المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل في أنواع الحديث من حيث عدد الرواة   قَسَّمُوهُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ إلى - الفصول في مصطلح حديث الرسول

[حافظ ثناء الله الزاهدي]

الفصل: ‌ ‌فصل في أنواع الحديث من حيث عدد الرواة   قَسَّمُوهُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ إلى

‌فصل

في أنواع الحديث من حيث عدد الرواة

قَسَّمُوهُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ إلى قِسْمَيْنِ رَئِيْسِيَيْنِ:

1-

الْمُتَوَاتِرُ: وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيْفِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ:

الأَوَّلُ: هُوَ الاِعْتِبَارُ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الرُّوَاةِ في تَعْرِيْفِهِ كَحَدٍ فَاصِلٍ بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ وَغَيْرِهِ، فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ خَمْسَةً، وَبَعْضُهُمْ سَبْعَةً، وَبَعْضُهُمْ عَشَرَةً، وَبَعْضُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَةَ، وَبَعْضُهُمْ عِشْرِيْنَ، وَبَعْضُهُمْ أَرْبَعِيْنَ، وَبَعْضُهُمْ سَبْعِيْنَ، وَبَعْضُهُمْ ثَلَثَ مِائَةِ وَّبِضْعَةَ عَشَرَةَ، وَبَعْضُهُمْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةً، وَبَعْضُهُمْ خَمْسَ عَشَرَةَ مِائَةً، وَبَعْضُهُمْ سَبْعَ عَشَرَةَ مِائَةً، وَبَعْضُهُمْ مَا لَا يَحْوِيْهِمْ بَلَدٌ، وَبَعْضُهُمْ جَمِيْعَ الأُمَّةِ كَالإِجْمَاعِ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِنَ الأَقْوَالِ الكَثِيْرَةِ الْمُضْطَرِبَةِ وَالفَاسِدَةِ.

وَالثَّانِي: هُوَ الاِعْتِبَارُ بِحُصُولِ الْعِلْمِ وَالْيَقِيْنِ؛ فَكُلُّ مَا أَفَادَ الْيَقِيْنَ فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَهُمْ، سَوَاءٌ أَحَصَلَ الْعِلْمُ لِكَثْرَةِ عَدَدٍ أَمْ لِصِفَاتِ الضَّبْطِ وَالإِتْقَانِ وَالْعَدَالَةِ؛ إِذِ الصِّفَاتُ عِنْدَهُمْ تَقُومُ مَقَامَ الْعَدَدِ مِنَ الرُّوَاةِ.

وَهذَا اخْتِيَارُ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّة وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ الأَثِيْرِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ الشُّوكَانِيُّ: وَهذَا قَولُ الْجُمْهُورِ.

2-

خَبَرُ الوَاحِدِ: وَهُوَ مُقَابِلُ الْمُتَوَاتِرِ؛ فَتَعْرِيْفُهُ عَلَى الرَّأْيِ الأَوَّلِ: مَا قَلَّ عَدَدُهُ عَن أَعْدَادِ التَّوَاتُرِ الْمَذْكُورَةِ.

وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ:

(الْمَشْهُورُ: وَهُوَ مَا رَوَاهُ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَر، حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ أَحَدَ أَعْدَادِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَذْكُورَةِ.

(الْعَزِيْزُ: وَهُوَ مَا لَمْ يَقِلَّ عَدَدُ رُوَاتِهِ عَنِ اثْنَيْنِ، وَإنْ زَادَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الطِّبَاقِ.

ص: 14

(الْغَرِيْبُ: وَهُوَ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي جَمِيْعِ طِبَاقِ السَّنَدِ أَوْ بَعْضِهَا.

وَعَلى الثَّانِي: مَا أَفَادَ الظَّنَ.

قُلْتُ: الأَصْلُ الثَّابِتُ الصَّحِيْحُ فِي قُبُولِ الأَخْبَارِ وَالَّذِي نَزَلَ بِهِ الشَّرْعُ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الأَمْرُ عِنْدَ أَصْحَابِ العُقُولِ الصَّحِيْحَةِ وَالْفِطْرَةِ السَّلِيْمَةِ، هُوَ السُّكُونُ وَالطُّمْأَنِيْنَةُ وَالْقَطْعُ بِأَخْبَارِ الثقات الْمَعْرُوفِيْنَ عِنْدَهُمْ بِالصِّدْقِ والأَمَانَةِ وَالاِعْتِدَالِ، مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِإِثَارَةِ الظُّنُونِ وَالوَسَاوِسِ حَوْلَهَا بِحُجَّةِ تَجْوِيْزِ الْعَقْلِ لأَنْوَاعٍ مِنَ الاِحْتِمَالِ، إِلَاّ فِي مُلَابِسَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَظُرُوفٍ خَاصَّةٍ بِالْخَبْرِ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذلِكَ، فَحِيْنَئِذٍ كَانُوْا يَلْجَئُوْنَ إِلَى التَّثَبُّتِ بِوَسَائِلَ أُخْرَى.

أَمَّا تَقْسِيْمُ الأَخْبَارِ إِلى تَوَاتُرٍ وَآحَادٍ ثُمَّ تَعْلِيْقُ إِفَادَةِ الْقَطْعِ وَاليَقِيْنِ كُلِّهِ مَعَ الْمُتَوَاتِرِ وَالظَّنِ كُلِّهِ مَعَ الآحَادِ فَلَيْسَ أَصْلاً مِنْ أُصُولِ الْمُسْلِمِيْنَ.

وَإنَّمَا هِيَ أَقْسَامٌ وَتَقْسِيْمَاتٌ وَمُقَدِّمَاتٌ وَنَتَائِجُ تَكَلَّمَ فِيْهَا مَنَاطِقَةُ اليُونَانِ أَوَّلاً، وَتَأَثَّرَ بِهَا فِيْمَا بَعْدَ ذلِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ وَالفُقَهَاءُ وَالأُصُولِيُّونَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ الَّذِيْنَ دَرَسُوا كُتَبَ الْمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ فَتَكَلَّمُوا بِلِسَانِهَا وَسَلَّمُوا لِنَتَائِجِهَا وَتَمَسَّكُوا بِكُلَّيَاتِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا تَمَسُّكَ الْمُقَلِّدِ الأَعْمَى.

ثُمَّ حُكَمَاءُ اليُونَانِ إِذْ قَسَمُوا أَخْبَارَهُمْ إِلى تَوَاتُرٍ وَآحَادٍ وَحَكَمُوا بِالْقَطْعِ لِلْمُتَوَاتِرِ وَالظَّنِّ لِلآحَادِ كَانُوا عَلَى نَوْعِ مِنَ الْمَعْقُولِيَّةِ، حَيْثُ أَنَّ مُجْتَمَعَهُمْ عَلى فَسَادٍ فِي الْعَقِيْدَةِ، وَانْهِيَارٍ فِي الْخُلُقِ وَالسُّلُوكِ، وَدِمَارٍ لِلْقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَمُقْتَضِيَّاتِ التَّثَبُّتِ وَالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ فِي الأَخْبَارِ وَغَيْرِهَا.

وَهُمْ مَعَ ذلِكَ حَكَمُوا عَلى أَخْبَارِ آحَادِهِمْ بِالظَّنِّ، وَكَانَ الْحَقُّ يَعْنِي أَنْ يُحْكَمَ عَلى أَخْبَارِ أَمْثَالِ هؤُلاء بِالشَّكِّ لَا بِالظَّنِّ.

ص: 15

أَمَّا فَلَاسِفَةُ الإِسْلَامِ وَحُكَمَاءُ الأُصُولِ إِذْ حَكَمُوا عَلى أَخْبَارِ رُوَاةِ الْحَدِيْثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيْفِ الَّذِيْنَ هُمْ زُبْدَةُ الْمُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ وَالَّذِيْنَ هُمْ عَلى غَايَةِ مِّنَ الْعَدَالَةِ وَالتُّقَى، وَعَلى ذِرْوَةِ مِّنَ الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ وَالتَّيَقُّظِ وَالذَّكَاءِ، وَعَلى قِمَّةِ مِّنَ الأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَالصَّفَاءِ بِنَفْسِ حُكْمِ الْمُجْتَمَعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الظَّنُّ، لَمْ يُنْصِفُوا مَعَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْحَقِّ وَالتَّحْقِيْقِ.

بَلْ فِي قَوْلِهِمْ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ - أَعْنِي بَيْنَ خَبَرِ الْمُجْتَمَعِ الْفَاسِقِ وَالْفَاسِدِ وَبَيْنَ خَبَرِ رُوَاةِ الْحَدِيْثِ الأَتْقِيَاءِ العُدُولِ - إِهْدَارٌ لِلْقِيَمِ الإِسْلَامِيَّةِ السَّامِيَةِ وَالنَّبِيْلَةِ كُلِّهَا فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهذَا وَاللهِ جَوْرٌ كَبِيْرٌ وَظُلْمٌ عَظِيْمٌ يَا أَخَوَانِي الْمُسْلِمِيْنَ.

ص: 16