الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) والخنثى المشكل يحتمل أن يقسم لأن سبب القسامة وجد في حقه وهو الاستحقاق من الدية ولم يتحقق المانع من يمينه ويحتمل أن لا يقسم لأنه لا يحمل من العقل فلا يثبت القتل بيمينه كالمرأة
(مسألة)(وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمداً يوجب القصاص إذا ثبت القتل وأن تكون الدعوى على واحد)
لا يختلف المذهب أنه لا يستحق بالقسامة أكثر من قتل واحد وبهذا قال الزهري ومالك وبعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم يستحق بها قتل الجماعة لأنها بينة موجبة للقود فاستوى فيها الواحد والجماعة كالبينة وقول أبي ثور نحو هذا ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته) فخص بها الواحد ولأنها بينة ضعيفة
خولف بها الأصول في قتل الواحد فيقتصر عليه ويبقى على الأصل فيما عداه وبيان مخالفة الأصل بها أنها تثبت باللوث واللوث شبهة مغلبة على الظن صدق المدعي والقود يسقط بالشبهات فكيف يثبت بها؟ ولأن الايمان ثبتت ابتداء في سائر الدعاوي في جانب المدعى عليه وهذه بخلافه وبيان ضعفها أنها تثبت بقول المدعي ويمينه مع التهمة في حقه والشك في صدقه وقيام العداوة المانعة من صحة الشهادة عليه في اثبات حق لغيره فلأن يمنع من قبول قوله وحده في إثبات حق له أولى وأحرى وفارق البينة فانها قويت بالعدد وعدالة الشهود وانتفاء التهمة في حقهم من الجهتين في كونهم لا يثبتون لأنفسهم حقاً ولا نفعاً
فلا يدفعون عنها ضرراً ولا عداوة بينهم وبين المشهود عليه ولهذا يثبت بها سائر الحقوق والحدود التي تنتفي بالشبهات.
إذا ثبت هذا فلا قسامة فيما لا قود فيه في قول الخرقي فيطرد قوله في أن القسامة لا تسوغ إلا في حق واحد، وعند غيره من أصحابنا أن القسامة تجري فيما لاقود فيه فيجوز أن يقسموا على جماعة وهذا قول مالك والشافعي فعلى هذا إذا ادعى على رجلين على أحدهما لوث دون الآخر حلف على من عليه اللوث خمسين يميناً واستحق الدية عليه وحلف على الآخر يمينا واحدة وبرئ، وإن نكل عن اليمين فعليه نصف الدية وإن ادعى على ثلاثة عليهم لوث ولم يحضر إلا أحدهم حلف على الحاضر منهم خمسين يميناً واستحق ثلث الدية فإذا حضر الثاني ففيه وجهان (أحدهما) يحلف عليه خمسين يميناً أيضاً ويستحق ثلث الدية لأن الحق لا يثبت على احد الرجلين الا بما يثبت على صاحبه كالبينة فانه يحتاج الى اقامة البينة الكاملة على الثاني كاقامتها على الأول (والثاني) يحلف عليه خمساً وعشرين يميناً لأنهما لو حضرا معاً لحلف عليهما خمسيناً حصة كل واحد منهما خمس وعشرون وهذا الوجه ضعيف فان اليمين لا تقسم عليهم إذا حضروا ولو حلف على كل واحد منفرداً حصته من الأيمان لم يصح ولم يثبت له حق وإنما الأيمان عليهم جميعهم وتتناولهم
تناولاً واحداً ولأنها لو قسمت عليهم بالحصص لوجب أن لا يقسم على الأول أكثر من سبع عشرة يميناً وإن قيل إنما حلف بقدر حصته وحصة الثالث فينبغي أن يحلف أربعاً وثلاثين يميناً، واذا قدم
الثالث ففيه وجهان (أصحهما) يحلف عليه خمسين يميناً ويستحق ثلث الدية (والآخر) يحلف سبع عشرة يميناً وإن حضروا جميعاً حلف عليهم خمسين يميناً واستحق الدية عليهم أثلاثاً وهذا التفريع يدل على اشتراط حضور المدعى عليه وقت الأيمان وذلك أنها أقيمت مقام البينة فاشترط حضور من أقيمت عليه كالبينة وكذلك إن ردت الأيمان على المدعى عليهم اشترط حضور المدعين وقت حلف المدعى عليهم لأن الأيمان له عليهم فيعتبر رضاه بها وحضوره إلا أن يوكل وكيلاً فيقوم مقام الموكل (فصل) ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين فيحلفون خمسين يميناً، الكلام في هذا الفصل في أمرين (أحدهما) أن الأيمان تشرع في حق المدعين أولاً فيحلفون خمسين يميناً على المدعى عليه أنه قتلهم ويثبت حقهم فان لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يميناً وبرئ وهذا قول يحيى بن
سعيد وربيعة وأبي الزناد والليث ومالك والشافعي وقال الحسن يستحلف المدعى عليهم أولاً خمسين يمينا ويبرءون فان أبوا أن يحلفوا استحلف خمسين من المدعين أن حقنا قبلكم ثم يعطون الدية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم، وفي لفظ (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) رواه الشافعي في مسنده وروى أبو داود باسناده عن سليمان بن يسار عن رجال من الانصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم (يحلف منكم خمسون رجلا) فأبوا فقال للانصار (استحقوا) قالوا نحلف على الغيب يارسول الله فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود ابتداء ولأنه وجد بين أظهرهم ولأنها يمين في دعوى فوجبت في جانب المدعى عليه ابتداء كسائر الدعاوى، وقال الشعبي والنخعي والثوري وأصحاب الرأي يستحلف خمسون رجلا من أهل المحلة التي وجد فيها القتيل بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ويغرمون الدية لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك ولم نعرف له في الصحابة مخالفا فكان إجماعا وتكلموا في حديث سهل بما روى أبو داود عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي عن عبد الرحمن بن بجيد بن قنطى أحد بني حارثة قال ابن ابراهيم ويم الله ماكان سهل بأعلم منه ولكنه كان أسن منه قال والله ما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (احلفوا على ما لا علم لكم به) ولكنه كتب الى يهود حين كلمته الأنصار أنه وجد
بين أبنائكم قتيل فدوه فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ولنا حديث سهل وهو صحيح متفق عليه، ورواه مالك في موطئه وعمل به وما عارضه من الحديث لا يصح لوجوه (أحدها) انه نفي فلا يرد به قول المثبت (والثاني) أن سهلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد القصة وعرفها حتى انه قال: ركضتني ناقة من الابل والآخر يقول برأيه وظنه من غير أن يرويه عن أحد ولا حضر القصة (والثالث) أن حديثنا مخرج في الصحيحين وحديثهم بخلافه (الرابع) أنهم لا يعلمون بحديثهم ولا حديثنا فكيف يحتجون بما هو حجة عليهم فيما خالفوه
فيه؟ وحديث سليمان بن يسار عن رجال من الانصار لم يذكر لهم صحبة فهو أدنى حالا من حديث محمد ابن ابرايهم وقد خالف الحديثين جميعاً فكيف يجوز أن يعتمد عليه وحديث اليمين على المدعي عليه لم يرد به هذه القضية لأنه يدل على أن الناس لا يعطون بدعواهم وههنا قد أعطوا بدعواهم على أن حديثنا أخص منه فيجب تقديمه وهو حجة عليهم لكون المدعين أعطوا بمجرد دعواهم من غير بينة ولا يمين منهم وقد رواه ابن عبد البر بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة) وهذه الزيادة يتعين العمل بها لأن الزيادة
من الثقة مقبولة ولأنها أيمان مكررة فيبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان.
إذا ثبت هذا فإن أيمان القسامة خمسون على ما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
وأجمع عليه أهل العلم لا نعلم احدا خالف فيه
(الامر الثاني) أن الايمان تختص بالوارث دون غيرهم هذا ظاهر المذهب وظاهر قول الخرقي واختيار ابن حامد وهو قول الشافعي لأنها يمين في دعوى حق فلا تشرع في حق غير المتداعيين كسائر الأيمان فعلى هذه الرواية يقسم بين الورثة من الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر ارثهم إن كانوا جماعة وإن كان واحداً حلفها فإن انقسمت من غير كسر مثل أن يخلف المقتول
ابنين أو أخا وزوجا حلف كل واحد منهم خمساً وعشرين يمينا، وإن كان فيها كسر جبر عليهم مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يميناً والابن ثمانية وثلاثين يميناً لأن تكميل الخمسين واجب ولا يمكن تبعيض اليمين ولا حمل بعضهم لها عن بعض فوجب تكميل اليمين المنكسرة في حق كل واحد منهم فان كانوا ثلاثة بنين أو جداً وأخوين جبر الكسر فحلف كل واحد سبع عشرة يميناً، وإن خلف أخا من أب وأخا من أم فعلى الأخ من الأم سدس الأيمان ثم يجبر الكسر فيكون عليه تسع أيمان وعلى الأخ من الأب اثنان وأربعون وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر يحلف كل
واحد من المدعين خمسين يميناً سواء تساووا في الميراث أو اختلفوا فيه لأن ما حلفه الواحد إذا انفرد حلفه كل واحد من الجماعة كاليمين الواحدة في سائر الدعاوي وعن مالك أنه قال ينظر إلى من عليه أكثر اليمين فيجبر عليه ويسقط عن الآخر ولنا على أن الخمسين تقسم بينهم قول النبي صلى الله عليه وسلم للانصاريين (تحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم) وأكثر ماروي عنه في الأيمان خمسون ولو حلف كل واحد خمسين لكانت مائة ومائتين وهذا خلاف النص، ولأنها حجة للمدعين فلم تزد على ما يشرع في حق الواحد كالبينة ويفارق اليمين
على المدعى عليه فانها ليست حجة للمدعي ولأنها لم يمكن قسمتها فكملت في حق كل واحد كاليمين المنكسرة في القسامة فانها تجبر وتكمل في حق كل واحد لكونها لاتتبعض ومالا يتبعض يكمل كالطلاق والعتق، وما ذكره مالك لا يصح لأنه اسقاط لليمين عمن عليه بعضها فلم يجز كما لو تساوى الكسران
بأن يكون على كل واحد نصفها أو ثلثها إن كانوا ثلاثة وبالقياس على من عليه أكثرها، ولان اليمين في سائر الدعاوي تكمل في حق كل واحد ويستوي من له في المدعى قليل وكثير كذا ههنا ولأنه يفضي إلى أن يتحمل اليمين غير من وجبت عليه عمن وجبت عليه فلم يجز ذلك كاليمين الكاملة وكالجزء الأكبر
(فصل) فإن كان فيهم من لاقسامة عليه بحال وهو النساء سقط حكمه فإذا كان ابن وبنت حلف الابن الخمسين كلها وان كان أخ وأخت لأم وأخ وأخت لأب قسمت الأيمان بين الأخوين على احد عشر: على الأخ من الأم ثلاثة وعلى الآخر ثمانية ثم يجبر الكسر عليهما فيحلف الأخ من الأب سبعاً وثلاثين يميناً والأخ من الأم أربع عشرة يميناً (فصل) فإن مات المستحق انتقل إلى وارثه ما عليه من الأيمان وكانت الايمان بينهم على حسب مواريثهم ويجبر الكسر فيها عليهم كما يجبر في حق ورثة القتيل.
فان مات بعضهم قسم نصيبه من الأيمان بين ورثته فلو كان للقتيل ثلاثة بنين كان على كل واحد سبع عشرة يميناً، فان مات بعضهم قبل
أن يقسم وخلف ثلاثة بنين قسمت أيمانه بينهم فكان على كل واحد منهم ستة أيمان، وان خلف اثنين حلف كل واحد تسعة أيمان.
وانما قلنا هذا لأن الوارث يقوم مقام الموروث في إثبات حججه كما يقوم مقامه في استحقاق ماله وهذا من حججه ولذلك يملك إقامة البينة والحلف في الانكار ومع الشاهد الواحد في دعوى المال، فإن كان موته بعد شروعه في الايمان فحلف بعضها فان ورثته يستأنفون الايمان ولا يبنون على أيمانه لان الخمسين جرت مجرى اليمين الواحدة ولأنه لا يجوز أن يستحق أحد شيئاً بيمين غيره ولا يبطل هذا بما إذا حلف جميع الايمان ثم مات لأنه لا يستحق المال إرثا عنه، لابيمينه ولا بما إذا حلف الوارثان كل واحد منهما خمسا وعشرين يميناً فان الدية تستحق
بيمينهما لانهما يشتركان في الايمان ويستحق كل واحد بقدر أيمانه ولا يستحق بأيمان غيره وإن
كان اجتماع العدد شرطاً في استحقاقها (فصل) ولو حلف بعض الايمان ثم جن ثم أفاق فانه يتمم ولا يلزمه الاستئناف لأن أيمانه وقعت موقعها بخلاف الموت فان الموت يتعذر معه إتمام الأيمان منه وغيره لايبني على يمينه وههنا يمكنه أن يتمها إذا أفاق ولا يبطل بالتفريق بدليل أن الحاكم إذا أحلفه بعض الأيمان ثم تشاغل عنه لم يبطل ويتمها وما لا يبطله التفريق لا يبطله تخلل الجنون كالسعي بين الصفا والمروة.
وان حلف بعض الايمان
ثم عزل الحاكم وولي غيره أتمها عند الثاني ولم يلزمه استئنافها لان الايمان وقعت موقعها، وكذلك لو حلف بعضها ثم سأل احاكم إنظاره فأنظره بنى على ما مضى ولم يلزمه الاستئناف لما ذكرنا (فصل) وإذا حلف الاولياء استحقوا القود إذا كانت الدعوى عمداً إلا أن يمنع منه مانع، روى ذلك عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وبه قال مالك وأبو ثور وابن المنذر، وعن معاوية وابن عباس والحسن وإسحاق لا يجب بها لا الدية لقول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود (إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب من الله ورسوله) ولأن أيمان المدعين إنما هي لغلبة الظن وحكم الظاهر فلا يجوز إشاطة الدم بها لقيام الشبهة المتمكنة ولانها حجة لا يثبت بها النكاح فلا يجب بها القصاص كالشاهد واليمين وللشافعي قولان كالمذهبين
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته وفي رواية مسلم ويسلم اليكم وفي لفظ وتستحقون دم صاحبكم) وأراد دم القاتل لان دم القتيل ثابت لهم قبل اليمين، ولرمة الحبل الذي يربط به من عليه القود، ولأنها حجة يثبت بها العمد فيجب بها القود كالبينة، وقد روى الأثرم بإسناده عن عامر الاحول أن النبي صلى الله عليه وسلم اقاد بالقسامة بالطائف وهذا نص، ولأن الشارع جعل القول قول المدعي مع يمينه احتياطاً للدم فان لم يجب القود سقط هذا المعنى (مسألة)(وعن أحمد يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلا كل واحد يميناً) اختلفت الرواية عن أحمد فيمن تجب عليه ايمان القسامة فروي أنها تختص بالذكور من الوارث
وهو ظاهر المذهب وقد ذكرناه وروي عنه رواية ثانية أنه يحلف من العصبة وغير الوارث خمسون
رجلا كل واحد يميناً واحدة وهذا قول لمالك فعلى هذا يحلف الوراث منهم الذين يستحقون دمه فان لم يبلغوا خمسين تمموا من سائر العصبة يؤخذ الاقرب منهم فالأقرب من قبيلته التي ينتسب اليها ويعرف كيفية نسبه من المقتول، فأما من عرف انه من القبيلة ولم يعرف وجه النسب لم يقسم مثل أن يكون الرجل قرشياً والمقتول قرشي ولا يعرف كيفية نسبه منه فلا يقسم لأننا نعلم أن الناس كلهم من آدم ونوح وكلهم يرجعون إلى أب واحد، ولو قتل من لا يعرف نسبه لم يقسم عنه سائر الناس فان لم يوجد من نسبه خمسون رددت الأيمان عليهم وقسمت عليهم فان انكسرت بينهم عليهم جبر كسرها
عليهم حتى تبلغ خمسين لقول النبي صلى الله عليه وسلم للانصار (يحلف خمسون رجلا منكم وتستحقون دم صاحبكم) وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لعبد الله بن سهل خمسون رجلاً وارثاً فانه لا يرثه إلا اخوة أو من هو في درجته) أو أقرب منه نسباً ولأنه خاطب بهذا ابني عمه وهما غير وارثين (فصل) ويستحب أن يستظهر في ألفاظ اليمين في القسامة تأكيداً فيقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فان اقتصر على لفظة والله كفى ويقول والله أو بالله أو تالله بالجر كما تقتضيه العربية فان قاله مضموما أو منصوبا فقد لحن، قال القاضي ويجزئه تعمده أو لم يتعمده لانه لحن لا يحيل المعنى وهو قول الشافعي وما زاد على هذا تأكيد ويقول لقد قتل فلان بن فلان الفلاني ويشير اليه فلاناً ابني أو أخي منفرداً بقتله ما شركه غيره وان كنا اثنين قال منفردين بقتله ما شركهما غيرهما، ثم يقول عمداً أو خطأ وبأي اسم من أسماء الله سبحانه أو صفة من صفات ذاته
حلف أجزأ اذا كان اطلاقه ينصرف إلى الله تعالى، ويقول المدعى عليه في اليمين والله ما قتلته ولا شاركت في قتله ولافعلت سبباً مات منه ولا كان سبباً في موته ولا معيناً على موته (مسألة)(فإن لم يحلف المدعون حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ)
هذا ظاهر المذهب وهو الذي ذكره الخرقي وبه قال يحيى الانصاري وربيعة وأبو الزناد والليث والشافعي وأبو ثور وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنهم يحلفون ويغرمون الدية لقضية عمر وخبر سليمان بن يسار وهو قول أصحاب الرأي ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم) اي يبرءون منكم وفي لفظ قال (فيحلفون خمسين يمينا ويبرءون من دمه) وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود وانه أداها من عنده ولانها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه فيبرأ بها كسائر الايمان ولان ذلك إعطاء بمجرد
الدعوى فلم يجز للخبر ومخالفة مقتضى الدليل فان قول الانسان لا يقبل على غيره بمجرده كدعوى المال وسائر الحقوق ولأن في ذلك جمعا ين اليمين والغرم فلم يشرع كغيره من الحقوق (فصل) وإذا ردت الأيمان على المدعى عليهم وكان عمداً لم يجز على أكثر من واحد فيحلف خمسين يميناً وإن كانت على غير عمد كالخطأ وشبه العمد فلا قسامة في ظاهر كلام الخرقي لأن القسامة من شرطها اللوث والعداوة وهي إنما تؤثر في تعمد القتل لا في خطئه فان احتمال الخطأ في العدو وغيره سواء وقال غيره ومن أصحابنا فيه قسامة وهو قول الشافعي لأن اللوث يختص العداوة عندهم فعلى هذا تجوز الدعوى على جماعة فاذا ادعى على جماعة حلف كل واحد منهم خمسين يميناً وقال بعض أصحابنا تقسم الأيمان بينهم بالحصص كقسمها بين المدعين إلا انها ههنا تقسم بالسوية لأن المدعى
عليهم متساوون فيها فه كبني الميت وللشافعي قولان كالوجهين والحجة لهذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم (تبرئكم يهود بخمسين يميناً) وفي لفظ قال (فيحلفون لكم خمسين يمينا ويبرءون من دمه) ولأنهم أحد المتداعبين في القسامة فنقسط الأيمان على عددهم كالمدعين، وقال مالك يحلف من المدعى عليهم خمسون رجلا خمسين يميناً فان لم يبلغوا خمسين رجلاً رددت على من حلف منهم حتى تكمل خمسين يميناً فان لم يجد أحداً يحلف إلا الذي ادعى عليه حلف وحده خمسين يميناً ولنا أن هذه أيمان يبرئ بها كل واحد نفسه من التقل فكان على كل واحد خمسون كما لو ادعى
على كل واحد وحده قتيل ولأنه لا يبرئ المدعى عليه حال الاشتراك إلا ما يبرئه حالة الانفراد ولأن كل واحد منهم يحلف على غير ما حلف عليه صاحبه بخلاف المدعين فان أيمانهم على شئ واحد فلا يلزم من تلفيقها تلفيق ما يختلف مدلوله ومقصوده
(مسألة)(فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الامام من بيت المال) يعني أدى ديته لقضية عبد الله بن سهل حين قتل بخيبر فأبى الانصار أن يحلفوا وقالوا كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده كراهية أن يطل دمه فان تعذر فداؤه من بيت المال لم يجب على المدعى عليهم شئ لان الذي توجه عليهم اليمين، وقد امتنع مستحقوها من استيفائها فلم يجب لهم شئ كدعوى المال (مسألة)(وإن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا وهل تلزمهم الدية أو تكون في بيت المال؟ على روايتين) إذا امتنع المدعى عليهم من اليمين لم يحبسوا حتى يحلفوا، وعن أحمد رواية أخرى أنهم يحبسون حتى يحلفوا وهو قول أبي حنيفة ولنا أنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليها كسائر الايمان.
إذا ثبت هذا
فإنه لا يجب القصاص بالنكول لأنه حجة ضعيفة فلا يناط بها الدم كالشهاد واليمين قال القاضي ويديه الامام من بيت المال نص عليه أحمد وروي عنه حرب بن اسماعيل أن الدية تجب عليهم وهذا والصحيح وهو اختيار أبي بكر لأنه حكم يثبت بالنكول فيثبت في حقهم ههنا كسائر الدعاوى ولأن وجوبها في بيت المال يفضي إلى إهدار الدم وإسقاط حق المدعين مع إمكان جبره فلم يجز كما في سائر الدعاوى وههنا لو لم يجب على المدعى عليه مال بنكوله ولم يجبر على اليمين لخلا من وجوب شئ عليه بالكلية، وقال أصحاب الشافعي إذا نكل المدعى عليهم ردت الأيمان على المدعين إن قلنا موجبها المال فان حلفوا استحقوا وإن نكلوا فلا شئ لهم، وإن قلنا موجبها القصاص فهل ترد على المدعين؟ فيه قولان وهذا القول لا يصح لأن اليمين إنما شرعت في حق المدعى عليه إذا نكل عنها المدعي فلا
ترد عليه كما لاترد على المدعى عليه إذا نكل المدعى عنها بعد ردها عليه في سائر الدعاوى ولانه يمين مردودة على أحد المتداعبين فلا ترد على من ردها كدعوى المال
(باب قتال أهل البغي) والاصل في هذا قول الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله - إلى قوله - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) ففيها خمس فوائد (أحدها) أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان فانه سماهم مؤمنين (الثانية) أنه أوجب قتالهم (الثالثة) أنه أسقط قتالهم اذا فاءوا الى أمر الله (الرابعة) أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم اذا فاءوا إلى أمر الله (الخامسة) ان الآية أفادت جواز قتال كل من منع حقاً عليه وروى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أعطى اماما صفقة يده وثمرة قبله فليطعه ما استطاع فان جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر) رواه مسلم.
وروى عرفجة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ستكون هنات وهنات (ورفع صوته) ألا من خرج على أمتي وهم جميع فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان) فكل من ثبتت إمامته وجبت طاعته وحرم الخروج عليه وقتاله لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)