الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان بما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه
ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه (1) وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها (2).
فمن ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته) الحديث متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخلان الجنة) متفق عليه. وقوله (3):
(عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره (4)، ينظر إليكم أزلين (5) قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرَجكم قريب)
(1) قال ابن عدوان:
وسنة خير المرسلين محمد
…
تفسر آيات الكتاب الممجد
تبينه للطالبي سبل الهدى
…
تدل عليه بالدليل المؤكد
(2)
وما أحسن قول ابن عدوان ناظم هذه العقيدة:
ودع عنك تزويقات قوم فإنها
…
بحلتها التعطيل يا صاح ترشد
(3)
قال ابن عدوان:
ويعجب ربي من قنوط عباده
…
فألق لما بينت سمعك واهتد
وفي رقية المرضى مقال نبينا
…
ألا ارق به رضاك يا ذا التسدد
رواه أبو داود يا ذا وغيره ألا احفظ هداك الله سنة أحمد
(4)
اسم من قولك غيرت الشيء فتغير قال أبو السعادات وفي حديث الاستسقاء من يكفر بالله يلق الغير: أي تغير الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد.
(5)
الأزل الشدة والضيق: وقد أزل الرجل يأزل أزلا، أي صار في ضيق وحدب كأنه أراد من يأسكم وقنوطكم.
حديث حسن. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله - وفي رواية عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول قط قط) متفق عليه. وقوله: (يقول تعالى: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار) متفق عليه. وقوله: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان). وقوله في رقية المريض: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ) حديث حسن رواه أبو داود وغيره. وقوله: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء) حديث صحيح. وقوله: (والعرش فوق الماء والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه) حديث حسن رواة أبو داود وغيره. وقوله للجارية: (أين الله (1)؟)
قالت: (في السماء) قال: (من أنا؟) قالت: (أنت رسول الله) قال: (أعتقها فإنها مؤمنة) رواة مسلم. (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث ما كنت) حديث حسن. وقوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه فإن الله قبل وجهه. ولكن عن يساره أو تحت قدمه)(2) متفق عليه. وقوله صلى الله
(1) قوله: أين الله. هذا فيه رد على أهل البدع المنكرين لعلو الله على خلقه فنزهوه بجهلهم عما رضي به رسوله فقالوا منزه عن الأين؟ وذلك جهل وضلال والحق ما جاءت به السنة.
قال ابن عدوان:
وقد جاء لفظ الأين من قول صادق
…
رسول إله العالمين محمد
كما قد رواه مسلم في صحيحه
…
كذلك أبو داود والنسائي قد
(2)
قال شيخ الإسلام في العقيدة الحموية، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن الله قبل وجهه فلا يبصقن قبل وجهه. الحديث حق على ظاهره وهو سبحانه فوق العرش وهو قبل وجه المصلي، بل هذا الوصف يثبت للمخلوق، فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر، لكانت السماء والشمس والقمر فوقه، وكانت أيضاً قبل وجهه اهـ.
عليه وسلم: (اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء خالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر) رواة مسلم. وقوله لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق عليه. وقوله: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) متفق عليه. إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه بما يخبر به فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك (1)
كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل هم الوسط في فرقة الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى: بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة (2):
(1) قال ابن عدوان النجدي المتوفى سنة 1179:
وسلم لأخبار الصحيحين يا فتى
…
ولكن عن التمثيل وفقت أبعد
ودع عنك تزويقات قوم فإنها
…
بحلتها التعطيل يا صاح ترشد
(2)
قوله: بين أهل التعطيل الجهمية، وأهل التمثيل المشبهة: التعطيل هو نفي الصفات الإلهية، عن القيام بالذات العلية وتأويلها بلا دليل صحيح، ولا عقل صريح كقولهم رحمة الله إرادته الإحسان والإنعام، ويده قدرته، واستواؤه على العرش، استيلاؤه عليه كل هذا وأمثاله من التعطيل، وما حملهم على ذلك إلا الظن الفاسد، والرأي الكاسد، ولقد أحسن القائل حيث يقول:
وقصارى أمر من أو
…
ل أن ظنوا ظنونا
فيقولون على الر
…
حمن ما لا يعلمونا
والجهمية المعطلة، هم أتباع الجهم بن صفوان الترمذي. رأس الفتنة والضلال، وهم في هذا الباب طائفتان، نفاه ومثبتة، فالنفاه قالوا: لا ندري أين الله، فلا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل ولا منفصل، فلم يؤمنوا بقول الله، وهو القاهر فوق عباده وقول النبي للجارية: أين الله، وغير ذلك من أدلة الكتاب والسنة، وأما المثبتة من فرقتي الضلال، فهم الذين يقولون: إن الله في كل مكان تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فإنه سبحانه فوق مخلوقاته، مستو على عرشه بائن من خلقه، وأما أهل التمثيل المشبهة، فهم الذين شبهوا الله بخلقه ومثلوه بعباده، وقد رد الله على الطائفتين بقوله (ليس كمثله شيء) فهذا يرد على المشبهة وقوله:(وهو السميع البصير) يرد على المعطلة، وأما أهل الحق، فهم الذين يثبتون الصفات لله تعالى، إثباتاً بلا تمثيل، وينزهونه عن مشابهة المخلوقات تنزيهاً بلا تعطيل.
وهم وسط (1)
في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب (2)
(1) قوله: وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية، اعلم أن الناس اختلفوا في أفعال العباد، هل هي مقدوره للرب أم لا، فقال جهم وأتباعه وهم الجبرية: إن ذلك الفعل مقدور للرب لا للعبد، وكذلك قال الأشعري وأتباعه: إن المؤثر في المقدور قدرة الرب لا قدرة العبد، وقال جمهور المعتزلة: وهم القدرية أي نفاه المقدر: إن الرب لا يقدر على عين مقدور العبد، واختلفوا هل يقدر على مثل مقدوره فأثبته البصريون كأبي علي وأبي هاشم، ونفاه الكعبي وأتباعه البغداديون، وقال أهل الحق: أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاه، وهي مخلوقة لله تعالى والحق سبحانه منفرد بخلق المخلوقات، لا خالق لها سواه، فالجبرية غلوا في إثبات القدر، فنفوا فعل العبد أصلاً، والمعتزلة نفاه القدر، جعلوا العباد خالقين مع الله، ولهذا كانوا مجوس هذه الأمة. وهدى الله المؤمنين أهل السنة، لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فقالوا: العباد فاعلون، والله خالقهم وخالق أفعالهم، كما قال تعالى (والله خلقكم وما تعملون) وهذه المسألة من أكبر المسائل التي تضاربت فيها آراء النظار، وقد ألفت فيها كتب خاصة كشفاء العليل في القضاء والقدر، والحكمة والتعليل لشمس الدين ابن القيم، ولم يهتد إلى الصواب فيها إلا من اعتصم بالكتاب والسنة:
مرام شط مرمى العقل فيه ودون مداه بيد لا تبيد
(2)
وقوله: وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم قال في التعريفات المرجئة: قوم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقال القسطلاني في شرح البخاري: المرجئة نسبة إلى الإرجاء أي التأخير لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق، هم فرقتان كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في الفرقان الأولى الذين قالوا إن الأعمال ليست من الإيمان ومع كونهم مبتدعة في المقول الباطل، فقد وافقوا أهل السنة، على أن الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم بالشفاعة كما جاءت به الأحاديث الصحيحة وعلى أنه لابد في الإيمان أن يتكلم به بلسانه، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة، وتاركها مستحق للذم والعقاب، وقد أُضيف هذا القول إلى بعض الأئمة من أهل الكوفة، وأما الفرقة الثانية فهم الذين قالوا إن الإيمان مجرد التصديق بالقلب، وإن لم يتكلم به، فلا شك أنهم من أكفر عباد الله، فإن الإيمان هو قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، فإذا اختل واحد من هذه الأركان لم يكن الرجل مؤمناً.
وأما الوعيدية فهم القائلون بالوعيد، وهو أصل من أُصول المعتزلة، وهو أن الله لا يغفر لمرتكب الكبائر إلا بالتوبة، ومذهبهم باطل يرده الكتاب والسنة، قال تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وقال عليه الصلاة والسلام:(من مات من أُمتي لا يشرك الله شيئاً دخل الجنة) قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال: (وإن زنى وإن سرق). فمذهب أهل السنة حق بين باطلين، وهدى بين ضلالتين كما سمعت والله أعلم.
وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم وفي باب (1)
أسماء الإيمان
(1) قوله: وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية. الحرورية هم الخوارج واعلم أن الناس تنازعوا قديماً في الأسماء والأحكام، أي أسماء الدين مثل: مؤمن ومسلم وكافر وفاسق، وفي أحكام هؤلاء في الدنيا والآخرة فالمعتزلة وافقوا الخوارج على حكمهم في الآخرة دون الدنيا، فلم يستحلوا من دماء الفساق الموحدين وأموالهم ما استحلته الخوارج من الفاسق المِلليِّ مرتكب الكبائر لأن الخوارج يرون ذلك كفراً، وإنما وافقوهم على حكمهم في الآخرة وهو الخلود في النار، وأما في الدنيا فخالفوهم في الاسم، فقالوا: مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل الكفر، فهو بمنزلة بين المنزلتين وهذا أصل من أُصول المعتزلة. وهو خاصة مذهبهم الباطل. وأما مذهب المرجئة فقد تقدم أنهم قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية ومذهب أهل الحق خلاف هذين المذهبين، فلا يقولون بقول الخوارج والمعتزلة ويخلدون عصاه الموحدين بالنار، ولا يقولون بقول المرجئة: إن المعصية لا تضرهم، بل العبد الموحد مأمور بالطاعات منهي عن المعاصي والمخالفات، فيثاب على طاعته ويعاقب على معصيته إن لم يعف الله عنه، والبحث طويل لا تتسع له مثل هذه الحواشي، وإنما قصدنا بذلك تنبيه الطالب إلى مآخذ هذه المسائل. أما عطف الجهمية على المرجئة كما في نسختنا فليس للمغايرة، فإن المرجئة جهمية أيضاً، فالجهم هو الذي ابتدع التعطيل والتجهم والإرجاء والجبر، قال في النونية:
جيم وجيم ثم جيم معهما
…
مقرونة مع أحرف بوزان
فإذا رأيت النور فيه يقارن الـ
…
جيمات بالتثليث شر قران
دلت على أن النحوس جميعها
…
سم الذي قد فاز بالخذلان
جبر وإرجاء وجيم تجهم
…
فتأمل المجموع في الميزان
فاحكم بطالعها لمن حصلت له
…
بخلاصة من ربقة الإيمان
والجهم أصلها جميعاً فاغتدت
…
مقسومة في الناس بالميزان
لكن نجا أهل الحديث المحض أتـ
…
ـباع الرسول وتابعوا القرآن
عرفوا الذي قد قال مع علم بما
…
قال الرسول فهم أُولو العرفان
والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج (1).
(1) فالرافضة كفروهم والخوارج كفروا بعضهم، وأهل الحق عرفوا فضلهم كلهم، وأنهم أفضل هذه الأمة إسلاماً وإيماناً وعلماً وحكمة رضي الله عنهم أجمعين.