المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة) (وخطأ الإمام والحاكم في احكامه في بيت المال وعنه على عاقلته) - الشرح الكبير على المقنع - ط المنار - جـ ٩

[ابن أبي عمر]

الفصل: ‌(مسألة) (وخطأ الإمام والحاكم في احكامه في بيت المال وعنه على عاقلته)

(مسألة)(وخطأ الإمام والحاكم في احكامه في بيت المال وعنه على عاقلته)

لأن خطأه يكثر في احكامه فإيجاب ما يجب به على عاقلته يجحف بهم، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة واسحاق ولأن الإمام والحاكم نائب عن الله تعالى في احكامه وأفعاله فكان أرش جنايته في مال الله سبحانه وللشافعي قولان كالروايتين وفيه رواية أخرى أنه يجب على عاقلته لما روي أن عمر رضي الله عنه بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت يا ويلها ما لها ولعمر فأسقطت ولداً فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار بعضهم ان ليس عليك شئ إنما أنت وال ومؤدب فقال علي إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأوا رأيهم وإن كانوا في هواك فلم ينصحوا لك ان ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته فقال عمر أفسمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك (مسألة)(وهل يتعاقل أهل الذمة؟ على روايتين)(إحداهما) يتعاقلون قياساً على المسلمين لأن قرابتهم تقتضي التوريث فاقتضت التعاقل كالمسلمين ولأن دياتهم ديات أحرار معصومين فأشبهت ديات المسلمين (والثانية) لا يتعاقلون لأن حمل العاقلة ثبت على خلاف الأصل لحرمة قرابة المسلمين فلا يقاس عليهم غيرهم لانهم لا يساوونهم في الحرمة (مسألة)(ولا يعقل حربي عن ذمي ولا ذمي عن حربي)

ص: 648

لأنه لا يرث بعضهم من بعض فلا يعقل بعضهم عن بعض كغير العصبات وفي الميراث احتمال أنهما يتوارثان فيخرج في التعاقل مثل ذلك ولا يعقل يهودي عن نصراني ولا نصراني عن يهودي لأنه لا موالاة بينهم وهم أهل ملتين مختلفتين ويحتمل أن يتعاقلا بناء على الروايتين في توارثهما فإن تهود نصراني أو تنصر يهودي وقلنا إنه يقر عقل عنه عصبته من أهل الدين الذي انتقل اليه وهل يعقل عنه الذين انتقل عن دينهم؟ على وجهين وإن قلنا لا يقر لم يعقل عنه أحد لأنه كالمرتد والمرتد لا يعقل عنه أحد لأنه ليس بمسلم فيعقل عنه المسلمون ولا ذمي فيعقل عنه أهل الذمة فتكون جنايته في ماله وكذلك كل من لا تحمل عاقلته جنايته يكون موجبها في ماله كسائر الجنايات التي لا تحملها العاقلة

(مسألة)(ومن لا عاقلة له أو لم يكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه ان كان ذمياً) لأن بيت المال لا يعقل عنه وإن كان مسلماً ففيه روايتان (إحداهما) يؤدى عنه من بيت المال وهو مذهب الزهري والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر من بيت المال وروي ان رجلاً قتل في زحام في زمن عمر فلم يعرف قاتله فقال علي لعمر يا أمير المؤمنين لا يطل دم امرى مسلم فأدى ديته من بيت المال ولأن المسلمين يرثون من لا وارث

ص: 649

له فيعقلون عنه عدم عاقلته كعصباته ومواليه (والثانية) لا يجب ذلك لأن بيت المال فيه حق النساء والصبيان والمجانين والفقراء ومن لا عقل عليه فلا يجب صرفه فيما لا يجب عليهم ولأن العقل على العصبات وليس بيت المال عصبة ولا هو لعصبة هذا فأما قتيل الأنصار فغير لازم لأن ذلك قتيل اليهود وبيت المال لا يعقل عن الكفار بحال وانما النبي صلى الله عليه وسلم تفضل بذلك عليهم وقولهم إنهم يرثونه قلنا ليس صرفه الى بيت المال ميراثاً بل هو فبئ ولهذا يؤخذ مال من لا وارث له من أهل الذمة الى بيت المال ولا يرثه المسلمون ثم ان العقل لا يجب على الوارث إذا لم يكن عصبة ويجب على العصبة وإن لم يكن وارثاً فعلى الرواية الأولى إذا لم يكن له عاقلته أديت الدية كلها عنه من بيت المال وإن كان له عاقلة لا تحمل الجميع أخذ الباقي من بيت المال وهل يؤدى من بيت المال دفعة واحدة أو في ثلاث سنين؟ على وجهين (أحدهما) في ثلاث سنين كما يؤخذ من العاقلة (والثاني) يؤدى دفعة واحدة وهو الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدى دية الأنصاري دفعة واحدة وكذلك عمر ولأن الدية بدل متلف لا تؤديه العاقلة فيجب كله في الحال كسائر ابدال المتلفات وإنما أجل على العاقلة تخفيفاً عنهم ولا حاجة الى ذلك في بيت المال ولهذا يؤدى الجميع.

(فصل) فإن لم يكن الأخذ من بيت المال فليس على القاتل شئ وهذا أحد قولي الشافعي ولأن الدية لزمت العاقلة ابتداء بدليل أنها لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم ولا تجب على غير

ص: 650

من وجبت عليه كما لو عدم القاتل فإن الدية لا تجب على أحد كذا ههنا فعلى هذا إن وجد بعض العاقلة

حملوا بقسطهم وسقط الباقي فلا يجب على أحد قال شيخنا ويحتمل أن تجب في مال القاتل اذا تعذر حملها عنه وهذا القول الثاني للشافعي لعموم قوله تعالى (ودية مسلمة) إلى أهله ولأن قضية الدليل وجوبها على الجاني جبراً للمحل الذي فوته وأنما سقط عن القاتل لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل فإذا لم يوجد ذلك بقي واجباً عليه بمقتضى الدليل ولأن الأمر دائر بين ان يطل دم المقتول وبين ايجاب ديته على المتلف لا يجوز الأول لأن فيه مخالفة الكتاب والسنة وقياس أصول الشريعة فتعين الثاني ولأن إهدار الدم المضمون لا نظير له وايجاب الدية على قاتل الخطأ له نظائر وقد قالوا في المرتد تجب الدية في ماله لما لم يكن عاقلة والذمي الذي لا عاقلة له تلزمه الدية ومن رمى سهماً ثم أسلم أو كان مسلماً فارتد أو كان عليه الولاء لموالي امه فانجر الى موالي ابيه ثم اصاب سهمه انساناً فنقول قتيل في دار الإسلام معصوم تعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله كهذه الصور وهذا أولى من إهدار دماء الأحرار في غالب الأحوال فإنه لا يكاد يوجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال فتضيع الدماء وتفوت حكمة ايجاب الدية قولهم إن الدية تجب على العاقلة عنه ابتداء ممنوع وانما تجب على القاتل ثم تحملها العاقلة وان سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم اما مع عدمهم فلا يمكن القول بوجوبها عليهم ثم ما ذكروه منقوض بما أبديناه من الصور فعلى هذا تجب الدية على القاتل إن تعذر حمل جميعها أو باقيها إن حملت العاقلة بعضها

ص: 651

(فصل) ولو رمى ذمي صيداً ثم أسلم ثم أصاب السهم آدمياً فقتله لم يعقله المسلمون لأنه لم يكن مسلماً حال رميه ولا المعاهدون لأنه قتل مسلماً فتكون الدية في مال الجاني وهكذا لو رمى وهو مسلم ثم ارتد ثم قتل السهم انساناً لم يعقله أحد ولو جرح ذمي ذمياً ثم أسلم الجارح ومات المجروح وكان ارش جراحه يزيد على الثلث فعقله على عصبته من أهل الذمة وما زاد على ارش الجرح لا يحمله احد ويكون في مال الجاني لما ذكرنا فإن لم يكن أرش الجرح مما تحمله العاقلة فجيمع الدية على الجاني وكذلك الحكم اذا جرح مسلم ثم ارتد ويحتمل ان تحمل العاقلة الدية كلها في المسئلتين لأن الجناية وجدت وهو ممن تحمل العاقلة جنايته ولهذا وجب القصاص في المسألة الأولى اذا قتله عمداً ويحتمل أن لا تحمل العاقلة شيئاً لأن الأرش انما يستقر باندمال الجرح وسرايته.

(فصل) إذا تزوج عبد معتقه فاولدها أولاداً فولاؤهم لمولى أمهم فإن جنى أحدهم فالعقل على مولى أمه لأنه عصبته ووارثه فإن عتق ابوه ثم سرت الجناية أو رمى بسهم فلم يقع السهم حتى عتق ابوه لم يحمل عقله أحد لأن موالي الأم قد زال ولاؤهم عنه قبل قتله وموالي الأب لم يكن لهم عليه ولاء حال جنايته فتكون الدية عليه في ماله إلا أن يكون أرش الجرح مما تحمله العاقلة منفرداً فيخرج فيه مثل ما قلناه في المسألة التي قبلها.

(مسألة) (ولا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافاً ولا ما دون ثلث الدية ويكون

ص: 652

ذلك في مال الجاني حالاً إلا غرة الجنين إذا مات مع أمه فإن العاقلة تحملها مع دية امه وإن ماتا منفردين لم تحملهما العاقلة لنقصهما عن الثلث) وجملة ذلك أن العاقلة لا تحمل العمد سواء كان مما يجب القصاص فيه او لا يجب ولا خلاف في أنها لا تحمل دية ما تجب فيه القصاص وأكثر أهل العلم على أنها لا تحمل العمد بحال وحكي عن مالك أنها تحمل الجنايات التي لا قصاص فيها كالمأمومة والجائفة وهذا قول قتادة لأنها جناية لا قصاص فيها فأشبهت جناية الخطأ ولنا ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا " وروي عن ابن عباس موقوفاً ولم نعرف له في الصحابة مخالفاً فيكون إجماعاً ولأنها جناية عمد فلا تحملها العاقلة كالموجبة للقصاص وجناية الأب على ابنه ولأن حمل العاقلة انما يثبت في الخطأ لكون الجاني معذورا تخفيفاً عنه ومواساة له والعامد غير معذور فلا يستحق المواساة ولا التخفيف فلم يوجد فيه المقتضي وبهذا فارق العمد الخطأ ثم يبطل ما ذكروه بقتل الأب ابنه فإنه لا قصاص فيه ولا تحمله العاقلة (فصل) فإن اقتص بحديدة مسمومة فسرى الى النفس ففيه وجهان (أحدهما) تحمله العاقلة لأنه فسرى الى النفس ففيه وجهان (أحدهما) تحمله العاقلة لأنه ليس بعمد محض اشبه عمد الخطأ (والثانية) لا تحمله لأنه قتل بآلة يقتل مثلها غالباً فأشبه من له القصاص ولو وكل في استيفاء القصاص ثم عفى عنه فقتله الوكيل من غير علم بعفوه فقال القاضي لا تحمله العاقلة لأنه عمد قتله وقال أبو الخطاب تحمله لأنه لم يقصد الجناية ومثل هذا يعد خطأ بدليل ما لو قتل في

ص: 653

دار الحرب مسلماً يظنه حربياً فإنه عمد قتله وهو أحد نوعي الخطأ وهذا أصح ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) ولا تحمل العاقلة العبد يعني اذا قتل العبد قاتل وجبت قيمته في مال القاتل ولا شئ على عاقلته خطأ كان أو عمداً وهذا قول ابن عباس والشعبي والثوري ومكحول والنخعي والبتي ومالك والليث وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور وقال عطاء والزهري والحكم وحماد وأبو حنيفة تحمله العاقلة لأنه آدمي يجب بقتله القصاص والكفارة فحملت العاقلة بدله كالحر وعن الشافعي كالمذهبين ووافقنا أبو حنيفة في دية اطرافه ولنا حديث ابن عباس ولأن الواجب فيه قيمة تختلف باختلاف صفاته فلم تحمله العاقلة كسائر القيم ولأنه حيوان لا تحمل العاقلة دية أطرافه فلم تحمل الواجب في نفسه كالفرس (فصل) ولا تحمل الصلح ومعناه ان يدعى عليه القتل فينكره ويصالح المدعي على مال فلا تحمله العاقلة لأنه مال ثبت بمصالحته واختياره فلم تحمله العاقلة كالذي ثبت باعترافه وقال القاضي معناه أن يصالح الأولياء عن دم العمد الى الدية والتفسير الأول أولى لأن هذا عمد يستغنى عنه بذكر العمد وممن قال لا تحمل العاقلة الصلح ابن عباس والزهري والشعبي والثوري والليث والشافعي وقد ذكرنا حديث ابن عباس فيه ولأنه لو حملته العاقلة أدى الى أن يصالح بمال غيره ويوجب عليه حقاً بقوله

ص: 654

(فصل) ولا تحمل الاعتراف وهو ان يقر الإنسان على نفسه بقتل خطأ أو شبه عمد فتجب الدية عليه فلا تحمله العاقلة لا نعلم فيه خلافاً وبه قال ابن عباس والشعبي والحسن وعمر بن عبد العزيز والزهري والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وقد ذكرنا حديث ابن عباس فيه ولأنه لو وجب عليهم لوجب باقرار غيرهم ولا يقبل اقرار شخص على غيره ولأنه متهم في أن يواطئ من يقر له بذلك ليأخذ الدية من عاقلته فيقاسمه اياها إذا ثبت هذا فإنه يلزمه ما اعترف به وتجب الدية عليه حالة في ماله في قول الأكثرين وقال أبو ثور وابن عبد الحكم لا يلزمه شئ ولا يصح إقراره

لأنه مقر على غيره لا على نفسه لأنه لم يثبت موجب اقراره فكان باطلاً كما لو أقر على غيره بالقتل ولنا قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) ولأنه مقر على نفسه بالجناية الموجبة للمال فصح اقراره كما لو أقر باتلاف مال أو بما لا تحمل ديته العاقلة ولأنه محل مضمون فيضمن اذا اعترف به كسائر المحال وإنما سقطت عنه الدية في محل الوفاق لتحمل العاقلة لها فإذا لم تحملها وجبت عليه كجناية المرتد (فصل) ولا تحمل العاقلة ما دون الثلث وبهذا قال سعيد بن المسيب وعطاء ومالك وإسحاق وعبد العزيز بن أبي سلمة وقال الزهري لا تحمل الثلث ايضاً وقال الثوري وأبو حنيفة تحمل السن والموضحة وما فوقهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الغرة التي في الجنين على العاقلة وقيمتها نصف عشر الدية ولا تحمل

ص: 655

ما دون ذلك ولأنه ليس فيه أرش مقدر والصحيح عن الشافعي أنها تحمل القليل والكثير لأن من حمل الكثير حمل القليل كالجاني في العمد ولنا ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الدية ان لا يحمل منها شئ حتى تبلغ عقل المأمومة ولأن مقتضى الأصل وجوب الضمان على الجاني لأنه موجب جنايته وبدل متلفه فكان عليه كسائر الجنايات والمتلفات وإنما خولف في الثلث تخفيفاً عن الجاني لكونه كثيراً يجحف به قال النبي صلى الله عليه وسلم " الثلث كثير " ففيما دونه يبقى على قضية الأصل ومقتضى الدليل وهذا حجة على الزهري لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلث كثيراً فأما دية الجنين فلا تحملها العاقلة إلا إذا مات مع أمه من الضربة لكون ديتهما جميعا موجب جناية تزيد على الثلث وإن سلمنا وجوبها على العاقلة فلأنها دية آدمي كاملة (فصل) وتحمل العاقلة دية الطرف إذا بلغ الثلث وهو قول من سمينا في الفصل الذي قبل هذا وحكي عن الشافعي أنه قال في القديم لا تحمل ما دون الدية لأن ذلك يجري مجرى ضمان الأموال بدليل أنه لا يجب فيه كفارة ولنا قول عمر رضي الله عنه ولأن الواجب دية جناية على حر تزيد على الثلث فحملتها العاقلة كدية النفس ولأنه كثير يجب ضمانا لحر اشبه ما ذكرنا وما ذكروه يبطل بما إذا جنى على الأطراف بما يوجب

الدية أو زيادة عليها

ص: 656

(فصل) وتحمل العاقلة دية المرأة بغير خلاف بينهم فيها وتحمل من جراحها ما يبلغ ارشه ثلث دية الرجل كدية أنفها، فأما ما دون ذلك كدية يدها فلا تحمله العاقلة وكذلك الحكم في دية الكتابي ولا تحمل دية المجوسي لأنها دون الثلث (مسألة)(وتحمل غرة الجنين) إذا مات مع أمه فإن العاقلة تحملها مع دية أمه نص عليه لأن ديتهما وجبت في حال واحدة بجناية واحدة مع زيادتهما على الثلث فحملتهما العاقلة كالدية الواحدة ولا تحملها إن مات منفرداً أو مات قبل موت أمه نص عليه أحمد لأنه دون الثلث (مسألة)(وتحمل جناية الخطأ عن الحر إذا بلغت الثلث) وحكي عن الشافعي لا تحمل ما دون الدية وقد ذكرناه وذكرنا دليله (مسألة)(قال أبو بكر ولا تحمل العاقلة شبه العمد ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين) وهي رواية عن أحمد وبه قال ابن سيرين والزهري والحارث العكلي وابن شبرمة وقتادة وأبو ثور وهي على القاتل في ماله لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض، ولأنها دية مغلظة فأشبهت دية العمد وهكذا يجب أن يكون مذهب مالك لأن شبه العمد عنده من باب العمد (والثانية) تحملها العاقلة ذكرها الخرقي وهي ظاهر المذهب وبه قال الشعبي والنخعي والحكم والشافعي والثوري واسحاق وأصحاب

ص: 657

الرأي وابن المنذر لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه، ولأنه نوع قتل لا يوجب القصاص فوجبت ديته على العاقلة كالخطأ، ويخالف العمد المحض فإنه يغلظ من كل وجه لقصده الفعل وارادته القتل، وعمد الخطأ يغلظ من وجه وهو الأسنان وهو قصده الفعل ويخف من وجه وهو كونه لم يرد القتل فاقتضى تغليظها من وجه وهو الأسنان وتخفيفها من وجه

وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنها تجب مؤجلة روى ذلك عن عمر وعلي وابن عباس، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وعبيد الله بن عمر ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقد حكي عن قوم من الخوارج أنهم قالوا الدية حالة لأنها بدل متلف ولم ينقل الينا ذلك عمن يعد خلافه خلافاً والدية تخالف سائر المتلفات لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة له فاقتضت الحكمة تخفيفها عليهم وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ولا مخالف لهما في عصرهما فكان إجماعا (مسألة) (وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر لكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيحمل كل إنسان ما يسهل ولا يشق وجملة ذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم في إن العاقلة لا تكلف من العقل ما يجحف بها ويشق عليها

ص: 658

لأنه لازم لها من غير جنايتها على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف عنه فلا يخفف عن الجاني بما يثقل على غيره ويحجف به كالزكاة، ولأنه لو كان الاحجاف مشروعاً كان الجاني أحق به لأنه موجب جنايته وجزاء فعله فإذا لم يشرع في حقه ففي حق غيره أولى، واختلف أهل العلم فيما يحمله كل واحد منهم فقال أحمد يحملون على قد ما يطيقون فعلى هذا لا يتقدر شرعا وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيفرض على كل واحد قدراً يسهل ولا يؤذي وهذا مذهب مالك لأن التقدير لا يثبت إلا بتوقيف ولا يثبت بالرأي والتحكم ولا نص في هذه المسألة فوجب الرجوع فيها الى اجتهاد الحاكم كمقادير النفقات، وعن أحمد رواية أخرى أنه يفرض على الموسر نصف مثقال لأنه أقل ما يتقدر في الزكاة فكان معتبراً بها ويجب على المتوسط ربع مثقال لأن ما دون ذلك تافه لكون اليد لا تقطع فيه بدليل قول عائشة رضي الله عنها لا يقطع في الشئ التافه وما دون ربع دينار لا قطع فيه، وهذا اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي وقال أبو حنيفة أكثر ما يجعل على الواحد أربعة دراهم وليس لا فله حد لأن ذلك يجب على سبيل المواساة للقرابة فلم يتقدر اقله كالنفقة قال ويسوى بين الغني والمتوسط لذلك، والصحيح الأول لما ذكرنا من أن التقدير انما يصار إليه بتوقيف فيه وانما يختلف بالغنى والتوسط كالزكاة والنفقة ولا يختلف بالبعد والقرب لذلك

(مسألة)(واختلف القائلون بالتقدير بنصف دينار وربعه فقال بعضهم يتكرر الواجب في الأحوال الثلاثة فيكون الواجب على الغني فيها دينارا ونصفا وعلى المتوسط ثلاثة أرباع دينار)

ص: 659

لأنه حق يتعلق بالحول على سبيل المواساة فيتكرر بتكرر الحول كالزكاة وقال بعضهم لا يتكرر لأن في الإيجاب زيادة على النصف ايجاب الزيادة على أقل الزكاة فيكون مضرا، ويعتبر الغنى والتوسط عند رأس الحول لأنه حال الوجوب فاعتبر الحول عنده كالزكاة، وإن اجتمع من العاقلة في درجة واحدة عدد كثير قسم الواجب على جميعهم فيلزم الحاكم كل إنسان على حسب ما يراه وإن قل، وعلى الوجه الآخر يجعل على المتوسط نصف ما على الغني ويعم بذلك جميعهم وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر يختص الحاكم من شاء منهم فيفرض عليهم هذا القدر الواجب لئلا ينقص عن القدر الواجب ويصير إلى الشئ التافه ولأنه يشق فربما أصاب كل واحد قيراط فيشق جمعه ولنا أنهم استووا في القرابة فكانوا سواء كما لو قلوا كالميراث وأما التعلق بمشقة الجمع فلا يصح لأن مشقة زيادة الواجب أعظم من الجمع ثم هذا تعلق بالحكمة من غير أصل يشهد لها فلا يترك لها الدليل ثم هي معارضة بحقه الواجب على كل واحد منهم وسهولة الواجب عليهم، ثم لا يخلو من أن يخص الحاكم بعضهم بالاجتهاد أو بغير اجتهاد فإن خصه بالاجتهاد ففيه مشقة عليه وربما لا يحصل له معرفة الأولى منهم بذلك فيتعذر الإيجاب وإن خصه بالتحكم أفضى إلى أنه يتخير بين أن يوجب على إنسان شيئا بشهوته من غير دليل وبين أن لا يوجب عليه ولا نظير له وربما ارتشى من بعضهم واتهم وربما امتنع من فرض عليه شئ من أدائه لكونه يرى مثله لا يؤدي شيئا مع التساوي من كل الوجوه (مسألة)(ويبدأ بالأقرب فالأقرب فمتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم وإلا ننقل الى من يليهم)

ص: 660

وجملة ذلك أنه يبدأ في قسمة الدية بين العاقلة الاقرب فالأقرب فيقسم على الإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم ثم أعمام الأب ثم بنيهم ثم أعمام الجد ثم بنيهم كذلك أبداً حتى إذا انقرض الناسبون فعلى المولى المعتق ثم على

عصباته ثم على مولى المولى ثم على عصباته الأقرب فالأقرب كالميراث سواء وان قلنا الآباء والأبناء من العاقلة بدئ بهم لأنهم أقرب ومتى اتسعت أموال قوم للعقل لم يعدهم الى من بعدهم لأنه حق يستحق بالتعصيب فقدم الأقرب فالأقرب كالميراث وولاية النكاح، وهل يقدم من يدلي بالأبوين على من يدلي بالأب؟ على وجهين (أحدهما) يقدم كالميراث وكتقديم الأخ على ابنه (والثاني) يستويان لأن ذلك يستفاد بالتعصيب ولا اثر لقرابة الأم في التعصيب والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن قرابة الأم تؤثر في الترجيح والتقديم وقوة التعصيب لاجتماع القرابتين على وجه لا تنفرد كل واحدة بحكم وذلك لأن القرابتين تنقسم الى ما ينفرد كل واحدة منهما بحكم كابن العم اذا كان أخاً لأم فإنه يرث بكل واحدة من القرابتين ميراثاً منفرداً يرث السدس بالاخوة ويرث بالتعصب ببنوة العم، وحجب إحدى القرابتين لا يؤثر في حجب الأخرى فهذا لا يؤثر في قوة ولا ترجيح ولذلك لا يقدم ابن العم الذي هو اخ لأم على غيره، والى ما لا تنفرد كل واحدة منهما بحكم كابن العم من ابوين من ابن عم من اب لا تنفرد إحدى القرابتين بميراث عن الأخرى فتؤثر في الترجيح وقوة التعصيب ولذلك أثرث في التقديم في الميراث فكذلك في غيره، وبما ذكرنا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسوى بين القريب والبعيد ويقسم على جميهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية المقتولة على عصبة القاتلة ولنا أنه حكم تعلق بالتعصيب فوجب ان يقدم فيه الأقرب فالأقرب كالميراث والخبر لا حجة فيه لأننا نقسمه على الجماعة إذا لم يف به الأقرب فنحمله على ذلك

ص: 661

(مسألة)(وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم) لأنهم استووا في القرابة المقتضية للعقل عنه فتساووا في حكمه كسائر الأحكام وقد ذكرنا ذلك في مسألة وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر (فصل) ولا يحمل العقل من لا يعرف نسبه من القاتل إلا أن يعلم أنهم من قوم يدخلون كلهم في العقل ومن لا يعرف ذلك منه لا يحمل وإن كان من قبيلته فلو كان القاتل قرشياً لم يلزم قريشاً كلهم التحمل فإن قريشاً وان كانوا كلهم يرجعون الى أب واحد إلا أن قبائلهم تفرقت وصار كل قوم ينتسبون الى اب يتميزون به فيقل عنهم من يشاركهم في نسبتهم الى الأب الأدنى، الا ترى أن الناس

كلهم بنو آدم فهم راجعون الى أب واحد لكن إن كان من فخذ يعلم ان جميعهم يتحملون وجب ان يتحمل جميعهم سواء عرف احدهم أو لم يعرف للعلم بأنه متحمل على أي وجه كان وإن لم يثبت نسب القاتل من أحد فالدية في بيت المال لأن المسلمين يرثونه إذا لم يكن وارث بمعنى أنه يؤخذ ميراثه لبيت المال فلذلك يعقلونه على هذا الوجه فإن وجد له من يحمل بعض العقل فالباقي في بيت المال لذلك، فإن قيل فهذا ينتقض بالذمي الذي لا وارث له فإن ميراثه لبيت المال ولا يعقلون عنه، قلنا إنما لم يعقلون عنه لوجود المانع وهو اختلاف الدين ولذلك لا يعقله عصباته المسلمون

ص: 662

(مسألة)(وما تحمله العاقلة يجب مؤجلاً في ثلاث سنين في كل سنة ثلثه ان كان دية كاملة) لا خلاف بين أهل العلم في أن دية الخطأ على العاقلة حكاه ابن المنذر وأنها مؤجلة في ثلاث سنين فإن عمر وعلياً رضي الله عنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفاً واتبعهم أهل العلم على ذلك لأنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالاً كالزكاة ويجب في آخر كل حرل ثلثها ويعتبر ابتداء السنة من حين وجوب الدية وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ابتداؤها من حين حكم الحاكم لأنها مدة مختلف فيها فكان ابتداؤها من حين حكم الحاكم كمدة العنة ولنا أنه مال مؤجل فكان ابتداء أجله من حين وجوبه كالدين المؤجل والسلم ولا نسلم الخلاف فيها فإن الخوارج لا يعتد بخلافهم (مسألة)(وإن كان الواجب ثلث الدية وجب في رأس الحول الأول وإن كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الأول الثلث وباقيه في رأس الحول الثاني وإن كان دية امرأة أو كتابي فكذلك ويحتمل أن يقسم في ثلاث سنين، وإن كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث) .

وجملة ذلك أن الواجب إذا كان دية كاملة فإنها تقسم في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها سواء كانت دية النفس أو دية الطرف كدية جدع الأنف والأذنين، وإن كان دون الدية فان نظرنا فإن كان الثلث كدية المأمومة وجب في آخر السنة الأولى ولم يجب منه شئ حال لأن العاقلة لا تحمل

حالاً وإن كان نصف الدية أو ثلثيها كدية المرأة دية المنخرين وجب الثلث في آخر السنة الأولى

ص: 663

والباقي في آخر السنة الثانية، وإن كان أكثر من دية مثل ان ذهب سمع إنسان وبصره ففي كل سنة ثلث لأن الواجب لو كان دون الدية لم ينقص في السنة عن الثلث فكذلك لا يزيد عليه إذا زاد على الثلث، وإن كان الواجب بالجناية على اثنين وجب لكل واحد ثلث في كل سنة لأن كل واحد له دية فيستحق ثلثها كما لو انفرد حقه، وإن كان الواجب دون ثلث الدية كدية الأصبع لم تحمله العاقلة لأنها لا تحمل ما دون الثلث ويجب حالاً لأنه متلف لا تحمله فكان حالاً كالجناية على المال (مسألة)(فإن كانت الدية ناقصة كدية المرأة والكتابي ففيها وجهان)(أحدهما) تنقسم في ثلاث سنين بدل النفس فأشبهت الدية كاملة (والثاني) يجب منها في العام الأول قدر ثلث الدية الكاملة وباقيها في العام الثاني لأن هذه تنقص عن الدية فلم تنقسم في ثلاث سنين كأرش الطرف وهذا مذهب أبي حنيفة وللشافعي كالوجهين، فإن كانت الدية لا تبلغ ثلث الدية الكاملة كدية المجوسي وهي ثمانمائة درهم ودية الجنين وهي خمس من الإبل لم تحمله العاقلة لأنه ينقص عن الثلث فأشبه دية السن والموضحة إلا ان يقتل الجنين مع امه فتحمله العاقلة لأنها جناية واحدة وتكون دية الأم على الوجهين، فإن قلنا هي في عاملين كانت دية الجنين واجبة مع ثلث دية الأم في العام الأول لأنها دية أخرى ويحتمل أن يجب مع باقي دية الأم في العام الثاني وإن قلنا دية الأم في ثلاث سنين فهل تجب دية الجنين في ثلاثة أعوام أو لا؟ على وجهين فإذا قلنا بوجوبها في ثلاث سنين وجبت في السنين التي وجبت فيها دية الأم لأنهما ديتان لمستحقين فيجب في كل سنة ثلث ديتها وثلث ديته، ويحتمل أن تجب في ثلاث سنين أخرى لأن تلفهما موجب جناية واحدة

ص: 664

(مسألة)(وابتداء الحول في الجرح من حين الاندمال وفي القتل من حين الموت وقال القاضي إن لم يسر الجرح إلى شئ فحوله من حين القطع) وجملة ذلك أنه إذا كان الواجب دية نفس فابتداء حولها من حين الموت سواء كان قتلا موجباً او عن سراية جرح وإن كان الواجب دية جرح نظرت فإن كان عن جرح اندمل من غير

سراية مثل ان قطع يده فبرأت بعد مدة فابتداء المدة من حين القطع لأن تلك حالة الوجوب ولهذا لو قطع يده وهو ذمي فأسلم ثم اندملت وجب نصف دية يهودي وأما إن كان الجرح سارياً مثل أن قطع أصبعه فسرى ذلك الى كفه ثم اندمل فابتداء المدة من حين الاندمال لأنها إذا سرت فما استقر الأرش إلا من حين الاندمال هكذا ذكره القاضي وأصحاب الشافعي وقال أبو الخطاب تعتبر المدة من حين الاندمال فيهما لأن الأرش لا يستقر إلا بالاندمال فيها (مسألة)(ومن مات من العاقلة قبل الحول أو افتقر سقط ما عليه وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه) من مات من العاقلة أو افتقر أو جن قبل الحول لم يلزمه شئ لا نعلم في هذا خلافاً لأنه مال يجب في آخر الحول على سبيل المواساة فأشبه الزكاة وإن كان ذلك بعد الحول لم يسقط الواجب وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسقط بالموت لأنه خرج عن أهلية الوجوب فأشبه ما لو مات قبل الحول ولنا أنه حق تدخله النيابة لا يملك إسقاطه في حياته فأشبه الديون وفارق ما قبل الحول لأنه لم يجب ولم يستمر الشرط الى حين الوجوب فأما إن كان فقيراً عند القتل فاستغنى عند الحول فقال القاضي يجب عليه لأنه وجد وقت الوجوب وهو من أهله وبخرج على هذا من كان صبياً

ص: 665

فبلغ أو مجنوناً فأفاق عند الحول وجب عليه لذلك ويحتمل أن لا يجب لأنه لم يكن من أهل الوجوب حالة السبب فلم يثبت الحكم فيه حالة الشرط كالكافر إذا ملك مالاً ثم أسلم عند الحول لم تلزمه الزكاة فيه (مسألة)(وعمد الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة) لأنه لم يتحقق منه كمال القصد فتحلمه العاقلة كشبه العمد ولأنه قتل لا يوجب القصاص لأجل العذر فأشبه الخطأ وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله وهو أحد قولي الشافعي لأنه عمد يجوز تأديبه عليه فأشبه القتل من البالغ والأول أولى وما ذكروه ينتقض بشبه العمد والله سبحانه وتعالى أعلم (باب كفارة القتل) من قتل نفساً محرمة خطأ او ما أجري مجرى الخطأ أو شارك فيها أو ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات فعليه الكفارة

الأصل في كفارة القتل قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) الآية وأجمع أهل العلم على ان على القاتل خطأ كفارة سواء كان المقتول ذكراً أو انثى ويجب في قتل الصغير والكبير سواء باشره بالقتل او تسبب الى قتله بسبب تضمن به النفس كحفر البئر ونصب السكين وشهادة الزور وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا تجب بالتسبب لأنه ليس بقتل ولأنه ضمن بدله بغير مباشرة القتل فلم تلزمه الكفارة كالعاقلة ولنا أنه كالمباشرة في الضمان فكان كالمباشرة في الكفارة ولأنه سبب لإتلاف الآدمي يتعلق به ضمان فتعلقت به الكفارة كما لو كان راكباً فأوطأ دابته إنساناً وقياسهم ينتقض بالأب إذا أكره إنساناً على قتل ابنه فإن الكفارة تجب عليه من غير مباشرة وفارق العاقلة فإنها تحمل من غيرها ولم يصدر منها قتل ولا تسبب إليه وقولهم ليس بقتل ممنوع قال القاضي ويلزم الشهود الكفارة سواء قالوا أخطأنا أو تعمدنا وهذا يدل على أن القتل بالسبب تجب به الكفارة بكل حال ولا يعتبر فيه الخطأ والعمد لأنه وان قصد القتل فهو جار مجرى الخطأ في أنه لا يجب به القصاص

ص: 666

(مسألة)(ومن شارك في قتل يوجب الكفارة لزمته كفارة ويلزم كل واحد من شركائه كفارة) هذا قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعكرمة والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أن على المشتركين كفارة واحدة حكاها أبو الخطاب وهو قول أبي ثور وحكي عن الأوزاعي وحكاه أبو علي الطبري عن الشافعي وأنكره سائر أصحابه واحتج لمن أوجب كفارة واحدة بقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ومن تتناول الواحد والجماعة ولم يوجب إلا كفارة واحدة ودية، والدية لا تتعدد فكذلك الكفارة وإنها كفارة قتل فلم تتعدد بتعدد القاتلين إذا كان المقتول واحد ككفارة الصيد الحرمي ولنا أنها لا تتبعض وهي من موجب قتل الآدمي فكملت في حق كل واحد من المشتركين كالقصاص وتخالف كفارة الصيد فإنها تجب بدلاً ولهذا تجب في ابعاضه فكذلك الدية (مسألة)(ولو ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات فعليه الكفارة) تجب الكفارة بإلقاء الجنين الميت إذا كان من ضرب بطنها وبه قال الحسن وعطاء والزهري والنخعي

والحكم ومالك والشافعي واسحاق وقال أبو حنيفة لا تجب وقد مضت هذه المسألة في دية الجنين (مسألة)(مسلماً كان المقتول أو كافراً حرا أو عبدا) تجب الكفارة بقتل الكافر المضمون سواء كان ذمياً أو مستأمناً وبهذا قال أكثر أهل العلم وقال الحسن ومالك لا كفارة فيه لقول الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) فمفهومه انه لا كفارة في غير

ص: 667

ولنا قوله تعالى (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) والذمي له ميثاق وهذا منطوق يقدم على دليل الخطاب ولأنه آدمي مقتول ظلما فوجبت الكفارة بقتله كالمسلم (مسألة)(وتجب الكفارة بقتل العبد) وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا تجب لأنه مضمون بالقيمة أشبه البهيمة ولنا عموم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ولأنه يجب القصاص بقتله فتجب الكفارة به كالحر ولأنه مؤمن فأشبه الحر ويفارق البهائم بذلك (مسألة)(وسواء كان القاتل كبيراً عاقلاً أو صبياً أو مجنوناً حرا أو عبدا) إذا كان القاتل صبياً أو مجنوناً وجبت الكفارة في أموالهما وكذلك الكافر تجب عليه الكفارة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا كفارة على واحد منهم لأنها عبادة محضة تجب بالشرع فلا تجب على الصبي والمجنون والكافر كالصوم والصلاة وقياساً على كفارة اليمين ولنا أنه حق مالي يتعلق بالقتل فتعلقت بهم كالدية ويفارق الصوم والصلاة فإنهما عبادتان بدنيتان وهذه مالية أشبهت نفقة الأقارب وأما كفارة اليمين فلا تجب على الصبي والمجنون لأنها تتعلق بالقول ولا قول لهما وهذه تتعلق بالفعل وفعلهما متحقق قد أوجب الضمان عليهما ويتعلق بالفعل مالا يتعلق بالقول بدليل أن العتق يتعلق باحبالهما دون اعتاقهما بقولهما وأما الكافر فتجب عليه وتكون عقوبة له كالحدود والحر والعبد سواء لدخولهما في عموم الآية (مسألة)(ويكفر العبد بالصيام لأنه) لا مال له وقد ذكرنا كفارة العبد فيما مضى (فصل) ومن قتل في دار الحرب مسلماً يعتقده كافراً أو رمى الى صف الكفار فأصاب فيهم مسلماً

فقتله فعليه كفارة لقوله تعالى (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة)

ص: 668

(مسألة)(فأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه) وجملة ذلك أن كل قتل مباح لا كفارة فيه كقتل الحربي والباغي والزاني المحض والقتل قصاصاً وحداً لأنه قتل مأمور به والكفارة لا تجب لمحو المأمور به وأما الخطأ فلا يوصف بتحريم ولا إباحة لأنه كقتل المجنون والبهيمة لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة فلذلك وجبت الكفارة فيها وقال قوم الخطأ محرم لا إثم فيه وقيل ليس بمحرم لأن المحرم ما إثم فاعله.

وقوله تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) هذا استثاء منقطع وإلا في موضع لكن والتقدير لكن قد يقتله خطأ وقيل إلا بمعنى ولا أي ولا خطأ وهذا يبعد لأن الخطأ لا يتوجه إليه النهي لعدم إمكان التحرز منه وكونه لا يدخل تحت الوسع ولأنها لو كانت بمعنى ولا لكانت عاطفة للخطأ على ما قبله وليس قبله ما يصلح عطفه عليه فأما قتل نساء أهل الحرب وصبيانهم فلا كفارة فيه لأنهم ليس لهم أيمان ولا أمان وإنما منع من قتلهم لانتفاع المسلمين بهم لكونهم يصيرون بالسبي رقيقاً ينتفع بهم وكذلك قتل من لم تبلغه الدعوة لا كفارة فيه لذلك ولذلك لم يضمنوا بشئ فاشبهوا من قتله مباح (فصل) ومن قتل نفسه خطأ وجبت الكفارة في ماله وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تجب لأن ضمان نفسه لا يجب فلم تجب الكفارة به كقتل نساء أهل الحرب وصبيانهم ووجه الأول عموم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ولأنه آدمي مؤمن مقتول خطأ فوجبت الكفارة على قاتله كما لو قتله غيره قال شيخنا وقول أبي حنيفة أقرب الى الصواب إن شاء الله تعالى فإن عامر بن الأكوع قتل نفسه خطأ فلم بأمرالنبي صلى الله عليه وسلم فيه بكفارة فأما قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) فإنما

ص: 669

أريد بها إذا قتل غيره بدليل قوله (ودية مسلمة إلى أهله) وقاتل نفسه لا تجب فيه دية بدليل قتل عامر بن الأكوع (مسألة)(وفي العمد وشبهه روايتان (إحداهما) لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والأخرى فيه الكفارة)

المشهور في المذهب أنه لا كفارة في قتل العمد وبه قال مالك والثوري ومالك وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى تجب فيه الكفاة وحكي ذلك عن الزهري وهو قول الشافعي لما روى واثلة بن الاسقع قال أتينا النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد أوجب بالقتل فقال " اعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار " ولأنها إذا وجبت في قتل الخطأ ففي العمد أولى لأنه أعظم جرماً وحاجته الى تكفير ذنبه أعظم ولنا مفهوم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ثم ذكر قتل العمد فلم يوجب فيه كفارة وجعل جزاءه جهنم فمفهومه أنه لا كفارة فيه وروي أن سويد بن الصامت قتل رجلاً فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وعمرو بن أمية الضمري قتل رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بكفارة ولأنه فعل يوجب القتل فلا يوجب كفارة كزنا المحصن وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجباً أي فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم بالإعتاق تبرعاً ولذلك أمر غير القاتل بالإعتاق وما ذكروه من المعنى لا يصح لأنها وجبت في الخطأ لتمحو إئمه لكونه لا يخلو من تفريط فلا يلزم من ذلك ايجابها في موضع عظم الإثم فيه بحيث لا يرتفع بها.

إذا ثبت هذا فلا فرق بين العمد الموجب للقصاص وما لا قصاص فيه كقتل الوالد ولده والسيد عبده والحر العبد والمسلم الكافر لأن هذا من أنواع العمد

ص: 670

(فصل) فأما شبه العمد فقال شيخنا تجب فيه الكفارة ولم أعلم لأصحابنا فيه قولاً لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه لأنه أجري مجرى الخطأ في نفي القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة ولأن القاتل إنما لم يحمل شيئاً من الدية لتحمله الكفارة فلو لم تجب عليه الكفارة لحمل من الدية لئلا يخلو القاتل عن وجوب شئ أصلاً ولم يرد الشرع بهذا وقد ذكر في الكتاب المشروح رواية أنه كالعمد لأن ديته مغلظة وهي اختيار أبي بكر لأن عنده أن الدية فيه يحملها القاتل فقد اشبه العمد في ذلك فكان حكمه حكمه (فصل) وكفارة القتل عتق رقبة مؤمنة بنص القرآن سواء كان القاتل أو المقتول مسلماً أو كافراً

النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وعمرو بن أمية الضمري قتل رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بكفارة ولأنه فعل يوجب القتل فلا يوجب كفارة كزنا المحصن وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجباً أي فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم بالإعتاق تبرعاً ولذلك أمر غير القاتل بالإعتاق وما ذكروه من المعنى لا يصح لأنها وجبت في الخطأ لتمحو إئمه لكونه لا يخلو من تفريط فلا يلزم من ذلك ايجابها في موضع عظم الإثم فيه بحيث لا يرتفع بها.

إذا ثبت هذا فلا فرق بين العمد الموجب للقصاص وما لا قصاص فيه كقتل الوالد ولده والسيد عبده والحر العبد والمسلم الكافر لأن هذا من أنواع العمد

ص: 671

(فصل) فأما شبه العمد فقال شيخنا تجب فيه الكفارة ولم أعلم لأصحابنا فيه قولاً لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه لأنه أجري مجرى الخطأ في نفي القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة ولأن القاتل إنما لم يحمل شيئاً من الدية لتحمله الكفارة فلو لم تجب عليه الكفارة لحمل من الدية لئلا يخلو القاتل عن وجوب شئ أصلاً ولم يرد الشرع بهذا وقد ذكر في الكتاب المشروح رواية أنه كالعمد لأن ديته مغلظة وهي اختيار أبي بكر لأن عنده أن الدية فيه يحملها القاتل فقد اشبه العمد في ذلك فكان حكمه حكمه (فصل) وكفارة القتل عتق رقبة مؤمنة بنص القرآن سواء كان القاتل أو المقتول مسلماً أو كافراً فإن لم يجدها في ملكه فاضلة عن حاجته أو يجد ثمنها فاضلاً عن كفايته فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وهذا ثابت بالنص أيضاً فإن لم يستطع ففيه روايتان (إحداهما) يثبت الصيام في ذمته ولا يجب شئ آخر لأن الله تعالى لم يذكره ولو وجب لذكره (والثانية) يجب إطعام ستين مسكيناً عند العجز عن الصوم ككفارة الظهار والفطر في رمضان وإن لم يكن مذكوراً في نص القرآن فقد ذكر في نظيره فيقاس عليه فعلى هذه الرواية إن عجز عن الإطعام ثبت في ذمته حتى يقدر عليه وللشافعي في هذا قولان كالروايتين والله أعلم (تم بحمد الله وعونه الجزء التاسع..)

ص: 671