المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثلاث رسائل إلى الملك العادل عن انتصار الأسطول المصري في البحر الأحمر: - الرسائل الحربية في عصر الدولة الأيوبية - جـ ٥٨

[محمد نغش]

الفصل: ‌ثلاث رسائل إلى الملك العادل عن انتصار الأسطول المصري في البحر الأحمر:

الرَّسَائِلُ الحَرْبيَّة

في عصْر الّدوْلة الأيوبيَّة

‌ثلاث رسائل إلى الملك العادل عن انتصار الأسطول المصري في البحر الأحمر:

أرسل السلطان صلاح الدين رسالة بقلم القاضي الفاضل إلى أخيه الملك العادل أبي بكر، بشأن انتصار الأطول المصري بقيادة أميره حسام الدين لؤلؤ على الأسطول الصليبي ، الذي جرؤ فعبر مياه البحر الأحمر ، قاصدا مهاجمة مدينتي مكة والمدينة ، وذلك في شوال سنة 578 هـ = فبراير 1183 م.

تبتدأ هذه الرسالة هكذا: " وصل كتابك المؤرخ بخامس ذي القعدة المسفر عن المسفر من الأخبار ، المتبسم عن المتبسم من الآثار ، وهي نعمة تضمنت نعما ، ونصرة جعلت الحرم حرما ، وكفاية ما كان الله ليؤخر معجزة نبيه _ صلى الله عليه وسلم _ بتأخيرها ، وعجيبة من عجائب البحر التي يتحدث عن تسييرها وتسخيرها "1.

وقد راعى القاضي الفاضل في هذه المقدمة الالتزام بالجناس والسجع كعادته.

ثم يقول: " وما كان لؤلؤ فيها إلا سهما أصاب وحمد مسدده ، وسيفا قطع وشكر مجرده

ركب السبيلين: براً وبحراً ، وامتطى السابقين: مركبا وظهرا ، وخطا فأوسع الخطو ، وغزا فأنجح الغزو 2" وهو يبدى إعجابه بالبسالة الحربية والتضحية المالية التي بذلها المسلمون.

ثم يتحدث عما يفعله مع الأسارى في هذه المعركة ، فيقول: " وأما هؤلاء الأسارى فقد ظهروا على عورة الإسلام وكشفوها ، وتطرقوا بلاد القبلة وتطوفوها ، ولا بد من تطهير الأرض

1 أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 36

2 أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 36

ص: 173

من أرجاسهم ، والهواء من انفاسهم ، بحيث لا يعود منهم مخبر يدل الكفار على عورات المسلمين"1

وفي هذه الرسالة يحذر المسلمين بعد هذا الانتصار الباهر من مكر الصليبيين وغدرهم ، وهنا يحل حديثنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو:" لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ".. ويقول: " ان اللدغة الأولى تكفي لمن له في النظر تفقه ".

ثم يرسل إليه كتاباً ثانياً ، والذي بين أيدينا منه قطعة فيها تهنئة بالظفر ، ثم يأمره بالإسراع بقتل الأسارى ، ليتعظ غيرهم بما نالهم ، فليس في قتل هؤلاء الكفار مراجعة ، ولا للشرع في إبقائهم فسحة ، ولا في استبقاء واحد منهم مصلحة 2. فالله قد أباح قتلهم لغدرهم ، أن الغرض من ذلك تهديد غيرهم ، فالجرم الذي اقترفوه كبير ، لولا لطف الله العلي القدير.

ويلحق هذا الكتاب بثالث ، ويستعجله فيه بضرورة القضاء عليهم ونصه " قد تكرر القول في معنى أسارى بحر الحجاز ، فلا تذر على الأرض من الكافرين ديارا 3، ولا توردهم بعد ماء البحر إلا نارا ، فأقلهم إذا بقى جنى الأمر الأصعب ’، ومتى لم تعجل الراحة منهم ، وعدت العاقبة بالأشق الأتعب "4

وتنفيذ لأوامر السلطان صلاح الدين ، تولى الصوفية والفقهاء قتلهم 5 جميعا، وهذه الرسائل الثلاث في قصرها تشبه البرقيات في عصرنا الحالي ، كما أنها تدل على حنكة عسكرية من السلطان صلاح الدين القائد المظفر ، إذ يرى ضرورة القضاء على هؤلاء الأسارى ’ شارحا في إيجار الدواعي التي من أجلها يأمر بالقضاء عليهم ، وألا يستثنى من هذا الحكم أحدا منهم.

وقد اهتم المؤرخون بالاحتفاظ بالرسالة الأولى كاملة تقريباً ، أما الرسالتان التاليتان ، فقد احتفظوا بقطعتين منهما.

وكان لهذه السرعة وهذا الإيجار أثرهما في أسلوب هذه الرسائل ، فالمقدمة في الكتاب الأول قصيرة ، وأرجح أن مقدمة الكتابين التاليين كانت تنهج نفس السبيل ، ولم تسهب الرسالة الأولى في وصف سير المعركة ، وكذلك بالنسبة لوصف الأسارى والانتصار عليهم ، وطلب السلطان صلاح الدين القضاء عليهم.

1 نفس المرجع السابق.

2 أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 36.

3 سورة نوح آية 26.

4 أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 36 ، 37.

5 أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 35

ص: 174