المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

واللغات داريا الْقرْيَة الْمَشْهُورَة تَحت دمشق على دون ثَلَاثَة أَمْيَال هِيَ بِفَتْح - الروضة الريا فيمن دفن بداريا

[العمادي]

الفصل: واللغات داريا الْقرْيَة الْمَشْهُورَة تَحت دمشق على دون ثَلَاثَة أَمْيَال هِيَ بِفَتْح

واللغات

داريا الْقرْيَة الْمَشْهُورَة تَحت دمشق على دون ثَلَاثَة أَمْيَال

هِيَ بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء كَانَ فضلاء السّلف يسكنونها وَمِمَّنْ سكنها من الصَّحَابَة رضي الله عنهم

(بِلَال الْمُؤَذّن)

رضي الله عنه

وَبهَا قبران مشهوران يقصدان للزيارة لسيدين جليلين أبي مُسلم الْخَولَانِيّ وَأبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي رضي الله عنهما انْتهى

ص: 64

ولنبدأ بِذكر مَنَاقِب الإِمَام الشريف الذَّات صَاحب المناقب والكرامات التَّابِعِيّ الْجَلِيل أبي مُسلم الْخَولَانِيّ رضي الله عنه

فَنَقُول قَالَ الْحَافِظ الْكَبِير الْمُفَسّر الإِمَام ابْن كثير نزل أَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ بداريا من غربي دمشق بعد أَن ارتحل من الْيمن إِلَى الْمَدِينَة فَوجدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد قبض ذَلِك الْعَام فَرَأى أَبَا بكر وَعمر رضي الله عنهما وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة رَضِي الله

ص: 65

عَنْهُم

وَكَانَ لَا يسْبقهُ أحد إِلَى الْمَسْجِد الْجَامِع بِدِمَشْق من داريا فِي أَوْقَات الصَّلَوَات الْخمس وَلَا سِيمَا وَقت الصُّبْح

وَكَانَ ملازما للْجِهَاد فِي كل سنة يَغْزُو بِلَاد الرّوم مَعَ أَصْحَاب لَهُ خَاصَّة

وَله أَحْوَال وكرامات كَثِيرَة وقبره مَشْهُور بداريا

وَكَانَ مقَامه بهَا إِذا قفل من غَزْو الرّوم

روى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر عَنهُ أمرا غَرِيبا وشأنا عجيبا بِسَنَدِهِ

ص: 66

من طَرِيق إِسْحَاق بن نجيح الْمَلْطِي عَن الإِمَام الْمُجْتَهد الْأَوْزَاعِيّ التَّابِعِيّ الْجَلِيل رضي الله عنه قَالَ

أَتَى أَبَا مُسلم الْخَولَانِيّ نفر من قومه يَعْنِي الخولانيين من الْيمن فَقَالُوا يَا أَبَا مُسلم أما تشتاق إِلَى الْحَج

ص: 67

فَقَالَ بلَى لَو أصبت لي أصحابا

فَقَالُوا نَحن أَصْحَابك

فَقَالَ لَسْتُم لي بأصحاب

إِنَّمَا أَصْحَابِي قوم لَا يردون الزَّاد وَلَا المزاد

فَقَالُوا سُبْحَانَ الله كَيفَ يُسَافر قوم بِلَا زَاد وَلَا مزاد

فَقَالَ لَهُم أَلا ترَوْنَ إِلَى الطير تَغْدُو وَتَروح بِلَا زَاد وَلَا مزاد وَالله يرزقها

قَالَ فَقَالُوا إِنَّا نسافر مَعَك

قَالَ تهيؤوا على بركَة الله تَعَالَى

قَالَ فَغَدوْا من دمشق لَيْسَ مَعَهم زَاد وَلَا مزاد فَلَمَّا أَتَوا إِلَى الْمنزل فَقَالُوا يَا أَبَا مُسلم طَعَام لنا وعلف لدوابنا

قَالَ فَقَالَ لَهُم نعم

ص: 68

فَتنحّى غير بعيد فَتَيَمم مَسْجِد أَحْجَار فصلى رَكْعَتَيْنِ فِي ذَلِك الْمَسْجِد ثمَّ جثا على رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ

إلهي قد تعلم مَا أخرجني من منزلي وَإِنَّمَا خرجت إيثارا لَك على من سواك وَقد رَأَيْت الْبَخِيل من ولد آدم تنزل بِهِ الْعِصَابَة من النَّاس فيوسعهم قرى وَأَنت الْكَرِيم الْغَنِيّ اللَّطِيف الرَّزَّاق وَإِنَّا أضيافك وزوارك فأطعمنا واسقنا وأعلف دوابنا

قَالَ فَأتي بسفرة فمدت بَين أَيّدهُم وَجِيء بِجَفْنَة من ثريد تبخر وَجِيء بقلتين من مَاء وَجِيء بالعلف لَا يدرى من يَأْتِي بذلك فَلم تزل تِلْكَ حَالهم مُنْذُ خَرجُوا من عِنْد أهلهم حَتَّى رجعُوا

لَا يتكلفون زادا وَلَا مزادا

ص: 69

قَالَ ابْن كثير

فَهَذِهِ حَال ولي من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى من هَذِه الْأمة تنزل عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه كل يَوْم مائدة مرَّتَيْنِ مَعَ مَا يُضَاف إِلَيْهَا من المَاء والعلف لدواب أَصْحَابه

وَهَذَا اعتناء عَظِيم بِهَذَا الرجل الْكَبِير الْقدر وَقد شبه فِي تِلْكَ الْمَائِدَة بِعِيسَى عليه الصلاة والسلام كَمَا شبه فِي كَرَامَة أُخْرَى بإبراهيم الْخَلِيل وَفِي كَرَامَة أُخْرَى بِنوح ومُوسَى عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

وَكم لَهُ كَرَامَة عَظِيمَة وبركة جسيمة وَإِنَّمَا نَالَ ذَلِك ببركة مُتَابَعَته لنبينا الْكَرِيم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام

روى الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ من طَرِيق أبي النَّضر عَن سُلَيْمَان بن

ص: 70

الْمُغيرَة

أَن أَبَا مُسلم الْخَولَانِيّ جَاءَ إِلَى دجلة وَهِي ترمي بالخشب لشدَّة مرها فَمشى على المَاء وَتَبعهُ أَصْحَابه ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ هَل تَفْقِدُونَ من مَتَاعكُمْ شَيْئا فندعو الله أَن يردهُ

قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا إِسْنَاد صَحِيح

وَفِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر أَنه غزا أَرض الرّوم فَمروا بنهر وَقَالَ لأَصْحَابه أجيزوا بِسم الله وَمر بَين أَيْديهم فَمروا خَلفه على المَاء فَلم يبلغ من الدَّوَابّ إِلَّا إِلَى الركب

ص: 71

قَالَ فَلَمَّا جازوا قَالَ للنَّاس من ذهب لَهُ شَيْء فَأَنا ضَامِن لَهُ

قَالَ فَألْقى بَعضهم مخلاة عمدا فَلَمَّا جازوا قَالَ الرجل مخلاتي يَا أَبَا مُسلم وَقعت فِي النَّهر

فَقَالَ لَهُ اتبعني فَإِذا المخلاة تعلّقت بِبَعْض أَشجَار النَّهر قَالَ خُذْهَا

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق أُخْرَى

وَلابْن عَسَاكِر عَن حميد بن هِلَال الْعَدوي قَالَ حَدثنِي ابْن عمي قَالَ

خرجت مَعَ أبي مُسلم الْخَولَانِيّ فِي جَيش فأتينا على نهر عجاج مُنكر فَقُلْنَا لأهل الْقرْيَة أَيْن المخاضة فَقَالُوا مَا كَانَت هَهُنَا مخاضة قطّ وَلَكِن المخاضة أَسْفَل مِنْكُم على لَيْلَتَيْنِ

فَقَالَ أَبُو مُسلم اللَّهُمَّ أجزت بني إِسْرَائِيل الْبَحْر وَإِنَّا عِبَادك

ص: 72

فِي سَبِيلك فأجزنا هَذَا النَّهر الْيَوْم

ثمَّ قَالَ اعبروا بِسم الله

قَالَ ابْن عمي

وَأَنا على فرس فَقلت لأقذفنه أول النَّاس خلف أبي مُسلم قَالَ فوَاللَّه مَا بلغ المَاء بطُون الْخَيل حَتَّى عبر النَّاس كلهم

ثمَّ وقف فَقَالَ يَا معشر الْمُسلمين هَل ذهب لأحدكم شَيْء فأدعوا الله تَعَالَى يردهُ

قَالَ ابْن كثير

وَهَذِه مشابة لمعجزة نوح عليه السلام فِي مسيره من فَوق السَّفِينَة وبمعجزة مُوسَى عليه السلام فِي فلق الْبَحْر وَهَذِه فِيهَا مَا هُوَ أعجب من جِهَة مَسِيرهمْ على متن المَاء من غير

ص: 73

حَائِل وَمن جِهَة أَنه مَاء جَار فالمسير عَلَيْهِ أعجب من السّير على المَاء القار فَهَذَا خارق والخارق لَا فرق بَين أَن يكون فِي بَحر أَو نهر بل كَونه فِي نهر عجاج كالبرق الخاطف وَلم يصل إِلَى بطُون الْخَيل أعظم وأعجب

وَلَا شكّ أَن كرامات الْأَوْلِيَاء من جنس معجزات أَنْبِيَائهمْ فَمن طعن على الكرامات فقد طعن على المعجزات

وروى الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية والحافظ ابْن عَسَاكِر وَالْإِمَام ابْن الزملكاني والحافظ ابْن.

ص: 74

كثير وَغَيرهم عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش قَالَ حَدثنِي شُرَحْبِيل ابْن مُسلم الْخَولَانِيّ أَن الْأسود الْعَنسِي الْكذَّاب تنبأ بِالْيمن فَأرْسل إِلَى أبي مُسلم الْخَولَانِيّ فَأتى بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله

قَالَ مَا أسمع

ص: 75

قَالَ أَتَشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله

قَالَ نعم

فردد عَلَيْهِ ذَلِك مرَارًا وَهُوَ يجِيبه بِمَا ذكر ثمَّ أَمر بِنَار عَظِيمَة فأججت وَأُلْقِي فِيهَا أَبُو مُسلم فَلم تضره

فَقيل للأسود انفه من بلادك وَإِلَّا أفسد عَلَيْك من اتبعك فَأمره بِالْخرُوجِ من بِلَاده فارتحل أَبُو مُسلم فَأتى الْمَدِينَة وَقد قبض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَنَاخَ أَبُو مُسلم رَاحِلَته ثمَّ دخل الْمَسْجِد وَقَامَ يُصَلِّي إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد فَبَصر بِهِ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فَأَتَاهُ فَقَالَ مِمَّن الرجل

فَقَالَ من أهل الْيمن

فَقَالَ مَا فعل الرجل الَّذِي أحرقه الْكذَّاب بالنَّار

قَالَ ذَلِك عبد الله بن ثَوَاب

قَالَ أنْشدك الله أَنْت هُوَ

ص: 76

قَالَ اللَّهُمَّ نعم

فاعتنقه ثمَّ بَكَى وَذهب بِهِ حَتَّى أجلسه بَينه وَبَين أبي بكر الصّديق رضي الله عنه

وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي لم يُمِتْنِي حَتَّى أَرَانِي فِي أمة مُحَمَّد من فعل بِهِ كَمَا فعل بإبراهيم خَلِيل الرَّحْمَن

قَالَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَأَنا أدْركْت رجَالًا من الْيمن خولانيين يجتمون مَعَ العنسيين فَقَالَ الخولانيون للعنسيين صَاحبكُم الْكذَّاب أحرق صاحبنا بالنَّار فَلم تضره

وروى ابْن عَسَاكِر من غير وَجه بِسَنَدِهِ إِلَى أبي بشر جَعْفَر بن أبي وحشية أَن رجلا من خولان أسلم فأراده قومه على الْكفْر

ص: 77

فَأبى فألقوه فِي النَّار فَلم يَحْتَرِق مِنْهُ إِلَّا الْأُنْمُلَة لم يكن يُصِيبهَا الْوضُوء فَقدم على أبي بكر الصّديق رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ اسْتغْفر لي

فَقَالَ أَبُو بكر أَنْت أَحَق أَنْت ألقيت فِي النَّار فَلم تحترق فَاسْتَغْفر لَهُ

ثمَّ خرج إِلَى الشَّام وَكَانُوا يشبهونه بإبراهيم الْخَلِيل عليه السلام وَهَذَا الرجل هُوَ أَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ

وَهَذِه الرِّوَايَة تحقق أَنه إِنَّمَا نَالَ ذَلِك ببركة مُتَابَعَته الشَّرِيعَة المحمدية كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة حرم الله على النَّار أَن تَأْكُل مَوَاضِع السُّجُود

ص: 78

قَالَ ابْن كثير

وَقد وَقع لِأَحْمَد بن أبي الْحوَاري مَعَ شَيْخه أبي سُلَيْمَان الدارني رضي الله عنهما الْآتِي ذكرهمَا قَرِيبا قصَّة تشبه هَذِه وَكِلَاهُمَا سَاكن داريا كَمَا رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن أبي الْحوَاري بِسَنَدِهِ من غير وَجه

أَنه جَاءَ إِلَى أستاذه أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي يُعلمهُ أَن التَّنور قد سجروه وَأَهله ينتظرون مَا يَأْمُرهُم بِهِ فَوَجَدَهُ يكلم النَّاس وهم حوله فَأعلمهُ بذلك فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ واشتغل عَنهُ بِالنَّاسِ ثمَّ أعلمهُ ثَانِيًا فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ ثمَّ أعلمهُ ثَالِثا فَقَالَ لَهُ أَبُو سُلَيْمَان اذْهَبْ واجلس فِيهِ

واشتغل أَبُو سُلَيْمَان بِالنَّاسِ

فَذهب أَحْمد إِلَى التَّنور وَهُوَ يضطرم نَارا فَجَلَسَ فِيهِ فَكَانَ عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَمَا زَالَ جَالِسا

ص: 79

حَتَّى فرغ أَبُو سُلَيْمَان من كَلَامه فَقَالَ لمن حوله قومُوا بِنَا إِلَى أَحْمد فَإِنِّي أَظُنهُ قد ذهب إِلَى التَّنور فَجَلَسَ فِيهِ امتثالا لما أَمرته بِهِ فَذَهَبُوا فوجدوه جَالِسا فِيهِ فَأَخذه أبوسليمان بِيَدِهِ وَأخرجه رَضِي الله عَنْهُمَا

ص: 80

وَأما الشَّيْخ الْمَذْكُور الإِمَام قدوة السادات الصُّوفِيَّة صَاحب الكمالات السّنيَّة والمقامات الْعلية أَبُو سُلَيْمَان عبد الرحمن بن أَحْمد بن عَطِيَّة الدَّارَانِي نفعنا الله تَعَالَى بِهِ

فقد كَانَ الشَّيْخ الْمَذْكُور عنسي الْقَبِيلَة وَكَانَت وَفَاته سنة خمس عشرَة ومئتين من الْهِجْرَة رضي الله عنه وَكَانَ كَبِير الشَّأْن بَين مَشَايِخ الطَّرِيقَة آيَة فِي عُلُوم التصوف والحقيقة

قَالَ الإِمَام حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء عِنْد ذكر كَلَام أبي سُلَيْمَان على معنى بعض المقامات لله در هَذَا الإِمَام الْكَبِير الشَّأْن مَا تكلم على حَال أَو مقَام إِلَّا كَانَ كَلَامه من بَين أقرانه أنفس الْكَلَام موفيا بنهاية المرام

ص: 81

ولنذكر حِصَّة رائعة من كَلِمَاته الفائقة

قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى من لطائف المعاريض قَوْله تَعَالَى {أَلا لله الدّين الْخَالِص} الزمر 3 تهديد بلطف يَعْنِي أَنه تَعَالَى لَا يقبل إِلَّا الْخَالِص وَمَا لَيْسَ بخالص فَهُوَ لَيْسَ لَهُ كَمَا يُشِير إِلَيْهِ الحَدِيث الْقُدسِي

أَنا أغْنى الشَّرِيكَيْنِ

وَسبب تَوْبَته أَنه قَالَ رضي الله عنه اخْتلفت فِي أول أَمْرِي إِلَى مجْلِس قاص فأثر كَلَامه فِي قلبِي فَلَمَّا فارقته لم يبْق فِي قلبِي شَيْء من كَلَامه فعدت ثَانِيًا إِلَيْهِ فَسمِعت كَلَامه فَبَقيَ كَلَامه فِي قلبِي إِلَى بعض الطَّرِيق ثمَّ زَالَ عني ثمَّ عدت إِلَيْهِ ثَالِثا فَبَقيَ أثر

ص: 82

كَلَامه فِي قلبِي حَتَّى رجعت إِلَى منزلي وَكسرت آلَات المخالفات ولزمت الطَّرِيق

قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء قيل حكيت هَذِه لمَالِك بن دِينَار فَقَالَ عُصْفُور صَاد بازيا

وَسَأَلَهُ رجل عَن أقرب مَا يتَقرَّب بِهِ العَبْد إِلَى ربه فَقَالَ أَن يطلع على قَلْبك وَأَنت لَا تُرِيدُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة غَيره

وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى كل مَا يشغلك عَن الله تَعَالَى من أهل أَو مَال أَو ولد فَهُوَ عَلَيْك مشؤوم

وَقَالَ من أحسن فِي ليله كوفئ فِي نَهَاره وَمن أحسن فِي نَهَاره كوفئ فِي ليله

وَقَالَ اخْتلف الْمَشَايِخ فِي حَقِيقَة الزّهْد وَأَنا أَقُول إِن الزّهْد ترك مَا يشغلك عَن الله تَعَالَى

ص: 83

وَقَالَ تِلْمِيذه أَحْمد بن أبي الْحوَاري الْمُقدم ذكره دخلت يَوْمًا على أستاذي أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي وَهُوَ يبكي فَقلت لَهُ مَا يبكيك

فَقَالَ لي يَا أَحْمد لم لَا أبْكِي إِذا جن اللَّيْل وخلا كل حبيب بحبيبه وافترش أهل الْمحبَّة أَقْدَامهم وَجَرت دموعهم على خدودهم وأشرف الْجَلِيل سبحانه وتعالى فَنَادَى يَا جِبْرِيل بعيني من تلذذ بكلامي واستراح إِلَى ذكري وَإِنِّي المطلع عَلَيْهِم فِي خلواتهم أسمع أنينهم وَأرى بكاءهم فَلم لَا تنادي فيهم يَا جِبْرَائِيل مَا هَذَا الْبكاء هَل رَأَيْتُمْ حبيبا يعذب أحباءه أم كَيفَ يجمل بِي أَن آخذ قوما إِذا جنهم اللَّيْل تملقوني فَبِي حَلَفت إِذا وردوا على الْقِيَامَة لأكشفن لَهُم عَن وَجْهي حَتَّى ينْظرُوا إِلَيّ وَأنْظر إِلَيْهِم

(و) قَالَ لَو لم يبك الْعَاقِل فِيمَا بَقِي من عمره إلاعلى مَا فَاتَهُ من لَذَّة الطَّاعَة فِي عمره لَكَانَ يَكْفِيهِ أَن يبكيه ذَلِك حَتَّى يخرج من الدُّنْيَا

ص: 84

وَقَالَ من خطرت مِنْهُ الدُّنْيَا وَأَهْلهَا على بَال اضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ الْأَحْوَال وَمن ترك الدُّنْيَا للآخرة ربحهما وَمن ترك الْآخِرَة للدنيا خسرهما

وَقَالَ الدُّنْيَا تطلب الهارب مِنْهَا وتهرب من الطَّالِب لَهَا فَإِن أدكت الهارب مِنْهَا جرحته وَإِن أدْركهَا الطَّالِب لَهَا قتلته

وَقَالَ عودوا عيونكم الْبكاء وقلوبكم التفكر وَعَلمُوا النُّفُوس الرِّضَا بمجاري المقدورة فَنعم الْوَسِيلَة هُوَ إِلَى دَرَجَات الْمعرفَة

وَقَالَ لَو أَن الْمعرفَة نقشت على شَيْء لَكَانَ كل من نظر إِلَيْهَا مَاتَ من حسنها وجمالها ولأظلم كل ضوء فِي ضوئها

وَقَالَ لَا يَجِيء الوسواس إِلَّا فِي كل قلب عَامر

أَرَأَيْت السَّارِق قطّ يَأْتِي خربة ينقبها إِنَّمَا يَأْتِي إِلَى بَيت فِيهِ رزم

قَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ رحمه الله فِي الْأَذْكَار مَا نَصه

ص: 85

قَالَ السَّيِّد الْجَلِيل أَحْمد بن أبي الْحوَاري بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا

شَكَوْت إِلَى أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي الوسواس فَقَالَ

إِذا أردْت أَن يَنْقَطِع عَنْك فَأَي وَقت أحسست بِهِ فافرح فَإنَّك إِذا فرحت بِهِ انْقَطع عَنْك فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْء أبْغض إِلَى الشَّيْطَان من سرُور الْمُؤمن وَإِن اغتممت بِهِ زادك وسواسا

قلت وَهَذَا مِمَّا يُؤَيّد مَا قَالَه بعض الْأَئِمَّة

إِن الوسواس إِنَّمَا يبتلى بِهِ من كمل إيمَانه فَإِن اللص لَا يقْصد بَيْتا خربا

انْتهى مَا فِي الْأَذْكَار

فَائِدَة ذكر أَئِمَّتنَا فِي كتب الْفَتَاوَى إِذا خطر بِبَالِهِ أَنه كَافِر لِأَنَّهُ لايعرف الله تَعَالَى فَإِن صدق هَذَا الخاطر فَهُوَ كَافِر فَيجب عَلَيْهِ السَّعْي فِي إِزَالَة الشُّبْهَة وتجديد الْإِيمَان وَإِن أنكر ذَلِك بِقَلْبِه وتبرأ مِنْهُ فَهُوَ مَحْض الْإِيمَان وَكَذَا الحكم فِي مَا خطر بِبَالِهِ مِمَّا لَو تلفظ بِهِ كَانَ

ص: 86

كَافِرًا وَهَذَا من الْمُهِمَّات الَّتِي يجب حفظهَا وَالله أعلم

قلت يشْهد لذَلِك مَا ذكره أَئِمَّتنَا فِي كتب الفتاوي أَن وسواس الشَّيْطَان فِي صَلَاة الْإِنْسَان دَلِيل مَحْض الْإِيمَان

وَقَالَ لِأَحْمَد بن أبي الْحوَاري كن كوكبا بِاللَّيْلِ فَإِن لم تكن كوكبا فَكُن قمرا فَإِن لم تكن قمرا فَكُن شمسا

فَقلت يَا أَبَا سُلَيْمَان الشَّمْس أَضْوَأ من الْقَمَر وَالْقَمَر أَضْوَأ من الْكَوْكَب

ص: 87

فَقَالَ يَا أَحْمد كن مثل الْكَوْكَب يطلع من أول اللَّيْل إِلَى الْإِسْفَار فَقُمْ من أول اللَّيْل إِلَى آخِره فَإِن لم تقو على قيام اللَّيْل كُله فَكُن مثل الْقَمَر يطلع بَعْضًا ويغيب بَعْضًا فنم بعض اللَّيْل وقم بعضه فَإِن لم تقدر على قيام اللَّيْل فَلَا تعص الله تَعَالَى بِالنَّهَارِ وَإِذا فاتك شَيْء من تطوع اللَّيْل فاقضه بِالنَّهَارِ فَهُوَ أَجْدَر أَن لَا تعود إِلَى تَركه

وَقَالَ آخر أَقْدَام الزاهدين أول أَقْدَام المتوكلين

وَقَالَ لَيْسَ الزَّاهِد من ألْقى الهموم الدُّنْيَوِيَّة واستراح إِنَّمَا ذَلِك رَاحَة وَإِنَّمَا الزَّاهِد من زهد فِي الدُّنْيَا وتعب فِيهَا للآخرة

وَقَالَ إِذا أردْت قَضَاء حَاجَة مهمة من حاجات الدُّنْيَا فَلَا تَأْكُل حَتَّى تقضيها فَإِن الْأكل يُغير الْعقل

وَقَالَ اجْعَل مَا طلبت من الدُّنْيَا وَلم تظفر بِهِ بِمَنْزِلَة مَا لم يخْطر ببالك وَلم تطلبه

ص: 88

وَهَذَا كَمَا يحْكى أَنه قيل لبَعض السادات يَوْمًا إِن اللَّحْم قد غلا

فَقَالَ أرخصوه

أَرَادَ اتركوه فَلَا تشتروه

وَقَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري قلت لأبي سُلَيْمَان صليت صَلَاة فِي خلْوَة فَوجدت لَهَا لَذَّة

فَقَالَ لي وَأي شَيْء ألذك مِنْهَا

قلت حَيْثُ لم يرن أحد

فَقَالَ إِنَّك ضَعِيف حَيْثُ خطر ببالك ذكر الْخلق

قلت هَذَا يشبه قَول الفضيل بن عِيَاض رضي الله عنه ترك الْعَمَل لأجل النَّاس هُوَ الرِّيَاء وَالْعَمَل لأجل النَّاس هُوَ الشّرك

وَقَالَ كنت لَيْلَة بَارِدَة فِي الْمِحْرَاب فأقلقني الْبرد فأدخلت إِحْدَى يَدي من الْبرد وأبقيت الْأُخْرَى ممدودة فغلبتني عَيْنَايَ فَهَتَفَ

ص: 89

بِي هَاتِف يَا أَبَا سُلَيْمَان قد وَضعنَا فِي هَذِه مَا أصابهاولو كَانَت الْأُخْرَى لوضعنا فِيهَا فآليت على نَفسِي أَن لَا أَدْعُو إِلَّا ويداي خارجتان حرا كَانَ أَو بردا

وَقَالَ نمت لَيْلَة عَن وردي فَإِذا بحوراء لم أر أحسن مِنْهَا تَقول لي أتنام وَأَنا أربى لَك فِي الْخُدُور مُنْذُ خمس مئة عَام

وَقَالَ يَنْبَغِي للعاقل أَن لَا يعجب بِعَمَلِهِ بل يعد الْعَمَل نعْمَة من الله تَعَالَى وَإِنَّمَا السَّبِيل أَن يشْكر الله تَعَالَى ويتواضع وَإِنَّمَا يعجب بِعَمَلِهِ الْقَدَرِيَّة الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم يعْملُونَ وَأما من علم بِأَنَّهُ

ص: 90

يسْتَعْمل فَبِأَي شَيْء يعجب

وَقَالَ طُوبَى لمن لزم الجادة بالإنكماش والحذر وتخلص من الدُّنْيَا بالهرب كهروبه من السَّبع

طُوبَى لمن استحكم أُمُوره بالاقتصاد واعتقد الْخَيْر للمعاد وَجعل الدُّنْيَا مزرعة وتتوق فِي الْبذر ليفرح غَدا بالحصاد

وَقيل رأى رجلا من الصَّالِحين بِمَكَّة لَا يتَنَاوَل شَيْئا إِلَّا شربة من مَاء زَمْزَم وَبَقِي على ذَلِك أَيَّامًا فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ يَوْمًا أَرَأَيْت لَو غارت زَمْزَم مَاذَا كنت تشرب فَقَامَ الرجل وَقبل رَأس الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان وَقَالَ جَزَاك الله خيرا فَإِنِّي كنت أعبد زَمْزَم وَلَا أعلم

وَقَالَ إِن فِي الْجنَّة قيعانا فَإِذا أَخذ الذاكر فِي الذّكر أخذت الْمَلَائِكَة فِي غرس الْأَشْجَار لَهُ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث فَرُبمَا تقف

ص: 91

بعض الْمَلَائِكَة فِي الْغَرْس فَيُقَال لَهُ لم وقفت فَيَقُول إِن صَاحِبي فتر عَن الذّكر

وَقَالَ النَّاس فِي الدُّنْيَا رجلَانِ رجل أحب الله تَعَالَى فَأحب الْمَوْت شوقا إِلَى لِقَاء ربه

وَرجل أحب الْبَقَاء لإِقَامَة حق الله تَعَالَى عز وجل

قَالَ فَوَثَبَ غُلَام من الْحَاضِرين لم يَحْتَلِم فَقَالَ وَرجل ثَالِث

فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان وَمن هُوَ

قَالَ من لَا يخْتَار هَذَا وَلَا هَذَا بل اخْتَار مَا اخْتَارَهُ الله تَعَالَى لَهُ

فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان احتفظوا بالغلام فَإِنَّهُ صديق

قَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري قلت لأبي سُلَيْمَان إِن فلَانا لَا يَقع من قلبِي

فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان وَلَيْسَ يَقع من قلبِي وَلَكِن يَا أَحْمد لَعَلَّنَا أَتَيْنَا

ص: 92

من قبلنَا لأَنا لسنا من الصَّالِحين فلسنا نحبهمْ

قلت مَا أحسن حسن ظَنّه بِغَيْرِهِ وَسُوء ظَنّه بِنَفسِهِ وألطف تأديبه لتلميذه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

وَمثل ذَلِك مَا ذكره أَحْمد بن أبي الْحوَاري أَيْضا قَالَ حَدثنِي عبد الله بن السّري قَالَ قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين إِنِّي لأعرف الذَّنب الَّذِي حمل عَليّ الدّين حَتَّى قيل إِنَّه مَاتَ فِي الْحَبْس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقيل لَهُ مَا هُوَ

قَالَ إِنِّي قلت لرجل مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة يَا مُفلس

قَالَ أَحْمد فَحدثت بذلك أَبَا سُلَيْمَان الدَّارَانِي رضي الله عنه فَقَالَ

يَا أَحْمد قلت ذنوبهم فعرفوا من أَيْن يُؤْتونَ وَكَثُرت ذُنُوبِي

ص: 93

وذنوبك فَلَيْسَ نَدْرِي من أَيْن نؤتى

وَقَالَ أَحْمد قَالَ أَبُو سُلَيْمَان أَتَدْرِي مَا أَزَال عَن الْعَاقِل اللائمة عَمَّن أَسَاءَ إِلَيْهِ

قلت لَا

قَالَ لِأَنَّهُ علم أَن الله تَعَالَى عز وجل ابتلاه

قلت وَهَذَا مثل قَول ابْن عَطاء فِي الحكم ليخفف عَنْك ألم الْبلَاء علمك بِأَن الله تَعَالَى المبلي لَك

وَقَول الْقَائِل

(وخفف عني مَا أُلَاقِي من العنا

بأنك أَنْت المبتلي والمقدر)

ص: 94

وَقَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري اشْتهى أَبُو سُلَيْمَان رغيفا حارا بملح فَجئْت بِهِ إِلَيْهِ فعض مِنْهُ عضة ثمَّ طَرحه وَأَقْبل يبكي وَيَقُول يَا رب عجلت لي شهوتي لقد أطلت جهدي وشقوتي فَأَنا تائب فَأقبل تَوْبَتِي

قَالَ أَحْمد وَلم يذقْ الْملح حَتَّى لحق بِاللَّه تَعَالَى

وَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ يَا من لَا يأنس بِشَيْء أبقاه وَلَا يستوحش لشَيْء أفناه يَا أنيس كل غَرِيب ارْحَمْ فِي الْقَبْر غربتي وآنس فِيهِ وحشتي وَوحْدَتِي

وَهَهُنَا حَدِيث ذكره الْقُسْطَلَانِيّ سَيفي الْمَوَاهِب اللدنية

ص: 95

وَابْن خَمِيس فِي مَنَاقِب الْأَبْرَار والحافظ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة والحافظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ من حَدِيث أَحْمد بن أبي الْحوَاري فَقَالَ سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان الدَّارَانِي قَالَ حَدثنِي عَلْقَمَة ابْن يزِيد بن سُوَيْد الْأَزْدِيّ قَالَ حَدثنِي أبي عَن جدي قَالَ وفدت سَابِع سَبْعَة من قومِي على رَسُول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ وكلمناه أعجبه مَا رأى من سمتنا وزينا

فَقَالَ مَا أَنْتُم

قُلْنَا مُؤمنُونَ

فَتَبَسَّمَ عليه السلام وَقَالَ لكل قَول حَقِيقَة فَمَا حَقِيقَة قَوْلكُم وإيمانكم

قُلْنَا خمس عشرَة خصْلَة خمس مِنْهَا أمرتنا رسلك أَن نؤمن

ص: 96

بهَا وَخمْس أمرتنا أَن نعمل بهَا وَخمْس تخلقنا بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَنحْن عَلَيْهَا إِلَّا أَن تكره مِنْهَا شَيْئا

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَا الْخمس الَّتِي أَمرتكُم رُسُلِي أَن تؤمنوا بهَا

قُلْنَا أمرتنا أَن نؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله والبعث بعد الْمَوْت

قَالَ فَمَا الْخمس الَّتِي أَمرتكُم أَن تعملوا بهَا

قُلْنَا أمرتنا أَن نقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَنُقِيم الصَّلَاة ونؤتي الزَّكَاة ونصوم رَمَضَان ونحج الْبَيْت إِن استطعنا إِلَيْهِ سَبِيلا

قَالَ وَمَا الْخمس الَّتِي تخلقتم بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة

قُلْنَا الشُّكْر عِنْد الرخَاء وَالصَّبْر عِنْد الْبلَاء وَالرِّضَا بمر الْقَضَاء والصدق فِي مَوَاطِن اللِّقَاء وَترك الشماتة بالأعداء وَفِي رِوَايَة ابْن خَمِيس فِي الْخَامِسَة وَالْإِحْسَان إِلَى من أَسَاءَ

فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حكماء عُلَمَاء كَادُوا من فقههم أَن يَكُونُوا أَنْبيَاء

ثمَّ قَالَ وَأَنا أَزِيدكُم خمْسا فتتم لكم عشرُون خصْلَة وَفِي

ص: 97

رِوَايَة وَإِنِّي أوصيكم بِخمْس لتكمل لكم عشرُون خصْلَة إِن كُنْتُم كَمَا تَقولُونَ فَلَا تجمعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ وَلَا تبنوا مَا لَا تسكنون وَلَا تتنافسوا فِيمَا أَنْتُم عَنهُ غَدا زائلون وارغبوا فِيمَا عَلَيْهِ غَدا تقدمون وَفِيه تخلدون وَاتَّقوا الله الَّذِي إِلَيْهِ ترجعون

وَفِي رِوَايَة تحشرون وَعَلِيهِ تعرضون

قَالَ عَلْقَمَة فَانْصَرف الْقَوْم من عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد حفظوا وَصيته وَعمِلُوا بهَا وَلَا وَالله يَا أَبَا سُلَيْمَان مَا بَقِي من أَبنَاء أُولَئِكَ الْقَوْم غَيْرِي

ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اقبضني إِلَيْك غير مبدل وَلَا مغير

قَالَ أَبُو سُلَيْمَان فَمَاتَ وَالله بعد أَيَّام قَلَائِل

قلت وكلماته كَثِيرَة ومناقبه شهيرة ذكرهَا الإِمَام ابْن خَمِيس تلميذ الإِمَام الْغَزالِيّ فِي كتاب مَنَاقِب الْأَبْرَار ومحاسن الأخيار وَذكر

ص: 98

بَعْضهَا الإِمَام الْقشيرِي فِي الرسَالَة وَالْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء والسهروردي فِي عوارف المعارف وَغَيرهم رضي الله عنهم وَعنهُ وأرضاه

وَمِمَّنْ سكن داريا من الصَّحَابَة رضي الله عنهم بِلَال الحبشي رضي الله عنه مُؤذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

قيل إِنَّه مَاتَ بداريا بعد أَن تزوج امْرَأَة من أَهلهَا اسْمهَا هِنْد

ص: 99

الخولانية وَقيل ليلى وَكَانَت وَفَاته سنة عشْرين من الْهِجْرَة وعمره بضع وَسِتُّونَ سنة وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال من داريا وَدفن فِي بَاب الصَّغِير

وَقيل إِنَّه دفن بداريا فِي مَقْبرَة الْخَولَانِيّ

قَالَ ابْن كثير وَالظَّاهِر أَنه دفن بداريا وَأَن الْقَبْر الَّذِي بِبَاب الصَّغِير الَّذِي يُقَال لَهُ قبر بِلَال إِنَّمَا قبر بِلَال بن أبي الدَّرْدَاء

ص: 100

لَا قبر بِلَال بن حمامة مُؤذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالله أعلم

وَقَالَ النَّوَوِيّ الصَّحِيح أَنه دفن بِبَاب الصَّغِير

وَهَذَا بِلَال بن أبي الدَّرْدَاء كَانَ وَالِي إمرة دمشق ثمَّ ولي الْقَضَاء بهَا وَكَانَ حسن السِّيرَة كثير الْعِبَادَة وعزله عبد الملك بن مَرْوَان عَن الْقَضَاء وَولى أَبَا إِدْرِيس الْخَولَانِيّ وَهُوَ القَاضِي الْمَشْهُور للأمويين كَمَا سَيَأْتِي

وسكنها أَبُو ثَعْلَبَة الْخُشَنِي الصَّحَابِيّ

ص: 101

أَيْضا رضي الله عنه

وَمِمَّنْ سكنها من التَّابِعين رَحِمهم الله تَعَالَى ثَابت بن معبد الْمحَاربي وَأَخُوهُ عَطِيَّة روى عَنْهُمَا شيخ أهل الشَّام الْمُجْتَهد عبد الرحمن الأوزعي رضي الله عنهم

وَمِنْهُم الْأسود بن بِلَال الْمحَاربي التَّابِعِيّ وَسَعِيد بن عِكْرِمَة الْخَولَانِيّ كَانَ على حرس عمر بن عبد العزيز رَضِي الله عَنهُ

ص: 102

وَعَمْرو بن عبد الْخَولَانِيّ تزوج بِزَوْجَة أبي مُسلم الْخَولَانِيّ بعده فَسُئِلت أَيهمَا أفضل فَقَالَت أما أَبُو مُسلم فَلم يكن يسْأَل الله تَعَالَى شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ وَأما عَمْرو فَكَانَ ينور لَهُ فِي محرابه حَتَّى كنت أغزل على نور محرابه من غير مِصْبَاح رضي الله عنهما

وَمِنْهُم أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ واعظ دمشق وقاضيها من قبل الأمويين وَهُوَ من خِيَار التَّابِعين

ص: 103

روى عَن معَاذ بن جبل وَكثير من الصَّحَابَة وروى عَنهُ

ص: 104

الزُّهْرِيّ وَأَبُو قلَابَة وَغَيرهمَا من التَّابِعين وَكَانَت لَهُ منزلَة عَظِيمَة عِنْد عبد الملك بن مَرْوَان يُقَال إِنَّه عَزله عَن الْوَعْظ وولاه الْقَضَاء بعد بِلَال بن أبي الدَّرْدَاء كَمَا تقدم

فَقَالَ عزلونا عَمَّا نحب وولونا مَا نكره رَحمَه الله تَعَالَى

قلت وَسكن داريا خلائق من التَّابِعين وَجُمْلَة من الْعلمَاء والمحدثين بداريا وَقد رَأَيْت مؤلفا مُفردا فِي أَسمَاء الْمُحدثين بداريا

ص: 105

وَرَأَيْت جُزْءا فِي الْأَحَادِيث الَّتِي رويت عِنْد ضريح أبي مُسلم الْخَولَانِيّ رضي الله عنه ونفعنا بِهِ آمين

وَقد نقلت مِنْهَا سَبْعَة أَحَادِيث جَعلتهَا لهَذَا الْمُؤلف مسك الختام تبركا بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم

الحَدِيث الأول رَوَاهُ الشَّيْخ الْمسند بدر الدّين حُسَيْن الماتاني بداريا عِنْد ضريح سيدنَا أبي مُسلم الْخَولَانِيّ بِسَنَدِهِ الْمُتَّصِل إِلَى مَالك بن أَوْس قَالَ

أَتَى الْعَبَّاس وَعلي أَبَا بكر الصّديق رضي الله عنهم لما

ص: 106

اسْتخْلف فجَاء عَليّ يطْلب نصيب فَاطِمَة رضي الله عنها وَجَاء الْعَبَّاس يطْلب نصِيبه مِمَّا كَانَ فِي يَد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ فِي يَده نصف خَيْبَر ثَمَانِيَة عشر سَهْما وَكَانَت سِتَّة وَثَلَاثِينَ سَهْما وَأَرْض بني قُرَيْظَة وفدك

فَقَالَا ادفعها إِلَيْنَا فَإِنَّهَا كَانَت فِي يَد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

فَقَالَ لَهما أَبُو بكر لَا أرى ذَلِك إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء مَا نورث مَا تركنَا فَهُوَ صَدَقَة

فَقَامَ قوم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَشَهِدُوا بذلك

قَالَا فدعها تكون فِي أَيْدِينَا تجْرِي على مَا كَانَت فِي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 107

الحَدِيث الثَّانِي رَوَاهُ الشَّيْخ جمال الدّين عبد الهادي عِنْد ضريح أبي مُسلم بِسَنَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول

لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا بلَاء وفتنة

الحَدِيث الثَّالِث رَوَاهُ أَبُو المحاسن يُوسُف الْعمريّ بداريا عِنْد

ص: 108