المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول - السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون - جـ ١

[نور الدين الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌تقديم

- ‌[المقدّمة]

- ‌باب: نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: تزويج عبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم آمنة أمه صلى الله عليه وسلم وحفر زمزم وما يتعلق بذلك

- ‌باب ذكر حمل أمه به صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين

- ‌باب وفاة والده صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر مولده صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم

- ‌باب: تسميته صلى الله عليه وسلم محمدا وأحمدا

- ‌باب ذكر رضاعه صلى الله عليه وسلم وما اتصل به

- ‌باب: وفاة أمه صلى الله عليه وسلم وحضانة أم أيمن له وكفالة جده عبد المطلب له

- ‌باب: وفاة عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب له صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: ذكر سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام

- ‌باب: ما حفظه الله تعالى به في صغره صلى الله عليه وسلم من أمر الجاهلية

- ‌باب: رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم

- ‌باب: حضوره صلى الله عليه وسلم حرب الفجار

- ‌باب: شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌باب: سفره صلى الله عليه وسلم إلى الشام ثانيا

- ‌باب: تزوجه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ابن أسد بن عبد العزى بن قصيّ

- ‌باب: بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌باب: ما جاء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحبار اليهود وعن الرهبان من النصارى وعن الكهان من العرب على ألسنة الجان وعلى غير ألسنتهم، وما سمع من الهواتف ومن بعض الوحوش ومن بعض الأشجار، وطرد الشياطين من استراق السمع عند مبعثه بكثرة

- ‌باب: سلام الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه

- ‌باب: بيان حين المبعث وعموم بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: بدء الوحي له صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: ذكر وضوئه وصلاته صلى الله عليه وسلم أول البعثة

- ‌باب: ذكر أول الناس إيمانا به صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: استخفائه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله تعالى عنهما ودعائه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام جهرة وكلام قريش لأبي طالب في أن يخلي بينهم وبينه، وما لقي هو وأصحابه من الأذى وإسلام عمه حمزة رضي الله تعالى

- ‌باب: عرض قريش عليه صلى الله عليه وسلم أشياء من خوارق العادات وغير العادات ليكف عنهم لما رأوا المسلمين يزيدون ويكثرون، وسؤالهم له أشياء من خوارق العادات معينات وغير معينات، وبعثهم إلى أحبار يهود بالمدينة يسألونهم عن صفة النبي صلى الله عليه و

- ‌باب الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين إلى مكة وإسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه

- ‌باب: اجتماع المشركين على منابذة بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف وكتابة الصحيفة

- ‌باب الهجرة الثانية إلى الحبشة

- ‌باب ذكر خبر وفد نجران

- ‌باب ذكر وفاة عمه أبي طالب، وزوجته صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله تعالى عنها

- ‌باب ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌باب ذكر خبر الطفيل بن عمرو الدوسي وإسلامه رضي الله تعالى عنه

- ‌باب ذكر الإسراء والمعراج وفرض الصلوات الخمس

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌باب: شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

وقد يقال: على تقدير صحة هذه الرواية دماء بردت التزمت أن تديها فكان انقضاؤها على يد عتبة بن ربيعة وهو ممن قتل كافرا ببدر، وهو أبو هند زوج أبي سفيان أم معاوية رضي الله عنها وعن زوجها وولدها المذكور.

وكان يقال لم يسد مملق: أي فقير إلا عتبة بن ربيعة وأبو طالب، فإنهما سادا بغير مال: أي وفي كلام بعضهم: ساد عتبة بن ربيعة، وأبو طالب وكانا أفلس من أبي المزلق وهو رجل من بني عبد شمس لم يكن يجد مؤنة ليلته وكذا أبوه وجده وأبو جده وجد جده كلهم يعرفون بالإفلاس.

هذا والذي في الوفاء الاقتصار على أن حرب الفجار كان مرتين: المرة الأولى كانت المحاربة فيه ثلاث مرات. المرة الأولى سببها قضية بدر بن معشر الغفاري.

والمرة الثانية كان سببها قضية المرأة، والثالثة سببها قضية الدين ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرات، وأما المرأة الثانية فكانت بين هوازن وكنانة، وقد حضرها صلى الله عليه وسلم، وقد يقال لا خلاف في المعنى.

‌باب: شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

وهو أشرف حلف في العرب. والحلف في الأصل: اليمين والعهد؟ وسمي العهد حلفا لأنهم يحلفون عند عقده، وكان عند منصرف قريش من حرب الفجار، لأن حرب الفجار كان في شوال: أي وقيل في شعبان لا في الشهر الحرام: أي وإن كان سببه وهو قتل البراض لعروة الرحال كان في الشهر الحرام كما تقدم. وكون هذا الحلف كان منصرف قريش من حرب الفجار ظاهر في أنه كان بعد انقضاء الحرب وقبل مجيء الفريقين للموعد من قابل، لأن عند مجيئهم من قابل للموعد لم يقع حرب، إلا أن يقال: أطلق عليه حرب باعتبار أنهم كانوا عازمين على المحاربة، وهذا الحلف كان في ذي القعدة. وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب: أي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه كما تقدم فاجتمع إليه بنو هاشم وزهرة وبنو أسد بن عبد العزى، وذلك في دار عبد الله بن جدعان التيمي، كان بنو تيم في حياته كأهل بيت واحد يقوتهم، وكان يذبح في داره كل يوم جزورا، وينادي مناديه: من أراد الشحم واللحم فعليه بدار ابن جدعان، وكان يطبخ عنده الفالوذج فيطعمه قريشا.

أي وسبب ذلك أنه كان أولا يطعم التمر والسويق، ويسقي اللبن، فاتفق أن أمية بن أبي الصلت مر على بني عبد المدان، فرأى طعامهم لباب البر والشهد، فقال أمية:

ولقد رأيت الفاعلين وفعلهم

فرأيت أكرمهم بني المدان

ص: 188

البر يلبك بالشهاب طعامهم

لا ما يعللنا بنو جدعان

فبلغ شعره عبد الله بن جدعان فأرسل إلى بصرى الشام يحمل إليه البر والشهد والسمن وجعل ينادي مناد ألا هلموا إلى جفنة عبد الله بن جدعان.

ومن مدح أمية بن أبي الصلت في ابن جدعان قوله:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن سيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما

كفاه من تعرضك الثناء

كريم لا يغيره صباح

عن الخلق الجميل ولا مساء

يباري الريح مكرمة وجودا

إذا ما الضب أجحره الشتاء

وكان عبد الله بن جدعان ذا شرف وسن، وإنه من جملة من حرم الخمر على نفسه في الجاهلية أي بعد أن كان بها مغرما.

وسبب ذلك أنه سكر ليلة فصار يمد يده ويقبض على ضوء القمر ليمسكه، فضحك منه جلساؤه ثم أخبروه بذلك حين صحا، فحلف أن لا يشربها أبدا.

وممن حرمها على نفسه في الجاهلية عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه، وقال: لا أشرب شيئا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد.

فصنع لهم عبد الله بن جدعان طعاما، وتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه ما بلّ بحر صوفة: أي الأبد.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: «أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن جدعان كان يطعم الطعام، ويقري الضيف، ويفعل المعروف، فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟

فقال: لا، لأنه لم يقل يوما، وفي رواية: أنه لم يقل ساعة من ليل أو نهار رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» رواه مسلم: أي لم يكن مسلما، لأن القول المذكور لا يصدر إلا عن مسلم، فلا يقال مقتضى الحديث أنه لو قال ذلك لنفعه ما ذكر يوم القيامة مع كونه كان كافرا، لأنه ممن أدرك البعثة ولم يؤمن، وحينئذ يسأل عن الحكمة عن عدوله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك عن قوله لأنه لم يؤمن بي، أو لم يكن مسلما: أي وكان يكنى أبا زهير، وقد قال صلى الله عليه وسلم في أسرى بدر:«لو كان أبو زهير أو مطعم بن عدي حيا فاستوهبهم لوهبتهم له» .

وقد ذكر أن جفنة ابن جدعان كان يأكل منها الراكب على البعير: أي وسيأتي في غزوة بدر «أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه ازدحم هو وأبو جهل وهما غلامان على مائدة لابن جدعان، وأنه صلى الله عليه وسلم دفع أبا جهل لعنه الله فوقع على ركبته فجرحت جرحا أثر فيها»

ص: 189

وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كنت أستظل بجفنة عبد الله بن جدعان في صكة عمي» أي في الهاجرة، وسميت الهاجرة بذلك، لأن عمى تصغير أعمى على الترخيم: رجل من العماليق أوقع بالعدو القتل في مثل ذلك الوقت.

وقيل هو رجل من عدوان كان فقيه العرب في الجاهلية، فقدم في قومه معتمرا، فلما كان على مرحلتين من مكة قال لقومه وهم في نحر الظهيرة: من أتى مكة غدا في مثل هذا الوقت كان له أجر عمرتين، فصكوا الإبل صكة شديدة حتى أتوا مكة من الغد في وقت الظهيرة، ولعل هذا لا يخالفه قول ابن عباس رضي الله عنهما: عجلنا الرواح للمسجد صكة الأعمى، فقيل ما صكة الأعمى؟ قال: إنه لا يبالي أية ساعة خرج.

وكان عبد الله بن جدعان في ابتداء أمره صعلوكا، وكان مع ذلك شريرا فتاكا لا يزال يجني الجنايات، فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته، وطرده أبوه، وحلف لا يأويه أبدا، فخرج هائما في شعاب مكة يتمنى الموت، فرأى شقا في جبل فدخل فإذا ثعبان، عظيم له عينان تتقدان كالسراج، فلما قرب منه حمل عليه الثعبان فلما تأخر انساب: أي رجع عنه، فلا زال كذلك حتى غلب على ظنه أن هذا مصنوع، فقرب منه ومسكه بيده فإذا هو من ذهب وعيناه ياقوتتان، فكسره ثم دخل المحل الذي كان هذا الثعبان على بابه، فوجد فيه رجالا من الملوك، ووجد في ذلك المحل أموالا كثيرة من الذهب والفضة، وجواهر كثيرة من الياقوت واللؤلؤ والزبرجد، فأخذ منه ما أخذ، ثم علم ذلك الشق بعلامة وصار ينقل منه ذلك شيئا فشيئا، ووجد في ذلك الكنز لوحا من رخام فيه: أنا نفيلة بن جرهم بن قحطان بن هود نبي الله، عشت خمسمائة عام، وقطعت غور الأرض باطنها وظاهرها في طلب الثروة والمجد والملك، فلم يكن ذلك ينجي من الموت، ثم بعث عبد الله بن جدعان إلى أبيه بالمال الذي دفعه في جناياته، ووصل عشيرته كلهم فسادهم، وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس، ويفعل المعروف.

قال: وفي رواية: تحالفوا على أن يردوا الفضول على أهلها، ولا يقر ظالم على مظلوم: أي وحينئذ فالمراد بالفضول ما يؤخذ ظلما.

وقيل: إن هذا أي رد الفضول مدرج من بعض الرواة. زاد بعضهم: على ما بلّ بحر صوفة، وما رسا حراء وثبير مكانيهما اهـ: أي والمراد الأبد كما تقدم، وكان معهم في ذلك الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم:«ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار بني جدعان حمر النعم» أي الإبل «وأني أغدر به» بالغين المعجمة والدال المهملة: أي لا أحب الغدر به وإن أعطيت حمر النعم في ذلك. قال: وفي رواية «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم» أي

ص: 190

بفواته «ولو دعي به في الإسلام لأجبت» أي لو قال قائل من المظلومين يا آل حلف الفضول لأجبت، لأن الإسلام إنما جاء بإقامة الحق ونصرة المظلوم.

وفيه إن الإسلام قد رفع ما كان من دعوى الجاهلية من قولهم، يا لفلان عند الحرب والتعصب.

وأجيب بأن هذا مستثنى، فالدعوى به جائزة. وفي أخرى «ما شهدت حلفا لقريش إلا حلف المطيبين، شهدته مع عمومتي، وما أحب أن لي به حمر النعم، وأني كنت نقضته» أي لا أحب نقضه وإن دفع لي حمر الإبل في مقابلة نقضه.

والمطيبون: هم هاشم وزهرة: أي بنو زهرة بن كلاب وأمية ومخزوم. قال البيهقي كذا روي هذا التفسير: أي أن المطيبين هاشم وزهرة وأمية ومخزوم مدرجا، ولا أدري من قاله.

وعبارته في السنن الكبرى: لا أدري هذا التفسير من قول أبي هريرة، أو من دونه؟ هذا كلامه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين: أي لأنه كما تقدم وقع بين بني عبد مناف بن قصي، وهم هاشم، وإخوته عبد شمس والمطلب ونوفل، وبنو زهرة، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو تميم، وبنو الحرث بن فهر، وهم المطيبون.

وبين بني عمهم عبد الدار بن قصي وأحلافهم بني مخزوم وغيرهم، ويقال لهم الأحلاف كما تقدم، وذلك قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحيث لم يدرك صلى الله عليه وسلم حلف المطيبين يصير المدرج لفظ المطيبين مع تفسيره بمن ذكر، لا أن المدرج تفسيره فقط بمن ذكر كما يقتضيه كلام البيهقي. وحينئذ تكون الرواية «ما شهدت حلفا لقريش إلا حلفا مع عمومتي إلى آخره» ظن الراوي أن حلف الفضول هو حلف المطيبين، فذكر لفظ المطيبين وبنيهم.

وقد يقال: ذكر ابن إسحق أنه لما قام عبد الله بن جدعان هو والزبير بن عبد المطلب في الدعوى للتحالف، أجابهما بنو هاشم، وبنو المطلب، وبنو أسد، وبنو زهرة، وبنو تميم، هذا كلامه.

ولا يخفى أن هؤلاء أجلّ المطيبين، أطلق على هذا الحلف والذي هو حلف الفضول حلف المطيبين، لأنهم العاقدون له، فليتأمل.

وسمي بالفضول، قيل لما تقدم من أنهم تحالفوا على أن يردوا الفضول على أهلها، وقيل لأنه يشبه حلفا وقع لثلاثة من جرهم كل واحد يقال له الفضل.

وعبارة بعضهم: لأن الداعي إليه كان ثلاثة من أشرافهم اسم كل واحد منهم فضل وهم: الفضل بن فضالة، والفضل بن وداعة، والفضل بن الحارث، والضمير في أشرافهم يتبادر رجوعه إلى قريش، وهؤلاء الثلاثة تحالفوا على نصرة المظلوم على ظالمه، فالفضول جمع الفضل.

ص: 191

وقيل لأنهم أي هؤلاء الذين تحالفوا كانوا أخرجوا فضول أموالهم للأضياف، وقيل لأن قريشا قالوا عن هؤلاء الذين تحالفوا لقد دخل هؤلاء في فضول من الأمر.

والسبب في هذا الحلف والحامل عليه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، وكان من أهل الشرف والقدر بمكة، فحبس عنه حقه، فاستدعى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار ومخزوما وجمح وسهما وعدي بن كعب، فأبوا أن يعينوا على العاص، وانتهروه أي الزبيدي، فلما رأى الزبيدي الشرّ رقي على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فقال بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته

ببطن مكة نائي الدار والقفر

ومحرم أشعث لم يقض عمرته

يا للرجال وبين الحجر والحجر

إن الحرام لمن تمت مكارمه

ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

والحرام بمعنى الاحترام، فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب مع عبد الله بن جدعان كما تقدم، واجتمع إليه من تقدم.

وقيل قام فيه العباس وأبو سفيان، وتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه شريفا أو وضيعا، ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه اهـ.

أقول: ذكر السهيلي أن رجلا من خثعم قدم مكة معتمرا أو حاجا ومعه بنت له من أضوإ نساء العالمين، فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج، فقيل له: عليك بحلف الفضول، فوقف عند الكعبة ونادى: يا لحلف الفضول، فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب، وقد انتضوا أسيافهم: أي جردوها، يقولون: جاءك الغوث فما لك؟ فقال:

إن نبيها ظلمني في بنتي، فانتزعها مني قسرا فساروا إليه حتى وقفوا على باب داره، فخرج إليهم، فقالوا له: أخرج الجارية ويحك، فقد علمت من نحن وما تعاهدنا عليه، فقال: أفعل، ولكن متعوني بها الليلة. فقالوا: لا والله ولا شخب لقحة: أي مقدار زمن ذلك، فأخرجها إليهم.

وفي سيرة الحافظ الدمياطي: أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان منازعة في مال متعلق بالحسين.

فقال الحسين للوليد: احلف بالله لتنصفني من حقي، أو لآخذن سيفي: ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لأدعون لحلف الفضول: أي لحلف كحلف الفضول وهو نصرة المظلوم على ظالمه، ووافقه على ذلك جماعة منهم عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لأنه كان إذ ذاك في المدينة، فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي، والله أعلم.

ص: 192