المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع عشر: في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط العاصمة - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الفصل السابع عشر: في أن التأويل يفسد العلوم كلها إن سلط عليها ويرفع الثقة بالكلام ولا يمكن أمة من الأمم أن تعيش عليه

- ‌الفصل الثامن عشر: في انقسام الناس في نصوص الوحي إلى أصحاب تأويل وأصحاب تخييل وأصحاب تجهيل وأصحاب تمثيل وأصحاب سواء السبيل

- ‌الفصل التاسع عشر: في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله

- ‌الفصل العشرون: في بيان أن أهل التأويل لا يمكنهم إقامة الدليل السمعي على مبطل أبدا

- ‌الفصل الحادي والعشرون: في الأسباب الجالبة للتأويل

- ‌الفصل الثاني والعشرون: في أنواع الاختلاف الناشئة عن التأويل وانقسام الاختلاف إلى محمود ومذموم

- ‌الفصل الثالث والعشرون: في أسباب الخلاف الواقع بين الأئمة بعد اتفاقهم على أصل واحد وتحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسنة رسوله

- ‌الفصل الرابع والعشرون: في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان

- ‌مدخل

- ‌الطاغوت الأول: قولهم نصوص الوحي أدلة لفظية وهي لا تفيد اليقين

الفصل: ‌الفصل التاسع عشر: في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله

‌الفصل التاسع عشر: في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله

التأويل يجري مجرى مخالفة الطبيعة الإنسانية والفطرة التي فطر عليها العبد فإنه رد الفهم من جريانه مع الأمر المعتاد المألوف إلى الأمر الذي لم يعهد ولم يؤلف وما كان هذا سبيله فإن الطباع السليمة لا تتقاضاه بل تنفر منه

ص: 435

وتأباه فلذلك وضع له أربابه أصولا ومهدوا له أسبابا تدعو إلى قبوله وهي أنواع:

السبب الأول: أن يأتي به صاحبه مموها مزخرف الألفاظ ملفق المعاني مكسوا حلة الفصاحة والعبارة الرشيقة فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه وتبادر إلى اعتقاده وتقليده ويكون حاله في ذلك حال من يعرض سلعة مموهة مغشوشة على من لا بصيرة له بباطنها وحقيقتها فيحسنها في عينه ويحببها إلى نفسه وهذا الذي يعتمده كل من أراد ترويج باطل فإنه لا يتم له ذلك إلا بتمويهه وزخرفته وإلقائه إلى جاهل بحقيقته.

قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام112]

ص: 436

فذكر سبحانه أنهم يستعينون على مخالفة أمر الأنبياء بما يزخرفه بعضهم لبعض من القول فيغتر به الأغمار وضعفاء العقول فذكر السبب الفاعل والقابل ثم ذكر سبحانه انفعال هذه النفوس الجاهلة به بصغوها وميلها إليه ورضاها به لما كسي من الزخرف الذي يغر السامع فلما أصغت إليه ورضيته اقترفت ما تدعو إليه من الباطل قولا وعملا فتأمل هذه الآيات وما تحتها من هذا المعنى العظيم القدر الذي فيه بيان أصول الباطل والتنبيه على مواقع الحذر منها وعدم الاغترار بها وإذا تأملت مقالات أهل الباطل رأيتهم قد كسوها من العبارات وتخيروا لها من الألفاظ الرائقة ما يسرع إلى قبوله كل من ليس له بصيرة نافذة وأكثر الخلق كذلك حتى إن الفجار ليسمون أعظم أنواع الفجور بأسماء لا ينبو عنها

ص: 437

السمع ويميل إليها الطبع فيسمون أم الخبائث أم الأفراح ويسمون اللقمة الملعونة لقيمة الذكر والفكر التي تثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ويسمون مجالس الفجور والفسوق مجالس الطيبة حتى إن بعضهم لما عذل عن شيء من ذلك قال لعاذله ترك المعاصي والتخوف منها إساءة ظن برحمة الله وجرأة على سعة عفوه ومغفرته فانظر ماذا تفعل هذه الكلمة في قلب ممتلئ بالشهوات ضعيف العلم والبصيرة.

فصل

السبب الثاني: أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماع فيتخير له من الألفاظ أكرهها وأبعدها وصولا إلى القلوب وأشدها نفرة عنها فيتوهم السامع أن معناها هو الذي دلت عليه تلك الألفاظ فيسمى التدين ثقالة

ص: 438

وعدم الانبساط إلى السفهاء والفساق والبطالين سوء خلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب لله والحمية لدينه فتنة وشرا وفضولا فكذلك أهل البدع والضلال من جميع الطوائف هذا معظم ما ينفرون به عن الحق ويدعون به إلى الباطل فيسمون إثبات صفات الكمال لله تجسيما وتشبيها وتمثيلا ويسمون إثبات الوجه واليدين له تركيبا ويسمون إثبات استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فوق سمواته تحيزا وتجسيما ويسمون العرش حيزا وجهة ويسمون الصفات أعراضا والأفعال حوادث والوجه واليدين أبعاضا والحكم والغايات التي يفعل لأجلها أغراضا فلما وضعوا لهذه المعاني الصحيحة الثابتة تلك الألفاظ المستنكرة الشنيعة تم لهم من نفيها وتعطيلها ما أرادوه فقالوا للأغمار والأغفال اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض والأغراض والأبعاض والجهات والتركيب والتجسيم والتشبيه فلم يشك أحد لله في قلبه وقار وعظمة في تنزيه الرب تعالى عن ذلك وقد اصطلحوا على تسمية سمعه وبصره وعلمه وقدرته وإرادته وحياته أعراضا وعلى تسمية وجهه الكريم ويديه المبسوطتين أبعاضا وعلى تسمية استوائه على عرشه وعلوه على خلقه وأنه فوق عباده تحيزا وعلى تسمية نزوله إلى سماء الدنيا

ص: 439

وتكلمه بقدرته ومشيئته إذا شاء وغضبه بعد رضاه ورضاه بعد غضبه حوادث وعلى تسمية الغاية التي يفعل ويتكلم لأجلها غرضا واستقر ذلك في قلوب المتلقين عنهم فلما صرحوا لهم بنفي ذلك بقي السامع متحيرا أعظم حيرة بين نفي هذه الحقائق التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له جميع رسله وسلف الأمة بعدهم وبين إثباتها وقد قام معه شاهد نفيها بما تلقاه عنهم فمن الناس من فر إلى التخييل ومنهم من فر إلى التعطيل ومنهم من فر إلى التجهيل ومنهم من فر إلى التمثيل ومنهم من فر إلى الله ورسوله وكشف زيف هذه الألفاظ وبين زخرفها وزغلها وأنها ألفاظ مموهة بمنزلة طعام طيب الرائحة في إناء حسن اللون والشكل ولكن الطعام مسموم فقالوا ما قاله إمام أهل السنة باتفاق أهل السنة أحمد بن حنبل لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين.

ولما أراد المتأولون المعطلون تمام هذا الغرض اخترعوا

ص: 440

لأهل السنة الألقاب القبيحة فسموهم حشوية ونوابت ونواصب ومجبرة ومجسمة ومشبهة ونحو ذلك فتولد من تسميتهم لصفات الرب تعالى وأفعاله ووجهه ويديه وحكمته بتلك الأسماء وتلقيب من أثبتها له بهذه الألقاب لعنة أهل الإثبات والسنة وتبديعهم وتضليلهم وتكفيرهم وعقوبتهم ولقوا منهم ما لقي الأنبياء وأتباعهم من أعدائهم وهذا الأمر لا يزال في الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها.

فصل

السبب الثالث: أن يعزو المتأول تأويله وبدعته إلى جليل القدر نبيه الذكر من العقلاء أو من آل البيت النبوي أو من حل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق ليحليه بذلك في قلوب الأغمار والجهال فإن من شأن الناس تعظيم كلام من يعظم قدره في نفوسهم وأن يتلقوه بالقبول والميل إليه وكلما كان ذلك القائل أعظم في نفوسهم كان قبولهم لكلامه أتم حتى إنهم ليقدمونه على كلام الله ورسوله ويقولون هو أعلم بالله ورسوله منا وبهذه الطريق

ص: 441

توصل الرافضة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية إلى تنفيق باطلهم وتأويلاتهم حتى أضافوها إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علموا أن المسلمين متفقون على محبتهم وتعظيمهم

ص: 442

وموالاتهم وإجلالهم فانتموا إليهم وأظهروا من محبتهم وموالاتهم واللهج بذكرهم وذكر مناقبهم ما خيل إلى السامع أنهم أولياؤهم وأولى الناس بهم ثم نفقوا باطلهم وإفكهم بنسبته إليهم فلا إله إلا الله كم من زندقة وإلحاد وبدعة وضلالة قد نفقت في الوجود بنسبتها إليهم وهم براء منها براءة الأنبياء من التجهم والتعطيل وبراءة المسيح من عبادة الصليب والتثليث وبراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدع والضلالات.

وإذا تأملت هذا السبب رأيته هو الغالب على أكثر النفوس وليس معهم سوى إحسان الظن بالقائل بلا برهان من الله ولا حجة قادتهم إلى ذلك وهذا ميراث بالتعصيب من الذين عارضوا دين الرسل بما كان عليه الآباء والأسلاف فإنهم لحسن ظنهم بهم وتعظيمهم لهم آثروا ما كانوا عليه على ما جاءتهم به الرسل وكانوا أعظم في صدورهم من أن يخالفوهم ويشهدوا عليهم بالكفر والضلال وإنهم كانوا على الباطل وهذا شأن كل مقلد لمن يعظمه فيما خالف فيه الحق إلى يوم القيامة.

ص: 443

فصل

السبب الرابع: أن يكون ذلك التأويل قد قبله ورضيه مبرز في صناعة من الصناعات أو علم من العلوم الدقيقة أو الجليلة فيعلو له بما برز به ذكر في الناس ويشتهر له به صيت فإذا سمع الغمر الجاهل بقبوله لذلك التأويل وتلك البدعة واختياره له أحسن الظن به وارتضاه مذهبا لنفسه ورضي من قبله إماما له وقال إنه لم يكن ليختار مع جودة قريحته وذكائه وصحة ذهنه ومهارته بصناعته وتبريزه فيها على بني جنسه إلا الأصوب والأفضل من الاعتقادات والأرشد والأمثل من التأويلات وأين يقع اختياري من اختياره فرضيت لنفسي مارضيه لنفسه فإن عقله وذهنه وقريحته إنما تدله على الصواب كما دلته على ما خفي عن غيره من صناعته وعلمه. وهذه الآفة قد هلك بها أمم لا يحصيهم إلا الله رأواالفلاسفة قد برزوا في العلوم الرياضية والطبية واستنبطوا

ص: 444

بعقولهم وجودة قرائحهم وصحة أفكارهم ما عجز أكثر الناس عن تعلمه فضلا عن استنباطه فقالوا للعلوم الإلهية والمعارف الربانية أسوة بذلك فحالهم فيها مع الناس كحالهم في هذه العلوم سواء فلا إله إلا الله كم أهلكت هذه البلية من أمة وكم ضربت من دار وكم أزالت من نعمة وجلبت من نقمة وجرأت كثيرا من النفوس على تكذيب الرسل واستجهالهم وما عرف أصحاب هذه الشبهة أن الله سبحانه قد يعطي أجهل الناس به وبأسمائه وصفاته وشرعه من الحذق في العلوم الرياضية والصنايع العجيبة ما تعجز عنه عقول أعلم الناس به ومعارفهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بدنياكم"

ص: 445

وصدق صلوات الله وسلامه عليه فإن العلوم الرياضية والهندسية وعلم الأرتماطيقي والموسيقى والجغرافيا وإيرن وهو علم جر الأثقال ووزن المياه وحفر الأنهار وعمارة الحصون وعلم الفلاحة وعلم الحميات وأجناسها ومعرفة الأبوال وألوانها وصفائها وكدرها وما يدل عليه وعلم الشعر وبحوره وعلله

ص: 446

وزحافه وعلم الفنيطة ونحو ذلك من العلوم هم أعلم بها وأحذق فيها.

وأما العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك فإلى الرسل قال الله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم7 ، 6] قال بعض السلف: يبلغ من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقر الدرهم بظفره فيعلم وزنه ولا علم له بشيء من دينه وقال تعالى في علوم هؤلاء واغترارهم بها: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر83] وقد فاوت الله سبحانه بين عباده فيما تناله عقولهم وأذهانهم أعظم تفاوت والعقل يعطي صاحبه فائدته في النوع الذي يلزمه به ويشغله به ويقصره عليه مالا يعطيه في

ص: 447

غيره وإن كان غيره أسهل منه بكثير كما يعطيه همته وقريحته في الصناعة التي هو معني بها ومقصور العناية عليها مالا يعطيه في صناعة غيرها وكثيرا ما تجد الرجل قد برز في اللطيف من أبواب العلم والنظر وتخلف في الجليل منهما وأصاب الأغمض الأدق منها وأخطأ الأجل الأوضح هذا أمر واقع تحت العيان فكيف وعلوم الأنبياء ومعارفهم من وراء طور العقل والعقل وإن لم يستقل بإدراكها فإنه لا يحيلها بل إذا أوردت عليه أقر بصحتها وبادر إلى قبولها وأذعن بالانقياد إليها وعلم أن نسبة العلوم التي نالها الناس بأفكارهم إليها دون نسبة علوم الصبيان ومعارفهم إلى علوم هؤلاء بما لا يدرك.

فصل

السبب الخامس: الإغراب على النفوس بما لم تكن عارفة به من المعاني الغريبة التي إذا ظفر الذهن بإدراكها

ص: 448

ناله لذة من جنس لذة الظفر بالصيد الوحشي الذي لم يكن يطمع فيه وهذا شأن النفوس فإنها موكلة بكل غريب تستحسنه وتؤثره وتنافس فيه حتى إذا كثر ورخص وناله المثري والمقل زهدت فيه مع كونه أنفع لها وخيرا لها ولكن لرخصه وكثرة الشركاء فيه وتطلب ما تتميز به عن غيرها للذة التفرد والاختصاص ثم اختاروا لتلك المعاني الغريبة ألفاظا أغرب منها وألقوها في مسامع الناس وقالوا إن المعارف العقلية والعلوم اليقينية تحتها فتحركت النفوس لطلب فهم تلك الألفاظ الغريبة وإدراك تلك المعاني واتفق أن صادفت قلوبا خالية من حقائق الإيمان وما بعث الله به رسوله فتمكنت منها فعز على أطباء الأديان استنقاذها منها وقد تحكمت فيها كما قيل:

تالله ما أسر الهوى من وامق

إلا وعز على الورى استنقاذه

ولمكان الاستغراب وقبول النفس لكل غريب لهج الناس بالأخبار الغريبة وعجائب المخلوقات

ص: 449

والألغاز والأحاجي والصور الغريبة وإن كانت المألوفة أعجب منها وأحسن وأتم خلقة.

فصل

السبب السادس: تقديم مقدمات قبل التأويل تكون كالأطناب والأوتاد لفسطاطه فمنها ذم أصحاب الظواهر وعيبهم والإزراء بهم وأنهم قوم جهال لا عقول لهم وإنما هم أصحاب ظواهر سمعية وينقلون من مثالبهم وبلههم ما بعضه صدق وأكثره كذب كما يحكى أن بعضهم سئل عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه5] هل هو حقيقة أو مجاز قال لا حقيقة ولا مجاز فقال له جزاك الله عن ظاهريتك خيرا وأمثال هذا ويحكون عنهم إنكار أدلة العقول والبحث والنظر وجدال أهل الباطل والنفوس طالبة للنظر والبحث والتعقل. ومنها قولهم إن الخطاب بالمجاز والاستعارة أعذب

ص: 450

وأوفق وألطف وقد قال بعض أئمة النحاة أكثر اللغة مجاز فإذا كان أكثر اللغة مجازا سهل على النفوس أنواع التأويلات فقل ما شئت وأول ما شئت وأنزل عن الحقيقة ولا يضرك أي مجاز ركبته.

ومنها قولهم إن أدلة القرآن والسنة أدلة لفظية وهي لا تفيد علما ولا يقينا والعلم إنما يستفاد من أدلة المعقول وقواعد المنطق.

ومنها قولهم إذا تعارض العقل والنقل قدم العقل على النقل فهذه المقدمات ونحوها هي أساس التأويل فإذا انضمت هذه الأسباب بعضها إلى بعض وتقاربت فيا محنة القرآن والسنة وقد سلكا في قلوب قد تمكنت منها هذه الأسباب فهنالك التأويل والتحريف والتبديل والإضمار والإجمال.

ص: 451