الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(مُقَدّمَة)
الْحَمد لله الَّذِي نوع لهَذِهِ الْأمة أَسبَاب الْخيرَات ووسع لَهُم أَبْوَاب المثوبات والبركات وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه الَّذِي بَين للْمُؤْمِنين سبل الطَّاعَات وَحسن زِيَارَة الصَّالِحين فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات وعَلى صحابته وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان على مر الدهور وكر الْأَزْمَان وَبعد
فَيَقُول الْفَقِير إِلَى لطف ربه الْخَفي وبره الوفي عبد الرحمن الْعِمَادِيّ الْحَنَفِيّ
إِن زِيَارَة الصَّالِحين من أقرب القربات وَهِي لاستمطار سحائب البركات من الْأُمُور المجربات وَقد أمرنَا بالتعرض
للنفحات وَلَا شكّ أَن مواطنهم من أكبر مظنات إِجَابَة الدَّعْوَات
ثمَّ لما كَانَ من أعظم مزارات الشَّام الموصوفة مزارات داريا
الْكُبْرَى الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة جمعت هَذِه النبذة فِي شَأْنهَا تعريفا بِعظم قدر سكانها وتشريفا للأسماع بِذكر من دفن بمكانها وسميتها الرَّوْضَة الريا فِيمَن دفن بداريا عَسى أَن أمنح بلمحة من سنا أنوار لمحاتهم وأنفح بنفحة من شذى أسرار نفحاتهم وَمَا ذَلِك على الله بعزيز وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل
فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَهُوَ الْهَادِي إِلَى سَوَاء الطَّرِيق قَالَ القَاضِي ابْن خلكان فِي وفيات الْأَعْيَان فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان
داريا ياؤها مُشَدّدَة وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا داراني من شواذ النّسَب وَهِي قَرْيَة فِي نَاحيَة يُقَال لَهَا وَادي الْعَجم من نواحي دمشق
انْتهى
قلت إِنَّمَا كَانَ من شواذ النّسَب لِأَنَّهَا على غير قِيَاس إِذْ الْقيَاس أَن تحذف الْألف الْأَخِيرَة لوقوعها سادسة كَمَا قَالُوا قبعثري نِسْبَة إِلَى قبعثرى ثمَّ تحذف الْيَاء الأولى وتقلب الثَّانِيَة واوا كَمَا قَالُوا قصوي نِسْبَة إِلَى قصي فَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال فِي النِّسْبَة إِلَيْهَا داروي
وداريا وَزنهَا فعليا وَمثلهَا من الصِّيَغ المسموعة مرحيا وبرديا
حَكَاهُمَا سِيبَوَيْهٍ
وَهِي مُشْتَقَّة من الدَّار وَالْيَاء للتأنيث وَإِنَّمَا زيدت هَذِه الزَّوَائِد دلَالَة على التكثير
وَزِيَادَة المبنى تدل على زِيَادَة الْمَعْنى
وَذَلِكَ كَمَا قيل إِنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل مجمعا لدور آل جَفْنَة الغسانيين ومنازلهم
قلت وَآل غَسَّان هم مُلُوك الشَّام الَّذين يَقُول فيهم حسان بن ثَابت رضي الله عنه من جملَة مَا لَهُ فيهم من المدائح الحسان
(أَوْلَاد جَفْنَة حول قبر ابيهم
…
قبر ابْن مَارِيَة الْكَرِيم الْمفضل)
(يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم
…
لايسألون عَن السوَاد الْمقبل)
(بيض الْوُجُوه كَرِيمَة أحسابهم
…
شم الأنوف من الطّراز الأول)
(يسقون من ورد البريص عَلَيْهِم
…
بردى يصفق بالرحيق السلسل)
وَمِنْهُم جبلة بن الْأَيْهَم الَّذِي وَفد نهر دمشق مُسلما على عمر رضي الله عنه فِي خِلَافَته بِخمْس مائَة فَارس عَلَيْهِم الديباج وَالذَّهَب وعَلى رَأسه التَّاج وقرطا مَارِيَة المشهوران ثمَّ وطئ الْفَزارِيّ إزَاره فِي الطّواف فَلَطَمَهُ
فَقَالَ لَهُ عمر رضي الله عنه إِمَّا أَن ترضه أَو تقيده فَلم يرض الْفَزارِيّ إِلَّا أَن يُقَيِّدهُ بلطمة مثلهَا
فَقَالَ أتقيد مني وَأَنا ملك
فَقَالَ عمر رضي الله عنه أَنْتُمَا فِي حكم الْإِسْلَام سَوَاء
فَقَالَ أمهلني ثَلَاثَة أَيَّام فأمهله فَخرج لَيْلًا إِلَى قَيْصر فملكه فِي بِلَاده وَتَنصر
ثمَّ إِن عمر رضي الله عنه أرسل صحابيا إِلَى قَيْصر فَاجْتمع بجبلة فَرَأى عِنْده من الخدم والحشم والجواهر وأواني الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا أذهله فَسَأَلَ عَن عمر وَعَن تِلْكَ الديار ثمَّ تأوه وَأنْشد
(تنصرت الْأَشْرَاف من أجل لطمة
…
وَمَا كَانَ فِيهَا لَو صبرت لَهَا ضَرَر)
(تكنفني فِيهَا لجاج ونخوة
…
وبعت بهَا الْعين الصَّحِيحَة بالعور)
(فيا لَيْت أُمِّي لم تلدني وليتني
…
رجعت إِلَى القَوْل الَّذِي قَالَه عمر)
(وَيَا لَيْتَني أرعى الْمَخَاض بقفرة
…
وَكنت أَسِيرًا فِي ربيعَة أَو مُضر)
ثمَّ قَالَ جبلة للرسول إِن ضمنت لي على عمر ثَلَاثَة أَشْيَاء رجعت إِلَى الْإِسْلَام
أَن يغْفر لي مَا سلف
وَأَن يزوجني بنته
وَأَن يَجْعَلنِي ولي عَهده من بعده
فَقَالَ لَهُ أما الثنتان فَنعم وَأما الثَّالِثَة فَلَا
فَرجع الرَّسُول وَأخْبر عمر رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ ليتك ضمنت الثَّالِثَة {وَالله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء} الْبَقَرَة 247
وقصته مَشْهُورَة وَهِي بِطُولِهَا فِي الْكتب مسطورة
وَقَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء