الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا قود في المأمومة ولا في الجائفة ولا في المنقلة " ولأنهما جرحان لا تؤمن الزيادة فيهما فلم يجب فيهما قصاص ككسر العظام "
(مسألة)(إلا أن تكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص موضحة بغير خلاف بين أصحابنا)
.
وهو مذهب الشافعي لأنه يقتصر على بعض حقه ويقتص من محل جنايته فإنه إنما وضع السكين في موضع وضعها الجاني، لأن سكين الجاني وصلت الى العظم ثم تجاوزته بخلاف قاطع الساعد فإنه لم يضع سكينه في الكوع.
(مسألة)(ولا شئ له مع القصاص على قول أبي بكر) لأنه جرح واحد فلا يجمع فيه بين قصاص ودية كما لو قطع الشلاء بالصحيحة وكما في الأنفس إذا قتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر، وقال ابن حامد له ما بين دية موضحة ودية تلك الشجة، وهو مذهب الشافعي لأنه تعذر القصاص فيه فانتقل الى البدل كما لو قطع أصبعيه فلم يمكن الاستيفاء إلا من واحدة وفارق الشلاء بالصحيحة فإن الزيادة ثم من حيث المعنى وليست مميزة بخلاف مسئلتنا
فيأخذ في الهاشمة خمساً من الإبل وفي المنقلة عشراً (مسألة)(ويعتبر قدر الجرح بالمساحة فلو أوضح إنساناً في بعض رأسه، مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه وفي الأرش للزائد وجهان)
وجملة ذلك أنه أراد الاستيفاء من موضحة وشبهها فإن كان على موضعها شعر أزاله ويعمد إلى موضع الشجة من رأس المشجوج فيعلم طولها وعرضها بخشبة أو خيط ويضعها على راس الشاج ويعلم طرفيه بسواد أو غيره ويأخذ حديدة عرضها كعرض الشجة فيضعها في أول الشجة ويجرها الى آخرها فيأخذها مثل الشجة طوعلا وعرضاً ولا يراعي العمق لأن حده العظم ولو روعي لتعذر الاستيفاء، لأن الناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته وهذا كما يستوفى الطرف بمثله وإن اختلفا في الصغر والكبر والرقة والغلظة فإن كان رأس الشاج والمشجوج سواء استوفى قدر الشجة وإن كان رأس الشاج أصغر لكنه يتسع للشجة استوفيت وإن استوعبت رأس الشاج كله لأنه استوفاها بالمساحة ولا يمنع الاستيفاء زيادتها على مثل موضعها من رأس الجاني لأن الجميع رأس وإن كان قدر الشجة يزيد على رأس الجاني فإنه يستوفي الشجة في جميع رأس الشاج ولا يجوز أن تنزل إلى جبهته لأنه يقتص في عضو آخر غير العضو المجني عليه ولا ينزل الى قفاه لما ذكرنا ولا يستوفي بقية الشجة في موضع آخر من رأسه لأنه يكون مستوفياً موضحتين واضعاً للحديدة في غير الموضع الذي وضعها فيه الجاني واختلف أصحابنا فيماذا يصنع؟ فذكر القاضي أن ظاهر كلام أبي بكر أنه لا أرش له فيما بقي كيلا يجمع بين قصاص ودية في جرح واحد، وهذا مذهب أبي حنيفة فعلى هذا يتخير بين الاستيفاء في جميع رأس الشاج ولا أرش له وبين العفو الى دية موضحة، وقال ابن حامد وبعض أصحابنا
له أرش ما بقي وهو مذهب الشافعي، لأن القصاص تعذر فيما جنى عليه فكان له أرش كما لو تعذر في الجميع، فعلى هذا تقدر شجة الجاني من الشجة في رأس المجني عليه ويستوفي أرش الباقي فإن كانت بقدر ثلثيها فله أرش ثلث موضحة وإن زادت على هذا أو نقصت فبالحساب من أرش الموضحة
ولا يجب له أرش موضحة كاملة لئلا يفضي إلى إيجاب القصاص ودية موضحة وإن أوضحه في جميع رأسه ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه أن يوضح منه بقدر مساحة موضحة من أي الطرفين شاء لأنه جنى عليه في ذلك الموضع كله وإن استوفى قدر موضحته ثم تجاوزها واعترف أنه عمد ذلك فعليه القصاص في ذلك القدر، فإذا اندملت موضحته استوفى منه القصاص في موضع الاندمال لأنه موضع الجناية، وان ادعى الخطأ فالقول قوله لأنه محتمل وهو أعلم بقصده وعليه أرش موضحة، فإن قيل فهذه الموضحة كلها لو كانت عدواناً لم يجب فيها إلا دية موضحة فكيف يجب في بعضها دية موضحة قلنا لأن المستوفى لم يكن جناية إنما الجناية الزائد، والزائد لو انفرد لكان موضحة فكذلك إذا كان معه ما ليس بجناية بخلاف ما إذا كانت كلها عدواناً فإن الجميع جناية واحدة (فصل) إذا أوضحه في جميع رأسه ورأس الجاني أكبر فأراد أن يستوفي القصاص بعضه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخرة منع ذلك لأنه يأخذ موضحتين بواحدة وديتهما مختلفة، ويحتمل
الجواز لأنه لا يجاوز موضع الجناية ولا قدرها، فإن أهل الخبرة إن في ذلك زيادة ضرر أو شين لم يجز ولأصحاب الشافعي كهذين القولين، فإن كان رأس المجني عليه أكبر فأوضحه الجاني في مقدمه ومؤخره موضحتين قدرهما جميع رأس الجاني فله الخيار بين أن يوضحه موضحة واحدة في جميع رأسه أو يوضحه موضحتين يقتصر في كل واحدة منهما على قدر موضحته ولا أرش لذلك وجها واحدة لأنه ترك استيفاء مع امكانه، وان عفا الى الأرش فله أرش موضحتين، وإن شاء اقتص من احداهما وأخذ أرش الأخرى (فصل) فإن كانت الجناية في غير الرأس والوجه وكانت في ساعد فزادت على ساعد الجاني لم ينزل الى الكف ولم يصعد الى العضد وإن كانت في الساق لم ينزل الى القدم ولم يصعد الى الفخذ لأنه عضو آخر فلا يقتص منه كما لم ينزل من الرأس الى الوجه ولم يصعد من الوجه الى الرأس (فصل) إذا شج في مقدم رأسه أو مؤخره عرضاً شجه لا يتسع لها مثل موضعها من رأس الشاج فأراد أن يستوفي من وسط الرأس فيما بين الاذنين لكونه يتسع لمثل تلك الشجة ففيه وجهان
(أحدهما) لا يجوز لأنه غير الموضع الذي شجه فيه فلم يجز له الاستيفاء منه كما لو أمكنه استيفاء حقه من محل الشجة، واحتمل الجواز لأن الرأس عضو واحد فإذا لم يمكنه استيفاء حقه من محل شجته
جاز من غيره كما لو شجه في مقدم رأسه شجة قدرها جميع رأس الشاج جاز إتمام استيفائها من مؤخر رأس الجاني، وهذا منصوص الشافعي وهكذا يخرج فيما إذا كان الجرح في موضع من الساق والقدم والذراع والعضد، وإن أمكن الاستيفاء من محل الجناية لم يجز العدول عنه وجهاً واحداً (فصل) قال (وإذا اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح موجب للقصاص وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعاً حتى تبين فعلى جميعهم القصاص في أشهر الروايتين وهي التي ذكرها الخرقي) وبذلك قال مالك وأبو ثور وقال الحسن والزهرى والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر لا يقطع يدان بيد واحدة وهي الرواية الأخرى لأنه روي عنه أن الجماعة لا يقتلون بالواحد، وهذا تنبيه على أن الأطراف لا تؤخذ بطرف واحد لأن الأطراف يعتبر التساوي فيها بدليل أنا لا نأخذ الصحيحة بالشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصة ولا أصلية بزائدة ولا يميناً بيسار ولا يساراً بيمين، ولا تساوي بين الطرف والأطراف فوجب امتناع القصاص بينهما ولا يعتبر التساوي في النفس فإنا نأخذ الصحيح بالمريض وصحيح الأطراف بمقطوعها وأشلها ولأنه يعتبر في القصاص في الأطراف التساوي في نفس
القطع بحيث لو قطع كل واحد من جانب الآخر لم يجب القصاص بخلاف النفس ولأن الاشتراك الموجب للقصاص في النفس يقع كثيراً فوجب القصاص زجراً عنه كي لا يتخذ وسيلة إلى كثرة القتل والاشتراك المختلف فيه ولا يقع إلا في غاية الندرة فلا حاجة الى الزجر عنه، ولأن إيجاب القصاص على المشتركين في النفس يحصل به الزجر عن كل اشتراك أو عن الاشتراك المعتاد وإيجابه على المشركين في الطرف لا يحصل به الزجر عن الاشتراك المعتاد ولا عن شئ من الاشتراك إلا عن صورة نادرة الوقوع بعيدة الوجود يحتاج في وجودها إلى تكلف فإيجاب القصاص الزجر عنها يكون منعا لشئ لا يكاد يقع
لصعوبته وإطلاقاً في القطع السهل المعتاد بنفي القصاص عن فاعله وهذا لا فائدة فيه بخلاف الاشتراك في النفس، يحققه أن وجوب القصاص في الطرف والنفس على الجماعة بواحد على خلاف الأصل لكونه أخذ في الاستيفاء زيادة على ما فوت عليه ويخل بالتماثل المنصوص على النهي عما عداه، وإنما خولف هذا الأصل زجراً عن الاشتراك الذي يقع القتل به غالباً ففيما عداه يجب البقاء على أصل التحريم ولأن النفس أشرف من الطرف ولا يلزم من المحافظة عليها بأخذ الجماعة بالواحد المحافظة على ما دونها بذلك ولنا ما روى أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده ثم جاءا بآخر فقالا
هو السارق وأخطأنا في الأول فرد شهادتهما على الثاني وغرمهما دية يد الأول وقال لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما فأخبر أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة، ولأنه أحد نوعي القصاص فيؤخذ فيه الجماعة بالواحد كالأنفس، وأما اعتبار التساوي فمثله في الأنفس فإنا نعتبر التساوي فيها فلا نأخذ مسلماً بكافر ولا حراً بعبد، وأما أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها فلأن الطرف ليس هو من النفس المقتص منها وإنما يؤخذ تبعاً ولذلك كانت ديتهما واحدة بخلاف اليد الناقصة والشلاء مع الصحيحة فإن ديتهما مختلفة، وأما اعتبار التساوي في الفعل فإنما اعتبر في اليد لأنه يمكن مباشرتهما بالقطع فإذا قطع كل واحد منهما من جانب فإن فعل كل واحد منهما متميزاً عن فعل الآخر فلا يجب على انسان قطع محل لم يقطع مثله، وأما النفس فلا يمكن مباشرتها بالفعل وإنما أفعالهم في البدن فيفضي ألمه اليها فيزهق ولا تميز ألم فعل أحدهما من ألم فعل الآخر فكانا كالقاطعين في محل واحد ولذلك لا يستوفى من الطرف إلا في المفصل الذي قطع الجاني منه ولا يجوز تجاوزه في النفس لو قتله بجرح في جنبه أو بطنه أو غير ذلك كان الاستيفاء من العنق دون المحل الذي وقعت الجناية فيه.
إذا
ثبت هذا فإن الجناية إنما تجب على المشتركين في الطرف إذا اشتركوا فيه على وجه لا يتميز فعل أحدهم من فعل الآخر إما بأن شهدوا عليه بما يوجب قطعه فيقطع ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا انساناً على قطع طرف فيجب قطع المكرهين والمكره أو يلقوا صخرة على طرف انسان فيقطعه أو يقطعوا يداً
أو يقلعوا عيناً بضربة واحدة أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعاً أو يمدوها فتبين ونحو ذلك (مسألة)(وإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل واحد من جانب فلا قصاص عليهم رواية واحدة) لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها وإن كان فعل كل واحد منهم يمكن الاقتصاص بمفرده اقتص منه وهذا مذهب الشافعي (مسألة)(وسراية الجناية مضمونة بالقصاص أو الدية) سراية الجناية مضمونة بغير خلاف لأنها أثر جناية والجناية مضمونة فكذلك أثرها ثم ان سرت الى النفس أو ما لا يمكن مباشرته بالاتلاف مثل ان هشمه في راسه فيذهب ضوء عينه وجب القصاص فيه ولا خلاف في ذلك في النفس، وفي ضوء العين خلاف ذكرناه فيما مضى، وإن سرت الى ما يمكن مباشرته بالاتلاف مثل ان قطع اصبعاً فتأكلت أخرى وسقطت ففيه القصاص أيضا في قول امامنا
وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وقال أكثر الفقهاء لا قصاص في الانية وتجب ديتها لأن ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية كما لو رمى سهماً الى شخص فمرق منه الى آخر ولنا أن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس ولأنه أحد نوعي القصاص فأشبه ما ذكرنا، وفارق ما ذكروه فإن ذلك فعل وليس بسراية ولأنه لو قصد ضرب رجل فأصاب آخر لم يجب القصاص ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص، ولو ضرب ابهامه فمرق الى سبابته وجب القصاص فيها فافترقا، ولأن الثانية تلفت بفعل أوجب القصاص فوجب القصاص فيها كما لو رمى أحدهما فمرق الى الأخرى (مسألة)(وان شل ففيه ديته) وبهذا قال الشافعي قالوا يجب الأرش في الثانية التي شلت والقصاص في الأولى، وقال
أبو حنيفة لا يجب القصاص فيها ويجب أرشهما جميعاً لأن الحكم السراية لا ينفرد عن الجناية بدليل ما لو سرت الى النفس فاذا لم يجب القصاص في إحداها لم يجب في الأخرى.
ولنا أنها جناية موجبة
للقصاص لو لم تسرفا وجبته إذا سرت كالتي تسري الى سقوط أخرى وكما قطع يد حبلى فسرى الى جنينها وبهذا يبطل ما ذكره، وارق الأصل لأن السراية مقتضية للقصاص كاقتضاء الفعل له فاستوى حكمهما وههنا بخلافه ولأن ما ذكره غير صحيح فإن القطع إذا سرى إلى النفس وجب القصاص في النفس وسقط في القطع فخالف حكم الجناية حكم السراية فسقط ما قاله.
إذا ثبت ذلك فإن الأرش يجب في ماله فلا تحمله العاقلة لأنه جناية عمد وإنما لم يجب القصاص فيه لعدم المماثلة في القطع فإذا قطع اصبعه فشلت أصابعه الباقية وكفه فعفا عن القصاص وجب له نصف الدية وإن اقتص من الأصبع فله في الأصابع الباقية أربعون من الإبل ويتبعها ما حاذاها من الكف وهو أربعة أخماسه فيدخل أرشه فيها ويبقى خمس الكف فيه وجهان (أحدهما) يتبعها في الارش فلا شئ له فيه (والثاني)
فيه الحكومة لأن ما يقابل الأربع يتبعها في الأرش لاستوائهما في الحكم وحكم التي اقتص منها مخالف لحكم الأرش فلم يتبعها (مسألة)(وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصاً فسرى الى النفس فلا شئ على القاطع) وبهذا قال الحسن وإبن سيرين ومالك والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد وإبن المنذر وري ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وقال عطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحادث العكلي والشعبي والنخعي والزهري وأبو حنيفة: عليه الضمان قال أبو حنيفة عليه كمال الدية في ماله، وقال غيره هي على عاقلته لأنه فوت نفسه ولا يستحق إلا طرفه فلزمته ديته كما لو ضرب عنقه
ولأنها سراية قطع مضمون فكانت مضمونة كسراية الجناية والدليل على أنه مضمون أنه مضمون بالقطع الأول لأنه في مقابلته ولنا أن عمر وعلياً رضي الله عنهما قال من مات من حد أو قصاص لا دية له الحق قتله رواه سعيد بمعناه ولأنه قطع مستحق مقدر فلا تضمن سرايته كقطع السارق وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس ما فعله مستحقاً: إذا ثبت هذا فلا فرق بين سرايته الى النفس بأن يموت منها أو ألى ما دونها مثل أن يقطع
أصبعاً فتسري الى كفه (مسألة)(ولا يقتص في الطرف إلا بعد برئه) في قول أكثر أهل العلم منهم النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء والحسن قال إبن المنذر كل من أحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالجرح حتى يبرأ ويتخرج لنا أنه يجوز الاقتصاص قبل البرء وبناء على قولنا إنه إذا سرى إلى النفس يفعل به كما لو
فعل وهذا قول الشافعي قال ولو سأل القود ساعة قطعت أصبعه أقدته لما روى جابر أن رجلاً طعن رجلاً بقرن في ركبته فقال يا رسول الله أقدني قال " حتى تبرأ " فأني وعجل فاستقاد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فعييت رجل المستقيد وبرأت رجل المستقيد منه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ليس لك شئ إنك عجلت " رواه سعيد مرسلاً ولأن القصاص في الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال كما لو برأ ولنا ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد من الحرج حتى يبرأ المجروح رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الجرح لا يدرى أقتل هو أو لا فينبغي أن ينتظر ليعلم ما حكمه فقد رواه وفي سياقه فقال يا رسول الله عرجت فقال " قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك " ثم نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه وهذه زيادة يجب قبولها وهي متأخرة
عن الاقتصاص فتكون ناسخة له وفي نفس الحديث ما يدل على أن استقادته قبل البرء معصية لقوله " قد نهيتك فعصيتني " وما ذكروه ممنوع وهو مبنى الخلاف (مسألة)(فان فعل ذلك سقط حقه من سرايته فلو سرى إلى نفسه كان هدراً ولو سرى القصاص الى نفس الجاني كان هدراً أيضاً وقال الشافعي هي مضمونة لأنها سراية جناية فكانت مضمونة كما لو لم يقتص) ولنا الخبر المذكور ولأنه استعجل ما لم يكن له إستعجاله فبطل حقه كقاتل موروثه.
وبهذا فارق من لم يقتص فعلى هذا لو سرى القطعان جميعاً فمات الجاني والمستوفي فهما هدر.
وقال أبو حنيفة يجب ضمان كل واحد
منهما لأن سراية كل واحد منهما مضمونة ثم يتقاصان وقال الشافعي إن مات المجني عليه أولا ثم مات الجاني كان قصاصاً به لأنه مات من سراية القطع فقد مات بفعل المجني عليه وإن مات الجاني فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يكون موت الجاني هدراً ولولي المجني عليه نصف الدية فلما إن
سرى أحد القطعين دون صاحبه فعندنا هو هدر لا ضمان فيه وعند أبي حنيفة يجب ضمان سرايته وعند الشافعي أن سرت الجناية فهي مضمونة وإن سرى الاستيفاء لم يجب ضمانه ومبنى ذلك على ما تقدم من الخلاف (فصل) وإن اندمل جرح الجناية فاقتص منه ثم انتقض فسرى فسرايته مضمونة وسراية الاستيفاء غير مضمونة لأنه إقتص بعد جواز القصاص فعلى هذا لو قطع يدي رجل فبرأ فاقتص ثم انتقض جرح المجني عليه فمات فلوليه الجاني لأنه مات من جنايته وقال ابن أبي موسى إذا جرحه فبرأ ثم انتقض فمات فلا قود فيه ولنا أن الجناية لو سرت إلى النفس قبل الاندمال وجب القصاص فكذلك بعده وان عفا الى الدية فلا شئ له لأنه استوفى بالقطع ما قيمته دية وهو يداه وإن سرى الاستيفاء لم يجب ايضاً شئ لأن القصاص قد سقط بموته والدية لا يمكن ايجابها لما ذكرنا وإن كان المقطوع بالجناية يدا قوليه بالخيار
بين القصاص في النفس وبين العفو الى نصف الدية ومتى سقط القصاص بموت الجاني أو غيره وجب نصف الدية في تركة الجاني أو ماله إن كان حياً (فصل) ولو قطع كتابي يد مسلم فبرأ واقتص ثم انتقض جرح المسلم ومات فلوليه قتل الكتابي والعفو الى أرش الجرح وفي قدره وجهان: (احدهما) نصف الدية لأنه قد استوفى بدل يده بالقصاص وبدلها نصف ديته فبقي له نصفها كما لو كان القاطع مسلماً (والثاني) له ثلاثة أرباعها لأن يد اليهودي تعدل نصف ديته وذلك ربع دية المسلم فقد استوفى
ربع ديته وبقي له ثلاثة أرباعها وإن كان قطع يدي المسلم فاقتص منه ثم مات المسلم فعفا وليه الى مال انبنى على الوجهين وإن قلنا تعتبر قيمة يد اليهودي فله ههنا نصف الدية وإن قلنا الاعتبار بقيمة يد المسلم فلا شئ له ههنا لأنه قد استوفى بدل يديه وهما جميع ديته ولو كان القطع في يديه ورجليه فعفا الى
الدية لم يكن له شئ وجهان واحداً لأن دية لك دية المسلم ولو كان الجاني امرأة فالحكم على ما ذكرنا سواء لأن ديتها نصف دية الرجل (فصل) إذا قطع يد رجل من الكوع ثم قطعها آخر من المرفق فمات بسرايتهما فللولي قتل القاطعين وليس له أن يقطع طرفيهما في أحد الوجهين وفي الآخر له قطع يد القاطع من الكوع فإن قطعها ثم عفا عنه فله نصف الدية، وأما الآخر فإن كانت يده مقطوعة من الكوع قطعها من
المرفق ثم عفا فله دية إلا قدر الحكومة في الذراع ولو كانت يد القاطع من المرفق صحيحة لم يجز قطعها رواية واحدة لأنه يأخذ صحيحة بمقطوعة وإن قطع أيديهما وهما صحيحان أو قطع رجلان يديه فقطع أيديهما ثم سرت الجناية فمات من قطعهما فليس لوليهما العفو إلى الدية لأنه قد استوفى ما قيمته دية وإن اختار قتلهما فله ذلك (كتاب الديات) الأصل في وجوب الدية الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) وأما السنة فروى أبو بكر بن محمد ابن عمر بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن والديات وقال فيه " وفي النفس مائة من الإبل " رواه النسائي في سننه ومالك وفي موطئه قال ابن عبد البر وهو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد
لانه أشبه المتواتر في مجيئه في أحاديث كثيرة تأتي في مواضعها من الباب إن شاء الله تعالى وأجمع أهل
العلم على وجوب الدية في الجملة (مسألة)(كل من أتلف إنساناً أو جزأ منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته وسواء كان مسلماً أو ذمياً أو مستأمناً أو مهادناً لما ذكرنا من الآية وفيها (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) وعبر عن الذمة بالميثاق وحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حين كتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتابا إلى أهل اليمن ذكر فيه الديات وأجمع أهل العلم عن ذلك في الجملة (مسألة)(فإن كان القتل عمداً محضاً فهي في مال الجاني حالة) أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل لا تحملها العاقلة، وهذا يقتضيه الأصل وهو أن بدل المتلف يجب على المتلف وأرش الجناية على الجاني قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجني جان إلا على نفسه " وقال لبعض أصحابه حين رأى معه ولده " ابنك هذا؟ - قال نعم قال - أما إنه لا لا يجني عليك ولا تجني عليه " ولأن موجب الجناية أثر فعل الجاني فيجب أن يختص بضررها كما يختص بنفعها فإنه لو كسب كان كسبه لغيره وقد ثبت حكم ذلك في سائر الجنايات والاكساب، وإنما خولف هذا الأصل في قتل الحر المعذور فيه لكثرة الواجب وعجز الجاني في الغالب عن تحمله مع
وجوب الكفارة عليه وقيام عذره تخفيفاً عنه ورفقاً به والعامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ.
إذا ثبت هذا فإنها تجب حالة وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تجب في ثلاث سنين لانها دية آدمي فكانت مؤجلة كدية شبه العمد ولنا أن ما وجب بالعمد المحض كان حالاً كالقصاص وأرش اطراف العبد ولا يشبه شبه العمد لأن القاتل معذور لكونه لم يقصد القتل وإنما أفضى إليه من غير اختيار منه فأشبه الخطأ ولهذا تحمله العاقلة ولأن القصد التخفيف عن العاقلة الذين لم يصدر منهم جناية وحملوا أداء مال مواساة فلاق بحالهم التخفيف عنهم، وهذا موجود في الخطأ وشبه العمد على السواء، وأما العمد فإنما يحمله الجاني في غير حال العذر فوجب أن يكون ملحقاً ببدل سائر المتلفات ويتصور الخلاف معه فيما إذا قتل ابنه أو قتل
اجنبياً وتعذر استيفاء القصاص لعفو بعضهم أو غير ذلك (مسألة)(وإن كان شبه عمد أو خطأ او ما جرى مجراه فعلى عاقلته) دية شبه العمد على العاقلة في ظاهر المذهب وبه قال الشعبي والنخعي والحكم والشافعي والثوري واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال ابن سيرين والزهري وإبن شبرمة وقتادة وأبو ثور: هي على القاتل في ماله واختاره أبو بكر عبد العزيز لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلته كالعمد المحض ولأنها
دية مغلظة فأشبهت دية العمد وهكذا يجب أن يكون مذهب مالك لأن شبه العمد عنده من باب العمد ولنا ما روى أبو هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه، ولأنه نوع قتل لا يوجب قصاصاً فوجبت ديته على العاقلة كالخطأ، ويخالف العمد لأنه يغلظ من كل وجه لقصده الفعل وارادته القتل، وعمد الخطأ يغلظ من وجه وهو قصده الفعل ويخفف من وجه وهو كونه لم يرد القصاص فاقتضى تغليظها من وجه وهو الانسان وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها، ولا نعلم في أنها تجب مؤجلة خلافا بين أهل العلم، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وأبو هاشم وعبيد الله بن عمر ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقد حكي عن قوم من الخوارج أنهم قالوا الدية حالة لأنها بدل متلف ولم ينقل الينا ذلك عمن يعد خلافه خلافاً، وتخالف الدية سائر المتلفات لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة له فاقتضت الحكمة تخفيفها عليهم، وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ولا مخالف لهما في عصرهما فكان إجماعاً، وأما دية الخطأ فلا نعلم خلافاً في أنها على العاقلة، قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العم، وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى
بدية الخطأ على العاقلة وأجمع أهل العلم على القول به ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية عمد الخطأ على العاقلة بما قد روينا من الحديث وفيه تنبيه على أن العاقلة تحمل دية الخطأ والحكمة في ذلك إن جنايات
الخطأ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به فاقتضت الحكمة ايجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل وللاعانة تخفيفاً عنه إذا كان معذوراً في فعله (فصل) فأما الكفارة ففي مال القاتل لا يدخلها تحمل وقال أصحاب الشافعي تكون في بيت المال في أحد الوجهين لأنها تكثر فإيجابها عليه يجحف به ولنا أنه كفارة فاختصت بمن وجد منه سببها كسائر الكفارات وكما لو كانت صوماً ولأن الكفارة شرعت للتكفير عن الجاني ولا يكفر عنه بفعل غيره وتفارق الدية فإنها إنما شرعت لجبر المحل وذلك يحصل بها كيفما كان ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى بالدية على العاقلة لم يكفر عن العاقلة، وما ذكروه لا أصل له، ولا يصح قياسه على الدية لوجوه (أحدها) أن الدية لم تجب في بيت المال انما وجبت على العاقلة ولا يجوز أن يثبت حكم الفرع مخالفاً لحكم الأصل (الثاني) أن الدية كثيرة فإيجابها على القاتل بجحف به والكفارة بخلافها (الثالث) أن الدية وجبت مواساة للقاتل وجعل حظ القاتل من الواجب الكفارة فإيجابها على غيره قطع للمواساة ويوجب على الجاني أكثر مما وجب عليه وهذا لا يجوز
(فصل) ولا يلزم القاتل شئ من دية الخطأ وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة هو كواحد من العاقلة لأنها وجبت عليهم إعانة له فلا يزيدون عليه فيها ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه وهذا يقتضي أنه قضى عليهم جميعها ولأنه قاتل لم تلزمه الدية فلم يلزمه بعضها كما لو أمره الإمام بقتل رجل فقتله يعتقد أنه لحق فبان مظلوماً، ولأن الكفارة تلزم القاتل في ماله وذلك يعدل قسطه من الدية وأكثر منه فلا حاجة الى إيجاب شئ من الدية عليه (مسألة)(وإن القى انسانا على أفعى أو ألقاها عليه فقتلته أو طلب انسانا بسيف مجرد فهرب فوقع في شئ تلف به بصيراً أو ضريراً، أو حفر بئراً في فنائه أو وضع حجراً أو صب ماء في طريقه أو بالت فيها دابته ويده عليها أو رمى فيها قشر بطيخ فتلف به إنسان وجبت عليه ديته)
يجب الضمان بالسبب كما يجب بالمباشرة فإذا القى انسانا على أفعى أو ألقاها عليه فقتلته فعليه ضمانه لأنه تلف بعدوانه فأشبه ما لو جنى عليه (مسألة)(فإن طلب إنساناً بالسيف مشهوراً فهرب منه فتلف في هربه ضمنه) سواء سقط من شاهق أو انخسف به سقف أو خر في بئرا ولقيه سبع فافترسه أو غرق في ماء أو احترق بنار وسواء كان المطلوب صغيراً أو كبيراً أعمى أو بصيراً عاقلاً أو مجنوناً، وقال الشافعي لا يضمن البالغ العاقل
البصير إلا أن ينخسف به سقف فإن فيه وفي الصغير والمجنون والأعمى قولين لأنه هلك بفعل نفسه فلم يضمنه الطالب كما لو لم يطلبه ولنا أنه هلك بسبب عدوانه فضمنه كما لو حفر له بئراً أو نصب له سكيناً أو سم طعامه ووضعه وما ذكروه يبطل بهذه الأصول، وإن طلبه بشئ يخفيه به كالكلب ونحوه فهو كما لو طلبه بسيف مشهور لأنه في معناه.
(فصل) ولو شهر سيفاً في وجه انسان أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله فعليه ديته، فإن صاح بصبي أو مجنون صيحة شديدة فخر من سطح أو نحوه فمات أو ذهب عقله، أو تغفل عاقلاً فصاح به فأصابه ذلك فعليه ديته تحملها العاقلة فإن تعمد ذلك فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ ووافق الشافعي في الصبي وله في البالغ قولان، ولنا أنه تسبب إلى إتلافه فضمنه كالصبي (فصل) وإن قدم انساناً الى هدف يرميه الناس فأصابه سهم من غير تعمد فضمانه على عاقله الذمي قدمه، لأن الرامي كالحافر والذي قدمه كالدافع فكان الضمان على عاقلته وإن عمد الرامي رميه فالضمان عليه لأنه باشر وذلك متسبب فأشبه الممسك والقاتل، وان لم يقدمه أحد فالضمان على الرامي وتحمله عاقلته وإن كان خطأ لأنه قتله.
(مسألة)(وإن حفر في فنائه بئراً لنفسه أو في طريق لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه أو وضع في ذلك حجراً أو صب فيه ماء، أو رمى قشر بطيخ فهلك به إنسان ضمنه)
لأنه تلف بعدوانه وروي عن شريح أنه ضمن رجلاً حفر بئراً فوقع فيها رجل فمات، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق (مسألة)(وإن بالت فيها دابته فزلق به حيوان فمات به فقال أصحابنا على صاحب الدابة الضمان إذا كان راكباً أو قائداً أو سائقاً) لأنه تلف حصل من جهة دابته التي يده عليها فأشبه ما لو جنت بيدها او فمها، وقياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك لأنه لا يدله على ذلك ولا يمكن التحرز منه فهو كما لو أتلفت برجلها، ويفارق ما إذا تلفت بيدها أو فمها لأنه يمكنه حفظهما.
(مسألة)(وإن حفر بئر أو وضع آخر مجرا أو نصب سكيناً فعثر بالحجر فوقع في البئر أو على على السكين فالضمان على واضع الحجر وناصب السكين دون الحافر، لأن الحجر كالدافع له وإذا اجتمع الحافر والدافع فالضمان على الدافع وحده) وبهذا قال الشافعي ولو وضع رجل حجراً ثم حفر آخر عنده بئراً أو نصب سكيناً فعثر بالحجر فسقط عليهما فهلك احتمل أن يكون الحكم كذلك لما ذكرنا واحتمل أن يضمن الحافر وناصب السكين لأن
فعلهما متأخر عن فعله فأشبه ما لو كان زق فيه مائع وهو واقف فحل وكاء إنسان وأماله آخر فسال ما فيه كان الضمان على الآخر منهما، وإن وضع إنسان حجراً أو حديدة في ملكه وحفر فيه بئراً فدخل إنسان بغير إذنه فهلك به فلا ضمان على المالك لأنه لم يتعد وإنما الداخل هلك بعد وإن نفسه وإن وضع حجراً في ملكه ونصب أجنبي فيه سكيناً أو حفر بئراً بغير إذنه فعثر رجل بالحجر فوقع على السكين أو في البئر فالضمان على الحافر وناصب السكين لتعديهما إذا لم يتعلق الضمان بواضع الحجر لانتفاء عدوانه وإن اشترك جماعة في عدوان تلف به شئ فالضمان عليهم فلو وضع اثنان حجراً وواحد حجراً فعثر بهما انسان فهلك فالدية على عواقلهم أثلاثاً في قياس المذهب وهو قول أبي يوسف لأن السبب حصل من الثلاثة أثلاثاً فوجب الضمان عليهم سواء، وإن اختلفت أفعالهم كما لو جرحه واحد جرحين وجرحه اثنان جرحين فمات بها، وقال زفر على الاثنين النصف وعلى واضع الحجر وحده النصف لأن فعله مساو لفعلهما وإن
حفر انسان بئراً ونصب آخر فيها سكيناً فوقع انسان في البئر على السكين فمات فقال ابن حامد الضمان على الحافر لأنه بمنزلة الدافع:، وهذا قياس المسائل التي قبلها ونص أحمد على أن الضمان عليهما قال أبو بكر لأنهما في معنى الممسك والقاتل الحافر كالممسك وناصب السكين كالقاتل فيخرج من هذا أن يجب الضمان على جميع المتسببين في المسائل السابقة (فصل) وان حفر بئراً في ملك نفسه أو في ملك غيره بإذنه فلا ضمان عليه لأنه غير متعد وكذلك
ان حفرها في موات أو وضع حجراً أو نصب شركاً أو شبكة أو منجلاً ليصيد بها لأنه لم يتعد بذلك وإن فعل شيئاً من ذلك في طريق ضيق فعليه ضمان ما تلف به لأنه متعد وسواء أذن له الامام أو لم يأذن لأنه ليس للإمام أن يأذن فيما يضر بالمسلمين ولو فعل ذلك الإمام لضمن ما يتلف به فإن كان الطريق واسعاً فحفر في مكان منها يضر بالمسلمين ضمن وإن حفر في مكان لا يضر بالمسلمين وكان حفرها لنفسه ضمن ما تلف بها سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه وقال أصحاب الشافعي إن حفرها بإذن الإمام لم يضمن لأن للإمام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل أنه يجوز أن يأذن في القعود فيه ويقطعه لمن يبتاع فيه ولنا أنه تلف بحفر حفرة في حق مشترك بغير إذن أهله لغيره مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن الإمام ولا نسلم أن للإمام أن يأذن في هذا فإنما يأذن في القعود لأن ذلك لا يدوم ويمكن إزالته في الحال فأشبه القعود في المسجد ولأن القعود جائز من غير إذن الإمام فكذلك الحفر (فصل) وإن حفر بئراً في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه ضمن ما تلف به جميعه وهذا قياس مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يضمن ما قابل نصيب شريكه فلو كان شريكان ضمن ثلثي التالف لأنه تعدي في نصيب شريكه وقال أبو يوسف عليه نصف الضمان لأنه تلف بجهتين فكان الضمان نصفين كما لو جرحه أحدهما جرحاً وجرحه الآخر جرحين
ولنا أنه متعد بالحفر فضمن الواقع فيها كما لو كان في ملك غيره والشركة أوجب تعدية لجميع الحفر فكان موجب الجميع الضمان ويبطل ما ذكره أبو يوسف بما لو حفره في طريق مشترك فإن له فيها حقاً
ومع ذلك يضمن الجميع والحكم فيما إذا أذن له بعض الشركاء في الحفر دون بعض كالحكم فيما إذا حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره لكونه لا يباح الحفر ولا التصرف حتى يأذن الجميع (فصل) وإن حفر إنسان في ملكه بئراً فوقع فيها انسان أو دابة فهلك به وكان الداخل دخل بغير إذنه فلا ضمان على الحافر لأنه لا عدوان منه وان دخل بإذنه والبئر ظاهرة مكشوفة والداخل بصير يبصرها فلا ضمان أيضاً لأن الواقع هو الذي أهلك نفسه فأشبه ما لو قدم إليه سكيناً فقتل بها نفسه فإن كان الداخل أعمى أو كانت في ظلمة لا يبصرها الداخل أو غطى رأسها فلم يعلم الداخل حتى وقع فيها ضمنه وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي وحماد ومالك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقالوا في الآخر لا يضمنه لأنه هلك بفعل نفسه ولنا أنه تلف بسببه فضمنه كما لو قدم له طعاماً مسموماً فأكله وبهذا ينتقض ما ذكروه، وإن اختلفا فقال صاحب الدار ما أذنت لك في الدخول وادعى ولي الهالك أنه أذن له فالقول قول المالك لأنه منكر، وإن قال كانت مكشوفة وقال الآخر كانت مغطاة فالقول قول ولي الواقع لأن الظاهر معه
فإن الظاهر أنها كانت مكشوفة لم يسقط فيها ويحتمل أن القول قول المالك لأن الأصل براءة ذمته فلا تشتغل بالشك.
(مسألة)(وان غصب صغيرا فنهشة حية أو أصابته صاعقة ففيه الدية وإن مات بمرض فعلى وجهين) لأنه تلف في يده العادية (أحدهما) يضمنه كالعبد الصغير، (والثاني) لا يضمنه لأنه حر لا نثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير (مسألة)(وان اصطدم نفسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر) روي هذا عن علي رضي الله ولا يجب القصاص سواء كان إصطدامها عمداً أو خطأ لأن الصدمة لا تقتل غالباً فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ ولا فرق بين البصيرين، والأعميين، والبصير والأعمى، فإن كان امرأتين حاملين فهما كالرجلين فإن أسقطت كل واحدة منهما جنبيا فعلى كل واحدة نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها لانهما اشتركتا في قتله وعلى كل واحدة منهما عتق
ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتها في الجنينين، فإن أسقطت إحداهما دون الأخرى اشتركتا في ضمانه وعلى كل واحدة منهما عتق رقبتين، وإن اصطدم راكب وماش فهو كما لو كانا ماشيين وإن اصطدم راكبان فماتا فهو كما لو كانا ماشيين (مسألة)(وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر)
وجملة ذلك أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الآخر من نفس أو دابة أو مال سواء كانت الدابتان فرسين أو بغلين أو حمارين أو جملين أو كان أحدهما فرساً والآخر غيره مقبلين كانا أو مدبرين، وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وإسحاق، وقال مالك والشافعي على كل واحد منهما نصف قيمة ما تلف من الآخر لأن التلف حصل بفعلهما فكان الضمان منقسماً عليهما كما لو جرح إنسان نفسه وجرحه غيره فمات منهما ولنا أن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه وإنما هو قربها إلى محل الجناية فلزم الآخر ضمانها كما لو كانت واقفة بخلاف الجراحة إذا ثبت هذا فإن قيمة الدابتين إن تساوتا تقاصتا وسقطتا وإن كانت إحداهما أكثر من الأخرى فلصاحبها الزيادة وإن ماتت إحدى الدابتين فعلى الآخر قيمتها وإن نقصت فعليه نقصها فإن كل أحدهما يسير بين يدي الآخر فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق لأنه الصادم والآخر مصدوم (مسألة)(إلا أن يكون أحدهما يسير والآخر واقفاً فعلى السائر ضمان الواقف ودابته) نص أحمد على هذا لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه فإن مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته، وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين لأن التلف حصل من فعلهما
(مسألة)(إلا أن يكون في طريق ضيق قاعداً أو واقفاً فلا ضمان عليه فيه وعليه ضمان ما تلف به) إذا كان الواقف متعدياً بوقوفه مثل أن يقف في طريق ضيق فالضمان عليه دون السائر لأن التلف
حصل بتعديه فكان الضمان عليه كما لو وضع حجراً في الطريق او جلس في طريق ضيق فعثر به إنسان (مسألة)(وإن أركب صبيين لا ولاية له عليهما فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما) لأنه متعد بذلك وتلفهما بسبب جنايته (مسألة)(وإن رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر إنساناً فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته) لا يخلو ذلك من حالين (أحدهما) أن يكون المقتول واحداً منهم (والثاني) أن يكون من غيرهم فإن كان من غيرهم فالدية على عواقلهم أثلاثاً لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد وسواء قصدوا رمي واحد بعينه أو قصدوا رمي جماعة أو لم يقصدوا ذلك لأنهم إن لم يقصدوا قتل آدمي معصوم فهو خطأ ديته دية الخطأ، وإن قصدوا رمي جماعة أو واحداً بعينه فهو شبه عمد لأن قصد الواحد بالمنجنيق لا يكاد يفضي إلى إتلافه فيكون شبه عمد تحمله العاقلة في ثلاث سنين وعلى قول أبي بكر لا تحمل العاقلة شبه العمد فلا تحمله ههنا.
(الحال الثاني) أن يصيب واحداً منهم فعلى كل واحد كفارة ولا تسقط عمن أصابه الحجر لأنه شارك في قتل نفس مؤمنة والكفارة إنما تجب لحق الله تعالى فوجبت عليه بالمشاركة في نفسه كوجوبها بالمشاركة في قتل غيره، وأما الدية ففيها ثلاثة أوجه
(أحدهما) أن على عاقلة كل واحد منهم ثلث دية المقتول لورثته لأن كل واحد منهم مشارك في قتل نفس مؤمنة خطأ فلزمته ديتها كالأجانب وهذا ينبني على أن جناية المرء على نفسه وأهله خطأ تتحمل عقلها عاقلته (الوجه الثاني) أن ما قابل فعل المقتول ساقط لا يضمنه أحد لأنه شارك في إتلاف حقه فلم يضمن ما قابل فعله كما لو شارك في قتل بهيمته أو عبده، وهذا الذي ذكره القاضي في المجرد ولم يذكر غيره وهو مذهب الشافعي (الثالث) أن يلغى فعل المقتول في نفسه وتجب ديته بكمالها على عاقلة الآخرين نصفين.
قال أبو الخطاب هذا قياس المذهب بناء على مسألة المتصادمين قال شيخنا والذي ذكره القاضي أحسن وأصح في النظر، وقد روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه في مسألة القارضة والقابضة والواقصة
قال الشعبي وذلك أن ثلاث جوار اجتمعن فارن فركبت إحداهن على عتق أخرى وقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت عنقها فماتت فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضى بالدية أثلاثاً على عواقلهن وألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة لأنها أعانت على قتل نفسها وهذا شبيهة بمسئلتنا ولأن المقتول شارك في القتل فلم تكمل الدية على شريكيه كما لو قتلوا واحداً من غيرهم فإن رجع الحجر فقتل اثنين من الرماة فعلى الوجه الأول تجب ديتهما على عواقلتهم أثلاثاً وعلى كل واحد منهم كفارتان، وعلى الوجه الثاني يجب على عاقلة الحي منهم لكل ميت ثلث ديته وعلى عاقلة كل واحد
من الميتين ثلث دية صاحبه ويلغى فعل نفسه وعلى الوجه الثالث على عاقلة الحي لكل واحد منهم نصف الدية وتجب على عاقلة كل واحد من الميتين نصف الدية لصاحبه (مسألة) (وإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في اموالهم في الصحيح من الذهب إلا على الوجه الذي اختاره أبو الخطاب فإنهم إذا كانوا اربعة فقتل الحجر أحدهم فإنه يجب على عاقلة كل واحد من الثلاثة الباقين ثلث الدية لأنهم يحملونها كلها فأما إن كانوا أكثر من أربعة أو كان المقتول من غيرهم وهم أربعة فإن الدية حالة في اموالهم لأن المقتول يلغى فعله في نفسه ويكون هدراً لأنه لا يجب عليه لنفسه شئ ويكون باقي الدية في أموال شركائه حالاً لأن التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله النافية وهذا دون الثلث والعاقلة لا تحمل ما دون الثلث، وذكر أبو بكر فيها رواية أخرى أن العاقلة تحملها لأن الجناية فعل واحد أوجب دية تزيد على الثلث والصحيح الأول لأن كل واحد منهم يختص بموجب فعله دون فعل شركائه وحمل العاقلة إنما شرع لتخفيف على الجاني فيما يشق ويثقل وما دون الثلث يسير على ما تذكره والذي يلزم كل واحد أقل من الثلث وقوله إنه لعل واحد قلنا بل هي أفعال فإن فعل واحد غير فعل الآخر وإنما موجب الجميع واحد فأشبه ما لو حرمه كل واحد جرحاً فماتت النفس بجميعها إذا ثبت هذا فالضمان معلق بمن مد الحبال ورمى الحجر دون من وضعه في الكفة وأمسك الخشب اعتباراً بالمباشر كمن وضع سهماً في قوس إنسان ورماه صاحب القوس فالضمان على الرمي دون الواضع
(مسألة)(وإن جنى إنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا شئ له وعنه على عاقلته ديته لورثته ودية طرفه لنفسه) أما إذا كانت الجناية عمداً فلا شئ له إجماعاً وإن كانت خطأ فكذلك في إحدى الروايتين قياساً على العمد ولما روي ان عامر بن الأكوع يوم خيبر رجع سيفه عليه فقتله ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بدية ولا غيرها ولو كانت واجية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم ولنقل ظاهراً (والرواية الثانية) أن ديته على عاقلته لورثته ودية طرفه لنفسه وهو ظاهر كلام الخرقي ذكره فيما اذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فرجع الحجر فقتل احدهم لما روي أن رجلاً ساق حماراً فضربه بعصاً كانت معه فطارت منها شظية فاصابت عينه ففقأتها فجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديته على عاقلته وقال هي يد من أيدي المسلمين لم يصبها اعتداء على أحد لم يعرف له مخالف ولأنه قتل خطأ فكانت ديته على عاقلته كما لو قتل غيره والأول أصح في القياس، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ربيعة ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لما ذكرنا من حديث عامر بن الأكوع حين رجع سيفه عليه يوم خيبر فمات ولأن وجوب الدية على العاقلة على خلاف الأصل مواساة للجاني وتخفيفاً عنه وليس ههنا على الجاني شئ يخفف عنه ولا يقتضي النظر أن تكون جنايته على نفسه على غيره ويفارق هذا ما إذا كانت الجناية على غيره فإنه لو لم تحمله العاقلة لا * جحف به وجوب الدية لكثرتها وقال القاضي الرواية الثانية
أظهر عنه فعلى هذه الرواية أن كانت العاقلة هي الوارثة لم يجب شئ لأنه لا يجب للانسان شئ على نفسه فإن كان بعضهم وارثاً سقط عن الوارث ما يقابل ميراثه فإن كانت جنايته على نفسه شبه عمد فهو كالخطأ في أحد الوجهين وفي الآخر لا تحمله العاقلة بحال (مسألة)(وإن نزل رجل في بئر فخر عليه آخر فمات الاول من سقطه فعلى عاقلته ديته) وجملة ذلك أنه إذا نزل رجل في بئر فسقط عليه آخر فقتله فعليه ضمانة كما لو رمى عليه حجراً ثم ينظر فإن كان عمد رمي نفسه عليه وهو مما يقتل غالباً فعليه القصاص، وإن كان مما لا يقتل غالباً
فهو شبه عمد، وإن وقع خطأ فالدية على عاقلته محققة، وإن مات الثاني بوقوعه على الأول فدمه هدر لأنه مات بفعله، وقد روى علي بن رباح اللخمي أن رجلاً كان يقود أعمى فوقعا في بئر خر البصير فوقع الأعمى فوق البصير فقتله فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فكان الاعمى بنشد في الموسم يا أيها الناس لقيت منكرا * هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا؟ * خرا معاً كلاهما تكسرا وهذا قول ابن الزبير وشريح والنخعي والشافعي وإسحاق قال شيخنا: ولو قال قاتل ليس على الأعمى ضمان البصير لأنه الذي قاده الى المكان الذي وقعا فيه وكان سبب وقوعه عليه ولذلك لو فعله قصداً لم يضمنه بغير خلاف وكان عليه ضمان الأعمى إلا أن يكون مجمعاً عليه فلا يجوز مخالفة الاجماع، ويحتمل أنه إنما لم يجب الضمان على القائد لوجهين
(أحدهما) أنه مأذون فيه من جهة الاعمى فلم يضمن ما تلف به كما لو حفر له بئراً في داره بإذنه فتلف بها (الثاني) أنه فعل مندوب اليه مأمور به فأشبه ما لو حفر بئراً في سابلة ينتفع بها المسلمون فإنه لا يضمن ما تلف، بها وإن مات الثاني فدمه هدر لأنه لا صنع لغيره في هلاكه (مسألة)(وإن وقع عليهما ثالث فمات الثاني به فعلى عاقلة الثالث ديته) لأنه تلف من سقطته، وإن مات الأول من سقطتهما فديته على عاقلتهما لأنه مات بوقوعهما عليه ودية الثاني على الثالث لأنه انفرد بالوقوع عليه فانفرد بديته، ودم الثالث هدر لأنه لا صنع لغيره في هلاكه هذا إذا كان الوقوع هو الذي قتله، فإن كان البئر عميقاً يموت الواقع بمجرد وقوعه لم يجب ضمان على أحد لأن كل واحد منهم مات بوقعته لا بفعل غيره، وإن احتمل الأمرين فكذلك لأن الأصل عدم الضمان.
(مسألة)(وإن كان الأول جذب الثاني وجذب الثاني الثالث فلا شئ على الثالث) لأنه لا فعل له ووجبت ديته على الثاني في أحد الوجهين لأنه هو جذبه وباشره بذلك والمباشرة تقطع حكم المتسبب كالحافر مع الدافع (والثاني) ديته على الأول والثاني نصفين لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث فصار مشاركاً للثاني في إتلافه، ودية الثاني على عاقلة الأول في أحد الوجهين لأنه هلك
بجذبته، وإن هلك بسقوط الثالث عليه فقد هلك بجذبة الاول وجذبة نفسه للثالث فسقط فعل نفسه
كالمصطدمين وتجب ديته بكمالها على الأول ذكره القاضي (والوجه الثاني) يجب على الأول نصف ديته ويهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه وهذا مذهب الشافعي، ويتخرج وجه ثالث وهو وجوب نصف ديته على عاقلته لورثته كما قلنا فيما اذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر احدهم، وأما الأول إذا مات بوقوعهما عليه ففيه الأوجه الثلاثة لأنه مات من جذبته وجذبة الثاني للثالث فتجب ديته كلها على عاقلة الثاني ويلغى فعل نفسه على الوجه الأول وعلى الثاني يهدر نصف ديته المقابل لفعل نفسه ويجب نصفها على الثاني وعلى الثالث يجب نصفها على عاقلته لورثته (فصل) وإن جذب الثالث رابعاً فمات جميعهم بوقوع بعضهم على بعض فلا شئ على الرابع لأنه لم يفعل شيئاً في نفسه ولا غيره وفي ديته وجهان (أحدهما) إنها على عاقلة الثالث المباشر لجذبه (والثاني) على عاقلة الأول والثاني والثالث لأنه مات من جذب الثلاثة فكانت ديته على عواقلهم، وأما الأول فقد مات بجذبته وجذبة الثاني وجذبة الثالث ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه يلغى فعل نفسه وتجب ديته على عاقلة الثاني والثالث نصفين (والثاني) يجب على عاقلتهما ثلثاها ويسقط ما قابل فعل نفسه (والثالث) يجب ثلثها على عاقلته لورثته وأما الجاذب فقد مات بالأفعال الثلاثة وفيه هذه الأوجه الثلاثة المذكورة في الأول سواء، وأما الثالث ففيه مثل هذه الأوجه الثلاثة ووجهان آخران
(أحدهما) أن ديته بكمالها على الثاني لأنه المباشر لجذبه فسقط فعل غيره بفعله (والثاني) أن على عاقلته نصفها ويسقط النصف الثاني في مقابلة فعله في نفسه (فصل) وإن وقع بعضهم على بعض فماتوا نظرت فإن كان موتهم بغير وقوع بعضهم على بعض مثل أن يكون البئر عميقاً يموت الواقع فيه بنفس الوقوع أو كان فيه ما يغرق الواقع فيقتله أو أسد يأكلهم فليس على بعضهم ضمان بعض لعدم تاثير فعل بعضهم في هلاك بعض، وإن شككنا في ذلك لم يضمن بعضهم بعضاً لأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك، وإن كان موتهم بوقوع بعضهم على
بعض فدم الرابع هدر لأن غيره لم يفعل فيه شيئا وإنما هلك بفعله وعليه دية الثالث لأنه قتله بوقوعه عليه ودية الثاني عليه وعلى الثالث نصفين ودية الأول على الثلاثة أثلاثاً (مسألة)(وإن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر وجذب الثاني، ثالثاً وجذب الثالث رابعاً فقتلهم الأسد فالقياس أن دم الأول هدر وعلى عاقلته دية الثاني وعلى عاقلة الثاني دية الثالث وعلى عاقلة الثالث دية الرابع، وفيه وجه آخر أن دية الثالث على عاقلة الأول والثاني نصفين ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا) الحكم في هذه المسألة أنه لا شئ على الرابع لأنه لم يفعل شيئاً وديته على عاقلة الثالث في أحد الوجهين وفي الثاني على عواقل الثلاثة أثلاثاً ودم الأول هدر وعلى عاقلته دية الثاني، وأما دية الثالث فعلى الثاني
في أحد الوجهين وفي الآخر على الأول والثاني نصفين هذه تسمى مسألة الزبية وقد روى حنش الصنعاني أن قوماً من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب ثانياً وجذب الثاني ثالثاً ثم جذب الثالث رابعاً فقتلهم الأسد فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال للأول ربع الدية لأنه هلك فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية لأنه هلك فوق اثنان وللثالث نصف الدية لأنه هلك فوقه واحد وللرابع كمال الدية وقال فإني أجعل الدية على من حضر راس البئر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هو كما قال رواه سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة وأبو الاحوص عن سماك بن حرب عن أنس بنحو هذا المعنى قال أبو الخطاب فذهب أحمد إلى ذلك توقيفا على خلاف القياس وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث لا يثبته أهل النقل وأنه ضعيف والقياس ما قلناه فلا ينتقل عنه إلى ما لا يدري ثبوته ولا معناه (مسألة)(ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه وليس به مثل ضروره فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه) وجملة ذلك ان من أخذ طعام إنسان أو شرابه في برية أو مكان لا يقدر فيه على طعام وشراب فهلك بذلك او هلكت بهيمته فعليه ضمان ما تلف به لأنه سبب هلاكه وكذلك إن اضطر إلى طعام وشراب لغيره فطلبه منه فمنعه إياه مع غناه عنه في تلك الحال فمات بذلك ضمنه المطلوب منه لما روي
عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بذلك ولأنه إذا اضطر فصار أحق به ممن هو في يده وله أخذه قهراً فإذا
منعه إياه تسبب الى هلاكه بمنعه ما يستحقه فلزمه ضمانة كما لو أخذ طعامه وشرابه فهلك بذلك وظاهر كلام أحمد أن الدية في ماله لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالباً وقال القاضي يكون على عاقلته لأن هذا لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد وإن لم يطلبه منه لم يضمنه لأنه لم يمنعه ولم يوجد منه فعل تسبب به إلى هلاكه، وخرج عليه أو الخصاب كل من أمكنه انجاء انسان من مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك أنه يجب عليه ضمانه قياساً على ما إذا طلب الطعام فمنعه إياه مع غناه عنه حتى هلك ولنا أن هذا لم يهلكه ولم يكن سبباً في هلاكه فلا يضمنه كما لو لم يعلم بحاله، وقياس هذا على المسألة التي ذكرها غير صحيح لأنه في الأولى منعه منعاً كان سبباً في هلاكه فيضمنه بفعله الذي تعدى به وههنا لم يفعل شيئاً يكون سبباً (مسألة)(وإن افزع إنسانا فأحدث بغائط فعليه ثلث ديته وعنه لا شئ عليه) وجملة ذلك أنه إذا ضرب إنساناً حتى أحدث فإن عثمان رضي الله عنه قضى فيه بثلث الدية قال أحمد لا اعرف شيئا يدفعه وبه قال إسحاق وعنه لا شئ عليه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لأن الدية انما تجب لإتلاف منفعة أو عضو أو إزالة جمال وليس ههنا شئ من ذلك وهذا هو القياس وإنما ذهب من ذهب إلى إيجاب الثلث لقضية عثمان لأنه في مظنة الشهرة ولم ينقل خلافهما فيكون إجماعاً ولأن قضاء الصحابي فيما يخالف القياس يدل على أنه توقيف وسواء كان الحديث ببول او غائط أو ريح قاله القاضي وكذلك الحكم فيما إذا افزعه حتى أحدث والأولى إن شاء الله التفريق بين الريح وغيرها إن كان قضاء عثمان في الغائط والبول لأن ذلك أفحش فلا يقاس عليه
(فصل) إذا أكره رجلاً على قتل إنسان فقتله فصار الأمر الى الدية فهي عليهما لأنهما كالشريكين ولو أكره رجل امرأة على الزنا فحملت وماتت من الولادة ضمنها لأنها ماتت بسبب فعله وتحمله العاقلة إلا أن لا يثبت ذلك إلا باعترافه فتكون الدية عليه لأن العاقلة لا تحمل اعترافا ولذلك إن شهد شاهدان
على رجل بقتل عمد فقتل ثم رجعا عن الشهادة لزمهما الضمان كالشريكين في الفعل ويكون الضمان في مالهما لا تحمله العاقلة لانها الاعتراف وهذا ثبت باعترافهما (فصل) إذا قتل رجلاً وادعى أنه كان عبداً أو القى عليه حائطاً وادعى أنه كان ميتاً وأنكر وليه فالقول قول الولي مع يمينه وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر القول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته وما ادعاه محتمل فلا يزول عن اليقين بالشك ولنا أن الأصل حياة المجني عليه وحريته فيجب الحكم ببقائه كما لو قتل مسلماً وادعى أنه ارتد قبل قتله وبهذا يبطل ما ذكره، وإن قطع عضو أو إدعى شلله أو قلع عيناً وادعى عماها وأنكر المجني عليه فالقول قوله لأن الأصل السلامة وهكذ لو قطع ساعداً وادعى أنه لم يكن عليه كف أو ساقاً وادعى أنه لم يكن لها قدم، وقال القاضي إن اتفقا على أنه كان بصيراً فالقول قول المجني عليه وإلا فالقول قول الجاني وهذا مذهب الشافعي لأن هذا مما يتعذر إقامة البينة عليه فإنه لا يخفى على اهله وجيرانه ومعامليه
وصفة أداء الشهادة عليه أنه كان يتبع الشخص بسره يتوقى ما يتوقاه البصير ويتجنب البئر واشباهه في طريقه ويعدل في العطفات * خف من يطلبه ولنا أن الأصل السلامة فكان القول قول من يدعيها كما لو اختلفا في إسلام المقتول في دار الإسلام وفي حياته، قولهم لا يتعذر إقامة البينة عليه قلنا وكذلك لا يتعذر إقامة البينة على ما يدعيه الجاني فإيجابها عليه أولى من إيجابها على من يشهد له الأصل، ثم البطل بسائر المواضع التي سلموها، فإن قالوا ههنا ما يثبت أن الأصل وجود البصر، قلنا الظاهر يقوم مقام الأصل ولهذا رجحنا قول من يدعي حريته وإسلامه (فصل) ومن إدب ولده امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف فأفضى الى تلفه لم يضمنه لأنه أدب مأذون فيه شرعاً فلم يضمن ما تلف به كالحد والتعزير (مسألة)(ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله إذا أرسل السلطان الى امرأة ليحضرها فاجهضت جنينا أو ماتت فعلى عاقلته الدية) وجملة ذلك أن السلطان اذا بعث الى امرأة ليحضرها فأسقطت جنيناً فمات ضمنه لما روي أن
عمر رضي الله عنه بعث الى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت يا ويلها ما لها ولعمر فبينا هي في الطريق إذ فزعت فضر بها الطلق فألقت ولداً فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار بعضهم ان ليس عليك شئ إنما أنت وال ومؤدب وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال ما تقول يا أبا
الحسن فقال إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأوا رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك ان ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته فقال عمر أقسمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك، ولو فزعت المرأة فماتت وجبت ديتها أيضاً ووافق الشافعي في ضمان الجنين وقال لا تضمن المرأة لأن ذلك ليس بسبب لهلاكه في العادة ولنا أنها نفس هلكت بإرساله اليها فضمنها كجنينها أو نفس هلكت بسببه فعزمها كما لو ضربها فماتت.
قوله إنه ليس بسبب عادة قلنا إذا كانت حاملاً فهو سبب للإسقاط والإسقاط سبب للهلاك ثم لا يعتبر في الضمان كونه سببا معتاد فإن الضربة والضربتين بالسوط ليست سبباً للهلاك في العادة ومتى أفضت أليه وجب الضمان وإن استعدى إنسان على المرأة فألقت جنينها أو ماتت فزعاً فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظالماً لها وإن كانت هي الظالمة فاحضرها عند الحاكم فينبغي أن لا يضمنها لأنها سبب إحضارها بظلمها فلا يضمنها غيرها ولأنه استوفى حقه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص ولكن يضمن جنينها لأنه تلف بفعله فأشبه ما لو اقتص منها (مسألة)(وإن سلم ولده الى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه ويحتمل أن تضمنه العاقلة) أما إذا سلم ولده الصغير الى السابح ليعلمه السباحة فغرق فالضمان على عاقلته السابح لأنه سلمه اليه
ليحتاط في حفظه فإذا غرق نسب الى التفريط في حفظه وقال القاضي قياس المذهب أنه لا يضمنه لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته فلم يضمن ما تلف به كما إذا ضرب العلم الصبي ضرباً معتاداً فتلف به فأما الكبير إذا غرق فليس على السابح شئ إذا لم يفرط لأن الكبير في يد نفسه لا ينسب التفريط في هلاكه إلى غيره
(مسألة)(وإن أمر إنساناً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه) لأنه لم يجن ولم يتعد فأشبه ما لو أذن له ولم يأمره إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه؟ على وجهين (أحدهما) لا يضمنه كغيره (والثاني) يضمنه لأنه يخاف منه إذا خالفه وهو مأمور بطاعته إلا أن يكون المأمور صغير إلا يميز فيضمنه لأنه تسبب إلى إتلافه (مسألة)(وإن وضع جرة على سطحه أو حائطه أو حجراً فرمته الريح على إنسان فقتله أو شئ أتلفه لم يضمنه) لأن ذلك بغير فعله ووضعه ذلك كان في ملكه، ويحتمل أن يضمن إذا وضعها متطرفة لأنه تسبب إلى إلقائها وتعدى بوضعا فأشبه ما لو بنى حائطاً مائلاً (مسألة)(وإن أخرج جناحاً إلى الطريق أو ميزابا فسقط على إنسان فأتلفه ضمنه) لأن إخراج الجناح الى الطريق غير جائز لأنه تصرف في غير ملكه إذا كان الطريق نافذاً أو غير نافذ ولم يأذن فيه أصحابه إذا سقط على شئ فأتلفه ضمنه لأنه تلف بعدوانه فضمنه كما لو وضع البناء على أرض الطريق وكذلك الحكم في الميزاب وفي ذلك اختلاف وتفصيل ذكرناه في الغصب والله أعلم
باب مقادير ديات النفس دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة ألف مثقال أو أثنا عشر ألف درهم فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئاً منها لزم قبوله وجملة ذلك أنا إذا قلنا إن هذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية من القاتل أو العاقلة شيئاً منها لزم الولي أخذه ولم يكن له المطالبة بغيره سواء كان من أهل ذلك النوع أو لم يكن لأنها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها فكانت الخيرة الى من وجبت عليه كخصال الكفارة وشاتي الجيران في الزكاة مع الدراهم وكذلك الحكم في الحال إذا قلنا إنها أصل (فصل) ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن الإبل أصول في الدية وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل وقد دلت عليه الأحاديث الواردة منها حديث عمرو بن حزم وحديث عبد الله بن عمر وفي دية
خطأ العمد وحديث ابن مسعود في دية الخطأ وسنذكرها إن شاء الله تعالى.
قال القاضي لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل والذهب والورق والبقر والغنم فهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها، وهذا قول عمر وعطاء وطاوس والفقهاء السبعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف، ومحمد بن عمرو بن حزم روى في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن " وإن في النفس
المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل الورق ألف دينار " رواه النسائي وروى ابن عباس أن رجلا من بني عدي قبل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا، رواه أبو داود وابن ماجة وروى الشعبي أن عمر جعل على أهل الذهب ألف دينار، وعن عمرو بن شيب عن أبيه عن جده أن عمر قام خطيباً فقال: ألا أن الإبل قد غلت قال فقوم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحال مائتي حلة رواه أبو داود (مسألة) (وفي الحلل روايتان) (إحداهما) ليست أصلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن في قيل عمد الخطأ قيل السوط والعصا مائة من الإبل.
(الثانية) أنها أصل لما ذكرنا من قول عمر حين قام خطيباً فجعل على أهل الحلل مائتي حلة رواه أبو داود وهذا كان بمحضر من الصحابة فكان إجماعاً وكل حلة بردان (مسألة)(وعن أحمد رحمه الله أن الإبل هي الأصل خاصة) وهذا ظاهر كلام الخرقي وذكرها أبو الخطاب عن أحمد وهو قول طاوس والشافعي وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط مائة من الإبل " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق هذا في غير الإبل ولأنه بدل متلف حقاً لآدمي فكان متعيناً كعوض الأموال وحديث ابن عباس يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الورق بدلاً
عن الإبل وإنما الخلاف في كونها أصلاً وحديث عمرو بن شعيب يدل على أن الأصل الإبل فإن إيجابه لهذه المذكورات على سبيل التقويم لغلاء الإبل ولو كانت أصولاً بنفسها لم يكن إيجابها تقويماً للإبل،
ولا كان لغلاء الإبل أثر في ذلك ولا لذكره معنى.
وقد روي أنه كان يقوم الإبل قبل أن تغلو ثمانية آلاف درهم ولذلك قيل إن دية الذمي أربعة آلاف وديته نصف الدية فكان ذلك أربعة آلاف حين كانت الدية ثمانية آلاف (فصل) إذا قلنا أن الأصول خمسة فإن قدرها ما ذكرنا في المسألة في أول الباب ولم يختلف القائلون بهذه الأصول في قدرها من الذهب ولا من سائرها إلا الورق فإن الثوري وأبا حنيفة قالوا: قدرها من الورق عشرة آلاف، وحكي ذلك عن ابن شبرمة لما روى الشعبي أن عمر جعل على أهل الورق عشرة آلاف ولأن الدينار معدول في الشرع بعشرة دراهم بدليل أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً ونصاب الفضة مائتا درهم وبما ذكرناه قال الحسن وعروة مالك والشافعي في قول وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس لما ذكرنا من حديث ابن عباس وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر ولأن الدينار معدول باثني عشر درهما بدليل أن عمر فرض الجزية على الغني أربعة دنانير أو ثمانية وأربعين درهماً وعلى المتوسط دينارين أو اربعه وعشرين درهما وعلى الفقير دينارين أو اثني عشر درهماً وهذا أولى مما ذكروه في نصاب الزكاة لأنه لا يلزم أن يكون نصاب أحدهما معدولاً بنصاب الآخر
كما أن السائمة من بهيمة الأنعام ليس نصاب شئ منها معدولاً بنصاب غيره قال ابن عبد البر: ليس في جعل الدية عشرة آلاف عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مرسل ولا مسند وحديث الشعبي عن عمر يخالفه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه جده عنه (مسألة)(وإذا قلنا إن الإبل هي الأصل خاصة فعلى من عليه الدية تسليمها إلى مستحقها سليمة من العيوب وأيهما أراد العدول عنها إلى غيرها فللآخر منعه) لأن الحق متعين فيها فاستحقت كالمثل في المتلفات المتلفة، وإن اعوزت الإبل أو لم توجد إلا بأكثر من ثمن المثل فله العدول ألى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم وهذا قول الشافعي في القديم وقال في الجديد تجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت لحديث عمرو بن شعيب عن عمر في تقويم الإبل ولأن ما ضمن بنوع من المال وجبت قيمته عند تعذره كذوات الأمثال ولأن الإبل إذا أجزأت إذا قلت
قيمتها فينبغي أن تجب، وإن كثرت قيمتها كالدنانير إذا غلت أو رخصت وهكذا ينبغي أن يقول إذا غلت الإبل كلها فأما إن كانت الإبل موجودة بثمن مثلها إلا أن هذا لم يجدها لكونها في غير ولده فان عمر قوم الدية من الدراهم باثني عشر ألفاً ومن الذهب ألف دينار (مسألة) (فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس
وعشرون لبون بنت وخمس وعشرون حقة وخمس جذعة وعنه أنها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها) اختلفت الرواية عن احمد في مقدارها فروى جماعة عن أحمد أنها أرباع وكذلك ذكره الخرقي وهو قول الزهري وربيعة ومالك وسليمان بن يسار وأبي حنيفة وروي ذلك عن ابو مسعود رضي الله عنه، وروى جماعة عن أحمد أنها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها، وبهذا قال عطاء ومحمد بن الحسن والشافعي وروي ذلك عن عمر وزيد وابي موسى ولغيرة رضي الله عنهم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قتل مؤمنا متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فان شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة " وما صولحوا عليه فهو لهم وذلك لتشديد القتل رواه الترمذي وقال هو حديث حسن غريب وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " رواه الإمام أحمد وأبو داود وعن عمرو بن شعيب أن رجلا يقال له قتادة حذف ابنه بالسيف فقتله فأخذ عمر منه الدية ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة رواه مالك في الموطأ.
ووجه الأول ما روى الزهري عن السائب بن يزيد قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعا خمسا وعشرين جذعة وخمساً وعشرين حقة وخمساً وعشرين بنت لبون وعشرين مخاض
ولأنه حق يتعلق بجنس الحيوان فلا يعتبر فيه الحمل كالزكاة والأضحية والخلفة الحامل وقول النبي صلى الله عليه وسلم " في بطونها أولادها " تأكيد وهل يعتبر في الخلفات كونها ثنايا؟ على وجهين (أحدهما) لا يعتبر لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الخلفات ولم يقيدها فأي فاقة حملت فهي خلفة تجزئ في الدية واعتبار السن تقييد لا يصار إليه إلا بدليل (والثاني) يشترط لأن في بعض ألفاظ الحديث " أربعون خلفة ما بين ثنية عامها إلى بازل " ولأن سائر أنواع الإبل مقدرة السن فكذلك الخلفة والذي ذكره القاضي هو الأول والثنية التي لها خمس سنين ودخلت السادسة وقلما تحمل الاثنية ولو أحضرها خلفة سقطت قبل قبضها فعليه بدلها (فصل) فإن اختلفا في حملها رجع الى أهل الخبرة كما يرجع الى حمل المرأة في القوابل وإن تسلمها الولي ثم قال لم تكن حوامل وقد ضمرت أجوافها فقال الجاني بل قد ولدت عندك نظرت فإن قبضها بقول أهل الخبرة فالقول قول الجاني لأن الظاهر إصابتهم وإن قبضها بغير قولهم فالقول قول الولي لأن الأصل عدم الحمل.
(مسألة)(وإن كان القتل خطأ وجبت أخماساً عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جزعة) لا يختلف المذهب أن دية الخطأ أخماس كما ذكرنا وهذا قول ابن مسعود والنخعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري والليث وربيعة ومالك والشافعي
هي أخماس إلا أنهم جعلوا مكان بني مخاض بني لبون، وهكذا رواه سعيد في سننه عن النخعي عن ابن مسعود قال الخطابي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى الذي قتل بخيبر بمائة من إبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض، وروي عن علي والحسن والشعبي والحارث العكلي وإسحاق انها ارباع كدية العمد سواء وعن زيد انها ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون بنت مخاض، قال طاوس ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وثلاثون بنت مخاض وعشر بني لبون ذكور لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشر بني لبون ذكور، رواه أبو داود وابن ماجة، وقال أبو ثور الديات كلها أخماس كدية الخطأ لأنها بدل متلف فلا يختلف بالعمد والخطأ كسائر المتلفات وحكي عنه ان دية العمد مغلظة ودية شبه الخطأ والعمد اخماس لأن شبه العمد تحمله العاقلة فكان أخماساً كدية الخطأ
ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بني مخاض وعشرون بنت لبون " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ولأن ابن لبون يجب على طريق البدل عن ابنة مخاض في الزكاة إذا لم يجدها فلا يجمع بين البدل والمبدل في واجب ولأن موجبهما واحد فيصير كانه أوجب اربعين ابنة مخاض، ولأن ما قلناه الأقل والزيادة
عليه لا نثبت إلا بتوقيف على من ادعاه الدليل، فأما قتيل خيبر فلا حجة لهم فيه لأنهم لم يدعوا القتل إلا عمداً فتكون ديته دية العمد وهي من أسنان الصدقة والخلاف في دية الخطأ، وقول أبي ثور يخالف الآثار المروية التي ذكرناها فلا يعول عليه (مسألة)(ويؤخذ في البقر النصف مسنات والنصف أتبعة وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة إذا كانت الغنم ضأناً) لأن دية الإبل من الاسنان من المقدرة في الزكاة فكذلك للبقر والغنم (مسألة)(ولا تعتبر القيمة في شئ من ذلك إذا كان سليماً من العيوب وقال أبو الخطاب تعتبر أن تكون القيمة لكل بعير مائة وعشرين درهماً، وظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية من الأثمان والأول أولى) الصحيح أنه لا تعتبر قيمة الإبل بل متى وجدت على الصفة المشروطية وجب أخذها وهو ظاهر كلام الخرقي وسواء قلت قيمتها أو كثرت وهو ظاهر مذهب الشافعي وذكر أصحابنا أن مذهب احمد ان تؤخذ مائة من الإبل قيمة كل بعير منها مائة وعشرون درهماً فإن لم يقدر على ذلك أدى اثني عشر ألف درهم أو الف دينار لأن عمر قوم الإبل على أهل الذهب ألف مثقال وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم فدل على أن ذلك قيمتها ولأن هذه أبدال محل واحد فيجب أن تتساوى في القيمة كالمثل والقيمة في بدل القرض المتلف في المثليات
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " وهذا مطلق فتقييده يخالف اطلاقه فلم يجب إلا بدليل ولأنها كانت تؤخذ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقيمتها ثمانية آلاف، وقول عمر في حديثه
أن الإبل قد غلت فقومها على أهل الورق اثني عشر ألفاً دليل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك وقد كانت تؤخذ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافه عمر مع رخصها وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين فإيجاب ذلك فيها خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية الخطأ والعمد فغلظ دية العمد وخفف دية الخطأ وأجمع عليه أهل العلم، واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما وجمع بين ما فرق الشارع وإزالة التخفيف والتغليظ جميعاً بل هو تغليظ لدية الخطأ لأن اعتبار ابنة مخاض بقيمة ثنية أو جذعة يشق جداً فيكون تغليظاً لدية الخطأ وتخفيفاً لدية العمد وهذا خلاف ما قصده الشارع وورد به، ولأن العادة نقص قيمة بنات المخاض عن قيمة الحقاق والجذعات فلو كانت تؤدى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيمة واحدة ويعتبر فيها ذلك النقل ولم يجز الإخلال به لأن ما ورد الشرع به مطلقاً إنما يحمل على العرف والعادة فإذا أريد به ما يخالف العادة وجب بيانه وايضاحه لئلا يكون تلبيساً في الشريعة وإيهامهم أن حكم الله خلاف ما هو حكمه على الحقيقة والنبي صلى الله عليه وسلم بعث للبيان قال الله تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) فكيف يحمل قولهم على الإلباس والألغاز هذا لا يحل لو حمل الأمر على ذلك لكان ذكر الأسنان عبثاً غير مفيد فإن فائدة ذلك إنما هو لكون
اختلاف أسنانها مظنة لا ختلاف القيم فأقيم مقامه ولأن الإبل الأصل في الدية فلا يعتبر قيمتها بغيرها كالذهب والورق، ولانها أصل في الوجوب فلا تعتبر قيمتها كالإبل في السلم وشاة الجيران، وحديث عمرو بن شعيب حجة لنا فإن الإبل كانت تؤخذ قبل أن تغلو ويقومها عمر وقيمتها أكثر من اثني عشر ألفا وقد قيل إن قيمتها كانت ثمانية آلاف ولذلك قال عمر دية الكتابي أربعة آلاف، وقولهم انها أبدال محل واحد فلنا أن نمنع ونقول البدل انما هو الإبل وغير ها معتبر بها وإن سلمنا فهو منتقض بالذهب والورق فإنه لا يعتبر تساويهما، وينتقض أيضاً بشاة الجيران مع الدراهم، وأما بدل القرض والمتلف فإنما هو المثل خاصة والقيمة بدل عنه ولذلك لا تجب إلا عند المعجز عنه بخلاف مسئلتنا، فإن قيل فهذا حجة عليكم لقولكم أن الإبل هي الأصل وغيرها بدل عنها فيجب أن يساويهما كالمثل والقيمة، قلنا إذا ثبت لنا هذا ينبغي أن يقوم غيرها بها ولا تقوم هي بغيرها لأن البدل يتبع الأصل ولا يتبع الأصل البدل على أنا نقول إنما صير الى التقدير بهذا
لأن عمر رضي الله عنه قومها في وقته بذلك فوجب المصير اليه كيلا يؤدي إلى التنازع والاختلاف في قيمة الإبل الواجبة كما قدر لبن المصراة بصاع من التمر نفياً للتنازع في قيمته فلا يوجب هذا ان يرد الأصل الى التقويم فيفضي الى عكس حكمة الشرع ووقوع التنازع في قيمة الإبل مع وجودها بعينها على أن المعتبر في بدلي القرض مساواة المقرض فاعتبر كل واحد من بدليه به والدية غير معتبرة بقيمة المتلف ولهذا لا تعتبر صفاته، وهكذا قول أصحابنا في تقويم البقر والشاء والحلل يجب أن يكون مبلغ الواجب من
كل صنف منها اثني ألفاً فتكون قيمة كل بقرة أو حلة ستين درهماً وقيمة كل شاة ستة دراهم لتتساوى الأبدال كلها.
(مسألة)(ويؤخذ في الحلل المتعارف من ذلك باليمن) وهي مائتا حلة كل بردان فتكون اربعمائة بردة، فإن تنازعا جعلت قيمة كل حلة ستين درهماً ليبلغ قيمة الجميع اثني ألف درهم.
(فصل) ولا يقبل في الإبل معيب ولا أعجف ولا يعتبر فيها أن تكون من جنس إبله ولا إبل بلده.
وقال القاضي وأصحاب الشافعي الواجب عليه من جنس إبله سواء كان القاتل أو العاقلة لأن وجوبها على سبيل المواساة فيجب كونها من جنس مالهم كالزكاة فإذا كان عند بعض العاقلة عراب وعند بعضهم نجاتي أخذ من كل واحد من جنس ما عنده وإن كان عند واحد صنفان ففيه وجهان (أحدهما) يؤخذ من كل صنف بقسطه (والثاني) يؤخذ من الأكثر فإن استويا دفع من أيهما شاء فإن دفع من غير إبله خيراً من إبله أو مثلها جاز كما لو أخرج في الزكاة خيراً من الواجب، وان أدون لم يقبل إلا أن يرضي المستحق، وإن لم يكن له إبل فمن غالب إبل البلد فإن لم يكن في البلد إبل وجبت من غالب إبل أقرب البلاد اليه فإن كانت إبله عجافاً أو مراضاً كلف تحصيل صحاح من صنف ما عنده لأنه بدل متلف فلا يؤخذ فيه معيب كقيمة الثوب المتلف ونحو هذا قال أصحابنا في البقر والغنم
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في النفس المؤمنة مائة من الإبل أطلق الإبل فمن قيدها احتاج الى دليل ولأنها بدل متلف فلم يختص بجنس ماله كبدل سائر المتلفات، ولأنها حق ليس سببه المال فلم يعتبر فيه كونه من
جنس ما * له كالمسلم فيه والقرض ولأن المقصود بالدية جبر المفوت والجبر لا يختص بجنس مال من وجب عليه، وفارق الزكاة فإنها وجبت على سبيل المواساة ليشارك الفقراء لا غنياء فيما أنعم الله عليهم به فاقتضى كونه من جنس أموالهم وهذا بدل متلف فلا وجه لتخصيصه بماله وقولهم انها مواساة لا يصح وانما وجبت جبراً للفائت كبدل المال المتلف، وانما العاقلة تواسي القاتل فيما وجب بجناية ولهذا لا تجب من جنس أموالهم اذا لم يكونوا ذوي إبل والواجب بجنايته ابل مطلقة فتواسيه في تحملها ولأنها لو وجبت من جنس مالهم لوجبت المريضة من المراض والصغيرة من الصغار كالزكاة (فصل) ودية المرأة نصف دية الرجل، إذا كانت المرأة حرة مسلمة فديتها نصف دية الحر المسلم أجمع على ذلك أهل العلم ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وحكى غيرهما عن ابن عليه والأصم أنهما قالا ديتها كدية الرجل لقوله عليه الصلاة والسلام " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن في كتاب عمرو بن حزم دية المرأة على النصف من دية الرجل وهو أخص مما ذكروه وهما في كتاب واحد فيكون ما ذكرنا مفسراً لما ذكروه مخصصاً له (مسألة)(وتساوي جراح المرأة جراح الرجل إلى ثلث الدية فإذا زادت صارت على النصف)
روي هذا عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعروة والزهري وقتادة وربيعة ومالك قال ابن عبد البر وهو قول فقهاء المدينة السبعة وجمهور أهل المدينة وحكي عن الشافعي في القديم وقال الحسن يستويان الى النصف، وروي عن علي رضي الله عنه انها على النصف فيما قل أو أكثر، وروي ذلك عن ابن سيرين وبه قال الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي في ظاهر مذهبه.
واختاره ابن المنذر لأنهما شخصان تختلف ديتهما فاختلف أرش أطرافهما كالمسلم والكافر ولانهما جناية لها أرش فكان من المرأة على النصف من الرجل كاليد، وروي عن ابن مسعود أنه قال تعاقل المرأة الرجل الى نصف عشر الدية فإذا زاد على ذلك فهي على النصف كأنها تساويه في الموضحة، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها " أخرجه النسائي وهو
نص يقدم على ما سواه قال ربيعة قلت لسعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة؟ قال عشر قلت ففي اصبعين قال عشرون قلت ففي ثلاث أصابع؟ قال ثلاثون قلت ففي أربع قال عشرون قال فقلت لما عظمت مصيبتها قل عقلها؟ قال هكذا السنة يا ابن أخي وهذا مقتضى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه سعيد ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم إذ لم ينقل عنهم خلاف ذلك إلا عن علي ولا نعلم ثبوت ذلك عنه ولأن ما دون الثلث يستوي فيه الذكر والأنثى بدليل الجنين فإنه يستوي فيه دية الذكر والأنثى، فأما الثلث
نفسه ففيه روايتان (إحداهما) يستويان فيه لأنه لم يعتبر حد القلة ولهذا صحت الوصية به (والثانية) يختلفان فيه وهو الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام " حتى يبلغ الثلث " وحتى للغاية ويجب أن تكون مخالفة لما قبلها لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية) ولأن الثلث في حد الكثرة لقوله عليه الصلاة والسلام " والثلث كثير " ولأن العاقلة تحمله فدل على أنه مخالف لما دونه، فأما دية نساء سائر أهل الأديان فقال أصحابنا تساوي دياتهن ديات رجالهم الى الثلث لعموم قوله عليه الصلاة والسلام " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها " ولأن الواجب دية امرأة فساوت دية الرجل من أهل ديتها كالمسلمين ويحتمل أن تساوي المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل المسلم لأنه القدر الكثير الذي ثبت له النصيف في الأصل وهو دية وهكذا أرش جراحة المسلمين (مسألة)(ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وذلك ثلاثة أرباع دية الذكر لأنه يتحمل الذكورية والأنوثية) وهذا قول أصحاب الرأي وعند الشافعي الواجب دية أنثى لأنها اليقين فلا يجب الزائد بالشك ولنا أنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالاً واحداً وقد يئسنا من انكشاف حاله فيجب التوسط بينهما والعمل بكلا الاحتمالين
(فصل) ويفاد به الذكر والأنثى لأنهما لا يختلفان في القود ويفاد هو بكل واحد منهما فأما جراحه فإن كانت دون الثلث استوى الذكر والأنثى لأن أدنى حاليه أن يكون امرأة وهي تساوي الذكر على
ما بينا وفيما زاد ثلاثة أرباع حر ذكر (فصل) ودية الكتابي نصف دية المسلم إذا كان حراً ونساؤهم على النصف من دياتهم هذا ظاهر المذهب وهو قول عمر بن عبد العزيز وعروة ومالك وعمرو بن شعيب عنه أنها ثلث دية المسلم إلا أنه رجع عنها فروى عنه صالح أنه قال: كنت أقول دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف وأنا اليوم أذهب الى نصف دية المسلم حديث عمرو بن شعيب وحديث عثمان الذي يرويه الزهري عن سالم عن ابيه وهذا صريح في الرجوع عنه، وروي عن عمر وعثمان أن ديته أربعة آلاف درهم، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعكرمة وعمرو بن دينار والشافعي واسحاق وأبو ثور لما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف أربعة آلاف " وروي أن عمر رضي الله عنه جعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقال علقمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة: ديته كدية المسلم، وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود ومعاوية رضي الله عنهم، وقال ابن عبد البر هو قول سعيد بن المسيب والزهري
لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال " دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم " ولأن الله سبحانه ذكر في كتابه دية المسلم وقال (ودية مسلمة إلى أهله) قال في الذمي مثل ذلك ولم يفرق فدل لى أن ديتهما واحدة ولأنه حر ذكر معصوم فتكمل ديته كالمسلم ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دية المعاهد نصف دية المسلم " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين رواه الإمام أحمد وفي لفظ دية المعاهد نصف دية الحر قال الخطابي ليس في دية أهل الكتاب شئ أبين من هذا ولا بأس باسناده وقد قال به أحمد وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى.
فأما حديث عبادة فلم يذكره أصحاب السنن والظاهر أنه ليس بصحيح وحديث عمر إنما كان ذلك حين كانت الدية ثمانية آلاف فأوجب فيه نصفها أربعة آلاف ودليل ذلك ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يؤمئذ النصف
فهذا بيان وشرح يزيل الاشكال وفيه جمع للاحاديث فيكون دليلاً لنا ولو لم يكن كذلك لكان قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدماً على قول عمر وغيره بغير إشكال فقد كان عمر رضي الله عنه إذا بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ترك قوله وعمل بها فكيف يسوغ لأحد أن يحتج بقوله في ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما احتج به الآخرون فإن الصحيح من حديث عمرو بن شعيب ما رويناه أخرجه الأئمة في كتبهم دون ما رووه، وأما ما رووه من قول الصحابة فقد روي عنهم خلافه فيحمل قولهم في إيجاب الدية
كاملة على سبيل التغليظ.
قال أحمد إنما غلظ عثمان الدية عليه لأنه كان عمداً فلما ترك القود غلظ عليه وكذلك حديث معاوية، ومثل هذا ما روي عن عمر رضي الله عنه حين انتحر رقيق حاطب ناقة لرجل مزني فقال عمر لحاطب: إني أراك تجمعهم لأغرمنك غرماً يشق عليك فغرمه مثلي قيمتها.
(مسألة)(وجراحاتهم على النصف من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم قياساً عليهم) قال الأثرم قيل لأبي عبد الله جني على مجوسي في عينه وفي يده؟ قال يكون بحساب ديته كما أن المسلم يؤخذ بالحساب فكذلك هذا قيل قطع يده؟ قال بالنصف من ديته (مسألة)(ونساؤهم على النصف من دياتهم) لا نعلم في هذا خلافاً قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل ولأنه لما كان دية نساء المسلمين على النصف من دياتهم كذلك نساء أهل الكتاب قياساً عليهم.
(مسألة)(ودية المجوسي والوثني ثمان مائة درهم) ذهب أكثر أهل العلم في دية المجوسي قال احمد ما أقل من اختلف في دية المجوسي وممن قال ذلك عمر وعثمان وابن مسعود وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعطاء وعكرمة والحسن ومالك والشافعي وإسحاق ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ديته نصف دية المسلم كدية الكتابي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "، وقال النخعي والشعبي وأصحاب الرأي: ديته كدية المسلم لأنه آدمي حر معصوم فأشبه المسلم
ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فكان إجماعا وقوله " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " يعني في أخذ جزيتهم وحقن دمائهم بدليل أن ذبائحهم ونساءهم لا تحل لنا ولا يجوز اعتباره بالمسلم ولا بالكتابي لنقصان ديته وأحكامه عنهما فينبغي أن تنقص ديته كنقص المرأة عن دية الرجل وسواء كان المجوسي ذمياً أو مستأمناً لأنه محقون الدم، ونساؤهم على النصف من دياتهم وجراح كل واحد معتبرة من ديته كالمسلم (مسألة)(فأما عبدة الأوثان وسائر من ليس له كتاب كالترك ومن عبد ما استحسن فلا ذمة لهم وإنما تحقن دماؤهم بالأمان) فإذا قتل من له أمان منهم فديته دية مجوسي لأنها أقل الديات فلا ينقص عنها ولأنه كافر ذو عهد لا تحل منا كحته فأشبه المجوسي (مسألة)(ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه) من لم تبلغه الدعوة من الكفار إن وجد لم يجز قتله حتى يدعى فإن قتل الدعوة من غير أن يعطى أماناً فلا ضمان فيه لأنه لا عهد له ولا ايمان فأشبه امرأة الحربي وابنه الصغير وانما حرم قله لتبلغه الدعوة وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو الخطاب إن كان ذا دين فديته دية أهل دينه وهو مذهب الشافعي لأنه محقون الدم أشبه من له أمان والأول أولى فإن هذا ينتقض بصبيان أهل الحرب ومجانينهم
ولأنه كافر لا عهد له فلم يضمن كالصبيان فأما إن كان له عهد ففيه دية أهل ديته فإن لم يعرف ديته ففيه دية المجوسي لأنه اليقين والزيادة مشكوك فيها (فصل) ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة وعنه لا يبلغ بها دية الحر أجمع أهل العلم على أن في العبد الذي لا تبلغ قيمة دية الحر قيمته فإن بلغت قيمته دية أو زادت عليهما فذهب أحمد رحمه الله في المشهور عنه الى ان فيه قيمته بالغة ما بلغت عمداً كان القتل او خطأ سواء ضمن باليد أو بالجناية وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وأياس بن معاوية والزهري ومكحول ومالك والاوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي يوسف وقال النخعي والشعبي والثوري وأبو حنيفة ومحمد لا يبلغ به دية الحر وحكاها أبو الخطاب رواية عن أحمد وقال أبو حنيفة ينقص عن دية الحر ديناراً وعشرة دراهم القدر الذي
يقطع به السارق هذا إذا ضمن بالجناية وان ضمن باليد مثل ان يعصب عبداً فيموت في يده فإن قيمته تجب وإن زادت على دية الحر واحتجوا بأنه ضمان آدمي فلم يزد على دية الحر كضمان الحر وذلك لأن الله تعالى لما اوجب في الحر دية لا نزيد وهو أشرف لخلوه عن نقص الرق كان تنبيها على أن العبد المنقوص لا يزاد عليها فتجعل مالية العبد معياراً للقدر الواجب فيه ما لم يزد على الدية فإن زاد علمنا خطأ ذلك فنرده إلى دية الحر كأرش ما دون الموضح يجب فيه ما تخرجه الحكومة ما لم يزد على أرش الموضحة فنرده اليها
ولنا أنه مال متقوم فيضمن بكمال قيمته بالغة ما بلغت كالفرس او مضمون بقيمته فكانت جميع القيمة مضمونة كما لو ضمنه باليد ويخالف الحر فإنه ليس مضموناً بالقيمة وإنما ضمن بما قدره الشرع فلم يتجاوزه ولأن ضمان الحر ليس بضمان مال ولذلك لم يختلف باختلاف صفاته وهذا ضمان مال يزيد بزيادة المالية وينقص بنقصانها فاختلفا (فصل) ولا فرق في هذا الحكم بين القن من العبيد والمدبر والمكاتب وأم الولد قال الخطابي أجمع عوام الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه ألا إبراهيم النخعي فإنه قال في المكاتب يودى بقدر ما أدى من كتابة دية الحر وما بقي دية العبد وروي في ذلك شئ عن علي رضي الله عنه وقد روى أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده حدثنا محمد بن عبد الله ثنا هشام بن أبي عبد الله قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكاتب يقتل أنه يودى ما أدى من كتابته دية الحر وما بقي دية العبد وقال الخطابي إذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخاً أو معارضاً بما هو أولى منه (مسألة) (وفي جراحه إن لم يكن مقدرا ما في الحر ما نقصه بعد التئام الجرح كسائر الأموال وإن كان مقدراً في الحر فهو مقدر في العبد من قيمته ففي يده نصف قيمته وفي موضحة نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو اكثر وعنه أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال وجملة ذلك أن الجناية على العبد يجب ضمانها بما نقص من قيمته لأن الواجب إنما وجب جبراً لما فات بالجناية ولا تجبر إلا بايجاب ما نقص
من القيمة فيجب ذلك كما لو كانت الجناية على غيره من الحيوانات وسائر المال ولا يجب زيادة على ذلك لأن حق المجني عليه قد انجبر فلا تجب له زيادة على ما فوته الجاني عليه هذا هو الأصل ولا نعلم فيه خلافاً فيما ليس فيه مقدر شرعي فإن كان الفائت بالجناية مؤقتاً في الحر كيده وموضحته ففيه عن أحمد روايتان (إحداهما) ان فيه أيضاً ما نقصه بالغا ما بلغ وذكر أبو الخطاب أنه اختيار الخلال وروى الميموني عن أحمد أنه قال انما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس وروى هذا عن مالك فيما عدا موضحته ومنقلته وهاشمته وجائفته لأن ضمانه ضمان الامور فيجب فيه ما نقص كالبهائم ولأن ما ضمن بالقيمة بالغا ما بلغ ضمن نقصه بما نقص كسائر الأموال ولأن مقتضى الدليل ضمان الفائت بما نقص خالفناه فيما وقت الحر كما خالفناه في ضمان نفسه بالدية المؤقتة ففي الوقت يبقى فيهما على مقتضى الدليل والرواية الأخرى أن ما كان موقتاً في الحر فهو موقت في العبد من قيمته ففي يده أو عينه أو شفته نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وما أوجب الدية في الحر كالأنف واللسان واليدين والرجلين والعينين والأذنين أوجب قيمة العبد مع العبد بقاء ملك السيد عليه وروى هذا عن علي رضي الله عنه وروي نحوه عن سعيد بن المسيب وبه قال ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز والشافعي والثوري قال أحمد هذا قول سعيد بن المسيب وقال آخرون ما اصيب به العبد فهو على ما نقص من قيمته والظاهر أن هذا لو كان قول علي لما احتج أحمد إلا به دون غيره إلا أن أبا حنيفة والثوري قالا ما أوجب الدية من الحر
يتخير سيد العبد فيه بين أن يغرمه قيمته ويصير ملكاً للجاني وبين أن لا يضمنه شيئاً لئلا يؤدي الى اجتماع البدل والمبدل لرجل واحد وروي عن إياس بن معاوية فيمن قطع يد عبد عمداً أو قلع عينه هو له وعليه ثمنه ووجه هذه الرواية قول علي رضي الله عنه ولم يعرف له من الصحابة مخالف ولأنه آدمي يضمن بالقصاص والكفارة فكان في أطرافه مقدر كالحر ولأن اطرافه فيها مقدر من الحر فكان فيها مقدر من العبد كالشجاج الأربع عند مالك وما وجب في شجاجه مقدر وجب في أطرافه كالحر وعلى أبي حنيفة قول علي وإن هذه الأعضاء فيها مقدر فوجب ذلك مع بقاء ملك السيد في العبد كاليد الواحدة وسائر الأعضاء وقولهم إنه اجتمع البدل والمبدل لواحد لا يصح لأن القيمة ههنا بدل العضو واحدة
والرواية الأولى أقيس وأولى إن شاء الله تعالى ولم يثبت ما روي عن علي وان ثبت فقد روي عن ابن عباس خلافه فلا يبقى حجة والقياس على الحر لا يصح لأنهم لم يسووا بينه وبين الحر فيما ليس فيه مقدر شرعي فإنهم أوجبوا فيه ما نقصه وإن كان في عضو فيه مقدر شرعي فإنهم أوجبوا فيه ما نقصه وإن كان في عضو فيه مقدر كالجناية على الإصبع من غير قطع إذا نقصت قيمته العشر أو أكثر بخلاف الحر وقد ذكرنا دليل ذلك في صدر المسألة (فصل) والأمة مثل العبد فيما ذكرنا وفيه من الخلاف ما فيه إلا أنها تشبه بالحرة ولا تفريع على الرواية الأولى فأما على الثانية فإن بلغت قيمتها احتمل أن ترد الى النصف فيكون في ثلاثة أصابع ثلاثة
أعشار قيمتها وفي أربعة أصابع خمسها كما أن المرأة تساوي الرجل في الجراح الى ثلث ديتها فإذا بلغت الثلث ردت الى النصف والأمة امرأة فيكون أرشها من قيمتها كأرش الحرة، ويحتمل أن لا ترد الى النصف لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل لكون الأصل زيادة الأرش بزيادة الجناية وإن كل ما زاد نقصها وضررها زاد في ضمانها فإذا خولف في الحرة بقينا في الأمة على وفق الأصل (مسألة)(ومن نصفه حر ففيه نصف دية حر ونصف قيمته وكذلك في جراحه) وجملة ذلك أن من نصفه حرا إذا جنى عليه الحر فلا قود عليه لأنه ناقص بالرق فأشبه ما لو كان كله رقيقا وان كان قاتله عبداً أقيد منه لأنه أكمل من الجاني، وإن كان نصف القاتل حراً وجب القود لتساويهما وإن كانت الحرية في القاتل أكثر لم يجب القود لعدم المساواة بينهما، وفي ذلك كله إذا لم يكن القاتل عبداً فعليه نصف دية حر ونصف قيمته إذا كان عمداً وإن كان خطأ ففي ماله نصف قيمته لأن العاقلة لا تحمل العبد والنصف على العاقلة لأنها دية حر في الخطأ، وهكذا الحكم في جراحه إذا كان قدر الدية من أرشها يبلغ ثلث الدية مثل أن يقطع أنفه أو يديه وإن قطع إحدى يديه فالجميع على الجاني لأن نصف دية اليد ربع ديته فلا تحملها العاقلة لنقصها عن الثلث (مسألة)(وإذا قطع خصيتي عبد أو أنفه أو اذنيه لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملك السيد عنه وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر وقيمته مقطوع الذكر وملك سيده باق عليه)
وفي ذلك اختلاف ذكرناه وعلى الرواية الأخرى يلزمه ما نقص من قيمته ودليلهما ما سبق (فصل)(ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتاً غرة عبداً أو أمة قيمتها خمس من الإبل مورثة عنه كأنه سقط حيا ذكرا أو انثى، وهو نصف عشر الدية) يقال غرة عبد بالصفة وغرة عبد بالإضافة والصفة أحسن لأن الغرة اسم للعبد نفسه قال مهلهل كل قتيل في كليب غره * حتى ينال القتل آل مره وجملة ذلك أن في جنين المسلمة غرة هذا قول أكثر أهل العلم منهم عمر رضي الله عنه وعطاء والشعبي والنخعي والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقد روي أن عمر استشار الناس في املاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال لتأتين بمن يشهد معك فشهد له محمد بن مسلمة، وعن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم متفق عليه، والغرة عبد أو أمة سميا بذلك لانهن أنفس الاموال، والاصل في الغرة الخيار، فإن قيل فقد روي في هذا الخبر " أو فرس أو بغل " قلنا هذا لم يثبت رواه عيسى بن يونس ووهم فيه قاله أهل النقل والحديث الصحيح إنما فيه عبد أو أمة
(فصل) وإنما تجب الغرة إذا سقط من الضربة، ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضرب أو تبقى منها متألمة الى أن يسقط، ولو قتل حاملاً ولم يسقط جنينها أو ضرب من في جوفها حركة او انتفاخ فسكن الحركة واذهبها لم يضمن الجنين وبهذا قال مالك وقتادة والاوزاعي والشافعي وابن المنذر وحكي عن الزهري ان عليه غرة لأن الظاهر أنه قتل الجنين فوجبت الغرة كما لو أسقطت ولنا أنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه ولذلك لا يصح له وصية ولا ميراث ولأن الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت فلا يجب الضمان بالشك، وأما إذا القته ميتاً فقد تحقق والظاهر تلفه من الضربة فيجب ضمانه سواء ألقته في حياتها أو بعد موتها وبهذا قال الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة ان
القته بعد موتها لم يضمنه لأنه يجري مجرى اعضائها وبموتها سقط حكم أعضائها ولنا أنه جنين تلف بجنايته وعلم ذلك بخروجه كما لو سقط في حياتها ولأنه لو سقط حياً ضمنه فكذلك إذا سقط ميتاً كما لو أسقطته في حياتها، وما ذكروه غير صحيح لأنه لو كان كذلك لكان إذا سقط ميتاً ثم ماتت لم يضمنه كامضائها ولأنه آدمي موروث فلا يدخل في ضمان أمه كما لو خرج حياً، فإن ظهر بعضه من بطن أمه ولم يخرج باقية ففيه الغرة وبه قال الشافعي، وقال مالك وابن المنذر لا تجب
حتى تلقيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوجب الغرة في الجنين الذي ألقته المرأة وهذه لم تلق شيئاً فأشبه ما لم يظهر منه شئ.
ولنا أنه قاتل لجنينها فلزمته الغرة كما لو ظهر جميعه، ويفارق ما لو لم يظهر منه شئ فانه لم يتيقن قتله ولا وجوده وكذلك إن ألقت يداً أو رجلاً أو رأساً أو جزءاً من أجزاء الآدمي تجب الغرة لانا تيقنا أنه من جنين، وإن ألقت رأسين أو أربع أيد لم يجب أكثر من غرة لأن ذلك يجوز أن يكون من جنين واحد ويجوز أن يكون من جنينين فلم تجب الزيادة مع الشك لأن الأصل براءة الذمة ولذلك لم يجب ضمانه إذا لم يظهر، فإن أسقطت ما ليس فيه صورة آدمي فلا شئ فيه لأنه لا يعلم أنه جنين، وأن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور ففيه وجهان (أصحهما) لا شئ فيه لأنه لم يتصور فلم يجب فيه شئ كالعلقة ولأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك (والثاني) فيه غرة لأنه مبتدأ خلق آدمي أشبه ما لو تصور وهذا يبطل بالمضغة والعلقة (فصل) والغرة عبد أو أمة وهو قول أكثر أهل العلم وقال عروة وطاوس ومجاهد عبد أو أمة أو فرس لأن الغرة اسم لذلك وقد جاء في حديث أبي هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة أو أمة أو فرس أو بغل، وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة ونحوه قال الشعبي لأنه روي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل في ولدها مائة شاة رواه أبو داود، وروي عن عبد الملك
ابن مروان أنه قضى في الجنين إذا أملص بعشرين ديناراً فإذا كان مضغة فأربعين فإذا كان عظماً
فستين فإذا كان العظم قد كسي لحماً فثمانين فإن تم خلفه وكسي شعره فمائة دينار، وقال قتادة إذا كان علقة فثلث غرة وإذا كان مضغة فثلثي غرة ولنا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في املاص المرأة بعبد أو أمة وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضية على ما خالفها، وذكر الفرس والبغل وهم انفرد به عيسى بن يونس عن سائر الرواة وهو متروك في البغل بغير خلاف فكذلك في الفرس والحديث الذي ذكرناه أصح ما روي فيه وهو متفق عليه وقد قاله به أكثر أهل العلم فلا يلتفت الى ما خالفه وقول عبد الملك بن مروان تحكم بتقدير لم يرد به الشرع وكذلك قتادة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع من قولهما إذا ثبت هذا فإنه يلزمه الغرة فإن أراد دفع بدلها ورضي المدفوع اليه جاز لأنه حق آدمي فجاز ما تراضيا عليه وأيهما امتنع من قبول البدل فله ذلك لأن الحق لهما فلا يقبل بدلها إلا برضاهما (فصل) وقيمة الغرة خمس من الإبل وذلك نصف عشر الدية روى ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما، وبه قال النخعي والشعبي وربيعة ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي ولأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجنايات وهو أرش موضحة ودية السن فرددناه اليه، فإن قيل فقد وجب في
الأنملة ثلاثة أبعرة وثلث ذلك دون ما ذكروه قلنا الذي نص عليه صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم أرش الموضحة وهو خمس من الإبل، وإذا كان أبوا الجنين كتابيين ففيه غرة قيمتها نصف قيمة الغرة الواجبة في المسلم، وفي جنين المجوسية غرة قيمتها أربعون درهماً فاما تعذر وجود غرة بهذه الدراهم وجبت الدراهم لأنه موضع حاجة وإذا اتفق نصف عشر الدية من الأصول كلها بأن تكون قيمتها خمساً من الإبل وخمسين ديناراً أو ستمائة درهم فلا كلام، وإن اختلفت قيمة الإبل ونصف عشر الدية من غيرها مثل إن كانت قيمة الإبل اربعين ديناراً أو أربعمائة درهم فظاهر كلام الخرقي أنها تقوم بالإبل لأنها الأصل، وعلى قول غيره من أصحابنا تقوم بالذهب أو الورق فتجعل قيمتها خمسين ديناراً أو ستمائة درهم فإن اختلفا قومت على أهل الذهب به وعلى اهل الورق به، فإن كان من أهل الذهب والورق جميعاً قوما من هي عليه بما شاء منهما لأن الخيرة الى الجاني في دفع ما شاء من سائر الأصول
ويحتمل أن تقوم بأدعاهما على كل حال لذلك وإذا لم يجد الغرة انتقل الى خمس من الإبل على قول الخرقي وعلى قول غيره ينتقل الى خمسين ديناراً أو ستمائة درهم (فصل) والغرة موروثة عنه كأنه سقط حياً لأنها دية له وبدله عنه فيرثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي، وقال الليث: لا تورث بل يكون بدله لأمه كعضو من أعضائها فأشبه يدها.
ولنا أنها دية آدمي حر فوجب أن تكون موروثة عنه كما لو ولدته حياً ثم مات وقوله إنه كعضو
من اعضائها لا يصح لأنه لو كان عضو لدخل بدله في دية أمه كيدها ولما منع من القصاص من أمه وإقامة الحد عليها من أجله ولما وجبت الكفارة من أجله بقتله ولما صح عتقه دونها ولا عتقها دونه، ولأن كل نفس تضمن بالدية تورث كدية الحي، فعلى هذا إذا اسقطت جنينا ميتا ثم ماتت فإنها ترث نصيبها من الغرة ثم يرثها ورثتها، وإن اسقطته حياً ثم مات قبلها ثم ماتت فإنها ترث نصيبها من ديته ثم يرثها ورثتها، وإن ماتت قبله ثم القته ميتاً لم يرث أحدهما صاحبه، وإن خرج حياً ثم ماتت قبله ثم مات، أو ماتت ثم خرج حياً ثم مات ورثها ثم يرثه ورثته، وان اختلف ورائهما في أولهما موتاً فحكمهما حكم الغرقى على ما ذكر في موضعه، ويجئ على قول الخرقي في المسألة التي ذكرها اذا ماتت امرأة وابنها ان يحلف ورثة كل واحد منهما ويختصوا بميراثه، وان ألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات ثم ألقت آخر حيا ففي الميت غرة وفي الحي الأول دية إذا كان سقوطه لوقت يعيش مثله ويرثهما الآخر يرثه ورثته ان مات، وإن كانت الأم قد ماتت بعد الأول وقبل الثاني فإن دية الاول ترث منها الأم والجنين الثاني ثم إذا ماتت الام ورثها الثاني ثم يصير ميراثه لورثته فإن ماتت الأم بعدهما ورثتهما جميعاً (فصل) إذا ضرب بطن امرأة فألقت أجنة ففي كل واحد غرة وبهذا قال الزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر قال لا أحفظ عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه ضمان آدمي فتعدد بتعدده كالديات
وان القتهم احياء لوقت يعيشون في مثله ثم ماتوا ففي كل واحد منهم دية كاملة، وإن كان بعضهم حياً فمات وبعضهم ميتاً ففي الحي دية وفي الميت غرة (فصل) ويستوي في ذلك الذكر والأنثى في أنه يجب في كل واحد غرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة وهو يطلق على الذكر والأنثى ولأن المرأة تساوي الذكر فيما دون الثلث (مسألة)(ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب ولا من له دون سبع سنين) وجملة ذلك أن الغرة تجب سليمة من العيوب وإن قل العيب لأنه حيوان يجب بالشرع فم يقبل فيه المعيب كالشاة في الزكاة ولأن الغرة الخيار والمعيب ليس من الخيار، ولا يقبل فيها هرمة ولا معيبة ولا خنثى ولا خصي وان كثرت قيمته لأن ذلك عيب، ولا من له دون سبع سنين قاله القاضي وابو الخطاب وأصحاب الشافعي لأنه محتاج الى من يكفله ويحضنه وليس من الخيار، وظاهر كلام الخرقي ان سنها غير مقدر وهو قول أبي حنيفة وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه لا يقبل فيها غلام بلغ خمس عشرة سنة لأنه لا يدخل على النساء ولا ابنة عشرين لأنها تتغير وهذا تحكم لم يرد الشرع به فيجب ان لا يقيل وما ذكروه من الحاجة إلى الكفاية باصل بمن له فوق السبع ولأن بلوغه قيمة الكبير مع صغره يدل على أنه خيار ولم يشهد لما ذكروه نص ولا له أصل يقاس عليه والشاب البالغ أكمل من الصبي عقلاً وبنية وأقدر على التصرف وأنفع في الخدمة وأقضى للحاجة، وكونه لا يدخل على النساء إن أريد به النساء الأجنبيات فلا حاجة الى
دخوله عليهن، وان أريد به سيدته فليس بصحيح فإن الله تعالى قال (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) الى قوله (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) ثم لو لم يدخل على النساء لحصل من منعه أضعاف ما يحصل من دخوله وفوات شئ الى ما هو أنفع منه لا يعد فواتاً كمن اشترى بدرهم ما يساوي درهمين لا يعد فواتاً ولا خسراناً (فصل) ولا يعتبر لون الغرة، وذكر عن ابي عمرو بن العلاء ان الغرة لا تكون إلا بيضاء ولا يقبل عبد أسود ولا جارية سوداء ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بعبد أو أمة وأطلق والسواد غالب على عبيدهم وإمائهم ولأنه حيوان
تجب ديته فلم يعتبر لونه كالإبل في الدية (مسألة)(وإن كان الجنين مملوكاً ففيه عشر قيمة أمه ذكراً كان أو أنثى) وجملته أنه إذا كان جنين الأمة مملوكاً فسقط من الضربة ميتاً ففيه عشر قيمة أمه هذا قول الحسن وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وبنحوه قال النخعي والزهري.
وقال زيد بن أسلم يجب فيه عشر قيمة غرة وهو خمسة دنانير، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكراً أو عشر قيمته إن كان أنثى لأن الغرة الواجبة في جنين الحرة هي نصف عشر دية الرجل
وعشر دية الأنثى وهذا متلف فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه ولأنه جنين مضمون تلف بالضربة فكان فيه نصف الواجب إذا كان ذكراً كبيراً أو عشر الواجب إذا كان أنثى كجنين الحرة، وقال محمد بن الحسن: مذهب أهل المدينة يفضي إلى أن يجب في الجنين الميت أكثر من قيمته اذا كان حيا ولنا أنه جنين مات بالجناية في بطن أمه فلم يختلف ضمانه بالذكورية والأنوثية كجنين الحرة، ودليلهم نقلبه عليهم فنقول جنين مضمون تلف بالجناية فكان الواجب فيه عشر ما يجب في أمه كجنين الحرة، وما ذكروه من مخالفة الأصل معارض بأن مذهبهم يفضي الى تفضيل الأنثى على الذكر وهو خلاف الأصول ولأنه لو اعتبر بنفسه لوجبت قيمته كلها كسائر المضمونات بالقيمة ومخالفتهم أشد من مخالفتنا لأننا اعتبرناه إذا كان ميتاً بأمه وإذا كان حياً بنفسه فجاز أن تزيد قيمة الميت على الحي مع اختلاف الجهتين كما جاز أن يزيد البعض على الكل في أن من قطع اطراف إنسان الأربعة كان الواجب عليه أكثر من دية النفس كلها وهم فضلوا الأنثى على الذكر مع اتحاد الجهة وأوجبوا فيما يضمن بالقيمة عشر قيمة أمه تارة ونصف عشر اخرى وهذا لا نظير له إذا ثبت هذا فإن قيمة أمه معتبرة يوم الجناية عليها وهذا منصوص الشافعي، وقال بعض أصحابه حين أسقطت لأن الاعتبار في ضمان الجناية بالاستقرار ويتخرج لنا وجه مثل ذلك ولنا أنه لم يتخلل بين الجناية وحال الاستقرار ما يوجب تغيير بدل النفس فكان الاعتبار بحال
الجناية كما لو جرح عبداً ثم نقصت السوق لكثرة الجلب ثم مات فإن الاعتبار بقيمته يوم الجناية ولأن قيمتها تتغير بالجناية وتنقص فلم تقوم في حال نقصها الحاصل بالجناية كما لو قطع يدها فمات من سرايتها أو قطع يدها فمرضت بذلك ثم اندملت جراحتها (فصل) وولد المدبرة والمكاتبة والمعتقة بصفة وأم الولد إذا حملت من غير مولاها حكمه حكم ولد الأمة لأنه مملوك فأما جنين المعتق بعضها فهو مثلها فيه من الحرية مثل ما فيها وإذا كان نصفها حراً فتصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده (فصل) وإن وطئ أمه بشبهة أو غر بأمه فتزوجها وأحبلها فضربها ضارب فألقت جنيناً فهو حر وفيه غرة موروثة عنه لورثته وعلى الوطئ عشر قيمتها لسيدها لأنه لولا اعتقاد الحرية لكان هذا الجنين مملوكاً لسيده على ضاربه عشر قيمة أمه فلما انعتق بسبب الوطئ فقد حال بين سيدها وبين هذا القدر فالزمناه ذلك للسيد سواء كان بقدر الغرة أو أكثر منها أو أقل (فصل) إذا أسقط جنين ذمية قد وطئها مسلم وذمي في طهر واحد وجب فيه اليقين وهو ما في الجنين الذمي فإن ألحق بعد ذلك بالذمي فقد وفى ما عليه وإن الحق بمسلم فعليه تمام الغرة وان ضرب بطن نصرانية فأسقطت فادعت أو ادعى ورثته أنه من مسلم حملت به من وطئ شبهة او زنا فاعترف الجاني فعليه غرة كاملة وإن كان مما تحمله العاقلة فاعترفت ايضاً فالغرة عليها وان انكرت حلفت وعليها ما في جنين
الذميين والباقي على الجاني لأنه ثبت باعترافه والعاقلة لا تحمل اعترافاً وإن اعترفت العاقلة دون الجاني فالغرة عليها مع دية امه وان أنكر الجاني والعاقلة فالقول قولهم مع أيمانهم أنا لا نعلم أن هذا الجنين من مسلم ولا يلزمهما اليمين مع البت لأنها يمين على النفي في فعل الغير فإذا اختلفوا وجبت دية ذمي لأن الأصل أن ولدها تابع لها ولأن الأصل براءة الذمة وإن كان مما لا تحمله العاقلة فالقول قول الجاني وحده مع يمينه ولو كانت النصرانية امرأة مسلم فادعى الجاني ان الجنين من ذمي بوطئ شبهة او زنا فالقول قول ورثة الجنين لأن الجنين محكوم بإسلامه فإن الولد للفراش (فصل) إذا كانت الأمة بين شريكين فحملت بمملوك فضربها أحدهما فأسقطت فعليه كفارة لأنه
اتلف آدمياً ويضمن لشريكه نصف عشر قيمة أمه ويسقط ضمان نصيبه لأنه ملكه وإن أعتقها الضارب بعد ضربها وكان معسراً ثم اسقطت عتق نصيبه منه ومن ولدها وعليه لشريكه نصف عشر قيمة الأم وعليه نصف غرة من أجل النصف الذي صار حراً يورث عنه بمنزلة مال الجنين ترث أمه منه بقدر ما فيها من الحرية والباقي لورثته هذا قول القاضي وقياس قول ابن حامد وهو مذهب الشافعي وقياس قول أبي بكر وابي الخطاب لا يجب على الضارب ضمان ما أعتقه لأنه حين الجناية لم يكن مضموناً عليه والاعتبار في الضمان بحال الجناية وهي الضرب ولهذا اعتبرنا قيمة الأم حال الضرب وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن الإتلاف حصل بفعل غير مضمون فأشبه ما لو جرح
حربياً فأسلم ثم مات بالسراية ولأن موته يحتمل أن يكون قد حصل بالضرب فلا يتجدد ضمانه بعد موته والأصل براءة ذمته وإن كان المعتق موسراً سرى العتق اليها والى جنينها وفي الضمان الوجهان فعلى قول القاضي في الجنين غرة.
موروثة عنه وعلى قياس قول ابي بكر عليه ضمان نصيب شريكه من الجنين بنصف عشر قيمة أمه ولا يضمن أمه لأنه قد ضمنها باعتاقها فلا يضمنها بتلفها وإن كان المعتق الشريك الذي لم يضرب وكان معسراً فلا ضمان على الشريك في نصيبه لأن العتق لم يسر اليه وعليه في نصيب شريكه من الجنين نصف غرة يرثها ورثته على قول القاضي وعلى قياس قول ابي بكر يضمن نصيب شريكه بنصف عشر قمية أمه ويكون لسيده اعتباراً بحال الجناية وكذلك الحكم في ضمان الأم إذا ماتت من الضربة وإن كان المعتق موسراً سرى العتق اليهما وصارا حرين وعلى المعتق ضمان نصف الأم ولا يضمن نصف الجنين لأنه يدخل في ضمان الأم كما يدخل في بيعها وعلى الضارب ضمان الجنين بغرة موروثة عنه على قول القاضي وعلى قياس قول ابي بكر يضمن نصيب الشريك بنصف عشر قيمة أمه وليس عليه ضمان نصيبه لأنه ملكه حال الجناية عليه وأما ضمان الأم ففي أحد الوجهين فيها دية حرة لسيدها منها أقل الأمرين من ديتها أو قيمتها وعلى الآخر يضمنها بقيمتها لسيدها كما تقدم من قطع يد عبد ثم عتق ومات (فصل) ولو ضرب بطن أمته ثم أعتقها ثم اسقطت جنينا ميتا لم يضمنه في قياس قول أبي بكر لأن
جنايته لم تكن مضمونة في ابتدائها فلم تضمن سرايتها كما لو جرح مرتداً فاسلم ثم مات ولأن موت الجنين يحتمل أنه حصل بالضربة في مملوكه ولم يتجدد بعد العتق ما يوجب الضمان وعلى قول ابن حامد عليه غرة لا يرث منها شيئاً لأن اعتبار الجناية بحال استقرارها، ولو كانت الأمة لشريكين فضرباها ثم أعتقاها معاً فولدت جنيناً ميتاً فعلى قول أبي بكر على كل واحد منهما نصف عشر قيمة أمه لشريكه لأن كلا منهما جنى عليه الجنين ونصفه لشريكه فسقط عنه ضمانه ولزمه ضمان نصفه الذي لشريكه بنصف عشر قيمة أمه اعتباراً بحال الجناية وعلى قول ابن حامد على كل واحد منهما نصف الغرة للأم منها الثلث وباقيها للورثة ولا يرث القاتل منها شيئاً (مسألة)(وإن ضرب بطن أمه فعتقت ثم أسقطت الجنين ففيه غرة) على قول ابن حامد والقاضي لأنه كان حراً اعتباراً بحال الاستقرار وعلى قول أبي بكر وابي الخطاب فيه عشر قيمة أمه اعتباراً بحال الجناية لأنها كانت في حال كونه عبداً ويمكن منع كونه صار حراً لأن الظاهر تلفه بالجناية وبعد تلفه لا يمكن تحريره فعلى قول هذين يكون الواجب فيه لسيده وعلى قول ابن حامد يكون الواجب فيه أقل الأمرين من الغرة وعشر قيمة أمه لأن الغرة إن كانت اكثر لم يستحق الزيادة لأنها زادت بالحرية الحاصلة لزوال ملكه وإن كانت أقل لم يكن له أكثر منها لأن النقص حصل باعافه فلا يضمن له كما لو قلع يد عبد فأعتقه سيده ثم مات بسراية الجناية كان له
أقل الأمرين من دية حر أو نصف قيمته وما فضل عن حق السيد لورثة الجنين فأما إن ضرب بطن الأمة فاعتق السيد جنينها وحده نظرت فإن أسقطته حياً لوقت يعيش مثله ففيه دية حر نص عليه أحمد وإن كان لوقت لا يعيش مثله ففيه غرة لأنه حر على قول ابن حامد وعلى قول أبي بكر عليه عشر قيمة أمه وإن أسقطته ميتاً ففيه عشر قيمة أمه لأننا لا نعلم كونه حياً حال إعتاقه ويحتمل أن تجب عليه الغرة لأن الأصل بقاء حياته ما لو أعتق أمه (فصل) إذا ضرب ابن المعتقة الذي ابوه عبد بطن امرأة ثم عتق ابوه ثم أسقطت جنيناً وماتت
احتمل ان تكون ديتهما في مال الجاني على ما تقدم ذكره واحتمل أن تكون الدية على مولى الأم وعصباته في قياس قول ابي بكر اعتباراً بحال الجناية وعلى قياس ابن حامد على مولى الأب وأقاربه اعتباراً بحال ألإسقاط وإن ضرب ذمي بطن امرأته الذمية ثم أسلم ثم أسقطت لم تحمله عاقلته وإن ماتت معه فكذلك لأن عاقلته المسلمين لا يعقلون عنه لأنه كان حين الجناية ذميا وأهل الذمة لا يعقلون عنه لأنه حين الإسقاط مسلم ويحتمل أن يكون عقله على عاقلته من أهل الذمة في قياس قول ابي بكر اعتباراً بحال الجناية ويكون في الجنين ما يجب في الجنين الكافر لأنه حين الجناية محكوم بكفره وعلى قياس قول ابن حامد يجب فيه غرة كاملة ويكون عقله وعقل أمه على عاقلته المسلمين اعتباراً بحال الاستقرار (مسألة)(وإن كان الجنين محكوماً بكفره ففيه عشر دية)
وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي قال إبن المنذر لم أحفظ عن غيرهم خلافهم لأن جنين الحرة المسلمة مضمون بعشر دية أمه فكذلك جنين الكافرة إلا أن أصحاب الرأي يرون دية الكافرة كدية المسلمة فلا يتحقق عندهم بينهما اختلاف (مسألة)(وإن كان أحد أبويه كتابياً والآخر مجوسياً اعتبر أكثرهما دية فيجب عشر دية كتابية على كل حال) لأن ولد المسلم من الكافرة يعتبر بأكثرهما دية كذا ههنا ولأن الضمان إذا وجد في أحد أبويه ما يوجب وفي الآخر ما يسقط غلب الإيجاب بدليل ما لو قتل المحرم صيداً متولداً من مأكول وغيره ولا فرق فيما ذكرنا بين الذكر والأنثى لأن السنة لم تفريق بينهما وبه يقول الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعامة أهل العلم (فصل) لو ضرب بطن كتابية حامل من كتابي فأسلم أحد أبويه ثم أسقطته ففيه الغرة في قول ابن حامد والقاضي وهو ظاهر كلام أحمد ومذهب الشافعي لأن الضمان بحال استقرار الجناية والجنين محكوم بإسلامه عند استقرارها وفي قول أبي بكر وابي الخطاب فيه عشر دية كتابية لأن الجناية عليه في حال كفره (مسألة)(وان سقط الجنين حياً ثم مات ففيه دية حر إن كان لحرا أو قيمته أن كان مملوكاً)
إذا كان سقوطه لوقت يعيش مثله وهو ان تضعه لستة أشهر فصاعداً وإلا فحكمه حكم الميت هذا
قول عامة أهل العلم قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في الجنين يسقط حياً من الضرب دية كاملة منهم زيد بن ثابت وعروة والزهري والشعبي وقتادة ابن شبرمة ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وذلك لأنه مات من جنايته بعد ولادته في وقت يعيش لمثله فأشبه قتله بعد وضعه في هذه المسائل ثلاثة فصول (أحدهما) أنه انما يضمن بالدية إذا وضعته حياً فمن علمت حياته ثبت له هذا الحكم سواء ثبت باستهلاله أو ارتضاعه أو تنفسه او عطاسه أو غير ذلك مما تعلم به حياته هذا ظاهر قول الخرقي وهو مذهب الشافعي، وروى عن أحمد أنه لا يثبت له حكم الحياة إلا بأن يستهل وهذا قول الزهري وقتادة ومالك وإسحاق وروي معنى ذلك عن عمرو ابن عباس والحسن بن علي وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا استهل المولود ورث وورث " مفهومه أنه لا يرث إذا لم يستهل، والاستهلال الصياح قاله ابن عباس والقاسم والنخعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من مولود يولد لا مسه الشيطان فيستهل صارخاً إلا مريم وابنها) فلا يجوز غير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصل في تسمية الصياح استهلال ان من عادة الناس إذا رأو الهلال صاحوا وأراه بعضهم بعضنا فسمي صياح المولود استهلالاً لأنه في ظهوره بعد خفائه كالهلال وصياحه كصياح من يتراآه
ولنا أنه قد علمت حياته فأشبه المستهل والخبر يدل بمعناه وتنبيهه على ثبوت الحكم في سائر الصور فإن شربه اللبن أدل على حياته من صياحه وعطاسه ضرب منه فهو كصياحه، وأما الحركة والاختلاج المنفرد فلا يثبت به حكم الحياة لأنه قد يتحرك بالاختلاج وبسبب آخر وهو خرجه من مضيق فإن اللحم يختلج سيما إذا عصر ثم ترك فلم نثبت بذلك حياته (الفصل الثاني) أنه إنما يجب ضمانه إذا علم موته بسبب الضربة ويحصل ذلك بسقوطه في الحال أو موته أو بقاؤه متألماً الى أن يموت أو بقاء أمه متألمة الى أن تسقطه فيعلم بذلك موته بالجناية كما لو
ضرب رجلاً فمات عقيب ضربه أو بقي ضمناً حتى مات، وإن ألقته حياً فجاء آخر فقتله وكانت فيه حياة مستقرة فعلى الثاني القصاص إذا كان عمداً أو الدية كاملة وإن لم تكن فيه حياه مستقرة بل كانت حركته كحركة المذبوح فالقاتل هو الأول وعليه الدية كاملة يؤدب الثاني وإن بقي الجنين حياً وبقي زمناً سالماً لا ألم به لم يضمنه الضارب لأن الظاهر أنه لم يمت من جنايته (الفصل الثالث) إن الدية انما تجب فيه إذا كان سقوطه لستة أشهر فصاعداً فإن كان لدون ذلك ففيه غرة كما لو سقط ميتاً وبهذا قال المزني، وقال الشافعي فيه دية كاملة لأننا علمنا حياته وقد تلف من جنايته ولنا أنه لم تعلم فيه حياة يتصور بقاؤه بها فلم تجب فيه دية كما لو ألقته ميتاً وكالمذبوح، وقولهم إنا علمنا حياته قلنا وإذا أسقط ميتاً وله ستة أشهر فقد علمنا حياته أيضاً
(مسألة)(وإن اختلفا في حياته ولا بينة لهما ففي أيهما يقدم قوله؟ وجهان)(أحدهما) يقدم قول الولي لأن الأصل حياته فإن الجنين إذا بلغ أربعة أشهر نفخ فيه الروح (والثاني) قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته من الدية الكاملة (فصل) إذا دعت المرأة على رجل أنه ضربها فأسقط جنينها فأنكر الضرب فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الضرب، وإن أقر بالضرب أو قامت به بينة وأنكر أن تكون أسقطت فالقول قوله أيضاً مع يمينه لأنه لا يعلم أنها أسقطت، ولا يلزمه اليمين على البت لأنها يمين على نفي فعل الغير والأصل عدمه، وإن ثبت الإسقاط والضرب ببينة أو إقرار فادعى أنها أسقطته من غير ضربه فإن كانت أسقطته عقيب ضربه فالقول قولها لأن الظاهر أنه منه لوجوده عقيب شئ يصلح أن يكون سبباً له، وإن ادعى أنها ضربت نفسها أو شربت دواء أو فعل ذلك غيرها فحصل الإسقاط فأنكرته فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم ذلك، وإن أسقطت بعد الضرب بأيام وكانت متألمة الى حين الإسقاط فالقول قولها، وإن لم تكن متألمة فالقول قوله مع يمينه كما لو ضرب إنساناً فلم يبق متألماً ولا ضمناً ومات بعد أيام، وإن اختلفا في وجود التألم فالقول قوله لأن الأصل عدمه، وإن كانت متألمة في بعض المدة فدعى أنها برأت وزال ألمها وأنكرت ذلك فالقول قولها لأن الأصل بقاؤه، وإن ثبت إسقاطها من الضربة
فادعت سقوطه حياً وأنكرها فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم لها بينة باستهلاله لأن الأصل عدم ذلك وإن ثبتت حياته فادعت أنه لوقت يعيش مثله فأنكرها فالقول قولها مع يمينها لأن ذلك لا يعلم إلا من جهتها ولا يمكن إقامة البينة عليه فقيل قولها فيه كانقضاء عدتها ووجود حيضها وطهرها، وإن أقامت بينة باستهلاله وأقام الجاني بينة بخلافها قدمت بينتها لأنها مثبتة فقدمت على النافية لان المثبتة معها زيادة اعلم، وإن ادعت أنه مات عقيب إسقاطه وادعى أنه عاش مدة فالقول قولها لأن الأصل عدم حياته، وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه قدمت بينة الجاني لأن معها زيادة علم، وإن ثبت أنه عاش مدة فما دعت أنه بقي متألماً حتى مات أنكر فالقول قوله لأن الأصل عدم التألم، فإن أقاما بينتين قدمت بينتها الان معها زيادة علم، ويقبل في استهلال الجنين وسقوطه وبقائه متألما وبقاء أمه متألمة قول امرأة واحدة لأنه مما لا يطلع عليه الرجال غالباً لأن الغالب أنه لا يشهد الولادة الا النساء والاستهلال يتصل بها، وهن يشهدن حال المرأة وولادتها وحال الطفل ويعرفن علله وأمراضه وقوته وضعفه دون الرجال، وإن اعترف الجاني باستهلاله أو ما يوجب فيه دية كاملة فالدية في مال الجاني لا تحمله العاقلة لأنها لا تحمل اعترافا، وإن كانت مما تحمل العاقلة فيه الغرة فهي على العاقلة وباقي الدية في مال القاتل (فصل) وإن انفصل منها جنينان ذكر وأنثى فاستهل أحدهما واتفقوا على ذلك واختلفوا في المستهل فقال الجاني هو الأنثى وقال وارث الجنين هو الذكر فالقول قول الجاني مع يمينه لأن اصل براءة
ذمته من الزائد على دية الأنثى، فإن كان لأحدهما بينة قدم بها وإن كان لهما بينتان وجبت دية الذكر لأن البينة قد قامت باستهلاله والبينة المعارضة لها نافية له والإثبات مقدم على النفي، فإن قيل فينبغي أن تجب ديتهما، قلنا لا تجب دية الأنثى لأن المستحق لها لم يدعها وهو مكذب للبينة الشاهدة بها فإن ادعى الاستهلال منها ثبت ذلك بالبينتين، وإن لم تكن بينة فاعترف الجاني باستهلال الذكر فأنكرت العاقلة فالقول قولهم مع أيمانهم فإذا حلفوا كان عليهم دية الأنثى وغرة إن كانت تحمل الغرة، وعلى الضارب تمام دية الذكر وهو نصف الدية لا تحمله العاقلة لأنه ثبت باعترافه، وإن اتفقوا على أن أحدهما استهل
ولم يعرف بعينه لزم العاقلة دية أنثى لأنها متيقنة وتمام دية الذكر مشكوك فيه والأصل براءة الذمة منه فلم يجب بالشك وتجب الغرة في الذي لم يستهل (فصل) إذا ضربها فألقت يداً ثم ألقت جنيناً فإن كان القاؤهما متقارباً أو بقيت المرأة متألمة الى أن ألقته دخلت اليد في ضمان الجنين لأن الظاهر أن الضرب قطع يده وسرى الى نفسه فأشبه ما لو قطع يد رجل فسرى القطع إلى نفسه، ثم إن كان الجنين سقط ميتاً أو حياً لوقت لا يعيش مثله ففيه غرة، وان ألقته حياً لوقت يعيش لمثله ففيه دية كاملة، وان بقي حياً فلم يمت فعلى الضارب ضمان اليد بديتها بمنزلة من قطع يد رجل فاندملت، وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي يسئل القوابل فإن قلن إنها يد من لم تخلق فيه الحياة ففيها نصف الغرة وإن قلن يد من خلقت فيه الحياة ففيها نصف الدية
ولنا أن الجنين إنما يتصور بقاء الحياة فيه إذا كان حياً قبل ولادته بمدة طويلة أقلها شهران على ما دل عليه حديث الصادق الصدوق في أنه ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر وأقل ما يبقى بعد ذلك شهران لأنه لا يحي إذا وضعته لأقل من ستة أشهر، والكلام فيما إذا لم يتخلل بين الضربة والإسقاط مدة طويلة تزيل ظن سقوطه بها فيعلم حنيئذ أنها كانت بعد وجود الحياة فيه، وأما إن ألقت اليد وزال الألم ثم ألقت الجنين ضمن اليد وحدها بمنزلة من قطع يداً فاندملت ثم مات صاحبها ثم ينظر فإن ألقته ميتاً أو لوقت لا يعيش لمثله ففي اليد نصف غرة لأن في جميعه غرة ففي يده نصف ديته، وإن ألقته حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات أو عاش وكان بين القاء اليد وبين القائه مدة يحتمل أن تكون الحياة لم تخلق فيه قبلها أري القوابل ههنا، فإن قلن إنها يد من لم تخلق فيه الحياة وجب نصف غرة وإن قلن إنها يد من خلقت فيه الحياة ولم يمض له ستة أشهر وجب فيه نصف الغرة لأنها يد من لا يجب فيه أكثر من غرة فأشبهت يد من لم تنفخ فيه الروح، وإن اشكل الأمر عليهن وجب نصف الغرة لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا يجب بالشك (فصل) وإذا شربت الحامل دواه فألقت جنيناً فعليها غرة لا ترث منها شيئاً لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في ذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها فلزمها ضمانه بالغرة كما لو جنى عليه غيرها ولا ترث
من الغرة شيئاً لأن القاتل لا يرث من دية المقتول ويرثها سائر ورثته، فإن كان الجاني المسقط للجنين أباه أو غيره فعليه غرة لا يرث منها شيئاً لما ذكرنا (فصل) وإن جني على بهيمة فألقت جنينها ففيه ما نقصها في قول عامة أهل العلم، وحكي عن أبي بكر ان فيه عشر قيمة أمه لانها جناية على حيوان يملك بيعه اسقطت جنينه أشبه جنين الأمة وهذا لا يصح لأن الجناية على الأمة تقدر من قيمتها في ظاهر المذهب ففي يدها نصف قيمتها وفي موضحتها نصف عشر قيمتها وقد وافق أبو بكر على ذلك فقدر جنينها من قيمتها كبعض أعضائها.
والبهيمة انما يجب بالجناية عليها قدر نقصها فكذلك في جنينها ولأن الأمة آدمية ألحقت بالأحرار في تقدير أعضائها من قيمتها بخلاف البهيمة (فصل) ودية الأعضاء كدية النفس فإن كان الواجب من الذهب والورق لم تختلف بعمد ولا خطأ، وإن كان من الإبل وجبت في العمد ارباعاً على إحدى الروايتين، وفي الأخرى يجب خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمساها خلفات وفي الخطأ تجب أخماساً فإن لم تمكن قيمته مثل ان يوضحه عمداً فإنه يجب أربعة ارباعاً والخامس من أحد الأجناس الاربعة قيمته ربع قيمة الأربع، وإن قلنا بالرواية الأخرى وجب خلفتان وحقة وجذعة ويعتبر قيمته نصف قيمة حقة ونصف قيمة جذعة، وإن كانت خطأ وجب الخمس من الأجناس الخمسة من كل جنس بعير، وإن كان
الواجب دية أنملة وقلنا تجب من ثلاثة أجناس وجب بعير وثلث من الخلفات وحقة وجذعة وإن قلنا ارباعاً وجب ثلاثة وثلث قيمتها نصف قيمة الأربعة وثلثها، وإن كان خطأ فقيمتها ثلثا قيمة الخمس وعند أصحابنا ان قيمة كل بعير مائة وعشرون درهماً أو عشرة دنانير فلا فائدة في تعيين أسنانها، وان اختلفت قيمة الدنانير والدراهم مثل ان كانت العشرة الدنانير تساوي مائة درهم فقياس قولهم إذا جاء بما قيمته عشرة دنانير لزم المجني عليه قبوله لأنه لو جاءه بالدنانير لزمه قبولها فلزمه قبول ما يساويها (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وذكر أصحابنا أن القتل تغلظ ديته بالحرم والإحرام والأشهر
الحرم الرحم المحرم فيزاد لكل واحد ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث) وجملة ذلك أن الدية تغلظ بثلاثة أشياء: إذا قتل في الحرم والأشهر الحرم وإذا قتل محرماً، ونص أحمد على التغليظ فيما إذا قتل محرماً في الحرم وفي الشهر الحرام، فأما ان قتل ذا رحم محرم فقال أبو بكر تغلظ ديته، وقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنها لا تغلظ، وقال أصحاب الشافعي تغلظ بالحرم والأشهر الحرم وذي الرحم، وفي التغليظ بالإحرام وجهان، وممن روي عنه التغليظ عثمان وابن عباس والسعيدان وعطاء وطاوس ومجاهد وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وقتادة والاوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق واختلف القائلون بالتغليظ في صفته فقال اصحابنا يغلظ لكل واحد من الحرمات ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجبت ديتان وثلث
قال أحمد في رواية ابن منصور فيمن قتل محرماً في الحرم في الشهر الحرام فعليه اربعة وعشرون الفاً وهذا قول التابعين القائلين بالتغليظ.
وقال أصحاب الشافعي صفة التغليظ ايجاب دية العمد في الخطأ ولا يتصور التغليظ في غير الخطأ ولا يجمع بين تغليظين وهذا قول مالك إلا أنه يغلظ في العمد فإذا قتل ذا رحم محرم عمداً فعليه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة واربعون خلفة وتغليظها في الذهب الفضة أن ينظركم قيمة اسنان الإبل غير مغلظة وقيمتها مغلظة؟ ثم يحكم بزيادة ما بينهما كانت قيمتها مخففة ستمائة وفي العمد ثمانمائة وذلك ثلث الدية المخففة، وعند مالك تغلظ في الأب والأم والجد دون غيرهم واحتجا على صفة التغليظ بما روي عن عمر رضي الله عنه انه اخذ من قتادة المدلجي دية ابنه حين حذفه بالسيف ثلاثين حقة وثلاثين جذعة واربعين خلفة ولم يزد عليه في العدد شيئاً وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً، ولأن ما أوجب التغليظ أوجبه في الأسنان دون القدر كالضمان ولا يجمع بين تغليظين لأن ما أوجب التغليظ بالضمان إذا اجتمع سببان تداخلا كالحرام والإحرام في قتل الصيد وعلى أنه لا يغلظ بالإحرام لأن الشرع لم يرد بتغليظه.
واحتج أصحابنا بما روى ابن أبي نجيح ان امرأة وطئت في الطواف فقضى عثمان رضي الله عنه فيها آلاف وألفين تغليظاً للحرم وعن ابن عمر أنه قال: من قتل في الحرم او ذا رحم او في الشهر الحرام فعليه دية وثلث
وعن ابن عباس أن رجلاً في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال ديته اثنا عشر ألفاً وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف وهذا مما يظهر وينتشر ولم ينكر فثبت إجماعاً وهذا فيه الجمع بين تغليظات ثلاث ولأنه قول التابعين والقائلين بالتغليظ واحتجوا على التغليظ في العمد أنه إذا غلظ الخطأ مع العذر فيه ففي العمد مع عدم العذر أولى وكل من غلظ الدية أوجب التغليظ في بدل الطرف بهذه الأسباب لأن ما أوجب تغليظ دية النفس أوجب تغليظ دية الطرف (مسألة)(وظاهر كلام الخرقي ان الدية لا تغلظ لشئ من ذلك وهو قول الحسن والشعبي والنخعي وأبي حنيفة وابن المنذر) وروي ذلك عن الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " لم يزد على ذلك، وعلى أهل الذهب ألف مثقال.
وفي حديث ابن شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وأنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل له قتيل بعد ذلك فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وهذا القتيل كان بمكة في حرم الله تعالى ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على الدية ولم يفرق بين الحرم وغيره.
وقال الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وهذا يقتضي أن تكون الدية واحدة في كل مكان وكل حال ولأن عمر أخذ من قتادة المدلجي دية ابنه لم يزد على مائة
وروى الجوزجاني بإسناده عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما احيا من تلك السنن بقول فقهاء المدينة السبعة ونظرائهم ان تاسا كانوا يقولون ان الدية تغلظ في الشهر الحرام اربعة آلاف فتكون ستة عشر ألفاً فألغى عمر ذلك بقول الفقهاء وأثبتها اثني عشر ألف درهم في الشهر الحرام والبلد الحرام وغيرهم.
قال إبن المنذر وليس بثابت ما روي عن الصحابة في هذا ولو صح ففعل عمر في حديث قتادة أولى وهو مخالف لغيره فيقدم على قول من خالفه وهو أصح في الرواية مع موافقة الكتاب والسنة والقياس
(فصل) ولا تغلظ الدية بموضع غير حرم مكة وقال أصحاب الشافعي تغلظ الدية بالقتل في المدينة على قوله القديم لأنها مكان يحرم صيده فأشبهت حرم مكة ولا يصح القياس لأنها ليست محلاً للمناسك فأشبهت سائر البلدان.
ولا يصح قياسها على الحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أي بلد هذا؟ أليست البلدة - قال - فإن دماءكم وأموالكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " وهذا يدل على أنه أعظم البلاد حرمة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله ورجل قتل بدخل في الجاهلية " وتحريم الصيد ليس هو العلة في التغليظ وإن كان من جملة المؤثر فقد خالف تحريمه تحريم الحرم فإنه لا يجب الجزاء على من قتل فيه صيداً ولا يحرم الرعي فيه ولا الاحتشاش منه ولا ما يحتاج إليه من الرحل والعارضة والقائمة وشبهه
(مسألة) (وان قتل مسلم كافراً عمداً ضعفت الدية على قاتله لإزالة القود كما حكم عثمان رضي الله عنه روى احمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلاً قتل رجلاً من أهل الذمة فرفع الى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الف دينار فذهب اليه أحمد رحمه الله وله نظائر في مذهبه فإنه أوجب على الأعور إذا قلع عين صحيح مماثلة لعينه دية كاملة لما درأ عنه القصاص وأوجب على سارق التمر المعلق مثلي قيمته لما درأ عنه القطع.
وذهب جمهور العلماء الى إن دية الذمي في العمد والخطأ واحد لعموم الأخبار فيها وكما لو قتل حرا عبداً عمداً فإنه لا تضعف القيمة عليه ولأنه بدل متلف فلم يتضاعف بالعمد كسائر الأبدال (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية) وجملة ذلك أن جناية إذا كانت موجبة للمال أو كانت موجبة للقصاص فعفا عنها الى المال تتعلق برقبته لأنه لا يخلو من أن تتعلق برقبته أو ذمة سيده او لا يجب شئ ولا يمكن إلغاؤها لانها جنايتها آدمي فوجب اعتبارها كجناية الحر، ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره
وعدم تكليفه فالعبد أولى ولا يمكن تعليقها بذمته لأنه يفضي إلى الغائها أو تأخير حق المجني عليه
الى غير غاية ولا بذمة السيد لأنه لمم يجن فتعين تعليقها برقبة العبد ولأن الضمان موجب جنايته فتعلق برقبتة كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته أو أقل أو أكثر فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفديه بأرش جنايته أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه وبهذا قال الثوري ومحمد بن الحسن واسحاق، وروي ذلك عن الشعبي وعطاء ومجاهد وعروة والحسن والزهري وحماد لأنه ان دفع أرش الجناية فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها وإن طالب المجني عليه السيد بتسليمه اليه لم يجبر عليه السيد لما ذكرنا (مسألة)(وإن كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان)(إحداهما) هي كالتي قبلها يخير بين تسليمه أو أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته لأنه إذا أدى قيمته فقد أدى قدر الواجب عليه فلم يلزمه أكثر من ذلك كما لو كانت الجناية بقدر قيمته والرواية الثانية يلزمه تسليمه أو أن يفديه بأرش الجناية بالغة ما بلغت وهذا قول مالك لأنه إذا عرض للبيع ربما رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجني عليه وللشافعي قولان كالروايتين ووجه الرواية الأولى أن الشرع قد جعل له فداءه فكان الواجب قدر قيمته كسائر المتلفات
(مسألة)(وإن سلمه اليه السيد فأبى ولي الجناية الجناية قبوله وقال بعه أنت وادفع ثمنه الي فهل يلزم السيد ذلك؟ على روايتين)(إحداهما) لا يلزمه لأنه إذا سلم العبد فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به، ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة، وقد أدها.
(والثانية) يلزمه لأن الجناية تقتضي وجوب أرشها وأرشها هو قيمة العبد (مسألة)(وإن جنى عمدا فعفا الولي على القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضا السيد؟ على روايتين)
(إحداهما) لا يملكه لأنه إذا لم يملكه بالجناية فلأن لا يملكه بالعفو أولى، ولأنه أحد من عليه قصاص فلا يملك بالعفو كالحر ولأنه إذا عفا عن القصاص انتقل حقه الى المال فصار كالجاني جناية موجبة للمال (والثانية) أنه يملكه لأنه مملوك استحق اتلافه فاستحق ابقاء على ملكه كعبده الجاني عليه (فصل) قال أبو طالب سمعت أبا عبد الله يقول إذا أمر غلامه فجنى فعليه ما جنى، وإن كان أكثر من ثمنه، وإن قطع يد حر فعليه يد الحر، وإن كان ثمنه أقل وإن أمره سيده أن يجرح رجلاً فما جنى فعليه قيمة جناية، وإن كان أكثر من ثمنه، وإن قطع يد حر لأنه بأمره وكان علي وابو هريرة يقولان إذا امر عبده ان يقتل فإنما هو سوطه يقتل الولي ويحبس العبد، وقال احمد بن بهز ثنا حماد بن سلمة ثنا قتادة عن حلاس ان عليا قال: إذا أمر الرجل عبده فقل إنما هو
كسوطه أو كسيفه يقتل المولى، والعبد يستودع السجن ولأنه فوت شيئاً بأمره فكان على السيد ضماه كما لو استدان بأمره (مسألة)(وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص وإن كان بعضها بعد بعض) وبهذا قال الحسن وحماد ربيعة وأصحاب الرأي والشافعي، وعن شريح أنه قال يقضى لآخرهم وبه قال الشعبي وقتادة لانها جناية وردت على محل مستحق فقدم صاحبها على المستحق قبله كجناية المملوك الذي لم يجز، وقال شريح في عبد شج رجلاً ثم آخر ثم آخر فقال شريح يدفع إلى الأول إلا أن يفديه مولاه ثم يدفع الى الثاني ثم يدفع الى الثالث ولنا أنهم تساووا في سبب تعلق الحق فتساووا في الاستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة بل لو قدم بعضهم كان الأول أولى لأن حقه أسبق (مسألة)(وإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه؟ على وجهين)(أحدهما) يستحق جميع العبد لأن سبب استحقاقه موجود وإنما امتنع ذلك لمزاحمة الآخر له وقد زال المزاحم فثبت له الحق جميعه لوجود المقتضي وزوال المانع فهو كما لو جنى عليه إنسان ففداه سيده ثم جنى
على آخر (والثاني) لا يستحق إلا حصته لأنه لم يثبت له قبل العفو إلا حصته فكذلك بعده لأن العفو عما يلزم السيد عفو عنه لا عن غيره (فصل) فإن أعتق السيد عبده الجاني عتق وضمن ما تعلق به من الأرش لأنه أتلف محل الجناية على من تعلق حقه به فلزمه غرامته كما لو قتله وينبني قدر الضمان على الروايتين فيما إذا اختار إمساكه بعد الجناية لأنه منع من تسليمه بإعتاقه فهو بمنزلة امتناعه من تسليمه باختيار فدائه، ونقل ابن منصور عن أحمد أنه أعتقه عالماً بجنايته فعليه دية المقتول، وإن لم يكن عالماً بها فعليه قيمة العبد لأنه إذا أعتقه مع العلم كان مختاراً لفدائه بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه لم يختر الفداء لعدم علمه به فلم يلزمه أكثر من قيمة ما فوته (فصل) وإن باعه أو وهبه صح لما ذكرنا في البيع ولم يزل تعلق الجناية عن رقبته فإن كان المشتري عالماً بحاله فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة وينتقل الخيار في فدائه وتسليمه اليه كالسيد الأول وإن لم يعلم فله الخيار بين امساكه ورده كسائر المعيبات (مسألة)(وإن جرح العبد حراً فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر دية الحر واختار السيد فداءه وقلنا يفديه بقيمته صح العفو في ثلثه) لأنه ثلث ما مات عنه ويبقى الثلثان للورثة، وإن قلنا يفديه بديته صح العفو في خمسة أسداسه
وللورثة سدسه لأن العفو صح في شئ من قيمته وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين اجبر وقابل يصر ألف يعدل اثني عشر شيئا فالشئ إذاً يعدل نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس والله أعلم.
(فصل في الجناية على العبد) إذا قتل عبد مثله عمداً فسيد المقتول مخير بين القصاص والعفو فإن عفا إلى مال تعلق المال برقبة القاتل لأنه وجب بجنايته وسيده مخير بين فدائه وتسليمه فإن اختار فداه بأقل الامرين من قيمته أو قيمة المقتول لأنه إن كان الأقل قيمته لم يلزمه أكثر منها لأنها
بدل عنه وإن كان الأقل قيمة المقتول فليس لسيده أكثر منها لأنها بدل عبده وعنه رواية أخرى أن سيده إن اختار فداءه بأرش الجناية بالغاً ما بلغ وقد ذكرناه (فصل) فإن قتل عشرة أعبد عبداً عمداً فعليهم القصاص فإن اختار السيد قتلهم فله ذلك وان عفا إلى مال تعلقت قيمة عبده برقابهم على كل واحد منهم عشرها يباع منه بقدرها أو يفديه سيده وإن اختار قتل بعضهم والعفو عن البعض فله ذلك لأن له قتل الجميع والعفو عنهم، وان قتل عبد عبدين لرجل واحد فله قتله والعفو عنه فإن قتله سقط حقه وإن عفا إلى مال تعلقت قيمة العبدين برقبته فإن كانا لرجلين فكذلك إلا أن القاتل يقتل بالأول منهما لأن حقه اسبق فإن عفا عنه الأول قتل بالثاني وان
قتلهما دفعة واحدة اقرع بين السيدين فمن وقعت له القرعة اقتص وسقط حق الآخر وان عفا عن القصاص أو عفا سيد القتيل الأول الى مال تعلق برقبة العبد وللثاني ان يقتص لأن تعلق المال بالرقبة لا يسقط حق القصاص كما لو جنى العبد المرهون فإن قتله الآخر سقط حق الأول من القيمة لأنه لم يبق محل يتعلق به وان عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته أيضاً ويباع فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمتين ولم يقدم الأول بالقيمة كما قدمناه بالقصاص لأن القصاص لان يتبعض بينهما والقيمة يمكن تبعيضها، فإن قيل فحق الأول أسبق قلنا لا يراعى السبق كما لو اتلف اموالاً لجماعة واحداً بعد واحد (فصل) فإن قتل العبد عبداً بين شريكين كان لهما القصاص والعفو فإن عفا أحدهما سقط القصاص وينتقل حقهما الى القيمة لأن القصاص لا يتبعض فإن قتل عبدين لرجل واحد فله أن يقتص منه لأحدهما أيهما كان وسقط حقه من الآخر وله أن يعفو عنه الى مال وتتعلق قيمتهما جميعاً برقبته
(باب ديات الأعضاء ومنافعها) وهي نوعان (أحدهما) الشجاج وهي ما كان في الرأس والوجه وسنذكرها في بابها (الثاني) ما كان في سائر البدن وينقسم قسمين (أحدهما) قطع عضو (والثاني) قطع لحم والمضمون في الآدمي ضربان (احدهما) ما ذكرنا (والثاني) تفويت منفعة كإذهاب السمع والبصر والشم والذوق والعقل ونحو ذلك
(من تلف ما في الإنسان منه شئ واحد ففيه الدية، وهو الذكر والأنف واللسان الناطق ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء) وجملة ذلك أن كل عضو لم يخلق الله سبحانه منه إلا واحداً كالأنف واللسان فيه دية كاملة لأن في اتلافه اذهاب منفعة الجنس واذهابها كالنفس (مسألة)(وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفهما كالعينين والأذنين والشفتين واللحيين وثديي المرأة وتندوتي الرجل واليدين والرجلين والخصيتين والاليتين) لأن في إتلافهما اذهاب منفعة الجنس فكان فيهما الدية وفي أحدهما نصفها وهذه الجملة مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً وقد روى الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له وكان في كتابه " وفي الأنف إذا أوعب جذعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل
الواحدة نصف الدية " رواه النسائي ورواه ابن عبد البر وقال كتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء وما فيه متفق عليه إلا قليلاً، وعن أحمد في الشفة السفلى ثلثا الدية وفي العليا ثلثها يروى هذا عن زيد بن ثابت لأن النفع بالسفلى أعظم لأنها تدور لأنها تدور وتتحرك وتحفظ الريق والطعام، والأولى أصح لقول أبي بكر الصديق وعلي رضي الله عنهما ولأن كل شيئين وجبت الدية فيهما وجب نصفها في أحدهما كاليدين ولا عبرة بزيادة النفع كاليمنى مع اليسرى (مسألة)(وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز ثلثها وعنه في المنخرين الدية وفي الحاجز حكومة) وجملة ذلك أن ما في البدن منه ثلاثة ففيها الدية وفي كل واحد ثلثها وذلك المنخران والحاجز بينهما وبهذا قال إسحاق وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن المارن يشتمل على ثلاثة أشياء من جنس فتوزعت الدية على عددها كسائر ما فيه عدد من الأصابع والأجفان، وعنه المنخرين الدية وفي الحاجز حكومة حكاها أبو الخطاب قال أحمد في كل زوجين من الانسان الدية وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأن المنخرين ليس في البدن لهما ثالث فأشبها اليدين ولأنه بقطع المنخرين اذهب
الجمال كله والمنفعة فأشبه قطع اليدين، فعلى هذا الوجه في قطع أحد المنخرين نصف الدية وإن قطع معه الحاجز ففيه حكومة، وان قطع نصف الحاجز أو أقل أو أكثر لم يزد على حكومة، وعلى الأول في قطع أحد المنخرين ونصف الحاجز نصف الدية وفي قطع جميعه مع المنخر ثلثا الدية وفي قطع
جزء من الحاجز أو أحد المنخرين بقدره من ثلث الدية يقدر بالمساحة، وان اشق الحاجز ففيه حكومة وان بقي منفرجاً فالحكومة فيه أكثر والأول أظهر لأن ما كان فيه ثلاثة أشياء ينبغي أن يوزع على جميعها كما وزعت الدية ارباعاً على ما هو أربعة أشياء كأجفان العينين وانصافاً على ما هو اثنان كاليدين (مسألة)(وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد ربعها) كما ذكرنا فيما فيه منه اثنان (مسألة) وفي اصابع اليدين الدية وكذلك أصابع الرجلين وفي كل اصبع عشرها) لانها عشر الدية على عددها كما قسمت على عدد الأجفان ولما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي لفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه وهذه سواء " يعني الإبهام والخنصر أخرجه البخاري (مسألة)(وفي كل أنملة ثلث عقلها) لأن في كل اصبع ثلاث أنامل فتقسم دية الأصبع عليها كما قسمت دية اليد على الأصابع بالسوية إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها وهو خمس من الإبل (مسألة)(وفي الظفر خمس دية الأصبع وهكذا ذكره أبو الخطاب) يعني إذا قلعه ولم يعد والتقديرات يرجع فيها الى التوقيف فإن لم يكن فيها توقيف فالقياس أن فيه حكومة كسائر الجراح التي ليس فيها مقدر
(مسألة) وفي كل سن خمس من الإبل إذا قلعت ممن قد أثغر يعني ألقى أسنانه ثم عادت والأضراس والأنياب كالأسنان ويحتمل أن يجب فيها دية واحدة)
لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن دية الأسنان خمس خمس في كل سن، وقد روى ذلك عن عمرو بن الخطاب وابن عباس ومعاوية وسعيد بن المسيب وعروة وعطاء وطاوس وقتادة والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم " في السن خمس من الإبل " رواه النسائي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن البني صلى الله عليه وسلم قال " في الأسنان خمس خمس " رواه أبو داود، فأما الأضراس فأكثر أهل العلم على أنها مثل الأسنان منهم عروة وطاوس وقتادة والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو حنيفة ومحمد ابن الحسن، وروي ذلك عن ابن عباس ومعاوية، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الاضراس ببعير بعير، وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لو كنت انا لجعلت في الاضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء رواه مالك في موطئه وعن عطاء نحوه، وحكي عن أحمد أن فيها دية واحدة فيتعين حمل هذه الرواية على مثل قول سعيد للإجماع على أن في كل سن خمساً من الإبل وورود الحديث به فيكون في الأسنان والأنياب ستون بعيراً لأن فيه أربع ثانيا واربع رباعيات واربعة انياب فيها خمس خمس وفيه عشرون ضرساً في كل جانب عشرة خمسة من فوق وخمسة من أسفل فيكون فيها أربعون بعيراً
في كل ضراس بعيران فتكمل الدية وحجة من قال هذا انه ذو عدد تجب فيه الدية فلم تزد ديته على دية الإنسان كالأصابع والأجفان وسائر مال في البدن ولأنها تشتمل على منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منافع الجنس ولأن الأضراس تختص بالمنفعة دون الجمال والأسنان فيها منفعة وجمال فاختلفا في الأرش ولنا ما روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأصابع سواء الثنية والضرس سواء والأسنان سواء هذه وهذه سواء " وهذا نص وقوله في الأحاديث المتقدمة " في الأسنان خمس خمس " ولم يفصل يدخل في عمومها الأضراس لأنها أسنان ولأن كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالأصابع والأجفان، وقد أومأ ابن عباس إلى هذا فقال لا اعتبرها بالأصابع، فأما ما ذكروه من المعنى فلا بد من مخالفة القياس فيه فمن ذهب الى قولنا خالف المعنى الذي ذكروه ومن ذهب الى قولهم خالف التسوية الثانية بقياس سائر الأعضاء من جنس واحد فكان ما
ذكرناه مع موافقة الأخبار وقول أكثر أهل العلم أولى، وأما على قول عمر إن في كل ضرس بعيراً فيخالف القياس والأخبار جميعاً فإنه لا يوجب الدية كاملة وإنما يوجب ثمانين بعيراً ويخالف بين الأعضاء المتجانسة والله أعلم (مسألة) قال (إذا قلعت ممن قد ثغر وهو الذي أبدل أسنانه وبلغ حداً إذا قلعت سنه لم يعد بدلها) يقال ثغر وأثغر إذا كان كذلك فأما سن الصبي الذي لم يثغر فلا يجب بقلعها في الحال شئ
هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه مخالفاً وذلك لأن العادة عود سنه فلم يجب فيها في الحال شئ كنتف شعره لكن ينظر عودها فإن مضت مدة يئس من عودها وجبت ديتها قال احمد يتوقف سنة لأنها الغالب في نباتها وقال القاضي إذا سقطت أخواتها ولم تعد هي أخذت الدية، وإن نبت مكانها أخرى لم تجب ديتها كما لو نتف شعره فعاد مثله لكن ان عادت قصيرة او مشوهة ففيها حكومة لأن الظاهر أن ذلك بسبب الجناية عليها فإن أمكن تقدير نقصها عن نظيرتها ففيها ديتها بقدر ما نقص وكذلك إن كانت فيها ثلمة أمكن تقديرها ففيه بقدر ما ذهب منها كما لو كسر من سنه ذلك القدر، وإن نبتت أطول من أخواتها ففيها حكومة لأن ذلك عيب وقيل لا شئ فيها لأن هذا زيادة والصحيح الأول لأن ذلك شين حصل بسبب الجناية فأشبه نقصها، وإن نبتت مائلة عن صف الأسنان حيث لا ينتفع بها ففيها ديتها لأن ذلك كذهابها، وإن كانت ينتفع بها ففيها حكومة للشين الحاصل بها ونقص نفعها وإن نبتت صفراء أو حمراء أو متغيرة ففيها حكومة لنقص جمالها، وإن نبتت سوداء، أو خضراء ففيها روايتان حكاهما القاضي (إحداهما) فيها دية (والثانية) حكومة كما لو سودها من غير قلعها وإن مات الصبي قبل اليأس من عودها فعلى وجهين (أحدهما) لا شئ له لأن الظاهر أنه لو عاش عادت فلم يجب فيها شئ كما لو نتف شعره (والثاني) فيه الدية لأنه قلع سناً يئس من عودها فوجبت ديتها كما لو مضى زمن تعود في مثله فلم تعد، وإن قلع سن من قد ثغر وجبت ديتها في الحال لأن الظاهر
أنها لا تعود فإن عادت لم تجب الدية وإن كان قد أخذها ردها وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك
لا يرد شيئاً لأن العادة أنها لا تعود فمتى هبة من الله مجددة فلا يسقط بذلك ما وجب له بقلع سنه وعن الشافعي كالمذهبين ولنا انه عادله في مكانها مثل التي قلعت فلم يجب له شئ كالذي لم يثغر وإن عادت ناقصة أو مشوهة فحكمها حكم سن الصغير إذا عادت على ما ذكرنا ولو قلع سن من لم يثغر فمضت مدة يئس من عودها وحكم بوجوب الدية فعادت بعد ذلك فهي كسن الكبير إذا عادت (فصل) وإن قلع سناً مضطربة لكبر أو مرض فكانت منافعها باقية من المضع وحفظ الطعام والريق وجبت ديتها وكذلك إن ذهب بعض منافعها وبقي بعضها لأن جمالها وبعض منافعها باق فكملت ديتها كاليد المريضة ويد الكبير وإن ذهبت منافعها كلها فهي كاليد الشلاء على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإن قلع سناً فيها داء آكلة فإن لم يذهب شئ من اجزائها ففيها دية السن الصحيحة لأنها كاليد المريضة، وإن سقط من اجزائها شئ سقط من ديتها بقدر الذاهب منها ووجب الباقي وإن كانت أحد ثنيتيه قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها كما لو نقصت بكسرها (فصل) وإن جنى على سنه جان فاضطربت وطالت عن الأسنان وقيل أنها تعود الى مدة الى
ما كانت عليه انتظرت اليها فإن ذهبت وسقطت وجبت ديتها، وإن عادت كما كانت فلا شئ فيها كما لو جنى على يد فمرضت ثم برأت، وإن بقي فيها اضطراب ففيها حكومة وإن قلعها قالع فعليه ديتها كاملة كما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا وعلى الأول حكومة لجنايته، وإن مضت المدة ولم تعد إلى ما كانت عليه ففيها حكومة وإن قلعها قالع فعليه ديتها كما ذكرنا وإن قالوا يرجى عودها من غير تقدير مدة وجبت الحكومة فيها لئلا يفضي إلى إهدار الجناية وإن عادت سقطت الحكومة كما ذكرنا في غيرها (مسألة) (وتجب دية اليد والرجل في قطعهما من الكوع والكعب فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية وقال القاضي في الزائد حكومة أجمع أهل العلم على وجوب الدية في اليدين والرجلين ووجوب نصفها في إحداهما وقد روي عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله علي وسلم قال " في اليدين الدية وفي الرجلين الدية " وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو
ابن حزم " وفي اليد خمسون من الإبل " واليد التي تجب فيها الدية من الكوع لأن اسم اليد عند الاطلاق ينصرف اليها لأن الله تعالى لما أمر بقطع يد السارق كان الواجب قطعها من الكوع فإن قطع يده من فوق الكوع فقطعها من المرفق أو نصف الساعد فليس عليه إلا دية واحدة نص عليه في رواية أبي طالب وهذا قول عطاء وقتادة وابن أبي ليلى ومالك وهو قول بعض اصحاب الشافعي وظاهر مذهبه عند اصحابه انه يجب مع دية اليد حكومة لما زاد لأن اسم اليد لها الى الكوع ولأن المنفعة المقصودة في اليد من
البطش والأخذ والدفع بالكف وما زاد تابع للكف والدية تجب في قطعها من الكوع فيجب في الزائد حكومة قال أبو الخطاب وهو قول القاضي ولنا أن اليد اسم للجميع الى المنكب بدليل قوله تعالى (وأيديكم إلى المرفق) ولما نزلت آية التيمم مسح الصحابة الى المناكب وقال ثعلب اليد الى المنكب وفي عرف الناس ان جميع ذلك يسمى يداً فإذا قطعها من فوق الكوع فما قطع إلا يداً فلا يلزمه أكثر من ديتها فأما قطعها في السرقة فلأن المقصود يحصل به وقطع بعض الشئ يسمى قطعاً له كما يقال قطع ثوبه إذا قطع جانباً منه وقولهم إن الدية تجب في قطعها من الكوع قلنا ولذلك تجب بقطع الأصابع منفردة ولا يجب بقطعها من الكوع أكثر مما يجب بقطع الأصابع والذكر يجب في قطعه من أصله مثل ما يجب في قطع حشفته وأما إذا قطع يده من الكوع ثم قطعها من المرفق وجب في المقطوع ثانياً حكومة لأنه وجبت عليه دية اليد بالقطع الأول فوجب بالثاني حكومة كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف أو كما لو فعل ذلك اثنان (فصل) وإن كان له كفان في ذراع او يدان على عضد وإحداهما بطشة دون الأخرى أو احداهما أكثر بطشاً أو في سمت الذراع والأخرى منحرفة عنه او إحداهما تامة والأخرى ناقصة فالأولى هي الأصلية والأخرى زائدة ففي الأصلية ديتها والقصاص بقطعها عمداً وفي الزائد حكومة سواء قطعها مفردة أو مع الأصلية وعلى قول ابن حامد لا شئ فيها لأنها عيب فهي كالسلعة في اليد وان استويا من
كل الوجوده وكانتا غير باطشتين ففيهما ثلث دية اليد او حكومة ولا تجب دية اليد كاملة لأنهما لا نفع فيهما
فهما كاليد الشلاء وان كانتا باطشتين ففيهما جميعاً دية اليد وهل تجب حكومة مع ذلك؟ على وجهين بناء على أن الزائدة هل فيها حكومة أو لا؟ وإن قطع إحداهما فلا قود لاحتمال أن تكون هي الزائدة فلا تقطع الأصلية بها وفيها نصف ما فيهما لتساويهما وان قطع اصبعاً من إحداهما وجب ارش نصف اصبع وفي الحكومة وجهان وان قطع ذو اليد التي لها طرفان وجب القصاص فيهما على قول ابن حامد لأن هذا نقص لا يمنع القصاص كالسلعة في اليد وعلى قول غيره لا يجب لئلا يأخذ يدين بيد واحدة ولا نقطع احداهما لأننا لا نعرف الاصلية فنأخذها زائدة بأصلية (فصل) وفي الرجلين الدية خلاف وفي احداهما نصفها لما ذكرنا من الحديث والمعنى في اليدين وفي تفصيلها كما ذكرنا من التفصيل في اليدين ومفصل الكعبين ههنا مثل مفصل الكوعين في اليدين وفي قدم الأعرج ويد الأعسم الدية لأن العرج لمعنى في غير القدم والعسم اعوجاج في الرسغ وليس ذلك عيباً في قدم ولا كف فلم يمنع كمال الدية فيهما وذكر أبو بكر أن في كل واحد منهما ثلث الدية كاليد الشلاء ولا يصح لأنهما لم تبطل منفعتهما فلم تنقص ديتهما بخلاف اليد الشلاء فإن كان له قدمان في رجل واحدة فالحكم على ما ذكرنا في اليدين وان كانت احدى القدمين أطول من الأخرى وكان الطويل مساوياً للرجل الأخرى فهو الأصلي وان كان زائداً عنها والآخر مساو للرجل الأخرى فهو
الأصلي وإن كان له في كل رجل قدمان يمكنه المشي على الطويلتين مشياً مستقيما فيهما الأصليتان وإن لم يمكنه فقطع وأمكنه المشي على القصيرين فيهما الاصليان والآخران زائدين فإن أشل الطويلين ففيهما الدية لأن الظاهر انهما الاصليان فإن قطعهما قاطع فأمكنه المشي على القصيرين تبين انهما الأصليان وإن لم يمكنه فالطويلان هما الأصليان (مسألة)(وفي مارن الأنف وحشفة الذكر وحلمتي الثديين دية العضو كاملة) في الأنف الدية إذا قطع مارنه بغير خلاف بينهم حكاه ابن المنذر وابن عبد البر عمن يحفظه من أهل العلم وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال وفي الأنف إذا أوعب جدعاً الدية وفي رواية مالك في الموطأ اذا اوعى جدعاً يعني استوعب واستوصل ولأنه عضو فيه جمال
ومثفقة ليس في البدن منه الا شئ واحد فأشبه اللسان (فصل) وإنما الدية في مارنه وهو مالان منه هكذا قال الخليل وغيره ولأنه يروى عن طاوس أنه قال: كان في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنف إذا أوعب مارنه جدعاً الدية وفي بعضه اذا قطع بقدره من الدية يمسح ويعرف قدر ذلك يروى هذا عن عمر بن عبد العزيز والشعبي والشافعي (مسألة)(ويحتمل أن يجب على من استوعب الأنف جدعاً دية وحكومة في القصبة) اذا قطع المارن مع القصبة ففيه الدية في قياس المذهب ويحتمل أن يجب في المارن الدية وحكومة
في القصبة وهذا مذهب الشافعي لأن المارن وحده موجب للدية فوجبت الحكومة في الزائد كما لو قطع القصبة وحدها مع قطع لسانه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " في الأنف إذا أوعب جدعاً الدية " ولأنه عضو واحد فلم يجب فيه أكثر من دية واحدة كالذكر إذا قطع من أصله وبهذا يبطل ما ذكروه ويفارق اذا قطع لسانه وقصبته لأنهما عضوان فلا تدخل دية أحدهما في الآخر أما العضو الواحد فلا يبعد أن يجب في جميعه ما يجب في بعضه كالذكر تجب في حشفته الدية التي تجب في جميعه وفي الثدي كله ما في حلمته، فأما ان قلع الأنف وما تحته من اللحم ففي اللحم حكومة لأنه ليس من الأنف فأشبه ما لو قطع الذكر واللحم الذي تحته (مسألة)(وفي الذكر الدية) أجمع أهل العلم على ذلك لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الذكر الدية " وذكر الصغير والكبير والشيخ والشاب سواء في الدية لعموم الحديث وسواء قدر على الجماع أو لم يقدر وفي حشفة الذكر الدية وهو قول جماعة من أهل العلم ولا نعلم فيه مخالفاً لأن منفعته تكمل بالحشفة كما
تكمل منافع اليد بالأصابع فكملت الدية بقطعها كالأصابع، وان قطع الذكر كله او الحشفة وبعض العصبة لم يجب أكثر من الدية كما لو قطع الأصابع وبعض الكف (مسألة)(وفي الثديين الدية) ولا نعلم خلافاً في أن في ثديي المرأة وفي الواحد منهما نصف الدية قال إبن المنذر أجمع كل
من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في ثدي المرأة نصف الدية وفي الثديين الدية وممن حفظنا عنه ذلك الحسن والشعبي والزهري ومكحول وقتادة ومالك والثوري والشافعي واصحاب الرأي ولأن فيهما جمالا ونفعاً فأشبها اليدين والرجلين (مسألة)(وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما) نص عليه أحمد وروي نحو هذا عن الشعبي والنخعي والشافعي وقال مالك والثوري ان ذهب اللبن وجبت ديتهما وإلا وجبت حكومة بقدر شينه.
ونحوه قال قتادة: اذا ذهب الرضاع بقطعهما ففيهما الدية ولنا أنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه فوجبت ديتهما كالأصابع مع الكف وحشفة الذكر وبيان ذهاب المنفعة ان بهما يشرب الصبي ويرتضع فهما كالأصابع في الكف وان قطع الثديين كلهما فليس فيهما الا دية كما لو قطع الذكر كله وان حصل مع قطعهما جائفة وجب فيها ثلث الدية مع ديتهما
وان ضربهما فأشلهما ففيهما الدية كما لو أشل يديه، وان جنى عليهما من صغيرة ثم ولدت فلم ينزل لها لبن سئل أهل الخبرة فإن قالوا إن الجناية سبب قطع اللبن فعليه ما على من ذهب باللبن بعد وجوده وإن قالوا ينقطع بغير الجناية لم يجب عليه أرشه لأن الأصل براءة ذمته فلا يجب فيها شئ بالشك وان جنى عليهما فنقص لبنهما او جنى على ثديين ناهدين فكسرهما أو صار بهما مرض ففيه حكومة لنقصه الذي نقصهما (مسألة)(وفي ثديي الرجل وهما التندوتان الدية) وبه قال إسحاق وحكي ذلك قولا للشافعي لأنه ذهب بالجمال من منفعة فلم يجب دية كما لو أتلف العين القائمة واليد الشلاء، وقال الزهري في حلمة الرجل خمس من الإبل، وعن زيد بن ثابت فيه ثمن الدية.
ولنا أن ما وجب فيه الدية من المرأة وجب فيه الرجل كسائر الأعضاء ولأنهما عضوان في البدن يحصل بهما الجمال ليس في البدن غيرهما.
من جنسهما فوجب فيهما الدية كاليدين ولأنه أذهب
الجمال على الكمال فوجبت فيهما الدية كالشعور الأربعة عند أبي حنيفة وكأذني الأصم وأنف الأخشم عند الجميع ويفارق العين القائمة لانه ليس فيهما جمال كامل ولأنها عضو قد ذهب منه ما تجب فيه الدية فلم تكمل ديته كاليدين إذا شلتا بخلاف مسئلتنا
وما في اللثة منها يسمى سنخاً فإذا كسر السن ثم جاء آخر فقلع السنخ ففي السن ديتها وفي السنخ حكومة كما لو قطع إنسان أصابع رجل ثم قطع آخر كفه، وإن قلعها الأول بسنخها لم يجب فيها أكثر من ديتها كما لو قطع اليد من كوعها، وان فعل ذلك في مرتين فكسر السن ثم عاد فقلع السنخ ففيه ديتها وحكومة لأن ديتها وجبت بالأول ثم وجب عليه بالثاني حكومة كما لو فعله غيره وكذلك لو قطع الأصابع ثم قطع الكف، وإن كسر بعض الظاهر ففيه من دية السن بقدره إن كان ذهب النصف وجب نصف الأرش وإن كان الذاهب الثلث وجب الثلث، وإن جاء آخر فكسر بقيتها فعليه بقية الأرش، فإن قلع الثاني سنخها نظرنا فإن كان الأول كسرها عرضاً فليس على الثاني للسنخ شئ لأنه تابع لما قلعه من ظاهر السن فصار كما لو قطع الأول من كل أصبع من أصابعه أنملة ثم قطع الثاني يده من الكوع، وإن كان الأول كسر نصف السن طولاً دون سنخه فجاء الثاني فقلع الباقي بالسنخ كله فعليه دية النصف الباقي وحكومة لنصف السنخ الذي بقي من كسر الأول كما لو قطع الأول اصبعين من يد ثم جاء الثاني فقطع الكف كله، فإن اختلف الثاني والمجني عليه فيما قلعه الأول فالقول قول المجني عليه لأن الأصل سلامة السن، وانكشفت اللثة عن بعض السن فالدية في قدر الظاهر عادة دون ما انكشف على خلاف العادة، وإن اختلفا في قدر الظاهر اعتبر ذلك بأخواتها فإن
لم يكن لها شئ تعتبر به ولم يكن أن يعرف ذلك من أهل الخبرة فالقول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته ويحتمل أن يجب على من استوعب جدعاً دية وحكومة في القصبة وهذا مذهب الشافعي وقد ذكر كقطع اليد من نصف الساعد (مسألة)(وفي العينين الدية)
أجمع أهل العلم على ذلك وعلى أن في العين الواحدة نصفها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وفي العينين الدية " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وفي العين الواحدة خمسون من الإبل " رواه مالك في الموطأ ولأن العينين من أعظم الجوارح نفعاً فكانت فيهما الدية وفي احدهما نصفها كاليدين.
إذا ثبت هذا فيستوي في ذلك الصغيرتان والكبيرتان والمليحتان والقبيحتان والصحيحتان والمريضتان والحولاء والرمصاء فإن كان فيهما بياض لا ينقص البصر لم تنقص الدية وان نقص من البصر نقص من الدية بقدره (مسألة)(وفي الأذنين الدية) روى ذلك عن عمر وعلي وبه قال عطاء ومجاهد والحسن وقتادة والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ومالك في إحدى الروايتين عنه، وقال في الأخرى فيها حكومة لأن الشرع لم يرد فيهما بتقدير ولا يثبت التقدير بالقياس ولنا أن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الأذنين الدية " ولأن عمر وعلياً قضيا فيهما بالدية، فإن قيل فقد روي عن أبي بكر الصديق أنه قضى في الاذنين بخمسة عشر بعيراً قلنا لم يثبت
ذلك قاله ابن المنذر ولأن ما كان في البدن منه عضوان كان فيهما الدية وفي احدهما نصف الدية بغير خلاف بين القائلين بوجوب الدية فيهما (مسألة)(وفي اللحيين الدية) وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى لأن فيهما نفعاً وجمالاً وليس في البدن مثلهما فكانت فيهما الدية كسائر ما في البدن منه شيئان، وفي أحدهما نصفها كإحدى اليدين والرجلين ونحوهما مما في البدن منه شيئان (مسألة)(وفي الأليتين الدية) قال إبن المنذر كل من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون في الأليتين الدية وفي كل واحد منهما نصفها منهم عمرو بن شعيب والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي ولأنهما عضوان من جنس فيهما جمال ظاهر ومنفعة كاملة فإنه يجلس عليهما كالوسادتين فوجبت فيهما الدية وفي احداهما نصفها كاليدين،
والأليتان هما ما علا وأشرف عن الظهر وعن استواء الفخذين وفيهما الدية إذا اخذتا الى العظم الذي تحتهما، وفي ذهاب بعضهما بقدره لأن ما وجب فيه الدية وجب في بعضه بقدره فإن جهل المقدار وجبت حكومة لأنه نقص لم يعرف قدره
(مسألة)(وفي الأنثيين الدية) لا نعلم في هذا خلافا وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي البيضتين " الدية ولأن فيهما الجمال المنفعة فإن النسل يكون بهما فاشبهما اليدين، وروى الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال مضت السنة أن في الصلب الدية وفي الأنثيين الدية وفي احداهما نصف الدية في قول أكثر أهل العلم وحكي عن سعيد بن المسيب ان في اليسرى ثلثي الدية وفي اليمنى ثلثها لأن نفع اليسرى اكثر لأن النسل يكون منها ولنا أن ما وجبت الدية في شيئين منه وجب في احدهما نصفها كاليدين وسائر الأعضاء ولأنهما ذوا عدد تجب فيه الدية فاستوت ديتهما كالأصابع وما ذكروه ينتقض بالأصابع، وكذلك الأجفان تستوي ديتهما مع اختلاف نفعهما ثم يحتاج الى إثبات الذي ذكره وان رض أنثييه أو أشلهما كملت ديتهما كما لو أشل يديه أو ذكره وإن قطع أنثييه فذهب نسله لم يجب أكثر من دية لأن ذلك نفعهما فلم تزدد الدية بذهابه معهما كالبصر مع ذهاب العينين وان قطع احداهما فذهب النسل لم يجب أكثر من نصف الدية لأن ذهابه غير متحقق (مسألة)(وفي إسكتي المرأة الدية) والإسكتان هما اللحم المحيط بالفرج من جانبيه إحاطة الشفتين بالفم وأهل اللغة يقولون الشفران
حاشيتا الاسكتان كما ان أشفار العينين أهدابهما وفيهما دية المرأة إذا قطعا، وبهذا قال الشافعي وقاله الثوري إذا لم يقدر على جماعها وقضى به محمد بن سفيان اذا بلغا العظم وذلك لأن فيهما جمالاً ومنفعة وليس في البدن غيرهما من جنسهما فوجبت فيهما الدية كسائر ما في البدن منه شيئان، وفي احداهما
نصف الدية كما ذكرنا في غيرهما، وان جنى عليهما فأشلهما وجبت ديتهما كما لو جنى على شفتيه فأشلهما ولا فرق بين كونهما غليظتين أو دقيقتين قصيرتين أو طويلتين من بكر او ثيب او صغيرة او كبيرة أو محفوظة او غير محفوظة لأنهما عضوان فيهما الدية فاستوى فيه جميع ما ذكرنا كسائر أعضائها ولا فرق بين الرتقاء وغيرها لأن الرتق عيب في غيرهما فلم ينقص ذلك من ديتهما كما أن الصمم لم ينقص دية الاذنين والحفظ هو الختان في حق المرأة (مسألة)(وفي ركب المرأة حكومة وهو عانة المرأة وكذلك عانة الرجل) لأنه لا مقدر فيه ولا هو نظير لما قدر فيه فإن أخذ منه شئ مع فرج المرأة وذكر الرجل ففيه الحكومة مع الدية كما لو أخذ مع الأنف أو الشفتين من اللحم الذي حولها (مسألة)(وفي اللسان الدية اذا كان ناطقا) أجمع أهل العلم على وجوب الدية في لسان الناطق، وروي ذلك عن ابي بكر وعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال أهل المدينة وأهل الكوفة واصحاب الرأي واهل الحديث وغيرهم
وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي اللسان الدية " ولان فيه جمالاً ومنفعة فأشبه الأنف فأما الجمال فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الجمال فقال " في اللسان " ويقال جمال الرجل في لسانه والمرء بأصغريه قلبه ولسانه ويقال ما الإنسان لولا اللسان الا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة، وأما النفع فإن به تبلغ الأغراض وتستخلص الحقوق وتدفع الآفات وتقتضي الحاجات وتتم العبادات في القراءة والذكر والشكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعليم والدلالة على الحق البين والصراط المستقيم وبه يذوق الطعام ويستعين في مضغه وتقليبه وتنقية الفم وتنظيفه فهو أعظم الأعضاء نفعاً وأتمها جمالاً فإيجاب الدية في غيره تنبيه على إيجابها فيه.
وانما تجب الدية في اللسان الناطق وأما الأخرس فسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى (فصل) فإن قطع لسان صغير لم يتكلم لطفوليته وجبت ديته وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب لأنه لسان لا كلام فيه فأشبه الأخرس
ولنا أن ظاهره السلامة وانما لم يتكلم لأنه لا يحسن الكلام فوجبت به الدية كالكبير ويخالف الأخرس فإنه علم أن لسانه أشل الا ترى أن اعضاءه لا يبطش بها وتجب فيها الدية؟ فإن بلغ حداً يتكلم مثله فلم يتكلم فقطع لسانه فلم تجب فيه الدية لأن الظاهر أنه لا يقدر على الكلام فهو كلسان الأخرس وان كبر فنطق ببعض الحروف وجبت فيه بقدر ما ذهب من الحروف لأننا تبينا أنه كان ناطقاً وإن كان قد بلغ الى حد يتحرك بالكباء وغيره فلم يتحرك فقطعه فلا دية فيه لأن الظاهر أنه لو كان صحيحاً لتحرك، وان لم يبلغ الى حد يتحرك ففيه الدية لأن الظاهر سلامته وان
قطع لسان كبير وادعى أنه كان أخرس ففيه ما ذكرنا فيما إذا اختلفا في شلل العضو بعد قطعه من الخلاف.
(فصل) وفي أجفان العينين الدية وفي أحدهما ربع الدية لأن كل عدد تجب في جميعه الدية يجب في الواحد منها بحصته كالأصابع وهذا قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعن مالك أنه لا مقدر فيها بل يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم ولنا أنها أعضاء فيها جمال ظاهر ونفع كامل فإنها تكن العين وتقيها وتحفظها من الحر والبرد ولولاها لقبح منظرها فوجبت فيها الدية كاليدين وعن الشعبي أنه يجب في الأعلى ثلثا الدية وفي الأسفل ثلثها لأنه أكثر نفعاً ولنا أن كل عدد تجب الدية في جميعه تجب بالحصة في الواحد منه كالأصابع فإن قلع العينين بأشفارهما وجبت ديتان لأنهما جنسان تجب الدية بكل واحد منهما منفرداً فوجب بإتلافهما جملة ديتان كاليدين والرجلين، وتجب الدية في أشفار عين الأعمى وهي الأجفان لأن ذهاب بصره عيب في غير الأجفان فلم يمنع وجوب الدية فيهما كذهاب الشم لا يمنع وجوب الدية في الأنف.
(مسألة)(وفي قطع بعض المارن والاذن والحلم واللسان والشفة والحشفة والأنملة وشق الحشفة طولاً بالحساب من ديته يقدر بالأجزاء كالثلث والربع ثم يؤخذ مثله من الدية)
لأن ما وجبت الدية في جميعه وجبت في بعضه فإن كان الذاهب النصف وجب نصف الدية وإن كان الثلث وجب ثلثها، وإن كان أقل أو أكثر وجب بحساب ذلك كما بقسط دية اليد على الأصابع.
(مسألة)(وفي شلل العضو وإذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا يطبقان على الأسنان الدية) لأنه عطل نفعهما فأشبه ما لو أشل يده وكذلك ان استرختا فصارتا لا ينفصلان عن الأسنان لأنه عطل جمالها.
(فصل) وإن جنى على يديه فأشلهما وجبت ديتهما لأنه فوت منفعتهما فهو كما لو أعمى عينيه أو أخرس لسانه وإن أشل الذكر ففيه ديته لأنه ذهب بنفعه أشبه ما لو أشل لسانه وكذلك إن أشل انثييه كما لو اشل يديه وكذلك إن جنى على الاسكتين فأشلهما ففيهما الدية كما لو جنى على الشفتين فأشلهما ففيهما الدية وكذلك الأصابع إذا أشلهما لما ذكرنا وسائر الأعضاء إلا الاذن والانف وسنذكرهما إن شاء الله تعالى (مسألة)(وفي تسويد السن والظفر بحيث لا يزول ديته وعنه في تسويد السن ثلث ديتها وقال أبو بكر فيها حكومة) إذا جنى على سنه فسودها فحكي عن أحمد في ذلك روايتان
(إحداهما) تجب ديتهما كاملة وهو ظاهر كلام الخرقي ويروى عن زيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وشريح والزهري وعبد الملك بن مروان والنخعي ومالك والليث والثوري وأصحاب الراي وهو أحد قولي الشافعي (والرواية الثانية) عن أحمد أنه إن اذهب منفعتها من المضغ عليها ونحوه ففيها ديتها وان لم يذهب نفعها ففيها حكومة وهذا قول القاضي والقول الثاني للشافعي وهو المختار عند اصحابه وهو اقيس لأنه لم يذهبها بمنفعتها فلم تكمل ديتها كما لو اصفرت وهذا قول أبي بكر ولنا أنه قول زيد بن ثابت ولم يعرف له مخالف من الصحابة فكان إجماعاً ولأنه أذهب الجمال على
الكمال فكلمت ديتها كما لو قطع اذن الأصم وأنف الأخشم والظفر كذلك قياساً على السن وعن أحمد (رواية ثالثة) ان في تسويد السن ثلث ديتها والتقدير لا يثبت إلا بالتوقيف (فصل) فأما إن اصفرت او احمرت لم تكمل ديتها لأنه لم يذهب الجمال على الكمال وفيها حكومة وإن اخضرت احتمل أن يكون كتسويدها لأنه ذهب بجمالها واحتمل أن لا يكون فيه إلا حكومة لأن ذهاب جمالها لتسويدها أكثر فلم يلحق به غيرها كما لو حمرها فعلى قول من أوجب ديتها متى قلعت بعد تسويدها ففيها ثلث ديتها أو حكومة على ما نذكره إن شاء الله تعالى وعلى قول من لم يوجب فيها إلا حكومة يجب في قلعها ديتها كما لو صفرها
(فصل) فإن جنى على سنه فذهبت حدتها وكلت ففي ذلك حكومة وعلى قالعها بعد ذلك دية كاملة لأنها سن صحيحة كاملة فكملت ديتها كالمضطربة وإن ذهب منها جزء ففي الذاهب بقدره وإن قلعها قالع نقص من ديتها بقدر ما ذهب كما لو كسر منها جزءاً (مسألة)(وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة وشحمة الأذن وذكر الخصي والعينين والسن السوداء والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف واليد والأصبع الزائدتين حكومة وعنه ثلث ديته) أما اليد الشلاء وهي اليابسة التي ذهبت منها منفعة البطش وكذلك الرجل مثلها في الحكم قياساً عليها والعين القائمة التي ذهب بصرها وصورتها باقية كصورة الصحيحة والسن السوداء فعن أحمد رحمه الله فيهن حكومة لأنه لا يمكن دية كاملة لكونها قد ذهبت منفعتها ولا مقدر فيها فتجب الحكومة كاليد الزائدة وعنه فيهن ثلث الدية كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها وفي السن السوداء إذا قلعت بثلث ديتها رواه النسائي واخرجه أبو داود في العين وحدها وهو قول عمر ورواه قتادة عن خلاس عن عبد الله بن جريدة عن يحيى بن يعمر عن أبيه عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنه قضى في العين القائمة اذا قلعت واليد الشلاء إذا قطعت والسن السوداء اذا كسرت بثلث دية كل واحد منهن
ولأنها كاملة الصورة فكان فيها مقدر كالصحيحة وقولهم لا يمكن ايجاب مقدر ممنوع فإننا قد ذكرنا التقدير وبيناه
(فصل) قال القاضي قول أحمد في السن السوداء ثلث ديتها محمول على سن ذهبت منفعتها بحيث لا يمكنه ان بعض بها شيئاً أو كانت تتفتت فأما إن كانت منفعتها باقية ولم يذهب منها إلا لونها ففيه كمال ديتها سواء قلت منفعتها بأن يعجز عن عض الاشيئاء الصلبة أو لم يعجز لأنها باقية المنفعة فكملت ديتها كسائر الأعضاء وليس على من سودها إلا حكومة وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا والصحيح من مذهب أحمد ما يوافق ظاهر كلامه لظاهر الأخبار وقضاء عمر وقول أكثر أهل العلم ولأنه ذهب جمالها بتسويدها فكملت ديتها على من سودها كتسويد الوجه ولم يجب على متلفها أكثر من ثلث ديتها كاليد الشلاء وكالسن البيضاء اذا انقلعت ونبتت مكانها سوداء لمرض فيها فإن القاضي وأصحاب الشافعي سلموا انها لا تكمل ديتها (فصل) فإن نبتت أسنان صبي سوداء ثم ثغر ثم عادت سوداء فديتها تامة لأن هذا جنس خلق على هذه الصورة اشبه من خلق اسود الجسم والوجه جميعاً وان نبتت اولاً بيضاء ثم ثغر ثم عادت سوداء سئل أهل الخبرة فإن قالوا ليس السوداء لعلة ولا مرض ففيها كمال ديتها وان قالوا ذلك لمرض فعلى قالعها ثلث ديتها أو حكومة وقد سلم القاضي وأصحاب الشافعي الحكم في هذه الصورة وهو حجة عليهم فيما خالفوا فيه ويحتمل أن يكون الحكم فيما كانت سوداء من ابتداء الخلقة هكذا لأن المرض قد يكون في فيه من ابتداء خلقته فيثبت حكمه في نقص ديتها كما لو كان طارئاً
(فصل) وفي لسان الأخرس روايتان أيضاً كاليد الشلاء وكذلك كل عضو ذهبت منفعته وبقيت صورته كالرجل الشلاء والأصبع والذكر إذا شلا وذكر الخصي والعينين إذا قلنا لا تكمل ديتهما وأشباه هذا كله يتخرج على روايتين (إحداهما) فيه ثلث الدية والأخرى حكومة (فصل) فأما اليد والرجل والأصبع أو السن الزوائد ونحو ذلك فليس فيه إلا حكومة وقال القاضي هو في معنى اليد الشلاء فيخرج على الروايتين والذي ذكره شيخنا اصح لأنه لا تقدير في
هذا ولا هو في معنى المقدر ولا يصح قياس هذا على العضو الذي ذهبت منفعته وبقي جماله لأن هذه الزوائد لا جمال فيها انما هي شين في الخلقة وعيب يرد به المبيع وتنقص بالقيمة فيكيف يصح قياسه على ما يحصل به الجمال؟ ثم لو حصل به جمال ما لكنه يخالف جمال العضو الذي يحصل به تمام الخلقة ويختلف في نفسه اختلافاً كثيراً فوجبت فيه الحكومة ويحتمل أن لا يجب فيه شئ لما ذكرنا (فصل) قد ذكرنا أن في الأصبع الزائدة حكومة وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعن زيد بن ثابت ان فيها ثلث دية الأصبع وذكر القاضي أنه قياس المذهب على رواية ايجاب ثلث دية اليد في اليد الشلاء والأول اصح على ما ذكرنا ولا يصح قياسها على اليد الشلاء لما ذكرنا من الفرق بينهما والله أعلم (فصل) واختلفت الرواية في قطع الذكر دون حشفته وعلى قياسيه الثدي دون حلمته وقطع الكف بعد اصابعه فروى أبو طالب عن أحمد فيه ثلث ديته وكذلك شحمة الأذن وعن أحمد في ذلك كله
حكومة وهذا هو الصحيح لعدم التقدير فيه وامتناع قياسه على ما فيه تقدير لأن الأشل بقيت صورته وهذا لم تبق صورته انما بقي بعض ما فيه الدية أو أصل ما فيه الدية فأما قطع الذراع بعد قطع الكف والساق بعد قطع القدم فينبغي أن تجب الحكومة فيه وجهاً واحداً لأن ايجاب ثلث دية اليد فيه يفضي إلى أن يكون الواجب فيه مع بقاء الكف والقدم وذهابهما واحداً مع تفاوتهما وعدم النص فيهما (مسألة)(وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته) أما ذكر العنين فأكثر أهل العلم على وجوب الدية فيه لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الذكر الدية " ولأنه غير مأيوس من جماعة وهو عضو سليم في نفسه فكملت ديته كذكر الشيخ وذكر القاضي فيه عن أحمد روايتين (إحداهما) تجب فيه الدية لذلك (والثانية) لا تكمل ديته وهو قول قتادة لأن منفعته الإنزال والإحبال والجماع وقد عدم ذلك منه في حال الكمال فلم تكمل ديته كالأشل وبهذا فارق ذكر الصبي والشيخ واختلفت الرواية في ذكر الخصي فعنه فيه دية كاملة وهو قول سعيد ابن عبد العزيز والشافعي وابن المنذر للخبر ولأن منفعة الذكر الجماع وهو باق فيه (والثانية) لا يجب فيه
وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي وقتادة وإسحاق لما ذكرنا في ذكر العنين ولأن المقصود منه تحصيل النسل ولا يوجد ذلك منه فلم تكمل ديته كالأشل والجماع يذهب في الغالب بدليل أن البهائم يذهب جماعها بخصائها والفرق بين ذكر العنين وذكر الخصي ان الجماع في ذكر العنين ابعد منه في ذكر الخصي واليأس من الإنزال متحقق في ذكر الخصي دون ذكر العنين
(مسألة)(فإذا قلنا لا تكمل الدية في قطع ذكر الخصي ان قطع الذكر والأنثيين دفعة واحدة أو قطع الذكر ثم قطع الأنثيين لزمته ديتان وإن قطع الأنثيين ثم قطع الذكر لزمته دية واحدة للأنثيين وفي الذكر حكومة أو ثلث الدية) قال القاضي ونص أحمد على هذا وان قطع نصف الذكر بالطول فقال اصحابنا فيه نصف الدية والأولى ان تجب الدية كاملة لأنه ذهب بمنفعة الجماع به فوجبت الدية كاملة كما لو أشله أو كسر صلبه فذهب جماعه وان قطع قطعة منه مما دون الحشفة وكان البول يخرج على ما كان عليه وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية وإن خرج البول من موضع القطع وجب الأكثر من حصة القطعة من الدية أو الحكومة وان ثقب ذكره فيما دون الحشفة فصار البول يخرج من الثقب ففيه حكومة لذلك (مسألة)(وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة وفي قطع الأشل منهما كمال الدية) إذا ضرب أنفه فأشله ففيه حكومة وان قطعه قاطع بعد ذلك ديته وكذلك الأذن اذا جنى عليها فاستحشفت واستحشافها كشلل سائر الأعضاء ففيها حكومة وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر في ذلك ديتها وكذلك قوله في الأنف إذا أشله لأن ما وجبت ديته بقطعه وجبت بشلله كاليد والرجل ولنا ان نفع الأذن باق بعد استحشافها وجمالها فإن نفعها جمع الصوت ومنع دخول الماء والهوام
في صماخه وهذا باق بعد شللها فإن قطعها قاطع بعد شللها ففيها ديتها لأنه قطع أذناً فيها جمالها ونفعها فوجبت ديتها كالصحيحة وكما لو قلع عينا عمياء أو حولاء وكذلك الأنف نفعه جمع الرائحة ومنع وصول الهوام الى دماغه وهذا باق بعد الشلل بخلاف سائر الأعضاء فإن جنى على الأنف فعوجه
أو غير لونه ففيه حكومة في قولهم جميعاً وكذلك الأذن إذا عوجها او غير لونها ففيها حكومة كالأنف (فصل) فإن قطع الأنف إلا جلدة بقي معلقاً بها فلم يلتحم واحتيج الى قطع الجلدة ففيه ديته لأنه قطع جميعه بعضه بالمباشرة وبعضه بالسبب فأشبه ما لو سرى قطع بعضه الى قطع جميعه وان رده فالتحم ففيه حكومة لأنه لم يبن وإن أبانه فرده فالتحم فقال أبو بكر ليس فيه إلا حكومة كالتي قبلها وقال القاضي فيه ديته وهو مذهب الشافعي لأنه أبان أنفه فلزمته ديته كما لو لم يلتحم ولأن ما أبين قد نجس فيلزمه ان يبينه بعد التحامه ومن قال بقول أبي بكر منع نجاسته ووجوب إبانته لأن أجزاء الآدمي كجملته بدليل سائر الحيوانات جملته طاهرة فكذلك أجزاؤه (مسألة)(وتجب الدية في أنف الأخشم والمخزوم)
لأن أنف الأخشم لا عيب فيه وانما العيب في غيره فوجبت ديته كأنف غير الأخشم وأما المخزوم فأنفه كامل غير أنه معيب فأشبه العضو المريض ولذلك تجب في أذن الأصم لأن الصمم نقص في غير الأذن فلم يؤثر في ديتها كالعمى لا يؤثر في دية الأجفان وهذا قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً (مسألة)(وان قطع أنفه فذهب شمه وجبت ديتان لأن الشم في غير الأنف فلا تدخل دية أحدهما في الآخر وكذلك إذا قطع أذنه فذهب سمعه يجب ديتان لأن السمع في غير الأذن فهو كالبصر مع الأجفان والنطق مع الشفتين)(مسألة)(وسائر الأعضاء إذا أذهبها بمنفعتها لم يجب إلا دية واحدة كالعين إذا قلعت فذهب ضوؤها لم يجب إلا دية واحدة) لأن الضوء فيها ومثل ذلك سائر الأعضاء إذا أذهبها بنفعها لم يجب إلا دية واحدة لأن نفعها فيها فدخلت ديته في ديتها ولأن منافعها تابعة لها تذهب بذهابها فوجبت دية العضو دون المنفعة كما لو قتله لم يجب إلا ديته (فصل) في دية المنافع قال الشيخ رحمه الله في كل حاسة دية كاملة وهي السمع والبصر والشم والذوق لا خلاف في وجوب الدية بذهاب السمع قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن في السمع الدية روى ذلك عن عمر وبه قال مجاهد وقتادة والثوري والاوزاعي وأهل الشام وأهل العراق ومالك
والشافعي وابن المنذر ولا أعلم عن غيرهم خلافهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وفي السمع الدية " وروى ابو المهلب عن أبي قلابة ان رجلاً رمى رجلاً بحجر في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه ونكاحه فقضى فيه عمر بأربع ديات والرجل حي ولأنها حاسة تختص بنفع فكان فيها الدية كالبصر، وإن ذهب السمع من إحدى الأذنين وجب نصف الدية كما لو ذهب البصر من إحدى العينين (مسألة)(وفي البصر الدية) لأن كل عضوين وجبت الدية بذهابهما وجبت بإذهاب نفعهما كاليدين إذا أشلهما وفي ذهاب بصر إحداهما نصف الدية كما لو أشل يداً واحدة، وليس في اذهابهما بنفعهما اكثر من دية واحدة كاليدين، وإن جني على رأسه جناية ذهب بها بصره فعليه ديته لأنه ذهب بسبب جنايته وان لم يذهب بها فداواها فذهب بالمداواة فعليه الدية ذهب بسبب فعله (مسألة)(وفي الشم الدية) لأنه حاسة يختص بمنفعة فكان في ذهابها الدية كسائر الحواس ولا نعلم في هذا خلافاً قال القاضي في كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وفي المشام الدية "(فصل) وفي الذوق الدية وكذلك قال أبو الخطاب لأن الذوق حاسة فأشبه الشم وقياس المذهب
أنه لا دية فيه فإنه لا يختلف في لسان الأخرس لا دية فيه، وقد نص أحمد على أن فيه ثلث الدية ولو وجب في الذوق دية لوجبت في ذهابه مع ذهاب اللسان بطريق الأولى، واختلف أصحابنا الشافعي فمنهم من قال قد نص الشافعي على وجوب الدية فيه ومنهم من قال لا نص له فيه ومنهم من قال قد نص على أن في لسان الأخرس حكومة وإن ذهب الذوق بذهابه قال شيخنا: والصحيح إن شاء الله أنه لا دية فيه لأن في إجماعهم على أن لسان الأخرس لا تكمل الدية فيه اجماعا على أنه لا تكمل في ذهاب الذوق بمفرده لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته لا تكمل في منفعته دونه كسائر الأعضاء ولا تفريع على هذا القول
(مسألة)(وكذلك تجب في الكلام والعقل والمشي والأكل والنكاح) إذا جنى عليه فخرس وجبت ديته لأن كل ما تعلقت الدية بإتلافه تعلقت بإتلاف منفعته كاليد (مسألة)(وفي ذهاب العقل الدية) ولا نعلم فيه خلافاً روى ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي العقل الدية " ولأنه أكبر المعاني قدر أو أعظم الحواس نفعاً فإنه يتميز من البهيمة ويعرف به حقائق المعلومات ويهتدي إلى مصالحه ويتقي ما يضره ويدخل به في التكليف
وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس فإن نقص عقله نقصاً معلوماً وجب بقدره (فصل) فإن ذهب عقله بجناية لا توجب أرشاً كاللطمة والتخويف ونحو ذلك ففيه الدية لا غير وإن أذهبه بجناية توجب أرشاً كالجراح أو قطع عضو وجبت الدية وأرش الجرح وبهذا قال مالك والشافعي في الجديد، وقال أبو حنيفة والشافعي في القديم يدخل الأقل منهما في الأكثر فإن كانت الدية أكثر من أرش الجرح وجبت وحدها وإن كان أرش الجرح أكثر كأن قطع يديه ورجليه فذهب عقله وجبت دية الجرح ودخلت دية العقل فيه لأن ذهاب العقل تخل معه منافع الأعضاء فدخل أرشها فيه كالموت ولنا أن هذه جناية أذهبت منفعة من غير محلها مع بقاء النفس فلم يتداخل الأرشان كما لو أوضحه فذهب بصره أو سمعه، ولأنه لو جنى على أذنه او أنفه فذهب شمه لم يدخل أرشهما في دية الأنف والأذن مع قربهما منهما فههنا أولى، وما ذكروه لا يصح لأنه لو دخل أرش الجرح في دية العقل لم يجب أرشه إذا زاد على دية العقل كما أن دية الأعضاء كلها مع القتل لا يجب أكثر من دية النفس فلا يصح قولهم إن منافع الأعضاء تبطل بذهاب العقل فإن المجنون تضمن منافعه وأعضاؤه بعد ذهاب عقله بما تضمن به منافع الصحيح وأعضاؤه، ولو ذهبت منافعه وأعضاؤه لم تضمن كما لا تضمن منافع الميت وأعضاؤه وإذا جاز أن تضمن بالجناية عليها بعد الجناية عليه جاز ضمانها مع الجناية عليه كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره بجراحة في غير محلها
(فصل) فإن جنى عليه فأذهب عقله وشمه وبصره وكلامه وجب أربع ديات مع أرش الجرح قال ابو قلابة رمى رجل رجلاً بحجر فذهب عقله وسمعه وبصره ولسانه فقضى عليه عمر بأربع ديات وهو حي، ولأنه أذهب منافع في كل واحد منهما دية فوجبت عليه دياتها كما لو أذهبها بجنايات فإن مات من الجناية لم يجب إلا دية واحدة لأن ديات المنافع كلها تدخل في دية النفس كديات الأعضاء (مسألة) (وفي ذهاب المشي الدية) لأنها منفعة مقصودة فوجبت فيها الدية كالكلام (فصل) وفي كسر الصلب الدية إذا لم ينجبر لما روي في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الصلب الدية " وعن سعيد بن المسيب قال: مضت السنة أن في الصلب الدية وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال زيد بن ثابت وعطاء والحسن والزهري ومالك وقال القاضي وأصحاب الشافعي ليس في كسر الصلب دية إلا أن يذهب مشيه أو جماعة فتجب الدية لتلك المنفعة لأنه عضو لم تذهب منفعته فلم يجب فيه دية كاملة كسائر الأعضاء ولنا الخبر ولأنه عضو ليس في البدن مثله فيه جمال ومنفعة فوجبت فيه الدية بمفرده كالأنف، وإن ذهب مشيه بكسر صلبه ففيه الدية في قول الجميع ولا يجب أكثر من دية لأنها منفعة تلزم كسر الصلب غالباً فأشبه ما لو قطع رجليه (مسألة)(وفي ذهاب الأكل الدية) لأنها منفعة مقصودة فوجبت فيه لدية كالشم والنكاح (مسألة)(فإن كسر صلبه فذهب نكاحه ففيه الدية) روى ذلك عن علي رضي الله عنه لأنه نفع مقصود فأشبه ذهاب المشي، وإن ذهب جماعه ومشيه
وجبت ديتان في ظاهر كلام أحمد في رواية ابنه عبد الله لأنهما منفعتان تجب الدية بذهاب كل واحدة منهما منفردة فإذا اجتمعتا وجبت ديتان كالسمع والبصر، وعن أحمد فيهما دية واحدة لأنهما نفع عضو واحد فلم يجب فيهما أكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب كلامه وذوقه، وان جبر صلبه فعادت احدى المنفعتين دون الأخرى لم يجب إلا دية إلا أن تنقص الأخرى فتجب حكومة لنقصها أو تنقص من
جهة أخرى فيكون فيه حكومة لنقصها لذلك، وان ادعى ذهاب جماعه فقال رجلان من أهل الخبرة ان مثل هذه الجناية تذهب الجماع فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأنه لا يتوصل الى معرفة ذلك إلا من جهته، وان كسر صلبه فشل ذكره اقتضى كلام أحمد وجوب ديتين لكسر الصلب واحدة وللذكر اخرى، وفي قول القاضي ومذهب الشافعي في الذكر دية وحكومة لكسر الصلب، وان اذهب ماءه دون جماعة احتمل وجوب الدية، ويروى هذا عن مجاهد قال بعض أصحاب الشافعي هو الذي يقتضيه مذهب الشافعي لأنه ذهب بمنفعة مقصودة فوجبت الدية كما لو ذهب بجماعة أو كما لو قطع أنثييه أو رضهما واحتمل أن لا تجب الدية كاملة لأنه لم يذهب بالمنفعة كلها (مسألة)(ويجب في الحدب) تجب الدية في الحدب لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الصلب الدية " ولأنه أبطل عليه منفعة مقصودة وجمالاً أشبه ما لو أذهب مشيه
(مسألة)(وفي الصعر الدية وهو ان يضربه فيصير الوجه إلى جانب) وأصل الصعر داء يأخذ البعير فيلتوي منه عنقه قال الله تعالى (ولا تصعر خدك للناس) أي لا تعرض عنهم بوجهك تكبراً كإمالة وجه البعير الذي به الصعر، فمن جنى على إنسان جناية فعوج عنقه حتى صار وجهه في جانب فعليه دية كاملة روى ذلك عن زيد ثابت رضي الله عنه وقال الشافعي: ليس فيه إلا حكومة لأنه إذهاب جمال عن غير منفعة ولنا ماروى مكحول عن زيد بن ثابت انه قال: وفي الصعر الدية ولم يعرف له في الصحابة مخالف فكان إجماعا ولأنه أذهب الجمال والمنفعة فوجبت فيه دية كسائر المنافع، وقولهم لم تذهب منفعة لا يصح فإنه لا يقدر على النظر امامه وانقاء ما يحذره اذا مشى وإذا نابه أمر أو دهمه عدو لم يمكنه العلم به ولا اتقاؤه ولا يمكنه لي عنقه ليتعرف ما يريد نظره ويتعرف ما يضره مما ينفعه (فصل) فإن جنى عليه فصار الالتفات او ابتلاع الماء عليه شاقا فيه حكومة لأنه لم يذهب بالمنفعة كلها ولا يمكن تقديرها، وان صار بحيث لا يمكنه ازدراد ريقه فهذا لا يكاد يتقى وان بقي مع ذلك ففيه
الدية لأنه تفويت منفعة ليس لها مثل في البدن (مسألة)(وفي تسويد الوجه اذا لم يزل الدية وقال الشافعي فيه حكومة) لأنه لا مقدر فيه ولا هو نظير لمقدر ولنا أنه فوت الجمال على الكمال فضمنه بديته كما لو قطع أذني الأصم او أنف الأخشم وقوله ليس
بنظير لمقدر ممنوع فإنه نظير لقطع الأذنين في ذهاب الجمال بل هو أعظم في ذلك فيكون بإيجاب الدية أولى، فإن زال السواد رد ما أخذه لسواده لزوال سبب الضمان، فإما إن صفر وجهه أو حمره ففيه حكومة لأنه لم يذهب بالجمال على الكمال (مسألة)(واذا لم يستمسك الغائط والبول ففي كل واحد من ذلك دية كاملة) وجملة ذلك أنه إذا ضرب بطنه فلم يستمسك الغائط أو المثانة فلم يستمسك البول وجب فيه الدية وبهذا قال ابن جريح وأبو ثور وأبو حنيفة ولا نعلم فيه مخالفاً إلا أن ابن ابي موسى ذكر في المثانة رواية أخرى أن فيها ثلث الدية لأنها باطنة فهي كافضاء المرأة، والصحيح الاول كل واحد من هذين المحلين عضو فيه منفعة كبيرة ليس في البدن مثله فوجب في تفويت منفعته دية كاملة كسائر الأعضاء المذكورة فإن نفع المثانة حبس البول وحبس البطن الغائط منفعة مثلها والنفع بهما كثير والضرر بفواتهما عظيم فكان في كل واحد منهما الدية كالسمع والبصر، وإن فاتت المنفعتان بجناية واحدة وجب على الجاني ديتان كما لو ذهب سمعه وبصره بجناية واحدة (مسألة)(وفي نقص شئ من ذلك ان علم بقدره مثل نقص العقل بأن يجن يوماً ويفيق يوماً أو ذهاب بصر إحدى العينين أو سمع إحدى الأذنين) لأن ما وجب فيه الدية وجب بعضها في بعضه كالأصابع واليدين
(فصل) وإن نقص الذوق نقصا يتقدر بأن لا يدرك أحد المذاق الخمس وهي الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة فإذا لم يدرك أحدها وأدرك الباقي ففيه خمس الدية وفي اثنين خمساها
وفي ثلاث ثلاثة أخماسها وإن لم يدرك واحدة فعليه الدية إذا قلنا تجب الدية في ذهاب الذوق وإلا ففيه حكومة (مسألة)(وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفاً) يعتبر ذلك بحروف المعجم هي ثمانية وعشرون حرفاً سوى لا فإن مخرجها مخرج الام والألف فمهما نقص من الحروف نقص من الدية بقدره لأن الكلام تم، بجميعها فالذاهب يجب أن يكون عوضه من الدية كقدره من الكلام ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية وفي الحرفين نصف سبعها وفي الأربعة سبعها، ولا فرق بين ما خف على اللسان من الحروف أو ثقل لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره كالأصابع ويحتمل ان تقسم الدية على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية وهي الباء والميم والفاء والواو، ودون حروف الحلق السنة الهمز والحاء والخاء والعين والغين، فهذه عشرة بقي ثمانية عشر حرفا للسان تقسم ديته عليها لأن الدية تجب بقطع اللسان وذهاب هذه الحروف وحدها مع بقائه فإذا وجبت الدية فيها بمفردها وجب في بعضها بقسطه منها، ففي الواحد نصف تسع الدية وفي الاثنين تسعها وفي الثلاثة سدسها وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وإن جني على شفته فذهب بعض الحروف وجب فيه بقدره وكذلك إن ذهب بعض حروف الحلق بجنايته، وينبغي ان يجب بقدره من
ثمانية وعشرين وجهاً واحداً وان ذهب حرف فعجز عن كلمة لم يجب غير ارش الحرف لأن الضمان إنما يجب لما تلف وان ذهب حرف فأبدل مكانه حرفاً آخر كان كأن يقول درهم فصار يقول دلهم أو دعهم أو ديهم فعليه ضمان الحرف الذاهب لأن ما يبدل لا يقوم مقام الذاهب في القراءة ولا غيرها فإن جنى عليه فذهب البدل وجبت ديته أيضاً لأنه أصل وإن جنى عليه جان فأذهب بعض الحروف وجنى عليه آخر فأذهب بقية الكلام فعلى كل واحد منهما بقسطه كما لو ذهب الأول ببصر إحدى العينين وذهب الآخر ببصر الأخرى وإن كان الثغ من غير جناية عليه فذهب انسان بكلامه كله فإن كان مأيؤسا من ذهاب لثغته ففيه بقسط ما ذهب من الحروف وإن كان غير مأيوس من زوالها كالصبي ففيه الدية الكاملة لأن الظاهر زوالها وكذلك الكبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم (مسألة) (وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشاً يفزع مما لا يفزع ويستوحش إذا خلا فهذا
لا يمكن تقديره) فيجب فيه ما تخرجه الحكومة لأنه لا تقدير فيه (مسألة)(فإن نقص سمعه أو بصره أو شمه أو حصل في كلامه تمتمة أو عجلة أو فأفأة ففيه حكومة لما حصل من النقص والشين ولم تجب الدية) لأن المنفعة باقية فإن جنى عليه جان آخر فأذهب كلامه ففيه الدية كاملة كما لو جنى على عينه جان فعمشت ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها فإن نقص ذوقه نقصاً غير مقدر بأن يحس المذاق كله إلا أنه لا يدركه على الكمال ففيه حكومة كما لو نقص بصره أو سمعه نقصاً لا يتقدر
(مسألة)(وإن نقص مشيه أو انحنى قليلاً أو تقلست شفته بعض التقلس أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ونحو ذلك ففيه حكومة) لما ذكرنا (مسألة)(وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية) إذا قطع بعض لسانه فذهب بعض كلامه فإن استويا مثل ان يقطع ربع لسانه فيذهب ربع كلامه وجب ربع الدية بقدر الذاهب منهما كما لو قطع احدى عينيه فذهب بصرها وان ذهب من أحدهما أكثر من الآخر كأن قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه او قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه وجب بقدر الأكثر وهو نصف الدية في الحالين لأن كل واحد من اللسان والكلام مضمون بالدية منفرداً فإذا انفرد نصفه بالذهاب وجب النصف ألا ترى أنه لو ذهب نصف الكلام ولم يذهب من اللسان شئ وجب نصف الدية؟ ولو ذهب نصف اللسان ولم يذهب من الكلام شئ وجب نصف الدية (مسألة)(وان قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم الآخر بقيته فذهب بقية الكلام فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني نصفها ويحتمل أن يجب عليه نصف الدية وحكومة لربع اللسان) في هذه المسألة ثلاثة أوجه (أحدها على الثاني نصف الدية وهذا قول القاضي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن السالم نصف اللسان وباقية اشل بدليل ذهاب نصف الكلام (والثاني) عليه نصف
الدية وحكومة للربع الأشل لأنه لو كان جميعه اشل لكانت فيه حكومة أو ثلث الدية فإذا كان بعضه أشل ففي ذلك البعض حكومة أيضاً (والثالث) عليه ثلاثة أرباع الدية وهذا الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه قطع ثلاثة أرباع لسانه فذهب نصف كلامه فوجب عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو قطعه أولا ولا يصح القول بأن بعضه أشل لأن العضو متى كان فيه بعض النفع لم يكن بضعه اشل كالعين إذا كان بصرها ضعيفاً واليد إذا كان بطشها ضعيفاً (فصل) وان قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه فعليه نصف ديته وإن قطع الآخر بقيته فعليه ثلاثة أرباع الدية وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والآخر عليه نصف الدية لأنه لم يقطع إلا نصف لسانه ولنا أنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام فلزمته ثلاثة أرباع ديته كما لو ذهب ثلاثة أرباع الكلام بقطع نصف اللسان في الأول ولأنه لو ذهب ثلاثة أرباع الكلام مع بقاء اللسان لزمته ثلاثة أرباع الدية فلأن يجب بقطع نصف اللسان أولى ولو لم يقطع الثاني نصف اللسان لكن جنى عليه جنايته أذهب بقية كلامه مع بقاء لسانه لكان عليه ثلاثة أرباع ديته لأنه ذهب بثلاثة أرباع ما فيه الدية فكان عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو جنى على صحيح فذهب ثلاثة أرباع كلامه مع بقاء لسانه (فصل) إذا قطع بعض لسانه عمداً فاقتص المجني عليه من مثل ما جنى عليه فذهب من كلام الجاني
مثل ما ذهب من كلام المجني عليه أو أكثر فقد استوفى حقه ولا شئ في الزائد من سراية القود وهي غير مضمونة وأن ذهب أقل فللمقتص دية ما بقي لأنه لم يستوف بدله (فصل) إذا كان للسانه طرفان فقطع احدهما فذهب كلامه ففيه الدية لأن ذهاب الكلام بمفرده يوجب الدية وان ذهب بعض الكلام نظرت فإن كان الطرفان متساويين وكان ما قطعه بقدر ما ذهب من الكلام وجب فإن كان أحدهما اكثر وجب الأكثر على ما مضى وان لم يذهب من الكلام شئ وجب بقدر ما ذهب من اللسان من الدية وإن كان احدهما منحرفا عن سمت اللسان فهو خلقة زائدة وفيه حكومة وان قطع جميع اللسان وجبت الدية من غير زيادة سواء كان الطرفان متساويين أو مختلفين وقال القاضي إن كانا متساويين ففيهما الدية وإن كان احدهما منحرفاً عن سمت اللسان وجبت الدية
وحكومة في الخلقة الزائدة ولنا أن هذه الزيادة عيب نقص يرد بها المبيع وينقص من ثمنه فلم يجب شئ كالسلعة في اليد وربما عاد القولان إلى شئ واحد لأن الحكومة لا يخرج بها شئ إذا كانت الزيادة عيباً (مسألة)(وان قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه لم يجب إلا دية وان ذهبا مع بقاء اللسان وجبت ديتان) إذا جنى على لسان ناطق فاذهب كلامه وذوقه ففيه ديتان وإن قطع لسانه فذهبا معاً يجب إلا
دية واحد لأنهما يذهبان تبعاً لذهابه فوجبت ديته دون ديتهما كما لو قتل إنساناً لم يجب إلا دية واحدة ولو ذهبت منافعه مع بقائه ففي كل منفعة دية (فصل) فإن جنى على لسانه فذهب كلامه أو ذوقه ثم عاد لم تجب الدية لأننا تبينا أنه لم يذهب ولو ذهب لم يعد وإن كان قد قبض الدية ردها وان قطع لسانه فعاد لم تجب الدية وإن كان قد أخذها ردها قاله أبو بكر وظاهر مذهب الشافعي أنه لا يرد لأن العادة لم تجر بعوده واختصاص هذا بعوده يدل على أنها هبة مجددة ولنا أنه عاد ما وجبت فيه الدية فوجب رد الدية كالأسنان وسائر ما يعود وأن قطع إنسان نصف لسانه فذهب كلامه ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية لأن الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ولم يعد الى اللسان وانما عاد في آخر بخلاف التي قبلها وان قطع لسانه فذهب كلامه ثم عاد اللسان دون الكلام لم يرد الدية لأنه قد ذهب ما تجب الدية فيه بانفراده وان عاد كلامه دون لسانه لم يردها أيضاً لذلك (مسألة)(وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان لأجل ذهاب المشي والجماع) وعن أحمد فيهما دية واحدة لأنهما نفع عضو واحد فلم يجب فيهما أكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه
(مسألة)(وإن اختلفا في نقص سمعه وبصر فالقول قول المجني عليه مع يمينه)
لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته فيحلفه الحاكم ويوجب حكومة (فصل) فإن ادعى أن إحدى عينيه نقص ضوء ما عصبت المريضة وأطلقت الصحيحة ونصب له شخص وتباعد عنه فكلما قال قد رأيته ووصف لونه علم صدقه حتى ينتهي فإذا انتهت رؤيته علم موضعها ثم تشد الصحيحة وتطلق المريضة وينصب له شخص ثم يذهب حتى تنتهي رؤيته ثم يدار الشخص الى جانب آخر فيضع به مثل ذلك ثم يعلم عند المسافتين وتذرعان ويقابل بينهما فإن كانا سواء فقد صدق وينظركم بين مسافة رؤية العليلة والصحيحة؟ ويحكم له من الدية بقدر ما بينهما وان اختلفت المسافتان فقد كذب وعلم أنه قصر مسافة المريضة لكثير الواجب له فيردد حتى تستوي المسافة بين الجانبين والأصل في هذا ما روي عن علي رضي الله عنه قال إبن المنذر أحسن ما قيل في ذلك ما قاله علي أمر بعينه فعصبت وأعطى رجلاً بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ثم أمر فخط عند ذلك ثم أمر بعينه الأخرى فعصبت وفتحت الصحيحة وأعطى رجلاً بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ثم خط عند ذلك ثم حول الى مكان آخر ففعل مثل ذلك فوجدوه سواء فأعطاه بقدر ما نقص من بصره من مال الآخر قال القاضي وإذا زعم أهل الطب أن بصره يقل اذا بعدت المسافة ويكثر اذا قربت وأمكن هذا في المذارعة عمل عليه وبيانه أنهم اذا قالوا ان الرجل إن كان يبصر الى مائة ذراع ثم أراد أن يبصر
الى مائتي ذراع احتاج للمائة الثانية الى ضعفي ما يحتاج إليه للمائة الأولى من البصر فعلى هذا إذا ابصر بالصحيحة الى مائتين وأبصر بالعليلة الى مائة علمنا انه قد نقص ثلثا بصر عينه فيجب له ثلثا ديتها قال شيخنا وهذا لا يكاد ينضبط في الغالب وكل ما لا ينضبط فيه حكومة وإن جني على عينيه فندرتا أو أحولتا أو عمشتا ففي ذلك حكومة كما لو ضرب يده فأعوجت والجناية على الصبي والمجنون كالجناية على البالغ والعاقل لكن يفترقان في أن البالغ العاقل خصم لنفسه والخصم للصبي والمجنون وليهما فإذا توجهت اليمين عليهما لم يلحفا ولم يحلف الولي عنهما فإن بلغ الصبي وأفاق المجنون حلفا حينئذ ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا (فصل) فإن ادعى المجني عليه نقصاً في سمع أحد أذنيه سددنا العليلة وأطلقنا الصحيحة وأقمنا من
يصح يحدثه وهو متباعد إلى جنب يقول اني لا اسمع فإذا قال ذلك غير عليه الصوت والكلام فإن بان انه يسمع وإلا فقد كذب فإذا انتهى الى آخر سماعه قدرت المسافة وسدت الصحيحة وأطلقت المريضة وحدثه وهو يتباعد حتى يقول اني لا اسمع فإذا قال ذلك غير عليه الكلام فإن تغيرت صفته لم يقبل قوله وإن لم تتغير صفته حلف وقبل قوله وتمسح المسافتان وينظر ما تنقص العليلة فيجب بقدره فإن قال اني أسمع العالي ولا أسمع الخفي فهذا لا يمكن تقديره فيجب فيه حكومة (فصل) فإن قال أهل الخبرة أنه يرجى عود سمعه الى مدة النظر إليها وان يكن لذلك غاية لم ينظر