المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر قصة صفية بنت حيي بن أخطب النضرية رضى الله عنها - السيرة النبوية من البداية والنهاية - ت عبد الواحد - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة فِي أَوَّلِهَا كَانَتْ غَزْوَةُ نَجْدٍ وَيُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ

- ‌ذِكْرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بعد الْوَقْعَة يَوْمَ أُحُدٍ

- ‌ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الْقُرْحِ وَالْجِرَاحِ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ (1)

- ‌ذكر نزُول الْحِجَابِ صَبِيحَةَ عُرْسِهَا الَّذِي وَلِيَ اللَّهُ عَقْدَ نِكَاحِهِ

- ‌سَنَةُ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

- ‌ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ والْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَبْلَ خَيْبَرَ، وَهُوَ أَشْبَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

- ‌ذكر سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ

- ‌ذِكْرُ قِصَّةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ النَّضْرِية رضى الله عَنْهَا

- ‌ذكر قدوم جَعْفَر بن أبي طَالب رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ قِصَّةِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَمَا كَانَ مِنَ أَمر الْبُرْهَان الَّذِي ظهر عِنْدهَا وَالْحجّة الْبَالِغَة فِيهَا

- ‌ذكر خُرُوجه عليه السلام مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ

- ‌ذكر إرْسَاله عليه السلام إِلَى ملك الْعَرَب من النَّصَارَى الَّذين بِالشَّامِ

- ‌ذِكْرُ بَعْثِهِ إِلَى كِسْرَى مِلْكِ الْفُرْسِ

- ‌سَنَةَ ثَمَانٍ

- ‌ذِكْرُ قُدُومِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر اعْتِرَاضُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ مِنْ أَهْلِ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِسْمَة العادلة بالِاتِّفَاقِ

- ‌ذكر مجئ أُخْت رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ الرضَاعَة وَهُوَ بالجعرانة وَاسْمُهَا الشَّيْمَاءُ

الفصل: ‌ذكر قصة صفية بنت حيي بن أخطب النضرية رضى الله عنها

‌ذِكْرُ قِصَّةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ النَّضْرِية رضى الله عَنْهَا

كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهُ لَمَّا أَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إِلَى خَيْبَرَ وَفِيهِمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَبَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكَانُوا ذَوِي أَمْوَالٍ وَشَرَفٍ فِي قَوْمِهِمْ، وَكَانَتْ صَفِيَّةُ إِذْ ذَاكَ طِفْلَةً دُونَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ لَمَّا تَأَهَّلَتْ لِلتَّزْوِيجِ تَزَوَّجَهَا بَعْضُ بَنِي عَمها، فَلَمَّا زفت إِلَيْهِ وأدخلت إِلَيْهِ بَنَى بِهَا وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ لَيَالٍ، رَأَتْ فِي مَنَامِهَا كَأَنَّ قَمَرَ السَّمَاءِ قَدْ سَقَطَ فِي حِجْرِهَا، فَقَصَّتْ رُؤْيَاهَا عَلَى ابْنِ عَمِّهَا فَلَطَمَ وَجْهَهَا وَقَالَ: أَتَتَمَنَّيْنَ مَلِكَ يَثْرِبَ أَنْ يصير بعلك!.

فَمَا كَانَ إِلَّا مجئ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِصَارُهُ إِيَّاهُمْ، فَكَانَتْ صَفِيَّةُ فِي جُمْلَةِ السَّبْيِ، وَكَانَ زَوْجُهَا فِي جُمْلَةِ الْقَتْلَى.

وَلَمَّا اصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَارَتْ فِي حَوْزِهِ وَمُلْكِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبَنَى بِهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا وَحِلِّهَا وَجَدَ أَثَرَ تِلْكَ اللَّطْمَةِ فِي خَدِّهَا، فَسَأَلَهَا مَا شَأْنُهَا فَذَكَرَتْ لَهُ مَا كَانَتْ رَأَتْ مِنْ تِلْكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ رضي الله عنها وَأَرْضَاهَا.

* * * قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ".

فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.

ص: 371

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ أَنَسٍ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا.

قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا.

تَفَرَّدَ بِهِ البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن ح.

وَحدثنَا أَحْمد بن عِيسَى، حَدثنَا وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالك قَالَ: قدمنَا خَيْبَر فَلَمَّا فتح صلى الله عليه وسلم الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ (1) حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطْعٍ (2) صَغِيرٍ ثُمَّ قَالَ لِي: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ.

فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ.

ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ.

تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ خَيْبَر وَالْمدّ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلحم، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى

(1) الصَّهْبَاء: مَوضِع بَينه وَبَين خَيْبَر مرحلة.

والسد: الحاجز.

(2)

النطع: بِسَاط من الاديم.

(*)

ص: 372

أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجِبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ.

فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ.

انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جُمِعَ السَّبْيُ - يَعْنِي بِخَيْبَرَ - فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً.

فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ.

قَالَ يَعْقُوبُ: صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ.

قَالَ: ادعوا بِهَا.

فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا.

وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا.

وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: وَقَعَ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس، ثمَّ دَفعهَا إِلَى أم سَلمَة تَصْنَعُهَا وَتُهَيِّئُهَا.

قَالَ حَمَّادٌ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ.

تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

* * * قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَمُوصَ حِصْنَ بَنِي أَبِي

ص: 373

الْحُقَيْقِ أُتِيَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَأُخْرَى مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِمَا بِلَالٌ - وَهُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِمَا - عَلَى قَتْلَى مِنْ قَتْلَى يَهُودَ، فَلَمَّا رَأَتْهُمُ الَّتِي مَعَ صَفِيَّةَ صَاحَتْ وَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَحَثَتِ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَعْزِبُوا (1) عَنِّي هَذِهِ الشَّيْطَانَةَ.

وَأَمَرَ بِصَفِيَّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ، فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قد اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِبِلَالٍ، فِيمَا بَلَغَنِي، حِينَ رَأَى بِتِلْكَ الْيَهُودِيَّةِ مَا رَأَى: أَنُزِعَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ حَتَّى تَمُرَّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا!.

وَكَانَتْ صَفِيَّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ أَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِهَا، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا أَنَّكِ تَمَنَّيْنَ مَلِكَ الْحِجَازِ مُحَمَّدًا.

فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً خَضَّرَ عَيْنَهَا مِنْهَا.

فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهُ، فَسَأَلَهَا مَا هَذَا، فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ.

قَالَ ابْن إِسْحَاق: وأتى رَسُول الله بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النَّضِيرِ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ مَكَانَهُ.

فَأتى رَسُول لله صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي رَأَيْتُ كِنَانَةَ يَطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِكِنَانَةَ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَكَ أَقْتُلُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ فَأُخْرِجَ مِنْهَا بَعْضُ كَنْزِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَمَّا بَقِيَ فَأَبَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَقَالَ: عَذِّبْهُ حَتَّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ.

وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقْدَحُ بزنده (2) فِي صَدْرِهِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ دَفعه رَسُول الله إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُود بن مسلمة.

(1) أعزبوا: أبعدوا.

(2)

ابْن هِشَام: زند.

(*)

ص: 374

فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمُ الْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ، حَتَّى إِذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنَّ يُسَيِّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ.

فَفَعَلَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا الشِّقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِكَ الْحِصْنَيْنِ، فَلَمَّا سَمِعَ [بِهِمْ] أَهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُخَلُّوا لَهُ الْأَمْوَالَ فَفَعَلَ.

وَكَانَ مِمَّنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ.

فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْمَرُ لَهَا.

فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ.

وَعَامَلَ أهل فدك بِمثل ذَلِك.

فصل فِي فتح حصونها وَقِسْمَة أَرْضِهَا.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا تَحَوَّلَتِ الْيَهُودُ مِنْ حِصْنِ نَاعِمٍ وَحِصْنِ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ إِلَى قَلْعَةِ الزُّبَيْرِ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُود يُقَال لَهُ عزال فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ تُؤَمِّنُنِي عَلَى أَنْ أَدُلَّكَ عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ أَهْلِ النَّطَاةِ وَتَخْرُجُ إِلَى أَهْلِ الشِّقِّ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّقِّ قَدْ هَلَكُوا رُعْبًا مِنْكَ؟ قَالَ: فَأَمَّنَهُ رَسُول الله عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ لَوْ أَقَمْتَ شَهْرًا تُحَاصِرُهُمْ مَا بَالَوْا بِكَ، إِنَّ لَهُمْ تَحْتَ الْأَرْضِ دُبُولًا (1) يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ فيشربون مِنْهَا ثمَّ يرجعُونَ إِلَى قلعتهم.

(1) الدبول: الجداول.

(*)

ص: 375

فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ دُبُولِهِمْ، فَخَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ نَفَرٌ وَأُصِيبَ مِنَ الْيَهُودِ عَشَرَةٌ، وَافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ النَّطَاةِ.

وَتَحَوَّلَ إِلَى الشِّقِّ، وَكَانَ بِهِ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ، فَكَانَ أَوَّلَ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ مِنْهَا حِصْنُ أُبَيٍّ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَلْعَةٍ يُقَالُ لَهَا سُمْوَانُ فَقَاتَلَ عَلَيْهَا أَشَدَّ الْقِتَالِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَزُولٌ فَدَعَا إِلَى الْبَرَازِ فَبَرَزَ إِلَيْهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ نِصْفِ ذِرَاعِهِ وَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، وَفَرَّ الْيَهُودِيُّ رَاجِعًا فَاتَّبَعَهُ الْحُبَابُ فَقَطَعَ عُرْقُوبَهُ.

وَبَرَزَ مِنْهُمْ آخَرُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ الْيَهُودِيُّ، فَنَهَضَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ، وَأَحْجَمُوا عَنِ الْبَرَازِ فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ وَأَمَامَهُمْ أَبُو دُجَانَةَ، فَوَجَدُوا فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا وَغَنَمًا وَطَعَامًا، وَهَرَبَ من كَانَ فِيهِ من الْمُقَاتلَة وتقحموا الجزر كَأَنَّهُمْ الضباب حَتَّى صَارُوا إِلَى حصن البزاة بِالشِّقِّ، وَتَمَنَّعُوا أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، فَزَحَفَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ فَتَرَامَوْا وَرَمَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْكَرِيمَة، حَتَّى أصَاب نبلهم بنانه عليه الصلاة والسلام فَأَخَذَ عليه السلام كَفًّا مِنَ الْحَصَا فَرَمَى حِصْنَهُمْ بِهَا فَرَجَفَ بِهِمْ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ وَأَخَذَهُمُ الْمُسْلِمُونَ أَخْذًا بِالْيَدِ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أهل الاخبية والوطيح والسلالم، حصني أَبِي الْحُقَيْقِ، وَتَحَصَّنُوا أَشَدَّ التَّحَصُّنِ وَجَاءَ إِلَيْهِمْ كل من كَانَ انهزم من النطاة إِلَى الشق، فَتَحَصَّنُوا مَعَهم فِي القموص وَفِي الْكَتِيبَةِ، وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا وَفِي الْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ وَجَعَلُوا لَا يَطْلُعُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ، حَتَّى هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ يَنْصِبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَيْهِمْ.

فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَقَدْ حَصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا نَزَلَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فَصَالَحَهُ عَلَى حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَيُسَيِّرُهُمْ وَيُخَلُّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 376

وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَالْأَمْوَالِ وَالصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلْقَةِ وَعَلَى الْبَزِّ، إِلَّا مَا كَانَ على ظهر إِنْسَان، يَعْنِي لِبَاسَهُمْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إِنْ كَتَمْتُمْ شَيْئًا.

فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَلِكَ.

قُلْتُ: وَلِهَذَا لَمَّا كَتَمُوا وَكَذَبُوا وَأَخْفَوْا ذَلِكَ الْمَسْكَ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَمْوَالٌ جَزِيلَةٌ، تَبَيَّنَ أَنه لَا عهد لَهُم، فَقتل ابْني أَبِي الْحُقَيْقِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِهِ، بِسَبَبِ نَقْضِ العهود مِنْهُم والمواثيق.

* * * وَقَالَ الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ: حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمقري الْإِسْفَرَايِينِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فِيمَا يَحْسَبُ أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ، فَغَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُجْلَوْا مِنْهَا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ، وَيخرجُونَ مِنْهَا، وَاشْترط عَلَيْهِم أَلا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ.

فَغَيَّبُوا مَسْكًا (1) فِيهِ مَالٌ وَحُلِيٌّ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَكَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ: مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ؟ فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ.

فَقَالَ: الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الزُّبَيْرِ فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، وَقَدْ كَانَ حُيَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ خَرِبَةٍ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ حُيَيًّا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَاهُنَا.

فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ.

فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَحَدُهُمَا زوج صَفِيَّة بنت

(1) الْمسك: الْجلد.

(*)

ص: 377

حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا.

وَأَرَادَ إِجْلَاءَهُمْ مِنْهَا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا.

وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا لاصحابه غلال يَقُومُونَ عَلَيْهَا، وَكَانُوا لَا يَفْرُغُونَ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُمْ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ من كل زرع ونخيل وشئ، مَا بُد الرَّسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَكَانَ عَبْدُ الله بن رَوَاحَة يَأْتِيهم كل عَام فيخرجها عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُضَمِّنُهُمُ الشَّطْرَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِدَّةَ خَرْصِهِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ تطمعوني السُّحْتَ! وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَا يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لَا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ.

فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْضُ! قَالَ: فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنِ صَفِيَّةَ خُضْرَةً، فَقَالَ: يَا صَفِيَّةُ مَا هَذِهِ الْخُضْرَةُ؟ فَقَالَتْ: كَانَ رَأْسِي فِي حِجْرِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي وَقَالَ: تَتَمَنَّيْنَ مَلِكَ يَثْرِبَ.

قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبْغَضِ النَّاسِ إِلَيَّ، قَتَلَ زَوْجِي وَأَبِي، فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكِ ألب عَليّ الْعَرَب وَفعل مَا فعل، حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِي.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ كُلَّ عَامٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ غَشُّوا الْمُسْلِمِينَ وَأَلْقَوْا ابْن

ص: 378

عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ فَفَدَعُوا (1) يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نَقْسِمَهَا.

فَقَسَمَهَا.

بَيْنَهُمْ.

فَقَالَ رَئِيسُهُمْ: لَا تُخْرِجْنَا دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ.

فَقَالَ عمر: أَترَانِي سقط عَليّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَيْفَ بك إِذا وقصت (2) بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ".

وَقَسَمَهَا عُمَرُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ.

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلمَة.

قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وعلقه الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ.

قُلْتُ: وَلَمْ أَرَهُ فِي الْأَطْرَافِ فَاللَّهُ أعلم.

* * * وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، حَدثنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي أُسَامَة ابْن زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى النِّصْفِ مِمَّا خَرَجَ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا.

فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ التَّمْرُ يُقْسَمُ عَلَى السُّهْمَانِ مِنْ نِصْفِ خَيْبَرَ وَيَأْخُذُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَمْسُ، وَكَانَ أَطْعَمَ كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْخُمُسِ مِائَةَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ.

فَلَمَّا أَرَادَ عُمَرُ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ أَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُنَّ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُنَّ أَنْ أقسم لَهَا مِائَةَ وَسْقٍ فَيَكُونُ لَهَا أَصْلُهَا وَأَرْضُهَا وَمَاؤُهَا، وَمِنَ الزَّرْعِ مَزْرَعَةً عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَلْنَا، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ نَعْزِلَ الَّذِي لَهَا فِي الْخمس كَمَا هُوَ فعلنَا.

(1) الفدع: اعوجاج الرسغ من الْيَد أَو الرجل.

(2)

وقصت: أسرعت.

(*)

ص: 379

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ إِذَا شَاءَ، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلْيَلْحَقْ بِهِ، فَإِنِّي مُخْرِجٌ يَهُودَ.

فَأَخْرَجَهُمْ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ.

فَقَالَ: " إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمطلب شئ وَاحِدٌ ".

قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ،: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا.

تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.

وَفِي لَفْظٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبني عبد الْمطلب شئ وَاحِدٌ، إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ ".

قَالَ الشَّافِعِيُّ: دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ وَنَاصَرُوهُمْ فِي إِسْلَامِهِمْ وَجَاهِلِيَّتِهِمْ.

قُلْتُ: وَقَدْ ذَمَّ أَبُو طَالب بني عبد شمس ونوفلا حَيْثُ يَقُولُ: جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا * عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن ثَابت، حَدثنَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا.

قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدٌ،

ص: 380

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أترك آخر النَّاس ببانا (1) لَيْسَ لَهُم شئ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بِهِ.

وَهَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ خَيْبَرَ بِكَمَالِهَا قُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا ابْنُ السَّرْحِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَ خَيْبَرَ عنْوَة بعد الْقِتَال وَترك من ترك من أَهلهَا بَعْدَ الْقِتَالِ.

وَبِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: خَمَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ ثُمَّ قَسَمَ سَائِرَهَا عَلَى مَنْ شَهِدَهَا.

وَفِيمَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ نَظَرٌ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ خَيْبَرَ جَمِيعَهَا لم تقسم، وَإِنَّمَا قسم نصفهَا بَين النَّاس كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَرَاضِي الْمَغْنُومَةِ، إِنْ شَاءَ قَسَمَهَا وَإِنْ شَاءَ أَرْصَدَهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَ بَعْضَهَا وَأَرْصَدَ بَعْضَهَا لِمَا يَنُوبُهُ فِي الْحَاجَاتِ وَالْمَصَالِحِ (2) .

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذّن، حَدثنَا أَسد بن مُوسَى، حَدثنَا يحيى ابْن زَكَرِيَّا، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عشر سَهْما.

(1) ببانا: أَي على طَريقَة وَاحِدَة، وَهِي كلمة غير عَرَبِيَّة.

(2)

ت: " إِن شَاءَ قسمهَا، وَإِن شَاءَ قسم بَعْضهَا، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَر،

فَإِنَّهُ خمسها ثمَّ قسم نصفهَا فِي الْغَانِمين، وأرصد نصفهَا لما ينوبه فِي الْحَاجَات والمصالح ".

(*)

ص: 381

تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، فَعَيَّنَ نِصْفَ النَّوَائِبِ الْوَطِيحَ وَالْكَتِيبَةَ وَالسُّلَالِمَ وَمَا حِيزَ مَعَهَا، وَنِصْفَ الْمُسْلِمِينَ الشِّقَّ وَالنَّطَاةَ وَمَا حِيزَ مَعَهُمَا، وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا حِيزَ مَعَهُمَا.

وَقَالَ أَيْضًا: حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ، حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى الْأَنْصَارِ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ فَقَسَمَهَا عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، جَمَعَ كَلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفَ مِنْ ذَلِكَ، وَعَزَلَ النِّصْفَ الثَّانِي لِمَنْ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْوُفُودِ وَالْأُمُورِ وَنَوَائِبِ النَّاسِ.

تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدثنَا مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعٍ يَقُولُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ، عَن عَمه مجمع بن حَارِثَة الانصاري - وَكَانَ أحد الْقُرَّاء الَّذين قرأوا الْقُرْآنَ - قَالَ: قُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسمِائة فيهم ثلثمِائة فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ، سَهْمَيْنِ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا.

تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

وَقَالَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَ بَعْضَ خَيْبَر عنْوَة.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُرِئَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنَا شَاهِدٌ، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنْ خَيْبَرَ بَعْضُهَا كَانَ عَنْوَةً

وَبَعْضُهَا صُلْحًا، وَالْكَتِيبَةُ أَكْثَرُهَا عَنْوَةً وَفِيهَا صُلْحٌ، قُلْتُ لِمَالِكٍ: وَمَا الْكَتِيبَةُ؟

ص: 382

قَالَ: أَرْضُ خَيْبَرَ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ عَذْقٍ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَالْعَذْقُ: النَّخْلَةُ.

وَالْعِذْقُ الْعُرْجُونُ.

وَلِهَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا حرمى، حَدثنَا شُعْبَة، حَدثنَا عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا: الْآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ.

حَدثنَا الْحسن، حَدثنَا قُرَّة بن حبيب، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا شَبِعْنَا - يَعْنِي مِنَ التَّمْرِ - حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتِ الشَّقُّ وَالنَّطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، الشَّقُّ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَنَطَاةُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، قَسَمَ الْجَمِيعَ عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ، وَدَفَعَ ذَلِكَ إِلَى مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ مَنْ حَضَرَ خَيْبَرَ وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَمْ يَغِبْ عَنْ خَيْبَرٍ مِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ إِلَّا جَابر ابْن عَبْدِ اللَّهِ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ.

قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانَ مَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَانِ، فَصُرِفَ إِلَى كُلِّ مِائَةِ رَجُلٍ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَزِيدَ الْمِائَتَا فَارِسٍ أَرْبَعَمِائَةِ سَهْمٍ لِخُيُولِهِمْ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كيسَان أَنهم كَانُوا ألفا وَأَرْبَعمِائَة مَعَهم مِائَتَا فَرَسٍ.

قُلْتُ: وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ بِسَهْمٍ وَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ مِنْ سُهْمَانِ الشِّقِّ مَعَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتِ الْكَتِيبَةُ خُمُسًا لِلَّهِ تَعَالَى (1) ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَطُعْمَةَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَطُعْمَةَ أَقْوَامٍ مَشَوْا فِي صُلْحِ أَهْلِ فَدَكَ، مِنْهُمْ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ

(1) ابْن هِشَام: خمس الله.

(*)

ص: 383

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ.

قَالَ: وَكَانَ وَادِيَاهَا اللَّذَانِ قُسِّمَتْ عَلَيْهِ يُقَالُ لَهُمَا وَادِي السُّرَيْرِ وَوَادِي خَاصٍ.

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ تَفَاصِيلَ الْإِقْطَاعَاتِ مِنْهَا، فَأَجَادَ وَأَفَادَ رحمه الله.

قَالَ: وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قِسْمَتَهَا وَحِسَابَهَا جَبَّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنهما.

قُلْتُ: وَكَانَ الْأَمِيرُ عَلَى خَرْصِ نَخِيلِ خَيْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا سَنَتَيْنِ، ثمَّ لما قتل رضى الله عَنهُ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ وَلِي بَعْدَهُ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ رضي الله عنه.

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا على خَيْبَر بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أكل تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ " قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ:" لَا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا ".

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ وَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا.

وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ.

* * * قُلْتُ: كَانَ سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي أَصَابَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا قَسَمَ بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ بِكَمَالِهَا، وَهِيَ طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، نَزَلُوا مِنْ شِدَّةِ رُعْبِهِمْ مِنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَصَالَحُوهُ، وَأَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهَا مِمَّا لم يوجف الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ

بخيل وَلَا ركاب.

ص: 384

فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَمْوَالُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، وَكَانَ يَعْزِلُ مِنْهَا نَفَقَةَ أَهْلِهِ لِسَنَةٍ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ يَصْرِفُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

فَلَمَّا مَاتَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ اعْتَقَدَتْ فَاطِمَةُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَكْثَرَهُنَّ - أَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ تَكُونُ مَوْرُوثَةً عَنْهُ، وَلَمْ يَبْلُغْهُنَّ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ ".

وَلَمَّا طَلَبَتْ فَاطِمَةُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْعَبَّاسُ نَصِيبَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَسَأَلُوا الصِّدِّيقَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ، ذَكَرَ لَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَةٌ " وَقَالَ: أَنَا أَعُولُ مَنْ كَانَ يَعُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهُ لَقَرَابَةُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.

وَصَدَقَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ، فَإِنَّهُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ فِي ذَلِكَ التَّابِعُ لِلْحَقِّ.

وَطَلَبَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ عَلَى لِسَانِ فَاطِمَةَ، إِذْ قَدْ فَاتَهُمُ الْمِيرَاثُ، أَنْ يَنْظُرَا فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَأَنْ يَصْرِفَا ذَلِكَ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُهَا فِيهَا، فَأَبَى عَلَيْهِمُ الصِّدِّيقُ ذَلِكَ، وَرَأَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ فِيمَا كَانَ يَقُومُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَألا يَخْرُجَ مِنْ مَسْلَكِهِ وَلَا عَنْ سُنَنِهِ.

فَتَغَضَّبَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَوَجَدَتْ فِي نَفْسِهَا بَعْضَ الْمَوْجِدَةِ.

وَلَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَالصِّدِّيقُ مَنْ قَدْ عَرَفَتْ هِيَ وَالْمُسْلِمُونَ مَحِلَّهُ وَمَنْزِلَتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقِيَامَهُ فِي نُصْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ وَعَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ خَيْرًا.

وَتُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَدَّدَ عَلِيٌّ الْبَيْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ أَيَّامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَأَلُوهُ أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ إِلَى عَليّ وَالْعَبَّاس، وثقلوا

(25 - السِّيرَة 3)

ص: 385

عَلَيْهِ بِجَمَاعَةٍ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ، فَفَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ وَاتِّسَاعِ مَمْلَكَتِهِ وَامْتِدَادِ رَعِيَّتِهِ.

فَتَغَلَّبُ عَلَى عَلِيٍّ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ فِيهَا، ثُمَّ تَسَاوَقَا يَخْتَصِمَانِ إِلَى عُمَرَ، وَقَدَّمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَسَأَلَا مِنْهُ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمَا فَيَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا لَا يَنْظُرُ فِيهِ الْآخَرُ.

فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ وَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِسْمَةُ تُشْبِهُ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ وَقَالَ: انْظُرَا فِيهَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، وَالَّذِي تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ هَذَا.

فَاسْتَمَرَّا فِيهَا وَمن بعدهمَا إِلَى وَلَدِهِمَا إِلَى أَيَّامِ بَنِي الْعَبَّاسِ، تُصْرَفُ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُهَا فِيهَا، أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ وَفَدَكَ وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَيْبَر.

فصل وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ فَرَضَخَ (1) لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدثنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي، فَكَلَّمُوا فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ سَيْفًا، فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ، فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ، فَأمر لي بشئ من طَرِيق الْمَتَاعِ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ بِهِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:

(1) الرضخ: عَطاء من الْغَنِيمَة غير محدد.

(*)

ص: 386

حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَن منقذ عَنْ عُمَيْرٍ بِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَشَهِدَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نسَاء فرضخ لَهُنَّ [من الفئ (1) ] وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ.

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بِنْتِ أَبِي الصَّلْتِ، عَنِ امْرَأَة من بني غَار قَدْ سَمَّاهَا لِي، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ إِلَى وَجْهِكَ هَذَا - وَهُوَ يَسِيرُ إِلَى خَيْبَرَ - فَنُدَاوِي الْجَرْحَى وَنُعِينُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا فَقَالَ: " عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ ".

قَالَتْ: فَخَرَجْنَا مَعَهُ، قَالَتْ: وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدَثَةً السن، فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، قَالَتْ:[فَوَاللَّهِ لَنَزَلَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصُّبْح وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ (1) ] قَالَتْ: وَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنِّي وَكَانَتْ أَوَّلَ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا، قَالَتْ: فَتَقَبَّضْتُ إِلَى النَّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْتُ.

فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بِي وَرَأى الدَّم قَالَ: " مَالك؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ " قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:" فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِكِ ثُمَّ خُذِي إِنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنَ الدَّمِ، ثُمَّ عُودِي لِمَرْكَبِكِ ".

قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنَ الفئ، وَأَخَذَ هَذِهِ الْقِلَادَةَ الَّتِي تَرَيْنَ فِي عُنُقِي فَأَعْطَانِيهَا وَعَلَّقَهَا بِيَدِهِ فِي عُنُقِي، فَوَاللَّهِ لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا.

وَكَانَتْ فِي عُنُقِهَا حَتَّى مَاتَتْ، ثُمَّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَهَا.

قَالَتْ: وَكَانَتْ لَا تَطَّهَّرُ مِنْ حَيْضِهَا إِلَّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا، وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.

(1) من ابْن هِشَام.

(*)

ص: 387

قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي أَطْرَافِهِ: وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ أُمِّ عَلِيٍّ بِنْتِ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ أُمَيَّةَ بِنْتِ أَبِي الصَّلْتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدثنَا رَافِعُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَشْجَعِيُّ، حَدَّثَنِي حَشْرَجُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةِ خَيْبَرَ وَأَنَا سَادِسَةُ سِتِّ نِسْوَةٍ، قَالَتْ: فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَعَهُ نِسَاءٌ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا فَدَعَانَا، قَالَتْ: فَرَأَيْنَا فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ فَقَالَ: " مَا أَخْرَجَكُنَّ وَبِأَمْرِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ " قُلْنَا: خَرَجْنَا نُنَاوِلُ السِّهَامَ وَنَسْقِي السَّوِيقَ، وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى وَنَغْزِلُ الشَّعْرَ فَنُعِينُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

قَالَ: فمرن فَانْصَرِفْنَ.

قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَخْرَجَ لَنَا سِهَامًا كَسِهَامِ الرِّجَالِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا جَدَّةُ وَمَا الَّذِي أَخْرَجَ لَكُنَّ؟ قَالَتْ: تَمْرًا.

قُلْتُ: إِنَّمَا أَعْطَاهُنَّ مِنَ الْحَاصِلِ، فَأَمَّا أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهُنَّ فِي الْأَرْضِ كَسِهَامِ الرِّجَالِ فَلَا! وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي كِتَابِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيَّ أَخْبَرَهُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ وَمَعِي زَوْجَتِي وَهِيَ حُبْلَى فَنَفِسَتْ فِي الطَّرِيقِ، فَأخْبرت لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي:" انقع لَهَا تَمرا فَإِذا انغمر فَأمر بِهِ لِتَشْرَبَهُ " فَفَعَلْتُ فَمَا رَأَتْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ، فَلَمَّا فَتَحْنَا خَيْبَرَ أَجْدَى (1) النِّسَاءَ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنَّ، فَأَجْدَى زَوْجَتِي وَوَلَدِي الَّذِي وُلِدَ.

قَالَ عَبْدُ السَّلَام: لست أَدْرِي غُلَام أَو جَارِيَة.

(1) أجدى: أعْطى.

(*)

ص: 388