الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسائل بشأن حصنى الكرك والشوبك في عهد الملك عبد العزيز
…
الرَّسَائِلُ الحَرْبِيِّة
في عصر الدّوْلة الأيوبيَّة
للدكتور محمد نغش
أستاذ مساعد بكلية الشريعة بالجامعة
رسائل بشأن حصني الكرك والشوبك في عهد الملك العزيز:
وكما كتب القاضي الفاضل عن الكرك والشوبك في عهد السلطان صلاح الدين فكذلك نراه يكتب في عهد الملك العزيز ثلاث رسائل الأولى عن الكرك والثانية عن الشوبك والثالثة يرسلها عن طريق أحد العاملين في الديوان.
فأما الأولى فيستهلها بدعاء طويل يستغرق نصف الرسالة تقريباً، ثم يزف إليه بشرى دنو النصر وينتقل بعدها إلى الغرض من الرسالة وهو وصف المعركة الحربية.
فالمنجنيقات تهدم الأبراج المشيدة، وتدمر الأسوار الغليظة التي يشبهها بالسكارى في انهيارها، فقد أعطتها المنجنيقات بكفها الخمر التي فيها هلاكها، فلم تبق الحجارة الطائرة من هذه المنجنيقات حجارة قائمة في هذا الحصن، فقد انهدمت قواعده وأركانه.
ثم يصف السبب الذي من أجله فتح الحصن فيقول: ولولا الخندق الذي
…
هو واد من الأودية واسع عميق لما تعذر الزحف إليهم والهجوم عليهم، ونرجو من الله الكريم تسهيل هذا الحصن العظيم، فتحه إنه جواد كريم 1.
وأما رسالة الشوبك فالظاهر أنها قد تلت رسالة الكرك، إذ أنها تعد مكملة لها، ولذا لم تستهل بالدعاء كسالفتها، واستفتحت هكذا:" قد صدرت هذه المكاتبة إلى الحضرة دالة على ما نحن فيه من نعم الله تعالى مغتبطون وإنا بحمد الله مستظهرون وبنصره مستبشرون ولآلائه حامدون ولأعدائه مجاهدون، فأعمالنا لله بنيات خالصة وعزائمنا في سبيله مقدمه غير ناكصة "2.
ثم يعود ثانية إلى وصف الحصن الذي يحاصرونه فقد هدموه وقتلوا الكثير ممن فيه إلا أنه يبقى أمامهم عملية ردم الخندق الذي كانوا يلجأون إليه وتسويته بالأرض حتى يمكن الأخذ من العدو بالمخنق.
1 من ترسل القاضي الفاضل اللوحة 34.
2 ناكصة: محجمة، يقال نكص على عقبيه أي رجع.
ويختتم الرسالة بتصوير نهائي للموقف من القتال، فيقول: "فإن أبطأ العدو عن النجدة فالنصر سريع، والحصن ومن فيه صريع، والقلوب وارفة بحصول النجح، وقد علم كل منا أن متجره قد فاز بالربح، فما يسمع منا بحمد الله ملل ولا ضجر، ولا تسفر هذه النوبة إلا عن نجح وظفر1.
يبدأ القاضي الفاضل رسالته الثالثة بمقدمة قصيرة، وهى:"أدام الله أيام المجلس، ولازالت مناقبه لزهر السماء مخجلة، ومكارمه في درجات المحامد متوغلة، وفواضله على أوليائه مفضلة، وسطواته بأعدائه منكلة "2.
ثم يصف عمل المجانيق في الحصن في أسلوب من الجناس هكذا:"هدمت وهدت، وشدخت وسدت، ورضخت ورضت، وقوضت وأفضت، وقدحت وفدحت، ومحقت ومحت "3.
ويضيف وصفا تفصيلياً لما أصاب الأعداء في أثناء تهدم الحصن، إذ يقول:"قد جمعت الحجارة في الإسقاط بين رؤوس الأبراج، ورؤوس الأعلاج، فرمت الشرار في الواقفين عليها لحمايتها، وأرت الفرنج باهتدائها إلى إرادتها غاية غوايتها، فما أخرج أحد منهم رأساً إلا دخل في عينه نصل، وما هجر قراب الإسلام سيف إلا وله مع رقاب الكفر عند قطعها وصل، وما على الحجر في الإسراف والتبذير حجر، والكل ليله من نقع الحوافر من سناء الأسنة فجر، ولقد أخذنا من القوم بالمخنق، وشرعنا في طم الخندق4.
والنصر أشهر من نار على علم
…
والحرب أقوم من ساق على قدم
والقلعة سماء تمطر بحجارتها، وترمى شياطينها رجوم قوارير5 النفط بشرارها6.
لم ترد الرسائل السالفة في المصادر التاريخية التي بين أيدينا، ولذا لم نستطع تحديد تاريخ حدوثها، كما أن القاضي الفاضل لم يشر إلى تواريخها كما يفعل في بعض رسائله من هذا النوع.
1 من ترسل القاضي الفاضل اللوحة 35.
2 نفس المرجع السابق.
3 نفس المرجع السابق.
4 طم الخندق: ردمه وتسويته بالأرض.
5 القوارير: الأوعية.
6 من ترسل القاضي اللوحة 35.
ونلاحظ أن مقدمات الرسائل تختلف من حيث الطول والقصر طبقاً للمناسبة التي ترد فيها، فالقاضي الفاضل يطيل الدعاء في رسالته الأولى بينما لا يذكره في الثانية، وفي الثالثة يأتي به كلمات مقتضبة.
والرسائل الثلاث تكمل بعضها حتى تكاد تكون رسالة واحدة ذات هدف واحد، وتتسم رسائل التهنئة في عهد الملك العزيز بقوة العبارة، واستخدام المحسنات البديعية، وعلى قمتها الجناس والاستعارة والسجع، كما أن الألفاظ منتقاة، فيها جزالة وفخامة تناسب موقف النصر وجو المعارك الحربية، وهى لا تختلف عن الرسائل التي كتبت للتهنئة في عهد السلطان صلاح الدين، فالكاتب واحد والأسلوب لم يتغير.
كتاب المعظم توران شاه إلى جمال الدين يغمور نائب الشام بعد هزيمة الفرنج لدى المنصور سنة 684 هـ: 1251 م:
جاء في هذا الكتاب: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} 1 {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} 2. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} 3. {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} 4. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 5.
نبشر المجلس السامي الجمالي، بل نبشر الإسلام كافة، بما من الله به على المسلمين، من الظفر بعدو الدين، فإنه كان قد استفحل أمره، واستحكم شره، ويئس العباد من البلاد، والأهل والأولاد، فنودوا:{لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} 6.
ولما كان يوم الأربعاء مستهل السنة المباركة، تم الله على الإسلام بركتها، فتحنا الخزائن وبذلنا الأموال، وفرقنا السلاح، وجمعنا العربان والمطوعة، واجتمع خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى، فجاءوا من كل فج عميق، ومن كل مكان بعيد سحيق.
ولما رأى العدو ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع عليه الإتفاق بينهم وبين الملك العادل أبى بكرة، فأبينا، ولما كان في الليل تركوا خيامهم وأثقالهم وأموالهم، وقصدوا دمياط
1 سورة فاطر آية 34.
2سورة الأنفال آية 10.
3 سورة الروم آية 4،5.
4سورة الضحى آية 11.
5سورة إبراهيم آية 34.
6سوره يوسف آية 87.