المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وله أن يجز صوفها ووبرها إذا كان أنفع لها - الشرح الكبير على المقنع - ط المنار - جـ ٣

[ابن أبي عمر]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ وله أن يجز صوفها ووبرها إذا كان أنفع لها

ولدها، ولأنه انتفاع لا يضر بها ولا بولدها فأشبه الركوب ويفارق الولد فإنه يمكن إيصاله إلى محله، أما اللبن فإن حلبه وتركه فسد، وإن لم يحلبه تعقد الضرع وأضربها فجوز له شربه وإن تصدق به كان أفضل لأن فيه خروجاً من الخلاف، وإن احتلب ما يضر بها أو بولدها لم يجز له وعليه الصدقة به وإن شربه ضمنه لأنه تعدى بأخذه وهكذا الحكم في الهدية، فإن قيل فصوفها وشعرها إذا جزه تصدق به ولم ينتفع به فلم جوزتم له الانتفاع باللبن قلنا الفرق بينهما من وجهين (أحدهما) ان لبنها يتولد من غذائها وعلفها وهو القائم فبه فجاز صرفه إليه كما أن المرتهن إذا علف الرهن كان له أن يركب ويحلب وليس له أنى أخذ الصوف ولا الشعر (الثاني) أن الصوف والشعر ينتفع به على الدوام فجرى مجرى جلدها واجزائها واللبن يشرب ويؤخذ شيئاً فشيئاً فجرى مجرى منافعها وركوبها، ولأن اللبن يتجدد كل يوم والصوف والشعر عين

موجودة دائمة في جميع احوال (مسألة)

‌ وله أن يجز صوفها ووبرها إذا كان أنفع لها

مثل أن تكون في زمن تخف بجزه وتسمن ويتصدق هبه، وإن لا يضر بها لقرب مدة الذبح أو كان بقاؤه أنفع لها لكونه يقيها الحر والبرد

ص: 566

لم يجز له حزه كما لا يجوز أخذ بعض أعضائها (مسألة)(ولا يعطى الجازر بأجرته شيئاً منها) وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ورخص الحسن وعبد الله بن عبيد بن عمير في اعطائه الجلد.

ولنا ما روى علي بضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلودها وجلالها وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً وقال " نحن نعطيه من عندنا " متفق عليه، ولأن ما يدفعه إلى الجزار عوض عن عمله وجزارته ولا تجوز المعاوضة بشئ منها، فأما إن دفع إليه صدقة أو هبة فلا بأس لأنه مستحق للاخذ فهو كغيره، بل هو أولى لانه باشرها وتاقت نفسه إليها (مسألة)(وله أن ينتفه بجلدها وجلها ولا يبيعه ولا شيئاً منها) لا خلاف في جواز الانتفاع بجلودها وجلالها لأن الجلد جزء منها فجاز للمضحي الانتفاع به كاللحم كان علقمة ومسروق يد بغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت رسول الله قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم يحملون منها الودك ويتخذون منها الاسقية، قال " وما

ص: 567

ذاك " قالت نهيت عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فقال " انها نهيتكم للدافة التي دفت فكلا وتزودوا وتصدقوا " حديث صحيح ولأنه انتفاع به فجاز كلحمها (فصل) ولا يجوز بيع شئ من الأضحية واجبة كانت أو تطوعاً لأنها تعينت بالذبح، قال أحمد لا يبيعها ولا يبيع شيئاً منها وقال سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى.

قال الميموني قالوا لأبي عبد الله فجلد الأضحية نعطيه السلاخ؟ قال لا وحكى قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تعط في جزارتها شيئاً منها " ثم قال اسناد جيد، وبه قال الشافعي وروي عن أبي هريرة، ورخص الحسن والنخعي في

الجلد أن يبيعه ويشتري به الغربال والمنخل وآلة البيت، وروي نحو ذلك عن الاوزاعي لأنه ينتفع به هو وغيره فجرى مجرى تفريق لحمها، وقال أبو حنيفة يبيع ما شاء منها ويتصدق بثمنه، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه يبيع الجلد ويتصدق بثمنه وحكاء ابن المنذر عن أحمد وإسحاق.

ولنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقسم جلودها وجلالها وأن لا يعطى الجازر شيئا منها وفيه دليل على وجوب الصدقة بالجلال وعلى تسويتها بالجلود، ولانه جعله الله تعالى فلم يجز بيعه وكالوقف وما ذكروه في شراء آلة

ص: 568

البيت يبطل باللحم لا يجوز بيعه لشراء الآلة وإن كان ينتفع به (مسألة)(فإن ذبحها فسرقت فلا شئ عليه) لأنها أمانة في يده، فإذا تلفت بغير تفريطه لم يضمنها كالوديعة (مسألة)(وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير إذنه أجزأت ولا ضمان على ذابحها) وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك هي شاة لحم لمالكها ارشها وعليه بدلها لأن الذبح عبادة، فإذا فعلها غير صاحبها عنه بغير إذنه لم تقع الموقع كالزكاة، وقال الشافعي تجزئ وله على ذابحها ارش مابين قيمتها صحيحة ومذبوحة لأن الذبح أحد مقصودي الهدي، فإذا فعله فاعل بغير إذن المضحي ضمنه كتفرقة اللحم.

ولنا على مالك أنه فعل لا يفتقر إلى النية فإذا فعله غير الصاحب أجزأ عنه كغسل ثوبه من النجاسة، وعلى الشاعفي أنها أضحية أجزأت عن صاحبها ووقعت موقعها فلم يضمن ذابحها كما لو كان بإذن، ولأنه إراقة دم تعينت ارقاته لحق الله تعالى فلم يضمن مريقة كقاتل المرتد بغير إذن الإمام، ولأن الأرش لو وجب فإنما يجب ما بين كونها مستحقة الذبح في هذه الأيام متعينة له وما بينها مذبوحة ولا قيمة لهذه الحياة ولا تفاوت بين القيمتين فتعذر وجود الأرش ووجوبه، ولأنه لو وجب الأرش لم يخل إما أن يجب للمضحي أو للفقراء لا جائز أن يجب للفقراء لأنهم انما يستحقونها مذبوحة، ولو دفعها إليهم في الحياة لم يجز، ولا جائز أن يجب له لأنه بدل شئ منها فلم يجز أن يأخذه كبدل عضو من أعضائها، ولأنهم وافقونا في أن الارض لا يدفع إليه فتعذر إيجابة لعدم مستحقه (فصل) وإن اشترى أضحية فلم يوجبها حتى علم بها عيباً فإن شاء ردها، وإن شاء أخذ أرشها

ثم إن كان عيبها يمنع الأجزاء لم يكن له التضحية بها وإن لم يمنع فله ذلك والارض له فإن أوجبها ثم

ص: 569

علم أنها معيبة فذكر القاضي أنه مخير بين ردها وأخذ أرشها فإن أخذ أرشها فحكمه حكم الزائد عن قيمة الأضحية على ما نذكره، ويحتمل أن يكون الأرش له لأن الإيجاب إنما صادفها بدون الذي أخذ أرشه فلم يتعلق الإيجاب بالأرش ولا بمبدله فاشبه مالو تصدق بها ثم أخذ أرشها، وعلى قول أبي الخطاب: لا يملك ردها لأنه قد زال ملكه عنها بإيجابها فأشبه ما لو اشترى عبداً معيباً فأعتقه ثم علم عيبه وهذا مذهب الشافعي فعلى هذا يتعين أخذ الأرش، وفي كون الأرش للمشتري ووجوبه في التضحية وجهان ثم ينظر فإن كان عيبها لا يمنع أجزاءها فقد صح إيجابها والتضحية بها، وإن كان يمنع أجزاءها فحكمه حكم ما لو أوجبها عالما بعيبها على ما ذكرناه (مسألة)(وإن أتلفها أجنبي ضمنها بقيمتها، ان أتلفها صاحبها ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها فإن ضمنها بمثلها وأخرج فضل القيمة جاز ويشتري به شاة أو سبع بدنة فإن لم يبلغ اشترى به لحماً فتصدق به أو يتصدق بالفضل) إذا أتلف الأضحية الواجبة صاحبها فعليه قيمتها لأنها من المتقومات، وتعتبر القيمة يوم أتلفها فإن غلت الغنم بعد ذلك فصار مثله خيراً من قيمتها فقال أبو الخطاب يلزمه مثله لأنها أكثر الأمرين ولأنه يتعلق بها حق الله تعالى في ذبحها فوجب عليه مثلها ليوفي بحق الله تعالى بخلاف الأجنبي وهذا مذهب الشافعي.

وظاهر قول القاضي أنه لا يلزمه إلا القيمة يوم الإتلاف وهو قول أبي حنيفة لأنه إتلاف أوجب القيمة فلم يجب به أكثر من القيمة يوم الإتلاف كما لو أتلفها أجنبي وكسائر المضمونات فإن رخصت الغنم فزادت قيمتها على مثلها مثل ان كانت قيمتها عند إتلافها عشرة فصارت قيمة مثلها

ص: 570