المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة) (وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة - الشرح الكبير على المقنع - ط المنار - جـ ٩

[ابن أبي عمر]

الفصل: ‌(مسألة) (وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة

(مسألة) (وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة

فيرجع في ذلك إلى قول مسلمين عدلين منهم لأن لهما طريقاً الى معرفة ذلك لمشاهدتهما العين التي هي محل البصر بخلاف السمع فإن لم يوجد أهل الخبرة أو تعذر معرفة ذلك اعتبر بأن يوقف في عين الشمس ويقرب الشئ الى عينه في أوقات غفلته فإن طرف عينه وخاف من الذي يخوف به فهو كاذب ولا حكم له واذا علم ذهاب بصره وقال اهل الخبرة لا يرجى عوده وجبت الدية وان قالوا يرجى عوده الى مدة عينوها انتظر اليها ولم يعط الدية حتى تنقضي المدة فإن لم يعد استقرت على الجاني الدية فإن مات المجني عليه قبل العود استقرت الدية سواء مات في المدة أو بعدها فإن جاء اجنبي فقلع عينه في المدة استقرت على الأول الدية أو القصاص لأنه أذهب البصر فلم يعدو على الثاني حكومة لأنه أذهب عيناً لا ضوء لها يرجى عود ضوئها وان قال الأول عاد ضوؤها وأنكر الثاني فالقول قول المنكر لأن الأصل معه وأن صدق المجني عليه الأول سقط حقه عنه ولم يقبل قوله على الثاني فأما إن قال أهل الخبرة يرجى عوده لكن لا يعرف له مدة وجبت الدية أو القصاص لأن انتظار ذلك الى غير غاية يفضي الى اسقاط موجب الجناية والظاهر في البصر عدم العود والأصل يؤيده فإن عاد قبل استيفاء الواجب سقط وان عاد بعد الاستيفاء وجب رد ما أخذ منه لأننا تبينا أنه لم يكن واجباً (مسألة) (وإن اختلفا في ذهاب سمعه فانه ينفعل ويصاح به وينتظر اضطرابه ويتأمل عند صوت

ص: 608

الرعد والأصوات المزعجة فإن ظهر منه ازعاج أو التفات أو ما يدل على السمع فالقول

قول الجاني مع يمينه) لأن ظهور الأمارات يدل على أنه سميع فغلبت جنبة المدعي وحلف لجواز أن يكون ما ظهر منه اتفاقاً وإن لم يوجد شئ منه ذلك فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأن الظاهر عدم السمع وحلف لجواز أن يكون احترز وتصبر وان ادعى ذلك في إحداهما سدت الأخرى وتغفل على ما ذكرنا (مسألة)(وإن ادعى ذهاب شمه جربناه بالروائح الطيبة والمنتنة فإن هش للطيب وتنكر للمنتن فالقول قول الجاني مع يمينه وإن لم يبن منه ذلك فالقول قول المجني عليه) لقولنا في اختلافهم في السمع والبصر وان ادعى المجني عليه نقص شمه فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يتوصل الى معرفة ذلك إلا من جهته فقبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة في انقضاء عدتها بالإقراء ويجب له من الدية ما تخرجه الحكومة، وان ذهب شمه ثم عاد قبل أخذ الدية سقطت وإن كان بعد أخذها ردها لأننا تبينا أنه لم يكن ذهب وان رجي عود شمه الى مدة انظر اليها وان ذهب شمه من أحد منخريه ففيه نصف الدية كما لو ذهب بصره من إحدى عينيه (مسألة)(وإن اختلفا في ذهاب ذوقه أطعم الأشياء المرة فإن عبس للطعم المر سقطت دعواه) لظهور ما يدل على خلاف ما ادعاه وإلا فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يعلم إلا من جهته فقبل قوله فيه كالمسألة التي قبلها (فصل) ولا تجب دية الجرح حتى يندمل لأنه لا يدرى أقتل هو أم ليس بقتل فينبغي أن ينتظر حكمه وما الواجب فيه ولهذا لا يجوز الاستيفاء في العمد قبل الاندمال فكذلك لا يجوز أخذ الدية قبله فنقول أحد موجبي الجناية فلا يجوز قبل الاندمال كالآخر

ص: 609

(مسألة)(ولا تجب دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييئس من عودها) لأن ذلك مما يعود فلا يجب شئ مع احتمال العود كالشعر وإنما يعرف ذلك بقول عدلين من أهل الخبرة أنها لا تعود أبداً (مسألة)(فلو قطع سن كبير أو ظفراً ثم نبت او رده فالتحم فلم تجب الدية)

نص أحمد في السن على ذلك في رواية جعفر بن محمد وهو قول أبي بكر والظفر في معناها وقال القاضي تجب ديتها وهو مذهب الشافعي وقد ذكرنا توجيههما فيما إذا قطع أنفه فرده فالتحم فعلى قول أبي بكر يجب عليه حكومة لنقصها إن نقصت وضعفها ان ضعفت، وإن قلعها قالع بعد ذلك وجبت ديتها لأنها ذات جمال ومنفعة فوجبت ديتها كما لو لم تنقلع، وعلى قول القاضي ينبني حكمها على وجوب قلعها فإن قلنا يجب فلا شئ على قالعها لأنه قد أحسن بقلع ما يجب قلعه وإن قلنا لا يجب قلعها احتمل أن تؤخذ ديتها لما ذكرنا واحتمل أن لا تؤخذ ديتها لأنه قد وجبت له ديتها مرة فلا تجب ثانية ولكن فيها حكومة، فأما إن جعل مكانها سناً أخرى أو سن حيوان أو عظماً فثبتت وجبت ديتها وجهاً واحد لأن سنه ذهبت بالكلية فوجبت ديتها كما لو لم يجعل مكانها شيئاً، وان قلعت هذه الثانية لم تجب ديتها لأنها ليست سناً له ولا هي من بدن ولكن يجب فيها حكومة لأنها جناية أزالت جماله ومنفعته فأشبه ما لو خاط جرحه بخيط فالتحم فقامه إنسان فانفتح

ص: 610

الجرح وزال التحامه، ويحتمل أن لا يجب شئ لأنه أزال ما ليس من بدنه فأشبه ما لو قلع انف الذهب الذي جعله المجدوع مكان انفه، والأول أولى لأن هذا كان قد التحم بخلاف أنف الذهب فإنه يمكن اعادته كما كان وهذا إذا أعاده قد لا يلتحم (مسألة)(وان ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ثم عاد سقطت ديته) لزوال سببها وإن كان قد أخذها ردها لأنا تبينا أنه أخذها بغير حق (مسألة)(وإن عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيراً أو متغير فله أرش نقصه) لأنه نقص حصل بجنايته أشبه ما لو نقصه مع بقائه (مسألة)(وان قلع سناً صغيراً ويئس من عودها وجبت ديتها) لأنه أذهبها بجنايته إذهاباً مستمراً فوجبت ديتها كالسن الكبير وقال القاضي فيها حكومة لأن العادة عودها فلم تكمل ديتها كالشعر، والصحيح الأول لأن الشعر لو لم يعد وجبت ديته مع أن العادة عوده (مسألة)(وعنه في الظفر إذا نبت على صفته خمسة دنانير وإن نبت متغيراً عشرة)

والتقديرات بابها التوقيف ولا نعلم فيه توقيفاً والقياس أنه لا شئ فيه إذا عاد على صفته وإن نبت متغيرا ففيه حكومة (مسألة)(وإن مات المجني عليه فادعى الجاني عود ما أذهبه فأنكر الولي فالقول قوله) لأن الأصل عدم العود، وإن جني على سنه اثنان فاختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته فأشبه ما لو ادعى نقص سمعه أو بصره

ص: 611

(فصل) قال رضي الله عنه (وفي كل واحد من الشعور الاربعة الدية وهي شعر الراس واللحية والحاجبين وأهداب العينين) وبهذا قال أبو حنيفة والثوري وممن اوجب في الحاجبين الدية سعيد بن المسيب وشريح والحسن وقتادة وروي عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أنهما قالا في الشعر الدية وقال مالك والشافعي فيه حكومة واختاره ابن المنذر لأنه إتلاف جمال من غير منفعة فلم تجب الدية كاليد الشلاء والعين القائمة ولنا أنه أذهب الجمال على الكمال فوجب فيه دية كاملة كأذن الأصم وأنف الأخشم وقولهم لا منفعة فيه ممنوع فإن الحاجب يرد العرق عين العين ويفرقه وهدب العين يرد عنها ويصونها فجرى مجرى أجفانها وما ذكروه ينتقض بالأصل الذي قسنا عليه واليد الشلاء ليس جمالها كاملاً (مسألة)(وفي كل حاجب نصفها وفي كل هدب ربعها) وجملة ذلك أن في إحدى الحاجبين نصف الدية لأن كل شيئين فيهما الدية في احدهما نصفها كاليدين وفي كل هدب ربعها لأن الدية إذا وجبت في أربعة أشياء وجب في كل واحد ربعها كالأجفان (مسألة)(وفي بعض ذلك بقسطه من الدية يقدر بالمساحة كالأذنين ومارن الأنف ولا فرق في هذه الشعور بين كونها كثيفة أو خفيفة جملية أو قبيحة أو كونها من صغير أو كبير) لأن سائر ما فيه الدية من الأعضاء لا تفترق الحال فيه بذلك

ص: 612

(مسألة)(وإنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود)

مثل أن يقلب على رأسه ماء حاراً فيتلف منبت الشعر فينقطع بالكلية بحيث لا يعود وإن رجي عوده الى مدة انتظر اليها (مسألة)(فإن عاد سقطت الدية) إذا عاد قبل أخذ الدية لم تجب فإن عاد بعد أخذها ردها والحكم فيه كالحكم في ذهاب السمع والبصر فيها يرجى عوده ما لا يرجى (مسألة)(وإن بقي من لحيته ما لا جمال فيه أو من غيره من الشعور ففيه وجهان)(أحدهما) يؤخذ بالقسط لأنه محل يجب في بعضه بحصته فأشبه الأذن ومارن الأنف (والثاني) تجب الدية كاملة لأنه أذهب المقصود كله فأشبه ما لو أذهب ضوء العينين ولأن جنايته ربما أحوجت الى إذهاب الباقي لزيادته في القبح على ذهاب الكل فتكون جنايته سبباً لذهاب الكل فأوجبت ديته كما لو ذهب بسراية الفعل أو كما لو احتاج في دواء شجة الرأس الى ما أذهب ضوء عينه (مسألة)(ولا قصاص في شئ من هذه الشعور) لأن إتلافها إنما يكون بالجناية على محلها وهو غير معلوم المقدار ولا تمكن المساواة فيه فلا يجب القصاص فيه (مسألة)(وإن قلع الجفن بهدبه لم يجب إلا دية الجفن) لأن الشعور تزول تبعاً لزوال الأجفان فلم يجب فيه شئ كالأصابع إذا قطع الكف وهي عليه

ص: 613

(مسألة)(وإن قلع اللحنين بما عليهما من الأسنان وجبت ديتهما ودية الأسنان) ولم تدخل دية الأسنان في الجنين كما تدخل دية الأصابع في اليد لوجوه (أحدها) أن الأسنان ليست متصلة باللحيين وإنما هي مغرزة فيها بخلاف الأصابع (الثاني) أن أحدهما ينفرد باسمه عن الآخر بخلاف الأصابع مع الكف فإن اسم اليد بشملهما (الثالث ان اللحيين يوجدان منفردين عن الأسنان فإنهما يوجدان قبل وجود الأسنان ويبقيان بعد قلعهما بخلاف الكف مع الأصابع (مسألة)(وان قطع كفاً بأصابعه لم يجب إلا دية الأصابع) لدخول الجميع في مسمى اليد وكما لو قطع ذكراً بحشفته لم يجب إلا دية الحشفة لدخولها في مسمى الذكر (مسألة)(وان قطع كفاً عليه بعض الأصابع دخل ما حاذى الأصابع في ديتها وعليه أرش باقي الكف)

لأن الأصابع لو كانت سالمة كلها لدخل أرش الكف كله في دية الأصابع فكذلك ما حاذى الأصابع السالمة يدخل في ديتها وما حاذى المقطوعات ليس ما يدخل في ديته فوجب أرشه كما لو كانت الأصابع كلها مقطوعة (مسألة)(وان قطع أنملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها) كما لو قطع كفا بأصابعها أو جفناً بهدبه (فصل) وفي عين الأعور دية كاملة نص عليه وبذلك قال الزهري ومالك والليث وقتادة وإسحاق وقال مسروق وعبد الله بن مغفل والنخعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي فيها نصف الدية لقوله عليه

ص: 614

الصلاة السلام " وفي العين خمسون من الإبل " وقوله عليه السلام " وفي العينين الدية " يقتضي أن لا يجب فيها أكثر من ذلك سواء قلعهما واحد أو ثان في وقت واحد أو في وقتين وقالع الثانية قالع عين أعور فلو وجب عليه دية لوجب فيهما دية ونصف، ولأن ما يضمن بنصف الدية مع نظيره يضمن به مع ذهابه كالأذن ويحتمل هذا كلام الخرقي لقوله وفي العين الواحدة نصف الدية ولم يفرق ولنا أن عمر وعثمان وعلياً وابن عمر قضوا في عين الأعور بالدية ولا نعلم لهم في الصحابة مخالفاً فتكون إجماعاً ولأن قلع عين الأعور يتضمن إذهاب البصر كله فوجبت الدية كما لو أذهبه من العينين، ودليل ذلك أنه يحصل بها ما يحصل بالعينين فإنه يرى الأشياء البعيدة ويدرك الأشياء اللطفية ويعمل اعمال البصراء ويجوز أن يكون قاضيا ويجزي في الكفارة وفي الأضحية إذا لم تكن العين مخسوفة فوجب في بصره دية كاملة كذي العينين: فإن قيل فعلى هذا ينبغي أن لا يجب في ذهاب احدى العينين نصف الدية لأنه لم ينقص، قلنا لأنه لا يلزم من وجوب شئ من دية العينين نقص دية الباقي بدليل ما لو جنى عليهما فاحول * نا أو عمشا أو نقص ضوؤهما فإنه يجب أرش النقص ولا تنقص ديتهما بذلك ولأن النقص الحاصل لم يؤثر في تنقيص أحكامه ولا هو مضبوط في تفويت النفع فلم يؤثر في تنقيص الدية، قلت ولولا ما روي عن الصحابة لكان القول الآخر أولى لظاهر النص والقياس على ذهاب سمع إحدى الأذنين وما ذكر من المعاني فهو موجود فيما إذا ذهب سمع أحد الأذنين ولم يوجبوا في الباقي دية كاملة

ص: 615

(مسألة)(وإن قلع الأعور عين صحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمداً فلا قصاص وعليه دية كاملة) إذا قلع الأعور عين صحيح نظرنا فإن قلع العين التي لا تماثل عينه الصحيحة أو قلع المماثلة خطأ فليس عليه إلا نصف الدية لا نعلم فيه خلافاً لأن ذلك هو الأصل، وأن قلع المماثلة لعينه الصحيحة عمداً فلا قصاص وعليه دية كاملة وبهذا قال سعيد بن المسيب وعطاء ومالك في إحدى روايتيه وقال في الأخرى عليه نصف الدية ولا قصاص، وقال المخالفون في المسألة الأولى له القصاص لقوله تعالى (والعين بالعين) وان اخبار الدية فله نصفها للخبر ولأنه لو قلعها غيره لم يجب فيها إلا نصف الدية فلم يجب فيه إلا نصفها كالعين الأخرى ولنا عن عمر وعثمان رضي الله عنهما قضيا بمثل مذهبنا ولا نعرف لهما مخالفاً في الصحابة فكان إجماعاً ولأننا منعناه من إتلاف ضوء يضمن بدية كاملة فوجبت عليه دية كاملة كما لو قلع عيني سليم ثم عمي الجاني ويتحمل أن يقلع عينه ويعطى نصف الدية لأن ذلك يروي فيه أثر وقد روي عن علي رضي الله عنه في الرجل إذا قتل امرأة يقتل بها ويعطى نصف الدية (مسألة)(وإن قلع عيني صحيح عمداً خير بين قلع عينه ولا شئ له غيرها وبين الدية) إذا قلع الأعور عيني صحيح عمداً فإن شاء قلع عينه ولا شئ له لأن عينه له فيها دية كاملة لما ذكرنا من قضاء الصحابة رضي الله عنهم فيها بالدية ولأنه أذهب بصره كله فلم يكن له أكثر من إذهاب بصره

ص: 616

وهو مبني على قضاء الصحابة وأن عين الأعور تقوم مقام العينين وأكثر أهل العلم على أن له القصاص ونصف الدية للعين الأخرى وهو مقتضى الدليل والله أعلم فأما إن قلعهما خطأ فليس له إلا الدية كاملة كما لو قلعها صحيح العينين وذكر القاضي فيما إذا قلعهما عمداً إن قياس المذهب وجوب ديتين إحداهما في العين التي استحق بها قلع عين الأعور والأخرى في الأخرى لأنها عين الأعور ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " وفي العينين الدية " ولأنه قلع عينين فلم يلزمه أكثر من الدية كما لو كان القالع صحيحاً ولأنه لم يزد على تفويت منفعة الجنس فلم يزد على الدية كما لو قطع أذنيه وما ذكره القاضي لا يصح لأن وجوب الدية في إحدى عينيه لا يجعل الأخرى عين أعور على أن وجوب الدية بقلع إحدى العينين

قضية مخالفة للخبر والقياس صرنا إليها لإجماع الصحابة عليها فيما عدا موضع الإجماع يجب العمل بهما والبقاء عليهما (مسألة)(وفي يد الا * قطع نصف الدية وكذلك في رجله وعنه فيها دية كاملة وان اختار القصاص فله ذلك) لأنه عضو أمكن القصاص في مثله فكان الواجب فيه القصاص أو دية مثله كما لو قطع أذن من له أذن واحدة وعن أحمد رواية أخرى أن الأولى إن كانت قطعت ظلماً وأخذ ديتها أو قطعت قصاصاً ففيها نصف ديتها وإن قطعت في سبيل الله ففي الباقية دية كاملة لأنه عطل منافعه من العضوين جملة فأشبه

ص: 617

قلع عين الأعور والصحيح الأول لأن هذا أحد العضوين الذين تحصل بهما منفعة الجنس لا يقوم مقام العضوين فلم يجب فيه دية كاملة كسائر الأعضاء وكما لو كانت الأولى أخذت قصاصاً أو في غير سبيل الله ولا يصح القياس على عين الأعور لثلاثة وجوه (أحدها) أن عين الأعور حصل فيها ما يحصل بالعينين ولم يختلفا في الحقيقة والأحكام إلا اختلافاً يسيراً بخلاف أقطع اليد الرجل (والثاني) أن عين الأعور لم يختلف الحكم فيها باختلاف صفة ذهاب الأولى وههنا اختلف (الثالث) أن هذا التقدير والتعيين على هذا الوجه أمر لا يصار اليه بمجرد الرأي ولا توقيف فيه فيصار اليه ولا نظير له فيقاس عليه فالمصير إليه تحكم بغير دليل فيجب اطراحه فأما أن قطعت أذن من قطعت أذنه أو منخر من قطع منخره لم يجب فيه أكثر من نصف الدية رواية واحدة لأن منفعة كل أذن لا تتعلق بالأخرى بخلاف العينين

ص: 618

(باب الشجاج وكسر العظام) الشجة اسم لجرح الرأس الوجه خاصة وهي عشر، خمس لا مقدر فيها (أولها) الحارصة وهي التي تحرص الجلد أي تشقه قليلاً ولا تدميه (ثم البازلة) وهي الدامية التي يخرج منها دم يسير (ثم الباضعة) وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم (المتلاحمة) وهي التي تترك في اللحم ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب

وجملة ذلك أن الشجاع عشر خمس لا توقيت فهيا، أولها الحارصة قاله الأصمعي وهي التي تشق الجلد قليلاً يعني تقشر شيئاً يسيراً من الجلد لا يظهر منه دم ومنه حرص الفصار الثوب إذا شقه قليلاً وقال بعضهم هي الحرصة ثم البازلة وهي التي ينزل منها الدم أي يسيل وتسمى الدامية أيضاً والدامعة لقلة سيلان دمها تشبيهاً له بخروج الدمع من العين ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم يعني دخلت فيه دخولاً كثيراً تزيد على الباضعة ولم تبلغ السمحاق ثم السمحاق وهي التي تصل الى قشرة رقيقة فوق العظم تسمى تلك القشرة سمحاقاً وسميت الجراح الواصلة اليها بها ويسميها أهل المدينة الملطا والملطاة وهي تأخذ اللحم كله حتى تخلص منه وهذه الشجاج الخمس لا توقيت فيها في ظاهر المذهب وهو قول أكثر الفقهاء يروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن أحمد رواية أخرى أن في الدامية بعيراً وفي الباضعة بعيرين وفي المتلاحمة ثلاثة وفي المسحاق أربعة أبعرة لأن ذلك يروي عن زيد بن ثابت وروي عن علي رضي الله عنه في السمحاق مثل ذلك رواه سعيد عنهما وعن عمر وعثمان فيها نصف أرش الموضحة والصحيح الأول فإنها جراحات لم يرد فيها توقيت في الشرع فكان الواجب فيها حكومة كجراحات البدن

ص: 619

روي عن مكحول قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الموضحة بخمس من الإبل ولم يقض فيها دونها ولأنه لم يثبت فيها مقدر له بتوقيف ولا قياس يصح فوجب الرجوع الى الحكومة كالحارصة وذكر القاضي أنه متى أمكن اعتبار هذه الجراحات من الموضحة مثل أن يكون في رأس المجني عليه موضحة الى جانبها قدرت هذه الجراحة منها فإن كانت بقدر النصف وجب نصف أرش الموضحة وإن كانت بقدر الثلث وجب ثلث الأرش وعلى هذا إلا أن تزيد الحكومة على قدر ذلك فيوجب ما تخرجه الحكومة فإذا كانت الجراحة قدر نصف الموضحة وشينها ينقص قدر ثلثيها فيوجب ثلثي ارش الموضحة وان نقصت الحكومة أقل من النصف أوجب النصف فيوجب الأكثر مما تخرجه الحكومة أو قدرها من الموضحة لأنه اجتمع سببان موجبان الشين وقدرها من الموضحة فوجب فيها والدليل على إيجاب هذا المقدار ان هذا اللحم فيه مقدر فكان في بعضه بقدره من ديته كالمارن والحشفة والشفة والجفن وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا: وهذا لا نعلمه

مذهباً لاحمد ولا يقتضيه مذهبه ولا يصح لأن هذه جراحة تجب فيها الحكومة فلا يجب فيها مقدر كجراحات البدن ولا يصح قياس هذا على ما ذكروه فإنه لا تجب فيه الحكومة ولا نعلم لما ذكروه نظيراً وما لم يكن فيه من الجراح توقيف ولم يكن نظيراً لما وقتت ديته ففيه حكومة أما الذي فيه توقيت فهو الذي نص النبي صلى الله عليه وسلم عليه بين قدر ديته كقوله " في الأنف وفي اللسان الدية " وأما نظيره فهو ما كان في معناه ومقيسا عليه كالاليتين والثديين والحاجين وقد ذكرناه فما لم يكن من الموقت ولا مما يمكن قياسه

ص: 620

كالشجاج التي دون الموضحة وجراح البدن سوى الجائفة وقطع الأعضاء وكسر العظام فليس فيه إلا الحكومة (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وخمس فيها مقدر أولها الموضحة وهي التي توضح العظم أي تبرزه والوضح البياض) يعني أنها أبدت وضح العظم أي بياضه وأجمع أهل العلم على أن أرشها مقدر قاله ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الموضحة خمس من الإبل " وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في المواضح خمس خمس " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن وأنما يجب ذلك في موضحة الحر فأما موضحة العبد فقد ذكرنا الخلاف فيها وموضحة المرأة كموضحة الرجل فيما يجب فيها عند أحمد رحمه الله لأن المرأة تساوي جراحها جراح الرجل إلى ثلث الدية وعند الشافعي أن موضحة المرأة إنما يجب فيها نصف ما وجب في موضحة الرجل بناء على مذهبه في أن جراح المرأة على النصف من جراح الرجل في القليل والكثير والحديث الذي ذكرناه حجة عليه وفيه كفاية وأكثر أهل العلم على أن الموضحة في الرأس والوجه سواء وهو ظاهر المذهب روى ذلك عن ابي بكر وعمر رضي الله عنهما، وبه قال شريح ومكحول والشعبي والنخعي والزهري وربيعة وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق، وعن أحمد أن في موضحة الوجه عشرة أبعرة روى ذلك عن سعيد بن المسيب لأن شينها أكثر وموضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة وقال مالك: إذا كانت في أنف أو في اللحي الأسفل ففيها حكومة لأنها تبعد عن الدماغ فأشبهت موضحة سائر البدن

ص: 621

ولنا عموم الأحاديث وقول ابي بكر وعمر رضي الله عنهما: الموضحة في الرأس والوجه سواء

ولأنها موضحة فكان أرشها خمساً من الإبل كغيرها مما سلموه ولا عبرة بكثرة الشين بدليل التسوية بين الكبيرة والصغيرة وما ذكرناه مالك لا يصح فإن الموضحة في الصدر أكثر ضرراً وأقرب الى القلب ولا مقدر فيها ولأن ما قاله مخالف لظاهر النص، وقد روي عن أحمد أنه قال موضحة الوجه أحرى أن يزاد في ديتها وليس معنى هذا أنه يجب فيها أكثر إنما معناه والله أعلم أولى بإيجاب الدية فإنها إذا وجبت في موضحة الراس مع قلة شينها واستتارها بالشعر وغطاء الرأس خمس من الإبل فلأن يجب ذلك في الوجه الظاهر الذي هو مجمع المحاسن وعنوان الجمال أولى وحمل كلام أحمد على هذا أولى من من حمله على ما يخالف الخبر والأثر وقول أكثر أهل العلم بغير توقيف ولا قياس صحيح (فصل) ويجب أرش الموضحة في الصغيرة والكبيرة والبارزة والمستورة بالشعر لأن اسم الموضحة يشمل الجميع وحد الموضحة ما أفضى الى العظم ولو بقدر ابرة ذكره ابن القاسم والقاضي (فصل) وليس في الموضحة غير الرأس والوجه مقدر في قول أكثر أهل العلم منهم إمامنا ومالك والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر قال ابن عبد البر ولا يكون في البدن موضحة يعني ليس فيها مقدر، على ذلك جماعة العلماء إلا الليث بن سعد قال الموضحة تكون في الجسد ايضاً وقال الأوزاعي

ص: 622

في جراحة الجسد: على النصف من جراحة الرأس، وحكي نحو ذلك عن عطاء الخراساني قال في الموضحة في سائر الجسد خمسة وعشرون ديناراً ولنا أن اسم الموضحة انما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس وقول الخليفتين الراشدين الموضحة في الرأس والوجه سواء يدل على أن باقي الجسد بخلافه ولأن الشين فيما في الراس والوجه اكثر واخطر مما في سائر البدن فلا يلحق به ثم ايجاب ذلك في سائر البدن يفضي إلى أن يجب في موضحة العضو أكثر من ديته مثل أن يوضح أنملة ديتها ثلاثة وثلث وية الموضحة خمس وأما قول الاوزاعي وعطاء الخراساني فتحكم لا نص فيه ولا يقتضيه القياس فيجب اطراحه (مسألة)(قال عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان؟ على وجهين) إذا أوضحه في رأسه ومدها الى وجهه فعلى وجهين (أحدهما) هي موضحة واحدة لأن الوجه

والرأس سواء في الموضحة فصارا كالعضو الواحد (والثاني) هما موضحتان لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل واحد منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في راسه ونزل الى القفا ذكر شيخنا في الكتاب المشروح قال: إذا عمت الرأس ولم يذكره في كتابيه المغني والكافي أطلق القول فيما إذا كان بعضها في الرأس وبعضها في الوجه وان لم تعم الرأس فيها الوجهان وهو الذي يقتضيه الدليل المذكور والله أعلم (مسألة)(وان أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة من الإبل أرش موضحتين) لأنهما موضحتان فإن خرق ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا موضحة واحدة فيجب ارش موضحة

ص: 623

فصار كما لو أوضح الكل من غير حاجز فإن اندملتا ثم أزال الحاجز بينهما فعليه أرش ثلاث مواضح لأنه استقر عليه أرش الأولتين بالاندمال ثم لزمته دية الثالثة وان اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله او سراية الأخرى فعليه أرش موضحتين (مسألة)(فإن خرقه أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة) لأن فعل احداهما لا يبني على فعل الآخر فانفرد كل واحد منهما بحكم جنايته وإن أزاله المجني عليه وجب على الأول أرش موضحتين لأن ما وجب بجنايته لا يسقط بفعل غيره (مسألة)(فإن اختلفنا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه) إذا قال الجاني أنا شققت ما بينهما وقال المجني عليه بل أنا أو أزالها آخر سواك كان القول قول المجني عليه لأن سبب أرش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره فالقول قول المنكر لأن الأصل معه.

ومثله لو قطع ثلاث اصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد الى عشرين فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه لما ذكرنا وهذا على مذهبنا لأن عندنا أن جراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث فإذا زادت صارت الى النصف (مسألة)(وإن خرق ما بينهما في الباطن بأن قطع اللحم الذي بينهما وترك الجلد الذي فوقهما ففيها وجهان)(أحدهما) يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر

ص: 624

(والثاني) أرش موضحة لاتصالهما في الباطن، وإن جرحه جراحاً واحدة أوضحه في طرفها وباقيها دون الموضحة ففيه أرش موضحتين لأن ما بينهما ليس بموضحة (مسألة)(وإن شج جميع رأسه سمحاقاً إلا موضعاً منه أوضحه فعليه أرش موضحة) إذا شجه في رأسه شجة بعضها موضحة وبعضها دون الموضحة لم يلزمه أكثر من أرش موضحة لأنه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من ذلك فلأن لا يلزمه في الإيضاح في البعض أكثر من ذلك أولى وهكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من أرش هاشمة، وإن كانت منقلة وما دونها أو مأمومة وما دونها فعليه أرش منقلة أو مأمومة لما ذكرنا (مسألة)(ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها عشر من الإبل) سميت هاشمة لهشمها العظم ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تقدير وأكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن أرشها مقدرة بعشر من الإبل روى ذلك قبيصة بن ذويب عن زيد بن ثابت وبه قال قتادة والشافعي والعنبري ونحوه قول الثوري وأصحاب الرأي إلا أنهم قدروها بعشر الدية من الدراهم وذلك على قولهم ألف درهم وكان الحسن لا يوقت فيها شيئاً، وحكي عن مالك أنه قال لا أعرف الهاشمة لكن في الإيضاح خمس وفي الهشم حكومة قال إبن المنذر والنظر يدل على قول الحسن إذ لا سنة فيها ولا إجماع ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تقدير فوجبت فيها الحكومة كما دون الموضحة

ص: 625

ولنا قول زيد ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولأنه لا يعرف له مخالف في عصره ولأنها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة (فصل) والهاشمة في الوجه والرأس خاصة كما ذكرنا في الموضحة فإن هشمه هاشمتين بينهما حاجز ففيهما عشرون من الإبل على ما ذكرنا من التفصيل في الموضحة وتنوى الهاشمة الصغيرة والكبيرة كالموضحة وان شجه شجة بعضها موضحة وبعضها هاشمة وبعضها سمحاق وبعضها متلاحمة وجب أرش الهاشمة لأنه لو كان جميعها هاشمة أجزأ أرشها ولو انفرد القدر المهشوم وجب أرشها فلا ينتقص ذلك بما زاد من الأرش في غيرها

(مسألة)(فإن ضربه بمنقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة ولا تجب دية الهاشمة بغير خلاف) لأن الأرش المقدر وجب في هاشمة معها موضحة وفي الواجب فيها وجهان (أحدهما) حكومة لأنه كسر عظم لا جرح معه فأشبه كسر قصبة الأنف (والثاني) فيها خمس من الإبل لأنه لو أوضح وهشم لوجب عشر خمس في الإيضاح وخمس في الهشم فإذا وجد أحدهما وجب خمس كالإيضاح وحده (فصل) فإن أوضحه موضحتين هشم العظم في كل واحدة منهما واتصل الهشم في الباطن فهما

ص: 626

هاشمتان لأن الهشم إنما يكون تبعاً للإيضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة فإنها ليست تبعاً لغيرها فافترقا (مسألة)(ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها وفيها خمس عشرة من الإبل) المنقلة زائدة على الهاشمة وهي التي تكسر العظام وتزيلها عن مواضعها فيحتاج الى نقل العظم ليلتئم وفيها خمس عشرة من الإبل بإجماع من أهل العلم حكاه ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل " وفي تفصيلها ما في تفصيل الموضحة والهاشمة على ما مضى (مسألة)(ثم المأمومة وهي التي تصل الى جلدة الدماغ وتسم أم الدماغ وتسمى المأمومة آمة) قال ابن عبد البر أهل العراق يقولون الآمة وأهل الحجاز المأمومة وهي الجراحة الواصلة الى أم الدماغ وهي جلدة فيها الدماغ تسمى أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه فإذا وصلت الجراحة اليها سميت آمة ومأمومة وأرشها ثلث الدية في قول عامة أهل العلم إلا مكحولاً فإنه قال إن كانت عمداً ففيها ثلثا الدية وإن كانت خطأ ففيها ثلثها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم " وفي المأمومة ثلث الدية " وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وروي نحوه عن علي ولأنها شجة فلم يختلف ارشها بالعمد والخطأ في المقدار كسائر

ص: 627

الشجاج، ثم الدامغة وهي التي تجرح الجلد ففيها ما في المأمومة، قال القاضي لم يذكر أصحابنا الدامغة لمساواتها المأمومة في ارشها وقيل فيها مع ذلك حكومة لخرق جلدة الدماغ ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب (فصل) فإن أوضحه رجل ثم هشمه الثاني ثم جعلها الثالث منقلة ثم جعلها الرابع مأمومة فعلى الأول ارش موضحة وعلى الثاني خمس تمام أرش الهاشمة وعلى الثالث خمس تمام أرش المنقلة وعلى الرابع ثمانية عشر وثلث تمام أرش المأمومة (فصل) وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل الى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر او نحر وهذا قول عامة أهل العلم منهم أهل المدينة والكوفة وأهل الحديث وأصحاب الرأي إلا مكحولاً قال فيها في العمد ثلثا الدية ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم " وفي الجائفة ثلث الدية " وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ولانهما جراحة فيها مقدر فلم يختلف قدر ارشها بالعمد والخطأ كالموضحة ولا نعلم في جراح البدن الحالية عن قطع الأعضاء وكسر العظام مقدراً غير الجائفة، وذكر ابن عبد البر ان مالكا وأبا حنيفة والشافعي والتى واصحابهم اتفقوا على أن الجائفة لا تكون إلى في الجوف وقال ابن القاسم الجائفة ما أفضى الى الجوف ولو بمغرز إبرة

ص: 628

(فصل) وإن أجافه جائفتين بينهما حاجز فعليه ثلثا الدية وان خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا جائفة واحدة فيها ثلث الدية لا غير، وإن خرق ما بينهما اجنبي او المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها ويسقط ما قابل فعل المجني عليه، وإن احتاج الى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره أو خرقها ولي المجني عليه لذلك أو الطبيب بأمره فلا شئ عليه في خرق الحاجز وعلى الأول ثلثا الدية (مسألة)(وإن خرقه من جانب فخرج من الجانب الآخر فهي جائفتان) هذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء وقتادة ومجاهد ومالك والشافعي وأصحاب الرأي قال

ابن عبد البر لا أعلمهم يختلفون في ذلك وحكي عن بعض أصحاب الشافعي أنه قال هي جائفة واحدة وحكي أيضاً عن أبي حنيفة لأن الجائفة هي التي تنفذ من ظاهر البدن الى الجوف وهذه الثانية انما نفذت من الباطن الى الظاهر ولنا ما روى سعيد بن المسيب ان رجلاً رمى رجلاً بسهم فأنفذه فقضى ابو بكر رضي الله عنه بثلثي الدية ولا مخالف له فيكون إجماعاً أخرجه سعيد بن منصور في سننه وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر رضي الله عنه قضى في الجائفة إذا نفذت الى الجوف بأرش جائفتين ولأنه أنفذه من موضعين فكان جائفتين كما لو أنفذه بضربتين، وما ذكروه لا يصح فإن الاعتبار بوصول الجرح الى

ص: 629

الجوف لا بكيفية ايصاله إذ لا أثر لصورة لفعل مع التساوي في المعنى ولأن ما ذكروه من الكيفية ليس بمذكور في خبر وانما الغالب والعادة وقوع الجائفة هكذا فلا يعتبر كما أن العادة والغالب حصولها بالحديد ولو حصلت بغيره لكانت جائفة ثم ينتقض ما ذكروه بما لو أدخل يده في جائفة انسان فخرق بطنه من موضع آخر فإنه يلزمه أرش جائفة بغير خلاف نعلمه ولذلك يخرج فيمن أوضح إنساناً في رأسه ثم أخرج رأس السكين من موضع آخر فهي موضحتان وإن هشمه هاشمة لها مخرجان فهي هاشمتان وكذلك ما أشبهه (فصل) فإن أدخل اصبعه في فرج بكر فأذهب بكارتها فليس بجائفة لأن ذلك ليس بجوف (مسألة)(وان طعنه في خده فوصل إلى فيه ففيه حكومة) لأن باطن الفم حكمه حكم الظاهر لا حكم الباطن ويحتمل أن تكون جائفة لان جرح وصل الى جوف مجوف فأشبه ما لو وصل إلى البطن (فصل) فإن طعنه في وجنته فكسر العظم ووصل الى فيه فليس بجائفة لما ذكرنا وقال الشافعي في أحد قوليه هو جائفة لأنه قد وصل الى جوف وقد ذكرنا أن باطن الفم في حكم الظاهر بخلاف الجوف، فعلى هذا يكون عليه دية هاشمة لكسر العظم وفيما زاد حكومة، وان جرحه في أنفه فأنفذه فهو كما لو جرح في وجنته فأنفذه الى فيه في الحكم والخلاف، وان جرحه في ذكره فوصل الى مجرى البول من الذكر فليس بجائفة لأنه ليس بجوف يخاف التلف من الوصول إليه بخلاف غيره

(مسألة)(وإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه او أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك)

ص: 630

إذا جرحه في فخذه ومد السكين حتى بلغ الورك فأجافه فيه أو جرح الكتف ومد السكين حتى بلغ الصدر فأجافه فيه فعليه أرش الجائفة وحكومة في الجرح لأن الجرح في غير موضع الجائفة فانفردت بالضمان كما لو لم يكن معها جائفة، وأن أوضحه فوصل الى قفاه فعليه دية موضحة لأنه أوضحه وعليه حكومة لجرح القفا كما لو انفرد (مسألة)(وان أجافه ووسع آخر الجرح فهما جائفتان وعلى كل واحد منهما أرش جائفة) لأن فعل كل واحد منهما لو انفرد كان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه الى فعل غيره لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره، وإن وسعها الطبيب بإذنه أو إذن وليه فلا شئ عليه (مسألة)(وإن وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة) لأن جنايته لم تبلغ الجائفة (فصل) وإن أدخل السكين في الجائفة ثم أخرجها عزر ولا شئ عليه وإن خاطها فجاء آخر فقطع الخيط وأدخل السكين فيها قبل أن تلتحم عزر أشد من التعزير الذي قبله وغرم ثمن الخيوط وأجر الخياط ولم يلزمه أرش جائفة لأنه لم يجفه (مسألة)(وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى عليه أرشها) لأنه عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح وان التحم بعضها دون بعض ففتق ما التحم فعليه أرش جائفة لما ذكرنا، وإن فتق غير ما التحم فليس عليه أرش الجائفة وحكمه حكم من فعل مثل فعله قبل

ص: 631

أن يلتحم منها شئ، وان فتق بعض ما التحم في الظاهر دون الباطن أو الباطن دون الظاهر فعليه حكومة كما لو وسع جرحه كذلك (فصل) ومن وطئ زوجته وهي صغيرة ففتقها لزمه ثلث الدية، ومعنى الفتق خرق ما بين مسلك البول والمني وقيل بل معناه خرق ما بين القبل والدبر إلا ان هذا بعيد لأنه يبعد أن يذهب بالوطئ

ما بينهما من الحاجز فإنه حاجز غليظ قوي.

والكلام في ذلك في أمرين (احدهما) في أصل وجوب الضمان (والثاني) في قدره أما الأول فإن الضمان إنما يجب بوطئ الصغيرة أو النحيفة التي لا تحمل الوطئ دون الكبيرة التحملة له وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي يجب الضمان في الجميع لأنه جناية فيجب الضمان به كما لو كان في أجنبية ولنا أنه وطئ مستحق فلم يجب ضمان ما تلف به كالبكارة ولأنه فعل مأذون فيه ممن يصح إذنه فلم يضمن ما تلف بسرايته كما لو أذنت في مداواتها بما يفضي إلى ذلك، وكقطع السارق واستيفاء القصاص وعكسه الصغيرة والمكرهة على الزنا.

إذا ثبت هذا فإنه يلزمه المهر المسمى في النكاح مع أرش الجناية ويكون أرش الجناية في ماله إن كان عمداً محضاً وهو أن يعلم أنها لا تطيقه وإن وطأه يفضيها، فأما ان علم ذلك وكان مما يحتمل أن لا يفضي اليه فهو عمد الخطأ فيكون عاقلته إلا على قول من قال إن العاقلة لا تحمل عمد الخطأ فيكون في ماله (الثاني) في قدر الواجب وهو ثلث الدية وبه قال قتادة

ص: 632

وأبو حنيفة وقال الشافعي تجب الدية كاملة وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز لأنه أتلف منفعة الوطئ فلزمته الدية كما لو قطع إسكتيها ولنا ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في الإفضاء بثلث الدية ولم نعرف له في الصحابة مخالفاً ولأن هذه جناية تخرق الحاجز بين مسلك البول والذكر فكان موجبها ثلث الدية كالجائفة ولا نسلم أنها تمنع الوطئ وأما قطع الإسكتين فإنما أوجب الدية لأنه قطع عضوين فيهما نفع وجمال فأشبه الشفتين (فصل) فإن استطلق بولها مع ذلك لزمته دية من غير زيادة وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي تجب دية وحكومة لأنه فوت منفعتين فلزمه أرشهما كما لو فوت كلامه وذوقه ولنا أنه إتلاف عضو واحد لم يفت غير منافعه فلم يضمنه بأكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب ذوقه وكلامه وما قاله لا يصح لأنه لو أوجب دية المنفعتين لأوجب ديتين لأن استطلاق البول موجب لدية والإفضاء عنده موجب للدية منفرداً ولم يقل به وإنما أوجب الحكومة ولم يوجد مقتضيها فإنا لا نعلم أحدا أوجب في الإفضاء حكومة فإن اندمل الحاجز وانسد وزال الافضاء لم يحدث ثلث

الدية ووجبت حكومة لجبر ما حصل من النقص

ص: 633

(فصل) وإن أكره امرأة على الزنا فأفضاها لزمه ثلث ديتها ومهر مثلها لانه حصل بوطئ غير مستحق ولا مأذون فيه فلزمه ضمان ما تلف به كسائر الجنايات وهل يلزمه أرش البكارة مع ذلك؟ فيه روايتان (إحداهما) لا يلزمه لأن أرش البكارة داخل في مهر المثل فإن مهر البكر أكثر من مهر الثيب فالتفاوت بينهما هو أرش عوض البكارة فلم يضمنه مرتين كما في حق الزوجة (والثانية) يضمنه لأنه محل اتلفه بعدوانه فلزمه أرشه كما لو أتلفه بأصبعه فأما المطاوعة على الزنا إذا كانت كبيرة ففتقها فلا ضمان عليه في فتقها وقال الشافعي يضمن لأن المأذون فيه الوطئ دون الفتق فأشبه كما لو قطع يدها ولنا أنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه فلم يضمنه كأرش بكارتها ومهر مثلها وكما لو أذنت في قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها وفارق ما إذا أذنت في وطئها فقطع يدها لأن ذلك ليس من المأذون فيه ولا من ضرورته.

(فصل) وإن وطئ امرأة بشبهة فافضاها فعليه أرش إفضائها مع مهر مثلها لأن الفعل إنما أذن فيه اعتقاداً أن المستوفي له هو المستحق فإذا كان غيره ثبت في حقه وجوب الضمان لما أتلف كما لو أذن في أخذ الدين لمن يعتقد أنه مستحقه فبان أنه غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجب لها أكثر الأمرين من مهر مثلها أو أرش إفضائها لأن الإرش لإتلاف العضو فلا يجمع بين ضمانه وضمان منفعته كما لو قلع عيناً

ص: 634

ولنا أن هذه جناية تنفك عن الوطئ فلم يدخل بدله فيها كما لو كسر صدرها وما ذكره غير صحيح فإن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع والأرش يجب لإتلاف الحاجز فلا تدخل المنفعة فيه (فصل) وإن استطلق بول المكرهة على الزنا والموطوءة بشبهة مع افضائها فعليه ديتهما والمهر وقال أبو حنيفة في الموطوءة بشبهة لا يجمع بينهما ويجب أكثرهما وقد سبق الكلام معه في ذلك (فصل) وفي الضلع بعير وفي الترقوتين بعيران روى سعيد عن مطر عن قتادة عن سليمان بن عمر

وسفيان عن زيد بن أسلم عن أسلم عن عمر في الضلع جمل والترقوة جمل وقال الخرقي في الترقوة بعيران فظاهر قوله أن في كل ترقوة بعيرين فيكون في الترقوتين أربعة أبعرة وهذا قول زيد بن ثابت والترقوة العظم المستدير حول العنق من النحر الى الكتف ولكل واحد ترقوتان وقال القاضي المراد بقول الخرقي الترقوتان معاً وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق فيكون في كل ترقوة بعير وهذا قول عمر رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الملك بن مروان وسعيد بن جبير وقتادة وإسحاق وهو قول للشافعي والمشهور من قوله عند أصحابه ان في كل واحد مما ذكرنا حكومة وهو قول مسروق وأبي حنيفة ومالك وابن المنذر لأنه عظم باطن لا يختص بجمال ومنفعة فلم يجب فيه أرش مقدر كسائر أعضاء البدن ولأن التقدير إنما يكون بتوقيف أو قياس صحيح وليس في هذا توقيف ولا قياس وروي عن الشعبي أن في الترقوة أربعين ديناراً وقال عمرو بن

ص: 635

شعيب في الترقوتين الدية وفي احداهما نصفها لأنهما عضوان ومنفعة وليس في البدن غيرهما من جنسهما فكملت فيها الدية كاليدين ولنا قول عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وما ذكروه ينتقض بالهاشمة فإنها كسر عظام باطنة وفيها مقدر ولا يصح قولهم إنها لا تختص بجمال ومنفعة فإن جمال هذه العظام ونفعها لا يوجد في غيرها ولا مشارك لها فيه وأما قول عمرو بن شعيب فمخالف للإجماع فإنا لا نعلم أحداً قبله ولا بعده وافقه فيه (مسألة)(وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والساق بعيران) قال القاضي في الزند أربعة أبعرة لأن فيها اربعة عظام ففي كل عظم بعير وهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي فيه حكومة لما تقدم ولنا ما روى سعيد ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب الى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب اليه عمر ان فيه بعيرين، وإذا كسر الزندين ففيهما أربعة من الإبل ورواه أيضاً من طريق آخر مثل ذلك وهذا لم يظهر له مخالف في الصحابه فكان إجماعاً (فصل) ولا مقدر في غير هذه العظام في ظاهر قول الخرقي وهو قول أكثر أهل العلم وقال

القاضي في عظم الساق بعيران وفي الساقين أربعة أبعرة وفي الفخذ بعيران وفي الفخذين أربعة أبعرة فهذه تسعة عظام فيها مقدر الضلع والترقوتان والزندان والساقان والفخذان وما عداهما لا مقدر فيه

ص: 636

وقال ابن عقيل وابو الخطاب وجماعة من أصحاب القاضي في كل واحد من الذراع والعضد بعيران وزاد ابو الخطاب عظم القدم لما روى سليمان بن يسار ان عمر قضى في الذراع والفخذ والساق والزند إذا كسر واحد منهما فجبر ولم يكن به دحور يعني عوجاً بعير وإن كان فيها دحور فبحساب ذلك وهذا الخبر ان صح فهو مخالف لما ذهبوا اليه فلا يصلح دليلاً عليه قال شيخنا: والصحيح إن شاء الله أنه لا تقدير في غير الخمس الضلع والترقوتين والزندين لأن التقدير إنما يثبت بالتوقيف ومقتضى الدليل وجوب الحكومة في هذه العظام الباطنة كلها وإنما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر رضي الله عنه ففي ما عداه يبقى على مقتضى الدليل (مسألة)(وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه الحكومة) ولا نعلم فيها مخالفاً، وان خالف فيها أحد فهو قول شاذ لا يستند الى دليل يعتمد عليه ولا يصار اليه وخرزة الصلب ان أريد بها كسر الصلب ففيه الدية وقال القاضي فيه حكومة وهو مذهب الشافعي وقد ذكرناه (مسألة)(والحكومة ان يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص فله مثله من الدية فإن كان قيمته وهو صحيح عشرون وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته)

ص: 637

وهذا الذي ذكره في تفسير الحكومة قول أهل العلم لا نعلم بينهم فيه خلافاً، وبه قال الشافعي والعنبري وأصحاب الرأي وغيرهم، قال إبن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن معنى قولهم حكومة أن يقال اذا أصيب الإنسان بجرح لا عقل له معلوم كم قيمة هذا الجرح لو كان عبداً لم يجرح هذا الجرح؟ فإذا قيل مائة دينار قيل وكم قيمته وقد أصابه هذا الجرح وانتهى برؤه؟ قيل خمسة وتسعون فالذي يجب على الجاني نصف عشر الدية وان قالوا تسعون فعشر الدية وان زاد أو نقص فعلى هذا المثال وإنما كان كذلك لأن جملته مضمونة بالدية فأجزاؤه مضمونة منها كما أن البيع لما كان مضموناً على البائع بالثمن كان

أرش عيبه مقدراً من الثمن فيقال كم قيمته لا عيب فيه؟ فإذا قالوا عشرة فيقال كم قيمته وفيه العيب؟ فإذا قيل تسعة علم أنه نقص عشر قيمته فيجب ان يرد من الثمن عشرة أي قدر كان ونقدره عبداً ليمكن تقويمه ويجعل العبد اصلاً للحر فيما لا موقت فيه والحر أصلا للعبد فيما فيه توقيت في المشهور من المذهب.

(مسألة) إلا أن يكون في شئ فيه مقدر فلا يبلغ به أرش المقدر فإن كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة فلو جرحه في وجهه سمحاقاً فنقصته عشر قيمته فمقتضى الحكومة وجوب عشر من الإبل ودية الموضحة خمس)

ص: 638

فههنا يعلم غلظ المقوم لأن الجراحة لو كانت موضحة لم يزد على خمس مع أنها سمحاق وزيادة عليها فلأن لا يجب في بعضها زيادة على خمس أولى وهذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك انه يجب ما تخرجه الحكومة كائناً ما كان لأنها جراحة لا مقدر فيها فوجب فيها ما نقص كما لو كانت في سائر البدن ولنا أنها بعض الموضحة لأنه لو أوضحه لقطع ما قطعته هذه الجراحة ولا يجوز أن يجب في بعض الشئ أكثر مما يجب فيه ولأن الضرر في الموضحة أكبر والشين أعظم والمحل واحد فإذا لم يزد أرش الموضحة على خمس كان ذلك تنبيهاً على أن لا يزاد ما دونها عليها واما سائر البدن فما كان فيه موقت كالأعضاء والعظام المعلومة والجائفة فلا يزاد جرح عظم على ديته مثاله جرح أنملة فبلغ أرشها بالحكومة خمساً من الإبل فإنه يرد الى دية الأنملة وإن كان في اصبع فبلغ ما زاد على العشر بالحكومة رد الى العشر وإن جنى عليه في جوفه دون الجائفة لم يزد على أرش الجائفة وما لم يكن كذلك وجب ما أخرجته الحكومة لأن المحل مختلف فإن قيل فقد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ووجب في منافع اللسان أكثر من الواجب فيه قلنا إنما وجبت دية النفس دية عن الروح وليست الأطراف بعضها بخلاف مسئلتنا هذا ذكره القاضي ويحتمل كلام الخرقي إن يختص امتناع الزيادة بالرأس والوجه لقوله إلا أن تكون الجناية في وجه أو رأس فلا يجاوز به أرش الموقت

ص: 639

(فصل) إذا خرجت الحكومة في شجاج الرأس التي دون الموضحة قدر أرش الموضحة أو زيادة عليه فظاهر كلام الخرقي أنه يجب أرش الموضحة وقال القاضي يجب أن ينقص عنها شيئاً على حسب ما يؤدي اليه الاجتهاد وهذا مذهب الشافعي وهو الذي ذكره شيخنا في كتاب الكافي المقنع لئلا يجب في بعضها ما يجب في جميعها ووجه قول الخرقي أن مقتضى الدليل وجوب ما اخرجته الحكومة وانما سقط الزائد على أرش الموضحة لمخالفته النص أو تنبيه النص ففيما لم يزد يجب البقاء على الأصل ولأن ما ثبت بالتنبيه يجوز ان يساوي المنصوص عليه في الحكم ولا يلزم ان يزيد عليه كما انه لما نص على وجوب فدية الأدنى في حق العذور لم يلزم زيادتها في حق من لا عذر له ولا يمنع أن يجب في البعض ما يجب في الكل بدليل وجوب دية الأصابع مثل دية اليد كلها وفي حشفة الذكر مثل ما في جميعه فإن قيل هذا وجب بالتقدير الشرعي لا بالتقويم قلنا إذا ثبت الحكم بنص الشارع لم يمتنع ثبوت مثله بالقياس عليه والاجتهاد ما يؤدي إليه وفي الجملة فالحكومة دليل على ترك العمل بها في الزائد لمعنى مقصود في المساوي فيجب العمل بها لعدم المعارض ثم وان صح ما ذكروه فينبغي أن ينقص ادنى ما تزول به المساواة المحدودة ويجب الباقي عمد بالدليل الموجب له (فصل) ولا يكون التقويم إلا بعد برء الجرح لأن ارش الجرح المقدر أنما يستقر بعد برئه (مسألة) فإن كانت الجراحة مما لا تنقص شيئاً بعد الاندمال مثل ان قطع اصبعاً زائدة أو يداً او

ص: 640

قطع لحية امرأة فلم ينقصه ذلك بل زاده حسناً فالجاني محسن بجنايته فلم يضمن كما لو قطع سلعة أو تؤلولا أو بط خراجا ويحتمل أن يضمن قال القاضي نص أحمد على هذا لأن هذا جزء من مضمون فلم يعر عن ضمان كما لو اتلف مقدر الأرش فزاد به جمالاً أو لم ينقصه شيئاً، فعلى هذا يقوم في أقرب الأحوال الى البرء لأنه لما سقط اعتبار قيمته بعد برئه قوم في أقرب الأحوال اليه كولد المغرور لما تعذر تقويمه في البطن قوم عند الوضع لأنه أقرب الأحوال التي أمكن تقويمه الى كونه في البطن (مسألة)(فإن لم ينقص في تلك الحال قوم حال جريان الدم) لانه لابد من نقص للخوف عليه ذكره القاضي ولأصحاب الشافعي وجهان كما ذكرنا وتقوم

لحية المرأة كأنها لحية رجل في حال تنقصه ذهاب لحية وان أتلف سناً زائدة قوم وليست له سن زائدة ولا خلفها اصلية ثم يقوم وقد ذهبت الزائدة فإن كانت المرأة اذا قدرناها ابن عشرين نقصها ذهاب

ص: 641

لحيتها يسيراً وإن قدرناها ابن اربعين نقصها كثيراً قدرناها ابن عشرين لأنه أقرب الأحوال الى حال المجني عليه فأشبه تقويم الجرح الذي لا ينقص بعد الاندمال فإننا نقرمه في أقرب أحوال النقص الى حال الاندمال والأول أصح إن شاء الله تعالى فإن هذا لا مقدر فيه ولم ينقص شيئاً فأشبه الضرب وتضمين النقص الحاصل حال جريان الدم إنما هو تضمين الخوف عليه وقد زال فأشبه ما لو لطمه فاصفر وجه حالة اللطمة أو احمر ثم زال وتقدير المرأة رجلاً لا يصح لأن اللحية زين للرجل وعيب في المرأة وتقدير ما يعيب بما يزين لا يصح وكذلك تقدير السن في حالة يراد زوالها بحالة يكره لا يجوز فإن الشئ يقدر بنظيره ويقاس على مثله لا على ضده ومن قال بهذا الوجه فإنما يوجب أدنى ما يمكن ايجابه وهو أقل نقص يمكن تقديره (فصل) فإن لطمه على وجهه فلم يؤثر في وجهه فلا ضمان لأنه لم ينقص به جمال ولا منفعة ولم يكن له حال ينقص فيها فلم يضمنه كما لو شتمه

ص: 642

(باب العاقلة وما تحلمه)(عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه وعنه أنهم من العاقلة أيضاً) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في العاقلة فروي عنه أنهم جميع العصبات من النسب والولاء يدخل فيهم الآباء والأبناء والإخوة وسائر العصبات من العمومة وأبنائهم اختاره أبو بكر والشريف أبو جعفر، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، رواه أبو داود ولأنهم عصبة فأشبهوا سائر العصبات، يحققه ان العقل

موضوع على التناصر وهم من أهله ولأن العصبة في تحمل العقل كهم في الميراث في تقديم الأقرب فالأقرب وأبناؤه وآباؤه أحق العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله، وفيه رواية ثانية أن الآباء والأبناء ليسوا من العاقلة وهو قول الشافعي لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم متفق عليه وفي رواية ثم ماتت القاتلة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها لبنيها والعقل

ص: 643

على العصبة وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلتها وبرأ زوجها وولدها قال فقالت عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ميراثها لزوجها وولدها " رواه أبو داود.

إذا ثبت هذا في الأولاد قسنا عليه الوالد لانه معناه ولأن مال ولده ووالده كما له ولهذا لم تقبل شهادتهم له ولا شهادته لهم ووجب على كل واحد منهم الإنفاق على الآخر إذا كان محتاجاً والآخر موسراً فلا يجب في ماله دية كما لو تجب في مال القاتل وفيه رواية ثالثة أن الإخوة ليسوا من العاقلة كالوالد والولد وهي ظاهر كلام الخرقي، وغيره من اصحابنا يجعلونهم من العاقلة بكل حال ولا نعلم عن غيرهم خلافهم (فصل) فإن كان الولد ابن ابن عم أو كان الوالد والولد، مولى أو عصبة مولى فإنه يعقل في ظاهر كلام أحمد قاله القاضي وقال أصحاب الشافعي لا يعقل لأنه والد وولد فلم يعقل كما لو لم يكن كذلك ولنا أنه ابن ابن عم أو مولى فيعقل كما لو لم يكن ولداً وذلك لأن هذه القرابة أو الولاء سبب يستقل بالحكم منفردا فإذا وجد مع ما لا يثبت الحكم أثبته كما لو وجد مع الرحم المجرد ولأنه يثبت حكمه في القرابة الأخرى بدليل أنه يلي نكاحها مع أن الابن لا يلي النكاح عندهم.

(فصل) وسائر العصبات من العاقلة بعدوا أو قربوا من النسب والمولى وعصبته وبهذا قال عمر ابن عبد العزيز والنخعي وحماد ومالك والشافعي ولا أعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنهم عصبة يرثون المال إذا لم يكن وارث اقرب منهم فيدخلون في العقل كالقريب، ولا يعتبر ان يكونوا وارثين في الحال بل

ص: 644

متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية بين عصبة المرأة من كانوا لا يرثون

منها إلا ما فضل عن ورثتها ولأن الموالي من العصبات فأشبهوا المناسبين.

(فصل) العاقلة من يحمل العقل والعقل الدية سميت عاقلة لأنها تعقل لسان ولي المقتول وقيل إنما سميت العاقلة لأنهم يمنعون عن القاتل والمنع العقل ولهذا سمي بعض العلوم عقلاً لأنه يمنع من الإقدام من المضار، ولا خلاف بين أهل العلم في أن العاقلة العصبات وان غيرهم من الإخوة من الأم وسائر ذوي الأرحام والزوج وكل من عد العصبات ليسوا من العاقلة ولا يعقل المولى من أسفل وبه قال أبو حنيفة واصحاب مالك وقال الشافعي في أحد قوليه يعقل لأنهما شخصان يعقل أحدهما صاحبه فيعقل الآخر عنه كالآخرين ولنا أنه ليس بعصبة له ولا وارث فلم يعقل عنه كالأجنبي وما ذكروه يبطل بالذكر مع الانثى والصغير مع الكبير والعاقل مع المجنون (فصل) ولا يعقل مولى الموالاة وهو الذي يوالي رجلاً يجعل له ولاءه ونصرته، ولا الحليف وهو الرجل يحالف آخر على أن يتناصرا على دفع الظلم ويتضافرا على من قصدهما او قصد أحدهما ولا العديد وهو الذي لا عشيرة له ينضم الى العشيرة فيعد نفسه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يعقل مولى الموالاة ويرث وقال مالك إذا كان الرجل في غير عشيرته فعقله على القوم الذين هو معهم

ص: 645

ولنا أنه معنى يتعلق بالتعصيب فلا يستحق بذلك كولاية النكاح (فصل) ولا مدخل لأهل الديوان في العاقلة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يتحملون جميع الدية فإن عدموا فالاقارب حنيئذ يعقلون لأن عمر رضي الله عنه جعل الدية على اهل الديوان في الأعطية الى ثلاث سنين.

ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على عصبة القاتلة ولانه معنى لا يستحق به الميراث فلم يحمل به العقل كالجوار واتفاق المذاهب وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم أولى من قضاء عمر على أنه صح ما ذكر عنه فيحتمل انهم كانوا عشيرة القاتل.

(مسألة)(وليس على فقير ولا صبي ولا زائل العقل ولا امرأة ولا خنثى مشكل ولا رقيق ولا مخالف لدين الجاني حمل شئ من الدية وعنه أن الفقير يحمل من العقل)

أكثر أهل العلم على أنه لا مدخل لأحد من هؤلاء في تحمل العقل قال إبن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة والصبي الذي لم يبلغ لا يعقلان مع العاقلة واجمعوا على الفقير لا يلزمه شئ وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وحكى بعض اصحابنا عن مالك وأبي حنيفة أن للفقير مدخلاً في التحمل وعن أحمد مثل ذلك وحكاها ابو الخطاب لأنه من أهل النصرة فكان من العاقلة كالنثي، والصحيح الأول لأن تحمل العقل مواساة فلا تلزم الفقير

ص: 646

كالزكاة ولأنها وجبت على العاقلة تخفيفاً على العاقل فلا يجوز التثقيل بها على من لا جناية منه وفي إيجابها على الفقير تثقيل عليه وتكليف له ما لا يقدر عليه ولأننا اجمعنا على أنه لا يكلف أحد من العاقلة ما يثقل عليه ويجحف به وتحميل الفقير شيئاً منها يثقل عليه ويجحف بماله وربما كان الواجب عليه جميع ماله أو أكثر منه أو لا يكون له شئ اصلاً، واما الصبي والمجنون والمرأة فلا يحملون منها لأن فيها معنى التناصر وليس هم من أهل النصرة وكذلك المخالف في الدين ليس هو من أهل النصرة أيضاً (مسألة)(ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر) وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك يختص به الحاضر لأن التحمل بالنصرة وانما هي من الحاضرين ولأن في قسمه على الجميع مشقة وعن الشافعي كالمذهبين ولنا الخبر وانهم استووا في التعصيب والإرث فاستووا في تحمل العقل كالحاضرين ولأنه معنى يتعلق بالتعصيب فاستوى فيه الحاضر والغائب كالميراث والولاية (فصل) ويعقل المريض اذا لم يبلغ حد الزمانة، والشيخ اذا لم يبلغ حد الهرم لأنهما من اهل النصرة والمواساة، وفي الزمن والشيخ والفاني وجهان (أحدهما) لا يعقلان لأنهما ليسا من أهل النصرة ولهذا لا يجب عليهما الجهاد ولا يقنلان اذا كانا من أهل الحرب، وكذلك يخرج في الأعمى لأنه مثلهما في هذا المعنى (والثاني) يعقلون لأنهم من أهل المواساة ولهذا تجب عليهم الزكاة وهذا منتقض بالصبي والمجنون ومذهب الشافعي كمذهبنا

ص: 647