الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل كلمة «شاطر»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
أما بعد
ف
تُفيد المعاجم اللغوية
الأصلية أنَّ من معاني «الشطر» : البُعْد. والشطير: البعيد، ويقال للغريب: شطيراً؛ لتباعده عن قومه.
قالوا: شطَر فلان على أهله: إذا نزح عنهم وتركهم مُراغماً، أو مخالفاً، وأعياهم خُبْثاً.
وقيل: هو الذي أعيا أهله ومؤدِّبه خُبْثاً. قال ابن منظور: والشاطر مأخوذ منه وأُراه مولداً.
يقال: رجل شاطر، وقد شطَر وشطُر شطوراً وشطَارة.
ويقال للخليع الماجن: شاطر. وأصله كما قال الزمخشري في «أساس البلاغة» : (وكان الرجل في الجاهلية إذا غلبَه ابنُه أو مَن هو منه بسبيل، جاء به إلى الموسم ثم نادى: يا أيها الناس، هذا ابني فلان، وقد خلعتُه، فإن جرَّ؛ لمْ أضمَنْ، وإن جُرَّ عليه، لم أطلِبْ.
يُريدُ: قد تبرَّأتُ منه. ثم قيل لكل شاطرٍ: خليع).
- قال ابن قتيبة في «غريب الحديث» : (الشطير: الغريب وجمعه: شطر. والأصل في الشطير والغريب: البُعد. ومنه قيل: شاطر وشطَّار؛ لأنهم يغيبون كثيراً ويبعدون عن منازلهم .. ).
- وقال أيضاً في كتابه الآخر «غريب القرآن» : (قولهم: شَاطِر وشُطَّار. لأنهم كانوا يبعدون عن منازلهم. فسُمِّي بذلك كلُّ من فَعَلَ مثل فعلهم وإن لم يَعْزُب عن أهله).
- قال الأصمعي: الشاطر: الذي شطَر عن الخير، أي بعُد عنه. ومنه نوىً شُطُرٌ أي بعيدة.
- وقال أبو عبيدة: الشاطر: الذي شطر إلى الشرِّ أي عدل بوجهه نحوه. ومنه قول الله جلّ وعزّ: «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ» أي: ناحيته.
- قال أبو إسحاق الزجاج (ت 311 هـ) في «معاني القرآن» : (وقول الناس: فلان شاطر، معناه: قد أخذ في نحو غير الاستواءِ، فلذلك قيل: شاطر؛ لعدوله عن الاستواءِ، يُقال: قد شطر الرجل يشطُر شِطَارة وشَطَارة
…
).
- قال الهنائي ـ كراع النمل ـ: وقد نَأَى الرجل، وشَطَّ، وشَطَنَ، وشَطَرَ: أَيْ بَعُدَ.
- قال الراغب الأصبهاني في «تفسيره» : (قطر، وشطر، وشطن: ألفاظ متقاربة المعاني تقارب ألفاظها، فقطر معناه انفصل عن قطره أي بجانبه، ومنه القطرة القليل المنفصل من المانع، وشطر: انفصل وتباعد، ودار شطور منفصلة عن الدور، وشطون بعيدة، وقد يستعمل الشطور موضع الشطون، لكن الشطون لما هو أبعد، ورجل شاطر أي: منفصل عن الجماعة بالخلاعة).
- وقال الراغب أيضاً في «المفردات في غريب القرآن» (ص 454): ( .... وشَطَرَ: إذا أخذ شَطْراً، أي: ناحية، وصار يعبّر بِالشَّاطِرِ عن البعيد، وجمعه: شُطُرٌ، نحو:
أشاقك بين الخليط الشَّطر
والشَّاطِرُ أيضا لمن يتباعد عن الحقِّ، وجمعه: شُطَّارٌ).
- قال الضياء ابن الأثير (ت 637 هـ) في «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» (1/ 188) في حديثه عن الألفاظ التي المبتذلة عند العامة: (وقد استعمل لفظة الشاطر والشاطرة والشُّطَّار كثيراً، وهي من الألفاظ التي ابتذلها العامة حتى سئمت من ابتذالها.
وهذه الأمثلة تمنع الواقف عليها من استعمال أشباهها وأمثالها).
- قال القلقشندي (ت 821 هـ) في «صبح الأعشى» (2/ 268) أثناء حديثه عن الألفاظ المبتذلة العامية: (فالشطار جمع شاطر، وهو في أصل اللغة: اسم لمن أعيا أهله خبثاً، يقال منه: شطُر وشطَر بالفتح والضم شطَارة بالفتح فيهما، ثم استُعمل في الشجاع الذي أعيا الناس شجاعةً، وغلب دورانه على لسان العامةِ؛ فامتُهِن وابتُذِلْ).
- قال الزبيدي في «تاج العروس» : (قلت: وفي «جواهر الخمس» للسيد محمد حميد الدين الغوث ما نصه: الجوهر الرابع مشرب الشطار، جمع شاطر، أي السباق المسرعين إلى حضرة الله تعالى وقربه، والشاطر: هو السابق، كالبريد الذي يأخذ المسافة البعيدة في المدة القريبة، وقال الشيخ في «مشرب الشطار»: يعني أنه لا يتولى هذه الجهة إلا من كان منعوتاً
بالشاطر الذي أعيا أهله ونزح عنهم، ولو كان معهم، إذ يدعونه إلى الشهوات والمألوفات، انتهى.). انتهى المراد نقله من «تاج العروس» ، وهو نقل من كتب الصوفية.
- جاء في «معجم الصواب اللغوي» (1/ 462): (أجاز مجمع اللغة المصري استعمال كلمة «شاطر» استنادَاً إلى ما جاء في «التاج» من أن الشاطر: السابق الذي يأخذ المسافة البعيدة في المدة القريبة، وكأن العامة نقلت الشطارة من معنى السَّبْق في العَدْو إلى السبق في كل الأمور والحذق فيها. كما أجاز «الوسيط» هذه الكلمة بمعنى الفَهِم المتصرف، وذكرها «المنجد» بمعنى النبيه الماضي في أموره، و «الأساسي» بمعنى الحادّ الفهم السريع التصرف).
- قال الشيخ: بكر أبو زيد في «معجم المناهي اللفظية» (ص 306): (الشاطر: هو بمعنى قاطع الطريق، وبمعنى: الخبيث الفاجر.
وإطلاق المدرسين له على المتفوق في الدرس خطأ، فليُتنبه.
نعم: «الشاطر» في اصطلاح الصوفية، هو: السابق المسرع إلى الله.
فانظر كيف سرى هذا الاصطلاح الصوفي إلى تلقينه للطلاب؟ !
وأحال الشيخ بكر إلى: «المعجم الوسيط» ، و «حيلة البشر» للبيطار (2/ 815).
أقول: وفي «الحلية» للبيطار خبر تاريخي عن الشطار = قطاع الطريق والخارجين على النظام في الدولة العباسية. وقال في تعريفهم: جمع شاطر، وهو المتصف بالدهاء والخيانة.
- أما العدناني فقد خطَّأَ في كتابه «معجم الأخطاء الشائعة» (ص 130) قول الناس: هذا شاب شاطر. قال: والصواب: هذا شاب ماهر، أو حاذق، أو بارع
…
ثم ذكر معاني شطر، وقول ابن منظور بأن شاطر مولَّدة، وختم بذكر الشاطر عند الصوفية.
- وأما الزعبلاوي في كتابه الرائع المميز «معجم أخطاء الكُتَّاب» (ص 310) فيرى أن الشاطر والشطارة لم ترد بمعنى المدح بالحذق والمهارة والنباهة، بل هي في الذم، وأنها استملت في العصر العباسي في وصف اللصوص، ثم ذكر استعمال الصوفية لها في المدح
…
وانتهى إلى أن الشطارة لي سمنها الحق والمعارة، وأنه قد يكون فيها معنى الحيلة والخبث والمكر.
- وأما أحمد رضا العاملي في كتابه «رد العامي إلى الفصيح» (ص 205) فيرى أن الشاطر عند العامة: الذكي الحاذق اللبق في عمله
…
قال: وفي اللغة من معانيه: الذكي السبَّاق المسرع! ! ومن أعيا أهله خبثاً ومكراً
…
إلخ
أقول: قوله من معانيه في اللغة: الذكي السباق
…
ليس صحيحاً، وقد أخذه من اصطلاح الصوفية.
- وأما يوسف الصيداوي في كتابه «اللغة والناس» (ص 108 ـ 110) فقال: (إنَّ شاطر عربية، ولكن معناها تطوَّرَ تطوراً أبعدها عن أصل معناها، وألبسها معنى لم يكن لها، فالشاطر في أيامنا تطلق على الذكي السباق.
ثم نقل قول الزبيدي، ثم قال: (وبالحق، إذا تتبعتَ استعمال هذه الكلمة في كتب التاريخ والأدب في الحِقَب المختلفة؛ رأيتَها قد أُطلِقَت على مَن تباعدوا عن الاستواء، وقد أُطلِقَت على اللصوص وقاطعي الطُّرُق، والفتَّاك، والفُسَّاق، والسَّفَلَة.
ثم ذكر وصف الجاحظ والمسعودي وابن بطوطة والمقري في «نفح الطيب» ، والأصبهاني في «الأغاني» ، وكلُّها تدل على المعنى السيئ، ثم قال: وقد تطورت الكلمة في عصرنا هذا، فأُطلِقت على الفتى الذكي السبَّاق.
أقول: لم تتطور في زماننا هذا، بل أُطلقت على الفتى السبَّاق من عدة قرون قبل ألف سنة تقريباً، أطلقها أول الأمر ـ فيما يظهر ـ الصوفية، وإن كان زماننا هذا اختُصَّ باشتهارها كثيراً.
- وذكر العلامة: محمد بن ناصر العبودي ـ حفظه الله ـ في كتابه الكبير «معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة» (7/ 155 ـ 156) أن الشاطر هو الماهر في صنعته
…
ثم نقل كلام الزبيدي في «التاج» عن الصوفية.
ثم قال: ذكر الدكتور داوود جلبي كما في «الآثار الآرامية في لغة الموصل العامية»
…
(ص 53) أن شاطر بالآرامية يستعملونها في مقام المدح بمعنى: نشيط، صاحب عزم واجتهاد ودُربة وحِذْق.
أقول: لم أجد في معاجم اللغة دلالة الشاطر على الماهر.
- وللعلامة: أحمد تيمور باشا في كتابه الكبير «معجم تيمور الكبير» (4/ 204 ـ 206) مراجع ضافية حول هذه الكلمة، وغالبها للمتأخرين، تدل على المدح. [[تجد صورةً منها بعد هذا المستند]]
- والعجيب أن لفظة شاطر في اللغة التركية يراد بها: الفَرِح الطرُوب. كما في «تكملة التركية بكلمات عربية» لمحمد بن عبدالله أبي الفضل القونوي (ص 270).
- ولها معنى آخر في «التركية» يراد «الشطَّار» رجل المعيَّة السلطانية، لهم لباس خاص، يتقدمون موكب السلطان، أُلغيت الوظيفة هذه، ثم أعيدت سنة 1666 م، ثم ألغاها سليمان لاثاني، ثم أعادها أحمد الثالث 1706 م، وكان عددهم في تناقص فكانوا في القرن الثامن عشر الميلادي: اثنا عشر رجلاً، ويوجد في حاشية بعض الوزراء نفر من الشطار، ويكثر استخدامهم في زمن الحرب.
انظر: «مصطلحات التاريخ العثماني ـ معجم موسوعي مصوَّر ـ» د. صالح سعداوي صالح، ط. دار الملك عبدالعزيز (2/ 759).
- ومن استخدامهم في زمن الحرب ـ وهو فيما يبدو من اللغة التركية ـ: نقل الأستاذ: حسام بن عبدالعزيز مكَّاوي في كتابه الممتع «المصطلحات الحضارية في مكة المكرمة من خلال بعض الكتب والوثائق المكية من القرن التاسع الهجري حتى منتصف القرن الرابع عشر» (ص 195) نقلاً عن محمد بن علي بن فضل الطبري الحسيني (ت 1173 هـ) في
كتابه: «إتحاف فضلاء الزمن بتاريخ ولاية بني الحسن» (ص 370) قوله: (خرج الشريف سعيد لأخذ الخلعة، فلما وصل أبقى جميع العسكر، وتقدَّم بالشُّطَّار فقط إلى الباشا).
وذكر الأستاذ حسام: أن هذه المصطلح لم يكن مشتهراً في مكة، وربما يكون الشريف سعيد أول وآخر من اتَّخذَ هؤلاء «الشطار» جماعة من المرافقين والمقرَّبين له.
قال: ولم أجد من ذكره بعد ذلك ممن أرَّخَ لمكة بعد عصر الشريف سعيد
…
، وقد أشار الطبري إلى وجود رئيس للشُّطَّار كان يُعرف بِ «الشاطر باش» ، وفي ذلك دليل على وجود تنظيم للشطار في مكة في تلك الحقبة.
- ينظر فيما سبق: «الفاخر» للمفضل بن سلمة (ت 290 هـ تقريباً)(ص 28)، «غريب الحديث» لابن قتيبة (2/ 567)، «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص 24)، «معاني القرآن» للزجاج (1/ 222)، «تهذيب اللغة» للأزهري (11/ 211)، «المنتخب من كلام العرب» للهُنائي (ص 240)، «الزاهر في معاني كلمات الناس» للأنباري (ت 328 هـ)(1/ 126) رقم (87)، «أساس البلاغة» للزمخشري (1/ 263 و 507)، «تفسير الراغب الأصبهاني» (1/ 334)، «لسان العرب» لابن منظور (4/ 408)، «تاج العروس» للزبيدي (12/ 171).