المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما ورد في تفسير آيات الشعراء - الشعر في ضوء الشريعة الإسلامية

[محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل]

الفصل: ‌ما ورد في تفسير آيات الشعراء

قال ومثل هذا كثير لا يكاد يحصيه الاستقصاء حتى لقد اختصه العلماء بالتآليف وأفردوه بالكتاب.

ثم ذكر قصة معزوة إلى الفاروق رضي الله عنه وخلاصتها أن عمر تلا قول الله سبحانه وتعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} 1 فقال للصحابة ما تقولون فيها فنهض أعرابي وقال هذه لغتنا التخوف التنقص وأنشد قول أبي كبير يصف ناقته: فقال عمر رضي الله عنه: "عليكم بديو

تخوف الرحل منا تامكا قردا

كما تخوف عود النبعة السفن2

ان العرب فإن فيه تفسير كتابكم". قلت وقد روي عن عمر بن الخطاب أيضا أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب". قال شيخنا محمد المجذوب في تعليقه على هذا الأثر: "ولعله رضي الله عنه راعى ما فيه من تسجيل عاداتهم وأخلاقهم وتاريخ وقائعهم وأيامهم وما أودعوه من معادن حكمتهم وكنوز آدابهم"3.

وما قال شيخنا يضاف إلى ما سبق من أنه مفسر لكثير من ألفاظ القرآن وغريب الحديث ويقع به الاحتجاج في النحو وغيره من علوم اللسان كما سبق النقل عن ابن قتيبة والله أعلم.

1 سورة النحل 47.

2 تامكا سناما عظيما. والقرد الذي أمله القراد. والسفن الحديد الذي ينحت به وهو المبرد يقول: إن الرحل أثر سنام الناقة وتنقص منها كما ينقص السفن من العود.

3 مذكرة في الأدب لطلاب كلية الشريعة.

ص: 153

‌ما ورد في تفسير آيات الشعراء

قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ. إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .

القراءة:

{وَالشُّعَرَاءُ} قرأ الجمهور بالرفع على أنه مبتدأ وخبره ما بعده. وقرأ عيسى بن عمر {الشُّعَرَاءَ} بالنصب على الاشتغال، وقرأ نافع {يَتْبَعُهُم} بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد. وقرأ ابن عباس والحسن: أي منفلتٍ ينفلتون بالفاء مكان القاف والتاء مكان الباء من الانفلات بالنون والفاء الفوقية. وقرأ الباقون بالقاف

ص: 153

والباء من الانقلاب بالنون والقاف والموحدة والمعنى على قراءة ابن عباس والحسن: أن الظالمين يطمعون في الانفلات من عذاب الله والانفكاك منه ولا يقدرون على ذلك1.

عن عكرمة عن ابن عباس: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} فنسخ من ذلك واستثنى فقال: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} إلى قوله: {يَنْقَلِبُونَ} .

أخرجه أبو داود في الأدب والبخاري في الأدب المفرد.

المفردات

الشعراء: جمع شاعر كجاهل وجهلاء وعالم وعلماء والغاوون: جمع غاوٍ وهو الضال. يهيمون: يقال هام يهيم هيما وهيمانا إذا ذهب على وجهه.

سبب النزول

قال السيوطي: "أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: "تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين وكان من كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فأنزل الله {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} الآيات" قال: وأخرج ابن أبي حاتم نحوه2"

قال ابن كثير: "وأخرج ابن أبي حاتم قال حدثنا أبي حدثنا أبو مسلم حدثنا حماد ابن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال: لما نزلت {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إلى قوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله قد علم الله أني منهم فأنزل الله تعالى: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية". ثم قال: "ولكن هذه السورة مكية فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار وفي ذلك نظر ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها والله أعلم"3.

معنى الآيات الكريمات

قال الشوكاني: "قوله عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} المعنى أن الشعراء يتبعهم أي يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون أي الضالون عن الحق ثم بين سبحانه قبائح شعراء الباطل فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} . والجملة مفسرة لما قبلها والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية. أي ألم تر أنهم في كل فن من فنون الكذب يخوضون وفي كل شعب من شعاب الزور يتكلمون فتارة يمزقون الأعراض بالهجاء وتارة

1 فتح القدير ج4_ص121_122 مطبعة مصطفى البابي الحلبي.

2 لباب النقول في أسباب النزول بهامش الجلالين ص237_ج1.

3 ج3_ص354_دار إحياء التراث العربي.

ص: 154