المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * نصائح لطالب العلم. * المبادئ العشرة. * مقدمات الناظم. * باب - الشرح المختصر على نظم الآجرومية - جـ ١

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * نصائح لطالب العلم. * المبادئ العشرة. * مقدمات الناظم. * باب

‌عناصر الدرس

* نصائح لطالب العلم.

* المبادئ العشرة.

* مقدمات الناظم.

* باب الكلام.

* أقسام الكلام وعلامات الاسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

كما عُلم بأنه سيكون ثَمَّ دروس تتعلق ببعض المتون، وهي خاصة بعلوم الآلة من النحو والصرف والبيان، ويلحقه شيء من المنطق _إن شاء الله تعالى_ في هذه الأسابيع الأربعة المتتالية، وكل أسبوع نأخذ فيه متنا، ويكون فيه شرح على جهة التقعيد والتأصيل، وسنسعى _بإذن الله تعالى_ أن يكون ثَمَّ شرح مختصر يليق بطالب العلم؛ لكن على جهة التقعيد والتأصيل كما ذكرنا، وليس على ذكر المعاني فحسب؛ لأن العلم إنما يؤخذ بالقواعد، ويؤخذ بالأصول، لا بالمعاني التي تكون على جهة الإجمال.

ومثل هذه الدورات التي تقام في مثل هذه الإجازات الصيفية، المقصود بها أن يَعمُرَ طالب العلم وقته بالعلم الشرعي، وليس المراد اختصار العلم كما قد يظنه طلاب العلم، هذا غلط في الفهم؛ إذ اختصار العلم يؤدي إلى تفويت العلم؛ لأن ثَمَّ خلل يقع فيه في الاختصار، المسائل لابدّ من إيضاحها على جهة التفصيل فيما يحتاج إلى تفصيل، وبعض المسائل لا تُفهم إلّا بذكر قيودها وشروطها، حينئذ لابدّ من ذكر ما يتعلق بالمسألة من جهة المنطوق والمفهوم، وأما الاختصار قد يكون مخلّا، وإذا وقع الخلل حينئذ لا يمكن أن يقال بأن طالب العلم قد درس هذا الفن، أو درس هذا الكتاب؛ لأن أهل العلم لهم مغزى في اختصار العلم في هذه المختصرات، وهي وسيلة إلى ضبط العلم؛ بمعنى أنه يقلّل لك الألفاظ التي تحمل المعاني الكثيرة، ولذلك يعرّفون الاختصار والمختصر بأنه:"ذو اللّفظ القليل والمعنى الكثير"، يعني ما قلّت ألفاظه وكثرت معانيه، فإذا أخذ اللّفظ القليل مع المعنى القليل حينئذ لم يأتِ على سننِ أهل العلم.

هل المختصرات كلها في العلوم؟ قاعدة فيها عند أهل العلم أن الطالب لا يمكن أن يحصّل العلم الشرعي إلّا بتحصيل هذه المتون، فهي وسيلة إلى ضبطه، وهي وسيلة إلى فهم العلم كلّه، سواء كان علوم آلة أو كانت علوم مقاصد، لا يمكن أن يصل إلى العلم وتحقيق العلم وضبط العلم من حيث التأصيل والتقعيد إلّا بالعناية بهذه المتون على الطريقة التي عناها أهل العلم، ولذلك قالوا المختصرات ثم عرّفوا المختصر بأنه:"اللّفظ القليل ذو المعنى الكثير"، حينئذ لا يمكن أن يؤخذ اللّفظ القليل بالمعنى القليل، بل لابدّ أن يكون ماذا؟ أن يكون الشرح موازيا للّفظ أو لهذا المصطلح عند أهل العلم، وإذا تقرر ذلك حينئذ نعلم أن الغاية أو الأصل في وضع مثل هذه الدورات ليس الاختصار المخلّ لشرح العلم أو لشرح الكتاب، وإنما المراد به إعمار وقت طالب العلم، حيث يقرأ في الصباح ويقرأ في المساء على نهج أهل العلم القدماء، الذين كانوا يعمرون أوقاتهم بالعلم كلّه صباحا ومساء، ولا يعطى العلم فضول الأوقات، كما قد يظنه من يظن بأن العلم إذا أعطي ساعة أو ساعتين في اليوم حينئذ كفاه وقد حصّل مهما حصّل.

ص: 1

والهمّة التي تكون عند طلاب العلم لا بدّ أن تكون منضبطة على ضبط ما أراده أهل العلم، بمعنى أن الهمّة قد تكون منطلقة عند طالب العلم، يريد أن يكون عالما، يريد أن يكون ضابطا للعلم الشرعي، ونحو ذلك، ولكن تجده عند التطبيق يخالف تلك الهمّة، لا يمكن أن يريد طالب العلم أن يكون عالما واعيا للفقه والحديث والتفسير ونحو ذلك ثم لا يعطي للعلم كلّه؛ ولذلك اتفقوا على أن العلم إذا أعطيته كلّك أعطاك بعضه، فكيف إذا أعطيته بعض البعض؟ لن تأخذ منه شيئا البتّة، يعني إذا أعطيت العلم كلّ وقتك صباحا ومساء تنال شيئا من العلم، قليل؛ لأن العلم لا يحيط به أحد، حينئذ إذا أعطيته بعضك أو بعض بعضك _يعني بعض الوقت_ إذن لن تنال شيئا البتة.

ولذلك نقول الوصية في مقدمة شرح هذا الكتاب أن يعتني طالب العلم بحفظ وقته ولا سيّما في مثل هذه الإجازات، طالب العلم قد يكون متفرّغا نوعا ما هذه الثلاثة أشهر _تزيد أو تقل_ وإذا عمرها بعلم شرعي وتحصيله حينئذ سينال حظا وافرا، ولا يكن همّ طالب العلم كالعوام، سهر اللّيل للصباح ونوم النهار ثم لا يحصّل، تمرّ عليه الأيام والساعات والدقائق ولم يحفظ شيئا ولم يُنهِ شيئا، ولا فرق بين طالب العلم والعوام في مثل هذه المسائل، الوصية أن يحفظ طالب العلم وقته، وأن يجعله في العلم؛ إذ العلم أفضل وأحسن وأجمل ما تعمر به الأوقات، ولذلك قيل:"قيمة كل امرئ ما يحسنه"؛ فالذي تحسنه من العلم الشرعي هو قيمتك وإلّا كنت كالبهيم؛ لأن الله عز وجل جعل في الإنسان عقلا يدرك به الحقائق ويميز بين الحق والباطل، وأنت ما خلقت في هذه الحياة إلّا من أجل تحقيق العبودية لله تعالى، قال عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ، والعبادة توقيفية، طريقها الوحي، والوحي والعلم به هو العلم الشرعي، وإذا لم يكن علم حينئذ كيف تعلم العلم الشرعي؟ وإذا لم تعلم العلم الشرعي حينئذ كيف تحقّق العبودية لله _عزّ وجل_؟ ولذلك نصّ ابن القيم (رحمه الله تعالى) على أن من أجمل ما يقرب به فضل العلم أن أهل العلم أجمعوا على أن العبادة لا تصح إلّا بتحقيق شرطين اثنين، وهما الإخلاص والمتابعة، وكل منهما لا يمكن أن يتحقق إلّا بالعلم.

فما هو الإخلاص؟ وما حقيقة الإخلاص؟ وما هي ضوابطه؟ وما هي عوائقه؟

هذا لابدّ من علم شرعي، ولابدّ من نظر في كتاب وسنة، وكذلك المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم كيف تتحقق؟ كيف تصلي؟ كيف تزكي؟ كيف تصوم؟ كيف تحجّ؟ كيف تدعو إلى الله _عزّ وجل_؟

كل هذه متعلقة بالعلم الشرعي، وقوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ميزان:"مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"؛ إذن العلم الشرعي يتحقق به صحّة كل عبادة، تصور أنك تعبد الله _عزّ وجل_ صباح مساء، والإنسان المكلّف بالأوامر والواجبات العامة، فروض العيان أو فروض الكفايات أو المستحبات= لايمكن أن يتحقق ذلك إلّا بالتحقق بالعلم الشرعي؛ إذن هذا يدل على أن العلم الشرعي مطلب وغاية.

ص: 2

بحثنا في النحو وهو وسيلة بل من أعظم الوسائل لفهم الشريعة، الشريعة موقوفة على فهم، فهمها موقوف على فهم لسان العرب، لا يمكن أن يكون ثمة فهم للكتاب والسنة إلّا بفهم لسان العرب، ولسان العرب المراد به (لغة العرب)، ولغة العرب أنواع؛ لكن الذي يحتاجه طالب العلم من حيث الفهم أربعة علوم:(النحو، والصرف، والبيان، وفقه اللغة)، فقه اللغة يعني:"معرفة الألفاظ ومعانيها ودلالاتها" هذه إنما تعرف بالنظر في المعاجم، وممارسة كتب التفسير، وما ذكره أهل العلم عند كلّ لفظة من ألفاظ القرآن أو من ألفاظ السنة، والنحو أهمها وأبوها (كما يقول بعض المحشّين)، ثم تأتي مرتبة الصرف، ثم يأتي بعد ذلك علم المعاني، فبهذه العلوم حينئذ ينتظم لطالب العلم أو تكون له القاعدة في علم أصول الفقه؛ إذ مبناه على لسان العرب، وإذا حصلت له القاعدة في أصول الفقه مع هذه العلوم الثلاثة= حينئذ صحّ وجاز أن ينظر في الكتاب والسنة نظر مجتهد، بمعنى أنه لا يقلد أحدا، وإنما ينظر فيه نظر استقلال مع الاستعانة بمفهوم أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، إذن العلم إنما يكون مبنيا على فهم لغة العرب، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم المتقدّمين _فيمن كتب وصنّف_ أن لسان العرب شرط في الاجتهاد، ومعنى الاجتهاد أن ينظر في كلّ مسألة وينظر في دليلها ثم يقول:(والرّاجح كذا)، هذا هو الاجتهاد، ترجيح على حسب ما يقتضيه الدليل، وهذه مرحلة الاجتهاد أو مرتبة الاجتهاد لا تحلّ لكل أحد من الناس ولو كان طالب علم، بل ولو كان عالما، لماذا؟ لأنه موقوف على ضوابط، هذه الضوابط من أساسها وما تبنى عليه هو فهم لسان العرب، وذكرنا أن إجماع أهل العلم أن لسان العرب شرط في صحة الاجتهاد، فإذا كان كذلك حينئذ لابدّ من العناية بالنحو عناية فائقة، طلاب العلم قد يبدأ بالتفسير، قد يبدأ بالفقه، قد يبدأ بالحديث، ثم تذهب الأعمار، ثم هو هو مقلّد، ولسبب فوات العناية بعلوم الآلة يقع طالب العلم في تخبط لأنه يسير _يعني_ بلا قائد، هذا الذي ضيع طلاب العلم الآن؛ لأنهم يسيرون على أهوائهم، لأنهم يسيرون على ما تشتهيه أنفسهم، ويظن أن موافقة الواقع وما عليه الناس هو الصحيح، لا ليس الأمر كذلك، بل لابدّ من نظرٍ في كلام أهل العلم المتقدمين، الذين صنّفوا وكتبوا في العلم واختصروا وشرحوا ونظموا، كلّ ذلك ويذكرون في مقدّماتهم من هو الذي يدرس هذا الكتاب وهذا النظم و

إلى آخره.

ص: 3

قسَّموا طلاب العلم إلى مبتدئين ومتوسطين ومنتهين، وجعلوا متونا خاصة بالمبتدئين، ومتونا خاصة بالمتوسّطين، ومتونا خاصة بالمنتهين، وشرحوا هذه المتون وحشّوا عليها، ومنها المنثور ومنها المنظوم، كلّ ذلك يدل على أنه قد ضبطوا الأمر، وليس لطالب العلم حينئذ الخيار إلّا أن يسلك ما سلكه العلماء السابقون، وليس عندهم إلّا طريقا واحدا= وهو أنه يعتني طالب العلم بهذه المتون المشهورات، لكل علم ثَمَّ متون مشهورة، لا يأتي للغرائب وإنما ينظر إلى ما اشتهر عند أهل العلم، فمثلا في النحو اشتهر الآجرومية والملحة والقطر، حينئذ يسلك هذا المسلك، وهذه المتون الأربعة مثلا لها شروحات، وكلّ شرح له ميزته التي تختلف عن الشرح الآخر، وكذلك الحواشي، كذلك ما يتعلق بالمتن؛ حيث إعراب الشواهد ونحو ذلك، حينئذ هذه مرحلة أولى (العناية بالمختصر)، ثم لا علم إلّا بحفظ، طالب العلم تختلف الهمم بعض طلاب العلم يريد أن يرفع بالعلم جهله، هذا لا إشكال فيه، هذا قد يكتفي بالنظر في مفهومات العلوم _يعني يفهم العلم_ وله ذلك، وطالب علم يريد أن يحقق العلم الشرعي؛ بمعنى أنه يكون في طبقة أهل العلم وجهاد العلماء، وأن يجتهد ويفقه المسائل التي يُعَنْوَنُ لها بالنوازل ونحو ذلك، يعني يريد أن يكون عالما، هذا باختصار.

_ كيف تكون عالما؟

ص: 4

لابد من مختصرات، ولابد من حفظها، لا علم إلّا بحفظ، وإذا لم تحفظ حينئذ لن تكون شيئا البتة، النحو من المنظومات المشهورات أو من الكتب المشهورة على جهة التأصيل نظم أو نثر ابن آجرّوم يسمى بالآجرومية، وله نظم للعمريطي، وله نظم لعبيد ربه محمد ابن آبّ الشنقيطي، والثاني أجود من الأول لميزتين، الأول: أنه لم يطل وإنما نظم النثر كما هو، وأما العمريطي فقد زاد وقد سمّاه كالشرح للكتاب؛ بمعنى أنه فصل في بعض المسائل وهذا قد ينافي، ثم جاءت في ربع المئة، لا جاءت في ربع ألف (مئتين وخمسين بيتًا)، حينئذ هذا العدد يعتبر كبيرا بالنسبة لطالب العلم المبتدئ، وخاصة إذا أراد أن يحفظ الملحة، حينئذ لا داعي لحفظ مثل هذا النظم الذي فيه شيء من الطول، أما المتن الذي معنا فهو أقل عددا، وثانيا: هذا المتن أو النظم يعتبر سهل العبارة؛ بمعنى العبارات واضحة تحتاج إلى شيء من التعليق والإيضاح لمن أراده مصنفا كغيره، وكذلك فيه شيء من الأمثلة، وكذلك زادوا ثالثا: بأنه قد اشتهر في هذا الوقت، حينئذ يعتني به طالب العلم إما بالنثر _إن استطاع أن يحفظ النثر_ وإما بالنظم وهو أجود، وعلوم الآلة _كقاعدة_ علوم الآلة الأولى أن يشتغل بها طالب العلم من جهة الحفظ بالمنظومات، ولا ينظر في المنثورات؛ لأن هذه العلوم لا تطلب لذاتها، ليست هي المقصودة، المقصود هو علم الوحي، والنحو ليس بعلم الوحي، وإنما هو وسيلة؛ إذن هو وسيلة لغيره، والنثر حفظه فيه شيء من الصعوبة، بل هو صعب، فإذا كان كذلك حينئذ يوفر طالب العلم جهده وقوته وحفظه وذهنه في حفظ المقاصد، لو حفظ في الفقه نثرا هذا هو الأصل ولا يحفظ نظما، كذلك في باب المعتقد يحفظ النثر ولا يحفظ النظم، وكذلك في باب الحديث يحفظ النثر ولا يحفظ النظم، لأنها مقاصد، هي الشريعة، لأنها كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما ما كان وسيلة لفهم العلم الشرعي هذا الأولى أن يشتغل بالمنظومات، علم النحو من أجل معرفته وهذه القواعد أهل العلم أنه لا يشرع طالب العلم حتى يعرف ماهو العلم الذي يطلبه، العلم له أو [علم النحو]: يطلق في "اللغة" يراد به القصد، (نحوت جهة كذا) أي:(قصدتها)، وهذا هو المشهور (معنى القصد).

وأما في "الاصطلاح": فالنحو "علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء".

ص: 5

علم واضح يراد به الإدراك، علم بماذا؟ قال: بأصول، والأصول جمع أصل، والمراد به هنا القاعدة؛ لأن العلوم _علوم الآلة_ قواعد، يعني عندك قاعدة (الفاعل مرفوع)، هذه قاعدة من قواعد العلم _علم النحو_ فكل فاعل مرفوع، (المفعول به منصوب) إذن كلّ مفعول به منصوب، وإذا جاء بك أو مرّ بك فاعل فارفعه، وإذا جاء بك أو مرّ بك مفعول به فانصبه، حينئذ نقول: تطبيقا لهذه القواعد تجري الأحكام على الآحاد والجزئيات، "فعلم بأصول" أي بقواعد، إذن علم النحو علم قواعد، لذلك يسمى في الدراسات الآن قواعد (وهو كذلك) ، القواعد هذه يعرف بها _أي بواسطتها_ ويميز أحوال أواخر الكلم _يعني الكلمات_، (كلمة) في لسان العرب لا تخرج عن ثلاثة أنواع: إما اسم وإما فعل وإما حرف، فكل كلام العرب _ولو نظرت في القرآن أو نظرت في السنة_ لا يخرج عن هذه الثلاثة أنواع بالاستقراء والتتبع، وهو دليل قطعي لفائدة أن الكلمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام إما اسم وإما فعل وإما حرف، هذه الكلمة مؤلفة من حروف، كـ (زيد) مؤلفة من ثلاثة أحرف:(ز، ي، د) كلّ حرف منها محرّك _له حركة_ الحرف الأول والحرف الثاني لا علاقة بالنحو به البتّة، لا يبحثون فيه وإنما يبحثون في آخر الكلمة _الحرف الأخير_ (زيدٌ) يبحثون في حركة الدّال، (بيتٌ) يبحثون في حركة التاء وهكذا، ولذلك قال:"يعرف بها أحوال" جمع حال _أي صفة_، والمراد بالصفة هنا الرفع والنّصب والخفض والسكون، إذا تجاوزنا حينئذ "أحوال أواخر الكلم" يعني رفعه أو نصبه أو خفضه، فأواخر الكلم لأن مبحث النحاة إنما يتعلق بآخر الكلمة، وما قبله يكون مبحثا للصرفيين كما سيأتي، وقد يشترك النحاة والصرفيون في الحرف الأخير؛ لكن من جهة ماذا؟ يبحث النحاة في حركة الحرف الأخير من حيث الإعراب والبناء _يعني كون هذه الكلمة معربة وحركتها الضمة أو الفتحة أو الكسرة أو السكون أو هذه الكلمة مبنية وبناؤها يكون على الفتح أو الضم أو الكسر أو السكون_ حينئذ انحصر بحث النحاة، انظر؛ علم كبير جليل انحصر في حرف واحد، ما حركته؟ الضمة أو الفتحة أو الكسرة أو السكون، إذن؛ علم بأصول _بقواعد_ هذه القواعد نستفيد بها ماذا؟ معرفة أحوال (يعني صفات)، والمراد بالصفات الرفع والنصب والخفض والجزم، متعلق هذه الصفات ماهو أواخر الكلم إعرابا وبناء، يعني الضمة قد تكون للإعراب وقد تكون للبناء، والفتحة تكون للإعراب وتكون للبناء، الذي يميز هذا عن ذاك إنما هو مبحث النحاة، هذا حده.

_[موضوعه]: الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء، الكلمات العربية لا من حيث أوزانها _ (فَتَحَ) على وزن (فَعَلَ) _ هذا لا يبحث فيه النحاة، و (اسْتَغْفَرَ) على وزن (اسْتَفْعَلَ)، و (قَالَ) أصل (قَوَلَ) حُرِّكَت الواو وفتح ما قبلها وقلبت ألفا، لا يبحث النحاة في ذلك وإنما يبحثون في الكلمة العربية من حيث الإعراب والبناء، هي معربة وسبب إعرابها كذا، وهي مبنية وسبب بنائها كذا.

ص: 6

_[مسائله]: ما سيأتي بحثه من الأبواب أهميته كما سبق فهم الشريعة (انتبه لهذه)، فهم الشريعة فهما صحيحا دون تقليد مبني على فهم هذه العلوم، شئت أم أبيت، أجمع أهل العلم على هذا، فهم الشريعة موقوف على هذا العلم ثم صيانة اللسان عن الخطأ في من الوقوع في اللحن، وليس الثاني هو الغاية، بعضهم يذكر إذا ذكر أهمية النحو قال:(من أجل أن تصون لسانك عن الخطأ في الكلام) ليس هذا غاية طالب العلم، يعمر وقته بما يقربه إلى الله تعالى فلابدّ أن تكون النية صالحة، وإذا كان نية طالب العلم بدراسة النحو إقامة اللسان فقط ما أجر على ذلك، يؤجر؟ لا يؤجر على ذلك، لماذا؟ لأن إقامة اللسان ليست مقصدا شرعيا، وإنما يكون مأجورا إذا نوى بتحصيل هذا العلم أن يكون معينا له على فهم الشريعة، وإذا كان كذلك حينئذ صار قربة وطاعة إلى الله تعالى، حكمه فرض كفاية، ليس مستحبّا، وإنما هو فرض كفاية، وعلى المجتهد الذي يجتهد في المسائل الشرعية والنظر فيها يكون فرض عين، بمعنى إنه إذا اجتهد دون أن يكون عالما بهذا الفن فهو آثم، وإذا تكلم في التفسير وقد نص أهل العلم على ذلك أن المتكلم في التفسير لا يحل له الكلام حتى يكون مليّا بعلم اللّسان، وأهمها علم النّحو؛ فلا يحل لمسلم أن يتكلم في كلام الله تعالى إلّا إذا أتقن هذا العلم.

قال الناظم رحمه الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال عُبَيْدُ رَبِّهِ مُحَمَّدٌ في بَعْضِ النُّسَخِ:

قَالَ ابْنُ آبَّ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ

اللهَ فِي كُلِّ الأُمُورِ أَحْمَدُ

مُصَلِّيًا عَلَى الرَّسُولِ المُنْتَقَى

وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي التُّقَى

وَبَعْدُ فَالقَصْدُ بِذَا المَنْظُومِ

تَسْهِيلُ مَنْثُورِ ابْنِ آجُرُّومِ

لِمَنْ أَرَادَ حِفْظَهُ وَعَسُرَا

عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ مَا قَدْ نُثِرَا

واللهَ أَسْتَعِينُ فِي كُلِّ عَمَلْ

إِلَيْهِ قَصْدِي وَعَلَيْهِ المُتَّكَلْ

البدء بالبسملة كثر في منظومات أهل العلم، وهو جائز بالإجماع وإن كان شعرا، إلّا أنه جاء في بيان ما يتعلق بالشريعة، وإذا كان كذلك صار طاعة، وإذا صار طاعة جاز الابتداء بالبسملة، وأما قول الشعبي والزهري أجمعوا أن لا يكتبوا أمام الشعر (بسم الله الرحمن الرحيم)؛ فليس المراد به المنظومات العلمية، وإنما المراد به ما عداها، قول الزهري:"مضت السُّنة أن لا يكتبوا في الشعر (بسم الله الرحمن الرحيم) " كذلك محمول على غير ما يتعلق بالعلم الشرعي، وأما ما يتعلق بالعلم الشرعي فمحلّ وفاق بين أهل العلم أنه يستحب أن يفتتح بالبسملة.

قال عبيد ربه محمد: [قال ابن آبّ واسمه محمد] هذا أو ذاك، اختلفت النسخ في أول شطر، والخلاف سهل، الناظم هو (محمد ابن آبّ) القلّاوي الأصل، قبيلة الأقلال الشنقيطية مولده ومسكنه في مدينة أتوات قيل المغربية، توفي سنة ألف ومئة وستين، فهو متأخر، [قال عبيد ربه محمد] محمد: هذا عطف بيان، عبيد ربه: هذا الفاعل، [قال عبيد ربه محمد]: يعني يقول، قال بمعنى يقول، هذا كقوله تعالى {أتَى أمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} ، ومن سند العرب أنهم يطلقون الفعل الماضي مراد به المستقبل، ماذا قال؟

ص: 7

[اللهَ في كلّ الأمور أحمد]: (الله) بالنصب على التعظيم، وهو مفعول به مقدم، والعامل فيه (أحْمَدُ)، كأنه قال:(أحْمَدُ اللهَ)، وقدم المفعول به لقصد الاختصاص الفصل كما تحفظون {إيّاكَ نَعْبُدُ} أصلها (نعبدك) لما فصل وقدم؟ يعني (لا نعبد إلّا إياك)، {إيّاكَ نَعْبُدُ} قال أهل العلم فيها معنى (لا اله إلّا الله) إثباتا ونفيا، ووجهه أنه قدم ما حقه التأخير، {إيّاكَ نَعْبُدُ} إذن لا نعبد إلّا إياك، (الله أحمد) يعني لا أحمد إلّا الله، منصوب على التعظيم، [في كلّ الأمور] جمع أمر، والمراد به الشأن والحال، يعني في كلّ الشؤون، وهو كذلك سواء كانت سرّاء أو كانت ضرّاء؛ فيحمد المسلم ربه _جلّ وعلا_ على السّراء كما يحمده على الضراء، وهذا شأن المسلم، [أحمد] هذه جملة فعلية، والحمد هو "ذكر محاسن المحمود مع حبّه وتعظيمه وإجلاله"؛ لأن ذكر محاسن المحمود إما أن تكون مع الحب والتعظيم فهو الحمد، وإلّا فهو المدح، فيشترك الحمد مع المدح.

[مصليّا على الرّسول المنتقى] أولّا حَمَدَ اللهَ تعالى، وهذا شأن المسلم أن يحمد الله تعالى مطلقا، ثم يأتي بالمرتبة أشرف الخلق _وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم _ وحقه بعد حق الله تعالى، مصليّا على الرسول، (أحمد) حال كوني مصليا، وحال مقابلة ومقارنة كلّ شيء بحسبه، يعني أحمد الله تعالى أولا (تكلم بلساني)، ثم بعد الإنتهاء من الحمد أصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، و [مصليا] أي طالبا من الله صلاته، والصلاة من الله (ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى)، وصلاة الملائكة عليه هي (ثناؤهم عليه)، والآدميون سؤالهم من الله أن يثني عليه ويزيده تشريفا، [مصليا] أي طالبا من الله صلاته وهي ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، كما قال أبو العالية وعلّقه البخاري عنه، [مصلّيا على الرّسول] والرسول في اللغة:(هو الذي يتابع أخبار الذي بعثه)، وأما في الشرع:(فهو إنسان ذكر حرّ أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه)، [المنتقى] يعني المختار، [الرسول] جاء بـ (ألْ)، وإذا أطلق الرسول في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو عَلَمٌ بالغلبة على نبينا عليه الصلاة والسلام فلا يحتاج إلى أن ينص عليه بذكر اسمه، فقيل (اللهم صلِّ على النبي أو على نبينا) صار علما بالغلبة، و [الرسول] هذا جنس يطلق على نوح ومن بعده إلى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ ولكن إذا كان الناطق من أمة محمد صلى الله عليه وسلم انصرف إلى نبينا، إذن [المنتقى] أي المختار.

[وآله] أي أتباعه على دينه في هذا المقام، أي مصلّيا على الرسول ومصليا على آله، أي أتباعه على دينه، والنص دلّ على أن الصلاة تكون تابعة على الأتباع، كما جاء في الحديث:"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ"، إذن الصلاة على الآل بالنص.

[وصحبه] اسم (جمع صاحب) كراكب وركب، صاحب:(هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك)، وهنا الصلاة عليهم على جهة التبع لا استقلالا، لما لهم من شرف حفظ الشريعة.

ص: 8

[ذوي التّقى]: تقى والتقوى بمعنى واحد، يعني مصدر، و [ذو] تجمع على ذوي، ولذلك جمع [ذوي التقى] يعني أصحاب التقوى، يعني المتصفين بهذه الصفة العظيمة وهي التقوى، وحقيقتها:(امتثال المأمور واجتناب المحظور).

[وبعد]: والأصل فيها على السنة أن يقال: (أما بعد)، ولكن توسع أهل العلم فأقاموا الواو مقام (أما)، الأصل (أما بعد)، قالوا:[وبعد]، [وبعد]: هذا من ظروف الغاية، ظرف مبهم مجهول المعنى، ولا يفهم إلّا إذا أضيف إلى غيره، يعني مثل (أما بعد حمد الله تعالى والثناء كذا).

[فالقصد]: الفاء واقعة في جواب الشرط، أي المقصود، (قصد) هنا مطلب بمعنى اسم المفعول، (والقصد) هو:"إتيان الشيء"، يعني لماذا جئت ونظمت؟ أو ما الذي تريده من متعلق النية بنثر ابن آجروم؟

قال: [فالقصد بذا المنظوم]: [بذا] هذا اسم إشارة، والمشار هنا المرتب الحاضر بالذهن، [المنظوم] يعني الذي نظمه، منظومته هذه ما القصد بها؟

قال: [تسهيل]: يعني تيسير، [منثور]: نثر، ما يقابل الشعر، [ابن آجروم]: وهو (أبو عبد الله محمد ابن محمد ابن داوود الصنهاجي) معروف بابن آجروم، توفي سنة ثلاثة وعشرين وسبع مئة، و (آجروم) قيل: المراد به "الفقير الصوفي"، إذن النظم إنما قصد به الناظم، وجعل النثر نظما _وهو ما يسمى بالعقد عند أرباب البديع_ قصده تسهيل ابن آجروم، لماذا؟ لأن النظم أسهل من حيث الحفظ من النثر، والنثر فيه شيء من الصعوبة، ولذلك قال بعضهم:

وبعد فالعلم إذا لم ينضبط.:. بالحفظ لم ينفع ومن مارى غلط

وأسهل المحفوظ نظم الشعر.:. لأنه أحضر عند الذكر

إذن [تسهيل] أي تيسير، هذا خبر قصد، [فالقصد بذا المنظوم تسهيل] هذا مصدر، المراد به التيسير لمن أراد حفظه وعسر عليه أن يحفظ ما قد نثر، إذن حفظ المنثور فيه عسر قديما وحديثا، وهو مشتهر عند أهل العلم بأن النثر فيه شيء من الصعوبة، ولذلك نقل النثر إلى النظم، وما أكثر المنظومات في العلوم على جهة العموم، يعني في العلوم على جهة العموم سواء كانت علوم آلة أو مقاصد.

ص: 9

[لمن]: اللّام لتعليل، [لمن أراد حفظه]: يعني استظهاره عن ظهر قلب، [وعسرا]: الألف للإطلاق، يعني شقّ على الطالب، [عسر]: ضد يسر، [عليه]: متعلق بعسر، [أن يحفظ]: يعني (أن) وما دخلت عليه تأويل مصدر نائب فاعل لـ (عسر)، [ما قد نثرا]: يعني الذي قد نثرا، الألف للإطلاق، إذن قصده بهذا النظم أن يسهل على طالب العلم، فإذا أراد حفظ النظم حينئذ اشتغل بدرسه، يعني بدراسته، وإذا لم يرد فلا يشتغل به، لماذا؟ لأن النظم وإن كان سهلا من حيث الحفظ إلّا أن فيه شيئا من الصعوبة من حيث الفهم، لأن فيه تقديما وتأخيرا، وفيه بيان للمتعلّق ونحو ذلك، وقد يضطر إلى التقديم والتأخير، قد يغلق المعنى؛ ولذلك يحتاج إلى تأنٍّ في الفهم، بخلاف المنثور؛ فالضرورات لا تدخل النثر وإنما تدخل المنظومات، وهذا الذي يجعل بعض المنظومات _بل كثير منها_ فيها شيء من الصعوبة من حيث الفهم فحسب، وأما من حيث الحفظ فهي أسهل، والعكس في المنثور؛ لأنه من حيث الحفظ فيه شيء من الصعوبة، ومن حيث الفهم فهو أسهل، تقرأ الشطر أو الشطرين أو البيت والبيتين من النظم وفيه شيء من الإغلاق، إذا رجعت إلى النثر فإذا به واضح تقرؤه كما هو، ولكن هذا لا يجعل أن يكون المفهوم غاية فحسب، بمعنى أنه يجمع طالب العلم بين الحفظ والفهم.

[والله أستعين في كلّ عمل]: أستعين الله، [الله أستعين] يعني: الاستعانة متعلقة بالله تعالى، {إيّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: لا نستعين إلّا بك، الاستعانة عبادة ولا تكون إلّا بالله تعالى، والله _جلّ وعلا_، (أسْتَعِينُ= اسْتَفْعَلَ) من العون، أي: أطلب العون في كلّ عمل، يعني في عملي كله ظاهره وباطنه.

[إليه قصدي]: إليه سبحانه قصدي، قصدي إليه لا إلى غيره، (وقَصَدَ قَصْدَهُ= نَحَا نَحْوَهُ).

[وعليه المتكل]: عليه سبحانه المتكل، (اتَّكَلَ على فلانٍ في أمرِهِ) إذا اعتمده.

هذا ما يتعلق بالمقدمة، ثم قال رحمه الله تعالى:

باب الكلام

إنَّ الْكَلَامَ عِنْدَنَا فَلْتَسْتَمِعْ

لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مُفِيدٌ قَدْ وُضِعْ

الكلام معرفته مهمة في أول فهم علم النحو، ويبدأ النحاة في المختصرات والمتوسطات والمنتهيات بعلم أو بتعريف الكلام؛ لأنه مقصود بالذات (هذا أوَّلًا)، ولأنه الذي يقع به التفاهم والتخاطب، لا تفهم ما يكن في صدور الناس إلّا إذا تكلموا، وإذا كان كذلك حينئذ لابدّ من معرفة ما هو الكلام.

[الكلام] في اصطلاح النحاة: "ما اجتمع فيه أربعة أركان"؛ ولذلك قال: [إن الكلام عندنا] أي: في حكمنا، في حكمنا نحن معاشر النحاة، وهنا يتكلم عن نفسه وعن غيره من النحاة.

[فلتستمع]: (الفاء) عاطفة، [تستمع]: جملة معترضة؛ لأنه أراد بها التثمين، [لفظ]: هذا خبر إن، [مركب مفيد قد وضع]: أربعة أركان إذا وُجِدَتْ على وفق ما قيده به النحاة فهو الكلام، إن عُدِمَتْ كلّها أو بعضها حينئذ انتفى وصف وصفك، هذا شأن الأركان، ركن كالفاتحة والركوع والسجود، إذا وجد حينئذ مع بقية الأركان وجدت الصلاة، وإذا انتفت الأركان أو انتفى بعضها انتفت الصلاة، كذلك هنا الكلام لا يكون كلاما نحويا إلّا باجتماع هذه الأربعة أركان.

ص: 10

[اللفظ]: له معنيان: (المعنى اللغوي، والمعنى الاصطلاحي)، والمعنى اللغوي المراد باللفظ هو:"الطرح والرمي"، قالوا:(أكلت التمرة ولفظت نواها) أي طرحتها.

وأما في "الاصطلاح": فاللفظ هو "الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء"، لابدّ أن يكون اللّفظ صوتا، ولا يكون لفظ بدون صوت، ثم الصوت يشتمل على بعض الحروف _لا جميع الحروف_ التي أولها الألف وآخرها الياء، يعني الحروف الهجائية، فـ (زيد، وقام، وإلى) نقول: هذه ألفاظ، لماذا؟ لكونها اشتملت على صوت إذا نطق به، وهي مؤلفة من حروف، _مهملا_ مستعملا كان أو مهملا.

"اللفظ نوعان": (لفظ مستعمل، ولفظ مهمل)، [المستعمل]:"هو الذي نطقت به العرب"، يعني وضعته العرب، ولقّن عليه العرب كـ (زيد، وقام، وإلى، ومن، وكتب، وجاء، .. ونحوه) كلها ألفاظ وضعتها العرب، نسميه لفظا مستعملا إذن، ما وضعته العرب هو المستعمل، اللفظ الثاني من نوعي اللفظ ما يسمى بـ[المهمل]، والإهمال المراد به:"الترك"، يعني:"لفظ لم تضعه العرب"، قالوا: كـ (ديز) مقلوب زيد، (زيد) نطقت به العرب، و (ديز) مقلوب زيد، يعني نقرأه بالعكس، (ديز) هذا لم تضعه العرب، لم تنطق بهذا اللّفظ، كذلك (جعفر) وضعته العرب ونطقت به، و (رفعج) _بالعكس_ ما وضعته العرب؛ إذن ليس كلّ لفظ يكون عربيا؛ لأن [اللفظ العربي] هو:"ما نطقت به العرب"، وما لم تنطق به العرب فليس بلفظ عربي، وإن كان لفظا لأنه صوت مشتمل على بعض الحروف الهجائية، إذن الركن الأول أن يكون الكلام لفظا، فإذا لم يكن لفظا حينئذ لا يكون كلاما، ولذلك الكتابة إذا لم تنطق بها قرأتها _الكتابة_ ليس بلفظ؛ لأنها ليست بصوت، إذن الكتابة لا يسمى كلاما عند النحاة، الإشارة قال له، أفاد أو لم يفد، أفاد الإشارة من أسفل إلى علو (يعني قم)، أو من أعلى إلى أسفل (يعني اجلس)، أفادت أم لا؟ أفادت، لكن هل تسمى كلاما؟ لا تسمى كلاما، لماذا؟ لانتفاء القيد الأول أو الركن الأول، وهو كونه لفظا، إذن اللفظ هو الصوت، لابدّ أن يكون منطوقا به، فإذا أفاد ولم يكن منطوقا به _كالكتابة والإشارة_ فلا يسمى كلاما.

[الثاني: مركب]: التركيب في اللغة: "وضع شيء على شيء مطلقا".

ص: 11

والمراد به في "الاصطلاح": "ما تركب من كلمتين فأكثر"، يعني كلام تركب من كلمتين فأكثر، أقل ما يصدق عليه أنه كلام عند النحاة أن يكون مؤلفا من كلمتين _ثنتين_، وما زاد على ذلك لا بأس به، قد يكون لكن المراد أنه لا يقل عن كلمتين، فكلمة (زيد) وحدها هي لفظ؛ لكن هل هي كلام؟ وُجِدَ القيدُ الأوَّلُ، وهو كونها لفظا؛ لكنها ليست بكلام، لماذا؟ لأن الكلام لا يتحقق إلّا إذا كان مركبّا، وما المراد بالتركيب؟ أن يكون مؤلّفا من كلمتين فأكثر، و (زيد) كلمة واحدة، إذن لو قال:(زيد) أو قال: (قام) فقط، أو (إلى) أو (من) ولم يذكر كلمة أخرى يضمها إلى هذه الكلمة= لا يسمى كلاما، إذن الكلمة الواحدة لا يسمى كلاما، لماذا؟ لكونه غير مركب، وجد الركن الأول وهو كونه لفظا؛ ولكن انتفى الركن الثاني وهو كونه مركبا، إذن كلّ كلام يشترط فيه أن يكون مركبا، وإذا أردت بالتركيب هنا أو فسر التركيب بما ذكر حينئذ من باب التقريب أن يقال:(المراد بالمركب هنا المركب الإسنادي التام)، واختصارا أن يقال:(الجملة الاسمية المؤلّفة من مبتدأ وخبر، والجملة الفعلية المؤلفة من فعل وفاعل أو فعل ونائبه) يعني كلمة "مركبة" هذه فيها إجمال، ما المراد بها؟ المراد به المركب الإسنادي التام، ما المراد بالمركب الإسنادي؟ مبتدأ وخبر (زيد قائم)، هذا أقل ما يقال بأنه كلام، (قام زيد)، جملة فعلية، إذن من باب الإيضاح والتقعيد في هذا المقام نقول:[المركب المراد به: الجملة الفعلية والجملة الاسمية]، "والجملة الفعلية" المراد بها المؤلفة من فعل وفاعله، أو فعل ونائب فاعل، (ضرب زيد) هذه جملة فعلية، (قام زيد) هذه جملة فعلية، عندنا كلمتان كذلك (زيد قائم)، (محمد مسافر) تقول هذه مؤلفة من كلمتين، إذن المركب ما تركب من كلمتين فأكثر، قد يكون التألف هنا من كلمتين ملفوظا به، (زيد قائم) ملفوظ به _يعني لفظت بالكلمتين_، وفي بعض المواضع قد تحذف إحدى الكلمتين، تقول (من جاء؟) زيد، هنا (زيد) ليست كـ (زيد) السابقة، (زيد) السابقة في ابتداء الكلام، و (زيد) ليست بكلام، لماذا؟ لأنه وإن كانت لفظا إلّا أنها ليست بمركبة، أما إذا قيل في جواب لسؤال (من جاء؟) زيد، (زيد) هنا كلام، كيف؟ (جاء) كلام، وهو لفظ واحد، نقول لا، هو مركب من كلمتين، إحدى الكلمتين ملفوظ بها، والأخرى محذوفة، فـ (زيد) فاعل لفعل محذوف، والأصل:(من جاء؟) تقول: (جاء زيد)، حينئذ (زيد) في هذا المقام نقول: هي فاعل لفعل محذوف، ولذلك نقول:[المركب: ما تركب من كلمتين فأكثر حقيقة أو حكما]، بمعنى أنه لا يشترط في التركيب أن يلفظ بالكلمتين، لا قد تكون إحدى الكلمتين ملفوظا بها، وقد تكون الأخرى محذوفة؛ لكن لابدّ من قرينة، ويأتي معنا _إن شاء الله_ في المبتدأ والفاعل، قد يحذف الكلمتان (هل جاء زيد؟ نعم)، هذا حرف، هل يحصل الكلام بالحرف؟ قطعا لا، لماذا؟ لكونه ليس مركبا، حرف، قلنا لابد أن يكون مركبا، والمراد به الجملة الاسمية _مبتدأ وخبر_، والجملة الفعلية _فعل وفاعل_؛ إذن الحرف ليس داخلا في مفهوم الكلام، فإذا قيل:(هل جاء زيد؟) قلت: (نعم)، (نعم) هذا حرف، (نعم جاء زيد)، إذن (جاء زيد) جملة فعلية محذوفة، حذف الفعل وحذف

ص: 12

فاعله، إذن [لفظ مركب] المراد بالتركيب ماهو؟ [ما تركب من كلمتين فأكثر حقيقة]، بأن تنطق بالكلمتين، (زيد قائم)، (قام زيد) نطقت بهما، [أو حكما] بأن تحذف إحدى الكلمتين، كأن يكون في جواب السؤال (من جاء؟ زيد)، (زيد) فاعل لفعل محذوف، نطقت بكلمة وحذفت الأخرى، وقد تحذف الكلمتين، (هل جاء زيد؟ نعم، لا) لا الجوابية ونعم الجوابية، التي تقع جوابا لسؤال، يحذف بعدهما الجزءان، يعني الكلمتان، فتركيب حينئذ كله يكون مقدرا، هذا الركن الثاني وهو التركيب.

[مفيد]: مُفِيدٌ أصله مِنْ أَفَادَ يُفِيدُ، [والمفيد]: المراد به هنا "ما أفاد فائدة يحسن السكوت عليها من المتكلم"، ما أفاد فائدة يحسن السكوت عليها من المتكلم، بحيث لا يبقى السامع منتظرا لشيء آخر، وهذا إنما يتحقق بماذا؟ فيما زاد على كلمتين، قلنا المركب ما تركب من كلمتين فأكثر، هل كلما وجدت الكلمتان وجد الكلام؟ الجواب: لا، واضح السؤال؟ قلنا: المركب ماهو؟ [ما تركب من كلمتين فأكثر]، ثلاث، أربع، عشر، هل كلما وجد الكلمتان وجد الكلام؟ الجواب: لا، إن قلت:(إن قام زيد) لفظ، هل هو لفظ؟ نعم، صوت سمعته بأذنك، هل هو مؤلف من كلمتين؟ فيه كلمتان؟ بل ثلاث، (إن) هذا حرف، (قام) هذا فعل، (زيد)، هل حصلت به الفائدة؟ الجواب: لا، لأن السامع ينتظر شيئا آخر بعده، (إن قام زيد)، (إن جاء عمر)، (إن حضر الطالب)، يحتاج إلى ماذا؟ يحتاج إلى جواب، إذن لم تحصل الفائدة من هذا التركيب، هل هو كلام؟ الجواب: لا، إذن المركب الذي لا تحصل به الفائدة لا يسمى كلاما، إذن [مفيد]:"ما أفاد فائدة يحسن السكوت عليها من المتكلم بحيث لا ينتظر السامع لشيء آخر"، كالمثال السابق الذي ذكرناه.

[قد وضع]: يعني: "موضوع"، هذا الركن الرابع، واختلف النحاة _شراح الأجرومية_ في معرفة المراد بالوضع هنا، هل المراد به القصد _بأن يكون الكلام مقصودا منويا من المتكلم_؟ أو يكون المراد به المعنى الثاني _موضوعا بالوضع العربي_؟

وينبني على هذا خلاف مهم، وهو أنه إذا فسر بالقصد (والقصد: هو إرادة المتكلم إفادة السامع) بمعنى أنه إذا تكلم لابد أن ينوي بقلبه أنه أراد إفادتك= فخرج بهذا القيد _إذا فسر بالقصد_ كلام النائم، فلو تكلم النائم _النائم كاسمه لا يدري ما يحصل_ فلو تكلم بكلام نقول: هل قصد النائم بهذا الكلام إفادة السامع؟ الجواب لا، إذن لا يسمى كلاما، لو قام من النوم وقال:(لزيد عندي ألف ريال) هل يعتبر إقراضا؟ لا يعتبر، هل يسمى كلاما؟ لا يسمى كلاما، لماذا؟ (لزيد عندي ألف ريال): لفظ مركب مفيد، أليس كذلك؟ (لزيد عندي مال)، لكن لكونه لم يقصد _لأن النائم لا قصد له_ انتفى عنه وصف الكلام، كذلك الساهي والمجنون إذا تكلم واعترف بشيء ما لا يعتبر كلاما.

ص: 13

[النوع الثاني أو التعريف الثاني= الوضع المراد] المراد بالوضع هنا "الوضع العربي" فيحترز به عن كلام البربر والإنجليز والفرنسيين ونحو ذلك، حينئذ سواء كان اللفظ المركب المفيد مقصودا أو لا فهو كلام، فإذا قام النائم وتكلم نقول: هذا كلام عربي، وجدت فيه الأركان الأربعة (لفظ، مركب، مفيد، وموضوع بالوضع العربي)، بمعنى الكلمات عربية نطق بها العرب، يعني لم يتكلم بالإنجليزي فلو تكلم بالإنجليزي لو جاء بلفظ مركب مفيد= قلنا: هذا ليس بكلام عربي، لماذا؟ لأنه ليس موضوعا بوضع العرب، وهذا هو الصحيح، أن يفسر الوضع هنا بالوضع العربي، حينئذ خرج به كلام البربر، وكل كلام أجنبي ليس بكلام العرب فلا يسمى كلاما في اصطلاح النحاة البتة، فدخل معنا كلام النائم والساهي والغافل والمجنون ومن جرى على لسانه مالا يقصده يسمى كلاما، فالنائم إذا قام وتكلم وقال:(زوجتي طالق) قل: هذا كلام عربي، نعم، هو كلام عربي؛ لكن لا يترتب الحكم الشرعي، وفرق بين البحث اللغوي والبحث الشرعي، الفتوح في شرح المختصر رجح أن يكون الوضع المراد به القصد؛ لإخراج ما قد يترتب على كلام النائم، فإذا طلق زوجته وهو نائم _أو المجنون طلق زوجته_ هل يقع الطلاق؟ يقع أو لا يقع؟ لا يقع، لماذا؟ لا لكونه كلاما عربيا أو لا، وإنما لانتفاء القصد، لأنه نائم، "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ"، إذن الحكم شرعي، فلم تترتب الثمرة على كلامه، لا لكونه ليس بكلام عربي، وإنما لمجيء الحكم الشرعي وأنه غير مكلف كالنائم والمجنون والساهي والغافل، الصحيح أن المجنون بالإجماع أنه غير مكلف، كذلك النائم غير مكلف، حينئذ عدم ترتيب الأحكام الشرعية على كلام هؤلاء لا يلزم منه أن لا يكون كلاما، بل هو كلام عربي، والأحكام منفية لوجود الدليل الرافع لها، إذن [لفظ مركب مفيد قد وضع] يعني بالوضع العربي، متى ما وجدت هذه الأركان الأربعة حكمنا عليه بأنه كلام في اصطلاح النحاة، وإذا انتفت أو انتفى بعضها حكمنا عليه بكونه ليس بكلام عند النحاة.

ثم قال رحمه الله تعالى:

أقْسَامُهُ الَّتِي عَلَيْهَا يُبْنَى

اسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى

[أقسامه]: عرفنا أن الكلام مركب، أليس كذلك؟ [والمركب] ما هو؟ "ما تركب من كلمتين" هذا فيه إجمال، حينئذ الكلام له أجزاء، ماهي هذه الأجزاء التي يتألف منها الكلام؟

عرفنا أن الكلام لابد من ضم كلمة إلى أخرى "ما تركب من كلمتين فأكثر"، إذن لابدّ من أجزاء، لأنه كلٌّ، فإذا كان كذلك يَرِدُ السؤالُ: ماهي أجزاء الكلام التي يتألف منها الكلام؟

فقال رحمه الله: [أقسامه] أي: أقسام أجزائه التي يتألف منها.

[التي عليها يبنى]: يبنى عليها، احترز به من نوعه الذي إليه ينقسم.

[اسم وفعل ثم حرف معنى]: والدليل على أن أجزاء الكلام أو أقسام الكلمة _تعبير أدق_ محصورة في هذه الأجزاء الثلاث= هو التتبع والاستقراء، يعني نظر النحاة في كلام العرب، بحثوا وبحثوا فلم يجدوا إلّا أن الكلام مؤلف من:

[اسم]: وهو كلمة دلّت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمان.

أو [فعل]: وهو كلمة دلّت على معنى كالاسم؛ إلّا أنها فارقتها باقترانها بأحد الأزمنة الثلاثة.

ص: 14

أو [حرف]: وهو ما دلّ على معنى في غيره، لا في نفسه.

حينئذ حصروا الأجزاء في ثلاث وهذا محل وفاق بينهم.

[اسم وفعل ثم]: هذه بمعنى الواو، [حرف معنى]: قيّد الحرف بكونه حرف معنى احترازا عن حرف التهجي، لأن الحرف عند النحاة نوعان:(حرف معنى، وحرف مبنى)، "حرف معنى"= كلمة، مثل ماذا؟ (مِنْ) حرف، (إلَى، بَلَى)، نعم هذه حروف، كلّ واحد منها حرف، يسمى ماذا؟ حرف معنى، "وهو الذي يكون جزءا من أجزاء الكلام، مجازا أو على التوسع"، الثاني:"حرف مبنى": "وهو الذي تبنى منه الكلمة"، (زيد)، (ز) هذا يسمى ماذا حرف مبنى، (ي)، (د)، أجزاء كلمة (زيد)، كلّ حرف يسمى حرف مبنى، يعني بنيت الكلمة من هذا الحرف.

الذي يعتبر قسيما للاسم والحرف، يعتبر قسما من أقسام الكلمة، هل هو (ز) أو (من)؟ الأول أو الثاني؟ الثاني، إذن إذا قلت "حرف" حينئذ دخل معك حرف المبنى، فلابد من إخراجه، "حرف معنى" احترازا عن حرف المبنى، أي وضع ليدل على معنى.

ثم قال:

فَالاسْمُ بِالْخَفْضِ وَبِالتَّنْوِينِ أوْ

دُخُولِ (ألْ) يُعْرَفُ فَاقْفُ مَا قَفَوْا

لما ذكر الاسم والفعل والحرف _وهي داخلة تحت مسمى الكلمة_ حينئذ نحتاج إلى تمييز الاسم عن الفعل عن الحرف، بمعنى أنه متى يحكم الناظم بأن هذه الكلمة اسم؟ ومتى يحكم الناظم بأن هذه الكلمة فعل، أو أنها حرف؟ ما مميزات كلّ واحد من هذه الأقسام الثلاثة؟

كلّ واحد منها له حدّ وله علامة، [حَدٌّ]: يعني تعريف، فالاسم يتميز عن الفعل بحقيقته، يعني بتعريفه، وتعريف [الاسم]:"هو كلمة _والكلمة جنس يدخل تحت ثلاثة أشياء الاسم والفعل والحرف_ دلّت على معنى بنفسها"، يعني في نفسها دون ضميمة كلمة أخرى، (زيد) عرفت أن المراد به شخص معين، (بيت) عرفت المراد به، (مسجد)، (قلم)، (ساعة)، كلّ لفظ من هذه الألفاظ إذا أطلق دل على معنى تفهمه بالإطلاق اللفظي، إذن فيها معنى، دلّت على معنى بنفسها دون ضميمة كلمة أخرى، ولم تقترن بزمان، يعني بأحد الأزمة الثلاثة التي هي الماضي والحال والاستقبال، (زيد) ليس به ماضٍ، ليس به دلالة على المستقبل أو الحال، وكذلك (بيت)، و

، هذا هو حقيقة الاسم، وأما من حيث العلامة فذكر له أربع علامات.

ص: 15

[فالاسم]: (فـ) هذه تسمى (فـ) الفصيحة، [الاسم بالخفض يعرف] فالاسم مبتدأ، وجملة (يعرف) متأخرة، هذه في الشطر الثاني، خبر المبتدأ، وقوله:[بالخفض]: متعلق به، ترتيب الكلام هكذا:(فالاسم يعرف) يعني يميز عن ماذا؟ عن الفعل والحرف، عندنا ثلاثة أقسام، نريد تمييز الاسم عن قسيميه الفعل والحرف، فالاسم يعرف بماذا؟ قال:[بالخفض] وعطف عليه [التنوين] أو [دخول (ألْ)][وبحروف الجر] عطف على ما سبق، إذن ذكر أربع علامات، [الخفض] المراد به مسمى الخفض، [يعرف بالخفض] أي: بمسمّى الخفض، يعني ليس بلفظ الخفض وإنما بمسماه، ماهو مسماه؟ هو الكسرة التي يحدثها عامل الجرِّ، فمتى ما رأيت الكسرة؛ لكن بشرط ليست كلّ كسرة، وإنما الكسرة التي يقتضيها عامل الجرّ، بمعنى: عامل الجرّ منحصر في اثنين لا ثالث لهما على الصحيح، وهما:"حرف الجر" كلّ حرف جر ما بعده يكون مجرورا، وجره يكون بالكسرة، الكسرة هذه أوجدها وأحدثها عامله وهو حرف الخفض، "الثاني المضاف" فإذا قلت:(خرجت من المسجد) نقول: (المسجد) هذا اسم، والذي دل على كونه اسما وجود الخفض وهو الكسرة، هل كلّ كسرة تكون علامة على اسمية الكلمة؟ الجواب: لا، هل وجد ضابط الكسرة الذي يكون علامة في هذا التركيب؟ نقول: نعم، لماذا؟ لأن (مِنْ) حرف جر، بمعنى أنه يقتضي أن يكون ما بعده مجرورا، فإذا قلت:(خرجت من المسجد) بالكسر، هذه الكسرة أحدثها (مِنْ) وهو عامل الجر، (جاء غلام زيد) نقول:(زيد) هذا اسم، ما الذي دلّ على أنه اسم؟ وجود الكسرة، ما الذي أحدث هذه الكسرة؟ من أين جاءت؟ من لفظ (غلام) لكونه مضافا، إذن كلّ تركيب إضافي الثاني يكون ماذا _المضاف إليه_؟ يكون مجرورا، لماذا؟ لكونه اسما، إذن المضاف والمضاف إليه، أما المضاف _كما سيأتي_ على حسب العوامل، المضاف إليه وهو (زيد) بقولك (غلامُ زيدٍ) لا يكون إلّا مخفوضا، وإذا كان كذلك فلا يكون إلّا اسما؛ لأن الاسم من علامته الخفض، عرفنا هذا إذن.

[يعرف بالخفض]: يعني بالكسرة التي يحدثها عامل الجر {يَا أيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ} ، (قُمِ) اسم؟ والكسرة هذه هل هي علامة على اسمية الكلمة؟ الجواب: لا، إذن قولنا ليس كلّ كسرة تكون علامة على الاسمية احترازا من هذه الكسرة {قُمِ اللَّيْلَ} ، (قُمِ) وجدت الكسرة، لو كان الطالب ظاهريًّا لقال (قم) هذا اسم لماذا؟ لوجود الكسرة، إذن وجود الكسرة لا يدل على أن مدخولها يكون اسما، لماذا؟ لكون هذه الكسرة لم يقتضيها عامل الجر، يعني هذا اللفظ (قم) لم يدخل عليه حرف جر، وليس مضافا، (إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ)، (إنِ امْرُؤٌ)؟ أجيبوا، (إن) دخلت عليه الكسرة هنا (إنِ امْرُؤٌ) هذه الكسرة ليست علامة على اسمية الكلمة؛ لأن (إنْ) بالإجماع على أنها حرف، وهذه الكسرة لم يقتضيها عامل الكسر _عامل الخفض_ وهو حرف الجر والمضاف، إذن هذه الكسرة للتخلص من التقاء الساكنين، كقوله:{قُمِ} ، إذن فالاسم يعرف بالخفض، والخفض المراد به هنا الكسرة التي يحدثها العامل _عامل الخفض_، ليست كلّ كسرة، ليس كلّ من رأى كسرة حينئذ يقول هي مدخول اسم.

ص: 16

[وبالتنوين]: هذه العلامة الثانية، [التنوين] مصدر نَوَّنَ يُنَوِّنُ تَنْوِينًا، وهو في اللغة:"التصويت"، والمراد به في أصح تعريف يذكر للتنوين:"نون تثبت لفظا لا خطّا"، ما هو التنوين؟ نون تثبت لفظا لا خطا، فكلما وجد التنوين _وهو مشهور بأنواعه_ كلّما وجد التنوين حكمت على الكلمة بكونها اسما، (جَاءَ زَيْدٌ)، (زيدٌ) هذا اسم، لماذا؟ لكونه منونا، (رَأَيْتُ زَيْدًا)، (زَيْدًا) اسم لكونه منونا، (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ)، (زَيْدٍ) اسم لكونه منونا، إذن التنوين "نون تثبت لفظا لا خطا"؛ احترازا من التنوين الذي يثبت خطا _يعني يُكْتَبُ_، (زيد) ما تكتب التنوين، (زيد) عندنا ضمتان هنا، الضمة الأولى: هي حركة الإعراب، والضمة الثانية: نائبة عن النون الساكنة، وأما إذا كتب التنوين نون ساكنة، هذا لا يكون تنوينا علامة على الاسم وهو قليل، فلا يذكر إذن، العلامة الثانية [التنوين] فمتى ما كانت الكلمة منونة رفعا أو نصبا أو خفضا فحكم على الكلمة بكونها اسما.

[أو دخول (ألْ)]: يعني كلما وجدت (ألْ) فما بعدها يكون اسما، فأطلق الناظم هنا (ألْ) تعممها سواءً كانت معرّفة أو زائدة أو كانت موصولة، حينئذ كلما وجد لفظ (ألْ) حكمت على كون مدخولها اسما، لكون (ألْ) لا تدخل إلّا على الأسماء، ولا تدخل على الأفعال ولا على الحروف، وقال الناظم هنا ألْ) ولم يقل:(الألف واللام) كما قال صاحب الأصل في النثر، قال:(دخول الألف واللام)، والصحيح أن يقال:(ألْ)؛ لأن (ألْ) مثل (هل)، يعني مؤلفة من حرفين، نطق العرب _قاعدة العرب_ أن الحرف إذا كان مؤلفا من حرفين نطق باسمه _نطق بالمسمى_، فيقال (مِنْ) ولا يقال الميم والنون، ويقال (هل) ولا يقال الهاء واللام، لماذا؟ لأنه مؤلف من حرفين فينطق بالمسمى، وإذا كان مؤلفا من حرف واحد فينطق بالاسم، فباء الجر تقول (مررت بزيد)، (بـ) أو (الباء)؟ تقول الباء، (اللّام) حرف جرّ فتأتي بالاسم، إذن ما كان على حرف واحد تنطق بالاسم، وما كان على حرفين ينطق بالمسمى، و (ألْ) على الصحيح أنها مؤلفة من حرفين الهمزة _وعلى الصحيح أنها همزة قطع_ واللّام، إذن (ألْ) مثل (هل)، ولذلك أصاب هنا، قال: دخول (ألْ)، [أو دخول (ألْ)]: مطلقا كما ذكرنا، حينئذ البيت مثلا تحكم على كون هذا اللفظ اسما لوجود الياء.

[فاقف]: أيها الطالب، [ماقفوا]:(قفوا) المراد به المتابعة، قَفَوْتُ قَفْوًا وَقُفُوًّا= تَبِعْتُ، يعنى تَبِعَ ماذكره النحاة في هذه المسائل.

ص: 17

العلامة الرابعة، قال:[وبحروف الجر]: يعني بواحد من حروف الجر، وليس المراد كل حروف الجر، وإنما المراد بواحد من حروف الجر، فمتى ما وجد حرف الجر حكمت على مدخوله بكونه اسما، {سُبْحَانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ} ، (عبده) اسم أو فعل أو حرف؟ اسم، ما الدليل؟ الكسرة (هذا واحد)، والكسرة لا تدخل إلّا على الاسم، أليس كذلك؟ الكسرة التي أحدثها عامل الخفض وهو موجود هنا وهو الباء، ثانيا: دخول حرف الجرّ وهو الباء، (إلَى الْمَسْجِدِ)، (مسجد) اسم أم فعل؟ اسم، ما الدليل؟ الكسرة وحرف الجرّ والألف واللّام، إذن كم علامة؟ ثلاث علامات، (إلى المسجد)، (مسجد) تقول: هذا اسم، الدليل (إلى) دخلت عليه، و (إلى) لا تدخل إلّا على الاسم، (ألْ) دخلت على مسجد ولا تدخل (ألْ) إلّا على الأسماء، كذلك (الْمَسْجِدِ) بالكسر، الكسر لا يدخل إلّا الأسماء.

ثم استطرد الناظم بذكر بعض حروف الجر ليعرف طالب إذا قيل حروف الأن ما هي حروف الجر؟ لابد أن يحفظ بعض حروف الجرّ المشهورات عند أهل العلم من أجل أن يقف على بعض المواضع التي يحكم عليها بكونها حرف جر، فذكر خمسة عشر حرفا، والنظر فيها من جهتين:"الجهة الأولى في المثال" وهذا الذي يكفينا، "والجهة الثانية في معانيها" يعني معناها كذا، هذا لا يعنينا إنما نذكر مثالا لما ذكره.

[وهي]: أي حروف الجر، [مِنْ]: إذن (مِنْ) حرف جر، كلما وجدت (مِنْ) فاحكم عليه بكونه حرف جر، وأن ما بعده اسم مجرور، {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .

[إلَى]: يعني (وإلَى){إلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى} ، (إلَى) حرف جر.

[وَعَنْ]: (رَمَيْتُ الْقَوْسَ أو السَّهْمَ عَنِ الْقَوْسِ)، فـ (القوس) هذا اسم لدخول (عن)، و (عن) حرف جر.

[وَفِي]: (الْمَاءُ فِي الْكَأسِ)، (في الكؤوس) في تقول هذه حرف جر، وما بعدها يكون اسما.

[وَرُبَّ]: وهي حرف جر، والمشهور أنها للتقليل، قد تأتى للتكثير، (رُبَّ رَجُلٍ كَرِيمٍ لَقِيتُ)، (رُبَّ) هذه حرف جر، فدل على أن ما بعدها يكون اسما مجرورا.

[وَالْبَاء]: انظر هنا، قال:[من إلى وعن وفي وربّ] حكاها بالمسمى، ثم قال:[والباء] حكاها بالاسم، الفرق أن الأول منه ماهو على حرفين أو ثلاث كـ (رُبَّ) فيحكى بالمسمّى، (والباء) على حرف واحد فيحكى بالاسم، (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ):(بزيد) هنا الباء هنا حرف جر، وما بعده اسم مجرور بها.

[وَعَلَى]: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} نقول هذا اسم لدخول (على) وهو حرف جر.

[وَالْكَاف]: يعني مسمى الكاف، وكذلك مسمى الباء فيما سبق، وحكاه بالاسم، [الكاف]:(لَيْلَةٌ كَالْبَدْرِ، كَالْقَمَرِ)، (الكاف) حرف جر وما بعده اسم.

[وَاللَّام]: أي مسمى اللّام، (الْمَالُ لِزَيْدٍ)، (الْحَصِيرُ لِلْمَسْجِدِ) ونحو ذلك.

ص: 18

[وَالْوَاو، وَالتَّاء]: الواو والتاء ومثلها الباء هذه حروف الخفض، ولكنها _الباء_ قد تستعمل في القسم، وكذلك الواو والتاء، يعني يُقْسَمُ بها، (وَاللهِ، تَاللهِ، بِاللهِ) فيقسم بها مع كونها حروف خفض، بمعنى أنها تزيد على غيرها من جهة أنها قد يقسم بها، معلوم القسم واليمين لشأن البشر عندما يقسمون بالله تعالى، {وَالْفَجْرِ} الواو هذه حرف قسم، وهي تفيد ما تفيده (مِن، وإلى) بمعنى أنها تجر ما بعدها {وَالْفَجْرِ} ، {وَأقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ} ، (بالله)، (الله لفظ الجلالة) نقول جُرَّ بالباء وهو حرف خفض، وهو في نفس الموضع حرف قسم، يعني يقسم به.

[والتاء]: التاء هذه خاصة بـ (تالله)، يعني {تَاللهِ لَأكِيدَنَّ أصْنَامَكُمْ} (الله) تقول هنا اسم دخل عليه حرف جر وهو التاء، وهو في نفس الوقت حرف قسم، إذن الباء والواو والتاء مع كونها حروف خفض هي كذلك حروف قسم، فيقسم بها.

[وَمُذْ، وَمُنْذُ]: هذه ذكرها ابن آجروم في آخر المخفوضات؛ لكن نقلها المصنف، وهو نقل حسن في معرض ذكر حروف الجرّ، (مُذْ، وَمُنْذُ) لا يدخلان إلّا على الأسماء فقط، زمن يعني كيوم ونحوه، وهما يدلان على معنى (مِنْ) إن كان ما بعدهما ماضيًا، يعني الزمن الذي يكون بعدهما قد يكون ماضيا _يعني مضى وانتهى_، وقد يكون حاضرا، (مَا رَأيْتُهُ مُذْ أَمْس، أو مُنْذُ أَمْس)، (أمس) اسم زمان، وهو زمان ماضٍ، حينئذ تفسر (مذ ومنذ) هنا بمعنى (مِن) يعني الابتداء، (ما رأيته مذ أمس) يعني من أمس، (ما رأيته مذ يوم الجمعة _أمس_، ما رأيته مذ يوم الجمعة) يعني من يوم الجمعة، هذا إذا كان ما بعدها ماضيًا، وإذا كان حاضرا (ما رأيته مذ يومنا، أو منذ يومنا) يعني في يومنا، إذن (مذ ومنذ) تفسر بـ (مِن)، وبـ (فِي) متى نفسرها بمن؟ إذا كان ما بعدها زمن ماضٍ، ومتى نفسرها بمعنى في؟ إذا كان ما بعدها زمن حاضر، هذا إذا دخلت على الاسم وجرته، وأما إذا دخلت على الفعل فهي اسم.

[وَلَعَلَّ، وَقَلَّمَا]: ذكر (لعل) في هذا الموضع، وهي لغة عقيل يعني الجرّ بها لغة عقيل، وسيأتي أنها من النواصب (إنَّ، وَلَيْتَ، وَلَعَلَّ)، (لعل) من أخوات (إنَّ) فينصب بها، لكن في لغة شاذة _وهي لغة عقيل_ قد يجر بها، (لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا).

[حَتَّى]: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ، (مطلعِ) نقول هذا اسم مجرور بدخول حتى.

إذن حروف الجرّ _كما ذكرنا_ ينظر فيها من جهتين: "من جهة المعاني" ولا بحث لنا فيها، وثانيا "من جهة الأمثلة" وهي أن يقف طالب العلم على أن هذا حرف جر.

ص: 19

إذن الاسم يميز عن أخويه الفعل والحرف من جهتين: " [الجهة الأولى: التعريف]، وتعريفه: "كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمان" يعني بأحد الأزمنة الثلاثة، وهي الماضي أو الحال أو الاستقبال، [ويميز بالعلامة]، وذكر المصنف أربع علامات، متى ما وجدت واحدة منها حكمنا على مدخولها بكونه اسما، وهي: (الخفض) والمراد بالخفض ماهو؟ الكسرة، أي كسرة؟ لا، إنما الكسرة التي يحدثها عامل الخفض، وعامل الخفض محصور في اثنين: حرف جر ومضاف، إذن كلّ كسرة عن حرف جر فهي علامة، كلّ كسرة يقتضيها المضاف فهي علامة، ما عداه فلا، لأن الكسر قد يكون للتخلص من التقاء الساكنين؛ فيدخل الحرف ويدخل الفعل، "فعل" مثل: (قُمِ اللَّيْلَ) (قم) دخلت عليه الكسرة وليس باسم، لأن هذه الكسرة للتخلص من التقاء الساكنين، كذلك (إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (إنْ) ساكنة في الأصل، وهنا تخلصنا _من التخلص_ من التقاء الساكنين بتحريك الأول وهو النون بالكسر، إذن (العلامة الأولى: الخفض)، (العلامة الثانية: التنوين) وهو: "نون تثبت لفظا لا خطا"، فمتى ما رأيت التنوين فاحكم على كون مدخوله اسما، (ثالثا: ألْ _دخول ألْ_) فمتى ما دخلت (ألْ) نحكم عليه بكونه اسما، (رابعا: دخول حرف من حروف الجرّ) واعلم أن المراد هنا بقبول العلامة المراد إمكانية ذلك، يعني لو قلت (جَاءَ رَجُلٌ)(رجل) هذا اسم أم فعل أم حرف؟ اسم بدليل التنوين، هنا نقول التنوين علامة دخلت بالفعل _يعني نطقت بها_، وهل يقبل (رجل) كلمة (ألْ)؟ نعم يقبل كلمة (ألْ)، إذن وجدت فيه علامتان، علامة بالفعل يعني نطق بها، وعلامة بالقوة؛ لكون رجل يقبل (ألْ)، هل يقبل الخفض؟ (رجل) هل يقبل الخفض؟ (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ)، (مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ) إذن قَبِلَ (ألْ) وقَبِلَ حرف الجر، لكنه بالقوة، إذن المراد بالعلامات هنا كون الكلمة قابلة، ليس المراد أن تدخلها، فإذا قلت (جاء رجل) العلامة الموجودة المنطوق بها هي التنوين، والعلامات الأخرى يقبلها اللفظ ولكنها بالقوة.

ثم شرع في بيان ما يتعلق بالفعل، الذي يميز به عن الاسم والحرف.

ونقف على هذا، والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّمَ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طبعا أوقات الدرس ستكون بعد الفجر مختلفا بثلث ساعة وبعد المغرب وبعد العشاء؛ من أجل أن ننتهي في هذا الأسبوع _إن شاء الله تعالى_ من هذا المتن (متن فيه شيء من الطول).

الأسئلة متعلقة بالدرس فقط، لا أجيب شيئا آخر.

ص: 20

إذا كان إعراب كلمة (عندنا): (إنَّ الكلامَ عِنْدَنَا)، (عندنا) في الأصل طبعا نحن نختصر، ما نقف على كلّ كلمة على التفصيل، الشرح هذا مشروحا، والكتاب هذا مشروح بشرح مفصل، من أراده فليرجع، نحن نختصر بالزبدة والخلاصة، فقط القواعد والأصول، فـ (عند) في الأصل أنها ظرف زمان أو مكان، (جئتك عند العصر) يعني وقت العصر وهو ظرف زمان، (بيتك عند المسجد) هذا ظرف مكان، لكن في مثل هذا التركيب لا يمكن حملها على الظرفية الزمانية ولا المكانية، قد ذكر بعض أرباب المعاجم بأنه في مثل هذا التركيب يفسر بالحكم، تقول مثلا:(زيدٌ عندِي أفضلُ مِن عمِّهِ) عندي هنا لا يمكن أن تكون ظرفية لا زمانية ولا مكانية، (زيدٌ عندي) يعني في حكمي؛ إذن (عند) قد تستعمل والمراد بها الحكم (إنَّ الكلامَ عندَنا) يعني في حكمنا معاشر النحاة، حينئذ تكون متعلقة بمحذوف حال من الكلام، (إن الكلام حال كونه في حكمنا).

والمتن هذا ما شرح إلّا النظم في ما نعلمه، وشرح بعض الشرحات لكنه ليس ممزوجا، والشرح الذي لا يكون ممزوجا _بمعنى أنه مسبوك مع المتن_ الفائدة منه قليلة، ولكن بالنسبة لهذا الشرح الذي نسير عليه _إن شاء الله_ بهذه الطريقة التحفة السنية تكفيك _إن شاء الله تعالى_، الطالب الجديد على النحو التحفة السنية تحضر منها وتذاكر، مع حفظ المتن، ومع التعليقات التي تعلقها فيما يتعلق بألفاظ المتن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 21