل المذكور في البقرة.

قوله: {وَلَا تَكُونَنَّ} فيه تأويلان، أحدهما على إضمار القول أي: وقيل لي: لا تكونَنَّ، قال أبو البقاء:«ولو كان معطوفاً على ما قبله لفظاً لقال: و» أنْ لا أكون «وإليه نحا أبو القاسم الزمخشري فإنه قال:» ولا تكونَنَّ: وقيل لي لا تكونَنَّ ومعناه: وأُمرت بالإِسلام ونُهيت عن الشرك «والثاني: أنه معطوف على معمول» قل «حملاً على المعنى، والمعنى: قل إني قيل لي:

ص: 558

كن أولَ مَنْ أسلم ولا تكونن من المشركين [فهما] جميعاً محملان على القول، لكن أتى الأول بغير لفظ القول وفيه معناه، فحمل الثاني على المعنى. وقيل] : هو عطف على» قل «أُمِرَ بأن يقول كذا ونهى عن كذا.

ص: 559

قوله تعالى: {إِنْ عَصَيْتُ} : شرط حُذِفَ جوابه لدلالة ما قبله عليه، ولذلك جيء بفعل الشرط ماضياً، وهذه الجملة الشرطية فيها وجهان، أحدهما: أنه معترضٌ بين الفعل وهو «أخاف» وبين مفعوله وهو «عذاب» . والثاني: أنها في محلِّ نصب على الحال. قال الشيخ: «كأنه قيل: إني أخاف عاصياً ربِّي» وفيه نظرٌ، إذ المعنى يأباه. و «أخاف» وما في حَيِّزه. خبر ل «إنَّ» وما في حيزها في محل نصب ب «قل» .

ص: 559

قوله تعالى: {مَّن يُصْرَفْ} : «مَنْ» شرطية، ومحلُّها يحتمل الرفع والنصب كما سيأتي بيانه بعد ذِكْر القراءتين فنقول: قرأ الأخوان وأبو بكر عن عاصم: «يَصْرِف» بفتح الياء وكسر الراء على تسمية الفاعل. والباقون بضمِّ الياء وفتح الراء على ما لم يُسَمَّ فاعله.

فأمَّا القراءة الأولى ف «مَنْ» فيها تحتمل الرفع والنصب: فالرفع من وجه واحد وهو الابتداء، وخبرها فعل الشرط أو الجواب أو هما، على حسب الخلاف، وفي مفعول «يَصْرِف» حينئذ احتمالان، أحدهما: أنه مذكور وهو «يومئذ» ، ولا بد من حذف مضاف أي: يَصْرِف الله عنه هَوْل يؤمئذ - أو عذاب يومئذ - فقد رحمه، فالضمير في «يَصْرِف» يعود على الله تعالى، ويدلُّ عليه قارءة أُبَيّ بن كعب «مَنْ يَصْرِف اللَّهُ» بالتصريح به. والضميران في «عنه» و «رَحِمَة» ل «مَنْ» والثاني: أنه محذوف لدلالة ما ذكر

ص: 559

عليه قبل ذلك أي: مَنْ يَصْرف اللَّهُ عنه العذابَ. و «يومئذ» منصوبٌ على الظرف. وقال مكي: «ولا يَحْسُن أن تقدَّرَ هاءً؛ لأن الهاء إنما تُحْذف من الصلات» . قلت: يعني أنه لا يُقَدَّرُ المفعولُ ضميراً عائداً على عذاب يوم؛ لأن الجملة الشرطية عنده صفةٌ ل «عذاب» والعائد منها محذوف، لكنَّ الحذف إنما يكون من الصلة لا من الصفة، وهذا معنى قول الواحدي أيضاً، إلا أنَّ قولَ مكيّ «إنما يُحْذف من الصلات» يريد في الأحسن، وإلَاّ فيحذف من الصفات والأخبار والأحوال، ولكنه دون الصلة.

والنصب من وجهين أحدهما: أنه مفعول مقدَّمٌ ل «يَصْرِف» والضمير في «عنه» على هذا يتعيَّن عَوْدُه على العذاب المتقدم، والتقدير: أيَّ شخص يَصْرِف اللَّهُ عن العذاب. والثاني: أنه منصوب على الاشتغال بفعل مضمر لا يبرز، يفسره هذا الظاهر من معناه لا من لفظه، والتقدير: مَنْ نُكْرِمْ أو مَنْ نُنَجِّ يَصْرِفِ الله. والضمير في «عنه» للشرطية. وأمَّا مفعول «يَصْرِفْ» على هذا فيحتمل الوجهين المتقدمين، أعني كونه مذكوراً وهو «يومئذ» على حذفِ مضاف، أو محذوفاً اختصاراً.

وأمَّا القراءة الثانية ف «مَنْ» تحتمل وجهين، أحدهما: أنها في محل رفعٍ بالابتداء، وخبره ما بعده على ما تقدَّم، والفاعل المحذوف هو الله تعالى، يدلُّ عليه قراءة أبي المتقدمة، وفي القائمِ مَقامَه أربعةُ أوجه، أحدهما: أنه ضمير العذاب، والضمير في «عنه» يعود على «مَنْ» فقط، والظرف فيه حينئذ ثلاثة أوجه، أحدها: أنه منصوب ب «يُصْرَف» الثاني: أنه منصوب بالعذاب أي: الذي قام ضميره مقام الفاعل، قاله أبو البقاء، ويلزم

ص: 560

منه إعمال المصدر مضمراً، وقد يقال: يُغْتفر ذلك في الظروف.

الثالث: قال أبو البقاء: «إنه حال من الضمير» قلت: يعني الضمير الذي قام مقام الفاعل، وجاز وقوعُ الحال ظرف زمان لأنها عن معنًى لا عن جثة.

الثاني من الأوجه الأربعة: أن القائم الفاعل ضمير «مَنْ» والضمير في «عنه» يعود على العذاب، والظرف منصوب: إمَّا ب «يُصْرف» ، وإمَّا على الحال من هاء «عنه» . والثالث من أوجه العامل في «يومئذ» متعذَّر هنا وهو واضح، والتقدير: أي شخصٍ يُصْرف هو عن العذاب. الثالث: أن القائم مقام الفاعل «يومئذ» إمَّا على حذف مضاف أي: من يُصرف عنه فَزَعُ يومئذ أو هول يومئذ، وإمَّا على قيام الظرف دون مضاف كقولك:«سير يوم الجمعة» وإنما بُني «يومئذ» على الفتح لإِضافته إلى غير متمكن، ولو قرئ بالرفع لكان جائزاً في الكلام، وقد قرئ:{ومِنْ خزي يؤمئذ} فتحاً وجراً بلاعتبارين، وهما اعتباران متعايران، فإن قيل: يلزمُ على عدم تقدير حذف المضاف إقامةُ الظرف غير التام مقامَ الفاعل، وقد نصُّوا على أن الظرف المقطوع عن الإِضافة لا يُخبر به ولا يقوم مقام فاعل، لو قلت:«ضُرب قبلُ» لم يجز، والظرف هنا في حكم المقطوع عن الإِضافة فلا يجوز قيامه مقام / الفاعل إلا على حذف مضاف، فالجواب أن هذا في قوة الظرف المضاف، إذ التنوين عوضٌ عنه، وهذا ينتهض على رأي الجمهور، أما الأخفش فلا، لأن التنوين عنده تنوين صَرْفٍ والكسر كسر إعراب، وقد أوضحت ذلك إيضاحاً شافياً في غير هذا الموضوع.

ص: 561

الرابع: أن القائم مَقامَه «عنه» والضمير في «عنه» يعود على «مَنْ» و «يومئذ» منصوب على الظرف، والعامل فيه «يُصْرَفْ» ولا يجوز الوجهان الأخيران، أعني نصبَه على الحال؛ لأنَّ الضميرَ للجُثَّة، والزمانُ لا يقع حالاً عنهما كما لا يقع خبراً، وأعني كونَه معمولاً للعذاب، إذ ليس هو قائماً مقام الفاعل.

والثاني من وجهي «مَنْ» : أنها في محل نصب بفعل مضمر يفسره الظاهر بعده، وهذا إذا جعلنا «عنه» في محل نصب بأَنْ يُجْعَلَ القائم مقام الفاعل: إمَّا ضميرَ العذاب وإمَّا «يومئذ» والتقدير: مَنْ يكرم اللَّهُ أو من يُنَجِّ يُصْرف عنه العذابُ أو هولُ يومئذ، ونظيره:«زيدٌ مُرَّ به مرورٌ حسن» ، أقمت المصدر فبقي «عنه» منصوب المحل، والتقدير: جاوزت زيداً مُرَّ به مرورٌ حسن. وأمَّا إذا جُعل «عنه» قائماً مقام الفاعل تعيَّن رَفْعُه بالابتداء.

واعلم أنه متى قلت: منصوب على الاشتغال فإنما يُقَدَّر بعد «مَنْ» لأنَّ لها صدر الكلام، ولذلك لم أُظْهِره إلا مؤخراً، ولهذه العلَّةِ منه بعضهم الاشتغالَ فيما له صدر الكلام كالاستفهام والشرط. والتنوين في «يومئذ» عوض عن جملة محذوفة تضمَّنها الكلام السابق، التقدير: يوم إذ يكون الجزاء، وإنما قلت كذلك لأنه لم يتقدَّم في الكلام جملةٌ مُصَرَّحٌ بها يكون التنوين عوضاً منها، وقد تقدَّم خلاف الأخفش.

وهذه الجملة الشرطية يجوز فيها وجهان: الاستئناف والوصف ل «عذاب يوم» ، فحيث جعلنا فيها ضميراً يعود على عذاب يوم إمَّا مِنْ «يُصْرف» وإمَّا مِنْ «عنه» جاز أن تكونَ صفةً وهو الظاهر، وأن تكونَ مستأنفةً، وحيث لم نجعلْ فيها ضميراً يعود عليه - وقد عرفت كيفية ذلك - تَعَيَّن أن تكون مستأنفة، ولا يجوز أن تكون صفةً لخلوِّها من الضمير.

وقد تكلَّم الناس في ترجيح إحدى هاتين القراءتين على الأخرى، وذلك

ص: 562

على عادتهم، فقال أبو علي الفارسي:«قراءة» يَصْرِفْ «يعني المبنيَّ للفاعل أحسن لمناسبة قوله» رحمه «. يعني أن كلاً منهما مبني للفاعل ولم يقل» فقط رُحِمَ «. واختارها أبو حاتم وأبو عبيد، ورجَّح بعضهم قراءة المبني للمفعول بإجماعهم على قراءة قوله: {ليس مصروفاً عنهم} يعني في كونه أتى بصيغة اسم المفعول المسند إلى ضمير العذاب المذكور أولاً. ورجَّحها محمد بن جرير بأنها أقلُّ إضماراً ومكي رحمه الله تلعثهم في كلامه في ترجيحه لقراءة الأخوين وأتى بأمثلةٍ فاسدةٍ في كتاب» الهداية «له، قاله ابن عطية. وقد قدَّمْتُ أول الكتاب عن العلماء ثعلب وغيره أن ذلك - أعني ترجيحَ إحدى القراءات المتواترة على الأخرى بحيث تُضَعَّفُ الأخرى - ولا يجوز. والجملة من قوله:{يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} في محل جزم على جواب الشرط، والفاء واجبة.

قوله: {وَذَلِكَ الفوز} مبتدأ وخبر جيء بهذه الجملة مقرِّره لما تقدَّم من مضمون الجملةِ قبلها، والإِشارة ب» ذلك «إلى المصدر المفهوم من قوله» يُصْرف «أي ذلك الصرف. و» المبين «يحتمل أن يكون متعدِّياً فيكون المفعول محذوفاً أي: المبين غيرَه، وأن يكون قاصراً بمعنى يبين، وقد تقدَّم أن» أبان «يكون قاصراً بمعنى ظهر، ومتعدياً بمعنى أظهر.

ص: 563

قوله تعالى: {بِضُرٍّ} : الباء هنا للتعدية وكذا في «بخير» والمعنى: وإن يمسسك الله الضرَّ أي: يجعلك ماسَّاً له، وإذا مسست الضر

ص: 563

فقد مَسَّك، إلا أنَّ التعدية بالباء في الفعل المتعدي قليلة جداً، ومنه قولهم: صَكَكْتُ أحد الحجرين بالآخر. وقال الشيخ: «ومنها قوله:» ومنها قوله: {وَلَوْلَا دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة: 251] . وقال الواحدي: «إن قيل: إنَّ المسَّ من صفة الأجسام فكيف قال: وإن يمسَسْك الله؟ فالجواب أن الباء للتعدية والباء والألف يتعاقبان في التعدية، والمعنى: إن أَمَسَّك الله ضراً أي: جعله ماسَّك فالفعل للضرّ وإن كان في الظاهر قد أسند إلى اسم الله تعالى كقولك:» ذهب زيد بعمرو «وكان الذهاب فعلاً لعمرو، غير أنَّ زيداً هو المسبب له والحامل عليه، كذلك ههنا المسُّ للضرِّ والله تعالى جعله ماسَّاً.

قوله: {فَلَا كَاشِفَ لَهُ} » له «: خبر لا، وثَمَّ محذوف تقديره: فلا كاشفَ له عنك، وهذا المحذوفُ ليس متعلقاً ب» كاشف «إذ كان يلزم تنوينه وإعرابه بل يتعلق بمحذوف أي: أعني عنه.

و» إلا هو «فيه وجهان: أحدهما: أنه بدل من محل» لاكاشف «فإن محله الرفع على الابتداء، والثاني: أنه بدل من الضمير المستكنِّ في الخبر، ولا يجوز أن/ يرتفع باسم الفاعل وهو» كاشف «لأنه يصير مطولاً ومتى كان مطوَّلاً أُعْرب نصباً، وكذلك لا يجوزُ أن يكونَ بدلاً من الضمير المستكنِّ في» كاشف «للعلة المتقدمة، إذ البدل يحلُّ محل المبدل منه.

فإن قيل: المقابل للخير هو الشر فكيف عَدَلَ عن لفظ الشر؟ والجواب أنه أراد تغليب الرحمة على ضدها فأتى في جانب الشر بأخص منه وهو الضرُّ، وفي جانب بالعام الذي هو الخير تغليباً لهذا الجانب. قال

ص: 564

ابن عطية:» ناب الضرُّ هنا مناب الشرُّ وإن كان الشر أعمَّ منه فقابل الخير، وهذا من الفصاحة عدول عن [قانون التكليف والصيغة، فإن باب التكليف وصيغ الكلام] أن يكون الشيء مقترناً بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقةً أو مضاهاة، فمن ذلك:{إِنَّ لَكَ أَلَاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تعرى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تضحى} [طه: 118119] فجاء بالجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ ومنه قول امرئ القيس:

187 -

5- كأنّيَ لم أركبْ جواداً لِلَّذةٍ

ولم أَتَبَطَّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخال

ولم أَسْبَأ الزِّقَّ الرَّويَّ ولم أقْلْ

لخيلي كُرِّي كَرَّةً بعد إجْفالِ

ولم يوضح ابن عطية ذلك. وإيضاحه في آية طه اشتراك الجوع والعري في شيء خاص وهو الخلوُّ، فالجوع خلوٌّ وفراغ في الباطن، والعريُّ خلوٌّ وفراغ في الظاهر، واشتراك الظمأ والضحى في الاحتراق، فالظمأ احتراق في الباطن ولذلك تقول:«بَرَّد الماء حرارة كبدي وأوام عطشي» ، والضحى: احتراق الظاهر.

وأمَّا البيتان فالجماع بين الركوب للَّذة وهو الصيد وتبطُّن الكاعب اشتراكهما في لذة الاستعلاء والقهر والاقتناص والظفر بمثل هذا المركوب، ألا ترى تسميتهم هَنَ المرأة «رَكَباً» بفتح الراء والكاف وهو فَعَل بمعنى مَفْعول كقوله:

187 -

6- إنَّ لها لَرَكَباً إرْزَبَّا

كأنه جبهةُ ذَرَّى حَبَّا

ص: 565

وأما البيت الثاني فالجامعُ بين سبأ الخمر والرجوع بعد الهزيمة اشتراكهما في البذل، فشراء الخمر بَذْل المال، والرجوع بعد الانهزام بذل الروح. وقدَّم تبارك وتعالى مَسَّ الضرِّ على مسِّ الخير لمناسبة اتصال مسِّ الضر بما قبله من الترهيب المدلول عليه بقوله: إن أخاف. وجاء جواب الشرط الأول بالحصر إشارةً إلى استقلاله بكشف الضر دون غيره، وجاء الثاني بقوله {فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} إشارةً إلى قدرته الباهرة فيندرجُ فيها المَسُّ بخير وغيره، على أنه لو قيل: إن جواب الثاني محذوف لكان وجهاً أي: وإنْ يَمْسَسْك فلا رادَّ لفضله للتصريح بمثله في موضع آخرَ.

ص: 566

قوله: {فَوْقَ} : فيه أوجه أظهرها: أنه منصوب باسم الفاعل قبله. والفوقيَّةُ هنا عبارة عن الاستعلاء والغلبة. والثاني: أنه مرفوع على أنه خبر ثان، أخبر عنه بشيئين أحدهما: أنه قاهرٌ، والثاني: أنه فوق عباده بالغلبة والقهر. الثالث: أنه بدلٌ من الخبر. الرابع: أنه منصوبٌ على الحالِ من الضمير في «القاهر» كأنه قيل: وهو القاهرُ مُسْتعلياً أو غالباً، ذكره المهدوي وأبو البقاء الخامس: أنها زائدةٌ، والتقدير وهو: القاهر عباده، ومثلُه:{فاضربوا فَوْقَ الأعناق} [الأنفال: 12] وهذا مردودٌ، لأن الأسماء لا تُزاد.

ص: 566

قوله تعالى: {أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ} : مبتدأ وخبر، وقد عَرَفْتَ مما مرَّ «أيَّاً» بعضُ ما تضاف إليه، فإذا كانت استفهاميةً اقتضى الظاهرُ أن تكون مسمَّى باسم ما أضيفت إليه. قال أبو البقاء:«وهذا يوجب أن يُسَمَّى الله تعالى» شيئاً «فعلى هذا تكون الجلالةُ خبرَ مبتدأ محذوف أي: ذلك الشيء

ص: 566

هو الله تعالى. ويجوز أن تكون الجلالة مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: الله أكبر شهادة. و» شهيد «على هذين القولين خبرُ مبتدأ محذوف أي: هو شهيد بيني وبينكم. والجملة من قوله: {قُلِ الله} على الوجهين المتقدمين جواب ل» أيّ «من حيث اللفظ والمعنى. ويجوز أن تكون الجلالة مبتدأ، و» شهيد «خبرها، والجملة على هذا جوابٌ ل» أيّ «من حيث المعنى أي: إنها دالة على الجواب وليست به.

قوله: {شَهَادةً} نصبٌ على التمييز، وهذا هو الذي لا يَعْرِفُ النحاةُ غيرَه. وقال ابن عطية:» ويَصِحُّ على المفعول بأن يُحْمَلَ «أكبر» على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل «. وهذا ساقطٌ جداً. إذ نصَّ النحويون على أن معنى شبهها باسم الفاعل في كونها تؤنث وتثنَّى وتجمع، وأفعلُ مِنْ لا يؤنَّثُ ولا يُثَنَّى ولا يُجْمع فلم يُشْبِه اسم الفاعل، حتى إن الشيخ نسب هذا الخِباط إلى الناسخ دون أبي محمد.

قوله: {بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} متعلِّقٌ ب» شيهد «وكان الأصل: قل الله شهيد بيننا فكُرِّرَتْ» بين «توكيداً، وهو نظير قوله:

187 -

7- فأيِّي ما وأيُّك كان شراً

فَسِيقَ إلى المَقامةِ لا يراها

وقوله:

187 -

8- يا ربَّ موسَى أظلمي وأَظْلَمُهْ

فاصْبُبْ عليه ملِكاً لا يَرْحَمُهْ

وقوله:

187 -

9-

ص: 567

فلئِنْ لَقِيْتُك خالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنْ

أيِّي وأيُّك فارسُ الأحزابِ

والجامع بينها أنه لَمَّا أضاف إلى الياء وحدها احتاج إلى تكرير ذلك المضاف. وجَوَّز أبو البقاء أن يكون» بيني «متعلقاً بمحذوفٍ على أنه صفة لشهيد فيكون في محل رفع، والظاهر خلافه.

قوله: {وَأُوحِيَ} الجمهور على بنائه للمفعول وحُذِف الفاعلُ للعِلْمِ به وهو الله تعالى.» والقرآن «رفع به. وقرأ أبو نهيك والجحدري وعكرمة وابن السَّمَيْفَع.» وأَوْحَى «ببنائه للفاعل،» القرآن «نصباً على المفعول به. و» لأنذركم «متعلِّقٌ ب» أُوحِي «قيل: وثَمَّ معطوف حُذف لدلالة الكلام عليه أي: لأنذركم به وأبَشِّركم به، كقوله:{تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] وتقدَّم منه جملةٌ صالحة. وقيل: لا حاجة إليه لأن المَقام مَقامُ تخويف.

قوله: {وَمَن بَلَغَ} فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه في محل نصب عطفاً على المنصوب في» لأُنْذِرَكم «وتكون» مَنْ «موصولة والعائدُ عليها مِنْ صلتها محذوف أي: ولأنذَر الذي بلغه القرآن.

والثاني: أنَّ في «بَلَغ» ضميراً مرفوعاً يعود على «مَنْ» ويكون المفعولُ محذوفاً، وهو منصوب المحل أيضاً نسقاً على مفعول «لأنذركم» ، والتقدير: ولأنذر الذي بَلَغ الحُلُمَ، فالعائد هنا مستتر في الفعل. والثالث: أن «مَنْ» مرفوعةُ المحلِّ نَسَقاً على الضمير المرفوع في «لأنذرَكم» وجاز ذلك لأنَّ الفصلَ بالمفعول والجارِّ والمجرور أغنى عن تأكيده، والتقدير: لأنذركم به ولينذركم الذي بلغه القرآن.

قوله: {أَئِنَّكُمْ} الجمهور على القراءة بهمزتين أولاهما للاستفهام، وهو استفهام تقريعٍ وتوبيخ، وقد تقدَّم الكلام في قراءاتٍ مثلِ هذا. قال

ص: 568

الشيخ: «وبتسهيل الثانية وبإدخال ألفٍ بين الهمزة الأولى والهمزةِ المُسَهَّلَة، روى هذا الأخيرةَ الأصمعيُّ عن أبي عمرو ونافع» . انتهى. وهذا الكلام يُؤذن بأنها قراءة مستغربة وليس كذلك، بل المرويُّ عن أبي عمرو المدُّ بين الهمزتين، ولم يُخْتَلَفْ عن قالون في ذلك. وقرئ بهمزة واحدة وهي محتملة للاستفهام وإنما حُذفت لفهم المعنى، ودلالة القراءة الشهيرة عليها، وتحتمل الخبر المحض.

ثم هذه الجملة الاستفهامية يحتمل أن تكون منصوبةَ المحلِّ لكونها في حيز القول وهو الظاهر، كأنه أُمِرَ أن يقول: أيُّ شيء أكبرُ شهادةً، وأن يقول: أإنكم لتشهدون. ويحتمل أن لا تكونَ داخلةً في حيِّزه فلا محلَّ لها حينئذ. و «أخرى» صفةٌ ل «آلهة» لأنَّ ما لا يَعْقِل يُعامَل جمعُه معاملةَ الواحدةِ المؤنثة كقوله: {مَآرِبُ أخرى} [طه: 18] و {الأسمآء الحسنى} [الأعراف: 180] .

قوله: {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} يجوز في «ما» هذه وجهان، أظهرهما: أنها كافة ل «إنَّ» عن عملها، و «هو» مبتدأ، و «إله» خبر و «واحد» صفته. والثاني: أنها موصولة بمعنى الذي و «هو» مبتدأ «وإليه» خبره، وهذه الجملةُ صلةٌ وعائد، والموصول في محل نصب اسماً ل «إن» ، و «واحد» خبرها. والتقدير: إن الذي هو إله واحد، ذكره أبو البقاء، وهو ضعيفٌ، ويدلُّ على صحة الوجه الأولِ تعيُّنُه في قوله تعالى:{إِنَّمَا الله إله وَاحِدٌ} [النساء: 171]، إذ لا يجوز فيه أن تكون موصولة لخلوِّ الجملة من ضمير الموصول. وقال أبو البقاء: - في هذا الوجه - «وهو أليقُ مما قبله» ولا أدري ما وجه ذلك؟ .

ص: 569

قوله تعالى: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب} : الموصول مبتدأ، و «يَعْرِفونه» خبره والضميرُ المنصوبُ يجوز عَوْدُه على / الرسول أو على القرآن لتقدُّمه في قوله:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذا القرآن} أو على التوحيد لدلالة قوله: {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} أو على كتابهم أو على جميع ذلك. وأَفْرد الضمير باعتبار المعنى كأنه قيل: يعرفون ما ذَكَرْنا وقصصنا. وقد تقدَّم إعراب هذه الجملة في البقرة.

قوله: {الذين خسروا} في محله أربعة أوجه، أظهرها: أنه مبتدأ، وخبره الجملة من قوله:{فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ودخلت الفاء لما عَرَفْتَ من شبه الموصول بالشرط. الثاني: أنه نعت للذين آتيناهم الكتاب. قال الزجاج الثالث: أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هم الذين خسروا. الرابع: أنه منصوبٌ على الذم، وهذان الوجهان فرعان على النعت لأنهما مقطوعان عنه، وعلى الأقوال الثلاثة الأخيرة يكون {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} من باب عَطْفِ جملة اسمية على مثلها، ويجوز أن يكونَ عطفاً على «خسروا» وفيه نظرٌ من حيث إنَّه يؤدِّي إلى ترتُّب عدم الإِيمان على خسرانهم. والظاهر أن الخُسْران هو المترتِّبُ على عدم الإِيمان، وعلى الوجه الأول يكون الذين خسروا أعمَّ من أهل الجاحدين من المشركين، وعلى غيره خاصاً بأهل الكتاب، والتقدير: الذين خسروا أنفسهم منهم أي: من أهل الكتاب.

واسْتُشْكِل على كونه نعتاً الاستشهادُ بهم على كفار قريش وغيرهم من العرب، يعني كيف يُسْتشهد بهم ويُذَمُّون في آية واحدة؟ فقيل: إن هذا سِيق للذمِّ لا للاستشهاد. وقيل: بل سيق للاستشهاد وإن كان في بعض الكلام ذمٌّ

ص: 570