الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صالحين لذلك، وهذا درس عظيم لو بقي المسلمون يذكرونه من بعد لاختفت من تاريخ الاسلام محن وكوارث، ومن تاريخ دولته عواصف وفتن زعزعت أركانها وأضعفت من قوتها، فنعم ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بوحي السماء، الموهوب من الحكمة والسداد، وبعد النظر، وعظيم السياسة، مالم يوهب نبي قبله، ولم يعرف عن عظيم في التاريخ من قبله ومن بعده، ورضي الله عن أسامة الشاب، وهنيئاً له ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفاءة قيادته وصدق عزيمته، وحسن إسلامه، رضي الله عنه وجعله قدوة لشبابنا المؤمنين العاملين.
الفصل السادس - في أهم الأحداث التي وقعت بعد فتح مكة إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان قد علم من طريق الوحي بقرب أجله، فودع الناس في حجة الوداع، وكانت قلوب الصحابة واجفة هلعة خشية أن يكون أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقترب، ولكن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، فلما أشيع عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اضطرب الصحابة جميعاً لهول الكارثة، وزلزلت المدينة زلزالها، وطاشت عقول كثير من كبار الصحابة والسابقين الى الاسلام، فمنهم من عقل لسانه، ومنهم من أقعد عن الحركة، ومنهم وهو عمر من شهر سيفه ينهى الناس أن يقولوا: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مات، ويزعم أنه غاب، وسيرجع اليهم، ولكن أبا بكر وحده هو الذي كان ثابت الجأش، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى على فراشه، فقبله وقال له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما أطيبك حياً وميتاً! أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً، يا رسول الله اذكرنا عند ربك.
ثم خرج أبو بكر الى الناس، فخطب فيهم وقال: أيها الناس! من كان يعبد محمداً، فان محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فان الله حيٌّ لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: ?وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين? [آل عمران: 144]. فلما تلاها أبو بكر أفاقوا من هول الصدمة، وكأنهم لم يسمعوها من قبل، قال أبو هريرة: قال عمر: فوالله ما هو الا أن سمعت أن أبا بكر تلاها فعقرت - أي دهشت وتحيرت - حتى وقعت الى الأرض وما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
وهنا درسان بالغان:
أولهما: أن الصحابة دهشوا لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لكأن الموت لا يمكن أن يأتيه، مع أن الموت نهاية كل حي، وما ذلك إلا لحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حباً امتزج بدمائهم وأعصابهم، والصدمة بفقد الأحباب تكون على قدر الحب، ونحن