المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قلت: تقدم من كلام ابن خلدون أنه جاء رسولا في - أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض - جـ ٢

[المقري التلمساني]

الفصل: قلت: تقدم من كلام ابن خلدون أنه جاء رسولا في

قلت: تقدم من كلام ابن خلدون أنه جاء رسولا في شأن ابن الخطيب، وذلك خلاف هذين التارخين معاً، فتأمله.

وله رحمه الله بحث في مسألة الدعاء بعد الصلاة، رام فيه الرد على الشيخ الإمام أبي إسحاق الشاطبي، حسبما نقله صاحب المعيار. ومن تآليفه رحمه الله:" كتاب المرقبة العُليا، في مسائل القضا والفتيا " في جزأين، وهو كتاب ممتع إلى الغاية، وقفت على الجزء الأول منه، وقد ذكر في أثنائه أخبار سلفه رحمه الله، ولم أقف من أمره على غير ما ذكرته في هذا الموضوع. وقد قدمنا أنه كان مع السلطان أبي عبد الله بن الأحمر المخلوع حين رجع إلى طلب ملكه من المغرب؛ ورأيت لبعض المتأخرين وصفه بالقاضي الأجل ذي الوزارتين. والله أعلم.

‌ابن زمرك

وأما ابن زمرك فهو محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الصريحي، أبو عبد الله، ويعرف بابن زمرك. هكذا ذكر غير واحد من المحققين، وسيأتي في كلام ابن الأحمر حذف " محمد " فيما بين " أحمد " و " يوسف "، ولعله من باب النسبة إلى الجد، والله أعلم.

قال ابن الخطيب في الإحاطة: ولد هذا الفاضل بغرناطة، ونشأ بها،

ص: 7

وهو من مفاخرها، وكان صدراً من صدور طلبة الأندلس، وأفراد نجبائها، مختصا مقبولاً، هشا خلوبا، عذب الفكاهة، حلو المجالسة، حسن التوقيع، خفيف الروح، عظيم الانطباع، شره المذاكرة، فطناً بالمعاريض، حاضر الجواب، شعلة من شعل الذكاء، تكاد تحتدم جوانبه، كثير الرقة، فكهاً غزلا، مع حياء وحشمة، جواداً بما في يده، مشاركاً لإخوانه؛ نشأ عفا طاهرا، كلفاً بالقراءة، عظيم الدؤب، ثاقب الذهن، أصيل الحفظ، ظاهر النبل، بعيد مدى الإدراك، جيد الفهم؛ اشتهر فضله، وذاع أرجه، وفشا خبره، واضطلع بكثير من الأغراض، وشارك في جملة من الفنون، فأصبح متلقف كرة البحث، وصارخ الحلقة، وسابق الحلبة، ومظنة الكمال؛ ثم ترق في درج المعرفة والاطلاع، وخاض لجة الحفظ، وركض قلم التسويد والتقييد والتعليق، ونصب نفسه للناس متكلماً فوق الكرسي المنصوب، وبين الحفل المجموع، مستظهراً بالفنون التي بعد فيها شأوه، من عربية وبيان، وما تقذف به لجة النقل من أخبار وتفسير، متشوفا مع ذلك إلى السلوك مصاحباً للصوفية، آخذاً نفسه بارتياض ومجاهدة؛ ثم عانى الأدب، فكان أملك به.

ورحل في طلب العلم والازدياد، فترقى إلى الكتابة عن ولد السلطان أمير المسلمين بالمغرب أبي سالم بن أبي الحسن، وعرف في بابه بالإجادة، ثم رجع مع السلطان ابن الأحمر في طلب ملكه، فلطف محله منه، وخصه بكتابة سره،) وثابت

ص: 8

الحال، ودالت الدولة، وكانت له الطائلة، فأقره على رسمه (، معروف الانقطاع والصاغية، كثير الدالة، مضطلعاً بالخطة: خطا، وإنشاء، ولسناً، ونقداً؛ فحسن منابه، واشتهر فضله، وظهرت مشاركته، وحسنت وساطته، ووسع الناس تخلقه، وامتد في ميدان النظم والنثر باعه، فصدر عنه من المنظوم قصائد بعيدة الشأو في مدى الإجادة، من الإغراض المتعددة، من ميلاديات وغيرها، وهو بحالة الموصوفة إلى الآن، أعانه الله وسدده.

وأخذ العربية عن رحلة الوقت في فنها، أبي عبد الله) بن الفخار؛ ثم على إمامها القاضي الشريف، إمام الفنون اللسانية، أبي القاسم محمد بن أحمد الحسني؛ والفقه والعربية على الأستاذ المفتي أبي سعيد بن لب؛ واختص بالفقيه المحدث الصدر أبي عبد الله (بن مرزوق، روى عنه كثيراً؛ ولقي الحافظ القاضي أبا عبد الله المقري لما قدم الأندلس رسولا، وذاكره؛ وقرأ الأصول على أبي علي منصور الزواوي؛ وروى عن القاضي أبي البركات بن الحاج، والمحدث أبي الحسين بن التلمساني، والخطيب ابن اللوشي، والمقرئ أبي عبد الله بن بيبش؛ وقرأ بعض الفنون العقلية بفاس على الشريف الرحلة أبي عبد الله العلوي التلمساني، واختص به اختصاصاً لم يخل فيه من استفاردة، وحنكة في الصناعة.

وأما شعره فمترامٌ إلى نمط الإجادة خفاجي النزعة، كلف بالمعاني البديعة، والألفاظ الصقيلة، غزير المادة

ص: 9

مولده في رابع عشر شوال عام ثلاثة وثلاثين وسبع مئة.

انتهى كلام ابن الخطيب.

وأورد له ابن الخطيب فيما يرجع إلى الفخر قوله - قال ابن الخطيب: ولقد صدق -:

ولائمتي في الجود والجود شيمتي

جبلت على إيثارها يوم مولدي

ذريني فلو أني أُخلد بالغنى

لكنت ضنيناً بالذي ملكت يدي

وأورد له ايضاً قوله:

لقد علم الله أني امرؤ

أجر رثوب العفاف القشيب

فكم غمض الدهر أجفانه

وفازت قداحي بوصل الحبيب

وقيل رقيبك في غفلة

فقلت أخاف الإله الرقيب

وله أيضاً رحمه الله:

ما لي بحمل الهوى يدان

من بعد ما أعوز التداني

أصبحتُ أشكو إلى زمانٍ

ما بتُّ منه على أمانِ

ما بال عينيك تسجمان

والدمعُ يرفضّ كالجُمان

ما ذاك والإلف عنك وانٍ

والبعدُ من بعده كَواني؟

يا شِقوة من هوانٍ

لججتُ في أَبحُر الهوان

ص: 10

لم يَثنِنِي عن هواك ثانٍ

يا بُغيةَ القلب قد كفاني

انتهى.

ثم أظلم الجو بينه وبين ابن الخطيب، وتولى مكانه بعد فراره كما قدمناه؛ وحظي عند ابن الأحمر جدا، وبقي على ذلك مدة.

قلت: وقد رأيت بتلسان كتاباً ملوكياً من تأليف بعض سلاطينها بني الأحمر، وهو حفيد ابن الأحمد المخلوع، سلطان الأندلس، الذي كتب له ابن زمرك المذكور بعد ابن الخطيب، أورد فيه كلام ابن زمرك، وسماه:" البقية والمدرك، من كلام ابن زمرك "، وهو سفر ضخم، ليس فيه إلا نظمه فقط؛ وذكر فيه أن ابن زمرك مات قتيلاً بعد التسعين وسبع مئة، فكان ذلك الواقع له مساوياً لما وقع لابن الخطيب شيخه، حسبما قدمناه.

ونص ما قيدت من ذلك الكتاب من أوله: " أما بعد ما يجب من حمد الله تعالى في كل حال، وشكره على ما أولى ويسر من صلاح الأحوال؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد صفوة الأنبياء، وسيد الأرسال، والرضا عمن له من صحب وأنصار وآل؛ فإن من المعلوم أن الأدب له بالنفس علاقة تؤديه إلى الاستحسان، وتؤثر من اشتهر به بالملاحظة بلحظ الحظ مع تعاقب الأحيان؛ ولا خفاء أن أيام مولانا الجد المقدس، الغني بالله، تولاه الله برضوانه، كانت غرراً في وجوه الأيام، ومواسم تجمع الطم والرم

ص: 11

من الرؤساء الأعلام؛ الآخذين بأعنة الكلام، السابقين في حلبة النثار والنظام؛ وأن الفقيه الرئيس المدرك، الناظم الناثر أبا عبد الله محمد بن يوسف ابن زمرك؛ عفا الله عنه - وحسبك بمن ارتضاه مولانا) الجد رحمه الله لكتابته، وصرفه في الوجوه المتعددة من رسالته وحجابته؛ فكان بذلك خليقاً، لما جمع فيه من أدوات الكمال علماً وتحقيقا؛ وإدراكاً ونُبلا، وفقها وأوصولاً، وفروعاً وأدباً وتحصلا، وبياناً وتفسيراً ونظما وترسيلا - لما كان قد أخفت الأيام سنى صبحه، وخابت وسائل نصحه، وعادت بعدوانها بعد فوز قدحه؛ وعثر بين أقدام أقوام لا يعرفون أي ذخر فقدوا، ولا أي مطلق من تصرفاته الجميلة قيدوا؛ مستبصرين بالجهل في دياجي غيهم، معجبين بما ارتكبوه من جياد بغيهم؛ جميعهم يلحظه بمقل داميه، وألفاظ حامية؛ يصابحونه بأوجه خلت عن الوجاهة، سيماها الحسد، وضميرها السخط بما قدره الواحد الصمد.

فخرّ على الألاءة لم يُوَسَّد

كأن جَبِينَه سيفٌ صَقيلُ

فيا لله من أشلاء هنالك ضائعة، وأعلاق غير مصونة، ووسائل مخفورة؛ وأذمة قطعت أرحامها، ولم يرع ذمامها؛ وعاثت الأيدي الفاتكة حينئذ على بنيه، وارتكبوها شنعاءَ في أهله وذويه.

ص: 12

هل كان إلا حيا تحيا العبادُ به

هل كان إلا قذى في عين ذي عَوَرِ

إن قال قولا تَرَ الأبصارَ خاشعةً

لِمَا يُخبِّر من وَحيٍ ومن أثَر

يا لَهف نفسيَ لو قد كنتُ حاضرَه

غداةَ جُرِّعه أدهى مِنَ الصَّبر

لَما تركتُ له شِلوا بِمَضيعةٍ

ولا تولّى صريعَ الناب والظُّفُر

وكان ما كان مما لست أذكره

فظُنّ خيراً ولا تسأل عن الخَبر

وإن سأل سائل عن الخبر الذي ألمعنا بذكره، وضمنا هذا البيت ذروا من فظيع أمره؛ فذلك عند ما نسب صاحب الأمر إليه ما راب، وتله) وابنيه (للجبين معفرين بالتراب؛ وصدمه في جنح السيوف، وتعاورته الحتوف؛ وأذهبه سليباً قتيلا، مصيرا مصراع منزله كثيباً مهيلا، وتعاورته الحتوف؛ وأذهبه سليباً قتيلا، مصيرا مصراع منزله كثيباً مهيلا، وكنا على بُعد من هذه الآزفة التي أورثت القلوب شجناً طويلا؛ وذكرتنا بعناية مولانا) الجد (الغني بالله بجانبه أعظم ذكرى، فأغرينا برثائه خلدا وفكرا؛ وارتجلنا عند ذكره الآن هذه الأبيات إشارة مقنعة، وكانية في السلوان مطمعه؛ وأرضينا بالشفقة أو داءه، وأرغمنا بتأبينه أعداءه. ولما تبلج الصبح لذي عينين، وتلقينا راية الفرج بالراحتين؛ عطفتنا على أبنائه عواطف الشفقه، وأطلقنا لهم ما عاثت الأيدي عليه صلةً لرحم طالما أضاعها من جهل الأذمة، وأخفر عهود تخدمه لمن سلف من الأئمة؛ وصرفنا للبحث والتفتيش وجوه آمالنا، وجعلنا ضم ما نثرته الحوادث

ص: 13

من منظوماته من أكيد أعمالنا؛ وكان تعلق بمحفوظنا جملة وافرة من كلامه، مشتملة على ما راق وحسن من نثاره ونظامه؛ فأضفنا ذلك إلى ما وقع عليه اجتهادنا من رقاعه، الحائلة المنتهبة بأيدي النوائب، الدائرة المستلبة بتعدي النواهب؛ فخلص من الجملة قلائد عقيان، وعقود در ومرجان؛ ترتاح النفوس النفيسة لإنشادها، وتحسد الأبصار الأسماع عند إيرادها؛ إلى ما يتخللها من تخليد مآثر سلفنا، والإشادة بعظيم ملكنا؛ فشرعنا في تقييد أوابدها الشارده، وإحياء رسومها البائدة؛ كلفا بالأدب؛ لوضوح فضله، وتأدية لما يجب من رعاية أهله.

ولنبدأ بالتعريف بحال هذا الرئيس المنبه عليه، ونظهرها ما كنا نضمره من الميل إليه، في كل ما له أو عليه، فنقول: هو الفقيه الكاتب، الفذ الأوحد، أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن محمد ابن أحمد بن يوسف الصريحي، ويعرف بابن زمرك؛ أصله من شرق الأندلس، وسكن سلفه بالبيازين من غرناطة، وبها ولد؛ فنشأ ضئيلاً كالشهاب يتوقد، مختصر الجرم والأعين بإطالة فواضله تشهد، ومكتب الفئة القرآنية يؤثره بالجناب الممهد، فاشتغل أول نشأته بطلب العلم، والدؤوب على القراءة، وأخذ نفسه بملازمة حلقات التدريس، ولم يبلغ حد وجوب المفترضات إلا وهو متحمل الرواية، وملتمس لفائد الدرايه، مصابح كل يوم أعلام العلوم، ومستهدٍ بمصابيح الحدود العلمية والرسوم. فافتتح أبواب الكتب النحوية بالإمام أبي عبد الله ابن الفخار، الآية الكبرى في فن العربية، وتردد الأعوام العديدة إلى قاضي الجماعة أبي القاسم الشريف؛ فأحسن الإصغاء، وبذ النحاة البلغاء، بما أوجب رثاءه عند الوقوف على ضريحه بالقصيدة الفريدة، التي أولها:

ص: 14

أغرى سراة الحي بالإطراق

حسبما تأتى مستوفاة إن شاء الله تعالى. واهتدى إلى طريق الخطبة ومناهج الصوفية، بالخطيب المعظم أبي عبد الله بن مرزوق، الوافد على مولانا الجد أبي الحجاج رضي الله عنه في عام ثلاثة وخمسين وسبع مائة، وإليه جنح، وإياه قصد، عند تغربه إلى المغرب، في دولة السلطان أبي سالم، فتوجه بالعمامة التي ارتجل بين يديه فيها:

توجتني بعمامة

توجت تاج الكرامة

فروض حمدك يزهى

منى بسجع الحمامة

وأخذ علم الأصلين عن الحافظ الناقد أبي المنصور الزواوي، وبرع في الأدب، أثناء الانقطاع وأول الطلب لأبي عبد الله بن الخطيب، ولكن لم يحمد بينهما المآل. واقتدى في العلوم العقلية بالشريف أبي عبد الله التلمساني، قدوة الزمان؛ وحصلت له الإجازة والتحديث بقاضي الجماعة، وشيخ الجملة، أبي البكرات بن الحاج، وبالخطيب البليغ أبي عبد الله اللوشي، وبالخطيب الورع أبي عبد الله بن بيبش العبدري، رضي الله عن جميعهم. وبواجب محافظتنا على عهدهم، إذ نحن واردون بالإجازة التامة عذب وردهم، وصل سببنا بهم الكثير من شيوخنا، مثل الإمام المعظم أبي محمّد عبد الله بن جزي، ومعلمنا الثقة المجتهد أبي الله الشريشي، والقاضي الإمام أبي عبد الله محمّد بن علي علاق، وغيرهم رحمة الله عليهم. لذلك صار صدراً في نوادي طلبة الأندلس، وأفراد نجبائها؛ فما شاءه المحضر يجده في خضله، ويتلقاه من باهر فضله؛ فكاهة ومجالسة أنيقة ممتعة، ومحادثة أريضة مزهرة، وجواباً مطبقا للمفصل، وذهنا

ص: 15

سابقا لإيضاح المشكل؛ مع انقياد الطبع، وإرسال الدمعة، في سبيل الخشوع والرقة، ورشح الجبين عند تلقي الموعظة، وصون الوجه بجلباب الحياء، ومقابلة الناظر إليه بالاحتشام، والمبادرة للاستدعاء، على طهارة، وبذل وسع، وكرم نفس، لم يعهد أجمل مشاركة منه لإخوانه، ولا أمتع منه بجاهه، إلى مبالغة في الهشة والمبرة والإيثار بما منح، وجنوح إلى حب الصالحين، ذلك بالأنضواء إلى شيخ الفرق الصوفية، الولي أبي جعفر بن الزيات، وأخيه الفاضل الناسك شيخنا أبي مهدي، قدس الله مغناه، وسواهما من أهل الأندلس والعدوة، وحملة أشد الحمل على كل تلبس كأبي البرغوطي وسواه.

ومن تنديداته زعموا على أبي الحسن المحروق لميله عنه:

ولد الفقر والرباط ولكن

نفسه للسلوك ذات افتقار

وخطب الأدب يافعا وكهلا، وحاز علمه إدراكاً ونبلاً.

ولمّا كانت الحادثة على مولانا الجد رحمه الله، واجتاز إلى المغرب، كما تقرر في غير هذا، كلف به، وأنس إليه، لحلاوة منطق، ورفع استيحاش، ومراوضة خلق؛ ثم كرم الله وجهه في صحبه ركابه، فعلت منزلته، ولطف محله. وقفنا على وقعة من رقاعه وهو يبدي فيها ويعي، ويقول: " خدمته سبعاً وثلاثين سنة، ثلاثة بالمغرب، وباقيها بالأندلس، وأنشدته فيها ستاً وستين قصيدة، في ستّة وستين عيداً، وكل ما في منازله السعيدة، من القصور والرياض والدشار والسبيكة، من نظم الرائق، ومدح فائق، في القباب والطاقات والطرز وغير

ص: 16

ذلك فهو لي، وكانت أؤا كله وأؤا كل ابنه مولاي أبا الحاج وهما كبيرا ملوك أهل الأرض. وهنأته بكذا وكأنَّ قصيدة، وفوض لي في عقد الصلح بين الملوك بالعدوتين، وصلح النصارى عقدته تسع مرات، ألحسه فوض إلى ذلك "؟ قلنا: صدق في جميع ما ذكره، وبذلك شاهدة له.

وخصه عام ثلاثة وسبعين بكتابة سره، واستعمله بعد أعوام في السفارة بينه وبين ملوك عصره، فحمد منابه، ونمت أحواله، ورغد جنابه. وكان هنالك بعض تقولات تشين وجه اجتهاده، وتومئ بما احتقبه من سوء مقاصده، وما صرفه من قبيح أغراضه، وهاجت الفتنة، فكانت سفارته أعظم أسبابها. وعند الأشد من عمره عرضت لأفكاره تقبلت، وأقعده عن قداح السياسة آفات مختلفات، وأشعرته حدة ذهنه إنه متخبط في أشراك وقعات؛ فقد بجامع مالقة، ثم بمسجد الحمراء، ملقيا على الكرسي فنونا جمله، وعلوما لم يزل يتلقاها عن أولياء التعظيم والتجله، فأنحاز إلى مادة أمم بمالقة طما منهم البحر، وتراءى لأبصارهم وبصائرهم الفخر؛ وكان التفسير أغلب عليه لفرط ذكائه، وما كان قيده وحصله أيام قراءته وإقرائه؛ فما شئت من بيان، وإعجاز قرآن؛ وآيات توحيد وإخلاص، ومنهاج صوفيه تؤذن بالخلاص، يوم الأحد بالنواص. مراراً عدة سمع ما يلقيه ولي الأمر وياشدة البلوى التي أذاقه مرها، وأمطاها إلى طية الهلاك ظهرها، ويا قرب ما كان الفوت، والحسام الصلت، من تباعد هذه القرب التي ألفيت.

ص: 17

قلنا: لقد جمع جواد القلم، فأطلقنا ونحن نشير إلى هذا الرئيس وتبدل طباعه، بعد انقضاء أعوام شاهدة باضطلاعه؛ وإحراز شيم أدت إلى علو مقداره، واستقامة مداره؛ فآل عمر مولانا جدنا إلى النفاذ، ورمت رئيس كتابه هذا أسهم الحساد؛ فظهر الخفي، وسقط به الليل على سرحان قد طالما جرب الوفي والصفي.

وكان من شأنه الاستخفاف بأولياء الأمر من حجاب الدولة، والاسترسال في الرد عليهم بالطبع والجبلة مع الاستغراق في غمار الفتن اندلساً وغرباً، ومراعاة حظوظ نفسه استيلاء وغظبا؛ أما الجراءة فانتضى سيوفها، وأما إكفاء السماء على الأرض فقواصم نوع صنوفها، وأما المجاهدة فوقف الميدان الاعتراض صفوفها، وأما المجاملة فنكر معروفها. أداة هذا النبأ العظيم إلى سكنى المعتقل بقصبة المرية، وعلى الأثر كان الفرج قريبا، وسطور الموحدة قد أوسعها العفو تضريباً. ونالته هذه المحنة عند وفاة مولانا الجد الغني بالله وكانت وفاته غرة شهر صفر عام ثلاثة وتسعين وسبع مائة لأسباب يطول شرحها، أظهرها شراسة في لسانه، واعتزاز بمكانه، وتضريب بين خدام السلكان وأعوانه، فكبا

ص: 18

لليدين وللفم، إلى أنَّ من الله يسراحه، وأعاده إلى الخضرة في أوّل شهر رمضان المعظم عام أربعة وتسعين وسبع مائة، فكان ما كان من وفات مولانا الوالد رحمه الله، وقيام أخينا محمّد مقامة الأمر، فاستمر الحال أياما قلائل، وقدم للكتابة الفقيه أبن عاصم لمدة من عام، ثم أعاد المذكور إلى خطته، وقد دمثت بعض أخلاقه، وخمدت شراسته. وحلا بعض مذاقه، فما كان إلاّ كلاوليت، وإذابة قد ساء مشهداً وغيباً، وأوسع الضمائر شكا وريبا الإحن عليه. وغلت مراجلها لديه؛ وصار يتقلب على جمر الغضي، وتبرم بالقضا؛ ويظهر النصح وفي طيه التشفي، ويسم نفسه بالصلاح، ويعلن بالخشوع، ويشير بأنه الناصح الأمين، ويتلو قول الله سبحانه:) ولكن لا تحبون الناصحين (. ورتب على المشتغلين كبيرهم وصغيرهم ذنوباً ولم يقترفوها، ونسب إليهم نسبا من التضييع لم يعرفوها، وانهم أحتجنوا الأموال، وأساءوا الأعمال والأقوال؛ فلم يظفر من ذلك بكبير طائل، ولا حصل على تفاوت أعداده على حاصل؛ هذا على قلة معرفته بتلك الطريقة الاشتغالية، وعدم اضطلاعه بالأمور الجبائية فمن نفس يروع سرابها، ويكدر بالامتحان والامتهان شربها؛ ومن ضارعة

ص: 19

خاشعة لله سلبت، وطولبت بغير ما اكتسبت، وتعدت الأيدي إلى أقوام جلة سعدوا بشفائه، وامتحنوا وهم المبرءون من تزويره واعتدائه وسيسألون يوم لا يغني مال ولا بنون؛ وصار يصرف أغراضه، ويظهر أحقاده بين إفصاح بما كان الإعجام خيراً من إلقائه، وأنَّ عمر المسكين المستضعف لا حاجة في طول بقائه؛ إلى مجاهرة عهد منه أيام شبيبته نقيضها، وانعكس في شاخته تصريحها المنغص وتعريضها؛ لا يريح نفسه من جهد ولا يقف من اللجاجة عند حدّثني. وقد كان ثقل سمعه فساءت إجابته وطغت أخلاقه فسم الناس وساطته وبما استحلف؛ فلم يكن بين اللازمة واللازمة إلاّ الحنث عن قصد وغير قصد، ودعا على نفسه وأبنائه بإنجاز وعد وأن يقيض الله ولهم قاتل عمد. فسبحان القهار فوق عباده، الرحيم بهذا الشخص وبالأموات من شيعته وأولاده.

فاستمر على ذلك إلى إحدى الليالي، فهلك في جنح الليل في جوف داره على يدي مخدومه؛ تلقاه زعموا عند الدخول عليه وهو بالمصحف رافع به يديه فجدلته السيوف وتناولته الحتوف فقضي عليه وعلى من وجد من خدامه وابنيه: كل ذلك بمرأى عين من أهله وبنايه، ولم يتقوا الله فيه حق تقاته؛ فكانت أنكى الفجائع وأفظع الوقائع؛ وساءت القالة وعظم المصاب وكل شيء إلى أجل نافذ وكتاب.

ص: 20

ولمّا تلخصت هذه المقدمة بين يدي نظامه، وتم جميع ما أبرزه البحث والاجتهاد من خير كلامه؛ اخترنا له اسماً يوافقه، ويوضح مشارقه، وهو " البقية والمدارك من شعر أبن زمرك ". أما البقية فلما بقى بعد هلاكه وتخطته الحوادث وشح الهر بإمساكه؛ والمدارك: لأجل ما ترك في مبيضاته، ولم يخرجه في حياته. وهانحن ننظم درره الرائقة ونطلع في مراتب التأليف كل شارقة.

فمن ذلك قوله في ذكر الحضرة العلية، وتهنئة مولاه الجد رحمه الله عليه ببعض المواسم العيدية؛ ووصف كرائم من جياده وآثار ملكه وجهاده:

يا من يحين إلى نجد وناديها

غرناطة قد ثوت بجد بواديها

قف بالسبيكة وانظر ما بساحتها

عقيلة والكثيب الفرد جاليها

تقلدت بوشاح النهر وابتسمت

أزهارها وهي حلي في تراقيها

وأعين النرجس المطلول يانعة

ترقرق الطل دمعاً في مآقيها

وافتر ثغر أقاحٍ من أزهارها

مقبلاً خد وردٍ من نواحيها

كأنما الزهر في حافاتها سحراً

دراهم والنسيم اللدن يجيبها

وانظر إلى الدوح والأنهار تكنفها

مثل الندمى سواقيها سواقيها

كم حولها من بدور تجتني زهرا

فتحسبت الزهر قد قبلن أيديها

حصباؤها لؤلؤ قد شف جوهره

والنهر قد سال ذوبا من لآليها

ص: 21

نهر النجم والزهر المطيف به

زهر النجوم إذا ما شئت تشبيها

يزيد حسناً على نهر المجرة قد

أغناهه در حبابٍ عن دراريها

يدعي المنجم رائيه وناظره

مسميات أبانتها أساميها

إنَّ الحجاز مغانيه بأندلسٍ

ألفاظها طابقت منها معانيها

فتلك نجد ساقها كل منسجم

من الغمام يحييها فيحييها

وبارق وعذيب كل مبتسم

من الثغر يحليها مجليها

وإن أردت ترى وادي العقيق فرد

دموع عشاقها حمراً جواريها

وللسبيكة تاج فوق مفرقها

تود در الدراري لو تحليها

كأن حمراءها والله يكلؤها

ياقوتة فوق ذاك التاج يعليها

إنَّ البدور لتيجان مكللة

جواهر الشيب في أبهى مجاليها

لكنها حسدت تاج السبيكة إذ

رأت أزهاره زهراً يجليها

بروجها لبروج الأفق مخجلة

فشهبها في جمال لا تضاهيها

تلك القصور التي راقت مظاهرها

تهوى النجوم قصوراً عن معاليها

لله لله عينا من رأى سحراً

تلك المنارة قد رقت حواشيها

والصبح في الشرق قد قد لاحت بشائره

والشهب تستن سبقاً في مجاريها

تهوى إلى الغرب لمّا هالها سحر

وغمض الفجر من أجفان واشيها

ص: 22

وساجع العود العود في كف النيم إذا

ما استوقفت ساجعات الطير يغريها

يبدي أفانين سحر في ترنمه

يصبي العقول بها حسنا ويسبيها

يجسه ناعم الأطراف تحسبها

لآلئا وهي نور في تلاليها

مقاتل بلحاظٍ قوس حاجبيها

ترمي القلوب بها عمداً فتصميها

فباكر الروض والأغصان مائلة

يثني النفوس لها شوقا تثنيها

لم يرقص الدوح بالأكمام من طرب

حتى شدا من قيان الطير شاديها

وأسمعتها فنون السحر مبدعة

ورق الحمام وغناها مغنيها

غرناطة آنس الحمن ساكنها

باحت بسر معانيها أغانيها

أعدى نسيمهم لطفا نفوسهم

فرقة الطبع منه يعديها

فخلد الله أيام السرور بها

صفراً عشيتها بيضاً لياليها

وروض المحل منها كل منبجسٍ

إذا اشتكت بغليل الجدب يرويها

يحكي الخليفة كفا كلما وكفت

بالجود فوق موات الأرض يحيها

تغنى العُفاة وقد أمت مكارمه

عن السؤال بالإحسان تغنيها

لها بنان فما غيث يساجلها

جوداً ولا سحبه يوما تدانيها

فإن تصب سحبه بالماء حين همت

بسجد ولحن صاب هاميها

يا أيّها الغيث أنت الغوث في زمن

ملكوه تلفت لولا تلافيها

إنَّ الرعايا جزاك الله صالحة

ملكت شرقا وغربا من يراعيها

ص: 23

إنَّ الخلائق في الأقطار أجمعها

سوائم أنت في التحقيق راعيها

فكل مصلحة للخلق تحكمها

وكل صالحة في الدين تنويها

إذا تيممت أرضاً وهي مجدبة

فرحمة الله بالسقيا تحييها

يا رحمة بثت الحمى بأندلس

لولاك زلزلت الدنيا بمن فيها

في فضل جودك قد عاشت مشيختها

في ظل أمنك قد نامت ذراريها

في طول عمرك يرجو الله آمالها

بنصر ملكك يدعو الله داعيها

عوائد الله قد عودت أفضلها

لتبلغ الخلق ما شاءت أمانيها

سل السعود وخل البيض مغمدة

واضرب بها فرية التثليث تفريها

لله أيامك الغر التي اطردت

فيها السعود بما ترضى ويرضيها

لله دولتك الغراء إن لها

لكافلاً من إله العرش يكفيها

هيهات أن تبلغ الأعداء مأربة

في جريها وجنود الله تحميها

هذي سيوفك في الأجفان نائمة

والمشركون سيوف الله تفنيها

سريرة لك في الإخلاص قد عرفت

حسنى عواقبها حتى أعاديها

لم تحتجب شهب الآفاق عن بصر

إلاّ وهديك الأبصار يهديها

يا بن الملوك وأبناء الملوك إذا

تدعو الملوك إلى طوع تلبيها

أبناء نصر ملوك عز نصرهم

وأوسعوا الخلق تنويها وترفيها

ص: 24

هم المصابيح نور الله موقدها

تضئ للدين والدنيا مشاكيها

هم النجوم وأفق الهدى مطلعها

فوزا لمهديها عزا لهاديها

هم البدور كمال ما يفارقها

هم الشموس ظلام لا يواريها

قضت قواضيها أن لا انقضاء لها

وأمضت الحكم في الأعداء مواضيها

وخلدت في صفاح الهند سيرتها

وأسنت عن عواليها معاليها

وأورثتك جهاداً أنت ناصره

والأجر منك يرضيها ويحظيها

كم موقف ترهب الأعداء موقفه

والخيل تردي ووقع السمر يرديها

ثارت عجاجته واليوم محتجب

والنقع يوثر غما من دياجيها

والأسنة شهب كلما غربت

في الدارعين تجلت من عواليها

وللسيوف بريق كلما لمعت

تزجي الدماء وريح النصر يزجيها

أطلعت وجهاً تريك الشمس غرته

تبارك الله ما شمس تساميها

من أين للشمس تطلق كله حكم

يعيدها كل حين منك مبديها

لك الجياد إذا تجري سوابقها

فللرياح جياد ما تجاريها

إذا انبرت يوم سبق في أعنتها

ترى البروق طلاحاً لا تباريها

من أشهب قد بدا صبحا تراع له

شهب السماء فإنَّ الصبح يخفيها

إلاّ التي في لجام منه قيدها

فإنه سامها عزاً وتنويها

أو أشرقت مرعبٍ شقر البرق وقد

أبقى لها شفقا في الجو تنبيها

أو أحمر جمره في الحرب متقد

يعلو لها شرر من بأس مذكيها

ص: 25

لون العقيق وقد سال العقيق دما

بعطفه من كماة كرم الله وجهه يدميها

أو أدهم مثل صدر الليل تنعله

أهله فوق وجه الأرض يبديها

إن حارث الشهب ليلا في مقلده

فصبح غرته بالنور يهديها

أو اصفر بالعشيات ارتدى مرجاً

وعرفه بتمادي الليل ينبيها

مموهٍ بنضار تاه من عجب

فليس يعدم تمويها ولا تيها

ورُبَّ نهر حسام راق رائقه

متى ترده نفوس الكفر يرديها

تجري الرءوس حباباً فوق صفحته

وما جرى غير أنَّ البأس يجريها

وذابل من دم الكفار مشربة

يجني الفتوح وكف النصر تجنيها

وكم هلال لقوس كلما نبضت

ترى النجوم رجوما في مراميها

أئمة الكفر ما يممت ساحتها

إلاّ وقد زلزلت قسرا صياصيها

يا دولة النصر هل من مبلغ دولاً

مضين أنك تحييها وتنسيها

أو مبلغ سالف الأنصار مالكةً

والله بالخلد في الفردوس يجزيها

أنَّ الخلافة أعلى الله مظهرها

أبقت لنا شرفاً والله يبقيها

يا بن الذين لهم في كل مكرمة

مفاخر ولسان الدهر يمليها

أنصار خير الورى مختار هجرته

جيران روضته أكرم بأهليها

أسمتهم الملة السمحاء تكرمة

أنصارها وبهم عزت أواليها

ص: 26

ففي حنين وفي بدر وفي أحد

تلفي مفاخرهم مشهورةً فيها

ولتسأل السير المرفوع مسندها

فعن مواقفهم تروي مغازيها

مآثر خلد الحمن أثرتها

بنصها من كتاب الله قاريها

ماذا يجيد بليغ أو ينمقه

من الكلام ووحي الله تاليها

له الجهاد به تسري الرياح إلى

ممالك الأرض من شتى أقاصيها

تحدى الركاب إلى البيت العتيق به

فمكة عمرت منه نواديها

بشائر تسمع الدنيا وساكنها

إذا دعا باسمك الأعلى مناديها

كفى خلافتك الغراء منقيبة

أنَّ الإله يوالي من يواليها

وقد أفاد بنيه الدهر تجربة

أنَّ السعود تعادي من يعاديها

إذا رميت سهام العز صائبة

فما رميت بل التوفيق راميها

شكراً لمن عظمت منا مواهبه

وإن تعد فليس العد يحصيها

عما قريب ترى الأعياد مقبلة

من الفتوح ووفد النصر حاديها

وتبلغ الغلية القصوى بشائرها

فقد أظلت بما ترضى مباديها

فاهنأ بما شئت من صنع تسر به

وانو الأماني فالأقدار تدنيها

مولاي خذها كما شاءت بلاغتها

ولو تباع لكان الحسن يشريها

أرسلتها حيثما الأرواح مرسلة

نوادرا تنشر البشرى أهاليها

جاءت تهنيك عيد الفطر معجبة

بحسنها ولسان الصدق يطريها

البشر في وجهها واليمن في يدها

والسحر في لفظها والدر في فيها

ص: 27

لو رصع البدر منها تاج نفرقه

لم يرض در الدرارى أن تحليها

فإن تكن بنت فكري وهو أوجدها

نعماك في حجره كانت تربيها

في روض جودك قد طوقني مننا

طوق الحمام فما سجعي موفيها

ولو أعرت لسان الدهر يشكرها

لكان يقصر عن شكر يوفيها

بقيت للدين والدنيا إمام هدى

مبلغ النفس ما ترجو أمانينا

والسعد يجري لغايات تؤملها

ما دامت الشمس تجري في مجاريها

ومن ذلك أيضاً قوله هناء لمولانا الجد رحمه الله بالفتح المغربي للسلطان أبي العباس بن السلطان أبي سالم المريني:

هي نفحة هبت من الأنصار

أهدتك فتح ممالك الأمصار

في بشائرها وبشارة الدنيا بها

مستمتع الأسماع والأبصار

هبت على قطر الجهاد فروحت

أرجاءه بالنفحة المعطار

وسرت وأم الله طي برودها

يهدي البرية صنع لطف الباري

مرت بأرواح المنابر فانبرت

خطباؤها مفتنة الأطيار

ص: 28

حنت معارجها إلى أعشارها

لمّا سمعن بها حنين عشار

لو أنصفتك لكلت أدواتها

تلك البشائر يانع الأزهار

فتح الفتوح أتاك في حلل الرضا

بعجائب الأزمان والأعصار

كم آيةٍ لك في السعود جليلةٍ

خلدت منها عبرة استبصارها

كم حكمة لك في النفوس جليلةٍ

خفيت مداركها عن الأفكار

كم من أمير أم بابك فانثنى

يدعي الخليفة دعوة الإبكار

أعطيت أحمد راية منصورة

بركاتها تسري من الأنصار

أركبته في المنشآت كأنما

جهزته في وجهة لمزار

من كل خافقة الشرع مصفقٍ

منها الجناح تطير كل مطار

ألقت بأيدي الريح فضل عنانها

فتكاد تسبق لمحة الأبصار

مثل الجياد تدافعت وتسابقت

من طافح الأمواج في مضمار

لله منها في المجاز سوابح

وقفت عليك الفخر وهي جواري

لمّا قصدت بها مراسي سبتة

عطفت على الأسوار عطف سوار

لمّا رأت من صبح عزمك غرة

محفوفة بأشعة الأنوار

ورأت حبيبها دونه شمس الضحى

لبتك بالإجلال والإكبار

ص: 29

فأفضت فيها من نداك مواهبا

حسنت مواقعها على التكرار

وأريت أهل الغرب عزم مغرب

قد ساعدته غرائب الأقدار

وخطبت من فاس الجديدة عقيلة

لبتك طوع تسرع وبدر

ما صدقوا متن الحديث بفتحها

حتى رأوه في متون شفار

وتسمعوا الأخبار باستفتاحها

والخبر قد يغني عن الأخبار

قولوا لقرد في الوزارة غره

حلم مننت به على مقدار

أسكنته من فاس جنة ملكها

متنعما منها بدار قرار

حتى إذا كفر الصنيعة وازدرى

بحقوقها ألحته بالنار

جرعت نجل الكأس كأسا مرةً

دست إليه الحتف في الإسكار

كفر الذي أوليته من نعمة

لا تأنس النعماء بالكفر

فطرحته طرح النواة فلم يفز

من عز مغريه بغير فرار

لم يتفق لخليفة مثل الذي

أعطى الإله خليفة الأنصار

ص: 30

لم أدر والأيام ذا عجائب

تردادها يحلوا على التذكار

ألواء صبح في ثنيه مشرق

أم راية في جحفل جرار

وشهاب أفق أم سنان لامع

ينقض نجمها في سماء غبار

ومناقب مولى الإمام محمّد

قد أشرقت أم هن زهر دراري

فاق الملوك بهمة علوية

من دونها نجم السماء الساري

لو صافح الكف الخضيب بكفه

فخرت بنهر للمجرة جاري

والشهب تطمع في مطامع أفقها

لو أحرزت منه منيع جوار

سل بالمشارق صبحها عن وجهه

يفتر منه عن جبين نهار

سل بالغمام صوبها عن كفه

تنبيك عن بحر بها زخار

سل بالبوارق صفاحها عن عزمه

تجبرك عن أمضي شبا وغرار

قد أحرز الشيم الخطيرة عندما

أمطى العزام صهوة الأخطار

إن يلق ذو الإجرام صفحة صفحة

فسح القبول له خطا الأعمار

يا من إذا هبت نواسم حمده

أزرت بعرف الروضه المعطار

يا من إذا افترت سباسم بشره

وهب النفوس وعاش في الإقتدار

يا من إذا طلعت شموس سعوده

تعشى أشعتها قوى الأبصار

قسما بوجه في الضياء وإنه

شمس تمد الشمس بالأنوار

ص: 31

قسما بعزمك في المضاء وإنه

سيف تجرده يد الأقدار

لسماح كفك كلما استوهبته

بزري بغيث الديمة المدرار

لله حضرتك العلية لم تزل

يلقى الغريب بها عصار التسيار

كم من طريد نازح قذفت به

أيدي النوى في الفقر رهن سفار

بلغته ما شاء من آماله

فسلا عن الأوطان بالأوطار

صيرت بالإحسان دارك داره

متعت بالحسنى وعقبى الدار

والخلق تعلم أنك الغوث الذي

يضفى عليها وافي الأستار

كم دعوة لك في المحول مجابة

أغرت جفون المزن باستعبار

جارت مجاري الدمع من قطر الندى

فرعى الربيع لها حقوق الجار

ففأعاد وجه الأرض طلقا مشرقا

متضاحكا بمباسم النوار

يا من مآثره وفضل جهاده

تحدى القطار بها إلى الأقطار

حطت البلاد ومن حوته ثغورها

وكفى بسعدك حاميا لذمار

فلرب بكر للفتوح خطبتها

بالمشرفية والقنا الخطار

وعقيلة للكفر لمّا رعتها

أخرست من ناقوسها المهذار

أذهبت من صفح الوجوه كيانها

ومحوتها إلاّ من التذكار

عمروا بها منات عدن زخرفت

ثم انثنوا عنها ديار بوار

صبحت منها روضة مطلولة

فأعدتها للحين موقد نار

وأسود وجه الكفر من خزى متى

ما احمر وجه الأبيض البتار

ص: 32

ولرب روض للغنا متأود

ناب الصهيل به عن الأطيار

مهما حكت زهر الأسنة زهره

حكت السيوف معاطفها الأنهار

متوقد لهب الحديد بجوه

تصلى به الأعداء لفح أوار

فبكل ملتفت صقال مشهر

قداح زند للحفيظة وارى

في كف أروع فرق نهد سابح

متموج الأعطاف في الإحضار

من كل منحفز بلمحة بارق

حمل السلاح به على طيار

من أشهب كل الصبح يطلع غرة

في مستهل العسكر الجرار

أو أدهم كالليل إلاّ أنه

لم يرض بالجوزاء حلي عذار

أو أحمر كالجمر يذكى شغله

وقد ارتمى من بأسه بشرار

أو أشقر حلي الجمال أديمة

وكساه من زهو جلال نضار

أو أشعل راق العيون كأنه

غلس يخالط سدفة بنهار

شهب وشقر في الطراد كأنها

روض تفتح عن شقيق بهار

عودتها أن ليس تقرب منهلا

حتى يخالط بالدم الموار

يأيها الملك الذي أيامه

غرر تلوح بأوجه الأعصار

يهني لواءك أن جدك زاحف

بلواء خير الخلق للكفار

لا غر أن فقت الملوك سيادة

إذ كان جدك سيد الأنصار

السابقون الأولون إلى الهدى

والمصطفون لنضرة المختار

ص: 33

متهللون إذا التنزيل عراهم

سفروا له عن أوجه الأقمار

من كل وضاح الجبين إذا احتبى

تلقاه معصوبا بتاج فخار

قد لاث صبحا فوق بدر بعدما

لبس المكارم وارتدى بوقار

فاسأل ببدر عن مواقف بأسهم فهم تلافوا أمره ببدار

لهم العوالي عن معالي فخرها

نقل الرواة عوالي الأخبار

وإذا كتاب الله يتلو حمدهم

أودى القصور بمنة الأشعار

باب الرجل بن الذين إذا تذكروا فخرهم

فخروا بطيب أرومة ونجار

حقا لقد أوضحت من آثارهم

لمّا أخذت لدينهم بالثار

أصبحت وارث مجدهم وفخارهم

ومشرف الأعصار والأمطار

صادرا في الفتح عن ورد المنى

رد ناجح الإيراد والإصدار

وهنأ بفتح جاء يشتمل الرضا

خذلان يرفل في حلى استبشار

وإليكها ملء العيون وسامة

حيتك بالأكبار من أفكاري

تجري حداة العيس طيب حديثها

يتعللون به على الأكوار

إن مسهم لفح الهجير أبلهم

منه نسيم ثنائك المعطار

وتميل من أضغى لها فكأنني

عاطيته منها كئوس عقار

قذفت بحور الفكر منها جوهرا

لمّا وصفت أناملا ببحار

لا زلت للإسلام سترا كلما

أمّ الحجيج البيت ذا الأستار

وبقيت يا بدر الهدى تجري بما

شاءت علاك سوابق الأقدار

انتهى ما تعلق به الغرض من هذا التأليف الملوكي وقد أتيت به بحروفه

ص: 34

من أوله إلى هذا الموضع وتتبعه يطول ولكني أنتقي منه نبذة زائجة على ما سبق من مواضيع شتى فنقول: قال المؤلف رحمه الله: ومن ذلك أثناء وجهه مولانا الجد رحمه الله لتجديد الدولة الأحمدية صدر عام تسعة وثمانين وسبع مائة:

هب النسيم على الرياض مع السحر

فاستيقظت في الدوح أجفان الزهر

ورمى القضيب درهما من نوره

فاعتاض من طل الغمام بها درر

نثر الأزهار بعد ما نظم الندى

يا حسن ما نظم النسيم وما نثر

قم هاتها والجو أزهر باسم

شمسا تحل من الزجاجة في القمر

إن شجها بالماء كف مديرها

ترمي من شهب الحباب بها شرر

نارية نورية من ضوئها

يقد السراج لنا إذا الليل اعتكر

لم يبق منها الدهر إلاّ صبغة

قد أرعشت في الكأس من ضعف الكبر

من عهد كسرى لم يفض ختامها

إذ كان يذخر كنزها فيما ذخر

كانت مذاب التبر فيما قد مضى

فأحالها ذوب اللجين لمن نظر

جدد بها عرس الصبوح فإنها

بكر تحييها الكرام مع البكر

وابلل بها ريق الأصيل عشية

والشمس من رغد الغروب على خطر

ص: 35

محمرة مصفرة قد أظهرت

خجل المريب يشوبه وجل الحذر

من كف شفاف تجسد نوره

من جوهر لألاء بهجته بهر

تهوي البدور كمالها وتود أن

لو أوتيت منه المحاسن والغرر

قد خط عذاره في خده

قلمان من آس هناك ومن شعر

وإلى عليك بها الكئوس وربمنا

يسقيك من كأس الفتور إذا فتر

سكر الندامي من يديه ولحظة

متعاقب مهما سقى وإذا نظر

حيث الهديل مع الهدير تناغيا

فالطير تشدو في الغصون بلا وتر

والقضب مالت للعنان كأنها

وفد الأحبة قادمين من السفر

متلاعبات في الحلي ينوب في

وجناتها الورد حسنا عن خفر

والنرجس المطلول يرنو نحوها

بلواحظ دمع الندى منها انهمر

والنهر مصقول الحسام متى يرد

درع الغدير مصفقا فيه صدر

تجري على الحصباء وهي جواهر

متكسرا من فوقها مهما عثر

هل هذه أم روضة البشرى التي

فيها لأرباب البصائر معتبر

لم أدر من شغف بها وبهذه

من منها فتن القلوب ومن سحر

جاءت بها الأجفان ملء ضلوعها

ملء الخواطر والمسامع والبصر

ومسافر في البحر ملء عنانه

وافى مع الفتح المبين على قدر

قادته نحوك بالخطام كأنه

جمل يساق إلى القياد وقد نفر

وأراه دين الله عزة أهله

بك يا أعف القادرين إذا قدر

ص: 36

يا فخر أندلس وعصمة أهلها

للسر في اختصاصك قد ظهر

كم معضل من دائها عالجته

فشفيت منه بالبدار وبالبدر

ماذا عسى يصف البليغ خليفة

والله ما أيامه إلاّ غرر

ورثت هذا الفخر يا ملك الهدى

عن كل من آوى النبي ومن نصر

من شاء يعرف فخرهم وكمالهم

فليتل وحي الله فيهم والسير

أبناؤهم أبناء نصر بعدهم

بسيوفهم دين الإله قد انتصر

مولاي سعدك والصباح تشابه

وكلاهما في الخافقين قد اشتهر

هذا وزير الغرب عبد آبق

لم يلف غيرك في الشدائد من وزر

كفر الذي أوليته من نعمة

والله قد حتم العذاب لمن كفر

إن لم يمت بالسيف مات بغيظه

وصلى سعيرا للتأسف والفكر

ركب الفرار مطية ينجو بها

فجرت به حتى أتقر على سقر

وكذا أبو حمو وكان حماسه

قد حم وهو في الحياة على غرر

بلغته والله أكبر شاهد

ما شاء من وطن يعز ومن وطر

حتى إذا جحد الذي أوليته

لم يبق منه الحادثات ولم تذر

في حاله والله أعظم عبرة

لله عبد في القضاء قد اعتبر

فاصبر تنل امثالها في مثله

إنَّ العواقب في الأمور لمن صبر

رد حيث شئت مسوغا ورد المنى

فالله حسبك في الورود وفي الصدر

ص: 37

لا زلت محروسا بعين كلاءة

ما دام عين الشمس تعشى من النظر

ومنها وقد أضاف إلى ذلك من التغزل طوع بداره وحجة اقتداره فقال:

والعود في كف النديم بسر ما

تلقى لنا منه الأنامل قد جهر

غنى عليه الطير وهو بوحه

والآن غنى فوقه ظبي أغر

عود ثوى حجر القضيب رعى له

أيام كانا في الرياض مع الشجر

لاسيما لمّا رأى من ثغره

زهرا وأين الزهر من تلك الدرر

ويظن أن عذاره من آسه

ويظن تفاح الخدود من الثمر

يسبي القلوب بلفظه وبلحظه

وافتنتي بين التكلم والنظر

قد قيدته لأنسنا أوتاره

كالظبي قيد في الكناس إذا نفر

لم يبل قلبي قبل سمع غنائه

بمعذر سلب العقول وما اعتذر

جس القلوب بجسه أوتاره

حتى كأن قلوبنا بين الوتر

نمت لنا ألحانه بجميع ما

قد أودعت فيه القلوب من الفكر

يا صامتا والعود تحت بنانه

يغنيك نطق الخبر فيه عن الخبر

أغنى غناؤك عن مدامك يا ترى

هل من لحظك أم بنانك ذا السكر

باحت أناملك اللدان بكل ما

كان المتيم في هواه قد ستر

ومقاتل ما سل غير لحاظه

والرمح هز من القوام إذا خطر

دانت له منا القلوب بطاعة

والسيف يملك ربه فيمن قهر

ثم قال بعد إيراد جملة من كلامه:

وقال شاكرا لنعمة وصلته من مولانا رحمه الله عليه في عاشوراء:

ص: 38

مولاي يا أبن السابقين إلى العلا

والرافعين لواءها المنشورا

إن لحقوا في المعلوات فإنهم

طلعوا بآفاق العلاء بدورا

أو فوخروا في المكرمات فإنهم

نظموا بأسلاك الفخار شذورا

أبناء أنصار النبي وصحبه

في الذكر أصبح فجرهم مذكورا

والمؤثرين وربنا أثنى بها

في الحشر خلد وصفهم مسطورا

فاضت علينا من نداك غمائم

وتفجرت من راحتيك بحورا

من كف شفاف الضياء تخاله

لصفاء جوهره تجسد نورا

منوعة تعدد وفرها

أعجزت عنها شكرى الموفورا

في موسم للدين قد جددته

وأقمت فينا عيده المشهورا

أضعاف ما أهديتنا من منة

تهدي إليك ثوابها عاشورا

وعلى الطريق بشائر محمودة

ألقاك جذلانا بها مسرورا

ثم قال: ومن لفظه في وصف القرنفل الصعب الاجتناء بجل الفتح وقد وقع له مولانا الغني بالله بذلك فارتجل قطعا منها:

أتوني بنوار يروق نضارة

كخد الذي أهوى وطيب تنفسه

وجاءوا به من شاهق متمنع

تمنع ذلك الظبي في ظل مسكنه

رعى المنى عاشقا متقنعا

بزهر حكى في الحسن خد مؤنسه

ص: 39

وأن هب خفاق النسيم بنفحة

حكت عرفه طيباً قضى يتأنسه

ومنها:

رعى الله زهراً ينتمي لقرنفل

حكى عرف من الهوى وإشراق خده

ومنبته في شاهق متمنع

كما امتنع المحبوب في صده

أميل إذا الأغصان مالت بروضة

أعناق منها القضب شوقاً لقده

وأهوف لخفاق النسيم إذا سرى

وأهوج أريج الطيب من عرف نده

ومنها:

يقر بعيني أنَّ أرى الزهر يانعاً

وقد نازع المحبوب في الحسن وصفه

وما أبصرت عيني كزهر قرنفل

حكى خد من يسبي الفؤاد وعرفه

تمنع في أعلى الهضاب لمجتنٍ

تمنعه منى إذا رمت إلفه

وفي جبل الفتح اجتنوه تفاؤلا

بفتح لباب الوصل يمنح عطفه

وما ضر ذلك الغصن وهو مرنح

إذا ما ثنى نحو التميم عطفه

ثم قال: ومن قصائده التي يود الصباح سناها، والنسيم اللدن رقه معناها يهني مولانا الجد رضي الله عنه، عند وصول خالصة مقامه، وكبير خدامه، القائد خالد، رحمه الله تعالى، من تلمسان بالهداية، وتجديد المقاصد للوديه، ووفاق استئناف راحة من الذات العليه، ومن فروع دوحتها الزكيه:

أدرها ثلاثا من لحاظك وأحبس

فقد غال منها الشكر أبناء مجلس

إذا ما نهاني في الشيب عن أكؤس الطلا

تدير عليَّ الخمر منها بأكؤس

عذيري من لحظ ضعيف وقد غدا

يحكم منا في جسوم وانفس

ص: 40

وروض شباب ماس قوامه

وفتح فيه للحظ أزهار نرجس

وما زال ورد الخد وهو مضعف

يعير أقاح الثغر طيب تنفس

وكم جال طرف في روض حسنه

يقيده فيه العذار بسندس

أما وليالي الوصل الصبا

ومألف أحبابي وعهد تأنسي

لئن نسيت تلك العهود أحبتي

فقلبي عهود العامرية ما نسي

وحاشا لنفسي بعد ما أفتر فودها

من الشيب عن صبح به متنفس

وألبسها ثوب الوقار خليفة

به لبس الإسلام أشرف ملبس

وجدد للفتح المبين مواسما

أقام بها الإيمان أفراح معرس

وأورثته العلياء كل خليفةٍ

نماه إلى الأنصار كل مقدس

فيا زاجر الأظعان وهي ضوامر

بغير الفلا والوحش لم تتأنس

إذا جئت من دار الغنى بربة

مناخ العلا والعز فانزل وعرس

فإنَّ شئت من بحر السماحة فاغترف

وإنَّ شئت من نور الهداية فاقبس

أمولاي والي السهد منك ولاية

أنارت بها الأكوان جذوة مقبس

إذا شئت إنَّ ترمي القضى من المنى

تدور لك الأفلاك مرفوعة القسى

فترمى بسهم من سعودك صائب

سديدً لأغراض الأماني مقرطس

أهنيك بالأبلال ممن شفاؤه

شفاؤك فاسكر من تلاقي وقدس

ودعني أرد يمناك فهي غمامة

تبخل صوب المعارض المتبجس

ص: 41

أقبل منها راحة إثر راحةٍ

أتتك بها الركبان من بيت مقدس

ومن نسب الفتح المبين ولادة

إليه بغير الفخر لم يتأسس

فيأيها المولى الذي بكماله

خلائف ذلك العصر في الفخر تأتسي

لآمنت موسى من عوادي سمية

ولولاك لم يبرح بخفية موجس

بعثت بميمون النقيبة، في اسمه

خلود لعز ثابت متأسس

فجاءك بالمال العريض هدية

بها الدين أثواب المسرة يكتسي

وشفعها بالصافنات كأنها

وقد راق مرآها جآذر مكنس

تنص من الإشراف جيد غزالة

وترنو من الإيجاس عن لحظ أشوس

لك الخير، موسى كلاهما

بغير شعار الود لم يتلبس

فلا زلت في ظل النعيم وكل من

يعاديك لا ينفعك يشقي بأبؤس

عليك سلام مثل حمدك عاطرا

تنفس وجه الصبح عنه بمعطس

ثم قال بعد ذكر كثير من نظمه وبعض ميلاداته: وأنشد في مولد عام خمسة وستين:

لعل الصبا إنَّ صافحت روض نعمان

تؤدى أمان القلب عن ظبية ألبان

وماذا على الأرواح وهي طليقة

لو احتملت أنفاسها جاجة العاني

وما حال من يستودع الريح سره

ويطلبها وهي النموم بكتمان

وكالطيف استقريه في سنة الكرى

وهل تنقح الأحلام غلة ظمآن

ص: 42

أسائل عن نجد ومرمى صبابتي

ملاعب غزلان الصريم بنعمان

وأبدى إذا ريح الشمال تنفست

شمائل مرتاح المعاطف نشوان

عرفت بهذا الحب لم أدر سلوة

وإني لمسلوب الفؤاد بسلوان

فيا صاحبي نجواي والحب غاية

فمن سابق جلى مداه ومن واني

وراءكم ما اللوم يثني مقادتي

فإني عن شأن الملامة في شأن

وإني وإنَّ كنت الأبي قياده

ليأمرني حب الحسان وينهاني

ولا زلت أرعى العهد فيمن يضيعه

وأذكر إلفي ما حييت وينساني

فلا تنكر ما سامني مضض الهوى

قمن قبل قد أود بقيس وغيلان

لي الله إما أومض البرق في الدجى

أقلب تحت الليل مقلة وسنان

وإنَّ من غمد الغمام حسامه

بري كبدي الشوق الملم وأضناني

تراءى بأعلام الثنية باسماً

فأذكرني العهد القديم وأبكاني

أسامر نجم الأفق حتى كأننا

وقد سدل الليل الرواق حليفان

ومما أناجي الأفق أعديه بالجوى

فأرعى له سرح النجوم ويرعاني

ويرسل صوب القطر من فيض أدمعي

ويقدح البرق من نار أشجاني

وضاعف وجدي رسم دار عهدتها

مطالع شهب أو مراتع غزلان

على حين شرب الوصل غير مصرد

وصفوف الليالي لم يكدر بهجران

لئن كدرت عيني الطلول فإنها

تمت إلى قلبي بذكر وعرفان

ولم أر مثل الدمع في عرصاتها

سقى تربها حين استهل وأظماني

ومما شجاني أنَّ سرى الركب موهناً

تقاد به هوج الرياح بأرسان

غوارب في بحر السراب تخالها

وقد سبحت فيه مواخر غربان

ص: 43

على كل نضو مثله فكأنما

رمى منهما صدر المفازة سهمان

ومن زاجر كوماء مخطفة الحشى

توسد منها فوق عوجاء مرنان

نشاوي غرام يستميل رءوسهم

من النوم والشوق المبرح سكران

أجابوا نداء البين طوع غرامهم

وقد تبلغ الأوطار فوقة أوطان

يؤمنون من قبر الشفيع مثابة

تطلع منها جنة ذات أفنان

إذا نزلوا من طيبة بجواره

فأكرم مولى ضم أكرم ضيفان

بحيث علا الإيمان وامتد ظله

وزان حلي التوحيد تعطيل أوثان

مطالع آيات مثابة رحمةٍ

معاهد أملاك مظاهر إيمان

هنالك تصفو للقبول موارد

يسقون منها فضل عفو وغفران

هناك تؤدي للسلام أمانة

يحيهم عنها بروح وريحان

يناجون عن قربٍ شفيعهم الذي

يؤمله القاصي من الخلق والداني

لئن بلغوا دوني وخلفت أنّه

قضاء جرى من مالك الأمر ديان

وكم عزمةٍ منيت نفسي صرفها

وقد عرفت مني مواعد ليان

إلى الله نشكوها نفوسا أبية

تحيد عن الباقي وتغتر بالفاني

ألا ليت شعري هل تساعدني المنى

فأترك أهلي في رضاه وجيراني

وأقضي لبنات الفؤاد بأن أرى

أعفر خدي في ثراه وأجفاني

إليك رسول الله دعوة نازحٍ

خفوق الحشى رهن المطامع هيمان

غريب بأقصى الغرب قيد خطوه

شباب تقضى في مراح وخسران

ص: 44

يجد اشتياقا للعقيق وبانه

ويصبو إليها ما استجد الجديدان

وإنَّ أومض البرق الحجازي موهنا

يردد في الظلماء أنّه لهفان

فيا مولي الرحمي ويا مذهب العمى

ويا منجد الفرقي ويا منقذ العاني

بسط يد المحتاج يا خير راحم

وذنبي ألجأني إلى موقف الجاني

وسيلتي العظمى شفاعتك التي

يلوذ بها عيسى وموسى بن عمران

فأنت حبيب الله خاتم رسله

وأكرم مخصوص بزلفي ورضوان

وحسبك أنَّ سماك أسماءه العلا

وذاك كمال لا يشاب بنقصان

وأنت لهذا الكون علة كونه

ولولاك ما امتاز الوجود بأكوان

ولولاك للأفلاك لم تجل نيراً

ولا قلدت لباتهن بشهبان

خلاصة صفو المجد من آل هاشم

ونكته سر الفخر من آل عدنان

وسيد هذا الخلق من نسل آدمٍ

وأكرم مبعوث إلى الإنس والجان

وكم آية أطلعت في أفق الهدى

يبين صباح الرشد فيها ليقظان

وما الشمس بحلوها النهار لمبصر

بأجلى ظهوراً أو بأوضح برهان

وأكرم بآيات تحديتها بها

ولا مثل آيات لمحكم فرقان

وماذا عسى يثني وقد أتى

ثناؤك في وحي قديم وقرآن

فصلى عليك الله ما انسكب الحيا

وما سجعت ورقاء في غصن ألبان

ص: 45

وأيد مولانا أبن نصر فإنه

لأشرف من ينمي لملك وسلطان

أقام كما يرضيك مولدك الذي

به سفر الإسلام عن وجه جذلان

سمي رسول الله ناصر دينه

معظمه في حال سر وإعلان

ووارث سر المجد آل خزرج

وأكرم من تنمي قبائل قحطان

ومراسلها ملء الفضاء كتائباً

تدين لها الملوك بإذعان

حدائق خضر والدروع غدائر

وما أنبت إلاّ ذوابل مران

تجاوب فيها الصاهلات وترتمي

جوانبها بالأسد من فوق عقبان

فمن كل خوار العنان قد أرتمى به كل مظعام العشيات مطعان

ومورد ظمآي الكعوب ذوبلا

ومصدرها من كل أملد ريان

ولله منها والربوع مواحل

غمام ندى كفت به المحل كفان

إذا أخلفت الناس الغمام وأمحلوا

فإن نداه والغمام لسيان

إمام أعاد الملك بعد ذهابه

إعادة لأنابي الحسام ولا واني

فغادر أطلال الضلال دوارساً

وجدد للإسلام ارفع بنيان

وشيدها والمجد يشهد دولةً

محافلها تزهى بيمن وإيمان

وراق من الثغر الغريب ابتسامة

وهز له الإسلام أعطاف مزدان

لك الخير ما أسنى شمائله التي

يقصر عن إدراكها كل إنسان

ذكاء إياس في سماحة حاتم

وإقدام عمرو في بلاغة سبحان

أمولاي ما أنسى مناقبك التي

هي الشهب لا تحصى بعد وسبحان

فلا زلت يا غوث البلاد وأهلها

مبلغ أوطار ممهد أوطان

ثم قال بعد سرد ميلادية، وانشد ذلك في مولد سنة سبع وستين وسبع مائة وألم في أخرياتها بوصف المشور الأسنى، الرفيع المبنى:

ص: 46

زار الحيال بأيمن الزوراء

فجلا سناه غياهب الظلماء

وسرى مع النسمات يحسب ذيله

فأتت تنم بعنبر وكباء

هذا وما شيء ألذ من المنى

إلاّ زيارته مع الإعفاء

بتنا خيالين التحقا بالضنى

ما نخشى من الرقباء

حتى أفاق الصبح من غمراته

وتجاذبت أيدي النسيم ردائي

يا سائلي عن سر من أحببته

السر عندي ميت الأحياء

تالله ما أشكو المحبة والهوى

لسوى الأحبة أو أموت بدائي

يا زين قلبي لست أبرح عانياً

أرضى بسقمي في الهوى وعنائي

أبكى وما غير النجيع مدامعي

أذكى ولا ضرم سوى أحشائي

أهفو إذا تهفو البروق وأنثني

لسرى النواسم من ربا تيماء

بالله يا نفس الحمى رفقا بمن

أغريته يتنفس الصعداء

عجبا له يندى على كبدي وقد

أذكى بقلبي جمرة البرحاء

يا ساكني البطحاء أي لبانةٍ

لي عندكم يا ساكني البطحاء

أترى النوى يوما تخيب قداحها

ويفوز منكم بلقاء

في حيكم قمر فؤادي أفقه

تفديه نفسي من قريب نائي

لم تنسني الأيام يوم وداعه

والركب قد أوفى على الزوار

أبكى ويبسم والمحاسن تنجلي

فعلقت بين تبسم وبكاء

يا نظرة جادت بها أيدي النوى

حتى استهلت ادمعي بدماء

ص: 47

من لي بثانية تنادي بالأسى:

" قدك اتئد أسرفت في الغلواء "

ولرب ليل بالوصال قطعه

أجلو دجاء بأوجه الندماء

أنسيت فيه القلب عادة حلمه

وحثثت فيه أكوس السراء

وجريت في طلق التصابي جامحا

لا أنثني لمقادة النصحاء

أطوبي شبابي للمشيب مراحلا

برواحل الإصباح والإمساء

يا ليت شعري هل أرى أطوبا إلى

قبر الرسول صحائف البيداء

فتطيب في تلك الربوع مدائحي

ويطول في ذلك المقام ثوائي

حيث النبوة نورها متألق

كالشمس تزهى في سنى وسناء

حيث الرسالة في ثنية قدسها

وفعت لهدى الخلق خير لواء

حيث الضريح أكرم مرسل

فخر الجود وشافع الشفعاء

المصطفى والمرتضى والمجتبي

والمتقي من عنصر العلياء

خير البرية مجتباها ذخرها

ظل الإله الوارف الأفياء

تاج الرسالة ختمها وقوامها

وعمادها السامي على النظراء

لولاه للأفلاك ما لاحت بها

شهب تنير دياجي الظلماء

ذو المعجزات الغر والآي التي

أكبرن عن عدٍ وعن إحصاء

وكفاك رد الشمس بعد غروبها

وكفاك ما قد جاء في الإسراء

والبدر شق له وكم من آيةٍ

كأنامل جادت ينبع الماء

وبليلة الميلاد كم من رحمة

نشر الإله بها ون نعماء

قد بشر الرسل الكرام ببعثه

وتقدم الكهان بالأنباء

ص: 48

أكرم بها بشرى على قدرٍ سرت

في الكون كالأرواح في الأعضاء

أمسى بها الإسلام يشرق نوره

والكفر أصبح فاحم الأرجاء

هو آيه الله التي نورها

تجلو ظلام الشك أي جلاء

والشمس لا تخفي مزية فضلها

إلاّ على ذي المقله العمياء

يا مصطفى والكون لم تعلق به

من بعد أيدي الخلق والإنشاء

يا مظهر الحق الجلى ومطلع النور السنى السافر الأضواء

يا ملجأ الخلق المشفع فيهم

يا رحمة الأموات والأحياء

يا آسي المرضى ومنتجع الرضا

ومؤاسي الأيتام والضعفاء

أشكو إليك وأنت خير مؤمل

داء الذنوب وفي يديك دوائي

إني مددت يدي إليك تضرعا

حاشى وكلا أنَّ يخيب رجائي

إنَّ كنت لم أخلص إليك فإنما

خلصت إليك محبتي وندائي

وبسعد مولاي الإمام محمّد

تعد الأماني أنَّ يتاح لقائي

ظل الإله على البلاد وأهلها

فخر الملوك السادة الخلفاء

غوث العباد وليث مشتجر القنا

يوم الطعان وفارج الغماء

كالدهر في سطواته وسماحه

تجري صباه يزعزع ورخاء

رقيت سجاياه وراقت مجتلى

كالنهر وسط الروضة الفيحاء

كالزهر في إيراقه والبدر في

إشراقه والزهر في اللألاء

يا أبن الآلي إجمالهم وجمالهم

فلق الصباح وواكف الأنواء

ص: 49

أنصار دين الله حزب رسوله

والسابقين بحلبة العلياء

يا بن الخلائف من بني نصر ومن حاطوا ذمار الملة السمحاء

من كل من تقف الملوك ببابه

يستمطرون سحائب النعماء

قوم إذا قادوا الجيوش إلى الوغى

فالرعب رائدهم إلى الأعداء

العز مجلوب بكل كتيبة

والنصر معقود بكل لواء

يا وارثا عنها مناقبها التي

تسمو مراقيها على الجوزاء

يا فخر أندلس وعصمة أهلها

يجزيك عنها الله خير جزاء

كم خضت طوع صلاحها من مهمة

لا تهتدي فيه القطا للماء

تهدي بها حادي السرى بعزائم

تهدي نجوم الأفق فضل ضياء

يا رافع لواء الفخر غير مدافع

واسحب ذيول العزة القسعاء

يا هنا بمبناك السعيد فإنه

كهف ليوم مشورة وعطاء

منه هالة قد أصبحت

حرم العفاة ومصرع الأعداء

تقاتبها طير الرجاء فتجتني

ثمر المنى من دوحة الآلاء

منه قبة مرفوعة

دون السماء تفوت لحظ الرائي

راقت بدائع وشيها فكأنها

وشى الربيع بمسقط الأنداء

علمت ميلاد النبي محمّد

وشفعته بالليلة الغراء

أحييت ليلك ساهرا فأفدتنا

قوت القلوب بذلك الإحياء

يا أيها الملك الهمام المجتبى

فاتت علاك مدارك العقلاء

من لي بأن أحصي مناقبك التي

ضاقت بهن مذاهب الفصحاء

ص: 50

وإليك مني روضة مطلولة

أرجت أزهارها بطيب ثناء

فافسح لها أكناف صفحك إنها

بكر أتت تمشي على استحياء

قال: وأنشد من ذلك في مولد عام ثمانية وستين وقد كان مولانا رضي الله عنه أبي أن يرسل العنان في مدح مقامه مبالغة في توقير جانب المصطفى صلى الله عليه وسلم وإعظامه فلهذا القصد الأدبي الكريم أتى من المدح السلطاني في آخرها الملتمح القريب واكتفى من القلادة بما أحاط بالترتيب ومدّ القول في ذكر الرسول وعجائب مجده حسبما اقتضاه الاختيار من مولانا كافأ الله جميل قصده آمين:

هذا الصباح صباح الشيب قد وضحا

سرعان ما كان ليلا فاستنار ضحى

للدهر لونان من نور ومن غسق

هذا يعاقب هذا كلما برحا

ونلك صبغته أعدى بينه بها

إذا تراخى مجال العمر وانفسحا

ما ينكر المرء من نور جلا غسقا

ما لم يكن لأماني النفس مطرحا

إذا رأيت بروق الشيب قد بسمت

بمفرق فمحيا العيش قد كلحا

يلقى المشيب بإجلال وتكرمة

من قد أعد من الأعمال ما صلحا

أما ومثلي لم يبرح بعلله

من النسيم عليل كلما نفحا

والبرق ما لاح في الظلماء مبتسما

من جانب السفح إلاّ دمعه سفحا

فما له بقريب الشيب من قبل

من بعد ما لام في شأن الهوى ولحا

ص: 51

يأبى وفائي أن أصغي للأئمة

وأن أطيع عذولي غش أو نصحا

يأهل نجد سقي الوسمي ربعكم

غيثا ينيل غليل الترب ما اقترحا

ما للفؤاد إذا هبت يمانية

تهديه أنفاسها الأشجان والبرحا

يا حبذا نسمة من أرضكم نفحت

وحبذا ربرب من جوكم سنحا

يا جيرة تعرف الأحياء جودهم

ما ضر من ضن بالإحسان لو سمحا

ما شملت بارقة من جو كاظمة

إلاّ وبت لزند الشوق مقتدحا

في ذمة الله قلبي ما أعلله

بالقرب إلاّ وعاد القرب منتزحا

كم ليلة والدجى راعت جوانبها

قلب الجبان فما ينفك مطرحا

سريتها ونجوم الأفق فيه طفت

جواهرا وعباب الليل قد طفحا

بسابح اهتدى ليلا بغرته

والبدر في لجو الظلماء قد سبحا

والسحب تنثر در الدمع من فرق

والجو يخلع من برق الدجى وشحا

ما طالبت همتي دهري بمعلوة

إلاّ بلغت من الأيام مقترحا

ولا أدرت كئوس العزم مغتبقا

إلاّ أدرت كئوس العز مصطبحا

هذا وكل الذي نلت من أمل

مثل الخيال تراءى ثمت انتزحا

كم يكدح المرء لا يدري منيته

أليس كان امرئ يجزى بما كدحا

وارحمتا أيامنا ضاع أطيبه

فما فرحت به قد عاد لي ترعا

أليس أيامنا اللائى سلفنا لنا

منزلا أعلمت فيها الخطا مرحا

ص: 52

إنا إلى الله ما أولى المتاب بنا

لو أن قلبا إلى التوفيق قد جنحا

الحق أبلج والمنجاة عن كئب

والأمر لله والعقبى لمن صلحا

يا ويح نفس توانت عن مراشدها

وطرفها في عنان الغي قد جمحا

نرجو الخلاص ولم تنهج مسالكها

من باع رشدا بغي قلما ريحا

يا رب صفحك يرجو كل مقترف

فأنت أكرم من يغفو ومن صفحا

يا رب لا سبب أرجو الخلاص به

إلاّ الرسول ولطفا منك إن نفحا

فما لجأت له في دفع معضلة

إلاّ وجدت جناب اللطف منفسحا

ولا تضايق أمر فاستجرت به

إلاّ تفرج باب الضيق وافتحا

يا هل تبلغني مثواه ناجية

تطوي بي القفر مهما امتد وانفسحا

حيث الربوع بنور الوحي آهلة

من حلها احتسب الآمال مقترحا

حيث الرسالة تجلو من عجائبها

من الجمال بنور الله متضحا

حيث النبوة تتلو من غرائبها

ذكر يغادر صدر الدين منشرحا

حيث الضريح بما قد ضم من كرم

قد بذلك في الفجر من ساد ومن نجحا

يا حبذا بلدة كان النبي بها

يلقي الملائك فيها آية سرحا

يا دار هجرته يا أفق مطلعه

لي فيك بدر بغير الفكر ما لمحا

من هاشم في سماء العز مطلعة

أكرم به نسبا بالعز متشحا

من آل عدنان في الأشراف من مضر

من محتد تطمح العلياء إن طمحا

من عهد آدم ما زالت أوامره

تسام بالمجد من آبائه الصرحا

ص: 53

عناية سبقت قبل الوجود له

والله لو ووزنت بالكون ما رجحا

يا مصطفى وكمام الكون ما فتقت

يا محبتي وزناد النور ما قدحا

لولاك ما أشرقة شمس ولا قمر

لولاك ما راقت الأفلاك ملتمحا

صدعت بالنور تجلو كل داجية

حتى نهج الحق واتضحا

يا فاتح الرسل لو يا خاتمها شرفا

بوركت مختتما قدست مفتتحا

دنوت للخلق بالألطاف تمنحا

والقلب في العالم العلوي ما برحا

كالشمس في الأفق الأعلى مجرتها

والنور إلى الأبصار قد وضحا

كم آية لرول الله معجزة

نكل عن منتهاها ألسن لفصحا

إن ردت الشمس من بعد الغروب له

قد ظللته غمام الجو حيث نحا

يا نعمة عظمت في الخلق منها

ورحمة تشمل الغادرين والروحا

الله أعطاك ما لم يؤته أحد

والله أكرم من أعطى ومن منحا

حبيبه مصطفاه مجتباه وفي

هذا بلاغ لمن حلاك ممتدحا

أثنى عليك كتاب الله ممتدحا

فأين يبلغ في علياك من مدحا

قد أبعدتني ذنوبي عنك يا أملي

فجهدي اليوم أن أهدي لك المدحا

لعل رحماك والأقدار سابقة

تدنى محبا بأقصى الغرب منتزحا

نفس شعاع وقلب خان أضلعه

مما يعاني من الأشواق قد برحا

إذا البروق أضاءت والغمام همت

فزفرتي إذ كيت أو مدمعي سفحا

لم لا أحن وهذا الجذع حن له

لمّا تباعد عن لقياه وانتزحا

كم ذا التعلل والأيام تمطلنا

كأنها لم تجد عنك منتدحا

ما أقدر الله أن يدنى على شحط

وأن يقرب بعد البين من نزحا

ص: 54

يا سيد الرسل يا نعم الشفيع إذا

طال الوقوف وحر الشمس قد لفحا

أنت المشفع الأبصار شاخصة

أنت الغياث وهو الخطب قد فدحا

جاش العلا وجميل الظن يشفع لي

أن يخفق السعي مني يعد ما نجحا

غساك يا خير من ترجى وسائله

تنجي غريقا ببحر الذنب قد سبحا

ما زال معترفا بالذنب معتذرا

لمل حبك يمحو كل ما اجترحا

عسى البشر غداء الروح يسمعني

بشرى تعود لي البؤسى بها فرحا

لا تيأسن فإن الله ذو كرم

وحبك العاقب الماحي الذنوب محا

صلى الإله على المختار صفوته

ما العارض انهل أو ما البارق التمحا

وأيد الله مولانا بعصمته

بأي باب إلى العلياء قد فتحا

وهنأ الدين والدنيا على ملك

لسعده الطائر الميمون قد سنحا

أنا الضمين لمكحول بغرته

ألا ترى عينه بؤسا ولا ترحا

مولاي خذها كما شاءت بلاغتها

غراء لم تعدم الأحجال والقزحا

كأن سرب قوافيها إذا سنحت

طير على فنن الإحسان قد صدحا

قال: ومن إعذارياته المحكمة نسقا ورصفا المتناهية في كل فن حسن تحلية غريبة وصفا حسبما اقتضاه ملاحظة النسبة الرفيعة لصناع مولانا رحمه الله واحتفاله المناسب لعز ملكه من تعميم الخلق بالجفلى في دعواهم واستدعاء أشرف الأمم من أهل المغرب وسواهم تقننا في مكارم متعدد أيامها على أصالة المجد معربة وإغراء لهم الملك بما يتم الأمن من أوضاع مغربة ومباهاة بعرض الجيوش للعدو الكافر ومكاثر من مماليك دولته

ص: 55

بالعدد الوافر مما ألجم اللسن الذكي عيا وغادر الإعذار الذنوني منسيا كافأ الله أبوته المولوية عنا وعن آبائنا وتلقى بالقبول الكفيل بتحديد الرضوان ما نصل إليه من خالص دعائنا أنّه منعم جواد قوله في الصنيع المخلص من ذلك بمولانا الوالد قدس الله روحه وذلك سنة أربع وستين وسبع مائة:

معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا

وأن يشغل اللوم بالعذل باليا

دعاني أعط الحب فضل مقادتي

يقضي على الوجد ما كان قاضيا

ودون الذي رام العواذل صبوة

رمت بي في شعب الغرام المراميا

وقلب إذا ما البرق أومض موهنا

قدحت به زندا من الشوق واريا

خليلي إني اليوم طارقة النوى

شقيت بمن لو شاء أنعم باليا

وبالخيف يوم النفر يا أم مالك

تخلفت قلبي في حبالك عانيا

وذو أشر عذب المنايا مخصر

يسقي به ماء النعيم الأقاحيا

أحوم عليه مادجا الليل ساهرا

وأصبح دون الورد ظمآن صاديا

يمضي ظلام الليل ما بين أضلعي

إذا البارق النجدي وهنا بدا ليا

أجيرتنا بالرمل والرمل منزل

مضى العيش فيه بالشبيبة حاليا

ولم أر ربعا منه أقضى لبانة

وأشجى حمامات وأحلى مجانيا

سقت ظله الغر الغوادي ونظمت

من القطر في جيد الغصون لآليا

أبثكم أي على النأي حافظ

ذمام الهوى لو تحفظون ذماميا

أناشدكم والحر أوفى بعهده

ولن يعدم الإحسان والخير جازيا

ص: 56

هل الود إلاّ ما تحاماه كاشح

وأخفق في مسعاه من جاء واشيا

تأوبنى والليل يذكى عيونه

ويسحب من ذيل الدجنة ضافيا

وقد مثلت زهر النجوم بأفقها

حبابا على نهر المجرة طافيا

خيال على بعد المزار ألم بي

فأدركني من لم أكن عنه ساليا

عجبت له كيف اهتدى نحو مضجعي

ولم يقول مني السقم والشوق باقيا

رفعت له نار الصبابة فاهتدى

وخاض لها عرض الدجنة ساريا

ومما أجد الوجد سرب على النقي

سوانح يصقلن الطلى والتراقيا

نزعن عن الألحاظ كل مسدد

فغادرن أفلاذ القلوب دواميا

ولمّا تراءى السرب قلت لصاحبي

وأيقنت أنَّ الحب ما عشت دائيا

حذارك من سقم الجفون فإنه

سيعدي بما يعيى الطبيب المداويا

وإنَّ أمير المسلمين محمّدا

ليعدى نداه الساريات الهواميا

تضئ النجوم الزاهرات خلاله

وينفث في روح الزمان المعاليا

معال إذا ما النجم صوب طالبا

مبالغها في العز خلف وانيا

يسابق علوي الرياح إلى الندى

وتفضح جدوي راحتيه الغواديا

ويغضي عن العوراء إغضاء قادر

ويرجح في الحلم الجبال الرواسيا

هما يروع الأسد في حومة الوغى

كما راعت الأسد الظباء الجوازيا

مناقب تسمو للفخار كأنما

تجري إلى المجد النجوم الجواريا

إذا استبق الأملاك يوما لغاية

ابيت وذاك المجد إلاّ التناهيا

بهرت فأخفيت الملوك وذكرهم

ولا عجب فالشمس تخفى الدرايا

جلوت ظلام الظلم من كل معتد

ولا عرو أن تجلو البدور الدياجيا

ص: 57

هديت سبيل الله من ضل رشده

لا زلت مهديا إليها وهاديا

أفدت وحتى الملك مما أفدته

وطوقت أشراف الملوك الأياديا

وقد عرفت منها مرين سوابقا

تقر لها بالفضل أخرى اللياليا

وكان أبو زيان جيدا معطلا

فزينته حتى اغتدى بك حاليا

لك الخير لم تقصد بما قد أفديته

جزاء ولكن همة هي ما هيا

فما تكبر الأملاك غيرك آمرا

ولا ترهب الأشراف غيرك ناهيا

ولا تشكي الأيام من داء فتنة

فقد عرفت منك الطبيب المداويا

أندلس أوليت ما أنت أهله

وأوريتها وردا من الأمن صافيا

تلافيت هذا الثغر وهو على شفى

وأصبحت من داء الحوادث شافيا

ومن بعد ما ساءت ظنون بأهلها

وحاموا على ورد الأماني صواديا

فما يأملون العيش إلاّ تعللا

ولا يعرفون الأمن إلاّ أمانيا

عطفت على الأيام عطف راحم

وألبستها ثوب امتنانك ضافيا

فآنس من تلقائك الملك رشده

ونال بك الإسلام ما كان راجيا

وقفت على الإسلام نفسا كريمة

تصد عدوا عن حماه وعاديا

فرأى كما انشق الصباح وعزمة

كما صقل القين الحسام اليمانيا

وكانت رماح الخط خمصا ذوابلا

فأنهلت منها في الدماء صواديا

وأوردت صفح السيف أبيض ناصعا

فأصدرته في الروع أحمر قانيا

لك العزم تستجلي الخطوب بهديه

ويلفى إذا تنبو الصوارم ماضيا

إذا أنت لم تفخر بما أنت أهله

فما الصبح وضاح المشارق عاليا

ويهنيك دون العيد شرعته

تبث به في الخالقين التهانيا

ص: 58

أقمت به من فطرة الدين سنة

وجددت من رسم الهداية عافيا

صنيع تولى الله تشييد فخره

وكان لمّا أوليت فيه مجازيا

تود النجوم الزهر لو مثلت به

وقضت من الزلفى إليك الأمانيا

وما زال وجه اليوم بالشمس مشرقا

سرورا به والليل بالشهب حاليا

على مثله فليعقد الفخر تاجه

ويسمو به فوق النجوم مراقيا

به يعمر الأنداء كل مفوه

ويحدو به من بات بالفقر ساريا

ويوسف فيه بالجمال مقنع

كأن له من كل قلب مناجيا

وأقبل قد شاب الحيا مهابة

ويقلب وجه البدر أزهر باهيا

وأقدم لا هيابة الحفل واجما

ولا قاصرا فيه الخطا متوانيا

شمائل فيه من أبيه وجده

ترى العز فيها مستكنا وباديا

فيا علقا أشجى القلوب لو أننا

فديناك بالأعلاق ما كنت غاليا

جريت فأجريت الدموع تعطفا

وأطلعت فيها للسرور فواشيا

وكم من ولي ددون بابك مخلص

يفديه بالنفس النفيسة واقيا

وصيد من الحيين أبناء قيلة

تكف العوادي أو تبيد الأعاديا

بهاليل غر إن أعدوا لغارة

أعادوا صباح الحي أظلم داجيا

فو الله لولا أن توخيت سنة

رضيت بها أن كان ربك راضيا

لكانت بها للأعوجيات جولة

تشيب من الغلب الشباب النواصيا

ص: 59

وتترك أوصال الوشيج مقصدا

وبيض الظبي حمر المتون دواميا

ولمّا قضى من سنة الله ما قضى

وقد حسدت منه النجوم المساعيا

أفضنا نهنى منك أكرم منعم

أبى لعيم الجود إلاّ تواليا

فيهني صفاح الهند والبأس والندى

وسمر العوالي والعتاق المذاكيا

ويهني البنود الخافقات فإنها

سيعقدها في ذمة النصر غازيا

كأني به يشفى الصوارم والظبي

ويحطم في لأم الضلال العواليا

كأني به قد توج الملك يافعا

وجمع أشتات المكارم ناشيا

وقضى حقوق الفخر في ميعة الصبا

وأحسن من دين الكمال التقاضيا

ما هو إلاّ السعد إن رمت مطلعا

وسددت سهما كان ربك راميا

فلا زلت يا فخر الخلافة كافلا

ولا زلت يا خير الأئمة كافيا

ودمت قرير العين منه بغبطة

وكان له رب البرية واقيا

نظمت له حر الكلام تمائما

جعلت مكان الدر فيها القوافيا

لآل بها باهي الملوك نفاسة

وجلت لعمري أن تكون لآليا

أرى المال يرميه الجديدان بالبلى

وما إن أرى إلاّ المحامد باقيا

ثم قال: ومن ذلك ما أنشد في الصنيع الثاني المختص بعمينا السيدين الأمير بن سعد ونصر رحمة الله عليهما وأجاد في وصف الجند والجرد والطلبة وغرائب الأوضاع.

أللمحة من بارق مبتسم

أرسلته دمعا تضرج بالدم

ص: 60

ولنفحة تهفو ببانات اللوى

يهفو فؤادك عن جوانح مغرب

هي عادة عذرية من يوم أن

خلق الهوى تعتاد كل متيم

قد كنت أعذل ذا الهوى من قبل أن

أدري الهوى واليوم أعذل لومي

كم زفرة بين الجوانح ما اتقت

حذر الرقيب ومدمع لم يسجم

إن كان اشي الدمع قد كتم الهوى

هيهات واشي السقم لمّا يكتم

ولقد أجد هواى رسم دارس

قد كاد يخفى عن خفي توهم

وذكرت عهدا في حماه قد انقضى

فأطلت فيه ترددي وتلومي

ولربما أشجى فؤادي عنده

ورقاء تنفث شجوها بترسم

لا أخرب الله الطلول فطالما

أشجى الفصيح بها بذكاء الأبكم

يا زاجر الأظعان يحفزها السرى

قف بي عليها وقفة المتلوم

لترى دموع العاشقين برسمها

حمرا كحاشية الرداء المعلم

دمن عهدت بها الشبيبة والهوى

سقيا لها ولعهدها المتقدم

وكتيبة للشوق قد جهزتها

أغزو بها السلوان غزو مصمم

ورفعت فيها القلب بندا خافقا

وأريت للعشاق فضل تهمم

فأنا الذي شاب الحماسة بالهوى

لكن من أهوى مضايق مقدمي

فطعنت من قد القوام بأسمر

ورميت غنج اللحاظ بأسهم

يا قاتل الله الجفون فإنها

مهما رمت لم تخط كلة الرمي

ظلمت قتيل الحب ثم تبينت

للسقم فيها فترة المتظلم

يا ظبية سنحت بأكناف الحمى

سقى الحمى صوب الغمام المسجم

ص: 61

ما ضر إذ أرسلت نظرة فاتك

أن لو عطفت بنظرة المترحم

فرأيت جسما قد أصيب فؤاده

من مقلتيك وأنت لم تتأثمي

ولقد خشيت بأن يقاد بجرحه

فوهبت لحظك ما أحلك من دمي

كم خضت دونك من غمار مفارزة

لا تهتدي فيها الليوث لمجثم

والنجم يسري من دجاه بأدهم

رحب المقلد بالثريا ملجم

والبدر في صفح السماء كأنه

مرآة هند وسط لج ترتمي

والزهر زهر والسماء حديقة

فتقت كمائم جنحها عن أنجم

والليل مربد الجوانح قد بدا

فيه الصباح كغزوة في أدهم

فكأنما فلق الصباح وقد بدا مرأى أبن نصر لاح للمتوسم

ملك أفاض على البسيطة عدله

فالشاة لا تخشى اعتداء الضيغم

هو منتهى آمال كل موفق

هو مورد الصادى وكنز المعدم

لاحت مناقبه كواكب أسعد

فرأت ملامح نوره عين العمي

ولقد تراءى بأسمه وسماحه

فأتى الجلال من الجمال بتوءم

من أمثالهم في الغمام وقد تضاحك برقه

فأفاد بين تجهم وتبسم

أنسى سماحة حاتم وكفاك في

يوم اللقاء ربيعة بن مكدم

سير تسير النيرات بهديها

وتعير عرف الروض طيب تنسم

فالبدر دونك في علا وإنارة

والبحر دونك في ندى وتكرم

ولك القباب الحمر ترفع للندى

فترى العمائم تحتها كالأنجم

ص: 62

يذكى الكباء بها كأن دخانه

قطع السحاب بجوها المتغيم

ولك العوالي السمر تشرع للعدا

فتخر صرعى لليدين وللفم

ولك الأيادي البيض قد طوقتها

صيد الملوك ذوي التلاد الأقدم

شيم يقر الحاسدون بفضله

والصبح ليس ضياؤه بمكتم

ورث السماحة عن أبيه وجده

فالأكارم أبن الأكرم أبن الأكرم

نقلوا المعالي كابرا عن كابرا

كالرمح مطرد الكعوب مقوم

وتسنموا رتب العلاء بحقها

بأب وجد في الخلافة وابم

يا آل نصر أنتم سرج الهدى

في كل خطب قد تجهم مظلم

الفاتحون لكل صعب مقفل

والفارجون لكل خطب مبهم

والباسمون إذا الكماة عوابس

والمقدمون على السواد الأعظم

أبناء أنصار النبي وجزبه

وذوي السوابق والجوار الأعصم

سل عنهم أحدا وبدرا تلفهم

أهل الغناء بها وأهل المغنم

وبفتح مكة كم لهم في يومه

بلواء خير الخلق من متقدم

أقسمت بالحرم الأمين ومكة

والركن والبيت العتيق وزمزم

لولا مآثرها وفضل علاهم

ما كان يعزى الفضل للمتقدم

ماذا عسى أثني وأنثنت على

عليائهم آي الكتاب المحكم

يا وارثنا عنها مآثرها التي

قد شيدت للفخر أشرف معلم

يا فخر أندلس لقد مدت إلى

علياك كف اللائذ المستعصم

ص: 63

أما سعودك في الوغى فتكفلت

بسلامة الإسلام فاخلد واسلم

وافيت هذا الشعر وهو على شفى

فشفيت معضل دائه المستحكم

ورعيته بسياسة دارت على

مختلطه دور السوار بمعصم

كم ليلة قد بت فيها ساهرا

تهدي الأمان إلى العيون النوم

يا مظهر الألطاف وهي خفية

ومهب ريح النصر للمتبسم

له دولتك التي آثارها

سير الركاب لمنجد أو متهم

ما بعد يومك في المواسم بعد ما

أتبعت عيد الفطر أكرم موسم

وافتك أشراف البلاد بيومه

من كل ندب للعلا متبسم

صرفوا إليك ركابهم وتيمموا

من بابك المنتاب خير ميمم

وتبؤوا منه بدار كرامة

فالكل بين مقرب ومنعم

ودت نجوم الأفق لم مثلت به

لتفوز فيه برتبة المستخدم

والروض مختال بحلة سندس

من كل موشي الرقوم منعنم

ورياحه نسمت بنشر لطيمة

وأفاحه بسمت بثغر مثلم

وأريتنا فيه عجائب جمة

لم تجر في خلد ولم تتوهم

أرسلت فيه سرعان الجياد كأنها

أسراب طير في التنوفة حوم

من كل منحفز بخطفة بارق

قد كلد يسبق لمحة المتوهم

ص: 64

طرف يشك الطرف في اشتثابته

فكأنه ظن بصدر مرجم

ومسافر في الجو تحسب أنه

يرقى إلى أوج السماء بسلم

رام استراق السمع وهو ممنع

فأصيب من قضب العصى بأسهم

رجمته من شهب النصال حواصب

لولا تعرضه لها لم يرجم

ومدارة الأفلاك أعجز كنهها

إبداع كل مهندس ومهندم

يمشي الرجال بجوفها وجميعهم

عن مستوى قدميه لم يتقدم

ومنوع الحركات قد ركب الهوا

يمشي على خط به متوهم

فإذا هوى من جوه ثم استوى

أبصرت طيرا حل صورة آدمي

يمشي على فنن الرشاء كأنه

فيه مساور ذابل أو أرقم

وإليك من صوب العقول عقيلة

وقفت ببابك وقفة المسترحم

ترجو قبولك وهو أعظم منحة

فاسمح به خلدت من متكرم

طارت فيها وصف كل غريبة

فنظمت شارده الذي لم ينظم

ودعوت أرباب البيان أريهم

" كم غادر الشعراء من متردم "

ما ذاك إلاّ بعض أنعمك التي

قد علمتنا كيف شكر المنعم

ثم قال: وأنشد من ذلك في الصنيع المخصوص بعمنا الأمير أبي عبد الله رحمه الله وأطنب في وصف دار الملك وغير ذلك من ضخامة آثار مولانا الجد رضي الله عنه:

سل الأفق بالزهر الكواكب حاليا

فإني قد أودعته شرح حاليا

ص: 65

وحملت معتل النسيم أمانة

قطعت بها عمر الومان أمانيا

فيا من رأى الأرواح وهي ضعيفة

أحملها ما يستخف الرواسيا

وساوس كم جدت وجد بي الهوى

فعد بها القلب المقلوب هازيا

ومن يطع الألحاظ في شرعة الهوى

فلا بد أن يعصي نصيحا ولا حيا

عدلت بقلبي عن ولاية حكمه

غداة ارتضى من جائر اللحظ واليا

وما الحب إلاّ نظرة تبعث الهوى

وتعقب ما يعيي الطبيب المداويا

فيا عجبا للعين تمشي طليقة

ويصبح من جرائها القلب عانيا

إلاّ في سبيل الله نفس نفيسة

يرخص منها الحب ما كان غاليا

ويا رب عهد للشباب قضيته

وأحسنت من دين الوصال التقاضيا

خلوت بمن أهوى من غير رقبة

ولكن عفافي لم أكن عنه خاليا

ويوم بمستن الظباء شهدته

أجد وصالا باليا فيه باليا

وأصح من خمر اللحاظ وقد غدا

به الجو وضاح الأسرة ضاحيا

وجرد من غمد الغمامة صارما

من البرق مصقول يمانيا

تبسم فاستبكى جوني عبرة

ملأت بدر الدمع منها ردائيا

وأذكرني ثغرا ظمئت لورده

ولا والهوى العذري ما كنت ناسيا

وراح خفق القلب مثلي كأنما

ببرق الحمى من لوعة الحب مابيا

وليلة بات البدر فيها مضاجعي

وباتت عيون الشهب نحوي روانيا

كرعت بها بين العذيب وبارق

بمورد ثغر بات بالدر حاليا

ص: 66

رشفت بها شهد الرضاب سلافة

وقبلت في ماء النعيم الأقاحيا

فيا برد ذاك الثغر رويت غلتي

ويا حر أنفاسي أذابت فؤاديا

وروضة حسن للشباب نضيرة

هصرت بغصن ألبان فيها المجانيا

وقد بت أقي وردة الخد أدمعي

فأصبح فيها نرجس اللحظ ذاويا

ومالت بقلبي مائلات قدودها

فما للقدود المائلات وماليا

جزى الله العهد عودا فطالما

أعاد على ربع الظباء الجوازيا

وقل لليال في الشباب نعمتها

وقضيتها أنسا سقيت لياليا

ويا واديا رفت على ظلاله

ونحن ندير الوصل فديت واديا

رمتني عيون السرب فيه وإنما

رمين بقلبي في الغرام المراميا

فلولا اعتصامي بالأمير محمّد

لمّا كنت من فتك اللواحظ ناجيا

فقل لذي يبني على الحسن شعره

عليه مع الإحسان لا زلت بانيا

فكم من شكاة في الهوى قد رفأتها

ورقتها بالمدح إذ جاء تاليا

وكم ليلة في مدحه قد سهرتها

أباهي بدر النظم فيه الدراريا

ولاح عمد الصبح مثل انتسابه

رفعت عليه للمديح المبانيا

إمام أفاد المكرمات زمانه

وشاد له فوق النجوم المعاليا

وجاوز قدر البدر نورا ورفعة

ولم يرض إلاّ بالكمال مواليا

هو الشمس بثت في البسيطة نفعها

وأنوارها أبدت قريبا وقاصيا

هو البحر بالإحسان يزخر موجه

ولكنه عذب لمن جاء عافيا

ص: 67

هو الغيث مهما يمسك الغيث سحبه

يروي بسحب الجود من كان صاديا

شمائله لو أنَّ الرياض بحسنها

لمّا صار فيها زهرها الغض ذاويا

فيا بن الملوك من آل خزرج

وذا نسب كالصبح عز مساميا

ألست الذي ترجو العفاة نواله

فتخجل جدواه السحاب الغواديا

ألست الذي تخشى البغاة صياله

فتنزل عليه الصعاب العواديا

وهديك مهما ضلت الشهب قصدها

تولته في جنح الدجنة هاديا

وعزمك أمضى من حسامك في الوغى

وإن كان مصقول الغرارين ماضيا

فكم قادح في الدين يكفر ربه

قدحت له زند الحفيظة واريا

وما راعه إلاّ حسام وعزمة

يضيئان في ليل الخطوب الدواجيا

فلولاك يا شمس الخلافة لم يبن

سبيل جهاد كان من قبل خافيا

ولولاك لم ترفع سماء عجاجة

تلوح بها بيض النصول دراريا

ولولاك لم تنهل غصون من القنا

وكانت إلى ورد الدماء صواديا

فأثمر فيها النصل نصرا موزرا

فأجني قطاف الفتح غضا ودانيا

ومهما غدا سفاح سيفك عاريا

يغادر وجه الأرض بالدم كاسيا

قضى الله من فوق السموات أنه

على من أبى الإسلام في الأرض قاضيا

فكم معقل للفر صبحت أهله بجيش أعاد الصبح أظلم داجيا

رقيت إليه والسيوف مشيحة

وقد بلغت فيه النفوس التراقيا

ص: 68

ففتحت مرقاة الممنع عنوة

وبات به التوحيد يعلو مناديا

وناقوسه بالقسر أمسى معطلا

ومنبره بالذكر أصبح حاليا

عجائب لم تخطر ببال وإنما

ظفرنا بها عن همة هي ماهيا

فمنك أستفاد الدهر كل عجيبة

يباهي بها الأملاك أخرى لياليا

وعنك يروي الناس كل غريبة

تخط على صفح الزمان أماليا

ولله مبناك الجميل فإنه

يفوق على حكم السعود المبانيا

فكم فيه للأبصار من متنزه

تجد به نفس الحليم الأمانيا

وتهوي النجوم الزهر لو ثبتت به

ولم تك في أفق السماء جواريا

ولو مثلك في ساحتيه لسابقت

إلى خدمة ترضيك منها الجواريا

به البهو قد حاز البهاء وقد غدا

به القصر آفاق السماء مباهيا

وكم حلة جللته بحليها

من الوشي تنسي السباري اليمانيا

وكم من قسي في ذراه ترفعت

على عمد بالنور باتت حواليا

فتحسنها الأفلاك دارت قسيها

تظل عمود الصبح إذ لاح باديا

سواري قد جاءت بكل غريبة

فطارت بها الأمثال تجري سواريا

به المرمر المجلو قد شف نوره

فيجلو من الظلماء ما كان داجيا

إذا ما أضاءت بالشعاع تخالها

على عظم الأجرام منها لآليا

به البحر دفاع العباب تخاله

إذا ما انبرى وفد النسيم مباريا

ص: 69

إذا ما جلت أيدي الصبا صفح متنه

أرتنا دروعا أكسبتها الأياديا

وراقصة في البحر طوع عنانها

تراجع الحان القيان الغواليا

إذا ما علت في الجو ثم تحدرت

تحلى بمرفض الجمان النواحيا

يذوب لجين سال بين جواهر

غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا

تشابه جار للعيون بجامد

فلم أدر أيا منها كان جاريا

فإن شءت تشبيها له عن حقيقة

تصيب بها المرمى وبوركت راميا

فقل أرقصت منها البحيرة بنتها

كما يرقص المولود من لاهيا

أرتنا طباع الجود وهي وليدة

ولم ترض في الإحسان إلاّ تغاليا

سقت ثغر زهر الروض عذب برودها

وقامت لكي تهدي إلى الزهر ساقيا

كأن قد رأت نهر المجرة ناضبا

فرامت بأن تجري إليه السواقيا

وقامت بنات الدوح فيه موئلا

فرادى ويتلو بعضهن مثانيا

رواضع في حجر الغمام ترعرعت

وشبت فشبت حبها في فؤاديا

بها كل ملتف الغدائر مسبل

تجيل به أيدي النسيم مداريا

وأشرف جيد الغصن فيها معطلا

فقلدت النوار منه التراقيا

إذا ما تحلت در زهر غروسه

يبيت لها النمام بالطيب واشيا

ص: 70

مصارف النقدين فيها بمثلها

أجاز بها قاضي الجمال التقاضيا

فإن ملأت كف النسيم مع الضحى

دراهم نور ظل عنها مكافيا

فيملأ حجر الروض حول غصونها

دنانير شمس تترك الروض حاليا

تغرد الطير في أفنانها كلما

تجس به أيدي القيان الملاهيا

تراجعها سجعا فتحسب أنها

بأصواتها تملي عليها الأغانيا

فلم ندر روضا منه أنعم نضرة

وأعطر أرجاء وأحلى مجانيا

ولم نر قصرا منه أعلى مظاهرا

وأرفع آفاقا وأفسح ناديا

معاني من نفس الكمال انتقيتها

وزينت منها بالجمال المغانيا

وفاتحت مبناها بعيد شرعته

تبث به في الخافقين التهانيا

ولمّا دعوت الناس نحو صنيعه

أجابوا له من جانب الغور داعيا

وأموه من أقصى البلاد تقربا

وما زال منك السعد يدني الأقاصيا

وأذكرت يوم العرض جودا ومنعة

بموقف عرض كنت فيه المجازيا

جزيت به كلا على حال سعيه

فما غرست يمناه أصبح جازيا

وأطلعت من جزل الوقود هو ادجا

تذكر يوم النفر من كان ساهيا

وحين غدا يذكى ببابك للقرى

فلا غرو أن أجريت فيه المذاكيا

ص: 71

وطامحة في الجو غير مطالة

يرد مداها الطرف أحسر عانيا

تمد لها الجوزاء كف مصافح

ويدنو لها بدر السماء مناجيا

ولا عجب أن فاتت الشهب بالعلا

وأن جاوزت منها المدى المتناهيا

فبين يدي مثواك قامت لخدمة

ومن خدم الأعلى استفاد المعاليا

وشاهد ذا أني ببابك واقف

وقد حسدت زهر النجوم مكانيا

وقد أرضعت ثدي الغمام قبلها

رياض كن فيه نواشيا

فلما بنيت عن قرارة أصلها

أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا

وعدت لقاء السحب عيدا وموسما

لذلك اغتدت بالزمر تلهي الغواديا

فأضحك البرق الطروب خلالها

وبات لأكواس الدراري معاطيا

رأت نفسها طالت فظنت بأنها

تفوت على رغم اللحاق المراميا

فخفت إليها الذابلات كأنها

طيور إلى وكر أطنان تهاويا

حنكت شبها للنحل والنحل حوله

عصى إلى مثواه نهوى عواليا

فمن مثبت منها الرمية مدرك

ومن طائش في الجو حلق وانيا

وحصن منيع في ذراه قد ارتقى

فأبعد في الجو الفضاء المراقيا

كأن بروج الأفق غارت وقد رأت

بروج قصور شدتهن سواميا

فأنشأت برجا صاعدا ومتنزلا

يكون رسولا بينهن مداريا

تظورت حالات أتى في ضروبها

بأنواع حلي تستفز الغوانيا

ص: 72

فحجل برجليها وشاح بخصرها

وتاج إذا ما حل منها الأعاليا

وما هو إلاّ طير سعد بذروة

غدا زاجرا من أشهب الصبح بازيا

أمولاي يا فخر الملوك ومن به

سيبلغ دين الله ما كان راجيا

بنوك على حكم السعادة خمسة

وذا عدد للعين ما زال واقيا

تبيت لهم كف الثريا معيدة

ويصبح معتل النسيم رواقيا

أسام عليها للسعادة ميسم

ترى العز فيها مستكنا وباديا

جعلت أبا الحجاج فاتح طرسهم

وقد عرفت منك الفتوح التواليا

وحسبك سعد ثم نصر يليهم

محمّد الأرضي فما زلت راضيا

أقمت به من فطر الدين سنة

وجددت من رسم الهداية عافيا

وجاءوا به ملء العيون وسامة

يقلب وجه البدر أزهر باهية

فيا عاذلا ما كان أجرأ مثله

فمثلك لا يدمى الأسود الضواريا

وجاءتك من مصر التحايا كرائما

كما فتقت أدي التجار الغواليا

ووافتك من أرض الحجاز تميمة

تتمم صنع الله لا زال باديا

وناداك بالتهويل سلطان طيبة

فيا طيب ما أهدى إليك مناديا

وقام وقد وافى ضري محمّد

لسلطانك الأعلى هنالك داعيا

سيريرتك الرحمى جزاك بسعيها

اله يوفي في الجزاء المساعيا

فوالله لولا سنة نبوية

عهدناه مهديا إليها موهاديا

وعذر من الإعذار قرر حكمه

من الشرع أخبار رفعن عواليا

ص: 73

لراعت بها للحرب أهوال موقف

تشيب بمبيض النصول العواليا

لك الحمد فيه من صنيع تعده

فثالثه في الفخر عزز ثانيا

تشد له الجوزاء عقد نطاقها

لتخدم فيه كي تنال المعاليا

وهنيت بالأمداح فيه وقد غدا

وجودك فيه بالإجادة وافيا

ودونك من بحر البيان جوهرا

كرمن فما يشرين إلاّ غواليا

وطاردت فيها وصف كل غريبة

فأعجزت من يأتي ومن كان ماضيا

فيا وارث الأنصار لا عن كلالة

تراث جلال يستخف الرواسيا

بأمداحه جاء الكتاب مفصلا

يرتله في الذكر من كان تاليا

لقد عرف الإسلام مما أفدته

مكارم أنصارية وأياديا

عليك سلام الله فاسم مخلدا

تجدد أعياد وتبلى أعاديا

ثم قال: ومن ذلك أيضاً فيما اعتمدنا به نحن وأخونا المتولى بالأمر بعد مولانا الوالد رحمة الله على الجميع من تلك الصنائع وهي جامعة لجم الأوصاف والبدائع:

نجوم أمدتها بدر كوامل

لها النور من شمس الخلافة شامل

وفي الشهب من بدر اللسماء مشابه

وفي البدر من شمس النهار مخايل

وتعرف فيها من أبيها شمائل

كما في أبيها من أبيه شمائل

مراتب في عدد الحساب ثلاثة

وهن لأقمار العلاء نازل

طلعن على حكم السعود أهلة

وسرعان ما تبدو وهن كوامل

ص: 74

تجلت إلى الأبصار من أفق الهدى

وبثت إلى الأنصار منها وسائل

فيأيها المولى الذي شاد آخرا

من الفخر ما لم تستطعه الأوائل

بنوك كأمثل الأناب عدة

فزانت يد الإسلام تلك الأنامل

غصون بروض الجود منك ترعرعت

وقد جادها من صوب نعماك وابل

فوا ما أدري إذا ما تذوكرت

أأخلاقها تجلى لنا أم خمائل

غيوث سماح والعفاة مسايل

ليوث كفاح والكماة تنازل

سيوف محلاة على عاتق الهدى

إذا تنتضي تمضي وتنبو المناصل

تخاف عداة الدين منهم وتتقي

كما تتقى الأسد الظباء الجوافل

وإنَّ أبا الحجاج وهو كبيرهم

محل كثير دونه متضائل

مليك إذا اتقبلت غزة وجهه

تخليت أنَّ الشمس فيما تقابل

إذا استمطرت في المحل سحب بنانه

فهن لمستجد هوام هوامل

وإن سال ماء البشر فوق جبينه

فليس بمدفوع عن الورد سائل

تقلد منه عاتق الملك صارما

له العزم نصل والسعود حمائل

وأبناؤه در تناسق عقده

يحلى بهم من لبة الفخر عاطل

أزهار في روض المحاسن أينعت

فلا روضها ذاو ولا الزهر ذابل

زواهر في أفق العلاء تطلعت

يشابه بعض بعضها ويشاكل

فما منهم إلاّ أغر نحجل

بورد المعالي في الشبيبة ناهل

أقمت لها الإعذار موسم رحمة

تسنت به للمتقين المآمل

وما هو إلاّ مورود لسعادة

تفيض لها منه المنى والفواضل

ص: 75

وأجريت سرعان الجياد بملعب

تذكر فيه موقف الجد هازل

نجوم وآفاق الطرد مشارق

عليها بدور من وجه كوامل

مفاتيح أبواب الفتوح فطالما

أبيحت بها للكافرين المعاقل

فأشهب كالإصباح راق أديمه

وغالت به شهب السماء الغوائل

ألم تر أنَّ الشهب في الأفق كلما

تجلى له الإصباح فهي أوائل

وأحمر زان الورد منه جمية

يحف به نهر من السيف سائل

جرت لونه من فوقه مهج العدا

فلله منه الجامد المتسابل

تلاقي به أمثاله فكأنها

جمار وقد أذكى بها البأس باسل

إذا قبست بالركض في حومة الوغى

تنير بها ليل القتام مشاعل

وأشقر مهما جاول البرق في مدى

يفوت جواد البرق منه المجاول

تحلى بمحلون النضار أديمه

فكل محلى دونه فهو عاطل

وأدهم في مسح الدجى متلفع

وقد خاض منه في الصبح الأسافل

يكلل بالجوزاء حلى لجامه

فدر الدراري من حلاه عواطل

ولم يرضه سرج الهلال مفضضا

فأعرض عنها للأهلة ناعل

وأصفر في ثوب الأصيل قد ارتدى

وربما ودت حلاه الأصائل

وقد قد من برد العشى جلاله

وفي ذيله صبغ من الليل حائل

ص: 76

وصاعدة في الجو ملء عنانها

تسامت أعنان السما وتطاول

طلعت تحيي البدر منها بصعدة

عليها لواء الصبح في الأفق ماثل

وقد أعربت بالرفع عن طيب فخرها

متى نصبتها في الفضاء العوامل

يمد لها الكف الخصيب بساعد

ويشكي السماك الأعزل الرمح عامل

وتنتابها هيف العصي كأنها

سهام وعاها للرمية نابل

تراوغها طورا وطورا تضيفها

فسام لأعلى مرتقاها ونازل

وبالأمس كانت بعض أغصان دوحها

فنقله عنها على الرغم ناقل

فحنت إلى أوطانها وتسابقت

تعارد مسراها بها وتواصل

وبرج منيف في ذراها قد ارتقى

لترفع منه للبروج الرسائل

تطور حالات أتى في جميعها

بأوضاع حاي وصفه متغافل

فتاج بأعلاها وشاح بخصرها

وفي الساق منه قد أديرت خلاخل

وما هو إلاّ قائم مد ملكه

إلى الله في البقايا لمّا صد سائل

ولله عينا من رأى القصر حوله

منازل فيها للسعود منازل

تروقك فيه للبدور مطالع

إذا مثلت في ساحتيه الأماثل

مظاهر أقمار مراتب أنجم

منازل بالنصر العزيز أواهل

وقد كان هول الحفل روع أهله

وأشعرت الإشفاق تلك المحافل

ص: 77

فأدبت به أبناء نجلك أوجها

تبين إلى السارين منها المجاهل

فلا الحفل مرهوب ولا الخطو قاصر

ولا السرب مرتاع ولا الروع هائل

ولا القلب منخوب ولا الحلم طائش

ولا العقل معقول ولا الفكر ذاهل

أولئك أبناء الخلافة بوكروا

وتجرى على أعدائهن الصواهل

هنيئا بها من سنة نبوية

زها الفخر محصول لديها وحاصل

ورحمى له من عاذر بان عذره

وأوهم نقصا فضله متطاول

فنقص الهلال الأفق ما زال مؤذنا

لمرآة أن يبدو وهو كامل

ومن نقص ظل الشمس تزداد رفعة

إلى أن ترى والظل في الشرق مائل

وإن تابع النقص الشهور فإنها

على إثره تأتي وهن كوامل

ونقص صلاة الظهر يوم عروبة

لمعنى كمال أوضحته الدلائل

وإن نقص البازي رياشه جناحه

يزيد استباقا وهو للصيد خاتل

وتستفرغ الأنعام ما في ضروعها

عيشا لتغدو والضروع حوافل

ونقص زكاة المال فيه وفورة

ومشق ذباب السيف يخشاه صاقل

لك الخير من صنع جلوت محاسنا

يحدى بها حدي السرى ويناقل

إلاّ هكذا فليعقد الفخر تاجه

ويسمو إلى أوج العلا ويطاول

بأبلج ار الصبح منه بطلعة

لها البدر تاج والنجوم قبائل

إذا خطب العليا تخطت بركبه

على خطر المسعى القنا والقنابل

ولو رام إدراك النجوم بحيلة

لا حرز من إدراكها ما يحاول

وإن طلبت زهر النجوم لحاقة

فمن دون ما تبغي المدى المتطاول

وتخفق بالنصر العزيز بنوده

إذا خفقت فيها الصبا والشمائل

وليل جهاد بات يرعى نجومه

فلا الليل منجاب والنجم آفل

ص: 78

يرعى حماة الدين فيه بمقلة

يرعى بها الإسلام كاف وكافل

إذا اشتاق هز الريح خافق بنده

وإن حن غنته الجياد الصواهل

وفي الله عن وصل الأحبة مرغب

وفي الغزو عن ذكر المنازل شاغل

من الخزرجيين اللذين نمتهم

عشائر من قحطانها وفصائل

تسامي إلى ماء السماء فجوده

بماء السماء في البسيطة حائل

أقول لمستام الربيع وقد غدا

يرود مصاب الغيث والعام ماحل

أمامك دار للغنى بربه

بأرجائها للمعتفين مناهل

تجر من كفيه عشرة أبحر

يغض بهن البحر وهي أنامل

فتجري بها سفن الرجاء إلى مدى

وليس إلى الجودي من الجود ساحل

فراجيه تستجدى العفاة نواله

وسائله تزجى إليه الوسائل

أحاديث عنه في السماح غريبة

يروى عواليها عطاء وواصل

لك الله من تول غمام بنانه

أقامت فروض البر منها النوافل

طلعت بأفق الغرب نير رحمة

وقد شرقت منك العلا والفضائل

فحمدك أحرى ما أفادت حقائب

وذكرك أسنى ما أقلت رواحل

ص: 79

تروم جواري الشهب شأوك في العلا

ومن دونه للنيرات مراحل

وفي الصبح من ذاك الجبين أشعة

وفي الشمس من ذاك المحيا دلائل

وفي الروض من رياك عرف ونفحة

وفي الغيث من يمناك جود ونائل

إذا أنت لم تزج الجنود إلى العلا

فإنَّ جنود الله عند تقاتل

وإن لم تقومها سهاما مريشة

فإن سهام الله عنك تناضل

تريش لك الأقدار أسهم أسعد

تصاب بها للدار عين مقاتل

لك العز تستجلي الخطوب بنوره

فليس له إلاّ الصباح مماثل

إذا العزم لم يصقل حسام كميه

فما نافع ما قد جلته الصياقل

فقبل مضاء السيوف تمضي عزائم

وبعد بناء الرأي تبنى المعاقل

وما يستوي

والعلم لله وحده عليم بأعقاب الأمور وجاهل

تظلل سحب الطير جيشك حيثما

تميل به الرايات وهي حوامل

فلاقى بها عقبان طير وراية

تبدي الأعادي والرماح حبائل

فقل لعميد الروم دونك فارتقب

طلائع فيها للمنايا رسائل

وشم بارق السيف اللموع جفونه

سحاب قتام تحته الدم سائل

ولا تزجر الغربان في البحر إنها

سفائن والبحر المذلل حامل

ولكنها والله ينجز وعده

جواد بآساد الرجال حوامل

ومخضرة الأرجاء في جنباتها

مارح تحميها الرماح الذوابل

ترى الدوح منها بالأسنة مزهرا

إذا ما سقته للسيوف الجداول

تبل غليل الرمح من مهج العدا

إذا ما كست منها الرماح غلائل

ص: 80

فيا عجبا للرمح رويته دما

وقد راق منه العين ريان ذابل

لقد كملت فيك المحاسن كلها

وما كل من يعطى الخلافة كامل

فعند جميع الخلق شكرك عاجل

وعند الإله الحق أجرك آجل

ودونك من نظمى جوهر حكمة

يفاخر منها اللسحر بالشعر بابل

وما هو إلاّ ذكر أوصافك العلا

فتفعل يا مولاي والعبد قائل

فتتلى على الأسماع منها بدائع

وتجلى على الأبصار منها عقائل

ولو أنني أدركت أعصار من مضى

لمّا قال فيها الشاعر المتخايل

" وإني وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل "

ولافتخرت قدما إياد بقسها

ولا استصحبت سبحان في الفخر وائل

فلا زلت يا مولاي مورد رحمة

عطاش الأماني في رضاك نواهل

تقيم رسوم المعلوات بمغرب

وذكرك في أقصى البسيطة حائل

وأدركت في الأعداء ما أنت طالب

وبلغت في الأبناء ما أنت آمل

ثم قال: ومن ذلك في الصنيع المختص بالأمراء الجلة أخينا المعز لدولتنا أبي الحسن وأخينا أبي العباس وأبن عمنا أبي عبد الله وصلى الله سعودهم ولقد أبدع في تشييده وتأسيسه وبسط يد الحسن من براعة تخميسة وذلك عام عودة مولانا رحمة الله تعالى عليه من سبتة لمّا عادت إلى مكة قال:

ص: 81

أرقت لبرق مثل جفني ساهرا

ينظم من قطر الغمام جواهرا

فأضحط زهر الروض منه أزهارا

وصبح حكى وجه الخليفة باهرا

تجسم من نور الهدى وتجسدا

شفائي معتل النسيم إذا انبرى

وأسند عن دمعي الحديث الذي جرى

وقد فتق الأرجاء مسكا وعنبرا

كأن الغنى بالله في الروض قد سرى

فهبت به الأرواح عاطرة الردا

عذيري من قلب إلى الحسن قد صبا

تهيجه الذكرى ويصبو إلى الصبا

ويجري جياد اللهو في ملعب الصبا

ولولا أبن نصر ما أفاق وأعتبا

رأي وجهه صبح الهداية فاهتدى

إليك أمير المسلمين شاكية

حنى الحسن فيها للقلوب جناية

وأعظم فيها بالعيون نكاية

وأطلع في ليل من الشعر آية

محيا جميلا بالصبح قد ارتدى

بهديك تهدي النيرات وتهتدي

وأنوارها جدوى يمينك تجتدي

وعدلك للأملاك أوضح مرشد

بآثار في مشكل الأمر تقتدي

فما بال سلطان الجمال قد اعتدى

تحكم منا في نفوس ضعيفة

وسل سيوفا من جفون نحيفة

ألم يدر أنا في ظلال خليفة

ودولة أمن لا تراع منيفة

بها قد رسا دين الهدى وتمهدا

ص: 82

خذوا بدم المشتاق لحظا أرقته

وبرقا بأعلام الثنية شاقة

وإن كلفوه فوق ما قد أطاقه

يبث حديثا ما ألذ مساقه

خليفتنا المولى الإمام محمّد

تقلد حكم العدل دينا ومذهبا

وجور الليالي قد أزاح وأذهبا

فيا عجبا للشوق أذكى وألهبا

وسل صباحا صارم البرق مذهبا

وقد بات في جفن الغمامة مغمدا

يذكرني ثغرا لأسماء أشنبا

إذا اتسم تجلو من الليل غيهبا

كعزم أمير المسلمين إذا احتبى

وأجرى به طرفا من الصبح أشهبا

وأصدر في ذات الإله وأوردا

فسبحان من أجرى الرياح بنصره

وعطر أنفاس الرياض بشكره

فبرد الصبا يطوي على طيب نشره

ومهما تجلى وجهه وسط قصره

ترى هالة بدر السماء بها بدا

إمام أفاد المعلوات زمانه

فما لحقت زهر النجوم مكانه

ومدّ على شرق وغرب أمانه

ولا عيب فيه غير أنَّ بنانه

تغرق مستجدية في أبحر الندى

هو البحر مدّ العارض المتهللا

هو البدر لكن لا يزال مكتملا

هو الدهر لا يخشى الخطوب ولا ولا

هو العلم الخفاق في هضبة العلا

هو الصارم المشهور في نصرة الهدى

ص: 83

أما والذي أعطى الوجود وجوده

وأوسع من فوق البسيطة جوده

لقد أصحب النصر العزيز بنوده

ومدينة بأملاك السماء جنوده

وأنجز للإسلام بالنصر موعدا

أمولاي قد أنجحت رأيا وأيا ورواية

ولم تبق في سبق المكارم غاية

فتهدي سجاياك أبن رشد نهاية

وإن كان هذا السعد منك بداية

سيبقى على مر الزمان مخلدا

سعودك تغني عن قراع الكتائب

وجودك يزري بالغمام السواكب

وإن زاحمتها شهبها بالمناكب

ووجهك بدر المنتدى والمواكب

وقد فسحت في الفخر أبناؤك المدى

بنوك كأمثال الأنامل عدة

أعدت لمّا يخشى من الدهر عدة

وزيد يهم برد الخلافة جدة

أطال لهم في ظل ملكك مدة

إله يطيل العمر منك مؤبدا

يدور بأوصاف الكمال استقلت

غمام بفياض النوال استهلت

سيوف على الأعداء بالنصر سلت

نجوم بآفاق العلاء تجلت

ولاحت كما شاءت سعودك أسعدا

وإنَّ أبا الحجاج سيفك منتضى

وبدر بآفاق الجمال تعرضا

بنورك يا شمس الخلافة قد أضا

وراقت على أعطافه حلل الرضا

فحل محلا من رضاك ممهدا

ص: 84

مليك له تعنو الملوك جلاله

يجرر أذيال الفخار مطالة

وتفرق أسد الغاب منه بسالة

وترضاه أنصار الرسول سلالة

فأبناؤه طابوا فروعا ومحتدا

أزاهر في روض الخلافة أيعنت

زواهر في أفق العلاء تطلعت

جواهر أعيت في الجمال وأبدعت

وعن قيمة الأعلاق قدرا ترفعت

يسر بها الإسلام غيبا ومشهدا

بعهد ولي العهد كرم عهده

وأنجز في تخليد ملكك وعهده

تنظم منهم تحت شملك وعقده

وأورثهم فخرا أبوه وجده

فأعلى عليا حين أحمد احمدا

تحوط بهم ملكا عزيزا وملة

وتلحظ عين السعد منهم أهلة

ستبدو على أفق العلا مستقلة

وسحبها بفياض الندا مستهلة

تفجر بحرا للسماحة مزبدا

ونجلك نصر يقتفي نجل رسمه

أمير يزين العقل راجح حلمه

أتاك بنجل يستضاء بنجمه

لحب رسول الله سماه بأسمه

وباسمك في هذي الموافقة اقتدى

أقمت بإعذار الإمارة سنة

وطوقها من حلى فخرك منة

وأسكنتها في ظل برك جنة

وألحفتها برد اعتنائك جنة

وعمرت منها بالتلاوة مسجدا

ص: 85

لله عينا من رآهم تطلعوا

غصونا بروض الجود منك ترعرعوا

وفي دوحة العلياء منك تفرعوا

ملوك بجلباب الحياء تقنعوا

أضاء بهم أفق قصرك منتدى

وقد أشعروا الصبر الجميل نفوسهم

وقد أفرغوا فوق الحلى لبوسهم

وقد زينوا بالبشر فيه شموسهم

وعاطوا كئوس الأنس فيه جليسهم

وأبدوا على هول المقام تجلدا

شمائل فيهم من أبيهم وجدهم

تفصل آي الفخر فيها بحمدهم

وتنسبها الأنصار قدما لسعدهم

تضئ بها نورا مصابيح سعدهم

ولم لا ومن صحب الرسول توقدا

فو الله لولا سنة قد أقمتها

وسيرة هدى للنبي علمتها

وأحكم عدل للجنود رسمتها

لجالت بها الأبطال تقصد سمتها

وتترك أوصال الوشيج مقصدا

ويا عاذرا أبدى لنا الشرع عذه

طرقت حمى قد عظم الله قدره

وأجريت طيبا يحسد الطيب نشره

لد جئت ما تستطعم الصيد أمره

وتفديه إن يقبل خليفها فدا

رعى الله منها دعوة مستجابة

أفادت نفوس المخلصين إنابة

ولم تلف من دون القبول حجابة

وعاذرها لم يبد عذرا مهابة

فأوجب عن نقص كمالا تزيدا

ص: 86

فنقص زكاة المال وفر نصل به

وما السيف إلاّ بعد مشق ذبا به

وما الزهر إلاّ بعد شق إهابه

بقطع يراع الخط حسن كتابه

وبالنقص يزداد الذبال توقدا

ولمّا قضوا من سنة الشرع واجبا

ولم نلق من دون الخلافة حاجبا

أفضنا منك جذلان واهبا

أفاض علينا أنعما ومواهبا

تعود بذل الجود فيما تعودا

هنيئا بهذا قد بلغت مؤملا

وأطلعت نورا يبهر المتأملا

وأحرزت أجر المنعمين مكملا

تبارك من أعطى جزيلا وأجملا

وبلغ فيك الدين والملك مقصدا

إلاّ في سبيل العز والفخر موسم

يظل به ثغر المسرة يبسم

وعرف الرضا من جوه يتبسم

وأرزاق أرباب السعادة تقسم

ففي وصفه ذهن الذكي تبلدا

وجللت في هذا الصنيع مصانعا

تمنى بدور التم منها مطالعا

وأبديت فيها للجمال بدائعا

وأجريت للاحسان فيها مشارعا

يود بها نهر المجرة موردا

وأجريت فيها الخيل وهي سوابق

وإن طلبت في الروع فهي لواحق

نجوم وآفاق الطرد مشارق

يفوت التماح الطرف منها بوارق

إذا ما تجارى الشهب تستبق المدى

ص: 87

وتطلع في ليل القتام كواكباً

وقد وردت نهر النهار مشارباً

تقود إلى الأعداء منها كتائباً

فترسم من فوق التراب محاربا

تخر رءوس الروم فيهن سجدا

سواج بالنصر العزيز سوانح

وهن لأبواب الفتوح فواتح

توقد إليك النصر والله مانح

فما زلت باب الخير والله فاتح

وما ثم شيء قد عدا بعد ما عدا

رياح لها مثنى البروق أعنة

ظباء فإن جن الظلام فجنة

تقيها من البدر المتمم جنة

وتشرع من زهر النجوم أسنة

فتقذف شهب الرجم في ثغر العدا

فأشهب من نسل الوجيه إذا انتمى

جرى فشأى شهب الكواكب في السما

وخلف منها في مقلد انجما

تردي جمالا بالصباح وربما

يقول له الإصبح نفسي لك الفدا

واحمر قد أذكى به البأس جمرة

وقد سلب الياقوت والورد حمرة

أدار به ساق من الحرب خمرة

وأبدى حبابا فوقها ألسن غرة

يزين بها خداً أسيلا موردا

وأشقر مهما الركض برقه

أعار جواد البرق في الأفق سبقه

بدا شفقا قد جلل الحسن أفقه

ألم تر أنَّ الله أبدع خلقه

فسأل على أعطافه الحسن عسجدا

وأصفر قد ورد الأصيل جماله

وقد من برد العشى جلاله

ص: 88

إذا أسرجوا جنح الظلام ذباله

فغرته نجم تضئ مجاله

وفي ذيله ذيل الظلام قد ارتدى

وأدهم في مسح الدجى متجرد

يجيش به بحر من الليل مزبد

وغرته نجم به متوقد

له البدر سرج والنجوم مقلد

وفي فلق الصبح المبين تقيدا

وأبيض كالقرطاس لاح صباحه

على الحسن مغداه وفيه مراحه

وللظبيات الأنسات مراحة

تراه كنشوان أمالته راحة

وتحسبه وسط الجمال معربدا

وذاهبة في الجو ملء عنانها

وقد لفعتها السحب برد عنانها

يفوت يرتداد الطرف لمح عيانها

وختمت الجوزاء سبط بنانها

وصاغت لها حلي النجوم مقيدا

أراها عمود الصبح علو المصاعد

وأوهمها قرب المدى المتباعد

ففاتته سبقا في مجال الرواعد

واتحفت الكف الخضيب بساعد

فطوقت الزهر النجوم بها يدا

وقد قذفتها للعصى حواصب

قد انتشرت في الجو منها ذوائب

تزاور منها في الفضاء حبائب

فبينها من قبل ذلك مناسب

لأنهما في الروض قبل تولدا

بنات لأم قد حيين بروحها

دعاها الهوى من بعد كتم لبوحها

ص: 89

فأقلامها تهوى لخط بلوحها

فبالأمس كانت بعض أغصان دوحها

فعادت إليها اليوم من بعد عودا

ويا رب حصن في ذراعها قد اعتلى

أنارت بروج الأفق في مظهر العلا

بروج قصور شدتها متطولا

فأنشأت برجا صاعدا متنزلا

يكون رسولا بينها مترددا

وهل هي إلاّ هالة حول بدرها

يصوغ لها حلياً يليق بنحرها

تطور أنواعا تشيد بفخرها

فحجل برجلها وشاح بخصرها

وتاج بأعلى رأسها تنضدا

أراد استراق وهو ممنع

فقام بأذيال الدجى يتفلح

وأصغى لأخبار السما يتسمع

فأتبعه منها ذوابل شرع

لتقذفه بالرجم مثنى موحدا

وما هو إلاّ قائم مد كفه

ليسأل من رب السموات لطفه

لمولى تولاه وأحكم رصفه

وكلف أرباب البلاغة وصفه

واكرم منه القانت المتهجدا

ملاقي ركب من وفود النواسم

مقبل ثغر للبروق البواسم

مختم كف بالنجوم العواتم

مبلغ قصد من حضور المواسم

تجدده مهاما صنيع تجددا

ومضطرب في الجو أثبت قامة

تقدم يمشي في الهواء كرامة

تطلع في غصن الرشاء كمامة

وتحسبه تحت الغمام عمامة

يسيل على أعطافه عرق الندى

ص: 90

هوى واستوى في حاله وتقلبا

كخاطف برق قد تألق خلبا

ونحسبه قد دار في الأفق كواكبا

ومهما مشى واستوقف العقل معجبا

تقلب فيه العين لحاظا مرددا

لقد رام للسماء بسلم

فيمشي على خط به متوهم

أجل في الذي بيديه فكر توسم

ترى طائرا قد حل صورة آدمي

وجنا بمهواة الفضاء تمردا

ومنتسب للخال سموه ملجما

له حكمات حكمها فاه ألجما

تخالف جنسا والداه إذا ابتمى

كما جنسه أيضاً تخالف عنهما

عجبت له إذ لم يلد وتولدا

قلاثتها في الذكر جاءت مبينة

من اللاء سماها لنا الله زينة

وأنزل فيها آية مستبقية

وأودع فيها للجهول سينة

والاءه فيها على الخلق عددا

كسوه من الوشي اليماني هودجا

يمد على ما فوقه الظل سجسجا

وكم صورة تجلى به تبهر الحجا

وجزل وقود ناره تصدع الدجى

وقلب حسود غاظ مذكيا موقدا

وما هي إلاّ مظهر لجاحده

أرتنا بها الأفراح فضل اجتهاده

ملاعبها هزت قدود صعاده

وإذ كرت الأبطال يوم طراده

فما ارتبت فيه اليوم صدقته غدا

ص: 91

إلاّ جدد الرحمن صنعا حضرته

ودوح الأماني في ذراه هصرته

بقصر طويل الوصف فيه اختصرته

يقيد طرف الطرف مهما نظرته

" ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا "

دعوت له الأشراف من كل بلدة

فجاءها بآمال له مستجدة

وخصوا بألطاف لديه معدة

أياد بفياض الندى مستمدة

فكلهم من فضله قد تزودا

وجاءتك من آل النبي عصابة

لها في مرامي المكرمات إصابة

أحبتك حبا ليس فيه استرابة

ولبت دواعي الخير منها إجابة

وناداهم التخصيص فابتدروا الندى

أجازوا إليك البحر والبحر يزخر

لبحر سماح مدة ليس يجيز

فرواهم من عذب جودك كوثر

وواليت من نعماك ما ليس يحصر

وعظمتهم ترجو النبي محمّدا

عليه صلاة ثم سلامه

به طاب من هذا النظام اختتامه

وجاء بمحمد الله حلوا كلامه

يعز على أهل البيان مرامه

وتسمى له الكواكب حسدا

أبت به حادي الركاب مشرقا

حديث جهاد للنفوس مشوقا

رميت به من بالعراق مفوقا

وأرسلت منه بالبديع مطوقا

حماما على دوح الثناء مغردا

ص: 92

ركضت به خيل البيان إلى مدى

فأحرزت فضل السبق في حلبة الهدى

ونظمت من در الدراري مخلدا

وطوقت جيد الفخر عقدا منضدا

وقمت به بين السماطين منشدا

نسقت من الإحسان فيه غرائدا

وأرسلت في روض المحاسن رائدا

وقلدت عطف الملك منه قلائدا

تعودت فيه للقبول عوائدا

فلا زلت للفضل الجزيل معودا

ولا زلت للصنع الجميل مجددا

ولا زلت للفخر العظيم مخلدا

وعمرت عمرا لا يزال مجددا

ومتعت بالأبناء أوحد أواحد

وقرت بهم عيناك ما سائق حدا

ومن العيديات:

هذي المعالم لفظ أنت معناه

كل يقول إذا استنطقته الله

بحر والوجود فلك الكون جارية

وباسمك الله مجراه ومرساه

من نور وجهك ضاء السكون أجمه

حتى تشيد بالأفلاك مبناه

عرش وفرش وأملاك مسخرة

وكلها ساجد لله مولاه

سبحان من أوجد الأشياء من عدم

وأوسع قبل الكون نعماه

من ينسب النور للأفلاك قلت له

من أين أطلت الأفلاك لولاه

مولاي مولاي بحر الجود أغرقني

والخلق أجمع في ذا البحر قد تاهوا

فالك تجري كما الأفلاك جارية

بحر السماء وبحر الأرض أشباه

ص: 93

وكلهم نعم للخلق شاملة

تبارك الله لا تحصى عطاياه

يا فاتق الرتق من هذا الوجود كما

في سابق العلم قد خطت قضاياه

كن لي كما كنت لا عملا

أرجو ولا ذنب قد أذنبت أخشاه

وأنت في حضرات القدس تنقلني

حتى استقر بهذا الكون مثواه

ما أقبح العبد أن ينسى وتذكره

وأنت باللطف والإحسان ترعاه

غفرانك الله من جهل بليت به

فيمن أفاد وجودي كيف أنساه

مني على حجاب لست أرفعه

إلاّ بتوفيق هدى منك ترضاه

فعد على بما عودت من كرم

فأنت أكرم من أملت رحماه

ثم الصلاة صلاة الله دائمة

على الذي بأسمه في الذكر سماه

المجتبي وزناد النور ما قدحت

ولا زكا من نسيم الروض مسراه

والمصطفى وكمام الكون ما فتقت

عن زهر يروق العين مرآه

ولا تفجر نهر للنهار على

در الدراري فغطاه وأخفاه

يا فاتح الرسل أو يا خاتمها شرفا

والله قدس في الحالين معناه

لم أدخر غير حب فيك أرفعه

وسيلة لريم يوم ألقاه

صلى عليك إله أنت صفوته

ما يطيب بلذيذ الذكر أفواه

وعم بالروح والريحان صحبته

وجادهم من نمير العفو أصفاه

وخص أنصاره الأعلين صفوته

وأسكنوا من جوار الله أعلاه

أنصار ملته أعلام بيعته

مناقب شرفت أثنى بها الله

وأيد الله من أحيا جهادهم

وأوصل الفخر أولاه بأخراه

المنتقي من صمم الفخر جوهره

ما بين نصر وأنصار تهاداه

والعلم والحلم والإقبال شيمته

والبأس والجود بعض من سجاياه

ص: 94

وهي طويلة سردها هذا المؤلف كلها ومنها:

يهني زمانك أعياد مجدد

من الفتح مدى الأيام تغشاه

غضبت للدين والدنيا بحقهما

يا حبذا غضب في الله أرضاه

فوقت للغرب سهما راشه قدر

وسدد الله للأعداء مرماه

سهم أصاب وراميه بذي سلم

لقد رمى الغرض الأقصى فأصماه

من كان بندك يا مولاي يقدمه

فليس يخلفه فتح ترجاه

من كان جندك جند الله ينصره

أناله الله ما يرجو وأسناه

ملكته غربة خلدت من ملك

للغرب والشرق منه ما تمناه

وسام أداءك الأشقين ما كسبوا

ومن ترى رداء الغدر أرداه

قل للذي رمدت جهلا بصيرته

فلم تر الشمس الهدى عيناه

غطى الهوى عقله حتى إذا ظهرت

له المراشد أعشاه وأعماه

هل عنده وذنوب الغدر توبقه

أنَّ الذي قد كساه العز أعراه

لو كان يشكر ما أوليت من نعم

ما زلت ملجاه الأحمى ومنجاه

سل السعود وخل البيض مغمدة

فالسيف مهما مضى فالسعد أمضاه

واشرع من البرق نصلا راع مصلته

وارفع من الصبح بندا راق محلاه

فالعدوتان وما قد ضم ملكتهما

أنصار ملكك صان الله علياه

لا أوحش الله قطرا أنت مالكه

وآنس الله بالألطاف مغناه

لا أظلم الله أفقا أنت نيره

لا أهمل الله سرحا أنت ترعاه

ص: 95

وأهنأ بشهر الصيام جاء رائده

ميتنزلا من إله العرش رحماه

أهل بالسعد فانهلت به منن

وأوسع الصنع إجمالا ووفاه

أما ترى بركات الأرض شاملة

وأنعم الله قد عمت براياه

وعادك العيد تستحلي موارده

ويجزل الرحمى مصلاه

جهزت جيش دعاء فيه ترفعه

لذي المعارج والإخلاص رقاه

أفضت فيه من النعماء أجزلها

وأحسن البر ما الإحسان زكاه

واليت للخلق ما أوليت من نعم

وإلى لك الله ما أولى ووالاه

ثم قال بعد سرد عدة قصائد: ومن بدائعه المنيفة عيدية ميلاد وافقتها وجهته من غزوات مولانا الجد أيضاً:

لو كنت أعطي من لقائك سولا

لم أجد برق الغمام رسولا

أو كنت أبلغ من قبولك مأملي

لم أودع الشكوى صبا وقبولا

لكن معتل النسيم إذا سرى

ما زال يوسع ذا الهوى تعليلا

وبملتقى الأرواح دوحة أيكة

جاذبتها عند الهبوب مميلا

عهدي بها سدلت على ظلالها

فسدلت ظلا للشباب ظليلا

رتعت به حولي الظباء أوانسا

فنعمت فيه معرسا ومقيلا

وصقلت للحسناء صفح مودتي

لمّا اجتليت العارض المصقولا

ثم انتشيت وقد تعاطيت الهوى

ريما أغر وجؤذرا مكحولا

كم فيه ملح لمرتاد الهوى

تركت فؤاد محبه متبولا

ص: 96

لم ترو لي عيناه حكمة بابل

إلاّ أخذت حديثها مقبولا

ولقد أجد جواي لمّا زرته

رسما كحاشية الرداء محيلا

قد أنكرته العين إلاّ لمحة

عرفت به آثاره تخبيلا

وإذا الطول تعرضت لمتيمٍ

غادرن دمع جفونه مطلولا

من ينجد الصبر الجميل فانه

بعد الأحبة قد أجد رحيلا

كيف التجمل بعدهم وأنا الذي

أنسيت قيسا في الهوى وجميلا

من عاذري والقلب أوّل عاذل

فيمن أفند لائماً وعذولا

اتبعت في دين الصبابة أمة

ما بدلوا في حبهم تبديلا

يا مورداً حامت عليه قولبنا

لو نيل لم يخر المدامع نيلا

ما ضر من وقت غلائله ضحًى

لو بات ينقع للمحب غليلا

كم ذا أعلل بالحديث وبالمنى

قلبا كما شاء الغرام عليلا

أعديت وصلة الهديل بسخرة

شجوا وجانحة الأصيل نحولا

وسريت في طي النسيم لعلنى

أحتل حيا بالعقيق حلولا

هذا ووجدي مثل وجدي عندما

استشعرت من ركب الحجاز رحيلا

قد سددوا الأنضاء ثم تتابعوا

يتلو رعيل في الفلاة رعيلا

مثل القسى ضوامر قد أرسلت

يذرعن عرض البيد ميلاً ميلا

مترنحين على الرحال كأنما

عاطين من فرط الكلال شمولا

إنَّ يلتبس علم الظريق عليهم

جعلوا التشوق للرسول دليلا

ص: 97

يا راحلين وما تحمل ركبكم

إلاّ قلوب العاشقين حمولا

ناشدتكم عهد المودة بيننا

والعهد فينا لم يزل مسئولا

مهما وصلتم خير من وطي الثرى

إنَّ توسعوا ذاك الثرى تقبيلا

يا ليت شعري هل أعرس ليلة

فأشم حولي إذخرا وجليلا

أو تروني يوما مياه مجنةٍ

ويشيم طرفي شمامة وطفيلا

وأحط في مثوى الرسول ركائبي

وأبيت للحرم الشريف نزيلا

بمنزل الوحي التي قد شرفت

قد شافهت أعلامها التنزيلا

بمعاهد الإيمان والدين التي

قد صافحت عرصاتها جبريلا

ومهاجر الدين الحنيف وأهله

حيث استقر به الأمان دخيلا

دار الرسول ومطلع القمر الذي

إبداؤه ما فارق التكميلا

يا حبذى تلك المعالم والربا

يا حبذا تلك الطلول طلولا

حيث النبوة قد جلت آفاقها

وجها من الحق المبين جميلا

حيث الرسالة فصلت أحكامها

لتبين التحريم والتحليلا

حيث الشريعة قد رست أركاتها

فالنص منها يعضد التأويلا

ص: 98

حيث الهدى والدين والحق الذي

محق الضلال وأذهب التضليلا

حيث الضريح يضم أكرم مرسل

وأجل خلق الله جيلَا جيلا

إنَّ الإله اختارها لمقامه

واختاره للعالمين رسولا

رحم الإله العالمين ببعثه

فيهم وفضل جنسه وتفضيلا

بدعائه انقشع الغمام وقبله

والت بدعوته الغمام همولا

والشمس قد ردت له ولطالما

قد ظللته سحابها تظليلا

لم لا يطاوعه الوجود وقد غدا

من نوره في خلقه معلولا

يا نكتة إلاّ كوان يا علم الهدى

آيات فضلك رتلت ترتيلا

لولاك لم يك للكيان حقيقة

ولكان باب وجودها مقفولا

لولاك للزهر الكواكب لم تلح

مثل الأزاهر ما عرفن ذبولا

لولاك لم تجعل السماء شموسها

ولكان سجف ظلالها مسبولا

لولاك ما عبد الإله وما غدا

ربع الجنان بأهله مأهولا

يا رحمة الله التي ألطفها

سحبت علينا للقبول ذيولا

يا حجة الله التي برهانها

ما كان يوما صدقه مجهولا

كم آيه لك قد صعدت بنورها

ليل الضلال وإفكه المنحولا

أوضحتها كالشمس عند طلوعها

وعقلت عن إدراكهن عقولا

وأتيت بالذكر الحكيم مبينا

قد فضلت آياته تفضيلا

أثنى عليك بكتبه من أنزل

القرآن التوراة والإنجيلا

ص: 99

قذا البليغ يروم مدحك جاهدا

أضحى حسام لسانه مفلولا

يا شافع الرسل الكرام ومن به

يرجون في يوم الحساب قبولا

رفقا بمن ملك القضاء زمامه

فغداً ذنوبه معقولا

وحسرتا ضيعت عمري في الهوى

والتوب أضحى دينه ممطولا

وجريت في طلق البطالة جماحاً

حتى انثنى طرف الشباب كليلا

وعثرت في طلب المفاز جهالة

لكن وجدتك للعثار مقيلا

يا صفوة الله الأمين لوحيه

من أم جاهك أحرز التأميلا

والله مالي للخلاص وسيلة

إلاّ رضاك وعفوك المأمولا

إنَّ كنت ما أعددت زاداً نافعاً

أعددت حبك شافعاً مقبولا

صلى عليك الله ما ركب سرى

فأجد وخداً في المفازة ميلا

وأعز من ولاه أمر عباده

فحباهم إحسانه الموصولا

واقام مفروض الجهاد بعزمةٍ

تركت أفئدة العداة فلولا

والله ما أدرى وقد حضر الوغى

أحسامه أم عزمه مصقولا

ملك إذا لثم الوجود يمينه

فالبحر عذبا والرياض بليلا

أو يخلف الناس الغمام وامحلوا

فنداه لا يخشى العفاة محولا

من دوحة نصرية يمنية

وشجت فروعا في العلا وأصولا

فإذا سألت الكتاب نقل فضيلة

لم تلف إلاّ فخرها منقولا

ص: 100

يا أيّها الملك الذي أيامه

وضحت بأوجه دحرز محولا

والله ما آثار هديك عندنا

إلاّ نجوما ما عرفن أفولا

لم يعرف التركيب سيفك في الوغى

فأعجب له قد أحكم التحليلا

كم صورةٍ لك في الفتوح وسورة

تجلى وتتلى بكرة وأصيلا

لم تسر سارية الرياح بطيبة

إلاّ لتحمل ذكرك المعسولا

وكأنَّ صفح البرق سيفك ظل من

غمد الغمامة مرهفا مسلولا

كم بلدة للكفر قد عوضت من

ناقوسها التكبير والتهليلا

صدقت مقدمة الجيوش فصيرت

من حينها موضوعها مخمولا

كسروا تماثيل الصليب ومثلوا

بمن انتمى لولائه تمثيلا

لمّا أحط بها وحان دمارها

أخرجت مترفا الأعز ذليلا

تجرى الدموع وما تبل غليله

فمصفد يبكي هناك قتيلا

سلت يمين الملك منك على العدا

عضبا مهيب الشفرين صقيلا

لم يرض سيفك أنَّ يحلى جوهراً

حتى يحلى عسجداً مخلولا

لم ترض همتك القليل من التقى

حتى أتت بالصالحات قبيلا

فأقمت ميلاد الرسول بليلةٍ

أوضحت فيها للجهاد سبيلا

حيث القباب البيض جللت الربا

أزهار روض ما اكتسين ذبولا

مواقد النيران تذكى حولها

فينير مشعلها ربأ وسهولا

والأفق فوقك قبة محبوكة

مدت عليك طرفها المسدولا

ص: 101

ورمى إليك ببدره ونجومه

يهديك منه التاج والإكليلا

حيث الكتائب قد تلاطم موجها

وتدفقت فيها الخيول سيولا

زخرت بأمواج الحديد وربما

ضاق الفضاء فما وحدن مسيلا

يتجاوب التكبير في جنباتها

فتعيد غر الجياد صهيلا

حملت من الأبطال كل مشمرٍ

لا يقتني سمر القنا ونصولا

آساد ملحمة إذا اشتجر الوغى

دخلوا من الأسل المثقف غيلا

إنَّ شمروا يوم الحروب ذيولهم

سحبوا من الزرد المفاض ذيولا

أو قصروا يوم الطعان رماحهم

وصلوا بها الخطو الوساع طويلا

يا ليلة ظفرت يداي بأجرها

ومهرت فيها بالرضا مشمولا

والله لو عوضت عنك شبيبتي

ما كنت أرضى بالشباب بديلا

يا ناصر الإسلام يا ملك العلا

الله يؤتيك الجزاء جزيلا

جهز جيوشك للجهاد موفقا

وكفى بربك كافيا وكفيلا

وللتعبد الغارات في أرض العدا

والله حسبك ناصرا ووكيلا

وإليك من سمر الجهاد غريبة

جاءتك تقرضك الثناء جميلا

وأطلت لكني أطبت وعادتي

ألفي مخيبا في المديح مطيلا

لا زال نصرك كلما استنجدته

لمهم دينك عائدا موصولا

ص: 102

ثم قال بعد ذكر جملة من قصائد: ومن ذلك وقد عاد من وجهه للصيد أعملها وأعنت للجياد في ميادين ذلك الطرد أرسلها ما أنشده:

حياك يا دار الهوى من دار

نوء السماك بديعة مدرار

وأعاذ وجه رباك طلقا مشرقا

متضاحكا بمماسم النوار

أمذ كرى دار الصباب والهوى

حيث الشباب يروق حسن نضار

عاطيتني عنها الحديث كأنما

عاطيتني منها كئوس عقار

إيه وإن أذ كيت نار صبابتي

وقدحت زند الشوق بالتذكار

يا زاجر الأظعان وهي مشوقة

أشبهتها في زفرة وأوار

حنت إلى نجد وليست دارها

وصبت إلى هندية والقار

لكنها شامت به برق الحمى

واعتادها طيف الكرى بمزار

هل تبلغ الحاجات إن حملتها

إن الوفاء سجية الأحرار

عرض بذكرى في الخيام وقل إذا

جئت العقيق مبلغ الأوطار

عار بقومك يا بنة الحيين أن

تلوي الديون وأنت ذات يسار

أمنعت ميسور الكلام أخا الهوى

وبخلت حتى بالخيال الساري؟

وأبان جاري الدمع عذر هيامه

لكن أضعت حقوق داك الجار

هذا وقومك

ما علمت خلالهم أوفى الكرام بذمة وجوار

ص: 103

الله في نفس شعاع كلما

هب النسيم تطير كل مطار

بالله يا لمياء منع الصبا

إلاّ تهب بعرفك المعطر

يا بنت من تشدو الجداة بذكره

متعللين به على الأكوار

ما ضر نسمة حاجر لو أنها

أهدت لناخبر من الأخبار

هل بأنه من بعدنا متأود

متجاوب مترنم الأطيار

وهل الظباء الآنسات كعهدها

يصر عن أسد الغاب وهي ضواري

يفتكن من قاماتها ولحاظها

بالمشرفية والقنا الخاطر

أشعرت قلبي حبهن صبابة

فرمينني من لوعتي بجمار

وعلى الكثيب سوانح حمر الحلى

بيض الوجوه يصدن بالأفكار

أدنى الحجيج مزارهن ثلاثة

بمنى لو أن ديار قرار

لكن يوم النفر جدن لنا بما

عودننا من جفوة ونفار

يا بن الالي قد أحرزوا فضل العلا

وسموا بطيب ارومة ونجار

وتنوب عن صوب الغمام أكفهم

وتنوب أوجههم عن الأقمار

من آل سعد رافعي علم الهدى

المصطفين لنصرة المختار

أصبحت وارث مجدهم وفخارهم

ومشرف الإعصار والأمصار

وجه كما حسر الصباح نقابه

ويد تند أناملا ببحار

جردت دون الدين عزامة أروع

جددت منها سنة الأنصار

ص: 104

حطت البلاد ومن حوته ثغورها

وكفى بسعدك حاميا لذمار

لله رحلتك التي نلنا بها

أجر الجهاد ونزهة الأبصار

أوردتنا فيها لجودك موردا

مستعذب الإيراد والإصدار

وأفضت فينا من نداك مواهبا

حسنت مواقعها على التكرار

أضحكت ثغر الثغر لمّا جئته

وخصصته بخصائص الإثار

حتى الفلاة تقيم يوم وردتها

سنن القرى بتلالؤ الأنوار

وسرت عقاب الجو تهديك الذي

تصطاد من وحش ومن أطيار

والأرض تعلم أنك الغوث الذي

تضفي عليها وافي الأستار

ولرب منتد الأباطح موحش

عالي الربا متباعد الأقطار

همل المسارح لا يراع قنيصه

إلاّ لنبأة فارس مغوار

سرحت عنان الرياحفيه وربما

ألقيت بساحته عصا التسيار

باركته والأفق قد خلع الدجى

مسحا ليلبس خدمة الإسفار

وجرى به نهر النهار كمثل ما

سكب النديم سلافة من قار

عرضت به المستنفرات كأنها

خيل عراب جلن في مضمار

أتبعتها غرر الجياد كواكبا

تنقض رجما في سماء غبار

والهاديات يومها عبل الشوى

متدفق كتدفق التيار

أزجيتها شقراء رائقة الحلى

فرميت منها بشعلة نار

ص: 105

أثبت فيه الرمح ثم تركته

خضب الجوانح بالدم الموار

حامت عليه الذابلات كأنها

طير أوت منه إلى أوكار

طفقت أرانبه غداة أثرتها

تبغي الفرار ولات حين فرار

هل ينفع الباع الطويل وقد غدت

يوم الطراد قصيرة الأعمار

من كل منحفز بلمحة بارق

فاتت خطاه مدارك الأبصار

وجوارح سبقت إليه طلابها

فكأنما طالبنه بالثار

سود وبيض في الطرد تتابعت

كالليل طارده بياض نهار

ترمي بها وهي الحنايا ضمرا

مثل السهام نزعن أوتار

طنت بأن بها كلا ولو

أغريته بأرانب الأقمار

وبكل فتخاء الجناح إذا ارتمت

فكأنها نجم السماء الساري

زجل الجناح مصفق كمن الردى

في مخلب منه وفي منقار

أجلى الطريد من الوحوش وإن رمى

طيرا أتاك به على مقدار

وأريتنا الكسب الذي أعداده

ملأت جملا أعين النظار

بيض وصفر خلت مطرح سرحها

روضا عن شقيق بهار

من كل موشي الأديم مفوف

رقمت بدائعه يد الأقدار

خلط البياض بصفوة في لونه

فترى اللجين يشوب دوب نضار

أو أشعل راق العيون كأنه

غلس يخالط سدفة بنهار

ص: 106

سرحت بمخصر الجوانب يانع

تنساب فيه أراقم الأنهار

قد أرضعته الساريات لبانها

وحللن فيه أزرة النوار

أخذت سعودك حذرها فلحكمة

أغرت جفون المزن باستعبار

لمّا أرتك الشمس صفرة حاسد

لجبينك المتألق الأنوار

نفثت عليك السحب نفث معوذ

من عينها المتوقع الأضرار

فارفع لواء الفخر غير مدافع

واسحب ذيول العسكر الجرار

وأهنأ بمقدمك السعيد مخولا

ما شئت من عز ومن أنصار

قد جئت دارك محسنا ومؤملا

متعت بالحسنى وعقبى الدار

وإليكها من روض فكرى نفحة

شف الثناء بها على الأزهار

ثم قال: ومن ذلك ما أنشده رضي الله عنه في رحلة ركاب المجاهد إلى المرية بالقصر الصمادحي في حدود عشر سنين وسبع مائة:

الخمول تحن للأطلال

ويشوقها ذكر الزمان الخالي

يثني أزمة هيمها شوق إلى

ظل الأراك وأزرق سلسال

ذكرت بها الحي الجميع كعهدها

والربع منها أخضر السربال

والدار حالية المعاطف والربا

ومرادها بالروضة المخضال

أييان ما لعبت بها أيدي النوى

وتراهنت في الحال والترحال

ص: 107

وجرت بسدتها الحداة كأنها

قطع السفائن خضن بحر ليال

دعني أطارحها الحنين فإنني

لا أنثني لمقالة العذال

وهي النازل أشبهت سكانها

أعمارها تفضي إلى الآجال

بليت محاسنها وخف أنيسها

والشوق والتذكار ليس ببالي

ولقد أقول وما يعنف ذو الهوى

ذهب الغرام بحيلة المحتال

أحشى تذوب صبابة ومدامع

تغري جفون المزن باستهلال

ووراء مطلع الخدور جآذر

تجلي شموسا في غمام حجال

يا ساكني نجد وما نجد سوى

نادي الهوى ومخيم الآمال

ما للضباء الآنسات بربعكم

عطلا وهن من الجمال خوالي

أو للرياح تهب وهي بليلة

فتهيج من وجدى ومن بلبالي

هي شيمة عذرية عودتها

قلبا شعاعا ما يرى بالسالي

يا بنت من غمر العفاة نواله

هلا سمحت ولو بطيف خيالي

فلكم بعثت مع النسيم تحيتي

عودت ساري البرق من أرسالي

بالله يا ريح النعامي جرري

فوق الخزامي عاطر الأذيال

وإذا مررت على الكثيب برامة

صافح محيا الروضة المخضال

فيها المعاهد قد طلعن بأفقها

زمنا ولم أجنح لوقت زوال

ص: 108

أمذ كرى عهد الشبيبة جاده

صوب العهاد بواكف هطال

عاطيتني عنه الحديث كأنما

عاطيتني منه أبنة الجريال

هذا على أني نزعت عن الصبا

وصرمت من حب الحسان حبالي

حسبي وقارا في الندى إذا احتبى

وتجاولوا في الفخر كل مجال

أني ألوذ بدولة نصرية

حليت محاسنها بكل كمال

حيث الوجوه صبيحة والمكرما

ت صريحة والعز غير مزال

حيث المكارم سنها أعلامها

من كل فياض الندى مفضال

بيض الأيادي والوجوه أعزة

قد شيدوا العليا بسمر عوالي

هم آل نصر ناصروا دين الهدى

والمصطفون لخيرة الأرسال

ما شئت من مجد قديم شاده

أبناء قيلة أشراف الأقيال

ما منهم إلاّ أعز محجل

يلقى العظائم وهو غير مبالي

متبسم واليوم أكلح عابس

والحر تدعو بالكماة نزال

قد عودا النصر العزيز وخولوا ال

فتح المبين بملتقى الأبطال

بذلوا لدى الهيجاء كرائم أنفس

قد أرخصت في الله وهي غوالي

يا أيها الملك الهمام المجتبى

ومنيل دين الله خير منال

أصبحت وارث مجدهم وفخارهم

ومشرف الأمصار والأبطال

وطلعت في أفق الخلافة نيرا

تجلو ظلام الظلم والإضلال

ص: 109

فقت الملوك جلالة وبسالة

وشأوتهم في الحلم والإجمال

أعدت محاسنك المحاسن كلها

فجمالها يزرى بكل جمال

فالشمس تأخذ من جبينك نورها

والروض ينفح عن كريم خلال

والريح تحمل عن ثنائك طيبها

في ملتقاها من صبا وشمال

والغيث إلاّ من نداك مبخل

فالغيث يقلع والندى متوالي

تعطي الذي لا فوقه لمؤمل

وتجود بالإحسان قبل سؤال

طاولت علوى النجوم بهمة

لا فاقدا عزا ولا مكسال

وبلغت من رتب السعادة مبلغا

أبعت فيه مرتقاك العالي

وقياس سعدك في مرامك كله

يقضى مقدمه بصدق التالي

لمن الجياد الصافنات كأنها

في الورد أسراب القطا الأرسال

من كل ملموم القوى عبل الشوى

مرخى العنان محفز جوال

لمن القباب الحمر ترشع للندى

فتفيض للعافين فيض سجال

لمن الخيام البيض تحسب أنها

زهر الكواكب أطلعت بحلال

منداحة الأرجاء عالية الذرى

فكأنها في الوهد شم جبال

هو مظهر الملك العلي ومطلع الن

ور الجلي بمرقب متعالي

آثار مولانا الإمام محمّد

بدر الهدى لا زال حلف كمال

ص: 110

لله وجهتك التي نلنا بها

أجر الجهاد وبغيه الآمال

ما شئت من حسن يفوق كماله

ويروق منظره الجميل الحالي

كم من عجائب جمة أظهرتها

ما كان يخطر وصفهن ببال

أمت وفود الناس منك مملكاً

قد خص بالتعظيم والإجلال

جاءوا مواقيت اللقاء منك كأنهم

وفد الحجيج برامةٍ وألال

لله عيناً من رأى ملك العلا

حف الوقار جماله بجلال

في موكب لبسوا الخلوص شعاره

وتميزوا منه بزي جمال

بلغوا به العدد الكثير وكلهم

أرضاهم إحسانا المتوالي

يهني المرية نعمة سوغتها

جادت بها الأيام بعد مطال

قدست واديها وزرت خلالها

فلها الفخار بها على الآصال

وكسوتها برد الشباب مفوفاً

وشفيت ما تشكو من الأوجال

مولاي لا أحصى ثناك أنّه

أربى على التفصيل والإجمال

أعليت في أفق العناية مظهري

وخصصته بعوارف الإفضال

ظفرت يداي بكل ما أملته

في النفس أو في الجاه أو في المال

لم تبق لي أملا وما بلغته

بلغت ما ترجوا من الآمال

ثم قال بعد ذكر بعض العيدان: ومن ذلك:

بشرى كما وضح الصباح واجمل

يعشى سناها كل من يتأمل

ص: 111

أبدي لها وجه النهار طلاقة

وافتر من ثغر الأقاح مقبل

ومنابر الإسلام يا ملك الورى

بحلاك أو بحليها تتكمل

تجول لنا الأكوان منك محاسناً

تروى على مر الزمان وتنقل

فالشمس تأخذ من جبينك نورها

والبشر منك بوجهها يتهلل

والروض ينفتح عن ثنائك طيبه

والروق فيه بالمادح تهدل

والبرق سيف من سيوفك منتضى

والسحب تمهي من يديك وتهمل

يا أيّها الملك الذي أوصافه

در على جيد الزمان مفضل

الله أعطاك كما حسر الصباح نقابه

لضيائه تعشو البدور الكمل

تلقاه في يوم السماحة والوغى

والبشر في وجناته يتهلل

كف أبت الاتكف عن الندى

أبداً فإنَّ ضن الحيا تسترسل

وشمائل كالروض باكره الحيا

وسر برياه الصبا والشمأل

خلق أبن نصر في الجمال كخلقه

ما بعده عن غايةٍ تستكمل

نور على نورٍ بأبهى منظرٍ

في حسنه لمؤمل ما يأمل

فاق الملوك بسيفه وبسيبه

فبعدله وبفضله يتمثل

وإذا تطاول للفخار عميدهم

فله عليه تطاول وتطاول

ص: 112

يا آية الله التي أنوارها

يهدي بها قصد الرشاد الضلل

قل للذي التبست معالم رشده

هيهات قد وضح الطريق الأمثل

قد ناصح الإسلام خير خليفة

وحمى عرين الملك أغلب مشبل

فلقد ظهرت من الكمال بمستوى

ما بعده لذوى الخلافة مأمل

وعناية الله اشتملت رداءها

وعلقت منها عروة لا تنفصل

فالجودة إلاّ من يديك مقتر

والغيث إلاّ من نداك مبخل

والعمر إلاّ تحت ظلك ضائع

والعيش إلاّ في جنابك ممحل

حيث الجهاد قد اعتلت راياته

حيث المغانم للعفاة تنفل

حيث القباب الحمر ترفع للقرى

قد قام في أرجائهن المندل

يا حجة الله التي برهانها

عز المحق به وذل المبطل

قل للذي ناوأك يرقب يومه

فوراه ملك يقول ويفعل

والله جل جلاله إنَّ أمهلت

أحكامه مستدرجاً لا تهمل

يا ناصر الإسلام وهو فريسة

أسد العدا من حولها تتسلل

يا فخر أندلس وعصمة أهلها

لك فيهم النعمى التي لا تجهل

لا يهمل الله الذين رعيتهم

فلأنت أكفى والعناية أكفل

لا يبعد النصر العزيز فإنه

آوى إليك وأنت نعم الموئل

لولا نداك لها لمّا نفع الندى

ولجف من ورد الصنائع منهل

ص: 113

لولاك كان الدين يغمط حقه

ولكان دين النصر فيه يمطل

لكن جنيت الفتح من شجر القنا

وجنى الفتوح لمن عداك معلل

فلطالما استفتحت كل ممنع

من دونه باب المطامع مقفل

ومتى نزلت بمقلٍ متأشب

فالعصم من شعفاته تستنزل

وإذا غزو فإنَّ سعدك ضامن

ألا تخيب وإنَّ قصدك يكمل

فمن السعود أمام جيشك موكب

ومن خلال دون جندك جحفل

وكتيبة أردفتها بكتيبة

والخيل تمرح في الحديد وترفل

من كل منفخر كلمحة بارقٍ

بالبدر يسرج والأهلة ينعل

أوفى بهاد كالظليم وخلفه

كفل كما ماج الكثيب الأهيل

حتى إذا ملك الكمى عنانه

يهوى كما يهوى بجو أجدل

حملت أسود كريهة يوم الوغى

ما غابها إلاّ الوشيج الذبل

لبسوا الدروع غدائر مصقولة

والسمر قضب فوقها تتهدل

من كل معتدل القوام مثقفٍ

لكنه دون الضريبة يعسل

أذكيت فيه شعلة من نصله

يهدى بها إنَّ ضل عنه المقتل

ولرب لماع الصقال مشهر

ماضٍ ولكن فعله مستقبل

رقت مضاربه وراق فرنده

فالحسن فيه مجمل ومفضل

فإذا الحروب تسعرت أجوالها

ينساب في يمناك منه جدول

ص: 114

وإذا دجا ليل القتام رأيته

وكأنه فيه ذبال مشعل

فأعجب لها من جذوةٍ لا تنطفي

في أبحر زخرت وهن الأنمل

هي سنة أحييتها وفريضة

أدنيتها قرباتها تتقبل

فإذا الملوك تفاخرت بجهادها

فلأنت أحفى بالجهاد وأحفل

يا ابن الذين جمالهم ونوالهم

شمس الضحى والعارض المتهلل

يا ابن الأمام ابن الإما

م أبن الإمام وقدرها لا يجهل

آباؤك الأنصار تلك شعارهم

فلحيهم آوى النبي المرسل

فهم الألى نصروا الهدى بعزائمٍ

مصقولةٍ وبصائر لا تخذل

ماذا يحبر شاعر في مدحهم

وبفضلهم أثنى الكتاب المنزل

مولاي لا أحصي مآثرك التي

بحديثها تمضي المطي الذلل

وإذا الحقائق ليس يدركها

سيان فيها مكثر ومقلل

فاليك من شوال غرة وجهه

أهداكما يوم أغر محجل

عذراء راق العيد رونق حسنها

فغدا بنظم حليها يتجمل

رضعت لبان العلم في حجر النهى

فوفت لها منه ضروع حفل

سلك البيان لها سبيل إجازةٍ

لولا صفاتك كان عنها يعدل

جاءت تهني العيد أيمن قادم

وافى بشهر صيامه يتوسل

وطوى الشهور مراحلاً معدودة

كيما يرى بفناء جودك ينزل

ص: 115

وأتى وقد شف النحول هلاله

ولشوقه للقاء وجهك ينحل

عقدت بمرقبه العيون مسرة

فمكبر لطلوعه ومهلل

فاسلم لألفٍ مثله في غبطةٍ

ظل المنى من فوقها يتهدل

فإذا بقيت لنا فكل سعادةٍ

في الدين والدنيا بها تتكفل

ثم قال بعد إراد جملة قصائد: ومن جياد أناشيده المتميزة بالسبقية، وبارقات تهانيه في المواسم العقيقية، قوله يهنئه، رضوان الله تعالى عليه، بطلوع مولانا الوالد قدسه الله تعالى:

طلع الهلال وأفقه متهلل

فمكبر لطلوعه ومهلل

أوفى على وجه الصباح بغرةٍ

فغدا الصباح بنورها يتجمل

شمس الخلافة قد أمدت نوره

وبسعدها يرجو التمام ويكمل

لله منه هلال سعد طالع

لضيائه تعشو البدور الكمل

وألحت يا شمس الهداية كواكباً

يعشى سناه كل من يتأمل

والتاج تاج البدور في أفق العلا

ما زال بالزهر النجوم يكلل

ولئن حوى كل الجمال فإنه

بالشهب أبهى ما يكون وأجمل

أطلعت يا بدر السماح هلاله

والملك أفق والخلافة منزل

يبدو بهالات السروج وأنّه

من نور وجهك في العلا يستكمل

قلدت عطف الملك منه صارماً

بغنائه ومضائه يتمثل

حليلته بحلي الكمال وجوهر

الخلق النفيس وكل خلق يجمل

يغزو أمامك والسعود أمامه

وملائك السبع العلا تتنزل

ص: 116

من مبلغ الأنصار منه بشارة

غر البشائر بعدها تسترسل

أحيا جهادهم وجدد فخرهم

بعد الئين فملكهم يتأثل

فبه إلى الأجر الجزيل توصلوا

وبهم إلى رب السما يتوسل

من مبلغ الأذواء من يمنٍ وهم

قد توجوا وتملكوا وتقيلوا

أنَّ الخلافة في بنيهم أطلعت

قمراً به سعد الخليفة يكمل

من مبلغ قحطان آساد الشرى

ما غابها إلاّ الوشيج الذبل

أنَّ الخليفة وهو شبل ليوثهم

قد حاط منه الدين ليث مشبل

يهنى بني الأنصار أنَّ مليكهم

قد بلغته سعود ما يأمل

يعني البنود فإنها ستظله

وجناح جبريل الأمين يضلل

يهني الجياد الصافنات فإنها

بفتوحه تحت الفوارس تهدل

يهني المذاكي والعوالي والضبى

فبها إلى نيل المنى يتواصل

يهني المعالي والمفاخر أنّه

في مرتقى أوج العلا يتوقل

سبقت مقدمة الفتوح قدومة

وأتاك وهو الوادع المتمهل

وبدت نجوم السعد قبل طلوعه

تجلو المطالع قبله لا تأمل

وروت أحاديث الفتوح غرائبا

والنصر يملي والبشائر تنقل

ألقت إليك به السعود زمامها

فالسعد يمضي ما تقول ويفعل

فالفتح بين معجل ومؤجل

ينسيك ماضيه الذي يستقبل

ص: 117

أوليس في شأن المسير دلالة

أن المقاصد من طلابك تكمل

ناداهم داعي الضلال فأقبلوا

ودعاهم داعي المنون فجدلوا

عصوا الرسول إباية وتحكمت

فيهم سيوفك بعدها فاستمثلوا

كانوا جبالا قد علت هضابها

نسفتهم ريح الجلاد فزلزلوا

كانوا بحارا من حديد زاخر

أذكتهم نار الوغى فتسيلوا

ركبت أرجلها الأداهم كلما

يتحركون إلى قيام تصهل

كان الحديد لباسهم وشعارهم

واليوم لم تلبسه إلاّ الأرجل

الله أعطاك التي لا فوقها

فتحا به دين الهدى يتأثل

جددت الأنصار حلي جهادهم

فالدين والدنيا به تتجمل

من يتحف البيت العتيق وزمزمها

والوفد وفد الله فيه ينزل

متسابقين إلى مثابة رحمة

من كل ما حدب إليه تنسل

سما كأفواج القطا قد ساقها

ظمأ شديد والمطاف المنهل

من كل فروع الأكف ضراعة

والقلب يخفق والمدامع تهمل

حتى إذا روت الحديث مسلسلا

بيض الصوارم والرماح العسل

عن فتحك الأسنى عن الجيش الذي

بثيابه أهل الوغى تتمثل

أهدتهم السراء نصرة دينهم

واستبشروا بحديثها وتهللوا

وتناقلوا عنك الحديث مسرة

بسماعه واهتز ذاك المحل

ودعو بنصرك وهو أعظم مفخرا

إنَّ الحجيج بنصر ملكك يحفل

فاهنأ بملكك واعتمد شكرا به

لطف الإله وصنعه تتخول

شرفت منه باسم والدك الرضا

يحيا به منه الكريم المفضل

ص: 118

أبديت من حسن الصنيع عجائبا

تروي على مر الزمان وتنقل

خفقت به أعلامك الحمر التي

يخفوقها النصر العزيز موكل

هدرت طبول العز تحت ظلالها

عنوان فتح إثرها يستعجل

ودعوت أشراف البلاد وكأنهم

يثني الجميل وصنع جودك أجمل

وردوا ورود الهيم أجهدها الظما

فصفا لهم من ورد كفك منهل

واثرت فيه للطراد فوارسا

مثل الشموس وجوههم تتهلل

من كل وضاح الجبين كأنه

نجم وجنح النقع ليل مسبل

يرد الطراد على أغر محجل

في سرجه بطل أغر محجل

قد عودوا قبض الكماة كأنما

عقبانها ينقص منها أجدل

يستتبعون هوادجها موشية

من كل بدع فوق ما يتخيل

قد صورت منها غرائب جمة

تنسي عقول الناضرين وتذهل

وتضمنت جزل الوقود حمولها

والنصر في التحقيق ما هي تحمل

والعاديات إذا تلت فرسانها

آي القتال صفوفها تترتل

الله خيلك أنها لسوابح

بحر القتام وموجه متهيل

من كل برق بالثريا ملجم

بالبدر يسرح والأهلة ينعل

أو في بهاد كالظلم وخلفه

كفل كما ماج الكثيب الأهيل

هن البوارق غير أنَّ جيادها

عن سبق خيلك يا مؤيد تنكل

من أشهب كالصبح يعلو سرجه

صبح به نجم الضلالة يأفل

أو أدهم كالليل قلد شهبه

خاض الصباح فأثبتته الأرجل

ص: 119

أو أشقر سال انضار بعطفه

وكساه صبغة بهجة لا تنصل

أو احمر كالجمر أضرم بأسه

بالركض في يوم الحفيظة يشعل

كالخمر أرتع كأسها لندامها

وبها حبابة غرة تتسيل

أو أصفر لبس العشى ملاءة

وبذيله لليل ذيل مسبل

أجملت في هذا الصنيع عوائدت

الجود فيها مجمل ومفصل

أنشأت فيها من نداك غمائما

بالفصل تنشأ والسماحة تهمل

فجرت من كفيك عشرة أبحر

تزجي سخاب الجود وهي الأنمل

من قاس كفك بالغمام فانه

جهل القياس ومثلها لا يجهل

تسخو الغمام ووجهها وتجهم

والوجه منه مع الندى يتهلل

والسحب تسمح بالمياه وجوده

ذهب به أهل الغنى تتمول

من قاس بالشمس المنيرة وجهه

ألفيته في حكمه لا يعدل

من أين للشمس المنيرة منطق

بيانه در الكلام يفصل

من أين للشمس المنيرة راحه

تسخو إذا بخل الزمان الممحل

من قاس بالبدر المنير كماله

فالبدر ينقص والخليفة يكمل

من أين للبدر المنير شمائ

تسري برياها الصبا والشمأل

من أين للبدر المنير مناقب

بجهادها تنقص المطي الذلل

يا من إذا نفحت نواسم حمده

فالمسك يعبق طيبه والمندل

يا من إذا لمحت محاسن وجهه

تعشو العيون ويبهر المتأمل

يا من إذا تليت مفاخر قومه

آي الكتاب بذكرها تتنزل

كفل الخلافة منك يا ملك العلا

والله جل جلاله بك أكفل

مأمونها وأمينها ورشيدها

منصورها مهديها المتوكل

ص: 120

حسب الخلافة أن تكون وليها

ومجيرها من كل من يتخيل

حسب الزمان بأن تكون إمامه فله بذلك عزة لا تهمل

حسب الملوك بأن يكون عميدها

ترجو الندى من راحتيك وتأمل

حسب المعالي أن تكون عميدها

فعليك أطناب المفاخر تسدل

يا حجة الله التي بهانها

عز المحق به وذل المبطل

أنت الإمام ابن الإمام ابن الإما

م ابن الإمام وفخرها لا يعدل

علمت حتى لم تدع من جاهل

أعطيت حتى لم تدع من يسأل

وعناية الله أشتملت رداءها

وعلقت منها عروة لا تفصل

اتصل بهذا البيت جملة أبيات من القصيدة المترجمة في العيديات التي أولها: بشرى كما وضح الصباح وأجمل وحذفناها من هذه اقتصارا للتكرار، وزاد في هذه:

أخذت قلوب الكافرين مهابة

فعقولهم من خوفها لا تعقل

حسبوا البروق صوارما مسلولة

أرواحهم من بأسها تتسلل

وترى النجوم مناصلا ورهوبة

فيقر منها الخائف المتنصل

يا أبن الألي إجمالها وجمالهم

شمس الضحى والعارض المتهلل

مولاي لا أحصي ما ثرك التي

بجهادها يتوسل المتوسل

ص: 121

أصبحت في ظل إمتداحك ساجعا

ظل المنى من فوقه يتهدل

طوقته طوق الحمائم أنعماً

فغداً بشكرك في المحافل يهدل

فاليك من صون العقول عقلية

أهداكها صنع أغر محجل

عذراء راق الصنع حسنها

فغدا بنظم حليها يتكلل

خيرتها بين المنى فوجدتها

أقص مناها أنها تتقبل

لا زلت شمساً في سماء خلافةٍ

وهلا لك الأسمى يتم ويكمل

ثم قال بعد ذكر جملة من نظمه: ومن رقيق منازعه في بعض نزه مولانا رضوان الله عليه بالقصر السلطاني من شنيل قوله:

نفسي الفدى لشادن مهما خطر

فالقلب من سهم الجفون على خطر

فضح الغزالة والاقاحة والقنا

منها تثني أو تبسم أو نظر

عجباً لليل ذوائب من شعره

والوجه منه عن صباح قد سفر

عجباً لعقد الثغر منه منظماً

والعقد من دمعي عليه قد انتثر

ما رمت أن أجني الأقاح بثغره

إلاّ قد سل السيوف من الحور

لم أنسه ليل ارتقاب هلاله

والقلب من شك الظهور على غرر

بتنا نراقبه بأول ليلةٍ

فإذا به قد لاح في نصف الشهر

طالعته في روضةٍ كخلاله

والطيب من هذى وتلك قد اشتهر

وكلاهما يبدي محاسنه جملة

ملء المشامم والمسامع والبصر

والكأس تطلع شمسها في خده

فتكاد تعشى بالأشعة من نظر

ص: 122

نورية جبينه وكلاهما

يجلوا ظلام الليل بالوجه الأغر

هي شيمة للشيخ فيها نسبة

ما إن يزالا يرعشان من الكبر

أفرغت في جسم الزجاجة روحها

فرأيت روح الأنس منها قد بدر

لا تسق غير الروض فضلة كأسها

فالغصن في ذيل الأزاهر قد عثر

ما هب خفاق النسيم مع السحر

إلاّ وقد شاق النفوس وقد سحر

ناجى القلوب الخافقات كمثله

ووشى بما تخفى الكمام من الزهر

وروى عن الضحاك من زهر الربا

ما أسند الزهري عنه عن مطر

وتحملت عنه صحيح حديثه

رسل النسيم وصدق الخبر الخَبَر

يا قصر شينل وربعك آهل

والروض منك على الجمال قد اقتصر

لله بحرك والصبا قد سردت

منه دروعا تحت أعلام الشجر

والآس حف عذاره من حوله

عن كل من يهوى العذار قد اعتذر

قبل بثغر الزهر كف خليفةٍ

يغنيك صوب الجود منه عن المطر

وافرش خدود الورد تحت نعاله

واجعل بها لون المضاعف عن خفر

وانظم غناء الطير فيه مدائحاً

وانثر من الزهر الدراهم والدرر

المنتقى من الجوهر الشرف الذي

في مدحه قد أنزلت آي السور

والمجتبى أنت عنصر النور الذي

في مطلع الهدى المقدس قد ظهر

ص: 123

ذو سطوةٍ مهما كفى ذو رحمةٍ

مهما عفا ذو عفةٍ مهما قدر

كم سائلٍ للدهر أقسم قائلاً

والله ما أيامه إلاّ غرر

مولاي سعدك كالمهند في الوغى

لم يبق من رسم الضلال ولم يذر

مولاي وجهك والصبح تشابها

وكلاهما في الخافقين قد اشتهر

إنَّ الملوك كواكب أخفيتها

وطلعت وجهك في مظاهرها قمر

في كل يوم من زمانك موسم

في طيه للخلق أعياد كبر

فاستقبل الأيام يندى روضها

ويرف والنصر العزيز له ثمر

قد ذهبت منها العشايا ضعف ما

قد فضضت منها المحاسن في السحر

يا بن الذين إذا تعد خلالهم

نفذ الحساب وأعجزت عنها القدر

إن أوردتهم السيوف غدائراً

مصقولة فلطالما حمدوا الصدر

سائل ببدر عنهم بدر الهدى

فبهم على حزب الضلال قد انتصر

واسأل مواقفهم بكل مشاهد

واقر المغازي في الصحيح وفي السير

تجد الثناء ببأسهم وجودهم

في مصحف الحي المنزل مستطر

فبمثل هديتك فلتنر شمس الضحى

وبمثل قومك فليفتخر من فخر

ماذا أقول وكل وصفٍ معجر

والقول فيك مع الإطالة نختصر

تلك المناقب كالثواقب في العلا

من رامها بالحصر أدركه الحصر

إن غاب عبدك عن حماك فانه

بالقلب في تلك المشاهد قد حضر

ص: 124

فاذكره إنَّ الذكر منك سعادة

وبما على كل الأنام قد افتخر

ورضاك عنه غاية ما بعدها

إلاّ رضا الله الذي ابتدع البشر

فاشكر صنيع الله فيك فانه

سبحانه ضمن المزيد لمن شكر

وعليك من روح الإله تحية

تهفو إليك مع الأصائل والبكر

ثم قال: ومن أغراضه الوقتية استرسالا مع الطبع البديهي، في الشكر على ضروب من التحف التي يقتضيها التحفي السلطاني بأولياء خدمته، نبذ متعددة فيما يظهر؛ فمنها قوله:

يا خير من لك الملوك بجوده

وبفضله قد أشبه الأملاكا

والله ما عرف الزمان وأهله

أمناً ويمناً دائماً لولاكا

وافيت أهلي بالرياض عشية

في روض جاهك تحت ظل رضاكا

فوجدته قد طله صوب الندى

بسحائب تنهل من يمناكا

وسفائن مشحونةٍ ألقى بها

بحر السماح يجيش من نعماكا

رطب من الطلع النضيد كأنها

قد نظمت من حسنها أسلاكا

من كل ما كان النبي يحيها

وأحبها الأنصار من أولاكا

وبدائع التحف التي قد أطلعت

مثل البدور أنارت الأحلاكا

نصف من النور المبين تجسمت

حتى حسبنا أنهن هداكا

ص: 125

يحلو على الأفواه طيب مذاقها

لولا التجسد خلتهن سناكا

طافت بها النشأ الصغار كأنها

سرب القطا لمّا وردن نداكا

نجواهم مهما سمعت كلامهم

ونداهم: مولاي أو مولاكا

أبلغت في الأبناء عبدك سؤله

لازلت تبلغ في بنيك مناكا

يتدارسون من الدعاء صحائفاً

كيما يطيل الله في بقياكا

فبقيت شمساً في سماء خلافةٍ

وهم البدور أمدهن سناكا

ثم قال: ومنها وقد أهداه رحمه الله أطباقا من حب الملوك:

كتب الإله على العباد محبة

لك كان فرض كتابها موقوتا

وأنا الذي شرفته من بينهم

حتى جعلت له المحبة قوتا

ما زلت تتحفه بكل ذجيرةٍ

حتى لقد أتحفته الياقوتا

والي الملوك قد اعتزى من عزه

فغدا له ياقوتها ممقوتا

ومنها في مثل ذلك:

يا خير من ملك الملوك

أهديتني حب الملوك

فكأنما ياقوتها

نظمت لنا نظم السلوك

إنَّ الملوك إذا لجوا

فغياثهم أن أملوك

وكذا العفاة إذا شكوا

فغناهم أن يسألوك

فالله يقبل من دعا

لعلاك من أهل السلوك

ص: 126

لا لا زلت تطلع غرةً

كالشمس في وقت الدلوك

ومنها وقد أهاه صيداً مما صاده بنوه رضي الله عنه:

يا خير من ورث السماح عن الألى

نصروا الهدى وتبوءوا الإيمانا

في كل يومٍِ منك تحفة منعمٍ

وإلى الجميل والجزل الإحسانا

قد أذكرت دار النعيم عبيده

وتضمنت من فضله رضوانا

تهدي مواليك الذين تفرعوا

عن دوح فخرك في العلا أغصانا

لجلالك الأعلى قنيصاً أتبعوا

في صيده الأرواح والأبدانا

فتخصني منه بأوافر قسمةٍ

فسحت لعبدك في الرضا ميدانا

لله من مولى كريمٍ بالذي

تهدي المالي يتحف العبدانا

تدعو بني إلى الغنى بربه

يا ربنا أغن الذي أغنانا

وعليك من قدس الإله تحية

تهديك منه الروح والريحانا

ومنها وقد أهداه رحمه الله أصنافا من الفواكه:

يا من له الوجه الجميل إذا بدا

فاقت محاسنه البدور كمالا

والمنتقى من جوهر الفخر الذي

فاق الخلائف عزة وجلالا

ما أبصرت عيناي مثل هديةٍ

أبدت لنا صنع الإله تعالى

فيها من التفاح كل عجيبةٍ

تذكي بريحها صبا وشمالا

تهدى لنا نهد الحبيب وخده

وترى من الورد الجني مثالا

وبها من الأتراج شمس أطلعت

من كل شطر للعين هلالا

ويحفها ورق يروق كأنه

ورق النضار وقد أجاد نبالا

ص: 127

لون العشية ذهبت صفحاتها

رقت وراقت بهجة وجمالا

وبها من النقل الشهي مذكر

عهداً تولى ليته يتولى

لله مها خضرة من حضرةٍ

تغني العفاة وتحسب الآمالا

أذكرتني العهد القديم ومعهداً

كانت شموس الراح فيه تلالا

فأردت تجديد العهود ة إنّما

متب المشيب على عذاري لالا

فأدركت من ذكراك كأس مدامةٍ

وشربت من حبي لها جريالا

فبقيت شمسا في سماء خلافةٍ

لا يستطيع لها الزمان زوالا

ثم قال: ومنها عاشوراء:

يا أيها المولى الذي بركاته

رفعت لواء للندى منشورا

لك راحة تزجى الغمام بأنملٍ

فجرت منها بالنوال بحورا

واليوم موسم قربةٍ وعبادةٍ

وغداً ظفرت بأجره عاشورا

راعيت فيه سنة نبوية

يروي الثقات حديثها المشهورا

لا زلت عامك كله في غبطةٍ

لقيت منها نصرة وسرورا

ومنها في بعض قطعه:

واليت ما أوليت يا بحر الندى

ووحق وجهك ما رأيت كهذه

فإذ يهز اللسان حسامه

فصفات فخرك قد قضت بنفاذه

علمت فرسان الكلام نظامها

كتعلم التلميذ من أستاذه

والبحر تمتار السحائب ماءه

فتجوده من غيثها برذاذه

ص: 128

ومنها وقد أهداه باكورا:

يا وارث الأنصار وهي مزية

بفخارها أثنى الكتاب المنزل

أهديتني الباكور وهي بشارة

ببواكير الفتح الذي تستقبل

وولادة لهلال تم طالع

وجه الزمان بوجهه يتهلل

هو أول الأنوار في أفق الهدى

وترى الأهلة بعده تسترسل

مولاي صدق الفأل جربته

من لفظ عبدك والعواقب أجمل

ثم قال: ومنها جفنة ثريد:

طعامك من دار النعيم بعثته

فشرفتني من حيث أدري ولا أدري

بهضبة نعمى قد سمونا لأوجها

فصدنا بأعلاها الشهي من الطير

وقوراء قد درنا بهالة بدرها

كما دارت الزهر النجوم على البدر

وقد حملت فوق الرؤس لأنها

هدية مولى حل في مفرق الفخر

فما شئت من طعم زكي مهنا

وما شئت من عرف ذكي ومن نشر

فلو أنها قد قدمت لخليفة

لأعظمها قدرا وبالغ في الشكر

وكم لك نعمى على عميمة

يقل لأدناها الجميل من الذكر

فلا زلت يا مولى الملوك مبلغا

أماني ترجوها إلى سالف الدهر

ومنها شكرا عن كتاب:

مولاي يوم الجمعة

سعوده مجتمعة

فانعم صباحا واغتنم

أوقاته المجتمعة

وابشر بصنع عاجل

أعلامه مرتفعة

ص: 129

وانتظر الفتح الذي

يأتيك بالنصر معه

وبيضة وسمرة

إلى العداة مشرعة

واللطف مرجو فرد

بفضل ربي مشرعة

فاتحتني شرفتني

برقعة مرتفعة

بل روضة ممطورة

أزهارها منوعة

حديقة قد جدتها

بصوب جود مترعة

وراية منشورة

وآية مستبدعة

كم حكمة لطيفة

في طيها مستودعة

عقيلة صورتها

من الجمال مبدعة

سقيتني بفضلها

من فضل كأس مترعة

فدم وأملاك الورى

على علاك مجمعة

ومنها شكره على خلعة:

يا بدر تم في السماء خلافة

حفت نجوم السعد هالة قصره

ألبست عبدك من ثيابك ملبسا

قد قصرت عنه مدارك شكره

ورضاك عنه خير ما ألبسته

فلقد أشاد بجاهه وببره

ألبستني أركبتني شرفتني

أهديتني ما لا أقوم بحصره

نظري لوجهك وهو أجمل نير

يزرى على شمس الزمان وبدره

أعلى وأعظم منه لا سيما

وأنا المنعم في الحضور ببشره

لا زلت مولى للملوك مؤملا

وعلاك للإسلام مفخر دهره

ص: 130

ثم قال: ومنها وقد خلع رضوان الله عليه على رسول من أرساله:

أبحر سماح مدينة عشرة أبحر

تفيض غمام الجود وهي الأنامل

بكفك غيث للبلاد وأهلها

يروض محل الأرض والعام ماحل

لك الخير إن أصبحت بحر سماحة

يعم نداه فالمواهب ساحل

خلعت على هذا الرسول ملابسا

بها تتسنى في علاك المآمل

وبلغته آماله كيف شاءها

فبلغت يا مولاي ما أنت آمل

ثم قال بعد إيراد عدة مقطوعات وقصائد من نمط ماسبق: وأنشد وقد مرض بعض أبنائه رحمة الله عليه وعليهم سائلا عن حاله:

أسائل بدر التم كيف هلاله

وأدعو له الرحمن جل جلاله

وأسأله تعجيل راحته التي

وسيلتنا فيها النبي وآله

ستبلغ فيه ما تؤمل من منى

ويرضيك يا بدر الكمال كماله

وفي مثله يقول رحمه الله:

أقول لبدر التم كيف هلالكا

نعمت صباحا بالسرور وآلكا

وبلغت في النجل السعيد سعادة

تقر بها عينا وينعم بالكا

وخصصت بالبشرى من الله ربنا

كما عم أقطار الجهات نوالكا

ص: 131

وفي التورية باسم قائد مولاه مولانا رضي الله عنه على جماعة من الجند:

يا أيها المولى الذي أيامه

تهمى بسحب الجود من آلائه

أبشر لجيشك بالسعادة كلما

يغزو فنصر الله تحت لوائه

وأنشده رضي الله عنه في ملبس اتخذه:

أمولاي يا بن السابقين إلى العلا

ومن نصروا الدين الحنيفي أولا

غنيت بنور الله من كل زينة

وألبست من رضوانك أشرف الحلى

وقارك زاد الملك عزا وهيبة

وسوغه من رحمة الله منهلا

ويا شمس هدى في سماء خلافة

وأبناؤه الزهر المنير تجلى

تبارك من أبداك في كل ظهر

جميلا جليلا مستعاذ مؤملا

فيخجل منك الشمس شمس هداية

ويحسد منك البدر بدرا مكملا

إذا أنت ألبست الزمان وأهله

ملابس عز ليس يدركها البلى

وطوقت أجياد الملوك أياديا

وتوجتهم بالفخر تاجا مكللا

فما شئت فالبس فالمشاهد قائل:

تبارك ما أسنى وأبهى وأجملا

ألا كل من صلى وضحى ومن دعا

ومد يديه ضارعا وتوسلا

وجودك شرط في حصول قبوله

وجودك أثرى كفه متنفلا

ص: 132

وقال برسم ما يرسم على ثوب في بعض هدايا مولانا رحمه الله للسلطان أبي العباس:

أهدى أبا العباس

ملك الندى والباس

ثوب السماء لأنه

بدر بدا للناس

فلق الصباح بوجهه

عوذته بالناس

يكسو إماما لم يزل

بحلى المحامد كاس

فياله من مرتاد

ثوب التقى لباس

أذياله من حمده

مسكية الأنفاس

وبطروز مدح زرى

بالمدح في القرطاس

إن كنت في لون السماء

بنسبة وقياس

فلأنت يا بدر العلا

شرفتني بلباس

أنا منشد ما في وقو

فك ساعة من باس

لترى رياضا أطلعت

زهرا على أجناس

أوراقها توريقها

بقضيبها المياس

ومن المديح مدامتي

ومن المحابر كاسي

فالله يمتع لابسي

بالبشر والإيناس

وفي مثل ذلك قوله رحمه الله:

إنَّ الإمام محمدا

أهدى الخليفة أحمدا

ص: 133

للباسه ثوبا وقد

لبس المحامد وارتدى

وعمامة التقوى التي

من فوقها شمس الهدى

يا أحسنها إذا أرسلت

من كفه غيث الندى

وكأن وشي رقومها

بالبرق طرز عسجدا

وبطرزه لون السماء

ووجهه قمر بدا

لله من نير

حل المنازل أسعدا

مستنصرا أعلى له

فوق الكواكب مصعدا

ثم قال بعد ذكر قصيدة في المدح: وأنشده وهو على جواد أدهم:

تجلى لنا المولى الإمام محمّد

على أهدم قد راق حسن أديمه

فأبصرت صبحا فوق ليل وقد حكى

مقلد ذاك الطرف بعض نجومه

وكتب له مع هدية زهرية:

أمولاي تقبيلي ليمناك شاقني

ولا ينكر الظمآن شوقا إلى البحر

ولمّا رأيت الدهر ماطني بها

وشوقني من حيث أدري ولا أدري

بعثت لك الزهر الجني لعلها

يقبلها عني ثغور من الزهر

وكتب إليه أيضا متشوقا:

كتبت ودمعي بلل الركاب قطره

وأجرى به بين الخيام السواقيا

ص: 134

حنينا لمولى أتلف المال جوده

ولكنه قد خلد الفخر باقيا

وما عشت بعد البين إلاّ لأنني

أرجى بفضل الله منه التلاقيا

وأنشده أيضاً وهو بحال تألم:

كأني بلطف الله قد عم خلقه

وعافى إمام المسلمين وقد شفى

وقاضي القضاء سجل حكمه

وخط على رسم الشفاء له: أكتفى

وقال في مثل ذلك:

لك الخير يا مولاي أبشر بعصمة

عقدت مع الأيام في حفظها صلحا

وعافية في صحة مستجدة

تجدد للدين السعادة والنجحا

فوجه التهاني مشرق متهلل

وجو الأماني بعد ما غام قد أصحى

وقد ظهرت للبرء منك علامة

علامتك العظمى تقول لنا: صحا

وفي مثل ذلك:

يا إماما قد تخذنا

هـ من الدهر ملاذا

خط يمناك ينادي

صح هذا صح هذا

وقال مهنئا بالشفاء:

الحمد لله بلغنا المنى

لمّا رأيناك وزال العنا

وفزت بالأجر وكبت العدا

وفزت بالعز وطيب الثنا

فالحمد لله على ما به

من علينا من ظهور السنى

ص: 135

وقال أيضاً في نحو منه:

نعم قرت العينان وانشرح الصدر

وقد لاح من وجه الإمام لنا البدر

سرينا بليل التيه يكذب فجره

فلما تجلى بشره صدق الفجر

أغر المحيا بالحياء مقنع

زهاه الكلام الحر والنسب الحر

إمام الهدى قد خصه بخلافة

إله في خلقه النهي والأمر

وقال في مثله وقد ركب رحمه الله عليه لمعاهد حضرته:

هنيئا هنيئا لا نفاد لعده

وبشرى لدين الله إنجاز وعده

فقد لاح بدر التم في أفق العلا

وحل كما يرضى منازل سعده

وطاف إمام المسلمين محمّد

بحضرته العلياء مبلغ قصده

ولاحت به الأنوار من بشر وجهه

وفاح بها النور من نشر حمده

وأبصر الأبصار شمس هداية

وأشرقت الأرجاء من زهر وفده

ولوحت الأعلام فيها بنصره

كما لوح الصبح المنير ببنده

سهدى له الأيام كل مسرة

ويحيى به الرحمن آثار جده

غسل حسام السعد واضرب بحده

وخل حسام الهند في كن غمده

فسيفك سيف الله مهما سللته

يقيم حدود الله قائم حده

ص: 136

وأنشده رضي الله عنه في طرد مولانا الوالد رحمه الله ويصف البازي ويشكر ما أهداه من صيده:

يا من تمد له الملوك أكفها

تدعو الإله له بطول بقاء

أضحى ولي العهد نجلك صائدا

شأن الملوك العلية العظماء

ورمى البزاة على القناة يصيده

صيد الخليفة شارد الأعداء

من كل خافقة الجناح إذا مشت

تبدي اختيال الغادة العذراء

أهدت لنا سبج العيون وطوقت

أرجاءها بعقيقة حمراء

واستاقت الياقوت في منقارها

ومشت على المرجان في استحياء

ووشت يد الأفدار في أعطافها

وشيئاً زرى بالحلة السيراء

ملك الطيور أتى إلى ملك الورى

فاستاقها لمؤمل الخلفاء

وقضى سماحك أن تجود ببعضها

للعبد تعليه على الجوزاء

لله هل شرف يضاهي ذا الذي

أوليته من منة غراء

هيهات أين جزاؤها من شكره

يجزيك عنا الله خير جزاء

أولست قد أوليت كل خليفة

شرقا وغربا أصواب الآراء

فلصاحب الصفراء فخر خالد

يحظى به من صاحب الحمراء

بيضا وسمرا قد شرعت لنصره

واعنت بالبيضاء والصفراء

لا زلت شمس خلافة أبناؤه

مثل البدور بمرقب العلياء

ص: 137

وأجاب عن أبيات خمس كتب رضي الله عنه بها إليه:

لك في الخلافة مظهر لا يفرع

من دون مرقبه النجوم الطلع

يا أيها الملك الذي أيامه

غرر بوجه الدهر لا تتقنع

سبحان من حلاك بالخلق الرضا

وكساك منه حلة لا تخلع

أما المدام فدمت تطلع شمسها

بين البدور وشمس وجهك تسطع

أغنيتني عنها بخمر بلاغة

فالطيب من نفحتها يتضوع

بوأتني من عز نظمك روضة

طاب الجنى منها ولذلك المشرع

وأريتني جنح الدجنة غرة

فالنور من قسماتها يتطلع

يعنو لها البدر المنير وقد علا

والبدر تاج بالنجوم مرصع

فاتحتني منها بخمس ولائد

لتعيذها من كل عين تلقع

قبلتها ألفا وبت لربها

دعوا له حتى الصباح وأضرع

وقال يصف غربانا أجراها رحمه الله ويتفائل له بالراحة من شكاية ثلاثة:

أعلامك الحمر فوق السفن خافقة

وريح سعدك تجريها على قدر

ما إن رفعت قسي السفن في وطن

إلاّ ونلت قصي السؤل والوطر

قالوا السفائن فوق البر ذا عجب

من غير بحر ولا موج ولا غرر

فقلت آثار مولانا التي سفرت

لنا العناية عن آياتها الكبر

تجري بريح سعود في بحار ندى

تغني بنانك عن بحر وعن مطر

لله يوم عجيب الصنع ذو أثر

محجل رائق الأوضاح والغرر

استبشر الناس فيه بالصنيع وقد

تضمن البشر في ورد وفي صدر

ص: 138

زجرته بشفاء قد أتاك كما

يرضى علاك جميل الخبر والخبر

إذا شكوت فكل الكون ذو وصب

فأنت منه مكان السمع والبصر

ومن شكا بأليم الوجد في بصر

فقد تعود غير السهد والسفر

فأسأل الله رب العرش في لطف

يسرى إليك بها إنعام مقتدر

وأن يدافع عن ذات بحرمتها

تعود الخلق لطف الله في القدر

ثم قال بعد إيراد جملة من نظمه: وأنشد وقد عاد رحمه الله من بعض متوجهاته الجهادية لجبل الشوار:

على الطائر الميمون والطالع السعد

قدمت مع الصنع الجميل على وعد

وقد عدت من جبل الشوار لتجتلي

عقائل للفتح المبين بلا عد

ثم قال بعد ذكر جملة: وقال مما رسم في طيقان الأبواب بالمباني السعيدة التي أبتناها مولانا رضي الله عنه:

أنا تاج كهلال

أنا كرسي جمال

ينجلي الإبريق فيه

كعروس ذي اختيال

جود مولانا أبن نصر

قد حباني بالكمال

وفي المعنى:

من رأى التاج الرفيعا

قد حوى الشكل البديعا

ص: 139

تحسد الأفلاك منه

قوسه السهل المنيعا

دمت ربعا للتهاني

أنظم الشمل الجميعا

وفيه:

للغني بالله قصر

للتهاني يصطفيه

فيه محراب صلاة

يقف الإبريق فيه

ثاليا سورة حبى

والمعالي تقتفيه

وفيه:

أي قوس ذي كمال

سهمه سهم السعادة

ملك الإبريق فيه

عود الإخسان عادة

ذو صلاة من صلات

كلها دأبا معاده

وفي المعنى مما كتبه لمبتني لعمنا سعد رحمه الله:

انظر لأفق جمال

به الأباريق تصعد

بديع حسن حباه

به الأمير الممجد

فخر الإمارة سعد

به الخليفة يسعد

وكيف لا وأبوه فخر الملوك محمّد

عليه حلى رضاه

في كل يوم تجدد

وفيه أيضاً:

رفعت قوس سماء

يزهي بتاج الهلال

ص: 140

قد قلدته نقوشي

در الدراري الغوالي

ترى الأباريق فيه

تهديك عذب الزلال

قد زان قصري سعد

بسعده المتوالي

فدام يعمر ربعي

في ظل مولى الموالي

وقال في الغرض:

ما ترى في الرياض أشباهي

يسحر العقال حسنى الباهي

زان روضي أميره سعد

وهو نجل الغني بالله

دام منه بمرتقى عز

آمر بالسعود أو ناهي

وقال في غرض الشكر عن مغطى صنهاجي أهداه إياه:

لمن قبة حمراء مد فضاؤها

تطابق منها أرضها وسماؤها

وما أرضها إلاّ خزائن رحمة

وما قد سما من فوق ذاك غطاؤها

وقد شبه الرحمن خلقتنا بها

وحسبك فخرا بان منه اعتلاؤها

ومعروشة الأرجاء مفروشة بها

صنوف من النعماء منها وطاؤها

ترى الطير في أجوافها قد تصففت

على أنعم عند الإله كفاؤها

ونسبته صنهاجة غير أنه

تقصر عما قد حوى خلفاؤها

حبتنيبها دون العبيد خلافة

على الله في يوم الجزاء جزاؤها

ص: 141

وفي مثله:

ما للعوالم جمعت في قبة

قد شادها كرم الإمام محمّد

في صفح صرح بالزجاج مموه

وبجود مولاي الإمام ممهد

ما إن رأيت ولا سمعت بطائر

عن ثوب موشى الرياش مجرد

إن لم تكن تلك الطيور تغردت

فلشكر هذا العبد سجع مغرد

صفت عليها للفواكه كل ما

قد عاهدته بدوحها المتعود

لو أبصرت صنهجة أوضاعه

دانت له أملاكها بتعبد

عودتني الصنع الجميل تفضلا

لا زلت خير معود ومعود

وبسورة الأنعام كم من آية

فيها لقار بالنوال مجرد

وقال تذييلا لبيتي أبن المعتز:

سقتني بليل شبيه بشعرها

شبيهة خديها بغير رقيب

فأمسيت في ليلين للشعر والدجى

وشمسين من خمر وخد حبيب

إلى إن بدا الصبح المنير كأنه

محيا أبن نصر لم يشن بغروب

شمائله مهما أديرت كئوسها

قلائد أسماع وأنس قلوب

وقال مذيلا على بيت أبن وكيع أيضاً:

هي في أوجه الندامي عقيق

وهي مثل النظار في الأقداح

كابن نصر تراه في الحرب ليثا

وهو بدر الهدى وغيث السماح

ص: 142

ذكره قد ثنى قدود الندامي

وأعاد الحياة في الأشباح

وقال مما يرسم للغني بالله:

للغنى بالله ملك

برده بالعز مذهب

دام في رفعة شان

ماجلا الإصباح غيهب

وقال أيضاً:

يا بن نصر لك ملك

ليس تعوده الفتوح

دمت روحا للمعالي

ما سرى في الجسم روح

وقال من مقطوعة:

وأبن نصر ليس محيا كصبح

إن تجلى جلا دجى كل كرب

ذو حسام كأنه لمع برق

في بنان كأنها غيث سحب

ومن أخرى:

وكأن النجوم في غسق اللي

ليس جمان يلوح في آبنوس

وكأن الصباح في الأفق يجلى

بجلي النجوم مثل العروس

وكأن الرياض تهدي ثناء

للغنى بالله فوق الطروس

ثم قال بعد قصائد كثيرة عيدية: وقال بعد أخرى عيدية شاركتها في كثير من أبياتها قصيدة فتحية

ص: 143

هي نفحة هبت من الأنصار

والمختص بهذه:

أضياء هدى أم ضياء نهار

وشذا المحتمد أم شذا الأزهار

ومنها بعد كثير:

قسما بهديك في الضياء وإنه

شمس تمد الشهب بالأنوار

ومنها أيضاً:

كم من لطائف للهدى أوضحتها

خفيت مداركها على الأفكار

كم من جرائم قد غفرت عظيمها

مستنزلا من رحمة الغفار

علمت ملوك الأرض أنك فخرها

فتسابقت لرضاك في مضمار

ومنها يصف الجيش:

سالت به تحت العجاج سفينة

نفحت بريح العزم من أنصار

أرست بجدوى الجود في يوم الندى

وجرت بيوم الحرب في تيار

ومنها:

ألقى بأيدي الريح فضل عنانه

فيكاد يسبق لمحة الأبصار

ومنها:

فهي العراب متى أثيرت في الوغى

قد أعربت عن صنع لطف الباري

ص: 144

ومنها:

إن خاض في بحر العجاج رأيته

يجلو دجنتة بوجه نهار

ومنها:

كم فيهم من قاري ضيف طارق

وضحت شواهد فضله للقاري

ومنها أيضاً:

يا أيها الملك الذي أيامه

غرر تلوح بأوجه الإعصار

قد زارك العيد السعيد مبشرا

فاسمح لألف مثله بمزار

لمّا أزدهته عواطف ألطفتها

عطف الإله عليك عطف سوار

فأتى يؤمم منك هداية صالحا

كي يستمد النور بعد سرار

وأتاك يسحب ذيل سحب أغدقت

تغري جفون المزن باستعبار

جادت بجاري الدمع من قطر الندى

فرعي الربيع لها حقوق الجار

فأعاد وجه الأرض طلقا مشرقا

متضاحكا بمباسم النوار

لمّا دعاك إلى القيام بسنة

حكمة دواعي الجود والإيثار

فأفضت فينا من نداك مواهب

حسنت مواقعها على التكرار

فاهنأ بعيد عاد يشتمل الرضا

جذلان يرفل في حلى استبشار

ص: 145

ومنها:

لا عذر لي أنَّ كنت فيه مقصرا

سدت صفاتك أوجه الأعذار

فإذا نظمت من المناقب درها

شرفني منها بنظم دراري

فلذلك أنظمها قلائد لؤلؤ

لألاؤها قد شف بالأنوار

ثم أورد هذا المؤلف قصيدة ميمية طويلة، أولها:

هناء له ثغر الهدى يتبسم

وبشرى بها عرف الرضا يتنسم

تبسم ثغر الثغر عنها بشارة

فأعدى ثغور الزهر منه التبسم

ولا عجب من مبسم الزهر في الربا

فللبرق من خلف السحائب مبسم

عناية من أعطى الخليفة رتبة

عليها النجوم النيرات تحوم

فمنه استفاد الملك كل غريبةٍ

تخط على صفح الزمان وترسم

ومنه تلقى الهدى كل خليفةٍ

كأنهم مما أفاد تعلموا

ومنها بعد نيف على ستين بيتاً:

وكم من لواء في الفتوح نشرته

وللرعب جيش دونه يتقدم

فقل لملوك الأرض دونكم فقد

أعلم ما لا زال بالنصر يعلم

تسامت به للنصر اشرف ذمة

لها من رسول الله عهد مكرم

وكم من جهاد قد أقمت فروضه

يزار به البيت العتيق وزمزم

وكم عزمةٍ جردت منها إلى العدا

حساما به داء الضلالة يحسم

وكم بيت مال في الجهاد بذلته

وأقرضت منه الله ما الله يعلم

وكم ليلة قد جئت فيها بليلةٍ

من النقع فيها للأسنة أنجم

جرئت بها والله أجراها

تؤمن فيها الخلق والخلق نوم

ص: 146

وفوقك من سعدٍ لواء مشهر

ودونك من عزم حسام مصمم

إذا أنت جهزت الجياد لغارة

فأن صبح الحي أغبر أقتم

فمن أشهب مهما يكر رأيته

صباحا بليل النفع لا يتكتم

وأحمر قد أذكى به البأس جذوة

إذا ابتل عطفا في الوغى يتضرم

وأشقر أعدى البرق لونا وسرعة

ولكن له دون البروق التقدم

وأصفر في لون العشى وذليله

ولون الذي بعد العشية يعلم

وأدهم مثل الليل غرة

وبالشهب في حلى المقلد ملجم

وأشهب كالقرطاس صفحة

كتاب من النصر المؤزر محكم

ورُبَّ جلاد من جدالٍ سطرته

يراع القنا فيه تخط وترسم

وقام خطيب السيف فوق رءوسهم

فأعجب منه أعجم يتكلم

فكم من رءوس عن جسوم أزالها

فأثكل منها كل باغ يجسم

وزرق العيون للأسنة قد بكت

ولا دمع إلاّ ما أسيل به الدم

ونهر حسام كلما أغرق العدا

تلقتهم منه سريعا جهنم

فأصليت عباد المسيح من الوغى

سعيراً به يرضى المسيح ومريم

أبر من التثليث بالله وحده

فمن يعتصم بالله فالله يعصم

ونبه سيوفاً ماضيات على العدا

وخل جفون المرهفات تهوم

ولله من شهر الصيام مودع

على كل محتوم السعادة يكرم

تنزل فيه الذكر من عند ربنا

فيبدأ بالذكر الجميل ويختم

ص: 147

ولله فيه من ليالٍ منيرة

أضاء بنورها الوحي منهن مظلم

وصابت سحاب الدمع يمحي بمائها

من الصحائف أوزار تخط ومأثم

ولله فيه ليلة القدر قد غدت

على ألف شهر من الثواب تقدم

تبيت بها حتى الصباح بإذنه

ملائكة السبع الطباق تسلم

وبشري بعيد الفطر أيمن قادمٍ

عليك بمجموع البشائر يقدم

جعلت قراه سنة نبوية

لها في شعار الدين قدر معظم

ومن عدوات للإله رفعتها

تسدد منها للإجابة اسهم

وفي كل عين من محياك قرة

وفي كل كف من نوالك أنعم

إذا أنت لم تفخر بما أنت أهله

فلا ابصر المصباح من يتوسم

فما مهد الإسلام غير خليفةٍ

على عطفه در المحامد ينظم

فكم بيت شعر قد عمرت بذكره

فبات به جادي السرى يثرنم

ولسن بيوتنا بل قصوراً مشيدة

تطل على أوج العلا وتخيم

وما ضرها أنَّ قد تأخر عهدها

إذا طال مبناها الذين تقدموا

وإذ أنت مولاها وعامر ربعها

فكل فخار تدعيه مسلم

أنا العبد قد أسكنته جنة الرضا فلا زلت فيها خالداً تتنعم

ولا زلت في الأعياد ساجع روضها

إذا احتفلت أشرافها أترنم

بقيت متى يبل الزمان تجده

وفي كل يومٍ منك عيد وموسم

ص: 148

ودمت لألف مثله في سعادةٍ

يذل بها باغٍ ويعتز مسلم

ولمّا رأيت الفخر جهد مقصر

وأنك أعلى من مديحي وأعظم

ختمت ثنائي بالدعاء وهأنا

أقلب في كف الندى وأسلم

ثم قال: ولمّا أنتقل مولانا الجد إلى رضوان الله ونعيم خلده، وقام مولانا الوالد ولي عهده بالأمر من بعده، وانشد رثاء في السلف، وهناء في الخلف، رحمه الله تعالى عليهما:

عزاء فإنَّ الشجو قد كان يسرف

وبشرى بها الداعي على الغور يشرف

لئن غرب البدر المنير محمّد

لقد طلع البدر المكمل يوسف

وإنَّ رد سيف الملك صوناً لغمده

فقد سل من غمد الخلافة مرهف

وإنَّ طوت البرد اليماني يد البلى

فقد نشر البرد الجديد المفوف

وإنَّ نضب الوادي وجف معينه

فقد فاض بحر بالجواهر يقذف

وإنَّ صوح الروض الذي ينبت الغنى

فقد أزهر الروض الذي هو يخلف

وإنَّ أقلعت سب الحيا وتقشع

فقد نشات منها غمائم وكف

وإنَّ صدع الشمل الجميع يد النوى

بيوسف فخر المنتدى يتألف

وإنَّ راع قلب الدين نعى إمامه

فقد هز منه بالبشارة معطف

وقد ملك الإسلام خير خليفةٍ

من البدر أبهى بل من الشمس أشرف

يعير محياه الصباح إذا بدا

وتخجل يمناه الغمام وتخلف

فمن ور مرآه الكواكب تهتدي

ومن فيض جدواه الحيا نتوكف

ص: 149

ولمّا قضى المولى الإمام محمّد

تحكم في الناس الأسى والتأسف

فلا جفن إلاّ مرسل سحب دمعه

ولا قلب بالجوى يتلهف

وقد كادت الدنيا تميد بأهلها

وقد كادت الشم الشوامخ ترجف

وقد كادت الأفلاك ترفض حسرة

وكادت بها الأنوار تخفو وتكسف

ولكن تلافي الله أمر عباد

بوارثه والله بالناس أرأف

فللذين والدنيا ابتهاج وغبطة

وللثغر ثغر بالمنى يرتشف

أمان كما تندى الشبيبة نضرة

يمد له ظل على الأرض أورف

طلعت على الإسلام في دولة الرضا

فأمنته من كل ما يتخوف

بوجه يرينا البدر عند طلوعه

وفي وجنه البدر المنير التكلف

وعزم كما انشق الصبح مصمم

ورأى به بيض الصوارم ترهف

وحولك من حفظ الإله كتائب

وفوقك من ظل السعادة رفرف

فوالله ما ندري وللعلم عندنا

براهين عن وجه الحقائق تكشف

أوجهك أم شمس النهار تطلعت

وكفك أم سحب الحيا نتوكف

فكم لك من ذكر جميل ومفخر

عمم على أوج الكواكب يشرف

يزار به البيت العتيف وزمزم

ويعرفه حتى الصفا والمعرف

ومن يسأل الأيام تخبره أنها

بقومك تزهى في الفخار وتشرف

وهل تهدم الأيام بنيان مفخر

تشيده آي كرام ومصحف

ولو كانت الأيام قبل تنكرت

فباسمك يا بدري الهدى تتعرف

ألا لا ترعنا الحادثات فإننا

عصابة توحيد به نتشرف

ص: 150

وليس لنا إلاّ التوكل عادة

وظن جميل وعده ليس يخلف

فمن مبلغ عنا الغنى بربه

وقد سار للفردوس يحيا ويتحف

بآية ما بلغت دين محمّد

أماني للرحمن تدني وتزلف

وعنك يروي الناس كل غريبة

يروي لنا منها الغريب المصنف

فكسرت تمثالا وهدمت بيعة

وناقوسها بالكفر يهدي ويهتف

وكم من منار بالأذان عمرتها

فصارت به الآذان بعد تشنف

وسرت وقد خلفت خير خليفة

لك الفخر منه والثناء المخلف

أيوسف قد أرضيته أجمل الرضا

وكان بما ترضى وتختار يكلف

وكنت له يا قرة العين قرة

على برة المحتوم تحنو وترأف

ستجري على آثاره سابق المدى

فيهدي له منك الثناء المضعف

سيلقى عدو الدين منك عزائما

إليه بجرار لكتائب تزحف

ويأسف لمن يبصر البر يرتمي

بفرسانه والبحر بالسفن يقذف

وتفتح من بلدانه كل مقفل

يعبد عباد الصليب ويؤسف

فما أرؤس الكفار إلاّ حصائد

بسيفك سيف الله تجني وتقطف

حسا بك رقراق الصفيح كأنه

بكفك من ماء السماء ينطف

ضعيف يصح النصر من فتكانه

فيروي لنا منه الصحيح المضعف

ورمحك مرتاح المعاطف هزة

كأن قد سقته من دم الكفر قرقف

ولا عيب فيه غير أنَّ سنانه

إذا شم ريح النقع في الحرب يرعف

ص: 151

فإن كعت الأبطال في حومة الوغى

يشير لنا منه البنان المطرف

لقد فخر الإسلام منك ببيعة

وزال بها عنه الأسى والتخوف

وألبسته بردا من الفخر ضافيا

على عطفه وشى المديح يفوف

وقد نظمت فيه السعود ميامنا

كما ينظم العقد النفيس ويرصف

فدمت قرين العين في كل غبطة

بما شئت من آمالك الغر تسعف

وأنشد في لحده المقدس رحمه الله في المعنى قوله:

ضريح أمير المسلمين محمّد

يخصك ربي بالسلام المردد

وحياك من روح الإله تحية

مع الملإ الأعلى تروح وتغتدي

وشقت جيوب الزهر فيك كمائم

يرف بها الريحان عن خضر ندى

وصابت من الرحمى عليك غمائم

تروى ثرى هذا الضريح المنجد

وزارتك من حور الجنان أوانس

نواعم في كل النعيم المخلد

وجاءتك بالبشرى ملائكة الرضا

كما جاء في الذكر الحكيم الممجد

وصافح منك الروض أطيب تربة

وعاهد المزن أكرم معهد

رضا الله والصفيح الجميل وعفوه

يوالي على ذلك الصفيح المنضد

ص: 152

ويا صدفا قد حاز من جوهر العلا

لكل نفيس بالنفاسة مفرد

أعندك أنَّ الحلم والعلم والحجا

وزهر الحلى أدرجت طي ملحد

وهل أنت إلاّ هالة القمر الذي

بنور هداه الشهب تهدي وتهتدي

ويا عجبا من ذلك الترب كيف لا

يفيض ببحر للسماحة مزبد

لقد ضاقت الأكوان وهي رحيبة

بما حزت من فخر عظيم وسؤدد

قدمت على الرحمن أكرم مقدم

وزودت من رحماه خير مزود

أقام بك المولى الإمام محمّد

مؤمل فوز بالشفيع محمّد

فجاء كما يرضى وترضى به العلا

وأنجز للآمال أكرم موعد

ومدينة ظلال العدل في كل وجهة

وكف أكف البغي من كل معتدي

وقام بمفروض الجهاد عن الورى

وعود دين الله خير معود

قضى بعد ما قضى الخلافة حقها

وعامل وجه الله في كل مقصد

وفتح بالسيف الممالك عنوة

ومدت له أملاكها كف مجتدي

وكسر تمثال الصليب وأخرست

نواقيس كانت للضلال بمرصد

وطهر محرابا وجدد منبرا

وأعلن ذكر الله في كل مسجد

ودانت له الأملاك شرقا وغربا

وكلهم ألقى له الملك باليد

وطبق معمور البسيطة ذكره

وسارت به الركبان في كل فدفد

وسافر عن دار الفناء ليجتني

بما قدم اليوم السعادة في غد

ص: 153

وقام بأمر الله حق قيامه

بعزمة لا وان ولا متردد

لثن سار للرحمن خير مودع

وحل من الفردوس أشرف مقعد

فقد خلف المولى الخليفة يوسفا

له غر المساعي ويبتدي

سبيلك في سبيل المكارم يقتفي

وهديك يا خير الأئمة يقتدى

محمّد جلى الخطب من بعد يوسف

ويوسف جلى الخطب بعد محمّد

ولو وجد الناس الفداء مسوغا

فداك ببذل النفس كل موحد

ستبكيك أرض كنت غيث بلادها

وتبكيك حتى الشهب في كل مشهد

وتبكي عليك السحب ملء جفونها

بدمع يروي غلة المجدب الصدي

وتلبس فيك النيرات ظلامها

حدادا ويذكى النجم جفن مسهد

وما هي إلاّ أعين قد تسهدت

فكحلها نجم الظلام بإثمد

فلا زلت في ظل النعيم مخلدا

ونجلك يحيا بالبقاء المخلد

وأوردك الرحمن حوض نبيه

وأصدر من خلفت عن خير مورد

علك سلام مثل حمدك عاطرا

يفض ختام المسك عن تربك الندى

وصلى على المختار من آل هاشم

صلاة بها نرجو الشفاعة في غد

ثم قال: وقال أيضاً في هذا الغرض من رثائه ومدح مولانا الوالد في أثنائه:

سلام على الدنيا جميعا وما فيها

غدات نعت شمس الخلافة من فيها

نعت ملك الأملاك والكلمل الذي

يكف عواري الحادثات ويكفيها

عميد بني الأنصار غير مدافع

ومحي معاليها ومولى مواليها

ص: 154

وبدر دياجها وشمس نهارها

وبشر محياها ونور مجاليها

خفا الكواكب الوقاد قد كان نوره

يجلى من الدهم الخطوب دياجها

هوى القمر الوضاح من أفق العلا

فأظلم جو النيرات بساريها

وقد كسفت شمس الهداية بعدما

أبان سبيل الحق للخلق هاديها

هو الجبل الراسي تصدع بعد ما

أقرت به شم الجبال رواسيها

يعز على دين الهدى أنَّ شمسه

يطول بأطباق التراب تواريها

يعز على زهر النجوم متى سرت

ولا تلمح الهدى الذي كان يهديها

لأندلس ثكل عليه مردد

له لبست سود المسوح نواحيها

ثلاثين حولا بعد خمس تعودت

يدافع عنها كل خطب ويحميها

أبيه للرايات يخفق بندها

وفي مرقاب النصر المؤزر يعليها

أبيه للخيل المغيرة

بالضحى وقد أبعد الفتح الميبن مراميها

ويبكيه معمور البسيطة كلها

وما ضم من داني البلاد وقاصيها

وتبكيه سحب أخجلتها بنانه

وترسل دمع الغيث حزنن مآقيها

وتبكيه حتى الشهب في أفق العلا

وتلبس جلباب الظلام جواريها

عزاء أمير المسلين فإنها

مقادير رب الخلق في الخلق يجريها

هو الموت ورد للخليفة كلها

أواخرها تقفو سبيل أواليها

وما بيننا حي وما بين آدم

إلاّ هكذا سوى البرية باريها

ص: 155

وفي موت خير الخلق أكبر أسوة

تصبر أحرار النفوس وتسليها

أمولاي لو كان الفداء مسوغا

فديناك بالدنيا جميعا وما فيها

أمولاي كم من نعمة لك عندنا

إذا نحن رمنا حصرها ليس بحصيها

أمولاي خلفت العبيد إلى الأسي

يناجيك من فرط الشجون مناجيها

وقد مات منا الصبر إلاّ صبابة

بذكرك في جنح الدجنة نحييها

أمولاي يا مولاي هل أنت سامعي

أبثك ما يشجى القلوب ويدميها

تحفيت بي حتى نضوت شبيبتي

عزيزا وجيها حيثما رمت توجيها

وقد كان ظني أن تكون جنازتي

يشيعها منك الرضا ويواريها

وقد عشت حتى ذقت فقدك قلما

تبلغ نفس ما تريد أمانيها

ز لولا أبو الحجاج نجلك لم يكن

لدين الهدى كرات بحر يزجيها

ولكنه والله يجمل صبره

مناقبك الغر الكرام سيحييها

فخلفتنا منه لأكر كافل

يحمل أعباء الخلافة كافيا

سريرته الرحمى وسيرته الرضا

وأخلاقه الغر الكريمة تدريها

وسيلتك العظمى وظلك فوقنا

وعمدتنا والله في العز يبقيها

فما كنت إلاّ الشمس قد غربت لنا

وأنوارها بدر التمام يجليها

وما أنت المسك إن تخف ذاته

يم بها العرف الذكي فيفشيها

إلاّ قدس الرحمن نفيسا كريمة

بكل عزيز في الوجود نفديها

وبشرى لنا أنَّ السعادة نزلها

وأنَّ رضا الله الكريم يرضيها

وحاشا وكلا أن تضيع وسائل

سيذخرها الرب الكريم وينشيها

ص: 156

فكم من جهاد رفعت بنوده

وقد أثمرت فيها المعالي عواليها

كسرت تماثيل الصليب وأخرست

نواقيس كانت بالضلال تناغيها

وكم من منار قد أعدت أذانه

وأعلن فيه دعوة الحق داعيها

وكم من رياض للكتائب قد غدت

تضيق بمستن الجياد نواحيها

وملتف زرع الأسنة مزهر

ولكن به المران تحلو مجانيها

إذا ظمئت منها الذوابل في الوغى

جداول أنهار السيوف ترويها

غرس زكي للجهاد غرسته

فصرت إلى دار السعادة تجنيها

ولو لم يكن إلاّ سنين قطعتها

رهين شكاة لا تزال تعانيها

صبرت لها صبر الكرام وإنما

ذخرت أجورا فضل ربك جازيها

أمالك في الأنصار خير وسيلة

وقد كنت بالنصر العزيز تحييها

وحسبك بالمختار أكرم شافع

وسنته والله لا زلت تحييها

على علم الدنيا وفخر ملوكها

تحية رب لا يزال يواليها

سأبكيه ما دام الحمام مطوقا

وما سجعت تبكي الهديل قماريها

وأهديه من طيب السلام معطرا

كما فتقت أيدي التجار غواليها

وأسبل رب العرش سحب كرامة

نسخ على ذاك الضريح غواديها

ونسأل فتحا للخليفة يوسف

يملكه أقصى البلاد ومن فيها

ثم ذكر هذا المؤلف جملة نظم أبن زمرك في السلطان أبي الحجاج واستعطافه وما يهز له لرضا من شمائل أعطافه ومنها:

بما قد حزت من كرام الخلال

بما أدرت من رتب الجلال

ص: 157

بما خولت من دين ودنيا

بما قد حزت من شرف المعالي

بما أوليت من صنع جميل

يطابق لفظه معنى الكمال

تغمدني بفضلها واغتفرها

ذنوب في الفعال وفي المقال

ثم قال: ومن ذلك أيضاً يخاطب أخانا السلطان أبا عبد الله رحمه الله تعالى متوسلا بقديم ذمامه والخدم المتدععة من نظامه:

أتعطش أولادي وأنت غمامة

تعم جميع الخلق بالنفع والسقيا

وتظلم أوقاتي ووجهك نير

تفيض به الأنوار للدين والدنيا

وجدك قد سماك ربك باسمه

وأورث الرحمن رتبته العليا

وقد كان أعطاني الذي أنا سائل

وسوغني من غير شرط ولا ثنيا

وشعري في غر المصانع خالد

يحييه عنى في الممات وفي المحيا

وما زلت أهدي المدح مسكا مفتقا

فتحمله الأرواح عاطة الريا

وقد كثر العبد التشكي وأنّه

وحقك يا فخر الملوك قد استحيا

وما الجود إلاّ ميت غير أنّه

إذا نفخت يمناك في روحه يحيا

فمن شاء أن يعدو لدين محمّد

فيدعو لمولانا الخليفة بالبقيا

ثم ذكر قصائد كثيرة ومقطوعات في مدحه لأخيه أبي عبد الله إلى أن قال: وقال أيضاً وقد نزل بالولجة من مرج الحضرة:

منزل اليمن والرضا والسعود

أنجزت فيه صادقات الوعود

ص: 158

كل يوم نزاهة إن تقضت

أنشدتها السعود بالله عودي

جمع المستعيف وصف الكمال

بين بأس عم الملوك وجود

فاهن في غبطة وعزة ملك

أنت والله فخر هذا الوجود

وقال أيضاً مشيرا لتوليته العلامة:

لك غرة ود الصباح جمالها

ومحاسن تهوي البدور كمالها

وشمائل تحكي الرياض خلالها

وأنامل ترجو الأنام خلالها

للمستعين خلافة نصرية

عرفت ملوك العالمين جمالها

وأنا الذي قد نال منك معاليها

تهوي النجوم الزاهرات منالها

تهديه ما قد نلته من بعضها

والفخر كل الفخر فيمن نالها

في كل يوم منك منة منعم

لو طاولت سمك العلا ماطالها

بلغت آمال العبيد فبلغت

فيك العبيد من البقا آمالها

ثم قال: وقال أيضاً وكتبها إليه مع خمسة أقلام:

أيا ملكا لم يبد للعين حسنة

سوى ملك قد حل من عالم القدس

لك الخير خذها كالأنامل خمية

تعوذ مرآك المكمل بالخمس

فمن أبصرت عيناه مرآك فليقل

أعوذ برب الناس أو آية الكرسي

ثم قال بعد ذكر قصيدة: وقال يخاطب مولانا الوالد رحمه الله

ص: 159

وقد مر معه بفحص رية والثلج قد عم أنديته وبسط أرديته في وجهة توجهها مولانا الجد رحمه الله:

يا من رتب المعالي تعتلي

ومعالم الفخر المشيد تبتني

ازجر بهذا الثلج فألا إنه

ثلج اليقين بنصر مولانا الغني

بسط البياض كرامة لقدومه

وافتر ثغرا عن مسرة معتني

فالأرض جوهرة تلوح لمجتل

والدوح مزهرة تفوح لمجتنى

سبحان من أعطى الوجود وجوده

ليدل منه على الجواد المحسن

وبدائع الأكوان في إتقانها

أثر يشير إلى البديع النقتن

ثم قال: ومن غير السلطانيات مما بز فيه سبقا وتبريزا وعرضه على نقدة البيان فرأت منه كل مذهبة خلصت إبريزا مرثيته للقاضي المعظم الشريف أبي القاسم الحسني من شيوخه أنجزها الوعد السابق في المقدمة بها:

أغرى سراة الحي بالإطراق

نبأ أصم مسامع الآفاق

أمسى به ليل الحوادث داجيا

والصبح أصبح كاسف الإشراق

فجع الجميع بواحد جمعت له

شتى العلا ومكارم الأخلاق

هبوا لحكمكم الرصين فإنه

صرف القضاء فما له من واق

نفش الزمان بصرفه في صفحة:

كل جماع مؤذن بفراق

ماذا ترجى من زمانك بعدما

علق الفناء بأنفس الأعلاق

من تحسد السبع الطباق علاءه

عالوا عليه في الثرى بطباق

ص: 160

إنَّ المنايا للبرايا غاية

سبق الكرام لخصلها بسباق

لمّا حسبنا أن تحول أبؤسا

كشفت عوان حروبها عن ساق

ما كان إلاّ البدر طال سراره

حتى رمته يد الردى بمحاق

أنف المقام مع الفناء نزاهة

فنوى الرحيل إلى مقام باقي

عدم الموقف في مرافقة الدنا

فثنى الركاب إلى الرفيق الباقي

أسفا على ذلك الجلال تقلصت

أفياؤه وعهدن خير رواق

يا آمري بالصبر عيل تصبري

دنى عدتك لواعج الأشواق

وذر اليراع تشي بدمع مدادها

وشى القريض يروق في الوراق

يا حسرتي للعلم أقفر ربعه

والعدل جرد أجمل الأطواق

ركدت رياح المعلوات لفقدها

كسدت به الآداب بعد نفاق

كم من غوامض قد صدعت بفهمها

خفيت مداركها على الحذاق

كم قاعد في البيد فوق قعوده

قعدت به الآمال دون لحاق

لمن الركائب بعدك تنتضي

ما بين شأم ترتمي وعراق

تفلى الفلا بمناسم مفلولة

تسم الحصى بنجيعها الرقراق

كانت إذا اشتكت الوجى وتوقفت

يهفو نسيم ثنائك الخفاق

فإذا تنسمت الثناء أمامها

مدت لها الأعناق في الإعناق

يا مزجي البدن القلاص خوافقا

رفقا بها فالسعي في إخفاق

ص: 161

مات الذي ورث العلا عن معشر

ورثوا تراث المجد باستحقاق

رفعت لهم رايات كل جلالة

فتميزوا في حلبة السباق

علم الهدة وقطب أعلام الورى

حرم العفاة لمجتني الأرزاق

رقث سجاياه وراقت مجتلى

كالشمس في بعد وفي إشراق

كالزهر في لألائه والبدر في

عليائه والزهر في الإبراق

مهما مدحت سواه قيد وصفه

وصفاته حمد على الإطلاق

يا وارثا نسب النبوة جامعا

في العلم والأخلاق والأعراق

يا بن الرسول وإنها لوسيلة

يرقى بها أوج المصاعد راقي

ورد الكتاب بفضلهكم وكمالكم

فكفى ثناء الواحد الخلاق

مولاي إني في علاك مقصر

قد ضاق علم النجوم نطاقي

ومن الذي يحصى مناقب فضلكم

عد الحصى والرمل غير مطاق

يهني قبورا زرتها فلقد ثوت

منا مصون جوانح وحداق

خط الردى منها سطورا نصها:

لا بد أنك للفناء ملاق

ولحق ترجمة الكتاب وصدره

وفوائد المكتوب في الألحاق

كم من سراة في القبور كأنهم

في بطنها در ثوى بحقاق

قل للسحاب اسحب ذيولك نحوه

والعب بصارم برقك الخفاق

أودي الذي غيث العباد بكفه

يزري بواكف غيثك الغيداق

ص: 162

إن كان صوبك بالمياه فدرها

در يروض ما حل الإملاق

بشر كثير قد نعموا لمّا نعى

قاضي القضاة وغاب في الأطباق

ألبستهم ثوب الكرامة ضافيا

وأرحت من كد ومن إرهاق

يتفيئون ظلال جاهك كلما

لفحت سموم الخطب بالإحراق

عدموا المواقف في فراقك وانطوى

عنهم بساط الرفق والإرفاق

رفعوا سريرك خافضين رءوسهم

ما منهم إلاّ حليف سياق

لكن مصيرك للنعيم مخلدا

كان الذي أبق على الأرماق

ومن العجائب أن يرى بحر الندى

طود الهدى يسري على الأعناق

إن يحملوك على الكواهل طالما

قد كنت محمولا على الأحداق

أو يرفعوك على العواتق طالما

رفعت ظهر منابر وعتاق

ولئن رحلت إلى الجنان فإننا

نصلى بنار الوجد والأشواق

لو كنت تشهد حزن من خلفته

لثنى عنانك كثرة الإشفاق

أن جن ليل جن من فرط الأسى

وسوى كلامك ماله من راق

فابعث خيالك في الكرى يبعث به

ميت السرور لثاكل مشتاق

أغليت يا رزء التصبر مثلما

أرخصت در الدمع في الآماق

إن يخلف الأرض الغمام فإنني

أسقي الضريح بدمعي المهراق

ص: 163

ومن أوليات نظمه يخاطب شيخه الوزير أبا عبد الله بن الخطيب رحمه الله مادحا قوله من قصيدة مطلعها: أما وانصدع النور من مطلع الفجر يقول فيها بعد أبيات:

لك الله من فذلك الجلالة أوحد

تطاوعه الآمال في النهي والأمر

لك القلم الأعلى الذي طال فخره

على المرهفات البيض والأسل السمر

يقلد أجياد الطروس تمائما

بصنفي لآل من نظم ومن نثر

تهيبك القرطاس فاحمر إذ غدا

يقل بحور من أناملك العشر

كأن رياض الطرس خد مورد

يطرزه وشي العذار من الحبر

فشارة على الملك رائقة الحلى

بألوية حمر وبالصحف الحمر

وما روضة غناء عاهدها الحيا

بها وشى الربيع يد القطر

تغنى قيان الطير في جنباتها

فيرقص غصن ألبان في حلل خضر

تمد لأكواس العرار أناملا

من السوسن الغض المختم بالتبر

ويحرس خد الورد صام نهرها

ويمنع ثغر النور بالذابل النضر

يفاخر مرآها السماء محاسنا

فتزرى نجوم الزهر منها على الزهر

إذا مسحت كف الصبا جفن نورها

تنفس ثغر الزهر عن عنبر الشحر

بأعطر من ريا ثنائك في السرى

وأبهر حسنا من شمائلك الغر

عجبا له يحكى خلال خميلة

وتفوق منه الأسد في موقف الذعر

ص: 164

إذا أضرمت من بأسها الحرب جاحما

تأجج منه العضب في لجى البحر

وإن كلح الأبطال في حومة الوغى

ترقرق ماء البشر في صفحة البدر

لك الحساب اوضاح والسؤدد الذي

نطاق الوصف فيه عن الحصر

تشرفت أفق أنت بدر كماله

فغرناطة تختال تيها على مصر

تكلل تاج الملك منك محاسنا

وفاخرت الأملاك منك بنو نصر

بعزمة مضمون السعادة أوحد

وغرة وضاح المكارم والنجر

طوى الحيف منشور اللواء مؤيدا

حمى الإسلام بالطي والنشر

ومدينة ظلال الأمن إذ قصر العدا

فيتلى ثناء الملك بالمد والقصر

إذا احتفل الإيوان يوم مشورة

وتضطرب الآراء من كل ذي حجر

صدعت بفضل القول غير منازع

وأطلعت آراء قبس من الفجر

فإن تظفر الخيل المغيرة بالضحى

فعن رأيك الميمون تظفر بالنصر

فلا زلت للعلياء تحمى ذمارها

وتسحب أذيال الفخار على النسر

وللعلم فخر الدين والفتك بالعدا

بأوت به يا بن الخطيب على الفخر

يهنيك عيد الفطر من أنت عيده

ويثنى بما أوليت من نعم غر

جبرت مهيضا من جناحي ورشته

وسهلت لي من جانب الزمن الوعر

وبوأتني من ذروة العز معتلى

وشرفتني من حيث أدري ولا أدري

وسوغتني الآمال عذبا مسلسلا

وأسميت من ذكرى ورفعت من قدري

فدهير عيد بالسرور وبالمنى

وكل ليالي العمر لي ليلة القدر

ص: 165

فأصبحت مغبوطا على خير نعمة

يقل لأدناها الكثير من الشكر

قال: وكتب إليه جوابا عن رسالة خاطب أولاده بها صدرها: مالي بحمل الهوان يدان قال جامع هذا الموضوع وفقه الله تعالى: هذه قد تقدمت في هذا الموضوع فراجعها.

ثم قال: وكتب إليه جوابا عن آخر كذلك:

حيت صباحا فأحييت ساكني القصبة

واسترجعت أنفسا بالشوق مغتصبة

قضى البيان لها إلاّ نظير لها

فأحرزت من معاني فضله قصبة

ناجت طليح سرى لا يستفيق لها

هدت جوارحها واستوهنت عصبة

فحركته على فتك الكلال به

وأذهبت بسرور الملتقى نصبه

وأذكرت عهد مهديها على شحط

فعاود القلب من تذكاره وصبه

ما كنت أسمح من ذهري بجوهره

لو كان يسم لي بالقلب من غصبة

سل أدمع الصب من أغرى السحاب بها

وقلبه بجمار الشوق من حصبة

فالله يحفظ مهديها ويشكره

فوجهها بعصاب الحسن قد عصبه

من كان وارث آداب يشعشعها

بالفرض إني في إرثي لها عصبة

هذا الملاذ ملاذ الناس قاطبة

سبحان من لغياث الخلق قد نصبه

ص: 166

وخاطب كذلك:

طالعتها دون الصباح صباحا

لمّا جلت غرر البيان صباحا

ولقد رأيت وما رأيت كحسنها

وجها أغر ومبسما وضاحا

عذراء أرضعها البيان لبانه

وأطال مغدى عندها ومراحا

فأتت كما شاءت وشاء نجيها

تذكى الحجا وتنعم الأرواح

لا بل كمثل الروض باكره الحيا

وسقى به زهر الكمام ففاحا

وطوت بساط الشوق منى بعدها

نشرت على من القبول جناحا

وخاطبه كذلك:

يكلفني مولاي رجع جوابه

وما لتعاطي المعجزات وما ليا

أجيبك للفضل الذي أنت أهله

وأكتب مما قد أفدت الأماليا

فأنت الذي طوقتني كل منة

وأحييت آمالي وأكسبت ماليا

وأنت الذي أعدى الزمان كماله

وصيرت أحرار الزمان مواليا

فلا زلت للفعل الجميل مواصلا

ولا زلت للشكر الجزيل مواليا

وخاطبه كذلك:

ذروني فأني بالعلاء خبير

أشير فإن النيرات تسير

وكم بت أطوي الليل في طلب العلا

كأني إلى نجم السماء سفير

بعزم إذا ما الليل مدينة رواقه

يكر على ظلمائه فينير

أخو كلف بالمجد لا يستفزه

مهاد إذا جن الظلام وثير

ذاما طوى يوما على السر كشحه

فليس له حتى الممات نشور

ص: 167

وإني وإن كنت الممنع جاره

لتسبى فؤادي أعين وثغور

وما تعتريني فترة في مدى العلا

إلى أن أرى لحظا عليه فتور

وفي السرب من نجد ظبية

تصول على ألبابنا وتغير

وتمنع ميسور الكلام أخا الهوى

وتبخل حتى بالخيال يزور

أسكان نجد جادها وأكف الحيا

هواكم بقلبي منجد ومغير

ويا سكنى بالأجرع الفرد من منى

وأيسر حظ من رضاك كثير

ذكرتك فوق البحر والبعد بيننا

فمدته من فيض الدموع بحور

وأومض خفاق الذؤابة بارق

فطارت بقلبي أنه وزفيره

ويهفو فؤادي كلما هفت الصبا

أما لفؤادي في هواك نصير

ووالله ما أدري أذكرك هزني

أم الكأس ما بين الخيام تدور

فمن مبلغ عني النوى ما يسؤها

وللبين حكم يعتدىو يجور

بأنا غدا وبعده سوف نلتقي

ونمسي ومنا زائر ومزور

إلى كم أرى أكني ووجدي مصرح

وأخفي اسم من أهواه وهو شهير

أمنجد آمالي ومغلي كاسدي

ومصدر جاهي والحديث كثير

أنَّ أنسى ولا أنسى مجالسك التي

بها تلتقي نضرة وسرور

نزورك في جنح الظلام وننثني

وبين يدينا من حديثك نور

على أنني إن غبت عنك فلم تغب

لطائف لم يحجب لهن سفور

نروح ونغدو كل يوم وعندها

رواح علينا دائم وبكور

فظلك فوقي حيثما كنت وارف

ومورد آمالي لديك نمير

ص: 168

وعذرا فأني إن أطلت فإنما

قصارى من بعد البيان قصور

وكتب إليه خاتمة رسالة كذلك:

وحقك ما استطعت بعدك غمضةً

من النوم حتى آذن النجم بالغروب

وعارضت مسرى الريح قلت لعلها

تنم بريا منك عاطرة الهبوب

إلى أن بدا وجه الصباح كأنه

محياك إذ تجلى بغزته الخطوب

فقلت لقبي استشعر الأنس وابتهج

فإنَّ تبعد الأجسام لم تبعد القلوب

وسر في ضمان الله حيقث توجهت

ركابك لا تخشى الحوادث أن تنوب

ثم قال: وقال - بعد إيراد جملة من نظمه في النسيب وما يناسبه - يصف مصباحاً:

لقد زادني وجداً بي الجوى

ذبال بأذيال الظلام قد التفا

تشير وراء الليل منه بنانة

مخضبة والليل قد حجب الكفا

تلوح سناناً حين لا تنفح الصبا

وتبدو سروراً حين تثنى له العطفا

قطعت بها ليلي يطار حتى الجوى

فآونة يبدو وآونةً يخفى

إذا قلت لا يبدو أسال لسانه

وإن قلت لا يخبو الضياء به كفا

إلى أن أفاق الباح من غمرة الدجى

وأهدى نسيم الروض من طيبه عرفا

لك الله يا مصباح أشبهت مهجتي

وقد شفها من لوعة الحب ما شفا

ص: 169

ثم قال وكتب له صدر رسالة:

أزور بقلبي معهد الأنس والهوى

وأنهب من أيدي النسيم رسائلا

ومهما سألت البرق يهفو من الحمى

يبادر به دمعي مجيباً وسائلا

فيا ليت شعري والأماني تعلل

أيرعى لي الحي الكرام الوسائلا

وهل يجيرني الأولى كما قد عهدتهم

يوالون بالإحسان من جاء سائلا

ثم قال بعد أن ذكر عدة قطع: وقال يصف الزرافة في قصيدة مدح بها السلطان أبا سالم ملك المغرب رحمه الله وقد ورد عليه بها وفد الأحابش في هدية من ملكهم، ونصها:

لولا تألق بارق التذكار

ما صاب واكف دمعي المدرار

لكنه مهما تعرض خافقاً

قدحت يد الأشواق زند أواري

عليه السلام المشوق إذا تذكر معهداً أن يغري الأجفان باستعبار

أمذكري غرناطة حلت بها

أيدي السحاب أزرة النوار

كيف التخلص للحديث ودونها

عرض الفلاة وطافح زخار

هذا على أنَّ التغرب مركبي

وتولج الفيح الفساح شعاري

فلكم أقمت غداة زمت عيسهم

أبغي القرار ولات حين قرار

وطفقت استقري المنازل بعدهم

يمحو البكاء مواقع الآثار

إنا بني الآمال تخدعنا المنى

فنخادع الآمال بالتسيار

نتجشم الأهوال في طلب العلا

ونروع سرب النوم بالأفكار

ص: 170

لا يجوز المجد الخطير سوى امرئ

يمطي العزائم صهوة الأخطار

إلا يفاخر بالعتاد ففخره

بالمشرفية والقنا الخطار

مستبصر مرمى العواقب واصل

في حمله الإيراد بالإصدار

فاشد ما قاد الجهول إلى الردى

عمه البصائر لا عمى الأبصار

ولرب مربد الجوانح مزبدٍ

سبح الهلال بلجه الزخار

فتقت كمائم جنحه عن أنجمٍ

سفرت زواهرهن عن أزهار

مثلت على شاطي المجرة نرجساً

تصطف منه على خليج جاري

فكأنما بدر التمام بجنحه

وجه الإمام بجحفل جرار

وكأنما خمس الثريا راحة

ذرعت مسير الليل بالأشبار

اسرجت من عزمي مصابيحاً بها

تهدي السراة لها من الأقطار

وارتاع من بازي الصباح غرابه

لمّا اطل فطار كل مطار

ومنها:

وغريبةٍ قطعت إليك على الونى

بيداً تبيدها هموم الساري

تنسيه طيبته التي قدأمها

والركب فيها ميت الأخبار

يقتادها من كل مشتمل الدجى

وكأنما عيناه جذوة نار

تشدو بحمد المستعين حداتها

يتعللون به على الأكوار

إن مسهم لفح الهجير أبلهم

منه نسيم ثنائك المعطار

خاضوا بها الفلا فتخلفت

منها خلوص البدر بعد سرار

ص: 171

سلمت بسعدك من غوائل مثلها

وكفى بسعدك حامياً لذمار

وأتتك يا ملك الزمان غريبة

قيد النواظر نزهة الأبصار

موشية الأعطاف رائعة الحلى

رقمت بدائعها يد الأقدار

راق العيون أديمها فكأنه

روض تفتح عن شقيق بهار

ما بين مبيض وأصفرٍ فاقعٍ

سال اللجين به خلال نضار

يحكي حدائق نرجسٍ في شاهقٍ

تنساب فيه أرقام الأنهار

تحدو قوائم كالجذوع وفوقها

جبل أشم بنوره متواري

وسمت بجيد مثل جذع مائل

سهل التعطف لين خوار

تستشرف الجدران منه ترائباً

فكأنما هو قائم بمنار

تاهت بكلكلها وأتلع جيدها

ومشى بها الأعجاب مشي وقار

خرجوا لها الجم الغفير وكلهم

متعجب من لطف صنع الباري

كل يقول لصحبه قوموا انظروا

كيف الجبال تقاد بالأسيار

ألقت ببابك رحلها ولطالما

ألقى الغريب به عصا التسيار

علمت ملوك الأرض انك فخرها

فتسابقت لرضاك في مضمار

يتبوءون به وإن بعد المدى

من جاهك الأعلى أعز جوار

فارفع لواء الفخر غير مدافعٍ

واسحب ذيول العسكر الجرار

واهنأ بأعياد الفتوح مخولاً

ما شئت من نصرٍ ومن أنصار

وإليكها من روض فكري نفحة

شف الثناء بها على الأزهار

ص: 172

في فضل منطقها ورونق رسمها

مستمتع الأسماع والأبصار

وتميل من أصغى لها فكأنني

عاطيته منها كئوس عقار

وقال رحمه الله تعالى يخاطب كتاب الإنشاء بالمغرب وقد حضر هنالك ميلاد الرسول) ، وانشد قصائدهم، وأستنجز بعد ذلك وعدهم بتقييد نسخها بمقطوعات مرتجلة أجابوه عنها، منها:

أكتيبة الكتاب أيد جمعكم

بعناية المولى الخليفة أحمد

لا تمطلوا دين الغريب فأنني

منكم وإنَّ رغمت لذلك حسدي

زينتم حفل البيان بسحركم

اليوم زينة سحركم من موعد

فلتسمحوا لي بالقصائد عاجلا

ولتبلغوا مما أؤمل مقصدي

وقال أيضاً:

أيا علية الكتاب منصفٍ

عليكم بكم في مقطع الحق يستعدي

سمحتم بنظم الدر في لبة العلا

فكم راق من سمط هناك ومن وعقد

فما ضركم أنَّ تسمحوا ليس بكتابها

فتستجزلوا شكري وتستجيبوا احمدي

وقال أيضاً:

ما عذركم أنَّ لم تجدوا بعدما

ملكتم كف الخليفة أحمد

فلتبعثوا لي كل بكرة فذةٍ

تأتي بفخر خلالها وسط الندي

وكتب إليهم في المعنى أيضاً وقد كان السلطان أبو العباس أعطاه قصيدة من نظمه تلك الليلة:

ص: 173

ظلالكم تندو وموردكم عذب

وترضون أنَّ أضحى وبالملح لي شرب

وانتم وما أنتم غمائم رحمةٍ

تصوب وأحلام العفاة لها تصبو

أفيضوا علينا وأنظرونا بفضلكم

لنقتبس نوراً لا يخيب ولا يخبو

ألفت الهوى حتى أنست بجوره

فكل عذاب نالني في الهوى عذب

وقلت لجسمي إنه ثوبك الضني

وقلت لقلبي إنه إلفك الحب

وقالوا صبا والشيب لاح صباحه

فقلت ببيض كالصباح أنا صب

نهبت عذاري الحي ليلة عرضها

وقد جلبت منها لمبصرها شهب

ولم أر منها غير رجع حديثها

فتجهل منها العين ما يعرف القلب

عراب إذا استنت بشأو بلاغةٍ

تقصر من دون اللحاق لها العرب

وإنَّ أسندت ما بين نجد وحاجر

تقول رواة الشرق يا حبذا الغرب

فنعمة صدق للخلافة قد ضفت

على من حواه من مهابته حجب

وجو صقيل قد جلته يد الصبا

يسافر طرف الطرف فيه فما يكبو

فلولا التي من دونها طاعة الهوى

لحقت بها حولي الأباريق والشرب

ولكن نهاني الشيب إنَّ أقرب الهوى

إذا لم يتح ممن أحب لي القرب

فلا تمطلوا دين المعلل عن غني

فجانبكم سهل ومنزلكم رحب

وإنَّ لم تروني كفهن ترفعا

وصدكم من دون خطبها خطب

فمولاي قد أهدى العميد عقيلة

يكالها من لفظها اللؤلؤ الرطب

أدارت كئوسا من مدام صبابة

كما امتزج الصهباء والبارد العذب

فوالله لولا موعد يومه غد

لواجهتكم مني على مطلبي العتب

ص: 174

أكتاب مولانا الخليفة أحمد

وحسبكم الفخر العميم به حسب

به اعتزت الآداب وامتد باعها

وطالت يداها واستخف بها العجب

فلو لم يكن بالفضل تنفق سوقها

لكان يقال التبر في أرضه ترب

بقيتم به في ظل جاهٍ وغبطةٍ

تخب إلي لقيا نجيبكم النجب

وقال يراجع الكتاب أبا زكريا بن أبي دلامة منهم، وقد أجابه رحمه الله تعالى عليه:

على الطائر الميمون والطالع السعد

أتتني مع الصنع الجميل على وعد

وأحييت يا يحيى بها نفس مغرمٍ

يجيل جياد الدمع في ملعب السهد

نسيت وما أنسى وفائي وخلتي

وأقفر ربع القلب إلاّ من الواجد

وما الطال في ثغر من الزهر باسم

بأذكى وأصفى من ثنائي ومن ودي

فأصدقتها من بحر فكري جواهرا

تنظم من در الدراري في عقد

وكنت أطيل القول لولا ضرورة

دعتني إلى الإيجاز في سورة الحمد

وانشد السلطان أبا العباس المذكور في غراب من إنشائه:

أإنسان عين الدهر جفنك قد غدا

يحفك منه طائر اليمن والسعد

إذا ما هفا فوق الرءوس شراعه

أراك جناحا مدينة للجزر والمد

وأنشده فيه أيضاً:

لك الخير شأن الجفن يحرس عينه

وهذا بعين الله يحرس دائماً

تبيت له خمس الثريا معيذة

تقلده زهر النجوم تمائماً

ص: 175

فيا جفن لا تنفعك في الحفظ دائما

وإنَّ كنت في لج من البحر عائما

انتهى ما انتقيت من هذا التأليف الملوكي مع أني تركت أكثره.

قلت: وإنّما أطلت في كلام الرئيس أبن زمرك رحمه الله تعالى لوجوه: أولها: أنَّ الذي ألفت الكتاب من أجله راغب في ذلك.

الثاني: ولوع كثير من الناس بكلامه، حتى قال شيخنا سيدي الإمام العلامة المؤلف الكبير أبو العباس الشهير ببابا السوداني رحمه الله، بعد أن ذكر في التعريف به نحو عشرين سطراً: إني لم أقف في أمره على غير هذا، ولم أقف على وفاته. وبالجملة فالذي تكلم خواص الناس فيه من أمره هو ما في الإحاطة والكتيبة: وأما الجم الغفير فهم بمعزل عما في الكتابين فضلا عن غيره.

الوجه الثالث: أنَّ ما نقلته من ذلك كان عندي مقيدا في عدة أوراق، فخفت عليه الدروس، فلذا جمعت بعضه هنا.

الرابع: ما اشتمل عليه من أوصاف الجهاد والخيل وغير ذلك من الغرائب، وليس الخبر كالعيان.

الخامس: ما في بعضه من أمداح المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بالذات وغيره تبع، وهو في مسك ختام هذه الأوجه الخمس، وليس يحتاج إلى دليل نول القمر والشمس. وقد عن لي أنَّ أذكر جملة من موشحاته لغرابتها، ولأن جل ما وقفت عليه منها ينخر في سلك المعرب، إذ أكثره من مخلع البسيط.

ص: 176

فمن ذلك قوله تشوقا إلى غرناطة أعادها الله ومادحاً الغنى بالله:

بالله يا قامة القضيب

ومخجل الشمس والقمر

من ملك الحسن في القلوب

وأيد اللحظ بالحور

من لم يكن طبعه رقيقا

لم يدر ما لذة الصبا

فرب حر غدا رقيقا

تملكه نفحة الصبا

نسوان لم يشرب الرحيقا

لكن إلى الحسن قد صبا

فعذب القلب بالوجيب

ونعم العين بالنظر

وبات والدمع في صبيب

يقدح من قلبه الشرر

أواه من قلبي المعنى

يهفو إذا هبت الرياح

لو كان للصب ما تمنى

لطار شوقا بلا جناح

وبلبل الدوح إنَّ تغف

أسهر ليلي إلى الصباح

عساك إنَّ زرت يا طبيبي

بالطيف في رقدة السحر

أنَّ تجعل النوم من نصبي

والعين تحمي من السهر

كم شادن قاد لي التحوفا

بمربع القلب قد سكن

يسل من لحظه سيوفا

فالقلب بالورع ما سكن

خلقت من عادتي ألوفا

أحن للإلف والسكن

غرناطة منزل الحبيب

وقربها السؤل والوطر

ص: 177

تبهر بالمنظر العجيب

فلا عدا ربعا المطر

عروسة تاجها السبيكة

وزهرها الحلي والحلل

لم ترض من عزها شريكة

بحسنها يضرب المثل

أيدها الله من مليكة

تملكها اشرف الدول

بدولة المرتجى المهيب

الملك الطاهر الأغر

تخال من بردها القشيب

في حلة النور والزهر

كرسها جنة العريف

مرآتها صفحة الغدير

وجوها الطل في شنوف

تحكيمه صنعته القدير

والأنس فيها على صنوف

فيمن هديل ومن هدير

كم خرق الزهر من جيوب

وكلل القضب بالدرر

فالغصن كالكعاب اللعوب

والطير تشدو بلا وتر

ولائم النصر في احتفال

وفرح دين الهدى جديد

سلطانها معمل العوالي

محمّد الظافر السعيد

ومخجل البدر في الكمال

سلطانها المجتبي الفريد

أصفح مولى عن الذنوب

أكرم عاف إذا قدر

وشمس هدى بلا مغيب

وبحر جودٍ بلا حسر

ص: 178

مولاي يا عاقد البنود

تظلل الأوجه الصباح

أوحشت يا نخبة الوجود

غرناطة هالة السماح

سافرت باليمن والسعود

وعدت بالفتح والنجاح

يا ملهم القلب للغيوب

ومطعم النصر والظفر

أسمعك الله عن قريب:

" على السلاما من الالسفر "

وقال أيضاً من الموشحات الفائقة، في مثل أغراض هذه السابقة، وأشار إلى محاسن من وصف " الرشاد ":

نسيم غرناطة عليل

لكنه يبري العليل

وروضها زاهر بليل

ورشفه ينقع الغليل

سقى بنجد ربا المصلى

مباكراً روضها الغمام

فجفنه كلما استهلا

تبسم الزهر في الكمام

والروض بالحسن قد تجلى

وجرد النهر عن حسام

ودوحها ظله ظليل

يحسن في ربعه المقيل

والبرق والجو مستطيل

يلعب بالصارم الصقيل

عقيلة تاجها السبيكة

تظل بالمراقب المنيف

كأنها فوقه مليكه

كراسيها جنة العريف

ص: 179

تطلع من عسجد سبيكة

شموسها كلما تطيف

أبدعك الخيال الجليل

يا منظرا كله جميل

قلبي إلى حسنه يميل

وقبلنا قد صبا جميل

وزاد للحسن فيك حسنا

محمّد الحمد والسماح

جدد للفخر فيك مغنى

في طالع اليمن والنجاح

تدعى رشادا وفيك معنى

يخصك الفأل بافتتاح

فالنص والسعد لا يزول

لأنه ثابت أصيل

سعد وأنصره قبيل

آباؤه عترة الرسول

أبدى به حكمة القدير

وتوج الروض بالقباب

ودرع الزهر بالغدير

وزين النهر بالحباب

فمن هديل ومن هدير

ما أولع الحسن بالشباب

هبت على روضها القبول

وطرفها بالسرى كليل

فلم يزل بينها يجول

حتى تبدت له حجول

للزهر في عطفها رقوم

تلوح للعين كالنجوم

وللندى بينها رسوم

عقد الندى فوقه نظيم

وكل واد بها يهيم

ولم يزل حولها يحوم

ص: 180

شنيلها مدّ منها نيل

والشين ألف لمستنيل

وعين واد تسيل

من فوق خد له أسيل

كم من ظلال به ترف

تضفو لها فوقه ستور

ومن زجاج به يشف

ما بين نور وبين نور

ون شموس بها تصف

تديرها بيننا البدور

مزاجها العذب سلسبيل

ياهل إلى رشفها سبيل

وكيف والشيب لي عذول

وصبغة صفرة الأصيل

يا سرحة في الحمى ظليلة

كم نلت في ظلك المنى

روضك الله من خميلة

يجنى بها أطيب الجنى

وبرقها صادق المخيلة

ما زال بالغيث محسنا

أنجز لي وعدك القبول

فلم أقل مثل من يقول

" يا سرحة الحي يا مطول

شرح الذي بيننا يطول "

ومن ذلك ما كتب به للغني بالله:

أبلغ لغرناطة سلامي

وصف لها عهدي السليم

فلو رعى طيفها ذمامي

ما بت في ليلة السليم

كم بت فيها على اقتراح

أعل من خمرة الرضاب

أدير منها كئوي راح

قد زانت الثغر بالحباب

ص: 181

أختال كالمهر في الجماح

نشوان في روضة الشباب

أضحكك الزهر في الكمام

مباهيا روضة الوسيم

وأفصح الغصن في القوام

إن هب من جوها نسيم

بينا أنا والشباب ضافي

وظله فوقنا مديد

ومورد الأنس فيه صافي

وبرده رائق جديد

إذ لاح في الفود غير خافي

صبح به نبه الوليد

أيقظ من كان ذا منام

لمّا انجلى ليلة البهيم

وأرسل الدمع كالغمام

في كل واد به أهيم

يا جيرة عهدهم كريم

وفعلهم كله جميل

لا تعذلوا الصب إذ يهيم

فقبل قد صبا جميل

القرب من ربعكم نعيم

وبعدكم خطبه جليل

كم من رياض به وسام

يزهى بها الرائد المسيم

غديرها أزرق الججمام

ونبتها كله جميم

أعندكم أنني بفاس

أكابد الشوق والحنين

أذكر أهلي بها وناسي

فاليوم في الطول كالسنين

ص: 182

الله حسبي فكم أقاسي

من وحشة الصحب والبنين

مطارح ساجع الحمام

شوقا الذي الإلف والحنين

والدمع قد لج في أنسجام

وقد وهى عقده النظيم

يا ساكني جنة العريف

أسكنتم جنة الخلود

كم ثم من منظر شريف

قد حف باليمن والسعود

ورب طود به منيف

أدواحة الخصر كالبنود

والنهر قد سال كالحسام

ولراحة الشرب مستديم

والزهر قد راق بابتسام

مقبلا راحة النديم

بلغ عبيد المقام صحبي

لا زلتم الدهر في هنا

لقاكم بغية المحب

وقربكم غاية المنى

فعندكم قد تركت قلبي

فجدد الله عهدنا

ودارك الشمل بانتظام

من مرتجى فضله العميم

في ظل سلطاننا الإمام

الطاهر الظاهر الحليم

مؤمن العبدوتين مما

يخاف من سطوة العدا

وفارج الكرب إنَّ ألما

ومذهب الخطب والردى

قد راق حسنا وفاق حلما

وما عدا غير ما بدا

مولاي يا نخبة الأنام

وحائز الفخر في القديم

كم أرقب البدر في التمام

شوقا إلى وجهك الكريم

ص: 183

ومن موشحاته في غير المخلع موطئا على موشحة أبن سهل التي أولها: " ليل الهوى يقظان " قوله:

نواسم البستان

تنثر سلك الزهر

والطل في الأغصان

ينظمه بالجوهر

وراية الإصباح أضاء منها المشرق

تنشرها الأرواح

فلا تزال تخفق

والزهر زهر فاح

لها عيون ترمق

فأيقظ الندمان

تبصر ما لم يبصر

جواهر الشهبان

قد عرضت للمشري

قدحت لي زندا

يأيهذا البارق

أذكرتني عهدا

إذ الشباب رائق

فالشوق لا يهدا

ولا الفؤاد الخافق

وكيف بالسلوان

والقلب رهن الفكر

وسحب الهجران

تحجب وجه القمر

لولا شموس الكآس

نديرها بين البدور

وعرج الإناس

منا على ربع الصدور

ص: 184

لكن لها وسواس

يغري بربات الخدود

كم واله هيمان

بصبح وجه مسفر

ضياؤه قد بان

من تحت ليل مقمر

يا مطلع الأنوار

كم فيك من مرأى جميل

ونزهة الأبصار

ما ضر لو تشفي الغليل

يا روضة الأزهار

وعرفها يبري العليل

قضيبك الفينان

يسقى بدمع همر

فلا عج الأشجان

فيض الدموع يجري

هل في الهوى ناصر

أو هل يجار الهائم

لو كان لي زائر

طيف الخيال الحائم

ما بت بالساهر

ودمع عيني ساجم

والحب ذو عدوان

يجهد في ظلم البري

وصارم الأجفان

مؤيد بالحور

رحماك في صب

أذكرته عهد الصبا

بواعث الحب

قادت إليه الوصبا

لم تهف بالقلب

ريح الصبا إلاّ صبا

بليلة الأردان

قد ضمخت بالعنبر

يشير غصن ألبان

منها بفضل المئزر

ص: 185

طيبها حمد

فخر الملوك المجتبى

من يرجح الطود

من حلمه إذا احتبى

قد جرد السعد

منه حساما مذهبا

فالبأس والإحسان

والغوث للمستنصر

تحمله الركبان

تحية للمنبر

عصابة الكتاب

حق لها الفوز العظيم

تختال في أثواب

ألبستها الظول الجسيم

فحسبها الإنطاب

في الحمد والشكر العميم

خليفة الرحمن

لازالت زاهية المظهر

يا مورد الظمآن

ورأس المعسر

خدها بلا دعوى

تزهي على الروض الوسيم

جاءت كما تهوى

أرق من لدن النسيم

قد طارحت شكوى

من قال في الليل البهيم

" ليل الهوى يقظان

والحب ترب السهر

والصبر لي خوان

والنوم من عيني بري "

ومخلع البسيط في الصبوحيات قوله سامحه الله تعالى ورحمه ورضى عنه:

ريحانة الفجر قد أطلت

خضراء بالزهر تزهر

ص: 186

وراية الصبح إذ أظلت

في مرقب الشرق تنشر

فالشهب من غارة الصباح

ترعد خسوفا وتخفيق

وأدهم الليل في جماح

أعنة البرق يطلع

والأفق في ملتقى الرياح

بأدمع الغيث يشرق

والسحب بالجوهر استهلت

فالبرق سيف مجوهر

صفاحة المذهبات حلت

في راحة الجو تشهر

كم للصبا ثم من مقيل

بطينه الزهر يشهد

والنهر كالصارم الصقيل

في حلية النور يغمد

ورب قال به وقيل

للطير في حين تنشد

فألسن الورق قد أملت

مدائحا عنه تشكر

ونسمة الصبح حين كلت

في سندس الروض تعثر

والكأس في راحة النديم

يجلو بها غيهب الهموم

أقبست النار في القديم

من قبل أن تخلق الكروم

والغصن في ملعب النسيم

للزهر في عطفه رقوم

فلبة القضب قد تحلت

والطل في الحلى جوهر

ص: 187

وبهجة الكون قد تجلت

والروض بالحسن يبهر

يذكرني وجنة الحبيب

والآس في صفحة العذار

وشارب العجيب

بين أقاحٍ وجلنار

يدير من ثغره الشنيب

سلافة دونها العقار

حلت لأهل الهوى وجلت

بالذكر والوهم تسكير

كم من نفوس بها تسلت

فما لها الدهر منكر

يا غصن بان يميل زهوا

ريان في روضة الشباب

لو كنت تصغى لرفع الشكوى

أطلت من قصة العتاب

ومن لمثلي ببث نجوى

للبدر في رفرف السحاب

عزائم الصبر فيك حلت

وعقدة الصبر تذخر

قد أكثرت منك ما استقلت

وليت لو كنت تشعر

كم ليلة بتها وبتا

ضدين في سهد والرقاد

أسامر النجم فيك حتى

علمت أجفانه السهاد

أراقب بدر وأنتا

قد لحت في هالة الفؤاد

نفسي وليت ما تولت

دعاها على الشوق تصبر

لو سمتها الهجر ما تولت

ولم تكن عنك تنفر

علمها الصبر في الحروب

سلطاننا عاقد البنود

معفر الصيد للجنوب

أعز من حف بالجنود

ص: 188

نصرت بالرعب في القلوب

والبيض لم تبرح الغمود

عناية الله فيه حلت

بسعده الدين ينصر

والخلق في عصره تملت

غنائماً ليس تحصر

مولاي يا نكته الزمان

دار بما ترضى الفلك

جللت باليمن والأمان

كل مليك وما ملك

لم بدر وصفي ولا عياني

أمملك أنت أم ملك

جنودك الغلب حيث حلت

بالنصر والفتح تخفر

وعادة الله فيك دلت

أنك بالكفر تظفر

يا آية الله في الكمال

ومخجل البدر في التمام

قدمت بالعز والجلال

والدهر في ثغره ابتسام

يختال في حلة الجمال

والبدء قد عاد في اختتام

ريحانة الفجر قد أطلت

خضراء بالزهر تزهر

وراية الصبح إذ أظلت

في مرقب الشرق تنشر

وقال رحمه الله تعالى وسامحه:

قد طلعت راية الصباح

وآذن الليل بالرحيل

فباكر الروض باصطباح

واشرب على زهره البليل

فالورق هبت من السنان

لمنبر الدوح تخطب

ص: 189

تسجع مفتنة اللغات

كل عن الشوق يعرب

والغصن بعد الذهاب يأتي

لأكوس الطل يشرب

وأدمع السحب في أنسياح

في كل روض لها سبيل

والجو مستبشر النواحي

يلعب بالصارم الصقيل

قم فأغتنم بهجة النفوس

ما بين نورٍ وبين نورٍ

وشفع الصبح بالشموس

تديرها بيننا البدور

ونبيه الشرب للكئوس

تمزج من ريقه الثغور

ما أجمل الراح فوق راح

صفراء كالشمس في الأصيل

تغادر الصدر ذا انشراح

للأنس في طيفه مقيل

ولا تذر خمرة الجفون

فكسرها في الهوى جنون

ولتخش من اسهم العيون

فإنها رائد المنون

عرضت منها إلى الفتون

وكل خطب لها يهون

أهيم بالغادة الرادح

والجسم من حبها عليل

لو بت منها على اقتراح

نقعت من ريقها الغليل

أواعد الطيف للمنام

ومن لعيني بالمنام

أسهر في ليله التمام

وأنت يا بدر في التمام

وألم الزهر في الكمام

عليه من ثغرك ابتسام

ص: 190

سفرت عن مبسم الأقاح

وريقك العذب سلسبيل

قل لي يا ربة الوشاح

هل لي إلى وصل من سبيل

يا كعبة الحسن زدت حسنا

وللهوى حولك المطاف

وغصن بانٍ إذا تثنى

لو جان من زهرك القطاف

ألا انعطاف على المعنى

فالغصن يزهو بالانعطاف

أصبحت تزهو على الملاح

بذلك المنظر الجميل

ووجهك الشمس في اتضاح

لو أنها لم تكن تميل

ما الزهر إلاّ بنظم در

تحسد في حسنه العقود

للملك الظاهر الأغادر

أكرم من حف بالسعود

محمّد الحمد وأبن نصر

وباسط العدل في الوجود

مساجل السحب في السماح

بالغيث من رفده الجليل

ومخجل البدر في اللياح

بغرة مالها مثيل

يا مشرب الحب في القلوب

وواهب الصفح للصفاح

نصرت بالرعب في الحروب

والرعب أجدى من السلاح

قد لحت من عالم الغيوب

لم تعدم الفوز والنجاح

مراكش نهبة افتتاح

والصنع في فتحها جليل

ص: 191

بشراك بالفتح والنجاح

والشكر من ذلك القبيل

ومن غير المخلع قوله في الهناء بالشفاء من مرض:

في كئوس الثفر من خمر اللعس

راحة الأرواح

وتغشى الروض مسكي النفس

عاطر الأرواح

قد كسا الأدواح وشيا مذهبا

يبهر الشمسا

عسجد قد حل من فوق الربا

يبهج النفسا

فاتخذ للهو فيه مركبا

تحلق الأنسا

منبر الغصن عليه قد جلس

ساجع الأدواح

حلل السندس خضرا قد لبس

عطفه المرتاح

قم ترى هذا الأصيل شاحبا

حسنه قد راق

ولأذيال الغصون ساحبا

في حلى الأوراق

ونديمي قال لي مخاطبا

قول ذي إشفاق

عادة الشمس بغرب تخلس

هات الشمس الراح

إنَّ أرانا الجو وجها قد عبس

أوقد المصباح

ووجوه الشرب تغنى عن شموس

كلما تجلى

بلحاظ أسكرنا عن كئوس

خمرها أحلى

ص: 192

تطنب لله في الثناء

تقول: سلمت يا سلام

كم من ثغور لها ثغور

تبسم إذ جاءها البشير

ومن خدور بها بدور

يشير منها له المشير

تقول إذ حفها السرور

تبارك المنعم القدير

قد أنعم الله بالبقاء

في ظل مولى به اعتصام

قد صادف النجح في الدواء

فالداء عنا له انفصام

ينهيك مولاي بل يهنا

ببرئك الدين والهدى

فالغرب والشرب منك يعني

بمذهب الخطب والردى

والله لولاك ما تهنا

من فيه من سطوة الردى

يا مورد الأنفس الظماء

قد كان يشتفها الأوام

وقرة العين بالبهاء

رددت للأعين المنام

لو أبذل الروح في البشارة

بذلت بعض الذي ملك

فأنت يا نفس مستعارة

مولاك بالفضل جملك

لم أرد إذ أسطر العبارة

أملك هو أم ملك

لا زلت مولاي في هناء

تبلغ القصد والمرام

ودمت للملك في أعتلاء

تسحب أيذاله الغمام

وقال أيضاً يصف مالقه ويمدح الغنى بالله:

عليك يا رية الإسلام

ولا عدا ربعك المطر

مذخل في قصرك الإمام

فقربك السؤل والوطر

كم فيك للغرم المشوق

من منظر يبهج النفوس

ص: 195

والدوح في روضك الأنيق

للشكر قد حطت الرءوس

والجو من وجهك الشريق

تحسده أوجه الشموس

وأعين الزهر لا تنام

تستعذب السهد والسهر

تنفث من تحتها الغمام

ترقيك من أعين الزهر

عروسة أنت يا عقيله

تجلى على مظهر الكمال

مدت لك الكف مستقيله

تمسح أعطافك الشمال

والبحر مرآتك الصقيله

تشف عن ذلك الجمال

والحلي زهر له انتظام

يكال القضب بالدرر

قد راق من ثغره ابتسام

والورد في خدها خفر

إنَّ قيل من بعلها المفدى

ومن له وصلها مباح

أقول أسنى الملوك رفداً

مخلد الفخر بالصفاح

محمّد الحمد حين يهدى

ثناؤه عاطر الرياح

تخبر عن طيبه الكمام

والخبر يغني عن الخبر

فالسعد والرعب والحسام

والنصر آياته الكبر

ذو غرة تحسر البدورا

وطلعته تخجل الصباح

كم راية سامها ظهورا

تظلل الأوجه الصباح

وكم ظلام جلاه نورا

أظفر بالفوز والنجاح

الطاهر الظاهر الهمام

أعز من صال وافتخر

ص: 196

لسيفه في العدا احتكام

جرى به سابق القدر

يا مرسل الخيل في الغوار

لو تطلب البرق تلحق

لك الجواري إذا تجاري

سوابق الشهب تسبق

تستن في لجى البحار

فالكفر منهن يفرق

فالدين وليقصر الكلام

بسيفيك اعتز وانتصر

كذلك أسلافك الكرام

هم نصروا سيد البشر

وقال من غير هذا البحر في المحدث بمالقة:

قد نظم الشمل أتم انتظام

واغتنم الأحباب قرب الحبيب

واستضحك الروض ثغور الكمام

عن مبسم الزهر البرود الشنيب

وعمم النور رءوس الربا

وجلل النور صدور البطاح

وصافح القضب نسيم الصبا

فالزهر يرنو عن عيون وقاح

وعاد للروض زمان الصبا

فقلد النهر مكان الوشاح

وأطلع القصر بدور التمام

في طالع الفتح القريب الغريب

خدورها قامت مقام الغمام

لا أشتكى من بعدها بالمغيب

أصبحت يا رية مجلى الشموس

جمالك العين به تبهر

والبشر في جميع النفوس

وراية الأنس بها تنشر

والدوح للشكر تحط الرءوس

وأنجم الزهر بها تزهر

ص: 197

وراجع النهر غناء الحمام

وقد شدت تسجع الخطيب

بمنبر الغصن الرشيق القوام

لمّا انثنى يهفو بقد رطيب

يا حبذا مبناك فخر القصور

بدوحة طالت بروج السما

ما مثله في سالفات العصور

ولا الذي شاد أبن ما السما

كم فيه من مرأى بهيج ونور

في مرتقى الجو به قد سما

خليفة الله ونعم الإمام

أتحفك الدهر بصنع عجيب

يهنيك شمل قد غدا في التئام

ممهد في ظل عيش خصيب

نواسم الوادي بممسك تفوح

ونفحة الند به تعبق

وبهجة السكان فيه تلوح

وجوه من نورهم يشرق

وروضة بالسر منه تبوح

بلابل عن وجده تنطق

لو أنَّ من يفهم عنا الكلام

فهي تهنيك هناء الأديب

ونهره قد سل منه الحسام

يلحظه النرجس لحظ المريب

فأجمل الأيام عصر الشباب

وأجمل الأجمل يوم اللقا

يا درة القصر وشمس القباب

وهازم الأحزاب في الملتقى

بشرك الرب بحسن المآب

متعك الله بطول البقا

ولا يزال القصر قصر السلام

يختال في برد الشباب القشيب

يتلو عليك الدهر في كل عام

" نصر من الله وفتح قريب "

ص: 198

وقال رحمه الله من المخلع في الشفاء:

في طالع اليمن والسعود

قد كملت راحة الإمام

فأشرق نور في الوجود

وابتسم الزهر في الكمام

قد طلعت راية النجاح

وانهزم البأس والعنا

وقال حي على الفلاح

مؤذن الفوز بالمنى

فالدهر يأتي بالاقتراح

مستقبلا أوجه الهنا

تخفق منشورة البنود

والسعد يقدم من أمام

والأنس مستجمع الوفود

واللطف مستعذب الجمام

وأكؤس الطل مترعات

بأنمل السوسن الندى

والطير مفتنعة اللغات

تشدو بأصوات معبد

والغصن يذهب ثم يات

بالسندس الغض مرتدى

والدوح يومي إلى السجود

شكرا لذي الأنعم الجسام

والريح خافقة البنود

تبارك الروض بالغمام

مظاهر للجمال تجلى

قد هز أعطافها السرور

وباهر الحسن قد تجلى

ما بين نور وبين نور

قد هنأت بالشفاء مولى

بعصره تفخر العصور

ما بين باس وبين جود

قد مهد الأمن للأنام

فالدين ذو أعين رقود

وكان لا يطعم المنام

والكأس في راحة السقاة

تروح طورا وتغتدي

ص: 199

يهديكها رائق السمات

ما بين برق وفرقد

والشمس تذهب للبيات

قد لبست ثوب عسجد

والزهر في اليانع المجرد

يقابل الشرب بابتسام

والروض من حلبة الغمود

قد جرد النهر عن الحسام

مولاي يا أشرف الملوك

وعصمة الخلق أجمعين

أهديك من جوهر السلوك

يقذفه بحرك المعين

جعلت تنظيمه سلوكي

وأنت لي المنجد المعين

تحية الواحد المجيد

ورحمة الله والسلام

عليك من راحم ودود

يا مخجل البدر في التمام

وقال رحمه الله تعالى من الرمل المجروء:

وجه هذا اليوم باسم

وشذا الأزهار ناسم

هاتها صاح كئوسا

جالبات للسرور

وارتقب منها شموسا

طالعات في بدور

ما نرى الروض عروسا

في حلى نور ونور

وأتت رسل النواسم

تجتلي هذي المواسم

قد أهلت بالبشائر

أضحكت ثغر الأزاهر

سنحت في يمن طائر

ونظمن كالجواهر

فانشروها في العشائر

إن هذا الصنع باهر

وأشيعوا في العوالم

الغنى بالله سالم

ص: 200

أي نور يتوقد

أي بدر يتلالا

أي فخر يتخلد

أي غيث يتوالى

إنّما المولى محمّد

رحمة الله تعالى

فهذا البحر المقاسم

وبها حج المباسم

خير أملاك الزمان

من بني سعد ونصر

ما ترى أن الشواني

في صعيد البر تجري

قد أطارتها التهاني

دون بحرى وبحر

مذ رأت بحر النعام

كلها جار وعام

فهنيئا بالشفاء

يا أمير المؤمنين

ولنا حتى الهناء

وجميع المسلمين

إن جهرنا بالدعاء

ينطق الدهر أمين

دمت محروس المكارم

بظبي البيض الصوارم

وقال يهنئ السلطان موسى بن السلطان أبن عنان وقد وجه إليه الغنى بالله أمه وعياله عند تملكه المغرب من قبله:

قد نظم الشمل أتم انتظام

ولاحت الأقمار بعد المغيب

وأضحك الروض ثغور الكرام

عن مبسم الزهر البرود الشنيب

ص: 201

وعاود الغصن زمان الصبا

وأشرب الأنس جميع النفوس

وعمم النور رءوس الربا

وجلل النور وجه الشموس

وأطرب الغصن نسيم الصبا

فالدوح للشكر يحط الرءوس

واستقبل البدر ليالي التمام

وصافح الصبح بكف خضيب

وراجع الأطيار سجع الحمام

بكل ذي لحن بديع غريب

نواسم الوادي بمسك تفوح

ونفحة الند به تعبق

وبهجة السكان منه تلوح

وجوه من نورهم يشرق

وعرفهم بالطيب منهم يفوح

كأنه من عنبر يفتق

والنهر قد سل كمثل الحسام

حبابه تطفو وطورا تغيب

وقال ثغرها قد راق منه ابتسام

يهنئ الأحباب قرب الحبيب

كواكب أبراجهن الخدور

يلوح عنها كل بدر لياح

جواهر أصدافهن القصور

نطمها السعد كنظم الوشاح

يا حبذا والله ركب السرور

يبشر المولى بنيل اقتراح

ابتهج الكون بموسى الإمام

واختال في برد الشباب القشيب

وعاده يخدم مثل الغلام

شبابه قال عاد بعد المشيب

أكرم به والله وفد الكريم

مولاتنا الحرة في مقدمه

مرضاتها تحظى بدار النعيم

وتوجب التوفيق من منعمه

ص: 202

بشر بالنصر وفتح جسيم

وخيره أجمع في مقدمه

لقاؤها المبرور مسك الختام

بشرك الله بصنع عجيب

وقصرك الميمون قصر السلام

خص بحفظ من سميع عليم

مولاي يهنيك وحق الهنا

قد نظم الشمل كنظم السعود

قد فزت بالفخر ونيل المنى

وأنجز السعد جميع الوعود

وقرت العين وزال العنا

وكلما مر صنيع يعود

فلا يزال ملكك حلف الدوام

يحوز في التخليد أو في نصيب

يتلو عليك الدهر بعد السلام

" نصر من الله وفتح قريب "

وقال رحمه الله في وصف غرناطة والطرد وغيرها:

لله ما أجل روض الشباب

من قبل أن يفتح زهر المشيب

في عهده أدرت كأس الرضاب

حبابها الدر بثغر الحبيب

من كل من يخجل بدر التمام

مهما تبدى وجهه للعيون

ويفضح الغصن بلين القوام

وأين منه لين قد الغصون

ولحظه يمضي مضاء الحسام

ويذهل القلب بسحر الجفون

أبصرت منه إذ يحط النقاب

شمسا ولكن ما لها من مغيب

إذا تجلت بعد طول أرتقاب

صرفت عنها اللحوظ خوف الرقيب

من عاذري منه فؤاد صبا

للامع البرق وخفق الرياح

يطير إن هب نسيم الصبا

تعيره الريح خفوق الجناح

ص: 203

ما أولع الصب بعهد الصبا

وهل على من قد صبا جناح

فقلبه من شوقه في ألتهاب

قد أحرق الأكباد منه الوجيب

والجفن منه سحبه في انسكاب

قد روض الخد بدمع سكيب

غرناطة ربع الهنا والمنى

وقربها السؤل ونيل الوطر

وطيبها بالوصل لو أمكنا

لم أقطع الليل بطول السهر

عما قريب حق فيه الهنا

بيمين ذي العود بعد السفر

ويحمد الناس نجاح الإياب

بل صنع مستجد غريب

ويكتب الفأل على كل باب

" نصر من الله وفتح قريب "

ما لذة الأملاك إلاّ القنص

لأنّه الفأل بصيد العدا

كم شارد جرع فيه الغصص

وأورد المحروب ورد الردى

وكم بذا الحص لنا من حصص

قد جمع البأس بها والندى

ومنها أبيات سقطت:

مولاي مولاي وأنت الذي

جددت للأملاك عهد الجلال

والشمس والبدر من العوذ

لمّا رأت منك بديع الجمال

والروض في نعمته يغتدي

بطيب ما قد حزته من خلال

بشراك بشراك بحسن المآب

تستضحك الروض بثغر شنيب

ودمت محروس العلا والجناب

بعصمة الله السميع المجيب

ص: 204

وقد طال الكلام ولنجعل آخر موشحة له رحمه الله تعالى زهرية في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم وتكون مسك الختام وهي:

لو ترجع الأيام بعد الذهاب

لم تقدح الأشواك ذكرى الحبيب

وكل من نام بليل الشباب

يوقضه الدهر بصبح المشيب

يا راكب العجز ألا نهضة

قد ضيق الدهر عليك المجال

لا تحسبن أنَّ الصبا روضة

تنام فيها تحت فئ الظلال

فالعيش نوم والردى يقظة

والمرء ما بينهما كالخيال

والعمر قد مر كمر السحاب

والملتقى بالله عما قريب

وأنت مخدوع بلمع السراب

تحسبه ماء لا تستريب

والله ما الكون بما قد حوى

إلاّ ظلال توهم الغافلا

وعادة الظل إذا ما استوى

تبصره متنقلا زائلا

أنا إلى الله عبيد الهوى

لم نعرف الحق ولا الباطلا

فكل من يرجو سوى الله خاب

وإنما الفوز لعبد منيب

يستقبل الرجعي بصدق المتاب

ويرقب الله الشهيد القريب

سا حسرتا مر الصبا وانقضى

وأقبل الشيب يقص الأثر

واخجلتا والرحل قد قوضللا

وما بق في الخبر غير الخبر

وليته لو كنت فيما مضى

أدخر الزاد لطول السفر

قد حان من ركب التصابي إياب

ورائد الرشاد اطال المغيب

يا أكمله القلب بغين الحجاب

كم ذا أناديك فلا تستجيب

ص: 205

هل يحمل الزاد دار الكريم

والمصطفى الهادي شفيع مطاع

فجاهه ذخر الفقير العديم

وحبه رادى ونعم المتاع

والله سماه الرءوف الرحيم

فجاره المكفول ما إن يضاع

عسى شفيع الناس يوم الحساب

وملجأ لدفع الكروب

يلحقني منه قبول مجاب

يشفع لي في موبقات الذنوب

يا مصطفى والخلق لهم العدم

والكون لم يفتق كمام الوجود

مزية أعطيتها في القدم

بها على كل نبي تسود

مولدك المرقوب لنا نجم

أنجز للأمة وع السعود

ناديت لو يسمع لي بالجواب

شهر ربيع: يا ربيع القلوب

أطلعت للهدى بغير احتجاب

شمسا ولكن مالها من غروب

وليكن هذا آخر ما أردناه وقصدناه من شأن أبن زمرك وسردناه.

وسنح لي أن أنتقي بعض كلام أبن خلدون في تاريخه الكبير في ذكر الموشحات والأزجال فنقول: قال رحمه الله: وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفعوله وبلغ التعميق فيه الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا منه وسموه بالموشح ينظمونه أسماطا أسماطا وأغصانا أغصانا يكثرون منها ومن أعاريضها المختلفة ويسمون منا بيتا واحدا ويلتزمون عدد قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتالية فيما بعد إلى آخر القطعة وأكثر ما ينتهى عندهم إلى سبعة أبيات ويشتمل كل بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد وتجاوزوا

ص: 206

في ذلك إلى الغاية واستضرفه الناس جملة الخاصة والكافة ولسهولة تناوله وقرب طريقه.

وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافي القبري من شعراء الأمير عبد الله بن محمّد المرواني وأخذ عنه ذلك عبد ربة صاحب كاتب العقد ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما فكان أوّل من برع في هذا الشأن بعدهما عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمداح صاحب المرية وقد ذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع أبا بكر بن زهر يقول: كل الواشاحين عيال على عبادة القزاز فيم اتفق له من قوله:

بردتم شمس الضحى

غصن نقا مسك شم

ما أتم ما أوضحا

ما أورقا ما أنم

لا جرم من لمحا

قد عشقا قد حرم

وزعموا أنه لم يسبق عبادة وشاح من معاصريه الذي كانوا في زمان ملوك الطوائف وجاء مصليا خافه منهم أبن ارفع رأسه شاعر المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة. قالوا: وقد أحسن في ابتدائه في الموشحات التي طارت له حيث يقول:

ص: 207

العود قد ترنم

بأبدع تلحين

وسقت المذانب

رياض البساتين

وفي انتهائه حيث يقول:

تخطر ولا تسلم

عساك المأمون

مروع الكتائب

يحيى بن ذي النون

ثم جاءت الحلبة التي كانت في مدة الملثمين فظهرت لهم البدائع وفرسان حلبتهم الأعمى التطيلي ثم يحيى بن بقي وللتطيلي من الموشحات المذهبة قوله:

كيف السبيل إلى

صبري وفي العالم أشجان

والركب وسط الفلا

بالخرد النواعم قد بانوا

وذكر غير واحد من المشايخ أن أهل هذا الشأن بالأندلس يذكرون أن جماعة من الواشين اجتمعوا في مجلس بإشبيلية وكان كل واحد منهم قد صنع موشحة وتأنق فيها فتقدم الأعمى التطيلي للإنشاد فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله:

ضاحك عن جمان

سافر عن بدر

ضاق عنه الزمان

وحواه صدري

خرق أبن بقي موشحته وتبعه الباقون.

ص: 208

وذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع زهر يقول: ما حسدت قط وشاحا على قول إلاّ أبن بقي حين وقع له:

أما ترى أحمد

في مجده العالي لا يلحق

أطلعه المغرب

فأرنا مثله يا مشرق

وكان في عصرهما من الوشاحين للطبوعين أبو بكر بن الأبيض وكان في عصرهم أيضاً الحكيم أبو بكر بن باجة صاحب التلاحين المعروفة.

ومن الحكايات المشهورة أنه حقر مجلس مخدومة أبن تيفلوت صاحب سرقسطة فألقى على بعض قيناته موشحته التي أولها:

جرر الذيل أيما جر

فطرب الممدوح لذلك وختمها بقوله:

عقد الله راية النصر

لأمير العلا أبي بكر

فلما طرق ذلك التلحين سمع أبن تيفلويت صاح: واطرباه وشق ثيابه وقال: ما أحسن ما بدأت وما ختمت وحلف بالأيمان المغلظة إلاّ يمشي أبن باجة إلى داره إلاّ على الذهب فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهبا في نعله ومشى عليه.

ثم قال أبن خلدون بعد كلام: واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمّد بن أبي الفضل بن شرف. ثم قال: وأبن هردوس الذي له:

يا ليلة الوصل والسعود

بالله عودي

ص: 209

وأبن موهل الذي له:

ما العيد في حلةٍ وطاق

وشم طيب

وإنّما العيد في التلاقي

على الحبيب

وأبو إسحق الدويني: سمعت أبا الحسن سهم بن مالك يقول أنّه دخل على أبن زهير وقد أسن وعليه زي البادية، إذ كان يسكن بحصن إستبه، فلم يعرفه؛ فجلس حيث انتهى به المجلس، وجرت المحاضرة أنَّ أنشده لنقصه، موشحة وقع فيها:

كحل الدجى يجرى من مقلة

الفجر على الصباح

ومعقتم النهر في حللٍ

خضر من البطاح

فتحرك ابن زهر، وقال: أنت تقول هذا؟ قال: اختبر؛ قال: ومن تكون عرفه، فقال: ارتفع فوالله ما عرفتك. قال ابن سعيد: وسابق الحلبة التي أدركت هؤلاء أبو بكر ابن زهر موشحاته وغربت. قال: وسمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول: قيل لابن زهر: كان لو قيل لك ما أبدع ما وقع لك في التوشيح؟ فقال: كنت أقول:

ما للموله

من سكره لا يفيق يا له سكران

من غير خمر

ما للكئيب المشوق بندب الأوطان

هل تستعاد

أيامنا بالخليج وليالينا

إذ يستفاد

من النسيم الأريج مسك دارينا

ص: 210

وإذ يكاد

الحسن المكان البهيج إنَّ يحيتا

نهر أظله

دوح عليه أنيق مورق فيتان

والماء يجري

وعائم وغريق من جنى الريحان

واشتهر بعده أبن حيون. إلى إنَّ قال أبن خلدون: وبعد هؤلاء أبن حمزون بمرسية. ذكر أبن الرائس إنَّ يحيى الخزرجي دخل عليه في مجلسه: فأنشده موشحه لنفسه، فقال له أبن حزمون: ما الموشح بموشح حتى يكون عاريا عن التكلف؛ فقال: على مثل ماذا؟ قال على مثل قولي:

يا هاجري هل إلى الوصال

منك سيبل

أو هل ترى عن هواك سالي

قلب العليل

وأبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة. قال أبن سعيد: كان والدي يعجب بقوله:

إنَّ سيل الصباح في الشرق

عاد بحراً في أجمع الأفق

فتداعت نوادب الورق

أتراها خافت من الغرق

فبكت سحرة على الورق

واشتهر باشبيلية لذلك العهد أبو الحسن بن الفضل. قال أبن سعيد عن والده: سمعت سهل بن مالك يقول له: يا بن الفضل، لك على الوشاحين الفضل بقولك:

وأحسرنا لزمان مضى

عشية بان الهوى وانقضى

وأفرد بالرغم لا بالرضا

وبت على جمرات الغضى

ص: 211

أعانق بالفكر تلك الطلول

وألثم بالوهم تلك الرسوم

قل: وسمعت أبا بكر بن الصابوني ينشد الأستاذ أبا الحسن الدباج موشحاته غير ما مرة، فما سمعته يقول: لله درك إلاّ في قوله:

قسما بالهوى لذي حجر

ما الليل المشوق من فجر

جمد الصبح ليس يطرد

ما لليالي فيما أظن غد

صح يا ليل انك الأبد

أو فقضت قوادم النسر

فنجوم السماء لا تسرى

ومن محاسن موشحات أبن الصابوني قوله:

ما حال صب ذي ضني واكتئاب

أمرضته يا ويلتاه الطبيب

عامله محبوبه باجتناب ثم

اقتدى فيه الكرى بالحبيب بالحبيب

جفا جفوني النوم لكنني

لم ابكه إلاّ لفقد الخيال

وذا الوصال اليوم قد عزني

منه كما شاء وشاء الوصال

فلست باللأئم من صدني

بصورة الحق ولا بالمحال

واشتهر ببر العداوة أبن خلف الجزاري صاحب الموشحة المشهورة:

يد الإصباح

قد زناد الأنوار من مجامر الزهر

وأبن الخرز البجائي، وله من موشحة:

ثغر الزمان موافق

حياك منه بابتسام

ص: 212

ومن محاسن الموشحات للمتأخرين موشحة أبن سهل شاعر اشبيلية وسبتة من بعدها فمنها قوله:

هل درى ظبي الحمى أن قد حمى

قلب صب حله عن مكنس

فهو في نار وخفق مثلما

لعبت ريح الصبا بالقيس

وقد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد الله بن الخطيب شاعر الأندلس والمغرب لعصره فقال:

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلاّ حلما

في الكرى أو خلسة المختلس

إذ يقود الدهر اشتات المنى

تنقل الخطو على ما يرسم

زمرا بين فرادي وثنى

مثلما يدعو الوفود الموسم

والحيا قد جلل الروض سنى

فثغور الزهر فيه تبسم

وروى النعمان عن ماء السما

كيف يروي مالك عن أنس

فكساه الحسن ثوبا معلما

يزدهي منه بأبهى ملبس

في ليال كتمتا سر الهوى

بالدجى لولا شموس الغرر

مال نجم الكأس فيها وهوى

مستقيم السير سعد الأثر

وطر ما فيه من عيب سوى

أنه مر كلمح البصر

حين لذلك النوم مع حلو اللمى

هجم الصبح هجوم الحرس

ص: 213

غارت الشهب بنا أو ربما

أثرت فينا عيون النرجس

أي شيء لأمري قد خلصا

فيكون الروض قد مكن فيه

تنهب الأزهار منه الفرصا

أمنت من مكره ما تتقيه

فإذا الماء تناجى والحصى

وخلا كل خليل بأخيه

تبصر الورد غيور برما

يكتسي من غيظه ما يكتسي

وترى الآس لبيبا فهما

يسرق السمع بأذني فرس

يأهل الحي من وادي الغضى

وبقلبي مسكن انتم به

ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا

لا أبالي شرقه من غربه

فأعيدوا عهد أنس قد مضى

تعتقدوا عانيكم من كربه

واتقوا الله وأحيوا مغرما

يتلاشى نفسا في نفس

حبس القلب عليكم كرما

أفترضون عفاء الحبس

وبقلبي منكم مقترب

بأحاديث المنى وهو بعيد

قمر أطلع منه المغرب

شقوة المغرى به وهو سعيد

قد تساوي محسن أو مذهب

في هواه بين وعد ووعيد

ساحر المفلة معسول اللمى

جال في النفس مجال النفس

سدد السهم وسمى ورمى

ففؤادي نهبة المفترس

إن يكن جار وخاب الأمل

وفؤاد الصب بالشوق يذوب

ص: 214

فهو للنفس حبيب أول

ليس في الحب لمحبوب ذنوب

أمره معتمد ممتثل

في ضلوع قد براها وقلوب

حكم اللحظ بها فاحتكما

لم يراقب في ضعاف الأنفس

منصف المظلوم ممن ظلما

ومجازي البر منها والمسى

ما لقلبي هبت صبا

عاده عيد من الشوق جديد

كان في اللوح له مكتتبا

قوله: " إنَّ عذابي لشديد "

جلب الهم له والوصبا

فهو للأشجان في جهد جهيد

لاعج في أضلعي قد أضرمها

فهي نار في هشيم اليبس

لم يدع في مهجتي إلاّ ذما

كبقاء الصبح بعد الغلس

سلمي يا نفس في حكم القضا

واعمري الوقت برجعي ومتاب

دعك من ذكرى زمان قد مضى

بين عتبي قد تقضت وعتاب

وأصر في القول إلى المولى الرضا

ملهم التوفيق في أم الكتاب

الكريم المنتهي والمنتمي

أسد السرج وبدر المجلس

ينزل النصر عليه مثلما

ينزل الوحي بروح القدس

قال: وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات. ومن أحسن ما وقع لهم في ذلك موشحة أبن سناء الملك المصري التي اشتهرت شرقا وغربا وأولها:

حبيبي أرفع حجاب النور

عن العذار

ص: 215

ننظر المسك على الكافور

في جلنار

كللي

يا سحاب التيجان الربا بالحلى

واجعلي

سوارها منعطف الجدول

ولمّا شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وتصريع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا على طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعرابا واستحدثوا فنا سموه بالزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغ مجال بحسب لغتهم المستعجمة.

وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر بن قزمان وإن كانت قيلت قبله بالأندلس لكن لم تظهر حلاها ولا انسبكت معانيها ولا اشتهرت رشاقتها إلاّ في زمانه وكان لعهد الملثمين وهو إمام الزجالين على الإطلاق. قال أبن سعيد: ورأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب. قال: أبا الحسن بن حجدر الإشبيلي إمام الزجالين في عصرنا يقول: ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة وقد خرج إلى متنزه مع بعض أصحابه فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء من فيه على صفائح من الحجر فقال:

وعريش قد قام على دكان

بحال رواق

وأسد قد ابتلع الثعبان

في غلظ ساق

ص: 216

وفتح فمه بحال إنسان

به الفواق

وانطلق يجري على الصفاح

وألقي الصياح

وكان أبن قزمان مع أنه قرطبي الدار كثير ما يتردد إلى أشبيلية وينتاب نهرها.

ثم ذكر أبن خلدون عنه وعن جماعة حكاية وكلاما إلى أن قال: وجاءت بعدهم حلبة كان سابقها مدغليس وقعت له العجائب في هذه الطريقة فمن قوله في زجله المشهور:

ورذاذ دق ينزل

وشعاع الشمس يضرب

فترى الواحد يفضض

وترى الآخر يذهب

والنبات يشرب ويسكر

والغصون ترقص وتطرب

وتريد تجئ إلينا

ثم تستحي وتهرب

ومن محاسن أزجاله قوله: لاح الضياء والنجوم حيارى ثم قال أبن خلدون: وظهر بعد هؤلاء في إشبيلية أبن جحدر الذي فضل على الزاجلين في فتح ميروقة بالزجل المشهور الذي أوله:

من عاند التوحيد بالسيف يمحق

أنا برئ ممن يعاند الحق

قال أبن سعيد: لقيته ولقيت تلميذه البعج صاحب الزجل المشهور الذي أوله:

ص: 217

يا ليتني إن رأيت حبيبي

أفتل اذنو بالرسيلا

ليش أخذ عنق الغزيل

وسرق فم الحجيلا

ثم جاء من بعدهم أبو الحسن سهل بن مالك إمام الآداب ثم من بعدهم لهذه العصور صاحبنا الوزير أبو عبد الله بن الخطيب إمام النظم والنثر في الملة الإسلامية غير مدافع فمن محاسنه في هذه الطريقة:

أمزج الأكواس واملالي نجدد

ما خلق المال إلاّ أن يبدد

ومن قوله على طريقة الصوفية وينحو منحى الششتري منهم:

بين طلوع وبين نزول

اختلطت الغزول

ومضى من لم يكن

وبقمن لم يزول

ومن محاسنه أيضاً قوله في ذلك المعنى:

البعد عنك يا بني

أعظم مصابي

وحصل لي قمسك

نسيت أقاربي

وكان لعصر الوزير أبن الخطيب بالأندلس محمّد بن عبد العظيم من أهل وادي آش وكان إماما في هذه الطريقة وله من زجل يعارض به مذغليس في قوله: لاح الضياء والنجوم حيارى بقوله:

حل المجون يأهل الشطارا

مذ حلت الشمس بالحمل

ص: 218

ثم ذكر أبن خلدون جملة من هذا الزجل وقال بعد ذلك: وهذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن العامة بالأندلس من الشعر وفيها نظمهم حتى إنهم لينظمون بها في سائر البحور الخمسة عشر لكن بلغتهم العمامية ويسمونه الشعر الزجلي. إلى أن قال: وكان من المجيدين في هذه الطريقة لأول هذه المئة الأديب أبو عبد الله اللوشي وله من قصيدة يمدح فيها السلطان أبن الأحمر:

طل الصباح قم يا نديم نشربو

ونظحكو من بعد ما نطربو

ثم سردها أبن خلدون وهي طويلة جدا.

ثم قال: ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فنا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضاً وسموه عروض البلد وكان أول من استحدثه بينهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير فنظم قطعة على طريقة الموشح ولم يخرج فيها عن مذهب الإعراب إلاّ قليلا مطلعها:

أبكاني بشاطي النهر نوح الحمام

على الغصن في البستان قريب الصباح

وكف السحر تمحو مداد الظلام

وماء الندى يجري بثغر الأقاح

باكرت الرياض والطل فيه افتراق

سر الجوهر في نحور الجوار

ودمع النواعر ينهرق انهراق

يحاكي ثعابين حلقت بالثمار

لووا بالغصون خلخال على كل ساق

ودار الجميع بالروض دور السوار

ص: 219

وأيدي الندى تخرق جيوب الكمام

وتحمل نسيم المسك عنها رياح

وعاج الضياء يطلى بمسك الغمام

وجر النسيم ذيلو عليها وفاح

رأيت الحمام بين الورق في القضيب

قد ابتلت ارياشو بقطر الندى

ينوح مثل ذاك المستهام الغريب

قد ألتف من ثوبو الجديد ردا

ولكن بفاح أحمر وساق خصيب

ينظم سلوك جوهر ويتقلدا

جلس بين الأغصان جلسة مستهام

جناحا توسد والتوى في جناح

وصار يشتكي ما في الفؤاد من غرام

منها ضم منقارو لصدرو وصاح

فقلت أحمام أحرمت عيني الهجوع

أدى ما تزال تبكي بدمع سفوح

قال لي بكيت حتى صفت لي الدموع

بلا دمع نبقى طول حياتي ننوح

على فرخ طار لي لم يكن لو رجوع

ألفت البكا والحزن من عهد نوح

كذال هو الوفا كذا هو الذمام

انظر للجفون صارت بحال الجراح

وانتم من بكى منكم إذا تم عام

يقول قد عياني ذا البكا والنواح

فقلت أحمام لو خضت بحر الضنى

كان تبكي وترثي لي بدمع هتون

ولو كان بقلبي ما بقي أنا

رماد كان يصير تحتك فروع الغصون

اليوم لي نقاسي الهجر كم من سنا

حتى لا سبيل جملة تراني العيون

ومما كسا جسمي النحول والسقم

أخافني نحولي عن عيون اللواح

ص: 220

لو جتني المنايا كان نموت في المقام

ومن مات بعد يا قوم لقد استراح

ثم قال أبن خلدون: فاستحسنه أهل فاس وولعوا به ونظموا على طريقته وتركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم وكثر شياعه بينهم واستحفل فيه كثير منهم ونوعوه أصنافا إلى المزدوج والكازي والملعبة والغل واختلفت أسماؤها باختلاف ازدواجها وملاحظاتهم فيها.

فمن المزدوج ما قاله أبن شجاع من فحولهم وهو من أهل تازا:

المال زينة الدنيا وعز النفوس

يبهى وجوها ليس هي باهيا

فهل كل من هو كثير الفلوس

ولوه الكلام والرتبة العاليا

يكبروا من كثر ماله ولو كان صغير

ويصغر عزيز القوم إذا يفتقر

من ذا ينطبق صدري ومن ذا بغير

وكاد ينفقع لولا الرجوع للقدر

حتى يلتجي من في قومه كبير

لمن لا أصل عندو ولا لو خطر

لقد ينبغي نحزن على ذي العكوس

ونصبغ عليه ثوبي من راس خابيا

أدى صارت الأذناب أمام الرءوس

وصار يستفيد الواد من الساقيا

ضعف الناس عمل ذا أو فساد الزمان

ما ندريو على من نكثرو ذا العتاب

أدى صار فلان اليوم يصبح بو فلان

ولو ريت وكيف حتى يرد الجواب

ص: 221

عشنا والسلام حتى رأينا عيان

أنفاس السلاطين في جلود الكلاب

كبار النفوس جدا ضعاف الأسوس

هم في ناحيا المجد في ناحيا

يروا أنهم

والناس يروهم تيوس وجوه البلد والعمد الراسيا

ثم ذكر أبن خلددون كلاما آخر لابن شجاع. ثم قال: وكان منهم على بن الؤذن بتلمستان. وكان لهذه العصور القريبة من فحولهم بزرهون من نواحي مكانسة رجل يعرف بالكفيف أبدع في مذاهب هذا الفن ومن أحسن ما علق له بمحفوظي قوله رحلة السلطان أبي الحسن بني مرين إلى أفريقية يصف هزيمتهم بالقيروان ويعزيهم عنها ويؤنسهم بما وقع لغيرهم بعد أن عيبهم على غزاتهم إلى أفريقية في ملعبة من فنون هذه الطريقة يقول في مفتتحها وهو من أبدع مذاهب البلاغة في الإشعار بالمقصد في مطلع الكلام وافتتاحه ويسمى براعة الاستهلال:

سبحان مالك خواطر الأمرا

بنواصيها في كل حين وزمان

إن طعناه أعظم لنا نصره

وإن عصيناه عاقب بكل هوان

إلى أن يقول في السؤال عن جيوش المغرب بعد التخلص:

كن مرعى قل ولا تكن راعي

فالراعي عن رعيته مسئول

ص: 222

واستفتح بالصلاة على الداعي

للإسلام والرضى السنى المكمول

للخلفا الراشدين والأتباع

واذكر بعدهم إذا تحب وقول

أحجاجا تخللوا الصحرا

ودروا شرح البلاد مع السكان

عسكر فاس المنيرة الغر

أين سارت به عزائم السلطان

أحجاج بالنبي زرتم

وقطعتهم لو كلاكل البيدا

عن جيش الغرب جيت نسألكم

المتلوف في أفريقيا السودا

وأمير كان بالعطا يزودكم

ويدع برية الحجاز رغدا

قام كل كلسد صادف الجزرا

ويعجز شوط بعد ما لحقان

وتركوا دم ولهب في الغبرا

أدى صار إذ غار له سيحان

لو كان ما بين تونس الغربا

وبلاد الغرب سد الاسكندر

مبنى من شرقها إلى غربا

طبقا بحدبد وثانيا بصفر

لا بد للطير كان يجي بنبا

أو يأتي الريح عنهم بفرد خبر

ما أعوصها من أمور وما شرا

لو تقرا كل يوم على الويدان

لجرت بالدم وانصدع حجرا

وهوت الاجراف وجفت الغدران

ادري لي بعقلك الفحاص

وتفكر لي بخاطرك جمعا

ص: 223

إن كان يعلم حمام ولا رقاص

عن السلطان شهر وقبله سبعا

بكتاب عبد المهيمن القواص

وعلامات تنشر على الصمعا

إلاّ قوم العاربين بلا سترا

مجهولين لا مكان ولا إمكان

لم يدريوا كيف يصيروا الكسرا

أو كيف دخلوا مدينة اليروان

أمولاي بو الحسن خطينا الباب

بقضة سيران إلى تونس

في غنا كنا عن الجريد والزاب

وايش لك بعرب إفريقية القونس

ما بلغك عن عمر بن الخطاب

الفارق فاتح القرى المونس

ملك الشام والحجاز وتاج كسرى

ولم يفتح من أفريقيا دكان

كان إذا تذكر له كره ذكرا

ويقول اسمها يفرق الإخوان

هذا الفاروق زمرد الأكوان

صرح في أفريقيا بذا التصريح

وبقت حمى إلى زمن عثمان

وفتحها أبن الزبير عن تصحيح

لمّا دخلت غنايمها الديوان

مات عثمان وانقلب علينا الريح

وافترق الناس على ثلاث أمرا

وبقى ما هو السكوت عنو إيمان

إذا كان ذا في مدة البررا

أيش نعمل في أواخر الأزمان

وأصحاب الجفر في كتيباتنا

وفي تاريخ كتابنا وكيوانا

ص: 224

تذكر في صحفها وأبياتا

شق وسطيح وأبن مرلنا

أبن مرين إذا انكبت برايانا

لجدار تونس فقد سقط شانا

قد ذكرنا ما قال سيد الوزرا

عيسى بن الحسن الرفيع الشان

قال لي رينا وأنا بها أدري

لكن إذا جاء القضا عمت الاجفان

ويقول لك ما رمى المرينيا

من حضرة فاس إلى عرب دياب

راد المولى يموت أبو يحيى

سلطان تونس وصاحب العناب

ولقد كان قبل ذا الأشيا

جعل أولاد أبو الحسن أنسابا

ثم أخذ في ترحيل السلطان وجيوشه إلى آخر رحلته ومنتهى أمره مع أعراب أفريقية وأتى فيها بكل غريبة من الإبداع.

وأما أهل تونس فاستحدثوا فن الملعبة أيضاً على لغتهم الحضرية إلى أن أكثره رديء ولم يعلق بمحفوظي منه شيء لرداءته.

وكان لعامة بغداد أيضاً فن من الشعر يسمونه المواليا وتحته فنون كثيرة يسمون منها القوما وكان ومنه مفرد ومنه في بيتين ويسمونه دوبيت على اختلاف الموازين المعتبرة عندهم في كل واحد منها وغالبا مزدوجة من أربعة أغصان وتبعهم في ذلك أهل مصر والقاهرة وأتوا فيها بالغرائب

ص: 225

وتجاروا فيها بأساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضرية فجاءوا بالعجائب.

ورأيت في ديوان الصفي الدين الحلي من كلامه أن المواليا من بحر البسيط وهو ذو أربعة أغصان وأربع قواف يسمى صوتا وبيتين وأنه من مخترعات أهل واسط وأن كان وكان في قافية واحدة وأوزان مختلفة في أشطاره والشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثاني ولا تكون قافيته إلاّ مردفة بحرف العلة وأنه من مخترعات البغداديين وأنشد فيه.

ثم ذكر أبن خلدون عدة مقطعات من المواليا ومنها:

ناديتها ومشيبي قد طاوني طي

جودي على مقبله في الهوى يا مي

قالت وقد تركت داخل فؤادي كي

ما ظن القطن يغشى فم من هو حي

ومنها:

يا حاديا العيس أزجر بالمطايا زجر

وقف على منزل أحبابي قبيل الفجر

وصح في حيهم ما من يريد الأجر

ينهض يصلي على ميت قتيل الهجر

ومنها:

عيني التي كنت أرعاكم بها باتت

ترعى النجوم وبالتسهيد اقتاتت

واسهم البين صابتني ولا فاتت

وسلوتي عظم الله أجركم ماتت

ص: 226

ثم قال: ومن الذي يسمونه ذو بيت:

قد أقسم من أحبه بالباري

أن يبعث طيفه مع الأسحار

يا نار أشواقي به فاتقدي

ليلا عساه يهتدي بالنار

واعلم أن الذوق من معرفة البلاغة منها كلها إنما يحصل لمن خالط تلك اللغة وكثر استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها حتى يحصل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية فلا يشعر الأندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمشرق ولا المشرقي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمغرب لأن اللسان الحضري وتركيبته مختلفة فيهم وكل واحد منهم مدرك بلاغة لغته وذائق محاسن الشعر من أهل بلدته وفي خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم آيات للعالمين.

انتهى كلام أبن خلدون في ديوان العبر ببعض الاختصار.

قلت: كأن بمنتقد ليس له خبره يسدد سهام الاعتراض ويتولى كبره ويقول: ما لنا وإدخال الهزل في معرض الجد الصراح؟ والذي أحوجنا إلى ذر هذا المنحى والأليق طرحه كل الاطراح؟ فنقول في جوابه على الإنصاف: لم تزل كتب الأعلام مشحونة بمثل هذه الأوصاف وليس مرادهم إيثار الهزل على غيره وإنما ذلك من باب ترويح القلب وهو أعون على خيره وللسلف في مثل ذلك حكايات يطول جلبها ولا يقدح ذلك في سكينتهم ولا يتوهم لسببه سلبها ويرحم الله تعالى عياض إذ قال:

قل للأحبة والحديث شجون

ما ضر أن شاب الوقار مجون

والأبيات الآتية في محلها.

ص: 227

وليس قصدنا نحن بهذا علم الله غرضا فاسدا ننفق منه في سوق الهزل كاسدا وإنما غرضنا صحيح وزندنا غير شحيح. على أن المقصود الأعظم مدح النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأوزان وكل ما سيق وسيلة إلى ذلك مما راق أوزان.

وأعلو أيها الناظر أذهب الله عن ساحتك الأشجان أنَّ كثيرا من الأئمة مدحوا بذلك المبعوث رحمة إلى الإنس والجان صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاما يتوضع نشرهما في المشارق والمغارب ويتألق نورهما فيهتدي به قائلهما لقضاء الأغراض والمآرب. فمن ذلك قول بعض من كرع من منهل حبه العذب المشارب من موشح لم أقف من إلاّ على قوله:

البلبل في الرياض لمّا نشدا

بالقول شدا

والغصن له يميل حتى سجد

مما وجدا

قد مدينة له الأكف من غير ندا

يمتاح ندى

والورق شدت بصوتها الملحان

دون العلق

لمّا ذكر بأطيب الألحان

رب الفلق

يا أشرف مرسل به الله هدى

من رام هدى

بالمدح لديك عبد وهاب غدا

يرجوك غدا

يا من مديحه جلا كل صدا

ممن رصدا

يا ملجأ كل خائف أو جاني

بالذنب شقي

ص: 228

لا زال حماك روضة للجاني

والمنتشق

يا عرب الشهامة حماكم أربي

فيه العربي

فالسعي لغير أرضكم لم يجب

حث النجب

فالفضل لكم مع كمال الحسب

عند النسب

من مدحكم تصرمت أحزاني

والفرح بقي

عندي أبدا وفوحت أوزاني

مسك العبق

ومن ذلك قول بعض العدول من أهل العصر القريب من عصرنا رحمهم الله تعالى:

يا عريب الحمى من حي الحمى

أنتم عيدي وانتم عرسي

لم يحل عنك ودادي بعدما

حلت لا وحياة الأنفس

من عذيري في الذي أحببته

ملك القلب شديد البرحا

بدر تم أرسلت مقلته

سهم لحظ لفؤادي جرحا

إن تبدي أو تثني خلته

غصن بان فوقه شمس ضحى

تطلع الشمس عشاء عندما

تتحلى منه أبهى ملبس

وترى الليل أضاء منهزما

وترى الصبح أضاء في الغلس

يا حياة النفس صل بعد النوى

وألها مضنى شديد الشغف

قد براه السقم حتى ذا الهوى

كاد أن يفضي به للتلف

آه من ذكرى حبيب باللوى

وزمان بالمنى لم يسعف

ص: 229

كنت أرجو الكيف يأتي حلما

عائدا يا نفس من ذا فا يأسي

هل يعود الطيف الصبا مغرما

ساهرا أجفانه لم تنعس

همت في أطلال ليلى وأنا

ليس في الأطلال لي من أرب

ما مرادي رامة والمنحى

لا ولا ليلى وسعدي مطلبي

إنما سؤلي وقصدي والمنى

سيد العجم وتاج العرب

أحمد المختار طه من سما

الشريف أبن الشريف الكيس

خاتم الرسل الكريم المنتمى

طاهر الأصل زكي النفس

ولم أقف من هذه الموشحة على غير هذا القدر وهو عجيب عارض موشحتي أبن سهل وأبن الخطيب السابقتي الذكر.

ومن ذلك جملة موشحات أنتقيتها من كلام الشيخ الإمام الصالح الزكي الصوفي أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن الصباغ الجذامي وقد ألف ذلك بعض الأئمة في تأليف رفعه للسلطان المرتضى صاحب مراكش وأطال فيه من موشحات هذا الشيخ وسائر نظمه ولم أذكر من موشحاته إلاّ الغرر على أنها كلها غرر فمن ذلك قوله رحمه الله:

ألف المضنى الشجونا

وارتضى الأحزان دينا

فوق صفح الوجنتين

أهمل الدمع الهتونا

يقطع الأيام حزنا

وبكاء وعويلا

فارحموا صبا معنى

قلبه يذكى غليلا

ص: 230

ملهب الأحشاء مضنى

بالنوى أضحى عليلا

ذاب شوقا وحنينا

وسقاما وأنينا

يا له من حلف بين

يرتضى فيك المنونا

أترى عهدا تقضى

منكم هل لي يعود

فمتى عني ترضى

قد برئ جسمي الصدود

لم أطق والله نهضا

فبحق الحق جودوا

وارحموا صبا مهينا

كم شكى البين سنينا

وشئون المقلتين

تسكب الدمع المعينا

قد ذوى غصن الشباب

ومضى عمري وولى

آن لي وقت الإياب

كم أسلى النفس جهلا

هذه عرس المتاب

في قباب الوصل تجلى

حسنوا فيها الظنونا

وادخلوها آمنينا

قد وصلنا كل بين

وعفونا ورضينا

نحو هانيك الربوع

فاجهدوا كد الحمول

وإلى قبر الشفيع

أعملوا سير الرحيل

إن تكن خلي مطيعي

يمن خير رسول

كن لي يا رب معينا

وصل الصب الجزينا

قبل أن يحين حيني

وأرى الموت يقينا

ص: 231

نم ريحان التداني

وسرت ريح الوصال

قد صفا ورد الأماني

فانتهض نحو المعالي

صاح كم هذا التواني

فاستمع عذب المقال

وبلينا وابتلينا

واش يقول الناس فينا

قم بنا يا نور عيني

نجل الشك يقينا

وقوله في التشوق إلى مكة وطيبة على ساكنها الصلاة والسلام:

زهر شيب المفارق

تفتحت عنه الكمام

فابك الزمان المفارق

وحاك في النوح الحمام

عوضت بالصبح الأصيل

وقد عرا البدر أنكساف

ألم بالغصن الذبول

وكان لدنا ذا انعطاف

ريح الصبا كان تميل

كأن سلا صرف السلاف

حتى رمى القلب راشق

وفوقت نحو السهام

ولسان الحال ناطق

يخبرني أن لا دوام

يا بدر أيام الشباب

هل للأفول منك طلوع

أضحى فؤادي ذا المذاب

حليف أشجان فزوع

ونار حزني في ألتهاب

تذكى بأحناء الضلوع

فإن هفا البرق خافق

ذكرت عهدي بالخيام

ص: 232

إن تأوه عاشق

ساجلت في دمي الغمام

ولى الشباب وانقضى

فدمع عيني في انهمال

وفي الحشى جمر الغضا

لفقد هاتيك الليال

يا عهد أيام الرضا

هل رجعت دني الوصال

تحيا بها نفس وامق

مضنى الفؤاد مستهام

نحو العذيب وبارق

يحدو به حادي الغرام

يهيجه لمع البوارق

من طيبة حين تشام

فإن تعقني العوالق

ألصقت خدي بالرغام

يا دار هل يدنو المزار

فيعقب الليل الصباح

لهفي على بعد الديار

وقال الأصمعي: أرياش الجناح

متى أرى أحدو القطار

فقد براني الأنتزاح

أشدو المطايا السوابق

مزمزما عند المقام

ثغر الزمان الموافق

حياك منه بابتسام

وقوله رحمه الله:

رسوم ظاهر البلى

بكل رسم طامس العنوان

وربعهم ما أشكلا

منها لك حازم تبيان

ص: 233

قف بالديار وأعتبر

إن كنت من أهل العبر

وأنظر لها وأزدجر

فإنَّ فيها الأجر

كم معلم قد دثر

فلم يبن منه أثر

تبكيه ورق الفلا

وفي بكى الحمام أشجان

فلننتدب إلى الطلا

ففي فؤاد الهائم أحزان

سماعا من الوجود

عنه تفاهم العقول

فغيبه وشهود

كلاهما عين الدليل

حتى متى يا مريد

تختال في ثوب الخمول

تشكو لنا العللا

وأنت بالمآثم جذلان

فلذ بعز العلا

فعندنا للنادم إحسان

فناء أهل الطريق

هو الوجود المطلق

فكل معنى دقيق

بوصفهم يحقق

أنوارهم في شريق

بها استضاء الموفق

قد أوضحوا السبيلا

فهم لنا في العالم برهان

فاجنح إليهم ولا

تعفل للمواسم إبان

يا ناسيا لوصلنا

أيقظ من النوم الجفون

سلم إلينا فعلنا

ما كان منه أو يكون

لا حول إلاّ حولنا

فأنف الشكوك والظنون

ص: 234

يا غادرا قد سلا

أقصر فليس يجمل سلوان

لله ما أجملا

من بات وهو بالهوى نشوان

يا طلبي للندى

يبغي السماحة والنوال

يمم

فديت احمدا بدر العلا شمس الكمال

وعد عمن شدا

واستغرق المدح وقال:

إن جئت أرض سلا

تلقاك بالمكارم فتيان

هم سطور العلا

ويوسف بن القاسم عنوان

وقوله رحمه الله:

بأرض طيبة معهد

شوقي إليه مجدد

هل لي بتلك الطلول

من زورة ومقيل

يا قبر خير رسول

متى يراك فيسعد

صب ببعدك مكمد

مذ قد براه انتزاح

وقص منه الجناح

له إليك ارتياح

بالغرب أضحى مقيد

والضعف والشيب يشهد

ربع التواصل أقوى

فمن على الهجر يقوى

قد صير الجسم نضوا

ص: 235

سهم بعاد مسدد

لقد رماني فأقصد

متى يتاح التداني

لمكد القلب عاني

يشدو بكل لسان

عسى الذي كنت أعهد

مما تقضى يجدد

يا بغيتي يا مرادي

أشكوك فرط بعادي

في كل وادي أنادي:

مالي غيرك مقصد

فكيف بالهجر أقصد

فوضت أمري إليك

فذاك وقف عليك

مالي شفيع لديكا

إلاّ بكائي سرمد

فمن على الحسن يسعد

بي فاعل ما تشاء

أضحى لي منك الرجاء

فكل داء دوا

وكل رأيي مسدد

وكل أمر مرشد

ص: 236

وقوله رحمه الله:

قم وناج الله في داجي الغلس

تنتشي الأرواح

والتمس للعفو فيه ملتمس

وانتبه قد فاح

عرف أزهار الرضا ثم اقتبس

نور رشد لاح

وانتشق يا صاح أرواح السحر

يا لها مشموم

عرفه إن هب في إثر الزهر

ينعش المزكوم

مرغ الخد ونادي بالنحيب

واهمل الأجفان

قف بمغناهم وقوف مستريب

حالف الأشجان

واشك إن وافقت إصغاء الطبيب

علة الهجران

فعسى بالوصل تحيي ما دثر

ويطيب النعيم

فالنوى ما إن عليه مصطبر

والبعاد أليم

يا رحيم الخلق رحماك فقد

جئت مغنى رحيب

ليس للعبد على النار جلد

وهو عبد مريب

عبد سوء لحماك قد قصد

يشتكي بالذنوب

من له يوم ترامي بالشرر

زفرات الجحيم

فيهاب الخلق من خير البشر

عافني يا رحيم

أنا ما بين مقامين مقيم

أورثاني شجا

ص: 237

في فؤادي من دموعي كلوم

قلما ترتجي

واعتلاقي بجناب الكريم

مشعر بالنجا

ها أنا في الحالتين في خطر

والفؤاد سليم

سلك التوحيد فيه بالنظر

سبل نهج قويم

أحليف الحزن تشكو بالعباد

لذ بمجد أثيل

في قباب المجد تحظى بالمراد

حيث حل الرسول

عنده يشفي صداه الفؤاد

واسألن من يقول:

ليتني رملة الحرة

وقوله رحمه الله:

نأت بي الأوطان

عن حضرة الإحسان ولا معين

فمن لذي أحزان

لطيبة قد كان له حنين

شطت بي الدار

فيا شوقها ليثرب

أحبابه ساروا

والبين أقصاه بالمغرب

في قلبه نار

تذكيه أمراه فلتعجب

لو سابق الإخوان

في ذلك الميدان أضحى مكين

ص: 238

فحالف الأشجان

واصحب مع الأحيان قلبا حزين

للمورد العذب

والمنهل السلسل شدوا الرحيل

فيا ظما قلبي

لذلك المنهل هل من مقيل

بساحة القرب

فيبرد السلسل حر الغليل

إنَّ أمكن الإمكان

أنَّ يكرع الظمآن من المعين

في مشرب الرضوان

فذاك سعد دان للرائدين

يا حادي الظعن

وسائق الركب إلى العقيق

أسفت للبين

فهل إلى القرب يلفي طريق

متى النوى تدنى

من مطلع الشهب قلبا خفوق

فيثرب بستان للروح والريحان

فيه فنون

ودوحه المزدان

تحيا به الأكوان في كل حين

يا خير مرسول

للحر والعبد بالمعجزات

نداء مخبول

نادى على بعد خوف الممات

أنتم مني سولي

وانتم قصمدي ولي صفات

تمجها الآذان

وتقتضي الهجران فما تكون

من ذي شجونٍ عان

يحكى بدوح ألبان شادي الغصون

يا صاح والقصد

أنَّ يظفر الأواه بقصده

ص: 239

إنَّ شفك البعد

فثق بعفو الله عن عبده

ودع فتى يشدو

واللهو قد ألهاه عن رشده

جنان يا جنان

أجن من البستان الياسمين

وخل الريحان

بحرمة الرحمن للعاشقين

وقوله رحمه الله تعالى:

لأحمد المصطفى مقام

جل علا فلا يرام

بنوره يهتدى الأنام

فأي شمس وأي بدر

قد أطلعته لنا السعود

بنوره تشرق الشموس

في حبه تخلع النفوس

يا أيّها المسمع الرئيس

أدر علينا كئوس فخر

من ذكره تعط ما تريد

أمدح خير الروى نعيم

نحن أناس بها نهم

يا مادحيه بالله قوموا

خوضوا بنا موج بحر فخر

من مات فيه فهو شهيد

الشطح في حله مباح

ونحن قوم لنا ارتياح

قلوبنا حشوها جراح

ص: 240

من نأي مغنيات ليت شعري

متى يرى قبره العميد

إنَّ سمح الدهر بالوصول

لقبر خير الروى الرسول

السيد الأرفع الجليل

فثم نخلع ثياب طهر

وتوفى روح لمن تريد

وقوله أيضاً:

لهفي على عمري مضى

والشيب في الفود بدا وما قضيت الغرضا

أيام ريعان الشباب

ولت ولم تنو الإياب

فنار حزني في التهاب

ودمع عيني في انسكاب

يا عهد أيام الرضا

ليس رجعة تشفي الصدى وتبقي المرضا

إنَّ كنت من أهل الصفا

دع عنك أوصاف الجفا

وأذكر كرم الله وجهه لرسم قد عفا

وهو بمدح المصطفى

الهاشمي المرتضى

تاج العلا شمس الهدى لا تبغ منه عوضا

وشم ربوعا للحبيب

وانزل بمغناه الرحيب

ولذ بمرعاه الخصيب

فهو لمّا تشكو الطبيب

ناد به معرضا

هل تقبلون مكمدا قد كان عنكم اعرضا

رمت فؤادي النوى

وغصن عمري قد ذوى

والشوق قلبي قد كوى

واهاً على فقدي القوى

ص: 241

قضى النوى ما قد قضى

هل يستطيع الجلدا قلب على جمر الغضى

لقد تناءت الديار

وشط بي عنها المزار

لو كان لي حكم اختيار

ما قر بي عنها قرار

ما شاءه حكم القضا

يجري ولو طال المدى فلا تكن معترضا

وقوله رحمه الله:

أطلع الصبح راية الفجر

فتبدي المكتوم من سري

إنَّ تكن باحثا عن الأسرار

فانتشق صاح نفحة الأسحار

وأطل في الأصائل الأذكار

فهي أذكى من عاطر الأزهار

أين طيب المسك وشذا الزهر

في دجى الليل من شذا الذكر

آو من أدمعي ومن حزني

فجعة البين كم ترى تضني

جسم مشتاق دمعي الجفن

يا عذولي عليهم عني

عبراتي تنهل كالقطر

وفؤادي يذكى على الجمر

شفني الوجد فأجبروني صدعي

يوم بنتم عن ساحتي سلع

خدد الحد ساكب الدمع

إنَّ تدعون متيم الجزع

بدل العسر منه باليسر

وأتته السعود بالبشر

ليس للعبد منكم بدك

قد براني وشفني البعد

ص: 242

من لصب أذابه الوجد

بات في دوح حزنه يشدو

في هواكم لقد فنى عمري

فالطفوا بي وأمنوا ذعري

سيدي أنت ملجأ الصب

فأجر من ضني النوى قلبي

إنَّ تكن لي أو إنَّ تكن حبسي

فيك أشدو مقال ذي عجب

جبرر الذليل أيما جر

وصل الشكر منك بالشكر

وقوله رحمه الله تعالى:

لأحمد بهجة

كالقمر الزاهر في أبراج السعد

علاؤها يسبي

بنوره الباهر كل سنى مجد

في عالم القدس

قدس علياه ففاق في الحمد

بالبدر والشمس

يزري محياه فجل عن ند

للجن والإنس

أرسله الله يهدي إلى الرشد

أذل بالحجة

وأمره الظاهر من خان للعهد

بالشرق والغرب

ثناؤه العاطر أندى من الند

يا خير مرسول

من خيرة الخلق أذابي البعد

إليك يا سوبي

قد شوقي فكم أرى أشدو

بصوت مخبول

حكى غنا ورق هيجا الوحد

غرقت في لجة

وليس لي ناصر على جوي البعد

ص: 243

إلا يا حسبي

وأدمع الناظر تنهل في الخد

إنَّ عاقني ذنبي

عن ذلك المغنى فليس لي حول

وكيف بالقرب

للهمام المضى وبيننا سبل

تذيب بالكرب

جسما ذوى حزناً وشفه الخبل

إليكم وجه

وجها غدا حائر والدمع في الخد

ينهل كالسحب

وزفرة الخاطر تلهب بالوقد

يا سامع النجوى

إليك أوصابي تشكو بأوجالي

تركتني تنضوا

ألوذ بالباب مقسم البال

إنَّ كان بالبلوى

لطول أغيابي أسأتم حالي

فقلبكم رجه

بها أرى حاسر إنَّ لم تكن ندى

أعوذ بالحب

من أمرك الآمر بالبعد للعبد

بحب من تحدى

لقبره النجب السيد الطاهر

هم دائما وجداً

يا أيّها الصب وعد عن خاطر

من قال إذ أودى

بقلبه الحب قولا غد سائر

بدائع البهجة

ونزهة الناظر وجنة الخلد

وبغية القلب

وراحة الخاطر في ذلك الخد

ص: 244

وقوله، رحمه الله تعالى:

لأحمد تعنو الأقمار

فعدد فخاره

وأنظم ثناه أشعار

ولازم وقاره

لأحمد بدر الأفق

وشمس المعالي

تأجج نار إنشوق

وكيف احتيالي

لئن فاز أهل السبق

بذاك الكمال

وحلوا بهاتيك الدار

وحازوا جواره

ففي القلب نار الأفكار

قد أذكت أواره

حادي الركب بلغ عني

سلاما كثيراً

وقل مغرم ذو حزن

قد أضحى أسيرا

أصمته سهام البين

لم يلف نصيرا

وقد أبعدته الأقدار

والحزن أثاره

في القلب تنائي الأقطار

يضرم ناره

إذا لاح لمع البرق

من اكناف نجد

دعاني إليه شوقي

وافرط وجدي

إلى قبر خير الخلق

سأجهد جهدي

لعلي أقضى الأوطار

وأعطى مزاره

ص: 245

فعني تمحى الأوزار

إذا زرت داره

يا حادي شوقي زمزم

بذكر حبيب

يا حر وجدي ضرم

نيران الوجيب

يا دمع عيني ارقم

بخد الكثيب

رسوم سطور التذكار

لربع أناره

سنا نور وجه المختار

قد أعلى مناره

أيا رب بالمختار

والصحب الكرام

قرب قرب نائي الدار

من ذلك المقام

وأغفر قول ذي إصرار

غنى في هيام

من يروني دار العطار

بذرا المناره

ثيابي وما تحي الدار

نعطه البشاره

وقوله رحمه الله تعالى:

آه من فرط الوجيب

أورثت قلبي خبلا

زفرات شوق مدنف

منكم لم يعط وصلا

قد أذابته الشجون

والبكاء والأنين

نحوكم له حنين

أبدا به يدين

ص: 246

دمع خديه الهتون

دميت منه الجفون

يا ساقمي يا طبيبي

عفوكم عني أولى

لم تزل باللطف توصف

فأنل عبدك فضلا

لم تزل بي في أموري

سيدي مولى لطيفا

أنت مولاي نصيري

فاجبر العبد الضعيفا

من عذيري أو مجيري

إن أطلت بي الوقوفا

يا ليومي العصيب

وسجل الصحف يتلى

وقلوب الخلق ترجف

ولنار الخوف تصلى

بالنبي بالعلى

بالرفيع القدر أحمد

وعتيق الرضى

وأبي حفص الممجد

والشهيد وعلى

غرر الفجر المؤبد

نحو ساحات الحبيب

فلتيسر لي سبلا

فمتى بالقرب أسعف

أو أرى لذلك أهلا

يا حداة العيس عنى

فاحملوا نحو العقيق

أسفي وطول حزني

وبكائي وشهيقي

علني بالخيف أجنى

زهر إبان اللحوق

ص: 247

هل لصب من نصيب

فيعود الهجر وصلا

يا زمان القرب أعطف

وأنل مضناك شملا

سيدي قد ذبت حزنا

لا تخيب فيك قصدي

وأنلني منك حسني

قد براني طول بعدي

واغتفر قول معنى

هائما يشكو بوجدي

يا فلان إنَّ زرت حبي

افتل أذن وبالرسيلا

ليس أخذ عنق الخشيف

وسرق فم الحجيلا

انتهى ما قصدته من موشحة هذا الشيخ النبوية.

وأما نظمه في غير الموشحات فمنه قوله رحمه الله:

هب النسيم بطيب ذكر الهادي

فتأرجت نفحات عرف النادي

يا شاديا يشدو بمدح محمّد

كرر فديتك مدحه يا شادي

كرر على الأسماع ذكر محمّد

فلذكره برد على الأكباد

وأعد علينا نظم فخر هلال من

بهر الورى من حاضر أو بادي

هو ذروة المجد اللأثيل وقطبه

هو صفوة الأشراف والأمجاد

هو بحر جود فاض عذب نواله

وصفت موارده لدى الوراد

هو خير خلق الله والمختار من

أعلى بحار جل عن أنداد

ص: 248

هو منتهى أملي وملجأ مفزعي

هو شمس إيماني وبدر رشادي

هو عصمتي مما أخاف وحبه

يوم القيامة للخطوب عمادي

إشراق كل النيرات وحسنها

من نور حسن شهابه الوقاد

لا تعجبوا فعناية المختار قد

خرقت قياس العقل في المعتاد

شوقي إلى ذاك المقام أثاره

حزن تلهب لفحه بفؤادي

يا ويح مكتئب وما قد شفه

من فرط أحزان وطول بعاد

كم رام قرب الدار من أحبابه

لو أسعف المقدور بالإسعاد

كم رام أن يشفى بزورته ظلما

لب إليَّ تلك المعاهد صادي

أيام أطلع بدر حسن شبابه

من فوق ناعم غصنه المياد

فالآن قد لعبت به أيامه

وعدت عليه للمشيب عوادي

شيب وضعف وانتزاح مواطن

فمتى الدهر نيل مراذي

لهفي على عمر تصرم واقضى

أفنيت فيه طارفي وتلادي

فلأنزحن مدافعي أسفا على

ما قدمته يدي ليوم معادي

يا حادي الأضعان يأمل طيبة

أقصص فديتك قصتي يا حادي

وانزل بهاتيك الربوع وقف على

نادي الندامي إن عرضت وناد:

هذا أسير بعادكم أجفانه

تجلى بفيض الدمع سحب عهاد

فمتى على بعد الديار وشحطها

يحظى بوصلكم حلف سهاد

فعليكم مني لسلام طيب

ما ناح غريد بسرحة وادي

وقوله رحمه الله:

سأنظم من فخر النبي محمّد

لآلئ لا يبلى جديد نظامها

ص: 249

تضوع طيبا عرفها فكأنه

تضوع أزهار بدت من كمامها

سجايا أبت إلاّ السماكين منزلا

ففاق على العلياء علق مقامها

خلال إذا لاحت قباب لدى علا

تنيف فتعلوها قباب خيامها

إذا يمموا يوما إمام مكارم

فأحمد قد أضحى إمام إمامها

فكم ذو علا أو ما لدرك مقامها

فمر ولم يدرك مرامي مرامها

وكم ظامي رام يروى بريها

فآب وقد ضحى عليل أوامها

لذلك العلا قلبي مشوق بحبهم

وقد شوقت نفسي بطول مقامها

فلله عيه لا تمل بكاءها

وقد حرمت فيه لذيذ منامها

ونفس على بعد الدار قريحة

تطارح في البلوى حمام حمامها

وعمر مضت أيام شرخ شبابه

وقد صرف الدهر غصن قوامها

قيا نسمة الأسحار من نحو يثرب

ألمى بنفس قد ذوت بضرامها

ويا حادي الأظان نحو قبابهم

إلاّ فاخصص العليا بطيب سلامها

ومن ذلك قوله رحمه الله مخمسا شعرا لغيره:

إلاّ هل إلى وادي العقيق طريق

فقد هاج شوقا للديار مشوق

يقول وفي الأكباد منه خفوق

دموعي على وادي العقيق عقيق

ولي زفرة تحدو بها وتسوق

ص: 250

إذا ما حدا في ظلمة الليل دالج

تحركني نحو العقيق لواعج

وعندي من الشوق المبرح هائج

وفي كبدي من لوعة البين لاعج

يهيج بها بين الضلوع حريق

ولمّا جرت بي نحو طيبة أسعدي

وبلغت آمالي وأوتيت مقصدي

وأوردني التوفيق أعظم مورد

نظرت فقالوا إنَّ ذا قبر أحمد

وذاك أبو حفص وذاك عتيق

فما ذاك إلاّ أنني شممت بارقا

ففت الجوى مني ضلوعا خوافقا

وأبديت وجدا للعوائد خارقا

فما ملكت عيني دموعا سوابقا

ولا هدأت لي زفرة وشهيق

بذكرك يا خير الأنام تلذذي

وباسمك من خطب البعاد تعوذي

وما زال قلبي بامتداحك يتغذى

ألا يا رسول الله حبك منقذي

وإني لفي بحر الذنوب غريق

عليك مدى الأحيان تنهل أدمعي

وفيك وإن أبدعت ما زال مطمعي

شفيعي حبي للنبي المرفع

وهل تحرقن النار قلبي وأضلعي

وحبك في قلبي وأنت رفيق

ص: 251

ثناؤك ريحاني ومسكي ومندلي

عليك رسول الله كل معولي

حنانيك للقلب المتيم فابذل

فكم فيه من مثقال حبة خردل

وربك بالوعد الكريم حقيق

قلت: ولنجعل آخر ما أوردناه من أمداحه النبوية قوله:

تركت انتداح العالمين ولذت من

مدائح خير الخلق بالعروة الثقى

سأجعلها كهفي وحصني وملجئي

لعلي بالأمداح أستوجب العتقا

نسأل الله بجاه هذا النبي الشرف القدر العظيم المزية أن يعتقنا من النار ويجيرنا في الدنيا والآخرة من كل مصيبة ورزية وأن يسهل علينا زيارته العظيمة البركات وأن يلطف بنا في السكنات والحركات.

وقد عن لي لمّا ذكرت كلام أبن خلدون في الموشحات أن أذكر كلام الإمام أبن خاتمة.

قال رحمه الله تعالى في كتابه " مزية المرية " في باب محمّد ما نصه: " محمّد بن عبادة يكنى أبا بكر ويعرف بالقزاز وأحسبه من أهل مالقة كان من صدور الأدباء ومشاهير الشعراء والألباء وممن له باع فسح في طريقة التوشيح حتى طار اسمه فيها كل مطار واشتهر بها نظمه أي اشتهار. وهذه الطريقة من مخترعات أهل الأندلس ومبتدعاتهم الآخذة

ص: 252

بالأنفس هم الذين نهجوا سبيلها ووضعوا محصولها.

قال أبو الحسن بن بسام: وأوّل من صنع أوزان هذه الموشحات بأفقنا واخترع طريقتها فيما بلغني محمّد بن محمود القبري الضري وكان يصنعها على أعاريض أشطار الأشعار غير أن أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة يأخذ اللفظ العامي أو العجمي يسميه المركز ويضع عليه الموشحة من غير تضمين فيها وأغصان. وقيل إنَّ أبا عمر بن عبد ربة صاحب كتاب العقد هو أوّل من سبق إلى هذا النوع من الموشحات.

وحكى الكاتب أبو الحسن علي بن سعيد العنسي في كتابه " المقتطف من أزهار الطرف " أنَّ الحجاري ذكر في كتابه " المسهب في غرائب المغرب " أنَّ المخترع لها بجزية الأندلس المقدم بن معافي القبري من شعراء الأمير عبد الله المرواني وأخذه عنه أبو عمر بن عبد ربة صاحب العقد ثم غلبهما عليه المتأخرون. وأوّل من برع فيه منهم عبادة بن القزاز شاعر المعتصم صاحب المرية.

قال الأستاذ أبو الحسن على بي سعد الخيري البلنيس في كتابه: " نزهرة الأنفس وروضة التأنس في توشيح أهل الأندلس " ضمنه عشرين وشاحا على طريقتها في الإجادة والإحسان.

العباديون ثلاثة: أبن ماء السماء وهو عبادة بن عبد الله بن محمّد بن عبادة

ص: 253

أبن ماء السماء بن أفلح بن الحسين بن سعيد بن قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري من أهل مالقة. وعبادة بن محمّد بن عبادة بن الأقرع ومحمّد بن عبادة القزاز هذا.

قال الأستاذ أبو جعفر: وكان محمّد بن عبادة من شعراء المعتصم فوشحه منها بكل در منتظم وعقد بمعنى البلاغة والبراعة ملتم. ومن أظرف ما وقع له في المديح من التوشيح موشحته التي أولها:

كم في القدود الليان

تحت اللمم من أقمار عواطي

ومن أظرف ما وقع له من خلالها من حسن الاتئام وسهولة النظام ما يندر وجود مثله في منثور الكلام وذلك في أحد مراكزها حيث يقول:

لمّا غدا قادرا

أضحى قليل المعذلة

يا حاكما جائرا

قتلت من لا ذنب له

سطوت بالهيمان

ظلما ولم تستبصر يا ساطي

خفف سطوة الرحمن

إذا حكم بين البري والخاطي

ويخرج في هذه الموشحة على قوله:

ما أملح المهرجان

وفل ينم كالعنبر للسواطي

والفلك كالعقبان

والمعتصم بالعسكر في الشاطي

ثم قال أبن خاتمة: " ومن شعره ما أنشد أبو أحمد جعفر بن إبراهيم أبن الحاج المعافري في كتابه محك الشعر ونسبه إليه:

ص: 254

أودع فؤادي حرقا أو دع

ذاتك تردى أنت في أضلعي

وأرم سهام اللحظ أو كفها

أنت بما ترمى مصاب معي

موقعها قلبي وأنت الذي

مسكنه في ذلك الموضع

وله رحمه الله:

أنظر إلى البدر الذي لاح لك

في وسط اللجة تحت الحلك

قد جعل البحر سماء له

واتخذ الفلك مكان الفلك

وحضر مجلس المعتصم أبن صمادح وبين أيديهم ورد مصبوب فبرز من داخل وردة منها الحيوان الأخضر الموجود في الورد وتسميه العرب القيقزان فقال له المعتصم: صفه فقال:

وأخضر حمادي في الورد لائح

على صفح ورد حسنه متناهي

كما أخذت حسناء فص زمرد

بصفرة مسواك وحمرة شفاه

وكتب يوما إلى المعتصم وقد تأخرت صلات شعرائه:

يا أيها الملك الذي حاز العلا

معن أبوه وخاله المنصور

بفناء قصرك عصبة أدبية

لا زال بشملهم معمور

زفوا إليك بنات أفكارهم

واستبطئوك فهم لهن قصور

انتهى كلام أبن خاتمة رحمه الله تعالى.

ص: 255