الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التمهيد]
التمهيد تحول الإعلام اليوم من مجرد نقل المعلومات والأفكار إلى الإسهام الفعلي في تكوين الحياة في أبعادها السياسية والثقافية، والاجتماعية والاقتصادية لما له من قدرة على دعم الاتجاهات لدى الأفراد والجماعات أو تعديلها أو تغييرها (1) .
وفي ظل هذا التحول يمكن تقرير حقيقة غاية في الأهمية هي أن التلفزيون- والقنوات الفضائية أحد أشكاله- قد أثار من المناقشات والجدل العلمي أضعاف ما أثارته وسائل الإعلام الأخرى، ومن خلال تلك المناقشات يتحدد موقع التلفزيون في عملية التأثير وتبادلا المعاني في المجتمع، فقد كشفت الدراسات والأبحاث والمناقشات عن توجهات بحثية
(1) انظر دور التلفزيون في خلق ثقافة عربية متوازنة في الخليج، حسن عبد الحميد أبو شنب، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الإعلام لجامعة القاهرة عام 1982 م، ص 30، غير منشورة.
تمثلت في ثلاثة نماذج، نموذج الآثار القوية، ونموذج الآثار المحدودة، ونموذج الآثار المعتدلة، وضمن كل نموذج جملة من الافتراضات والنظريات العلمية (1) ومن كل ذلك نلحظ ضرورة وجود تأثير بغض النظر عن مستواه، وطبيعته، وآثاره وخاصة أن الإعلام اليوم لم يعد قاصرا على إشباع الاهتمامات وغرس المعلومات، وإنما تحول إلى صناعة الاهتمامات وإعادة التشكيل الثقافي للإنسان من خلال الأوعية الإعلامية المختلفة والتقنيات المتطورة، والتي عجز الإنسان أمام سطوتها عن متابعة ما تقدم والإحاطة به ولو في حدود حاجته واهتمامه (2) .
واستنادا إلى ما تقدم وفي ظل النظر إلى الاتصال على أنه طريقة للتفكير لا تقتصر فقط على الخطابة في الجماهير،
(1) انظر المدخل إلى علم الاتصال، د. حسن إبراهيم مكي وزميله، ذات السلاسل بالكويت، الطبعة الأولى، عام 1995 م، ص 431.
(2)
انظر نحو مشروع مجلة رائدة للأطفال، كتاب الأمة، جمادى الأولى عام 1418 هـ، ص 25، 26، وانظر الثورة التكنولوجية ووسائل الاتصال العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة، تونس، ص 91.
بل تشمل السلوك الإنساني كله، (1) فإنه يمكن إدراك خطورة نمط الإعلام الفضائي، ذلك أن العالم اليوم يشهد ميلاد بيئة إعلامية جديدة أبرز خصائصها التواصل الآني، وتجاوز الحدود، والانعتاق من الرقابة، وتعددية في قنوات الاتصال مع تفاعل بين المادة الإعلامية والمستقبل، ولا يعزب عن البال خطورة هذه البيئة التي لم نكن صناعها على نسيجنا الثقافي والسياسي والاقتصادي، فديننا كان ولا يزال هدفا للاختراق والغزو. (2) .
وقد برز في الآونة الأخيرة اهتمام كبير بالتواصل الفضائي في مجالات عديدة، خاصة من الدول الصناعية التي سخرت الفضاء لخدمة أغراضها وفي مقدمتها الأغراض الإعلامية بحكم أن الإعلام هو الأقدر على الكشف عن
(1) انظر الاتصال والسلوك الإنساني، برنت روبن، ترجمة نخبة من أساتذة قسم الوسائل وتكنولوجيا التعليم بكلية التربية بجامعة الملك سعود، نشر معهد الإدارة العامة، عام 1412 هـ، ص 96.
(2)
انظر الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي، د. عبد القادر طاش، مكتبة العبيكان، ط 1 عام 1416 هـ، ص 149- 153.
طموحات المستقبل في ظل تطور الاتصالات الفضائية، وانتشار القنوات الفضائية تبعا لذلك رغبة في توسيع نطاق التعامل بين المرسل والمتلقي أينما كان. (1) .
ومن ثم كان استخدام الأقمار الصناعية في الاتصال والإعلام استجابة لضرورة عصرية ملحة نابعة من أهمية الإعلام والاتصال في عالم اليوم على النطاقين المحلي والعالمي (2) فقد برز الاتصال والإعلام وأصبح إحدى أهم قنوات التواصل والتفاعل بين شعوب العالم ودوله دون أدنى اعتبار للنطاقات الجغرافية أو الحدود السياسية أو السيادة الوطنية، أو حقوق الدول في السيطرة على ما يقدم لشعوبها من معلومات عبر قنوات الاتصال المختلفة، (3) مما أدى إلى
(1) انظر البث الإعلامي عن طريق الأقمار الصناعية والإعلام، الطبعة العربية، الطيب الجويلي، دار المسيرة ومؤسسة سعيدان، بيروت، ط 1 عام 1991 م ص 5-8.
(2)
انظر القمر الصناعي الإسلامي، تحد حضاري وضرورة عصرية، د. ماجي الحلواني، مكتبة الأنجلو المصرية، ص 15.
(3)
انظر زمن المستقبل والعالم العربي، دراسة في موجة المعلوماتية والاتصال، د. عبد اللطيف دبيان العوفي وزميله، الرياض 1418 هـ، ص 11.
ظهور ظاهرة عالمية الاتصال، وانتشار القنوات الفضائية الحكومية والتجارية، واحتدام المنافسة بينها في مجالي التسويق السياسي والتجاري. (1) .
كما أدى إلى تجدد الدعوات لإقامة نظام إعلامي جديد على المستويين الوطني والدولي بعد أن أصبح تحت تصرف الإنسان أنماط جديدة وقوية للاتصال ينبغي أن تكرس لإثراء حياة الإنسان لا السيطرة عليه (2) .
فعن طريق استخدام الأقمار الصناعية ذات القوة العالية أمكن إرسال كم هائل من المعلومات، مما يؤثر على فهم الإنسان وقناعته تجاه المواقف المختلفة إبلاغا، وإقناعا،
(1) انظر المادة الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، د. أحمد موسى الضبيبان، رسالة دكتوراه مقدمة لقسم الإعلام بكلية الدعوة والإعلام عام 1418 هـ، ص 157، غير منشورة.
(2)
انظر تكنولوجيا الاتصال الحديثة وقضية الحق في الاتصال، د. جهان رشتي، بحث مقدم إلى الندوة العربية لحق الاتصال المنعقدة في بغداد (26- 30) أيلول عام 1981 م ونشر تحت عنوان (حق الاتصال في إطار النظام الإعلامي الجديد) من قبل إدارة الشؤون الثقافية، ص 49.
وتوجيها، وحوارا، (1) وبأشكالها المختلفة، صوتا، وصورة، ونصا من مصدرها على الأرض إلى جهاز المستقبل مباشرة من غير اعتبار للزمان والمكان (2) وعلى ذلك فكل مجتمع من مجتمعات اليوم عرضة لاختراق الفضائيات لأجوائه حاملة مضامين إعلامية شرقية أن غربية دون إذن مسبق بتجاوز الحدود مما مثل انفتاحا على العالم لم يسبق له مثيل، وما ذلك إلا ثمرة للرقي المتتابع في العلوم والتقنيات وبخاصة علوم الفضاء وتقنيات الاتصال، مما ستكون له آثار لا يعلم مداها إلا الله سواء في الجوانب الإيجابية أو السلبية (3) .
ذلك أن النتائج الأولية لثورة الاتصالات ممثلة في الأقمار الصناعية وشبكات المعلومات، والنظام الإعلامي الشامل
(1) انظر التخطيط الإعلامي- المفاهيم والإطار العام، د. حميد جاعد الدليمي، دار الشروق بالأردن، ط 1 عام 1998 م، ص 17.
(2)
انظر زمن المستقبل والعالم العربي، ص 25، مرجع سابق.
(3)
انظر مجلة الحرس الوطني، العدد 200، ص 51، من مقال للدكتور محمد البشر بعنوان (إسهامات وسائل الإعلام في تحقيق التكامل بين المنجز التنموي وقضايا الانتماء الحضاري في المجتمع السعودي) .
من شأنها إحداث تأثيرات بعيدة في جوانب عديدة من حياة الإنسان الذي يتعرض لكم هائل من المعلومات هو نتاج هذه الظاهرة الإعلامية الكونية التي ليس بالإمكان قياس نتائجها المتوقعة بأدوات سابقة ليست ملائمة لها، ولا متفقة مع حقيقتها على المستويات التقنية والمعرفية والأبنية الاجتماعية والثقافية (1) .
ولا نبالغ إذا قلنا إن المجتمع الإنساني بالهيمنة الاتصالية الحديثة، والتكنولوجية المتطورة قد يتعرض للإرباك والفوضى، حيث أدت تلك التطورات في أجهزة الحاسوب ووسائل الاتصال إلى تدعيم دور الاتصال وتأثيره (2) .
وما يهمنا في الحقيقة هو القنوات الفضائية حيث قفز عدد ما يتضمنه منها قمر انتلسات 6 إلى 000 / 80 قناة صوتية
(1) انظر التخطيط الإعلامي- المفاهيم والإطار العام، ص 16، مرجع سابق.
(2)
انظر التخطيط الإعلامي- المفاهيم والإطار العام، ص 15، مرجع سابق.
محققة ضعف عددها في أقمار الستينات ب 165 مرة مع زيادة في عمرها الافتراضي من عدة أشهر إلى عشر سنوات وأكثر (1) .
وتنقسم مدارات الأقمار الصناعية حاملة القنوات الفضائية إلى أربعة مدارات (الثابت، والأرضي المنخفض، والأرضي المتوسط، والواقع بين الأرض والقمر)(2) .
والأقمار الصناعية في الحقيقة أنواع منها ما هو خاص بالاتصالات ومنها ما هو خاص بالتلفزة المباشرة، وهذا هو ما يعنينا، وقد بلغ عددها (20) قمرا صناعيا (3) وربما كان من الضروري أمام تزايد الأقمار الصناعية، وتزايد القنوات الفضائية العربية إيراد تساؤلات عن أهداف التسابق العربي لإقامة المزيد من القنوات الفضائية، أهو خدمة للإسلام
(1) انظر زمن المستقبل والعالم العربي، ص 67، مرجع سابق.
(2)
انظر المرجع السابق، ص 67، 68.
(3)
انظر المرجع نفسه، والمدرك نفسه.
أم نشر للثقافة العربية، أو سعي وراء مكاسب مالية أو سمعة عالمية.
ونترك الإجابة عن تلك التساؤلات للدكتور أحمد موسى الضبيبان حيث يقول: " ومن خلال استعراض الباحث لواقع القنوات الفضائية العام المتاح استقبالها في المملكة تبين عدم وجود أهداف واضحة من خلال طبيعتها البرامجية، فمن الناحية التجارية لا تزال غير مربحة، ومن الناحية الثقافية، فهي لا تمثل في الغالب ثقافة بلد المصدر أو الثقافة التي ينتمي إليها مالك هذه القنوات لارتفاع نسبة البرامج المستوردة في كثير منها، وهي في الغالب ليست ذات بعد دولي للطبيعة المحلية لمعظمها، وهذا ما يعضد القول بأن الهدف من هذه القنوات الحكومية هو الرغبة في التواجد فضائيا لتبقى ضمن الخيارات المتاحة أمام المشاهد المحلي فضائيا "(1) .
(1) المادة الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، ص 370، مرجع سابق.
وربما كان هذا الحكم على القنوات الفضائية العربية المستقبلة في المملكة ممهدا للحديث في المبحث الأول عن المآخذ عليها.
* * * * *