الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجب التوسعة عليهم وربما وسع عليهم من مؤنته وإنما منع السائق ورفقته من الاكل منها ليلا يقصر في حفظها فيعطيها ليأكل هو ورفقته منها فتلحقه التهمة في عطبها لنفسه ورفقته فحرموها لذلك.
فإن أكل منها أو باع أو أطعم غنياً أو رفقته ضمنه بمثله لحما، وإن أتلفها أو تلفت بتفريطه أو خاف عطبها فلم ينحرها حتى هلكت فعليه ضمانها يوصله إلى فقراء الحرم لأنه لا يتعذر عليه ايصال الضمان إليهم بخلاف العاطب، وإن أطعم منها فقيراً أو أمره بالأكل منها فلا ضمان عليه لأنه أوصله إلى مستحقه فأشبه ما لو فعل ذلك بعد بلوغ الهدي محله، وإن تعيب ذبحه وأجزأه.
وقال أبو حنيفة لا يجزيه، ولنا أنه لو عطب لم يلزمه شئ فالعيب أولى لأنه أقل وكما لو حدث به العيب حال اضجاعه فإنه قد سلمه، وإن تعيب بفعل آدمي فعليه ما نقصه من القيمة يتصدق به، وقال أبو حنيفة يباع جميعه ويشترى بالجمع هدي وبنى ذلك على أنه لا يجزئ وقد بينا أنه يجزئ (مسألة)
(وإن تعيبت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين كالفدية والمنذور في الذمة فعليه بدلها)
إذا أوجب أضحية سليمة ثم حدث بها عيب بمنع الأجزاء ذبحها وأجزأته روي هذا عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي واسحاق وقال أصحاب الرأي لا تجزئ لأن
الأضحية عندهم واجبة فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت ولناما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: ابتعنا كبشاً نضحي به فأصاب الذئب من اليته فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نضحي به رواه ابن ماجه، ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم
بمنع الأجزاء كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ولا نسلم أنها واجبة في الذمة وإنما تعلق الوجوب بعينها فأما إن تعيبت بفعله فعليه بدلها، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا عالج ذبحها فقلعت السكين عينها أجزأت استحساناً، ولنا أنه عيب أحدثه قبل ذبحه فلم يجزئه كما لو كان قبل معالجة الذبح (فصل) والواجب في الذمة من الهدي قسمان (أحدهما) وجب بالنذر في ذمته (والثاني) وجب بغيره كهدي المتعة والقرآن والدماء الواجبة في النسك بترك واجب أو فعل محظور فمتى عين عما في ذمته شيئاً فقال هذا الواجب علي فإنه يتعين الوجوب فيه من غير أي أن تبرأ الذمة لأنه لو أوجب هديا ولا هدي عليه لتعين فكذلك إذا كان اجبا فعينه الا أن مضمون عليه فإن عطب أو سرق أو نحو ذلك لم يجزئه وعاد الوجوب إلى ذمته كما لو كان لرجل عليه دين فاشترى به مكيلاً فتلف قبل قبضه انفسخ البيع وعاد الدين إلى ذمته، ولأن ذمته لم تبرأ من الواجب بتعيينه وإنما تعلق الوجوب بمحل آخر فصار الدين يضمنه ضامن أو يرهن به رهناً فإنه يتعلق الحق بالضامن والرهن مع بقائه في ذمة الدين فمتى تعذر استيفاؤه من الضامن أو تلف الرهن بقي الحق في الذمة بحاله فأما إن ساق الهدي ينوي به الواجب الذي في ذمته ولم يعينه بالقول فهذا لا يزول ملكه عنه إلا بذبحه ودفعه إلى أهله وله التصرف فيه بما شاء من بيع وهبة وأكل وغير ذلك لأنه لم يتعلق به حق لغيره وله نماؤه وإن عطب تلف من ماله وإن تعيب لم يجزئه ذبحه وعليه الهدي الذي كان واجباً ولا يبرأ إلا بإيصاله إلى مستحقه بمنزلة من عليه دين فحمل إلى مستحقه يقصد دفعة إليه فتلف قبل أن يوصله إليه ومتى عينه بالقول تعين فإن ذبحه فسرق أو عطب فلا شئ عليه قال أحمد رحمه الله إذا نحر فلم يطعمه حتى سرق
لا شئ عليه، فإنه إذا نحر فقد فرغ وبهذا قال الثوري وابن القاسم صاحب مالك وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي: عليه الإعادة لأنه لم يوصل الحق إلى مستحقه فأشبه ما لو لم يذحبه.
ولنا أنه أدى الواجب عليه فبرئ منه كما لو فرقه، ودليل أنه أدى الواجب أنه لم يبق إلا التفرقة وليست واجبة لأنه لو خلي بينه وبين الفقراء أجزأه ولذلك لما نحر النبي صلى الله عليه وسلم البدنات قال " من شاء اقتطع " وإذا عطب هذا المعين أو تعيب عيباً يمنع الأجزاء لم يجزئه ذبحه عما في الذمة لأن عليه هديا سليماً ولم يوجد وكذلك إذا عين عن الأضحية التي في الذمة شاة فهلكت أو تعيبت بما يمنع الأجزاء لم تجزئ لأن ذمته لم تبرأ إلا بذبح شاة سليمة كما لو نذر عتق رقبة أو كان عليه عتق رقبة في كفارة فاشتراها سليمة ثم عابت عنده لم تجزئه عما في ذمته بخلاف ما لو نذر عتق عبد معين فعاب فإنه يجزئ عنه (مسألة)(وهل له استرجاع هذا العاطب والمعيب؟ على روايتين)(إحداهما) له استرجاعه إلى ملكه فيصنع به ما شاء.
هذا ظاهر كلام الخرقي ورواه ابن المنذر عن أحمد والشافعي واسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي ونحوه عن عطالانه إنما عينه عما في ذمته فإذا لم يقع عنه عاد إلى صاحبه كمن أخرج زكاته فبان أنها غير واجبة.
وقال مالك: يأكل ويطعم من أحب من الأغنياء والفقراء ولا يبيع منه شيئاً.
ولنا ما روى سعيد باسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا اهديت هديا واجباً فعطب فانحره ثم كله إن شئت واهده إن شئت وبعه إن شئت.
ويقوم به في هدي آخر ولأنه متى كان له أن يأكل ويطعم الاغنياء كان له بيعه لأنه ملكه (والثانية) لا يرجع المعين إلى ملكه لأنه قد تعلق به حق الفقراء بتعيينه فلزم ذبحه كما لو عينه بنذره ابتداء (فصل) فإن عين معيباً عما في ذمته لم يجزه ويلزمه ذبحه على قياس قوله في الأضحية إذا عينها معيبة لزمه ذبحها ولم يجزه، وإن عين صحيحاً فهلك أو تعيبت بغير تفريطه لم يلزمه أكثر مما كان واجباً في الذمة لأن الزائد لم يجب في الذمة، وإنما تعلق بالعين فسقط بتلفها كأصل الهدي إذا لم يجب بغير التعيين، وإذا أتلفه أو تلف بتفريطه لزمه مثل المعين إن كان زائدا عما في الذمة لان الزائد تعلق به حق الله تعالى فإذا فوته لزمه كاهدي المعين ابتداء
(مسألة)(وكذلك إن ضلت فذبح بدلها ثم وجدها)
إذا ضل المعين فذبح غيره ثم وجده أو عين غير الضال بدلاً عما في الذمة ثم وجد الضال ذبحهما معاً.
روى ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وبه قال مالك والشافعي وإسحاق لما روي عن عائشة رضي الله عنها انها أهدت هديين فأضلتهما فبعث إليها ابن الزبير بهديين فنحرتهما ثم عاد الضالان فنحرتهما وقالت: هذه سنة الهدي.
رواه الدار قطبي، وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه تعلق حق الله تعالى بهما بإيجابهما أو ذبح أحدهما وإيجاب الآخر، ويتخرج أن يرجع إلى ملكه أحدهما بناء على المسألة التي قبلها فيما إذا عين عما في الذمة شاة فعطبت أو تعينت أنها ترجع إلى ملكه لأنه قد ذبح عما في الذمة فلم يلزمه شئ آخر كما لو عطب المعين وهذا قول أصحاب الرأي (فصل) إذا غصب شاة فذبحها عما في ذمته لم يجزه وإن رضي مالكها وسواء عوضه عنها أو لم يعوضه وقال أبو حنيفة يجزيه إن رضي مالكها.
ولنا أن هذا لم يكن قربة في ابتدائه فلم يصر قربة في أثنائه كما لو ذبحها للأكل ثم نوى بها التقرب وكما لو أعتق عبداً ثم نواه عن كفارته (فصل) لا يبرأ من الهدي إلا بذبحه أو نحره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه فإن نحره بنفسه أو وكل من نحره أجزأه وكذلك إن نحره إنسان بغير إذنه في وقته وفيه اختلاف ذكرناه، وإن دفعه إلى الفقراء سليماً فنحروه أجزأ عنهم لأنه حصل المقصود بفعلهم فأجزأه كما لو ذبحه غيرهم وإن لم ينحروه فعليه أن يسترده منهم وينحره فان لم يفعل أو لم يقدر فعليه ضمانه لأنه فوته بتفريطه في دفعه إليهم سليماً (فصل) ويباح للفقراء الاخد من الهدي إذا لم يدفعه إليهم باحذ شيئين (أحدهما) الأذن فيه لفظاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " من شاء اقتطع "(والثاني) دلالة الحال على الأذن كالتخلية بينهم وبينه، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يباح إلا باللفظ.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اصبغ نعلها في دمها واضرب به صفحتها " دليل على أن ذلك وشبهه كاف من غير لفظ ولولا ذلك لم يكن هذا مفيداً (فصل) قال رحمه الله: سوق الهدي مسنون لا يجب إلا بالنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فساق
في حجته مائة بدنة وكان يبعث بهديه وهو بالمدينة وليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به والأصل عدم الوجوب فإن نذره وجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه " ولأنه نذر طاعة
فوجب الوفاء به كنذور الطاعات (1)(مسألة)(ويستحب أن يقفه بعرفة ويجمع بين الحل والحرام ولا يجب ذلك) روي استحباب ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان ابن عمر لا يرى الهدي إلا ما عرف به ونحوه عن سعيد بن جبير.
وقال مالك: أحب للقارن يسوق هديه من حيث يحرم فإن ابتاعه من درن ذلك مما يلي مكة بعد أن يقفه بعرفة جاز، وقال في هدي المجامع إن لم يكن ساقه فليشتره من مكة ثم ليخرجه إلى الحل وليسقه إلى مكة.
ولنا أن المراد من الهدي نحره ونفع المساكين بلحمه وهذا لا يقف على شئ مما ذكوره ولم يرد بما قالوه دليل يوجبه فبقي على أصله (مسألة) ويسن إشعار البدن وهو أن يشق صفحة سنامها حتى يسيل الدم ويقلدها ويقلد الغنم النعل وآذان القرب والعري) يسن تقليد الإبل والبقر وإشعارها وهو أن يشق صفحة سنامها الإيمن حتى يدميها في قول أهل العلم وقال أبو حنيفة هذا مثله غير جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان ولأنه إيلام فهو كقطع عضو منه، وقال مالك: إن كانت البقرة ذا ت سنام فلا بأس بإشعارها وإلا فلا لونا ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها.
متفق عليه، وفعله الصحابة فيجب تقديمه على عموم ما احتجوا به ولأنه إيلام لغرض صحيح فجاز كالكي والوسم والحجامة وفائدته أن لا تختلط بغيرها وأن يتوقاها اللص ولا يحصل ذلك بالتقليد بمفرده لأنه يحتمل أن ينحل ويذهب وقياسهم ينتقض بالكي وبشعر البقرة لانها من البدن فتشعر كذات السنام.
أما الغنم فلا يسن اشعارها لأنها ضعيفة وصوفها وشعرها يستر موضع إشعارها.
إذا ثبت هذا فالسنة الاشعار في صفحتها اليمنى، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال مالك وأبو يوسف بل
يشعرها في صفحتها اليسرى، وعن أحمد مثله لأن ابن عمر فعله.
ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم دعا ببدنة وأشعرها من صفحة سنامها الإيمن وسلت الدم عنها بيده.
رواه مسلم.
وأما ابن عمر فقد روي عنه كمذهبنا رواه البخاري ثم فعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى من فعل ابن عمر
بغير خلاف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في شأنه كله وإذا ساق الهدي من قبل الميقات استحب اشعاره وتقليده من الميقات لحديث ابن عباس: وإن كانت غنماً استحب أن يقلدها نعلاً أو آذان القرب أو علافة إداوة أو عروة، وقال مالك وأبو حنيفة لا يسن تقليد الغنم لأنه لو كان سنة لنقل كما نقل في الابل.
ولنا ما روى أن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفتل القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ولأنه إذا سن تقليد الإبل مع أنه يمكن تعريفها بالإشعار فالغنم أولى وإن ترك التقليد والاشعار فلا شئ عليه لأنه غير واجب (مسألة)(وإذا نذر هديا مطلقاً فأقل ما يجزئه شاة أو سبع بدنة أو بقرة لأن المطلق في النذور يحمل على المعهود الشرعي، والهدي الواجب في الشرع إنما هو من النعم وأقله ما ذكرناه فحمل عليه ولهذا لما قال الله تعالى في المتعة (فما استيسر من الهدي) حمل على ما قلنا فإن اختار إخراج بدنة كاملة فهو أفضل وهل تكون كلها واجبة على وجهين ذكرناهما في باب الفدية) (مسألة)(ومن نذر بدنة أجزأته بقرة) قد ذكرنا ذلك في باب الفدية (مسألة)(فإن عين بنذره أجزأه ماعينه صغيرا كان أو كبيراً من الحيوان وغيره وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم إلا أن يعينه بموضع سواه) إذا عين الهدي بشئ لزمه ماعينه وأجزأه سواء كان من بهيمة الأنعام أو من غيرها وسواء كان حيواناً أو غيره مما ينقل أو مما لا ينقل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من راح يعني إلى الجمعة في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة " فذكر الدجاجة والبيضة في الهدي وعليه إيصا له إلى فقراء الحرم لأنه سماه هديا وأطلق فيحمل على محل الهدي المشروع
وقد قال سبحانه (ثم محلها إلى البيت العتيق) فإن كان مما ينقل كالعقار باعه وبعث ثمنه إلى الحرم فتصدق به فيه وكذلك إذا نذر هدياً مطلقاً أو معيناً وأطلق مكانه وجب عليه إيصاله إلى فقراء الحرم وجوز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء كما لو نذر الصدقة بشاة.
ولنا قوله تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) ولأن النذر يحمل على المعهود شرعاً والمعهود في الهدي الواجب بالشرع كهدي المتعة وشبهه
إن ذبحه يكون في الحرم كذا ههنا فإن عين نذره بموضع غير الحرم لزم ذبحه فيه ويفرق لحمه على مساكينه أو اطلاقه لهم لما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني نذرت إن أنحر ببوانة.
قال " أبها صنم؟ " قال لا.
قال " أوف بنذرك " رواه أبو داود فإن نذر الذبح بموضع فيه صنم أو شئ من الكفر أو المعاصي كبيوت النار والكنائس والبيع وأشباه ذلك (1) لم يصح نذره لعموم هذا الحديث ولأنه نذر معصية فلا يوف به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية الله " ولقوله عليه السلام " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه "(مسألة)(ويستحب أن يأكل من هديه ولا يأكل من واجب إلا من دم المتعة والقرآن) يستحب أن يأكل من هديه وسواء في ذلك ما أوجبه بالتعيين من غير أن يكون واجباً في ذمته وما نحره تطوعاً من غير أن يوجبه لقول الله تعالى (فكلوا منها) وأقل أحوال الأمر الاستحباب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من بدنه، وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " كلوا وتزودوا " فأكلنا وتزودنا رواه البخاري.
والمستحب أن يأكل اليسير كما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فاكلام منها وحسياً من مرقها ولأنه نسك فاستحب الأكل منه كالأضحية وله التزود والأكل كثيراً كما جاء في حديث جابر وتجزئه الصدقة باليسير منها كما في الأضحية فإن أكلها كلها ضمن المشروع للصدقة منها كما في الأضحية، وقال ابن عقيل: حكمه في الأكل والتفريق حكم الأضحية، وحديث جابر في أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر من كل جزور ببضعة يدل على خلاف قوله ولأن الهدي يكثر بخلاف الأضحية.
وإن
لم يأكل فحسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نحر البدنات الخمس قال " من شاء اقتطع " وظاهره أنه لم يأكل منهن شيئاً، وقال بعض أهل العلم يجب الأكل منها لظاهر الأمر.
ولنا الحديث المذكور ولأنها ذبيحة يتقرب إلى الله تعالى بها فلم يجب الأكل منها كالعقيقة (مسألة)(ولا يأكل من واجب إلا دم المتعة والقرآن دون ما سواهما) نص عليه أحمد لأن سببهما غير محظور فأشبها هدي التطوع، وهذا قول أصحاب الرأي، وعن
أحمد أنه يحرم الأكل من النذور وجزاء الصيد ويأكل مما سواهما وهو قول ابن عمر وعطاء والحسن واسحق لأن جزاء الصيد بدل والنذر جعله لله تعالى بخلاف غيرهما وقال ابن أبي موسى: لا يأكل أيضاً من الكفارة ويأكل مما سوى الثلاثة ونحوه مذهب مالك، لأن ما سوى الثلاثة لم يسمه للمساكين ولا مدخل للإطعام فيه فاشبه التطوع وقال الشافعي لا يأكل من واجب لأنه هدي وجب بالإحرام فلم يجز الأكل منه كدم الكفارة ولنا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تمتعن معه في حجة الوداع وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة ثم ذبح عنهن النبي صلى الله عليه وسلم البقر فأكلن من لحومها، قال أحمد قد أكل من البقر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة.
وقالت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا؟ فقيل ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه.
وقال ابن عمر تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فساق الهدي من ذي الحليفة.
متفق عليه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل هو وعلي من لحمها وشربا من مرقها رواه مسلم.
ولأنهما دما نسك أشبها التطوع ولا يجوز الأكل من غيرهما لأنه وجب بفعل محظور أشبه جزاء الصيد (فصل) فإن أكل مما منع من أكله ضمنه بمثله لحماً لأن الجميع مضمون عليه بمثله حيواناً فكذلك ابعاضه، وكذلك إن أعطى الجازر منها شيئاً ضمنه بمثله فإن أطعم غنياً منها على سبيل الهدية جاز كما
يجوز له ذلك في الاضحة لان ماملك أكله ملك هديته، وإن باع شيئاً منها أو أتلفه ضمنه بمثله لأنه ممنوع من ذلك عطيته للجازر، وإن أتلف أجنبي منه شيئا ضمنه بقيمته لأنه من غير ذوات الأمثال فضمنه بقيمته كما لو أتلف لحماً لآدمي معين (فصل) قال رحمه الله (والأضحية سنة مؤكدة لا تجب إلا بالنذر) أكثر أهل العلم يرون الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة.
روى ذلك عن ابي بكر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعلقمة والاسود وعطاء والشافعي
واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال ربيعة ومالك والثوري والليث والاوزاعي وأبو حنيفة هي واجبة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من كان له سبعة ولم يصح فلا يقربن مصلانا " وعن محنف بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا أيها الناس أن على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة " ولنا ماروى الدار قطبي بإسناده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ثلاث كتبن علي وهن لكم تطوع " وفي رواية " الوتر والنحر وركعتا الفجر " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره لوا بشرته شيئاً " رواه مسلم.
علقه على الإرادة والواجب لا يعلق على الإرادة، ولأنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة، وحديثهم قد ضعفه أصحاب الحديث ثم نحمله على الاستحباب كما قال " غسل الجمعة واجب على كل محتلم " وقال:" من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن صملانا " وقد روي عن أحمد في اليتيم يضحي عنه وليه إذا كان موسراً، وقال أبو الخطاب وهذا يدل على أنها واجبة والصحيح أن هذا على وجه التوسعة عليه لا سبيل الإيجاب.
فان نذرها وجبت لقول النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه " وهذا نذر طاعة
(مسألة)(وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها نص عليه) وبهذا قال ربيعة وأبو الزناد، وروي عن بلال أنه قال ما أبالي ألا أضحي إلا بديك ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه أحب إلي من أن أضحي، وبهذا قال الشعبي وأبو ثور وقالت عائشة لأن أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلي البيت ألفاً.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء بعده، ولو علموا أن الصدقة أفضل لعدلوا إليها، وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عزوجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً " رواه ابن ماجه: ولأن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عائشة في الهدي لا في الاضحية
(مسألة) ويستحب أن يأكل ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، وإن أكل أكثر جاز) قال أحمد نحن نذهب إلى حديث عبد الله يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث.
قال علقمة بعث معي عبد الله بهديه فأمرني أن آمل ثلثها، وإن أرسل إلى أهل أخيه بثلث، وأن أتصدق بثلث.
وعن ابن عمر قال: الضحايا والهدايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين، وهذا قول إسحاق وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر.
يجعلها نصفين يأكل نصفها ويتصدق بنصف لقول الله تعالى (فكلا منها وأطعموا البائس الفقير) وقال أصحاب الرأي ما كثر من الصدقة فهو أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة، وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت لي قدر فأكل هو وعلي من لحمها وحسيا من مرقها، ونحر خمس بدنات أو ست بدنات وقال " من شاء اقتطع " ولم يأكل منهن شيئاً.
ولنا ما روى ابن عباس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث رواه الحافظ أبو موسى في الوظائف وقال حديث حسن، ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف في
الصحابة.
ولأن الله تعالى قال فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) والقانع السائل، يقال قنع قنوعاً إذا سأل، والمعتر الذي يعتريك أي بتعرض لك لتطعمه ولا يسأل فذكر ثلاثة أصناف فينبغي أن يقسم بينهم أثلاثاً، وأما الآية التي احتج بها أصحاب الشافعي فإن الله تعالى لم يبين قدر المأكول منها والمتصدق به وقد نبه عليه في آيتنا وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وابن عمر بقوله، وأما خبر أصحاب الرأي فهو في الهدي، والهدي يكثر فلا يتمكن الإنسان من قسمه وأخذ ثلثه فيتعين الصدقة.
والأمر في هذا واسع فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز، وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها أجزأ لأن الله تعالى أمر بالأكل والإطعام منها ولم يقيده بشئ فمتى أكل وأطعم فقد أتى بما أمر.
وقال أصحاب الشافعي يجوز أكلها كلها.
ولنا أن الله تعالى قال (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) وظاهر الأمر الوجوب، وقال بعض أهل العلم يجب الأكل منها ولا تجوز الصدقة بجميعها للأمر بالأكل.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات وقال " من شاء فليقتطع " ولم يأكل منهن شيئاً،
ولأنها ذبيحة يتقرب بها إلى الله تعالى فلم يجب الأكل منها كالعقيقة فيكون الأمر للاستحباب أو للاباحة كالامر بالأكل من الثمار والزروع والنظر إليها (فصل) ويجوز أن يطعم منها كافراً وبهذا قال الحسن وأبو ثور وأصحاب الرأي وكره مالك والليث إعطاء النصراني جلد الأضحية، وقال مالك غيرهم أحب إلينا.
ولنا أنه طعام له أكله فجاز إطعامه الذمي كسائر طعامه، ولأنه صدقة تطوع فأشبه سائر صدقة التطوع، وأما الصدقة الا جبة منها فلا يجزئ دفعه إلى كافر لأنها واجبة فأشبهت الزكاة وكفارة اليمين (مسألة)(فإن أكلها كلها ضمن أقل ما يجزئ في الصدقة مها) لقول الله تعالى (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) والأمر يقتضي الوجوب، ولأن ما أبيح له أكله لا يلزمه غرامته، ويلزم غرم ما وجبت به الصدقة لأنه حق يجب عليه مع بقائه فلزمته غرامته إذا أتلفه كالوديعة ويضمنه بمثله لحماً لأن ما ضمن جميعه بحيوان ضمن بعضه بمثله وفيه قول آخر إنه يجب عليه ضمان ثلثها ذكره صاحب المحرر والأول أقيس وأصح
(فصل) وإذا نذر أضحية في ذمته ثم ذبحها فله أن يأكل منها، وقال القاضي من أصحابنا يمنع من الأكل منها وهو ظاهر كلام أحمد وبناه على الهدي المنذور.
ولنا أن النذر محمول على المعهود والمعهود من الأضحية الشرعية ذبحها والأكل منها والنذر لا يغير من صفة المنذور إلا الإيجاب وفارق الهدي فإن الهدي الاجب بأصل الشرع لا يجوز الأكل منه فالمنذور محمول عليه (فصل) ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث في قول عامة أهل العلم ولم يجزه علي وابن عمر رضي الله عنهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث.
ولنا أن النبي قال " كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدالكم " رواه مسلم، وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا " قال أحمد رحمه الله فيه أسانيد صحاح، فأما علي وابن عمر فلم تبلغهما الرخصة وقد كانا سمعا النهي فروياه على ما سمعوه (فصل) ولا يضحي عما في البطن روى ذلك عن ابن عمر وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً
وليس للعبد والمدبر والمكاتب وأم الولد أن يضحوا إلا بإذن سادتهم لأنهم ممنوعون من التصرف بغير إذنهم والمكاتب ممنوع من التبرع والأضحية تبرع، فأما من نصفه حراذا ملك يجزئه الحر فله أن يضحي بغير إذن سيده لأن له التبرع بغير إذن (مسألة) (ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي وهل ذلك حرام؟ على وجهين؟ لما روت ام سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي " رواه مسلم، وفي رواية " ولا من بشرته " رواه مسلم ظاهر هذا التحريم وهو قول بعض أصحابنا، وحكاه ابن المنذر عن أحمد واسحاق وسعيد بن المسيب، وقال القاضي وجماعة من أصحابنا هو مكروه غير محرم، وبه قال مالك والشافعي
لقول عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا يحرم عليه شئ أحله الله له حتى ينحر الهدي.
متفق عليه، وقال أبو حنيفة لا يكره ذلك لأنه لا يحرم عليه الوطئ واللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظفار كما لو لم يرد أن يضحي.
ولنا الحديث المذكور وظاهره التحريم وهذا يرد القياس وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه وتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، ولأنه يجب حمل حديثهم على غير ما تناوله محل النزاع لوجوه (منها) أن أقل أحوال النهي الكراهة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل مانهي عنه وإن كان مكروها قال الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنها كم عنه)(ومنها) أن عائشة إنما تعلم ظاهراً ما يباشرها به من المباشرة أو ما يفعله دائماً كاللباس والطيب، أما قص الشعر وتقليم الأظفار مما لا يفعله في الأيام إلا مرة فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، فإن احتمل إرادته فهو احتمال بعيد وما كان هكذا فاحتمال تخصيصه قريب فيكفي فيه أدنى دليل وخبرنا دليل قوي فكان أولى بالتخصيص ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة تخبر عن قوله والقول يقدم على الفعل لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له، إذا ثبت هذا فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار، فإن فعل استغفر الله ولا فدية عليه اجماعا ساء فعله عمداً أو ناسياً
(فصل) قال ابن أبي موسى يستحب أن يحلق رأسه عقيب الذبح ولم يذكر له وجهاً والله أعلم ولعله لما كان ممنوعاً منه قبل الذبح استحب له ذلك كالمحرم (فصل) قال رضي الله عنه (والعقيقة سنة مؤكدة) العقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود، وقيل هي الطعام الذي يصنع ويدعى إليه من أجل المولود.
قال أبو عبيد العقيقة الشعر الذي على المولود، وجمعها عقائق ثم إن العرب سمت الذبيحة عند حلق شعر المولود عقيقة على عادتهم في تسمية الشئ باسم سببه أو ما يجاوره ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية بحيث لا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة، وقال ابن عبد البر: أنكر أحمد هذا التفسير وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه، ووجهه أن أصل العق القطع، ومنه عق والدين إذا قطعهما، والذبح قطع الحلقوم والمرئ والودجين
والعقيقة سنة في قول عامة أهل العلم منهم ابن عباس وابن عمر وعائشة وفقهاء التابعين وأئمة الأمصار وقال أصحاب الرأي ليست سنة وهي من أمر الجاهلية لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقل " أن الله لا يجب العقوق " فكأنه كره الاسم وقال " من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل " رواه مالك في الموطأ وقال الحسن وداود هي واجبة وروي عن بريدة أن الناس يعرضون عليها كما يعرضون على الصلوات الخمس لما روى سلمة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمي ويحلق رأسه " وعن أبي هريرة مثله قال أحمد إسناده جيد، وروي حديث سمرة الاثرم وأبو داود، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام بشاتين مكافئتين (1) وعن الجارية بشاة، وظاهر الأمر الوجوب ولنا على أنها مستحبة هذه الاحاديث، وعن أمر كرز الكعبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة " وفي لفظ " عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاة " رواه أبو داود وقد دل على استحبابها الإجماع.
قال أبو الزناد من أمر الناس كانوا يكرهون تركه، وقال أحمد رضي الله عنه العقيقة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدعق عن الحسن والحسين وفعله أصحابه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الغلام مرتهن بعقيقته " وهو إسناد جيد يرويه أبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم ومن جعلها من أمر الجاهلية فهو لأن هذه الأخبار لم تبلغه، والدليل على عدم وجوبها ما احتج به أصحاب الرأي من الخبر، وما روي فيها من الأخبار محمولة على تأكيد الاستحباب جمعاً بين الأخبار فإنه أولى من التعارض ولأنها ذبيحة لسرور حادث فلم تكن واجبة كالوليمة (فصل) وهي أفضل من التصدق بقيمتها نص عليه أحمد قال: إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سنة.
قال أحمد احياء السنن واتباعها أفضل، وقد ورد فيها من تأكيد الأحاديث التي رويناها ما لم يرد في غيرها (مسألة)(عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة) يروي ذلك عن ابن عباس وعائشة وهو قول أكثر القائلين بها.
منهم الشافعي وأبو ثور وكان ابن عمر يقول: شاة شاة عن الغلام والجارية، لما روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن شاة، وعن الحسين شاة.
رواه أبو داود وكان الحسن وقتادة لا يريان عن الجارية عقيقة لأن العقيقة شكر للنعمة الحاصلة بالولد والجارية لا يحصل بها سرور فلا يشرع لها عقيقة.
ولنا حديث عائشة وأم كرز وما رووه محمول على الجواز.
إذا ثبت هذا فيستحب أن تكون الشاتان متماثلتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم شاتان مكافأتان، وفي رواية مثلان قال أحمد يعني متقاربتين أو متساويتين لما جاء من الحديث فيه، ويجوز فيها الذكر والأنثى لأنه روي في حديث أم كرز أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ولا بأس أن تكون ذكوراً أو إناثاً " رواه سعيد وابن داود والذكر أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وضحى بكبشين والعقيقة تجري مجرى الأضحية والأفضل في لونها البياض ويستحب استحسانها واستسمانها واستعظامها لما ذكرنا في الأضحية لأنها تشبهها فإن خالف ذلك أو عق بكبش واحد أجزأ لما روينا من حديث الحسن والحسين (مسألة)(وتذبح يوم سابعه ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورقا فإن فات ففي أربعة عشر فإن فات ففي إحدى وعشرين) السنة أن تذبح العقيقة يوم السابع لما ذكرنا من حديث سمرة.
قال شيخنا ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم القائلين بمشروعيتها في استحباب ذبحها يوم السابع.
يستحب أن
يحلق رأس الصبي يوم السابع ويسمى لحديث سمرة وأن يتصدق بوزن شعره من الفضة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة لما ولدت الحسن " احلقي رأسه وتصدقي وزن شعره فضة على المساكين والاوقاص " يعني أهل الصفة رواه الإمام أحمد، وروى سعيد في سننه عن محمد بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وضحى بكبشين.
والعقيقة تجري مجرى الأضحية والأفضل في لونها البياض، وأنه تصدق بوزن شعورهما ورقاً وأن فاطمة رضي الله عنها كانت إذا ولدت ولداً حلقت شعره وتصدقت بوزن شعره ورقا: وإن سماه قبل السابع فحسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولد لي الليلة ولد فسميته باسم أبي إبراهيم " والغلام الذي جاء به أنس بن مالك فحنكه وسماه عبد الله.
ويستحب أن يحسن اسمه لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنكم تدعون يوم القيامة
بأسمائكم وأسماء آبائكم فاحسنوا أسماكم " رواه أبو داود وقال عليه الصلاة والسلام " أحب الأسماء إلى الله عبد الله والرحمن " رواه مسلم وهو حديث صحيح وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال " أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " وفي رواية " لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي " (فصل) فإن فات الذبح في السابع ففي أربع عشرة، فإن فات ففي إحدى وعشرين، وهذا قول إسحاق لأنه روي عن عائشة رضي الله عنها، والظاهر أنها لا تقوله إلا توفيقاً فإن ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأ لحصول المقصود بذلك فإن تجاوز إحدى وعشرين احتمل أن يستحب في كل سابع فيجعله في ثمان وعشرين، فإن لم يكن ففي خمس وثلاثين، وعلى هذا قياساً على ما قبله، واحتمل أن يجوز في كل وقت لأن هذا قضاء فائت فلم يتوقف كقضاء الأضحية وغيرها فإن لم يعق أصلاً فبلغ الغلام وكسب فقد سئل أحمد عن هذه المسألة فقال ذلك على الوالد يعني لا يعق عن نففسه لأن السنة في حق غيره وقال عطاء والحسن يعق عن نفسه لأنه مشروعة عنه ولأنه مرتهن بها فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه ولنا أنها مشروعة في حق الوالد فلا يفعلها غيره كالأجنبي وكصدقة الفطر (فصل) يكره أن يلطخ رأس الصبي بدم عن أحمد والزهري ومالك والشافعي وابن المنذر
وحكي عن الحسن وقتادة أنه مستحب، وحكاه ابن أبي موسى قولا في المذهب لما روي في حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويدمى " رواه همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال ابن عبد البر لا أعلم أحداً قال هذا إلا الحسن وقتادة وأنكره سائر أهل العلم وكرهوه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مع الغلام العقيقة فهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى " رواه أبو داود وهذا يقتضي أن لا يمس بدم لأنه أذى، وروى زيد بن عبد المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم " قال مهنا ذكرت هذا الحديث لأحمد فقال: ما أظرفه.
رواه ابن ماجه ولم يقل عن أبيه، ولأن هذا تنجيس له فلا يشرع كلطخه بغيره من النجاسات، وقال بريدة كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ويلطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة
ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران.
رواه أبو داود فأما رواية من روى ويدمي فقال أبو داود ويسمى أصح هكذا قال سلام بن أبي مطيع عن قتادة واياس بن دغفل عن الحسن ووهم همام وقال: ويدمي قال أحمد قال فيه ابن أبي عروبة يسمى، وقال همام يدمى، وما اره الاخطأ وقبل هو تصحيف من الراوي (مسألة)(وينزعها أعضاء ولا يكسر عظمها وحكمها حكم الأضحية) يستحب أن يفصلها أعضاء ولا يكسر عظامها لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت السنة شاتان مكافأتان عن الغلام وعن الجارية شاة يطبخ جدولاً لا يكسر عظم ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع.
قال أبو عبيد الهروي في العقيقة تطبخ جدولاً لا يسكر لها عظم أي عضواً عضواً وهو الجدل بالدال غير المعجمة والأرب والشلو والعضو والوصل كله واحد إنما فعل بها ذلك لأنها أول ذبيحة ذبحت عن الغلام فاستحب ذلك تفاؤلا بالسلامة كذلك قالت عائشة وروي أيضاً عن عطاء وابن جريج وبه قال الشافعي (فصل) وحكمها حكم الأضحية في سنها وما يجزئ منها، وما لا يجزئ، ويستحب فيها من الصفة ما يستحب فيها وكانت عائشة تنقول ائتوني به أعين أقرن.
قال عطاء الذكر أحب إلي من الأنثى والضأن أحب إلينا من المعز، ويكره فيها ما يكره في الأضحية وهي: الشرقاء والخرقاء والمقابلة
والمدابرة، ويستحب استشراف العين والأذن كما ذكرنا في الأضحية سواء لأنها تشبهها فتقاس عليها وحكمها في الأكل والهدية والصدقة حكم الأضحية، وبهذا قال الشافعي وقال ابن سيرين اصنع بلحمها كيف شئت، وقال ابن جريح تطبخ بماء وملح وتهدى في الجيران والصديق ولا يتصدق منها بشئ وسئل أحمد عنها فحكى قول ابن سيرين، وهذا يدل على أنه ذهب إليه وسئل هل يأكلها كلها؟ قال: ألم أقل يأكلها كلها ولا يتصدق منها بشئ؟ والاشبه قياسها على الأضحية لانها نسيكة مشروعة غير واجبة أشبهت الأضحية، ولأنها أشبهتها في صفتها وسنها وقدرها وشروطها فكذلك في مصرفها وإن طبخها ودعا من أكلها فحسن (فصل) قال أحمد رحمه الله: يباع الجلد والرأس والسقط ويتصدق به ونص في الأضحية على
خلاف هذا وهو أقيس في مذهبه لانها ذبيحة الله فلا يباع منها شئ كالهدي، ولأنه يمكن الصدقة به فلا جاجة إلى بيعه، وقال أبو الخطاب يحتمل أن ينقل حكم إحداهما إلى الأخرى فيخرج في المسئلتين روايتان، ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن الأضحية ذبيحة شرعت يوم النحر فأشبهت الهدي، والعقيقة شرعت عند سرور حادث وتجدد نعمة أشبهت الذبح في الوليمة، ولأن الذبيحة ههنا لم تخرج عن ملكه فكان له أن يفعل بها ما شاء من بيع وغيره، والصدقة بثمن ما بيع منها بمنزلة الصدقة به في فضلها وثوابها وحصول النفع به فكان له ذلك (فصل) قال بعض أهل العلم: يستحب للوالد أن يؤذن في أذن ابنه حين يولد لما روى عبد الله ابن رافع عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له مولود أخذه في خرقة فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وسماه وروينا أن رجلاً قال لرجل عند الحسن يهنيه بانب: ليهنك الفارس، فقال الحسن: وما يدرك أفارس هو أو حمار؟ فقال كيف نقول؟ قال قل؟ بورك لك في الموهوب؟ وشكرت الواهب؟ وبلغ أشده؟ ورزقت بره.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحنك أولاد الأنصار بالتمر.
وروى أنس رضي الله عنه قال: ذهب بعبد الله بن أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد قال " هل معك تمر؟ " فناولته تمرات فلاكهن ثم فغرفاه ثم مجه
طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد قال " هل معك تمر؟ " فناولته تمرات فلاكهن ثم فغرفاه ثم مجه فيه فجعل يتلمظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى حب الأنصار التمر " وسماه عبد الله (مسألة)(ولا تسن الفرعة وهي ذبح أول ولد الناقة ولا العتيرة وهي ذبيحة رجب) هذا قول علماء الأمصار سوى ابن سيرين فإنه كان يذبح العتيرة في رجب ويروي فيها شيئاً
والفرعة والفرع بفتح الراء أول ولد الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم في الجاهلية فنهوا عنها قال ذلك أبو عمرو الشيباني وقال أبو عبيد: العتيرة هي الرجبية كان أهل الجاهلية إذا طلب أحدهم أمراً نذر أن يذبح من غنمه شاة في رجب وهي العتائر، والصحيح إن شاء الله تعالى أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر جعلوا ذلك سنة فيما بينهم كالأضحية في الأضحى وكان منهم من ينذرها كما قد ينذر الأضحية بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة " وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام تقريراً لما كان في الجاهلية وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر ثم نسخ بعد، ولأن العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي قت كان لزمه الوفاء بنذره وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة.
قال إبن المنذر: هذا حديث ثابت.
ولنا على أنها لا تسن ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا فرع ولا عتيرة " متفق عليه.
وهذا الحديث متأخر على الأمر بها فيكون ناسخا ودليل تأخر أمران (أحدهما) أن راويه أبو هريرة وهو متأخر الإسلام فإن إسلامه في سنة فتح خيبر وهي السنة السابعة من الهجرة (والثاني) أن الفرع والعتيرة كان فعلها أمراً متقدماً على الإسلام فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه واستمرار النسخ من غير رفع له، ولو قدرنا تقدم النهي عن الأمر بها لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها، وهذا خلاف الظاهر، إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته فلو ذبح إنسان ذبيحة فقي رجب أو ذبح ولد الناقة لجاته إلى ذلك أو للصدقة به وإطعامه لم يكن ذلك مكروها والله تعالى أعلم (تم الجزء الثالث..)