الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى البخاريّ من حديث عائشة رضي الله عنها: "كان أوّل ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم [من الوحي] الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"(1) .
(1) صحيح البخاريّ - التفسير - الحديث4953.
الضرب الثانيّ: الكلام من وراء حجاب:
أي أنّ الله يكلّم النبيّ فيسمعه دون معاينة:
ـ مثلما حصل لموسى عليه السلام في بدء رسالته بجبل الطور {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي َأنَا َربُّكَ َفاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ِإنَّكَ ِبالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ُطوًى} [طه:9-12] . وكما جاء ذلك في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ ِ إلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] .
ـ وكما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فقد كلّمه ربّه وفرض الصلاة عليه وعلى أمّته وراجع عليه الصلاة والسلام ربّه فيها على ما صرّحت به الأحاديث الصحيحة (1) .
(1) الحديث والمحدثون 12- 13.
الضرب الثالث: الوحي بواسطة الملك رسول الوحي:
أي أنّ الله تعالى يرسل ملكاً - وملك الوحي هو جبريل عليه السلام فيبلِّغ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يريد الله أن يبلّغه إليه، وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم: "كان
الوحي يأتيني به جبريل فيلقيه عليّ كما يلقي الرجل على الرجل فذاك ينفلت منّي، ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس، حتى يخالط قلبي فذاك الذي لا ينفلت مني" (1) .
وهذا الملك تارة يراه النبي صلى الله عليه وسلم فيكون رسولاً مُشاهَداً تُرى ذاتُهُ ويُسْمَعُ كلامُهُ، وتارة لا يراه:
1-
ففي حالة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ملك الوحي وهو يلقي عليه الوحي:
أ- قد يراه على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح، وهذا نادر، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة مرفوعاً:"لم أرَه - يعني جبريل - على صورته التي خلق عليها إلا مرتين"(2)، وحدّدت السيدة عائشة رضي الله عنها هاتين المرّتين بقولها:"مرّة عند سدرة المنتهى، ومرّة عند أجياد".
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "جاورت في حراء فلمّا قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض"(3)، وفي رواية:"على كرسيّ بين السماء والأرض وقد سدّ الأفق".
ب- وقد يراه متمثّلاً في صورة بشر في شكل أعرابيّ أو غيره، وكثيراً ما كان يتقمّص صورة دحية الكلبي الصحابي الجليل الوسيم رضي الله عنه.
2-
وفي حالة عدم رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم الملك وهو يوحي إليه ويبلّغه كلام
(1) فتح الباري 1/27.
(2)
فتح الباري 1/32.
(3)
البخاري - التفسير - باب وربّك فكبّر - فتح الباري 8/547 الحديث رقم 4924 و 8/586 الحديث رقم 4925 - وانظر بدء الوحي فتح الباري 1/37 الحديث رقم 4.
ربّه، فإنّه عليه الصلاة والسلام يسمع عند قدومه:
أ- دوياً كدويّ النحل، كما جاء ذلك في حديث عمر رضي الله عنه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحيُ يُسْمَعُ عند وجهِهِ كدويّ النحل"(1) .
ب - أو صلصلة شديدة كصلصلة الجرس: أي أنّه صلى الله عليه وسلم يسمع حسيساً كصوت وقوع الحديد بعضه على بعض. جاء في حديث عائشة أم المؤمنين أنّ الحارث بن هشام المخزومي رضي الله عنهم شقيق أبي جهل وكان من فضلاء الصحابة رضي الله عنهم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ فيفصم عنّي وقد وعيْتُ عنه ما قال، وأحياناً يتمثّل لي الملك رجلاً فيكلّمني فأعي ما يقول"(2) .
ودويّ النحل لا يعارض صلصلة الجرس لأنّ سماع الدويّ بالنسبة إلى الحاضرين السامعين -كما في حديث عمر الآنف- أمّا الصلصلة فبالنسبة إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي شبَّه صوت الوحي بصلصلة الجرس.
ثم إنّ كلاً من الدويّ والصلصة إنّما يعلم كنههما ومصدرهما الله تعالى إلا أنّ آثارهما تبدو واضحة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أنّ حالة روحيّة غير عادية تعتريه لا يدرك الحاضرون إلا أماراتها الظاهرة كثقل بدنه وتفصّد
(1) الحديث والمحدثون 13.
(2)
صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي - الباب الثاني- الحديث رقم2 فتح الباري 1/25-26.
جبينه عرقاً (1) ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعالج من التنزيل شدة، كما جاء ذلك في حديث ابن عباس (2) وقد علّل بعضهم هذه الشدة بقوله:"ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع"(3) والحقيقة هي أنّ الوحي ثقيل يقول تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا لْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ للَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، فإذا تصدّع الجبل فكيف ببدن ضعيف؟! تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما يلقاه من الشدة عند نزول الوحي:"ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد عرقاً"(4) .
(1) الحديث والمحدثون 13.
(2)
انظر فتح الباري 1/28.
(3)
انظر فتح الباري 1/28.
(4)
البخاري - كتاب بدء الوحي - الباب2- الحديث عدد2- فتح الباري 1/25 - 26.