الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين فيها القرآن، ويعلمهم الإسلام، فانتشر الإسلام في المدينة انتشارا كبيرا.
9 -
وفي العام الذي يليه حضر من الأنصار جماعة في موسم الحج فاجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم مستخفين، وكانوا سبعين رجلا وامرأتين، وبايعوه على النصرة والتأييد، وعلى أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وعادوا إلى المدينة بعد أن اختار منهم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم.
الفصل الثالث - في السيرة بعد هجرة الحبشة إلى الهجرة للمدينة
الدروس والعظات
1 -
قد يحمي الداعية أحدُ أقربائه ممن ليسوا على دعوته، وفي ذلك فائدة للدعوة حين تكون مستضعفة، إذ يمنع الأشرار من العدوان على حياته أو مسه بأذى، فعصبية القبيلة والعائلة قد يستفيد منها الداعية في حمايته وحماية دعوته إذا لم يسايرها على ما هي عليه منكرات.
2 -
الزوجة الصالحة المؤمنة بدعوة الحق تذلل كثيرا من الصعاب لزوجها الداعية إذا شاركته في همومه وآلامه، وبذلك تخفف عنه عبء هذه الهموم، وتبث في نفسه الاستمرار والثبات، فيكون لها أثر في نجاح الدعوة وانتصارها، وموقف السيدة خديجة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى لما تستطيع الزوجة المؤمنة بدعوة الخير أن تلعبه من دور كبير في نجاح زوجها الداعية، وثباته واستمراره في دعوته، وفقد مثل هذه الزوجة في احتدام معركة
الإصلاح خسارة كبيرة لا يملك معها زوجها الداعية إلا أن يحزن ويأسى.
3 -
والحزن على فقد القريب الحامي لدعوة الحق غير المؤمن بها، وعلى فقد الزوجة المؤمنة المخلصة، حزن تقتضيه طبيعة الإخلاص للدعوة، والوفاء للزوجة المثالية في تضحيتها وتأييدها، ولذلك قال الرسول لما مات أبو طالب:«رحمك الله وغفر لك، لا أزال أستغفر لك حتى ينهاني الله» فاقتدى المسلمون برسولهم يستغفرون لموتاهم المشركين حتى نزل قول الله تبارك وتعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] فامتنع النبي عن الاستغفار لأبي طالب، كما امتنع المسلمون عن الاستغفار لموتاهم.
…
ولذلك أيضا ظل الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته يذكر فضل خديجة، ويترحم عليها، ويبر صديقاتها، حتى كانت عائشة تغار منها - وهي متوفاة- لكثرة ما كانت تسمع من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فقد روى البخاري عنها رضي الله عنها أنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، ولربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق - صديقات- خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: أنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد.
4 -
في توجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بعد أن
أعرضت عنه مكة، دليل على التصميم الجازم في نفس الرسول على الاستمرار في دعوته، وعدم اليأس من استجابة الناس لها، وبحث عن ميدان جديد للدعوة بعد أن قامت الحواجز دونها في ميدانها الأول، كما أن في إغراء ثقيف صبيانها وسفهاءها بالرسول، دليلا على أن طبيعة الشر واحدة أينما كانت، وهي الاعتماد على السفهاء في إيذاء دعاة الخير، وفي سيل الدماء من قدمي النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي الكريم-، أكبر مثل لما يتحمله الداعية في سبيل الله من أذى واضطهاد، أما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في البستان ذلك الدعاء الخالد، ففيه تأكيد لصدق الرسول في دعوته، وتصميم على الاستمرار فيها مهما قامت في وجهه الصعاب، وأنه لا يهمه إلا رضا الله وحده، فلا يهمه رضا الكبراء والزعماء، ولا رضا العامة والدهماء «إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي» كما أن فيه استمداد القوة من الله باللجوء إليه والاستعانة به عندما يشتد الأذى بالداعية، وفيه أن خوف الداعية كل الخوف هو من سخط الله عليه وغضبه، لا من سخط أي شيء سواه.
5 -
في معجزة الإسراء والمعراج أسرار كثيرة نشير إلى ثلاثة منها فحسب:
…
أولا- ففيها ربط قضية المسجد الأقصى وما حوله - فلسطين- بقضية العالم الإسلامي إذ أصبحت مكة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم مركز تجمع العالم الإسلامي ووحدة أهدافه، وأن الدفاع عن فلسطين دفاع عن الإسلام نفسه، يجب أن يقوم به كل مسلم في
شتى أنحاء الأرض، والتفريط في الدفاع عنها وتحريرها، تفريط في جنب الإسلام، وجناية يعاقب الله عليها كل مؤمن بالله ورسوله.
…
وثانيا- فيها رمز إلى سمو المسلم، ووجوب أن يرتفع فوق أهواء الدنيا وشهواتها، وأن ينفرد عن غيره من سائر البشر بعلو المكانة، وسمو الهدف، والتحليق في أجواء المثل العليا دائما وأبدا.
…
وثالثا- فيها إشارة إلى إمكان ارتياد الفضاء والخروج عن نطاق الجاذبية الأرضية، فلقد كان رسولنا في حادثة الإسراء والمعراج أول رائد للفضاء في تاريخ العالم كله، وأن ريادة الفضاء والعودة إلى الأرض بسلام، أمر ممكن إن وقع لرسول الله بالمعجزة في عصره؛ فإنه من الممكن أن يقع للناس عن طريق العلم والفكر.
6 -
في فرض الصلاة ليلة الإسراء والمعراج إشارة إلى الحكمة التي من أجلها شرعت الصلاة، فكأن الله يقول لعباده المؤمنين: إذا كان معراج رسولكم بجسمه وروحه إلى السماء معجزة، فليكن لكم في كل يوم خمس مرات معراج تعرج فيه أرواحكم وقلوبكم إلي، ليكن لكم عروج روحي تحققون به الترفع عن أهوائكم وشهواتكم، وتشهدون به من عظمتي وقدرتي ووحدانيتي، ما يدفعكم إلى السيادة على الأرض، لا عن طريق الاستعباد والقهر والغلبة، بل عن طريق الخير والسمو، عن طريق الطهر والتسامي، عن طريق الصلاة.
7 -
وفي عرض الرسول نفسه على القبائل في موسم الحج، دليل على أن الداعية لا ينبغي أن يقتصر في دعوة الناس إلى الخير ضمن مجالسه وفي بيئته فحسب، بل يجب أن يذهب إلى كل مكان يجتمع فيه الناس أو
يمكن أن يجتمعوا فيه، وأنه لا ينبغي له أن ييأس من إعراضهم عنه مرة بعد أخرى، فقد يهيئ الله له أنصارا يؤمنون بدعوته الخيرة من حيث لا يفكر ولا يحتسب، وقد يكون لهذه القلة التي تهتدي به في بعض المناسبات شأن كبير في انتشار دعوة الحق والخير، وفي انتصارها النصر النهائي على الشر وأعوانه، فلقد كان لإيمان السبعة الأوائل من الأنصار الذين التقوا برسول الله أول مرة ما أدى إلى تغلغل الإسلام في المدينة، وكان لهذا التغلغل أثر في انتشار الإسلام وسيطرته عليها، مما مهد للمؤمنين المضطهدين في مكة أن يجدوا في المدينة مهاجرا يتمركزون فيه، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم موئلا أمينا يقيم فيه دولته، ويبث منه دعوته، وينطلق منه أصحابه إلى مقاومة الشرك والمشركين بالحروب والمعارك التي كانت نهايتها انتصارا خالدا للإيمان، وهزيمة أبدية للشرك، فرضي الله عن الأنصار من أوس وخزرج، كم كان لهم على الإسلام والمسلمين والعالم كله من فضل لا ينتهي خيره، ورضي الله عن إخوانهم المهاجرين الذين سبقوهم إلى الإيمان، وضحوا في سبيله بالغالي من الأموال والأوطان، وألحقنا بهم جميعا في جنة الرضوان.