المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ذكر النهي عن مذاهب الواقفة قال محمد بن الحسين⦗ص: 527⦘: وأما الذين قالوا: القرآن كلام الله ووقفوا فيه وقالوا: لا نقول: غير مخلوق، فهؤلاء عند كثير من العلماء ممن رد على من قال بخلق القرآن، قالوا: هؤلاء الواقفة: مثل من قال: القرآن مخلوق وأشر؛ لأنهم - الشريعة للآجري - جـ ١

[الآجري]

فهرس الكتاب

-

- ‌ بَابُ ذِكْرِ الْأَمْرِ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْفُرْقَةِ بَلِ الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: إِنَّ اللَّهَ عز وجل بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا هَلَكُوا لَمَّا افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ، وَأَعْلَمَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ أَنَّ الَّذِي

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَتَحْذِيرِهِ إِيَّاهُمُ الْفُرْقَةَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ فِي دِينِهِمْ وَعَلَى كَمْ تَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَنْ أُمَّةِ مُوسَى عليه السلام: «أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً» ، وَأَخْبَرَنَا عَنْ أُمَّةِ عِيسَى عليه السلام أَنَّهُمُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَوْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِهِ وَتَحْذِيرِهِ إِيَّاهُمْ سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ

- ‌بَابُ ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَسُوءِ مَذَاهِبِهِمْ ، وَإِبَاحَةِ قِتَالِهِمْ وَثَوَابِ مَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْخَوَارِجَ قَوْمُ سُوءٍ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ صَلَّوْا وَصَامُوا، وَاجْتَهَدُوا فِي الْعِبَادَةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ لَهُمْ، نَعَمْ

- ‌بَابُ ذِكْرِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لِلْخَوَارِجِ مِمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِهِمْ

- ‌بَابُ ذِكْرِ ثَوَابِ مَنْ قَاتَلَ الْخَوَارِجَ فَقَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ

- ‌بَابٌ فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ جَارُوا ، وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْقُعُودِ فِي الْفِتْنَةِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا وَتَخَوُّفِ الْعُقَلَاءِ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَنْ تَهْوَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلُزُومِ الْبُيُوتِ وَالْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى

- ‌بَابُ الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّةِ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم وَتَرْكِ الْبِدَعِ وَتَرْكِ النَّظَرِ وَالْجِدَالِ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَوْلَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم

- ‌بَابُ التَّحْذِيرِ مِنْ طَوَائِفَ يُعَارِضُونَ سُنَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَشِدَّةِ الْإِنْكَارِ عَلَى هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ إِذَا سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، فَعَارَضَ إِنْسَانٌ جَاهِلٌ فَقَالَ:

- ‌بَابُ ذَمِّ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنِ الْمِرَاءِ فِي الْقُرْآنِ

- ‌بَابُ تَحْذِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَعُقُوبَةِ الْإِمَامِ لِمَنْ يُجَادِلُ فِيهِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يُزِغْ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وُوُفِّقُوا لِلرَّشَادِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ مَذَاهِبِ الْوَاقِفَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ⦗ص: 527⦘: وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفُوا فِيهِ وَقَالُوا: لَا نَقُولُ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ رَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْوَاقِفَةُ: مِثْلُ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَأَشَرُّ؛ لِأَنَّهُمْ

- ‌الرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ

- ‌بَابُ تَفْرِيعِ مَعْرِفَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِ الدِّينِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَمَّا بَعْدُ فَاعْلَمُوا رَحِمَنَا وَإِيَّاكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لِيُقِرُّوا بِتَوْحِيدِهِ، فَيَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا

الفصل: ‌باب ذكر النهي عن مذاهب الواقفة قال محمد بن الحسين⦗ص: 527⦘: وأما الذين قالوا: القرآن كلام الله ووقفوا فيه وقالوا: لا نقول: غير مخلوق، فهؤلاء عند كثير من العلماء ممن رد على من قال بخلق القرآن، قالوا: هؤلاء الواقفة: مثل من قال: القرآن مخلوق وأشر؛ لأنهم

‌بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ مَذَاهِبِ الْوَاقِفَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ

⦗ص: 527⦘

: وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفُوا فِيهِ وَقَالُوا: لَا نَقُولُ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ رَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْوَاقِفَةُ: مِثْلُ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَأَشَرُّ؛ لِأَنَّهُمْ

شَكُّوا فِي دِينِهِمْ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَشُكُّ فِي كَلَامِ الرَّبِّ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَا أَذْكُرُ مَا تَأَدَّى إِلَيْنَا مِنْهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ عَلَى الْوَاقِفَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ

ص: 526

187 -

حَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَسْأَلُ: هَلْ لَهُمْ رُخْصَةٌ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، ثُمَّ يَسْكُتُ؟ فَقَالَ: وَلَمْ يَسْكُتْ؟ لَوْلَا مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ كَانَ يَسَعُهُ السُّكُوتُ، وَلَكِنْ حَيْثُ تَكَلَّمُوا فِيمَا تَكَلَّمُوا، لِأَيِّ شَيْءٍ لَا يَتَكَلَّمُونَ؟

⦗ص: 528⦘

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى يَقُولُ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْإِيمَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَلَمَّا جَاءَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فَأَحْدَثَ الْكُفْرَ بِقَوْلِهِ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ لَمْ يَسَعِ الْعُلَمَاءَ إِلَّا الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ بِلَا شَكٍّ، وَلَا تَوَقُّفٍ فِيهِ، فَمَنْ لَمْ يَقُلْ غَيْرَ مَخْلُوقٍ سُمِّيَ وَاقِفِيًّا، شَاكًّا فِي دِينِهِ

ص: 527

188 -

وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ: وَذَكَرَ رَجُلَيْنِ كَانَا وَقَّفَا فِي الْقُرْآنِ، وَدَعَوْا إِلَيْهِ فَجَعَلَ يَدْعُو عَلَيْهِمَا وَقَالَ لِي: هَؤُلَاءِ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَجَعَلَ يَذْكُرُهُمَا بِالْمَكْرُوهِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَأَيْتُ أَحْمَدَ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، مِمَّنْ وَقَّفَ فِيمَا بَلَغَنِي، فَقَالَ لَهُ: اغْرُبْ، لَا أَرَاكُ تَجِيءُ إِلَى بَابِي فِي كَلَامٍ غَلِيظٍ، وَلَمْ يَرُدَّ عليه السلام وَقَالَ لَهُ: مَا أَحْوَجَكَ أَنْ يَصْنَعَ بِكَ مَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِصُبَيْغٍ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَرَدَّ الْبَابَ

ص: 528

189 -

حَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: مَنْ قَالَ لَا أَقُولُ الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ جَهْمِيٌّ

ص: 529

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ: وَقِيلَ لَهُ الْوَاقِفَةُ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْوَاقِفَةُ شَرٌّ مِنْهُمْ، يَعْنِي مِمَّنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ

ص: 529

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَيَسْكُتُونَ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءٍ، يَعْنِي مِمَّنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ

ص: 529

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ: عَمَّنْ قَالَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، وَلَا يَقُولُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَا مَخْلُوقٍ؟ فَقَالَ: هَذَا شَاكٌّ، وَالشَّاكُّ كَافِرٌ

ص: 529

190 -

وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ الْعَبَّادَانِيَّ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ فِي الْوَاقِفَةِ: هُمْ عِنْدِي شَرٌّ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ

ص: 530

191 -

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ أَمْسَكَ فَقَالَ: لَا أَقُولُ: لَيْسَ هُوَ مَخْلُوقًا، إِذَا لَقِيَنِي فِي الطَّرِيقِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، أُسَلِّمُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِ؟ وَلَا تُكَلِّمْهُ، كَيْفَ يَعْرِفُهُ النَّاسُ إِذَا سَلَّمْتَ عَلَيْهِ؟ وَكَيْفَ يَعْرِفُ هُوَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ عَلَيْهِ؟ فَإِذَا لَمْ تُسَلِّمْ عَلَيْهِ عَرَفَ الذُّلَّ، وَعَرَفَ أَنَّكَ أَنْكَرْتَ عَلَيْهِ، وَعَرَفَهُ النَّاسُ

ص: 530

192 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُؤَمَّلَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ قَالَ ابْنُ أَبِي بَزَّةَ: مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، أَوْ وَقَفَ، وَمَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، فَهُوَ عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَدِينِ رَسُولِهِ حَتَّى يَتُوبَ

ص: 531

بَابُ ذِكْرِ اللَّفْظِيَّةِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حِكَايَةٌ لِلْقُرْآنِ الَّذِي فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَذَبُوا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: احْذَرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِ مُنْكَرٌ عَظِيمٌ، وَقَائِلُ هَذَا

ص: 534

مُبْتَدِعٌ، خَبِيثٌ وَلَا يُكَلَّمُ، وَلَا يُجَالَسُ، وَيُحَذَّرُ مِنْهُ النَّاسُ، لَا يَعْرِفُ الْعُلَمَاءُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ ، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفَ فَهُوَ جَهْمِيٌّ ، وَمَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ أَيْضًا، كَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَلَّظَ فِيهِ الْقَوْلَ جِدًّا وَكَذَا مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي يَقْرَءُوهُ النَّاسُ، وَهُوَ فِي الْمَصَاحِفِ حِكَايَةٌ لِمَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَهَذَا قَوْلٌ مُنْكَرٌ، يُنْكِرُهُ الْعُلَمَاءُ يُقَالُ لِقَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْقُرْآنُ يُكَذِّبُكَ، وَيَرُدُّ قَوْلَكَ، وَالسُّنَّةُ تُكَذِّبُكَ وَتَرُدُّ قَوْلَكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّهُ إِنَّمَا يَسْمَعُ النَّاسُ كَلَامَ اللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ: حِكَايَةَ كَلَامِ اللَّهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ

ص: 535

تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] فَأَخْبَرَ أَنَّ السَّامِعَ إِنَّمَا يَسْمَعُ الْقُرْآنَ، وَلَمْ يَقُلْ: حِكَايَةَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ} [الإسراء: 9]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ، وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: 30] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ، فَقَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: 1] وَلَمْ يَقُلْ يَسْتَمِعُونَ حِكَايَةَ الْقُرْآنِ وَلَا قَالَتِ الْجِنُّ: إِنَّا سَمِعْنَا حِكَايَةَ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ، وَأَتَى بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِخِلَافِ قَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ وقَالَ تَعَالَى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ

ص: 536

وَقَالَ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عز وجل الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ " وَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى: قَرَأَ طه، ويس قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفِ عَامٍ، فَلَمَّا سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ الْقُرْآنَ، قَالُوا: طُوبَى لِأُمَّةٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ هَذَا، وَطُوبَى لِأَلْسُنٍ تَتَكَلَّمُ بِهَذَا، وَطُوبَى لِأَجْوَافٍ

ص: 538

تَحْمِلُ هَذَا " وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: " تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ، فَإِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَفِي السُّنَنِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَيَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَيَتَعَلَّمُوا أَحْكَامَهُ، فَيُحِلُّوا حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَيَعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَلَا يُمَارُوا فِيهِ، وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، غَيْرَ مَخْلُوقٍ، فَإِنْ عَارَضَهُمْ إِنْسَانٌ جَهْمِيٌّ فَقَالَ: مَخْلُوقٌ، أَوْ قَالَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفَ، أَوْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، أَوْ قَالَ: هَذَا الْقُرْآنُ حِكَايَةٌ لِمَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَحُكْمُهُ أَنْ يُهْجَرَ وَلَا يُكَلَّمَ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ، وَيُحَذَّرَ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّنَنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسُنَنِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَقَوْلِ التَّابِعِينَ، وَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ تَرْكِ الْمِرَاءِ وَالْخُصُومَةِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ، فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ رَجَوْتُ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ خَيْرٍ، وَسَأَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَا بُدَّ لِمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ وَعِلْمَهُ، عَمِلَ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْإِيمَانِ، وَشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِكُلِّ رَشَادٍ، وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

ص: 539

193 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ إِدْرِيسَ الْقَزْوِينِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُمْتَنِعِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ قَالَ: أنا أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيُّ وَكَانَ مِنْ وُجُوهِ بَنِي هَاشِمٍ وَأَهْلِ الْجَلَالَةِ، وَالشَّأْنِ مِنْهُمْ قَالَ: حَضَرْتُ الْمُهْتَدِيَ بِاللَّهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ

⦗ص: 541⦘

جَلَسَ يَنْظُرُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْعَامَّةِ، فَنَظَرْتُ إِلَى قِصَصِ النَّاسِ تُقْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَيَأْمُرُ بِالتَّوْقِيعِ فِيهَا وَإِنْشَاءِ الْكُتُبِ لِأَصْحَابِهَا، وَيَخْتِمُ وَيَدْفَعُ إِلَى صَاحِبِهِ، بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسَرَّنِي ذَلِكَ، وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَفَطِنَ وَنَظَرَ إِلَيَّ، فَغَضَضْتُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَمِنْهُ مِرَارًا ثَلَاثًا، وَإِذَا نَظَرَ غَضَضْتُ، وَإِذَا اشْتَغَلَ نَظَرْتُ، فَقَالَ لِي: يَا صَالِحُ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُمْتُ قَائِمًا، فَقَالَ: فِي نَفْسِكَ مِنَّا شَيْءٌ يَجِبُ أَنْ تَقُولَهُ؟ أَوْ قَالَ: تُرِيدُ أَنْ تَقُولَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، يَا سَيِّدِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ لِي: عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ، فَعُدْتُ، وَعَادَ فِي النَّظَرِ، حَتَّى إِذَا قَامَ قَالَ لِلْحَاجِبِ: لَا يَبْرَحُ صَالِحٌ، فَانْصَرَفَ النَّاسُ ثُمَّ أَذِنَ لِي، وَقَدْ أَهَمَّتْنِي نَفْسِي فَدَخَلْتُ فَدَعَوْتُ لَهُ، فَقَالَ لِي: اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا صَالِحُ، تَقُولُ لِي، مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ، أَوْ أَقُولُ أَنَا: مَا دَارَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ دَارَ فِي نَفْسِكَ؟ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَعْزِمُ عَلَيْهِ، وَمَا تَأْمُرُ بِهِ فَقَالَ: وَأَقُولُ: كَأَنِّي بِكَ وَقَدِ اسْتَحْسَنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا، فَقُلْتُ: أَيُّ خَلِيفَةٍ خَلِيفَتُنَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ فَوَرَدَ عَلَى قَلْبِي أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَأَهَمَّتْنِي نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ، هَلْ تَمُوتِينَ إِلَّا مَرَّةً؟ وَهَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِكَ؟ وَهَلْ يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي جَدٍّ أَوْ هَزْلٍ؟

⦗ص: 542⦘

فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا دَارَ فِي نَفْسِي إِلَّا مَا قُلْتُ، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: وَيْحَكَ، اسْمَعْ مِنِّي مَا أَقُولُ، فَوَاللَّهِ لَتَسْمَعَنَّ مِنِّي الْحَقَّ، فَسُرِّيَ عَنِّي فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي وَمَنْ أَوْلَى بِقَوْلِ الْحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ خَلِيفَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَابْنُ عَمِّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَقَالَ لِي: مَا زِلْتُ أَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ صَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ الْوَاثِقِ، حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ أَهْلِ أَذَنَةَ فَأُدْخِلَ الشَّيْخُ عَلَى الْوَاثِقِ مُقَيَّدًا، وَهُوَ جَمِيلُ الْوَجْهِ تَامُّ الْقَامَةِ

⦗ص: 543⦘

، حَسَنُ الشَّيْبَةِ، فَرَأَيْتُ الْوَاثِقَ قَدِ اسْتَحْيَى مِنْهُ، وَرَقَّ لَهُ، فَمَا زَالَ يُدْنِيهُ وَيُقَرِّبُهُ، حَتَّى قَرُبَ مِنْهُ، فَسَلَّمَ الشَّيْخُ فَأَحْسَنَ السَّلَامَ، وَدَعَا فَأَبْلَغَ الدُّعَاءَ، وَأَوْجَزَ، فَقَالَ لَهُ الْوَاثِقُ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ، نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُؤَادٍ عَلَى مَا يُنَاظِرُكَ عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَقِلُّ وَيَضِيقُ، وَيَضْعُفُ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ فَغَضِبَ الْوَاثِقُ، وَعَادَ مَكَانَ الرَّأْفَةِ لَهُ غَضَبًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَصْبُو وَيَقِلُّ وَيَضْعُفُ عَنْ مُنَاظَرَتِكَ أَنْتَ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِكَ وَائْذَنْ لِي فِي مُنَاظَرَتِهِ، فَقَالَ الْوَاثِقُ: مَا دَعَوْتُكَ إِلَّا لِلْمُنَاظَرَةِ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ، إِلَى مَا دَعَوْتَ النَّاسَ وَدَعَوْتَنِي إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: إِلَى أَنْ تَقُولَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ دُونَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَقَالَ الشَّيْخُ: إِنْ رَأَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ مَا نَقُولُ، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبِرْنِي يَا أَحْمَدُ عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ، أَوَاجِبَةٌ دَاخِلَةٌ فِي عَقْدِ

⦗ص: 544⦘

الدِّينِ، فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ أَخْبِرْنِي عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِبَادِهِ، هَلْ سَتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي دِينِهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ الشَّيْخُ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأُمَّةَ إِلَى مَقَالَتِكَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: تَكَلَّمْ فَسَكَتَ، فَالْتَفَتَ الشَّيْخُ إِلَى الْوَاثِقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاحِدَةٌ فَقَالَ الْوَاثِقُ: وَاحِدَةٌ، فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، حِينَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] أَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّادِقُ فِي إِكْمَالِ دِينِهِ، أَمْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقْصَانِهِ، فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: أَجِبْ يَا أَحْمَدُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اثْنَتَانِ فَقَالَ الْوَاثِقُ: اثْنَتَانِ

⦗ص: 545⦘

فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ، أَعَلِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ جَهِلَهَا؟ قَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: عَلِمَهَا قَالَ الشَّيْخُ: فَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثَلَاثٌ فَقَالَ الْوَاثِقُ: ثَلَاثٌ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ، فَاتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَلِمَهَا كَمَا زَعِمْتَ، وَلَمْ يُطَالِبْ أُمَّتَهُ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ: وَاتَّسَعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم؟ فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: نَعَمْ فَأَعْرَضَ الشَّيْخُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْوَاثِقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ قَدَّمْتُ لَكَ الْقَوْلَ أَنَّ أَحْمَدَ يَصْبُو وَيَقِلُّ وَيَضْعُفُ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَكَ الْإِمْسَاكُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، مَا اتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم، فَلَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَهُ مَا اتَّسَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ

⦗ص: 546⦘

فَقَالَ الْوَاثِقُ: نَعَمْ إِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَنَا مِنَ الْإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا اتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم، فَلَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْنَا، اقْطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ، فَلَمَّا قُطِعَ ضَرَبَ الشَّيْخُ بِيَدِهِ إِلَى الْقَيْدِ لِيَأْخُذَهُ فَجَاذَبَهُ الْحَدَّادُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْوَاثِقُ: دَعِ الشَّيْخَ لِيَأْخُذَهُ، فَأَخَذَهُ الشَّيْخُ فَوَضَعَهُ فِي كُمِّهِ، فَقَالَ الْوَاثِقُ: لِمَ جَاذَبْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ الشَّيْخُ: لِأَنِّي نَوَيْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَى مَنْ أُوصِي إِلَيْهِ إِذَا مِتُّ أَنْ يَجْعَلَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كَفَنِي، حَتَّى أُخَاصِمَ بِهِ هَذَا الظَّالِمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَقُولَ: يَا رَبِّ، سَلْ عَبْدَكَ هَذَا لِمَ قَيَّدَنِي وَرَوَّعَ أَهْلِي وَوَلَدِي وَإِخْوَانِي بِلَا حَقٍّ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيَّ؟ وَبَكَى الشَّيْخُ فَبَكَى الْوَاثِقُ وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَأَلَهُ الْوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِمَّا نَالَهُ فَقَالَ الشَّيْخُ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ جَعَلْتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِكْرَامًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ كُنْتَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ الْوَاثِقُ: لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ فَقَالَ الشَّيْخُ: إِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً فَعَلْتُ فَقَالَ الْوَاثِقُ: تُقِيمُ فِينَا فَيَنْتَفِعَ بِكَ فِتْيَانُنَا، فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخْرَجَنِي

⦗ص: 547⦘

مِنْهُ هَذَا الظَّالِمُ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ مَقَامِي عَلَيْكَ، وَلَأُخْبِرُكَ بِمَا فِي ذَلِكَ: أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي وَأَكُفُّ دُعَاءَهُمْ عَلَيْكَ، فَقَدْ خَلَّفْتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْوَاثِقُ: فَتَقَبَّلْ مِنَّا صِلَةً مَا تَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى دَهْرِكَ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَحِلُّ لِي، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ، وَذُو مِرَّةٍ سَوِيٍّ قَالَ: فَسَلْ حَاجَتَكَ قَالَ: أَوَ تَقْضِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَخَلِّ سَبِيلِي إِلَى الثَّغْرِ السَّاعَةَ، وَتَأْذَنْ لِي قَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَسَلَّمَ الشَّيْخُ، وَخَرَجَ قَالَ صَالِحٌ: قَالَ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: فَرَجَعْتُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَظُنُّ الْوَاثِقَ بِاللَّهِ كَانَ رَجَعَ عَنْهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ

ص: 540

195 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَزْوِينِيُّ أَيْضًا قَالَ

⦗ص: 548⦘

: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدَكَ الْقَزْوِينِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ يُوسُفَ الزِّمِّيَّ، يَقُولُ: بَيْنَا أَنَا قَائِلٌ فِي بَعْضِ بُيُوتِ خَانَاتِ مَرْوٍ فَإِذَا أَنَا بِهَوْلٍ عَظِيمٍ، قَدْ دَخَلَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: لَيْسَ تَخَافُ، يَا أَبَا زَكَرِيَّا قَالَ قُلْتُ: فَنَعَمْ، مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: وَقُمْتُ وَتَهَيَّأْتُ لِقِتَالِهِ، فَقَالَ: أنا أَبُو مُرَّةَ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا حَيَّاكَ اللَّهُ، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ لَمْ أَدْخُلْ، وَكُنْتُ أَنْزِلُ بَيْتًا آخَرَ، وَكَانَ هَذَا مَنْزِلِي حِينَ آتِي خُرَاسَانَ قَالَ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ قَالَ: مِنَ الْعِرَاقِ قَالَ وَقُلْتُ: وَمَا عَمِلْتَ بِالْعِرَاقِ؟ قَالَ: خَلَّفْتُ فِيهَا خَلِيفَةً، قُلْتُ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: بِشْرٌ الْمِرِّيسِيُّ، قُلْتُ: وَإِلَى مَا يَدْعُو؟ قَالَ: إِلَى خَلْقِ الْقُرْآنِ

⦗ص: 549⦘

قَالَ: وَآتِي خُرَاسَانَ فَأَخْلُفُ فِيهَا خَلِيفَةً أَيْضًا قَالَ: قُلْتُ: إِيشِ تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا وَإِنْ كُنْتُ شَيْطَانًا رَجِيمًا أَقُولُ: " الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ

ص: 547