المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العنصر الأول: موقف أهل السنة في أسماء الله – تبارك وتعالى - أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنه منها

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌العنصر الأول: موقف أهل السنة في أسماء الله – تبارك وتعالى

العنصر الخامس: في أن بعض أهل التحريف، والتعطيل اعتدوا على أهل السنة والجماعة فرموهم بالتشبيه، والتمثيل، والتجسيم.

العنصر السادس: في أن أهل التحريف والتعطيل ادعوا على أهل السنة أنهم أولوا بعض النصوص ليلزموا أهل السنة بالتأويل في يقية النصوص أو بالمداهمة وفي إبطال هذه الدعوى.

ص: 12

‌العنصر الأول: موقف أهل السنة في أسماء الله – تبارك وتعالى

-:

أسماء الله تعالى كل ما سمى به نفسه في كتابة، أو سماه به أعلم الخلق به رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم.

وموقف أهل السنة من هذه الأسماء أنهم يؤمنون بها على أنها أسماء لله تسمى بها الله عزوجل، وأنها أسماء حسنى ليس فيها نقص بوجه من الوجوه كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180] .

ص: 12

فهم يثبتون الأسماء على أنها أسماء لله، وبثبتون أيضاً ما تضمنته هذه الأسماء من الصفات.

فمثلاً من أسماء الله "العليم" فيثبتون العليم اسماً لله – سبحانه وتعالى، ويقولون: يا عليم. فيثبتون أنه يسمى بالعليم ويثبتون بأن العلم صفة له دل عليها اسم العليم، فالعليم اسم مشتق من العلم، وكل اسم مشتق من معنى فلابد أن يتضمن ذلك المعنى الذي أشتق منه، وهذا أمر معلوم في العربية واللغات جمعياً.

ويثبتون كذلك ما دل عليه الاسم من الأثر إن كان الاسم مشتقاً من مصدر متعدي.

فمثلاً "الرحيم" من أسماء الله يؤمنون بالرحيم على أنه اسم من أسمائه، ويؤمنون بما تضمنه من صفة الرحمة، وأن الرحمة صفة حقيقية ثابتة لله دل عليها اسم الرحيم، وليست إرادة الإحسان والإحسان نفسه، وإنما إرادة الإحسان والإحسان نفسه من آثار هذه الرحمة.

كذلك يؤمنون بأثر هذه الرحمة من يستحقها.

ص: 13

كما قال تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت:21] .

هذه قاعدة أهل السنة والجماعة بالنسبة للأسماء:

أولا: يؤمنون بأنها أسماء تسمى الله بها فيدعون الله بها.

ثانياً: يؤمنون بما تضمنه الاسم من الصفة، لأن جميع أسماء الله مشتقة، والمشتق كما هو معروف يكون دالا على المعنى الذي اشتق منه.

ثالثاً: يؤمنون بما تضمنه الاسم من الأثر إذا كان الاسم متعدياً كالعليم، والرحيم، والسميع، والبصير.

أما إذا كان الاسم مشتقاً من مصدر لازم فإنه لا يتعدى مسماه مثل الحياة فالله تعالى من أسمائه "الحي"، و "الحي" دل على صفة الحياة، والحياة وصف للحي نفسه لا يتعدي إلى غيره.

ومثل "العظيم" فهذا الاسم والعظمة هي الوصف، والعظمة وصف للعظيم نفسه لا تتعدي إلى غيره.

ص: 14

فعلى هذا تكون الأسماء على قسمين: متعدي ولازم.

والمتعدي لا يتم الإيمان به إلا بالأمور الثلاثة:

الإيمان بالاسم، ثم بالصفة ثم بالأثر.

وأما اللازم فإنه لا يتم الإيمان إلا بإثبات أمرين:

أحدهما: الاسم. والثاني: الصفة.

أما موقف أهل السنة والجماعة في الصفات فهو: إثبات كل صفة وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، لكن إثباتاً بلا تكييف ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، سواء كانت هذه الصفة من الصفات الذاتية أم من الصفات الفعلية.

فإذا قال قائل: فرقوا لنا بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية.

قلنا: الصفات الذاتية هي التي تكون ملازمة لذات الخالق أي انه متصف بها أزلاً وأبداً.

والصفات الفعلية هي التي تتعلق بمشيئة فيفعلها الله تبعاً لحكمته – سبحانه وتعالى.

ص: 15

مثال الأول: صفة الحياة صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال حياً، كما قال الله تعالى:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِر} [الحديد: 3] وفسرها النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله:"أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء"1.

وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان: 58] .

كذلك السمع، والبصر، والقدرة كل هذه من الصفات الذاتية، ولا حاجة إلى التعداد لأننا عرفناها بالضابط:"كل صفة لم يزل الله ولا يزال متصفاً بها فإنها من الصفات الذاتية" لملازمتها للذات.

وكل صفة تتعلق بمشيئة يفعلها الله حيث اقتضتها حكمته فإنها من الصفات الفعلية.

مثال الثاني: استوائه على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا.

فاستواء الله على العرش من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئته.

1 أخرجه مسلم رقم 2713.

ص: 16

كما قال تعالى: {إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] . فجعل الفعل معطوفاً على ما قبله ب"ثم" الدالة على الترتيب.

ثم النزول إلى السماء الدنيا وصفه به أعلم الخلق به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حي قال:"ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: "من يدعوني فأستجب له. من يسألنى فأعطيه. من يستغفرني فأغفرله" 1.

وهذا النزول من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئة الله تعالى.

فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون التمثيل، أو التكييف، أي أنهم لا يمكن أن يقع في نفوسهم أن نزوله كنزول المخلوقين، أو استوائه على العرش كاستوائهم، أو إتيانه للفصل بين عبادة كإتيانهم لأنهم يؤمنون بأن الله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ويعلمون بمقتضى العقل مابين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات، والصفات، والأفعال، ولا يمكن أن يقع في نفوسهم كيف

1 أخرجه البخاري رقم 1145 ومسلم 758.

ص: 17

ينزل؟ أو كيف استوى على العرش؟ أو كيف يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة؟ أي أنهم لا يكيفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا، وحينئذٍ لا يمكن أبداً أن يتصوروا الكيفية، ولا يمكن أن ينطقوا بها بألسنتهم أو يعتقدوها في قلوبهم.

يقول تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الاسراء:36] .

ويقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [لأعراف:33] .

ولأن الله أجل وأعظم من أن تحيط به الأفكار قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:110] .

وأنت متى تخيلت أي كيفي فعلى أي صورة تتخيلها؟!

إن حاولت ذلك فإنك في الحقيقة ضال، ولا يمكن أن تصل إلى حقيقة لأن هذا أمر لا يمكن الإحاطة به، وليس من شأن العبد أن يتكلم فيه أو أن يسأل عنه.

ص: 18

ولهذا قال الإمام مالك – رحمه الله – فيما اشتهر عنه بين أهل العلم حين سأله رجل فقال: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟

فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء – يعني العرق وصار ينزف عرقاً – لأنه سؤال عظيم. ثم قال تلك الكلمة المشهورة:"الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان واجب، والسؤال عنه بدعة"

وروى عنه أنه قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".

فإذاً نحن نعلم معاني صفات الله، ولكننا لا نعلم الكيفية، ولا يحل لنا أن نسأل عن الكيفية ولا يحل لنا أن نكيف، كما أنه لا يحل لنا أن نمثل أو نشبه لأن الله تعالى يقول في القرآن:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .

من أثبت له مثيلاً في صفاته فقد كذب القرآن، وظن بربه ظن السوء وقد تنقص ربه حيث شبهه وهو الكامل من كل وجه بالناقص.

ص: 19

وقد قيل:

ألم تر أن السيف ينقص قدره

إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

وأنا أقول: هذا على سبيل التوضيح للمعنى وإلا ففرق عظيم بين الخالق والمخلوق، فرق لا يوجد مثله بين المخلوقات بعضها مع بعض.

المهم أيها الأخوة أنه يجب علينا أن نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله، صلى الله عليه وسلم، سواء كانت تلك الصفة ذاتية أم فعلية، ولكن بدون تكييف، وبدون تمثيل.

التكييف ممتنع، لأنه قول على الله بغير علم، وقد قال الله تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الاسراء:36] .

والتمثيل ممتنع، لأنه تكذيب لله في قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .

وقول بما لا يليق بالله تعالى من تشبيهه بالمخلوقين.

ص: 20