الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُقدِّمة
الحمد لله الذي أغنى عباده عمَّن سواه، لا دافعَ لما قدَّر ولا رادَّ لما قضاه، سبحانه خلق كلَّ شيءٍ فسوَّاه، وقدَّر كلَّ خلقٍ ثم هداه، أحمده سبحانه سبَّب الأسباب وأمر بدُعاه، وجعل التضرُّع إليه محجَّةً لرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، يجيب المضطرَّ إذا دعاه، ويكشف السوء، ويعافي برحمته عبدًا ابتلاه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وخِيرتُه مِن خَلْقِه ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه.
وبعدُ، فقد عزمت - بحول الله وقوته - على جمع رقية شرعية من كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم يستغني بها المؤمن عن تعلُّقٍ بتميمة أو قصد مشعوذٍ متلبِّسٍ بلَبُوس أهل الخير والصلاح، يَهرِف بما لا يَعرِف، ويرقي بما لم يُشرَع، فيزيد المبتلى بلاءً، فيُحتاج بعدها من رقيته شفاء!
هذا، وكنت قد جمعت قبلُ في كتيِّبٍ أسميته - اِرْقِ نَفْسَكَ وَأَهْلَكَ بِنَفْسِك - رقًى مشروعةً رتبتُ ذكر الآيات فيها بما جرت به عادة الرقاة وإن لم يوافق ذلك ترتيب المصحف، لكني جعلتها هنا بترتيبه تبرُّكًا بذلك، وتيسيراً على طالب حفظها، كما أني جعلت استهلالاً مناسبًا لكلٍّ من أقسام الرقى؛ ليكون ذلك أرجى للقبول، وأقرب للنفع بإذن الله. ثم إني لم أقتصر في إيراد الرقى من القرآن على خصوص ما دلَّت النصوصُ على مشروعية الاستشفاء به، لكني ذكرته، وأوردت معه ما يُستشَفُّ منه وجهُ نفعٍ للمريض، وقد يكون مغايرًا - في كثير من الأحيان - لما أوردته في الكتيِّب السابق، مسترشدًا بعموم قول الله تعالى:[الإسرَاء: 82]{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، وكذلك بعموم إجازة النبي صلى الله عليه وسلم الرَّقْيَ بما ليس فيه شرك، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:«لَا بَأْسَ بِالرُّقى مَا لَمْ يَكُنْ فِيه شِرْكٌ» (1)، وقولِه عليه الصلاة والسلام:«مَا أَرى بَأسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» رجه مسلم كذلك، في كتاب السلام، باب: استحباب الرقية من العين والنَّمْلة، برقم (2199) ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(1) أخرجه مسلم؛ كتاب: السلام، باب: لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم (2200) ، عن عوف بن مالكٍ الأشجعي رضي الله عنه.
كما أني عمدت هنا إلى الاقتصار على ذكر الرقى دون تقديم مباحثَ بين يديها؛ ليكون ذلك حافزًا عمليًا للشروع بها (1) ، ولقد يسَّر الله تعالى أن أقدِّم هذا الكتيِّبَ مشفوعًا بشريطٍ مسجَّلٍ عليه نصُّ هذه الرقى المباركة، تيسيرًا على طالب الرقية ومزيدَ طلبٍ لشفائه، فمن استطاع رقى نفسه بنفسه، ومن شق عليه ذلك استمع بخشوع لما يُتلى عليه من آيات ربه وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ثم ردَّد بعدها راقيًا نفسه بها.
وقد جعلت هذه الرقية على ثلاثة أقسام؛ (موجزة ومتوسطة ومطوَّلة) ، يتخيَّر الراقي منها ما يناسب حال المَرْقي، وهي بعمومها غاية في النفع - إن شاء الله - في حال العين والحسد والسحر، بل والمسِّ، والله المستعان.
هذا، وقد التزمتُ في تخيّر الأدعية والتعوُّذات النبويَّة ما صحَّ منها أو كان حسنَ الرُّتبة، ومن ثَمَّ فإني لم أعمد إلى تخريجها، فإن أوردت ضعيفًا فيها، أشرت إلى ضعفه.
ولا يفوتني - في هذا المقام - تذكيري أخاً رام نفعًا بهذه الرقى المباركة أن يجعل في حُسبانه أولاً وآخرًا عظيمَ التوكل على الله تعالى، وحسنَ الظنِّ به سبحانه، وأن يتحلَّى بالتقوى، ويتجمَّل بالصبر، فإن تقوى الله تعالى هي العروة الوثقى التي لا تنفصم، والبنيان الراسخ الذي لا ينهدم، وهي السبب الأعظم في تحقيق الشفاء.
أما الراقي فله نقول: اتق الله تعالى، فقد أحسن المريض بك الظنَّ، فأَحِبَّ نفع أخيك وارجُ برقيتك هدايته فضلاً عن شفائه.
(1) من شاء توسّعًا في شأن التداوي بالرقى بتفصيل أنواعها وما يتعلق بها، فليراجع - مكرمًا -:(ارق نفسك وأهلك بنفسك) ، و (التحصين من كيد الشياطين) ، و (الحِذْر من السحر) و (الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية) من إعداد المؤلف.