الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والموضوع طويل وحسبنا ما ذكرنا على سبيل المثال.
استنشاده صلى الله عليه وسلم واستماعه وما تمثل به منه وبيان أنه بمنزلة الكلام
…
وقد ذكر البخاري في باب من استنشد الشعر وما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم منه وما تمثل به وبيان أنه بمنزلة الكلام.
1-
عن عمر بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم شعر أمية ابن أبي الصلت وأنشدته، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"هيه هيه". حتى أنشدته مائة قافية. فقال: "إن كاد ليسلم"1 2.
ترجمة أمية:
هو أمية بن عبد الله بن ربيعة الثقفي. وعتبة وشيبة أبناء خاله ولذلك رثى قتلى بدر بقصيدته المشهورة وكان ممن حرم الخمر وتجنب الأوثان والتمس الدين وطمع في النبوة لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث في الحجاز فرجا أن يكون هو.
فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حسده وبلغ به الحسد إلى حد الجحود فلم يسلم. توفي بالطائف في السنة الثانية وقيل في التاسعة ومن شعره:
كل دين يوم القيامة عند الله
…
إلا دين الحنيفة زور
ومن شعره:
إن تغفر اللهم تغفر جما
…
وأي عبد لك لا ألما 3
قوله: "هيه هيه" أصله إيه أبدلت الهمزة بالهاء، اسم فعل بمعنى الأمر تقول للرجل "إيه" بغير تنوين إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما فإذا نونته استزدته من حديث ما لأن التنوين للتنكير.
قوله "إن كاد" مخففة من الثقيلة. أي قارب الإسلام ولم يسلم. وفي رواية:" آمن لسانه وكفر قلبه".
2-
وعن خالد بن كيسان قال: "كنت عند ابن عمر فوقف عليه إياس بن خثيمة قال: ألا أنشدك من شعري يا ابن الفاروق. قال: بلى ولكن لا تنشدني إلا حسنا. فأنشده حتى إذا بلغ شيئا كرهه ابن عمر قال له: أمسك"4.
1 أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأخرجه مسلم في كتاب الشعر آخر كتاب الحيوان وابن ماجه في الأدب والدارمي في الاستئذان وابن خزيمة في التوحيد والطحاوي في الكراهية وأحمد في مسند ابن عباس.
2 قال النووي في الحديث جواز إنشاء الشعر الذي لا فحش فيه وسماعه سواء شعر الجاهلية وغيرهم وأن المذموم من الشعر الذي لا فحش فيه إنما هو الإكثار منه وكونه غالبا على الإنسان فأما يسيره فلا بأس بإنشاده وسماعه وحفظه.. شرح مسلم 15/12.
3 تاريخ الأدب العربي ص75.
4 أخرجه البخاري في الأدب المفرد في باب إن من الشعر حكمة قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا أيوب بن خالد هو ابن كيسان الحديث ص222.
3-
عن قتادة سمع مطرفا قال: "صبحت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة فقلّ منزل ينزله إلا وهو ينشدني شعرا. وقال: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب"1.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل". وفي رواية: "أصدق كلمة" منفق عليه.
المراد بالكلمة هنا القطعة من الكلام كما قال سبحانه: {كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} إشارة إلى قول الكافر: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت} .
ترجمة لبيد:
هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن جفر بن كلاب يكنى أبا عقيل قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني كلاب فأسلم ثم رجع إلى بلاده وقطن بالكوفة ومات بها عاش مائة وأربعين سنة وكان شريفا في الجاهلية والإسلام قيل مات في خلافة عثمان وقيل في خلافة معاوية2.
وعجز الشطر الأول. وكل نعيم لا محالة زائل. قوله باطل: أي هالك مضمحل لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فلا ريب أن هذه الكلمة أصدق ما تكلم به ناظم أو ناثر. مقدمتها كلية مقطوع بصحتها وشمولها عقلا ونقلا ولم يخرج من كليتها شيء قطعا إلا ما مرَّ استثناؤه وهو الله وصفاته وعقابه وثوابه. وفيه جواز الشعر وإنشاده ما لم يخل بأمر ديني أو يزيل الوقار أو يحصل منه إطراء أو إكثار3.
4-
عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: "قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟. فقالت: كان يتمثل بشيء من شعر عبد الله بن رواحة ويتمثل ويقول: "ويأتيك بالأخبار من لم تزود"4.
قوله: "فقالت" لفظ الطحاوي: "فقالت نعم بشعر ابن رواحة وربما قال هذا البيت ويأتيك الخ". وفي لفظ له: "كان يتمثل بشعر ابن رواحة" أخرجه أحمد من طريق مغيرة عن الشعبي: "إذا استراب الخبر تمثل فيه ببيت طرفة" فنسبتها إلى
1 أخرجه البخاري في الأدب المفرد قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة. الحديث.
2 شرح شواهد المغني للسيوطي 152 _ج1.
3 فيض القدير 1/529.
4 أخرجه الترمذي وصححه والنسائي في اليوم والليلة والبخاري في الأدب المفرد والطحاوي في مشكل الآثار.
ابن رواحة مجازية1.
عبد الله بن رواحة:
صحابي جليل شهد بدرا وهو أحد النقباء استشهد بمؤتة وكان ثالث الأمراء الذين أخبر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان جده أبو سريح عمرو بن امرئ القيس شاعرا فحلا وهو القائل:
يا مال والسيد المعمم قد
…
يبطره بعد رأيه السرف
نحن بما عندنا وأنت بما عن
…
دك راض والرأي مختلف
قوله ويأتيك الخ هذا عجز بيت وصدره:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
والمعنى يأتي الزمان إليك بالخبر من غير أن ترسل أحدا أن يأتي به إليك فلا تحتاج أن تعطيه الزاد.
عن البراء بن عازب قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب وهو يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته".
وفي رواية: "ورفع بها صوته أبينا أبينا" متفق عليه.
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة
…
فاغفر للأنصار والمهاجرة
وفي رواية سهل بن سعد عند مسلم: "فاغفر للمهاجرين والأنصار" وفي رواية: "كانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون الحديث" منفق عليه.
عن جندب بن سفيان قال: "دميت إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك المشاهد فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت
…
وفي سبيل الله ما لقيت
أخرجه الشيخان.
وعن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة حنين: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب". أخرجه الشيخان.
التعليق على الأحاديث
قال النووي: "قال المازري: أنكر بعض الناس كون الرجز شعرا لوقوعه
1 فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد 2/316.
من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه} وهذا مذهب الأخفش واحتج به على فساد مذهب الخليل في أنه شعر. وأجابوا عن هذا بأن الشعر هو ما قصد إليه واعتمد الإنسان أن يوقعه موزونا مقفى يقصده إلى القافية ويقع في ألفاظ العامة كثير من الألفاظ الموزونة ولا يقول أحد أنها شعر ولا صاحبها شاعر وهكذا الجواب عما في القرآن من الموزون كقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} وقوله تعالى: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب} 1 ".
ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرا لأنه لم تقصد تقفيته وجعله شعرا. قلت: وقد قال الإمام أبو القاسم علي بن أبي جعفر بن علي السعدي الصقلي المعروف بابن القطاع في كتابه الشافي في علم القوافي: "قد رأى قوم منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الله مولانا ولا مولى لكم". وقوله: "هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت". وقوله: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" وأشباه هذا القول. قال ابن القطاع: "وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بيِّن وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا لوجوه منها أنه شعر القول وقصده وأراده واهتدى إليه وأتي به كلاما موزونا على طريقة العرب مقفى فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لم يكن شعرا ولا يكون قائله شاعرا".
عن سلمة بن الأكوع قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فتسيرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هينهاتك - وكان عامر رجلا شاعرا - فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا
…
إنا إذا أصيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
متفق عليه.
قلت: وقد سبق الكلام على ما يتعلق به.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام"2.
1 شرح مسلم 12/118.
2 أخرجه البخاري في الأدب المفرد والدارقطني في سننه.