المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإيمان بما بعد الموت - العقيدة الواسطية - ت ابن مانع

[ابن تيمية]

الفصل: ‌الإيمان بما بعد الموت

وهم في عرصات (1) القيامة ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى.

‌الإيمان بما بعد الموت

ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت. فيؤمن بفتنة القبر، وبعذاب القبر ونعيمه. فأما الفتنة فإن الناس يمتحنون في قبورهم فيقال للرجل: ما ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله والإسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي. وأما المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته: فيضرب بمرزبة (2) من حديد فيصيح صيحة سمعها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق - ثم بعد هذه الفتنة - إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعاد الأرواح إلى الأجساد، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلا (3) وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق، فتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) وتنشر الدواوين - وهي صحائف الأعمال - فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء

(1) العرصات: جمع عَرصَه، وهي كل موضوع واسع لا بناء فيه.

(2)

المرزبة بالتخفيف: المطرقة الكبيرة، ويقال لها إرزبة بالهمزة والتشديد.

(3)

الغرل جمع أغرل، وهو الأقلف، والغرلة: القلفة.

ص: 19

ظهره كما قال سبحانه وتعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه (1) ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ويحاسب الله الخلائق ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته فإنه لا حسنات لهم ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها وُيقَرَّون بها. وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر وعرضه شهر من يشرب منه شربة لا يضمأ بعدها أبدا.

والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يَعْدو عدْواً ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يزحف زحفاً ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم. فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة، فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هُذِّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.

وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات: أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم من الشفاعة حتى تنتهي إليه. وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له، وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه

(1) قال الراغب: أي عمله الذي طار عنه من خير وشر ..

ص: 20