المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدليل من السنة النبوية على أن السنة وحي: - السنة النبوية وحي - أبو لبابة بن الطاهر حسين

[أبو لبابة بن الطاهر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌هل كلّ السنّة وحي

- ‌ما الوحي

- ‌أقسام الوحي

- ‌الضرب الأول: الوحي

- ‌الضرب الثانيّ: الكلام من وراء حجاب:

- ‌الضرب الثالث: الوحي بواسطة الملك رسول الوحي:

- ‌وحي الأنبياء لا تباين فيه:

- ‌هل يكون الوحي للأنبياء فقط

- ‌ظاهرة الوحي وإمكان وقوعها:

- ‌الدليل من القرآن الكريم على أن السنة وحي:

- ‌الدليل من السنّة النبويّة على أنّ السنّة وحي:

- ‌إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيبيات وتحقق وقوعها يدل على أن السنة وحي

- ‌سراقة يلبس سواري كسرى

- ‌ فتح بلاد كسرى وهرقل واليمن

- ‌ المسلمون يركبون البحر للفتح

- ‌ ومن الفتوح التي أخبر بوقوعها وتحقّقت فتح القسطنطينيّة

- ‌ وممّا أخبر عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم وتحقّق "افتراق الأمّة " بفعل الأهواء

- ‌ وممّا أخبر بوقوعه من الغيبيّات خروج متنبّئين كذّابين

- ‌ نعي أمراء مؤتة الثلاثة قبل وصول خبرهم إلى المدينة

- ‌ كشف خبر الخطاب السرّي الذي أرسله حاطب إلى قريش

- ‌ استحلال الزنى والخمر والمعازف

- ‌ أرض العرب تعود كما كانت مروجا وأنهارا

- ‌الإعجاز العلمي الوارد في السنة النبوية يدل على أنها وحي

- ‌الجسد يبلى ماعدا عجب الذنب

- ‌ متى ينجب الزوجان ذكراً ومتى ينجبان أنثى

- ‌ الحمَّى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء، ولا تسبّوها فإنّها تنقّي الذنوب

- ‌ إذا وقع الذباب في شراب أحدكم

- ‌ الاحتراس من الأوبئة بالتزام قواعد حفظ الصحة:

- ‌هل وجود أحاديث محمولة على غير محاملها ينقض القول بأنّ السنّة وحي

- ‌هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنّة

- ‌الخاتمة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الدليل من السنة النبوية على أن السنة وحي:

إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:105] .

ذهب الداودي إلى أن عبارة "بما أراك الله" ليست محصورة في المنصوص وإنّما فيها إذن في القول بالرأي من قياس واجتهاد، خلافاً لما ذهب إليه الإمام البخاري من أنّ كل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وحكم به بين الناس إنّما صدر فيه عن الوحي، وقد ترجم لهذا المعنى في صحيحه بقوله:". . . ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى: "بما أراك الله" (1) .

ولكن إذا علمنا أنّ الله لا يقرّ نبيّه على خطأ تبيّن لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يحكم بين الناس إنّما يحكم بما ورد في القرآن ممّا نصّ عليه فيه من أحكام، كما يحكم بينهم بما علّمه الله وأراه أي بسنّته فيكون في حكمه مستنداً إلى القرآن والسنة وكلّ منهما ممّا نزّله الله عليه وعلّمه حقائقه وعرّفه حدوده، فهما وحي بلا جدال.

(1) صحيح البخاري - الاعتصام - الباب 8 - باب ما كان النبي (يُسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي - فتح الباري 13/3030.

ص: 22

‌الدليل من السنّة النبويّة على أنّ السنّة وحي:

ذكر الإمام الشافعيّ "أنّ حجّة من قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يسنّ شيئا إلا بأمر الله على وجهين:

- إمّا بوحي يتلى على الناس وهو القرآن الكريم.

- وإمّا برسالة عن الله أن افعل " (1) ، ويريد الإمام بقوله: "رسالة عن

(1) انظر فتح الباري 13/305.

ص: 22

الله"ما يقابل الوحي المتلوّ، وهو الوحي غير المتلوّ أي السنّة النبويّة.

وما قاله الإمام الشافعيّ جاء مصداقا لكثير من الأحاديث ووقائع السنّة منها:

1-

حديث المقدام بن معديكرب يرفعه: "ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا الكتاب فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه. . "(1) وجاء في نهاية الحديث في رواية أخرى: "ألا وإنّ ما حرّم رسول الله كما حرّم الله"(2)، وروى أبو داود في مراسيله عن مكحول الشاميّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آتاني الله القرآن ومن الحكمة مثليه".

وعبارة "الكتاب" الواردة في الحديث واضحة، يراد بها القرآن الكريم، وهو الوحي الظاهر الجليّ المتلوّ، وأمّا قوله:"ومثله معه" فذهب العلماء إلى أنّ المراد بها الوحي غير المتلوّ، وهو السنّة بكلّ ما تعنيه من بيان شامل للكتاب وتشريع مستقلّ عنه.

ومثليّة السنّة للقرآن تتحقّق في أمرين: في النوع وفي الحكم:

- أمّا النوع فيعني أنّ كلاً من القرآن والسنّة وحي من الله، وأمّا الحكم فيعني وجوب العمل بهما جميعا (3) .

(1) سنن أبي داود - كتاب السنّة - باب في لزوم السنّة 5/10 حديث 4604 - نحوه سنن ابن ماجه - المقدّمة - باب تعظيم حديث رسول الله. . 1/6 حديث 12 - سنن الترمذي - العلم - باب ما نهي عنه، أن يقال عند حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم 5/38 حديث 2664 - عون المعبود 12/354 حديث4580.

(2)

الحديث والمحدّثون 11.

(3)

انظر معالم السنن لأبي سليمان الخطّابيّ - 4/298 (ط2 -1401هـ /1981م- منشورات المكتبة العلميّة - بيروت - لبنان) .

ص: 23

2-

ومن أوضح ما يثبت أنّ السنّة وحي ما أثر عن حسّان بن عطيّة أحد ثقات التابعين الشاميّين قوله: "كان جبريل ينزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن"(1) وفي رواية إضافة قوله: "ويعلّمه إيّاها كما يعلّمه القرآن"(2)، يؤيّد هذا ما رواه البخاريّ في صحيحه بسنده إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال سمعت النبيّ بوادي العقيق يقول:"أتاني الليلة آت من ربّي فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجّة"(3) . ومن هذا القبيل قوله: "إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لن تموت نفس حتّى تستوفي رزقها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب"(4) .

فهذه الأحاديث صريحة في أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقّى السنّة من الله سواء كان ذلك بوحي جليّ بواسطة جبريل وفي حال اليقظة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"أتاني آت"، أو بوحي خفيّ أي بإلهام أو نفث في الروع أو بالرؤيا في المنام، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"إنّ الروح الأمين نفث في روعي"، وهي تصدّق قول التابعيّ الجليل حسّان بن عطيّة:"إنّ جبريل كان ينزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن" وهي واضحة الدلالة على أن السنّة وحي

(1) فتح الباري 13/305 - سنن الدارميّ - المقدّمة - باب السنّة قاضية على كتاب الله 1/117 حديث 594.

(2)

تحفة الأشراف 13/ 161 الحديث 18490.

(3)

صحيح البخاريّ - الحجّ - باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "العقيق واد مبارك" - فتح الباري 3/458 حديث 1534. والاعتصام - باب ما ذكر النبيّ وحضّ على اتفاق أهل العلم - فتح الباري13/315 حديث 7322. سنن أبي داود - مناسك - باب في الإقران 2/394 حديث 1800 - سنن ابن ماجه - المناسك - باب التمتّع بالعمرة إلى الحجّ 2/991 حديث 2976.

(4)

محاضرات في علوم الحديث - مصطفى أمين التازيّ 1/99 (ط3 -1391هـ /1971م - مطبعة دار التأليف بمصر) . ونحوه في سنن ابن ماجه [بدون ذكر: إنّ الروح الأمين نفث في روعي]- التجارات- باب الاقتصاد في طلب المعيشة2/725 حديث 2144.

ص: 24

من الله تعالى.

3-

وممّا يثبت أنّ السنّة وحي ما أخرجه الإمام الشافعيّ من طريق التابعيّ الكبير طاوس بن كيسان "أنّ عنده كتابا في العقول نزل به الوحي"(1) . وإذا علمنا أنّ الديّات ممّا حدّدته وفصّلت معالمه السنّة أدركنا أنّ كلّ ذلك وحي نزل على قلب الرسول وجرى به لسانه. وكذلك أنصبة الزكاة وبيان مقاديرها المخرّجة وأنواعها وأجناسها وتفصيلاتها المبسوطة في كتب الزكاة والصدقة، فهي وإن بدت من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا أنها في الحقيقة أمر أمر الله به نبيّه عليه الصلاة والسلام. مصداق ذلك ما رواه البخاريّ بسنده الصحيح إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ أبا بكر كتب له هذا الكتاب لمّا وجّهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله. "(2) .

فقول أبي بكر رضي الله عنه: "هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أمر الله بها رسوله. " يبيّن بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ ما يتعلّق بركن الزكاة والصدقات إنّما هو وحي من الله عبّر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ببيانه الآسر، ويقاس على الزكاة بقيّة الأركان، وغيرها ممّا تناولته السنة بالبيان.

4-

ومن الأدلّة التي ساقها العلماء على أنّ السنّة وحي كالقرآن قصّة العسيف (3) ، فقد روى البخاريّ بسنده الصحيح إلى أبي هريرة وزيد بن

(1) فتح الباري13/305.

(2)

صحيح البخاريّ - الزكاة - باب زكاة الغنم - فتح الباري 3/371 - 372 الحديث 1454.

(3)

العسيف بمهملتين: الأجير وزناً ومعنىً، والجمع عسفاء كأجراء، ويطلق على الخادم وعلى العبد، وسمّي الأجير عسيفا لكون المستأجر يعسفه في العمل أي يجور عليه في العمل، أو لكون الأجير يعسف الأرض بالتردّد عليها. (فتح الباري 12/142 - 143) .

ص: 25

خالد قالا: كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقام رجل [وهو زوج المرأة وكان أعرابياًّ] فقال: أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله!!. فقام خصمه [وهو والد العسيف] وكان أفقه منه فقال: "اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، قال "قل! " قال: إنّ ابني هذا كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم. ثمّ سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أنّ على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم. فقال النبيّ: "والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله جلّ ذكره، المائة شاة والخادم ردّ وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" (1) .

والشاهد هنا هو قوله: "لأقضينّ بينكما بكتاب الله" وقضى بجلد البكر مائة وتغريب عام، وبرجم المحصنة، وكلّ من التغريب والرجم قضت بهما السنّة، ولم يرد لهما ذكر في الكتاب إلا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عبّر عن هذين الحكمين اللذين تفرّدت بهما السنة "بالكتاب"، وهذا دليل صريح على أنّ السنّة وحي كالكتاب، وعلى أنّ الكتاب أعمّ من القرآن، وأنّ المراد به "الشرع" سواء كان كتابا أو سنّة.

- وفي المضمار نفسه شرح أبوبكر البيهقيّ من علماء القرن الخامس الهجري [ت458هـ] عبارة "الكتاب" الواردة في قول الرسول: " إنّي لا أحلّ إلا ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرّم إلا ما حرّم الله في كتابه" بالوحي سواء كان وحيا متلوّا وهو القرآن، أو غير متلوّ وهو السنّة النبويّة (2) .

(1) صحيح البخاريّ - الحدود - باب الاعتراف بالزنى - فتح الباري 12/140 حديث 6827.

(2)

انظر السنّة ومكانتها في التشريع الإسلاميّ 155.

ص: 26

5-

ومن الأدلّة على أنّ السنّة وحي ما جاء على لسان معاذ بن جبل رضي الله عنه في حكم المرتدّ المغيّر لدينه المفارق للجماعة الذي قضت السنّة بقتله (1) بعد استتابته حماية لأمن المجتمع المسلم، من أنّه قضاء الله ورسوله، أي أنّه حكم وإن صدر على لسان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إلا أنّه في الحقيقة وحي أنزله الله على قلب نبيّه صلى الله عليه وسلم. روى البخاريّ بسنده إلى أبي موسى الأشعريّ أنّ معاذ بن جبل حين قدم عليه باليمن، وجد عنده رجلا موثّقا فقال: ما هذا؟ قال [أبوموسى] : كان يهوديّا فأسلم ثمّ تهوّد!: قال: اجلس! قال [معاذ] : لا أجلس حتّى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرّات، فأمر به، فقتل (2) .

فوصف معاذ رضي الله عنه قتل المرتدّ الذي قضى به الرسول بأنّه "قضاء الله ورسوله"، يدلّ على أنّه موحى به من الله تعالى.

6-

ومن الأدلّة الواضحة على أنّ السنّة وحي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عمرو بن العاص حين اشتكته قريش التي نهته عن كتابة الحديث بوصف النبيّ صلى الله عليه وسلم بشرا يتكلّم في الغضب والرضا: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه [وقد أومأ بأصبعه إلى فيه] إلا حقّ"(3) ، لأنه يصدر -فيما

(1) يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "من بدّل دينه فاقتلوه" - الموطّأ - الأقضية - باب القضاء فيمن ارتدّ عن الإسلام 458 - صحيح البخاريّ - الجهاد - باب لا يعذّب بعذاب الله - فتح الباريّ 6/173 حديث 3017، والاستتابة - باب حكم المرتدّ - فتح الباري 12/ 279 حديث 6922 - سنن الترمذيّ - الحدود - باب ما جاء في المرتدّ 4/59 - سنن النسائيّ - تحريم الدم - باب الحكم في المرتدّ 7/104.

(2)

صحيح البخاريّ - استتابة المرتدّين والمعاندين - باب حكم المرتدّ والمرتدّة - فتح الباري 12/280 حديث 6923.

(3)

سنن الدارميّ - باب من رخّص في كتاب العلم 1/125 - مسند أحمد 2/162، 192. - جامع بيان العلم وفضله 1/71.

ص: 27

يقول- عن الوحي الذي لا ينطق عن الهوى.

7-

ومن أوضح الأدلّة على أنّ سنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم وحي أنه عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يسأل عن الشيء الذي لم ينزل عليه فيه وحي، فيسكت أو يقول لا أدري حتّى يأتيه بيان ذلك بالوحي، وكثيرا ما تنزل به النوازل فلا يفتي حتّى يريه الله الجواب والفتوى، حتّى إنّ البخاريّ ترجم لهذا المعنى في جامعه الصحيح بقوله:"باب ما كان النبيّ يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي فيقول: "لا أدري، أو لم يجب حتّى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا قياس، لقوله تعالى:"بما أراك الله"(1) :

أ - من ذلك سؤال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "يا رسول الله! كيف أقضي في مالي؟ كيف أصنع في مالي؟ "، قال جابر:"فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث"(2) .

ب - وكذلك سؤال أحد المعتمرين -وكان يلبس جبّة وعليه أثر الخلوق- النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمّخ بطيب؟ فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي. . . ثمّ سرّي عنه فقال:"أين الذي سأل عن العمرة؟ " فأتي بالرجل. فقال: "اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرّات، وانزع عنك الجبّة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك"(3) .

(1) الاعتصام - الباب الثامن - فتح الباري 13/303.

(2)

صحيح البخاريّ - الاعتصام - باب ما كان النبيّ يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي - فتح الباري 13/303 حديث 7309.

(3)

صحيح البخاريّ - الحجّ - باب غسل الخلوق ثلاث مرّات من الثياب - فتح الباري 3/460 حديث 1536 - العمرة - باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحجّ - فتح الباري 3/718 حديث 1789 - صحيح مسلم - الحجّ - باب ما يباح للمحرم بحجّ أو عمرة 1/836 حديث1180 - سنن أبي داود - المناسك - باب الرجل يحرم في ثيابه 5/407 - 408 حديث 1819.

ص: 28

ج - وقد يسأل عن قضايا غيبيّة ممّا استأثر الله بعلمها كالروح والساعة، فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي بالجواب:

- من ذلك ما رواه البخاريّ في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود: "أنّ يهوديّا سأل الرسول فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت. فقلت: إنّه يوحى إليه. . . فلمّا انجلى عنه، فقال:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} [الإسراء:85](1) .

- وسأله جبريل عليه السلام عن الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، أي أنّه أخبره أن ليس عنده من ذلك علم (2) . كما سأله رجل عن الساعة فأجابه بمثل جوابه جبريل عليه السلام (3) .

د- وسئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحمر؟ فقال "لم ينزل عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذّة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] "(4) .

ويشرح ابن التين الصفاقسيّ [ت611هـ] المراد من الاستشهاد في هذا

(1) العلم - باب قول الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} - فتح الباري 1/240 حديث 125.

(2)

الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبيّ 1/44 - (ط3 - 1417هـ/1997م - دار المعرفة - بيروت) .

(3)

صحيح البخاريّ - الإيمان - باب سؤال جبريل النبي - فتح الباري 1/140 حديث 50.

(4)

صحيح البخاريّ - التفسير - باب من يعمل مثقال ذرّة - فتح الباري 8/598 حديث 4963 - الجهاد - باب الخيل لثلاثة - فتح الباري 6/75 حديث 2860. والآية جامعة لشمولها جميع الأنواع من طاعة ومعصية. وفاذة لانفرادها في معناها.

ص: 29

المقام بهذه الآية فيقول: "دلّت على أنّ من عمل في اقتناء الحمير طاعة، رأى ثواب ذلك، وإن عمل معصية رأى عقاب ذلك"(1) .

فالرسول عليه الصلاة والسلام متقيّد بالوحي يجيب ويفتي بما يريه الله، فلا يتعجّل جوابا مهما كانت المسألة خطيرة ومستعجلة، ومن أجلى الدلالات على صدق هذا القول "حادثة الإفك" التي نال المنافقون فيها من عرض النبيّ صلى الله عليه وسلم وسرحوا ومرحوا دون أن يزعهم وازع، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يستطع أن ينهي افتراءاتهم وتخرّصاتهم حتّى نزل الوحي بعد شهر كامل ببراءة السيّدة الطاهرة البريئة المبرّأة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

(1) فتح الباري 6/77.

ص: 30