المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثاني إيجابيات القنوات الفضائية] - القنوات الفضائية

[سيد ساداتي الشنقيطي]

الفصل: ‌[المبحث الثاني إيجابيات القنوات الفضائية]

[المبحث الثاني إيجابيات القنوات الفضائية]

المبحث الثاني

إيجابيات القنوات الفضائية لا بد من التقرير بادئ ذي بدء أن القنوات الفضائية ما هي إلا وسيلة، وأن الحكم عليها مرتبط بطبيعة الاستخدام. وأن مكانتها فيما يتعلق بالإيجابيات إنما هي في إمكاناتها الواسعة في الانتشار والجذب باعتبار أنها اليوم أداة الاتصال الكونية الأولى فبعد مضي أكثر من ثلث قرن على انطلاقة أول قمر صناعي في الفضاء عام 1957 م تكون القنوات الفضائية بما حازته من اهتمام متزايد على مستوى العالم قد تبوأت مركز الصدارة من وسائل الإعلام المعاصرة (1) .

ونحن عندما نتناول القنوات الفضائية بالدراسة بحثا عن أفضل السبل للانتفاع بمزاياها الاتصالية إنما نفعل ذلك إدراكا منا باختلاف واقعنا عن واقع أجدادنا فيما يتعلق بعالم الاتصال الذي مر بمراحل مختلفة "فمن طريق الاتصال

(1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، ص 97، 100، مرجع سابق.

ص: 39

الشفاهي والشخصي إلى الطريق الاتصالي الألكتروني السريع، ومن طريق أنظمة الاتصال الموجهة إلى طريق أنظمة الاتصال المتشاركة، وعن طريق الرسائل العامة الموجهة إلى طريق الرسائل الفئوية المتخصصة، ومن طريق الاتصال الهاتفي الشخصي إلى طريق الاتصال الحاسوبي، المتشارك والمصحوب بالصوت والصورة، وأخيرا من طريق الاستقبال السلبي للرسائل الاتصالية إلى طريق الاستقبال المتفاعل والتراسل بين المرسلين والمتلقين. . فالتقنية المتقدمة أو العالية، قد مهدت الطريق أمام الإنسان ليسبر غور الفضاء البعيد ويسيطر على الوقت، وليحصل على المعلومات ويتبادلها مع الآخرين أينما كانوا " (1) .

ومن ثم فالقنوات الفضائية بما وصلت إليه هي وسيلة الاتصال الأكثر انتشار، والأوسع مدى، والأكثر جذبا وإغراء لجمعها بين الصوت والصورة، والضوء، واللون والحركة، واستخدامها مما يحقق الظهور لدين الله وهذه أبرز

(1) زمن المستقبل والعالم العربي، ص 315، 316.

ص: 40

إيجابياتها (1) ذلك أن سطوة الإعلام الفاجر، وطوفان المعلومات غير السوية، وأثره على بصائر البشر وبصيرتهم، قد أججا نار الحيرة والقلق في النفوس ووجها نحو التطلع إلى طريق الهداية والنور كل ذلك مما يعمق الإحساس بأهمية استثمار طاقات القنوات الفضائية في الدعوة إلى الله، حيث إن الناس كل الناس في أمس الحاجة إلى جهد إعلامي يجعل التدين ثقافة للناس، والقنوات الفضائية وسيلة العصر المناسبة بحكم تطورها، وشدة جذبها للناس، على مختلف طبقاتهم، واستخدامها في بث معان تحارب الرذيلة، وتزكي جذوة الإيمان في النفوس وتؤكد الترابط الاجتماعي، وتسهم في بناء المجتمع الفاضل، والأمة الملتزمة، وهذا يجعل تلك القنوات من ضرورات العصر (2) .

وما دام أنه مطلوب من المسلمين إحسان البلاغ، " فلن

(1) انظر مكانة وسائل الإعلام الجماهيرية في تحقيق وحدة الأمة، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1 عام 1481 هـ، ص 123- 156.

(2)

انظر أراء في الإعلام الإسلامي، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1 عام 1419 هـ.

ص: 41

يكون ذلك. ممكنا ما لم يحسن المسلمون كيفية البلاغ العصرية المرتبطة في حقيقة الأمر بطبيعة تطور وسيلة الاتصال التي تحمل معاني الإيمان والحق والصدق، والعفاف والطهر والنقاء في كفاية واقتدار، وهي في عالم اليوم متربع على عرشها القنوات الفضائية التي تبث برامجها عبر الأقمار الصناعية " (1) .

فإشارة التلفزيون المبثوثة عبر الأقمار الصناعية تستقبل في منازل المشاهدين دون حاجة إلى وسيط، بسبب ما حققته تقنيات الاتصال من تقدم بلغت به وسيلة الاتصال قمة التطور إذ أمكن أن يقال بحق إن هذا الإنجاز هو ميزة العصر الاتصالية التي أتاحت إمكان الوصول إلى أي مشاهد على مستوى العالم من خلالها، وخاصة أن عددها الآن يفوق الخيال، وأن الإرسال عبرها يجري بلغات عديدة، وعلى مدى أربع وعشرين ساعة، وإلى جميع القارات دون استثناء حيث يتم البث إلى المستقبل في أي مكان من العالم في أجزاء

(1) آراء في الإعلام الإسلامي ص 10، مرجع سابق.

ص: 42

من الثانية سواء كان ذلك عبر الأقمار الصناعية الدولية أو الإقليمية أو المحلية (1) .

وبغض النظر عن الآراء العديدة حول ظاهرة البث المباشر والأحكام الصادرة حولها، فإنه لا مناص لمن يتصدون للدعوة إلى الله من تطويع قدرات القنوات الفضائية في الانتشار، والذيوع، والإبهار لغزو قلوب الكافرين والمبطلين في كل مكان إخراجا لهم من الظلمات إلى النور وحدا من الآثار السلبية التي أحدثتها في الجوانب الفكرية والخلقية والسلوكية (2) .

ولعل نسبة الإقبال على البرامج الدينية المبثوثة خلالها تؤكد الحاجة إليها، وفقا لما جاء في دراسة أجراها الدكتور عاطف عدلي العبد وزميلته على دراسة أنماط مشاهدة تسع عشرة قناة من قبل طلبة وطالبات قسم الإعلام بجامعة الإمارات العربية المتحدة فقد حصلت البرامج الدينية على نسبة 94. 2% من النوعية الأولى من برامج تلك القنوات مما

(1) انظر آراء في الإعلام الإسلامي، ص 10، 11.

(2)

انظر المرجع السابق، ص 16، مرجع سابق.

ص: 43

يؤكد أهمية استخدام القنوات الفضائية وإيجابياتها بالنسبة للبلاغ، ونشر الخير وتعميمه (1) وأيضا حصلت البرامج الدينية على نسبة 82. 5 % من مشاهدي القناة الفضائية المصرية، وحصلت البرامج الثقافية في القناة نفسها على نسبة مشاهدة بلغت 77. 5 % (2) وهي نسب تؤكد مدى أهمية استثمار القنوات الفضائية في بث ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وخاصة أننا أمة بلاغ لا يصح في حقنا إغفال فرصة ثمينة كهذه لتحقيق الظهور والذيوع لديننا، وكفى بذلك إيجابية بالنسبة للمسلمين، لكن ينبغي أن يكون تعاملنا مع ظاهرة الإعلام الفضائي تعاملا واقعيا ومسؤولا يدرك حقيقة واقعه، وكيفية إحسان توظيفه، ويغير الصورة التي عليها واقع استخدامات القنوات الفضائية العربية حيث لم تحسن الصورة العربية، ولا الصورة الإسلامية، فليست المسألة مسألة ظهور على الهواء، بل لا بد أن يكون لدينا ما نقوله للآخرين مما هو شديد الصلة بذواتهم ومصلحتهم، وما

(1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، ص 134، مرجع سابق.

(2)

انظر المرجع السابق، ص.

ص: 44

يفيدهم ويمتعهم، صحة في المضمون، وجاذبية في العرض، ومهارة فنية فائقة في الأداء، ورغبة صادقة في المثوبة من الله سبحانه وتعالى، وتفان تتطلبه هذه الرغبة (1) وخاصة أننا "نشهد منذ فترة تطورا ملموسا في امتلاك العديد من تقنيات الاتصال والإعلام الحديثة، فلدينا مشاريع ناجحة في مجال الأقمار الصناعية، ولدينا مشاريع ناجحة في البث التلفزيوني الفضائي، ولدينا تقدم لا بأس به في استخدام شبكات المعلومات وتوفير خدماتها في عدد من بلداننا العربية على تفاوت بينها، ولكن السؤال الذي لا يزال يبحث عن إجابة هو: هل واكب هذا التطور الملموس في امتلاك التقنيات تطور مماثل في البنى الفكرية والاجتماعية للعمل الإعلامي؟ "(2) .

(1) انظر الاتصال الإنساني ودوره في التفاعل الاجتماعي، د. إبراهيم عرقوب ومحمد لاوي، ط 1 عام 1993م، ص 73، وانظر آراء في الإعلام الإسلامي، ص 18، مرجع سابق، وانظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، إعداد دار طويق للنشر والتوزيع، ط 1 عام 1417 هـ، ص 10.

(2)

الإعلام والاتصال، العدد السادس، ص 58، من مقال للدكتور عبد القادر طاش بعنوان (الإعلام العربي في مجتمع المعلومات) .

ص: 45

وعدم الاستفادة المثلى من وسيلة العصر (القنوات الفضائية) قد يترتب عليه انتشار الفساد لعدم مواجهة شرور البث المباشر ذي الطبيعة الماجنة الفاجرة والحد منه، وما يترتب على ذلك من آثار سيئة جرى بيان كثير منها في المبحث الأول ليس أقلها بث اليأس في نفوس المسلمين، والشعور بفقدان الذات، ومحو الهوية، والسلبية في التعامل مع القضايا الإسلامية، فضلا عن عدم الانتماء العقدي، وعدم الالتزام، والانحلال، والتفكك الأسري والتسيب وغير ذلك من الآثار السيئة الظاهرة غير الخافية والمعلومة غير المجهولة (1) ومتى ما أحسنا استثمار طاقة القنوات الفضائية حققنا هيمنة الإسلام على الإعلام، ومكنا لحقائقه وحقائق الواقع في نفوس الناس عن طريق استغلال طاقة وسيلة الإعلام العصرية في حفظ نصوصه، وإشاعة معانيها الحقة بين الناس، والكشف عن التطبيقات السديدة للإصلاح من خلال التركيز على معطيات العصور الزاهية للمسلمين في القديم والحديث وبذلك يصبح الإسلام مرتكز حياة الناس

(1) انظر زمن المستقبل والعالم العربي، ص 15، مرجع سابق.

ص: 46

اليومية ومادة حديثهم، ومحاوراتهم ومستند تصرفاتهم، وبذلك نكون قد ضربنا للناس المثل في الصلاح والاستقامة، ومكناهم من التعرف على حقيقة الإسلام، ودعوناهم بصدق قولا وعملا للدخول فيه، وأقمنا الحجة على من لم يشأ الله هدايته (1) ذلك أن "الإعلام يمكن أن يسهم بقدر وافر في مجال الدعوة ونشر الإسلام، وإظهار حقائقه للناس "(2) .

و"أمر آخر يجب التنبه إليه، وهو أنه لم يعد أمر إنشاء قناة إسلامية فضائية أو مجلة، أو جريدة إسلامية كافيا لمواجهة هذا الزخم الهائل من القنوات الفضائية الموجهة عبر الأقمار الصناعية، والمجلات والجرائد المتنوعة والتي أصبحت تستقطب غالبية الناشئة والشباب إلا من رحم ربي

(1) انظر مكانة وسائل الإعلام الجماهيري في تحقيق وحدة الأمة، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1، 1418 هـ، ص 203، 204.

(2)

الإعلام والاتصال، العدد السادس، من كلام معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي.

ص: 47

وحتى الكبار أصبح الكثير منهم لا يستطيع التحول عنها، لما تقدمه من برامج عديدة ومتنوعة تناسب الأذواق والرغبات، ومن هنا يلزم العمل على اقتحام هذه القنوات من الداخل وتقويمها من خلال المواجهة المباشرة ثقافيا وعلميا " (1) .

وعلينا أن ندرك أهمية أن جهود المسلمين في هذا السبيل ينبغي أن تنطلق من سياسة إعلامية مشتركة يتحرك في إطارها كل من أراد إعلاء كلمة الله بواسطة القنوات الفضائية. أو غيرها من وسائل الإعلام لأن ذلك أدعى إلى التكامل وأبعد عن التنافر، والمسلمون أولى بهذا المسلك من أولئك الذين يتبعونه في نشر باطلهم والتمكين له، وينبغي أن تكون مرتكزات تلك السياسة متضمنة في المجالات الأساسية للحياة، الديني والثقافي والسياسي والاقتصادي، والاجتماعي، بحيث تستوعب الحياة البشرية في أبعادها الدينية والدنيوية، ولا يند منها شيء عن الاهتمام (2) .

(1) المرجع السابق نفسه.

(2)

انظر القمر الصناعي الإسلامي، تحد حضاري وضرورة عصرية، ص 91 - 107، مرجع سابق.

ص: 48

وإذا كان ما مضى هو أهم ما يمكن الوقوف عنده من إيجابيات القنوات الفضائية بالنسبة للمسلمين فإنه ينبغي أن يشار إلى أن لها أيضا جوانب إيجابية أخرى يشترك في الانتفاع بها غير المسلمين مع المسلمين، فهي ذات أثر في مساعدة الإنسان على توفير أسباب الراحة، وتحقيق المصالح حيث قربت البعيد، وسهلت صورا من الاتصال الثقافي والاجتماعي والسياسي لم تكن متاحة من قبل بما هيأت من إمكانات لخزن المعلومات، ونقلها استفادة من تجارب الآخرين دون مشقة، مما يتوقع معه أن تكون أداة حقيقية لبناء مجتمع أفضل (1) ذلك أن البث المباشر يتيح فرصا للإعلام الدولي بنشر الأخبار، ويوفر تجارب على الصعيد العالمي ويسهم في محو الأمية، ونشر التعليم، وتثقيف الجماهير، إضافة إلى النقل الحي للأحداث، وتطوير صور التبادل العلمي والثقافي، وهو فرصة للتحاور الحضاري، (2) ويمكن

(1) انظر الباحث، العدد الأول، ص 11، وانظر ثورة الاتصال، ص 257، 258، مرجع سابق.

(2)

انظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، ص 10، 12، مرجع سابق.

ص: 49

من الاشتراك في متابعة ما يجري على مستوى العالم لحظة وقوعه من مصادر متعددة مما يسهم في تكوين صورة صحيحة عنه بالانفتاح على العالم وزيادة المعلومات عنه مع اكتساب مهارات جديدة قد تساعد على تغيير الاتجاه والسلوك السلبي، والتخلص من العزلة والوحدة (1) .

ومن ثم فإنه رغم الصيحات المتعالية للتخلص من التلفزيون (والقنوات الفضائية نمط متقدم منه) لكثرة الشر والفساد فيه فإنه لا مناص من الاعتراف بأنه أحد منجزات العصر التي أكسبت الإنسان سيطرة أكبر على واقعه، وأطلعته على أسرار كونية ما كان يستطيع الاطلاع عليها من دونه حيث بلغت تكنولوجيا الفضاء الذروة في القدرة على عرض ما يجري في العالم حال وقوعه (2) .

وفوق ذلك فإن القنوات الفضائية في حقيقة الأمر ما هي

(1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، ص 158، مرجع سابق.

(2)

انظر المدخل إلى علم الاتصال، د. حسن مكي وزميله، ص 47، 438، مرجع سابق، وانظر تلفزيون المملكة العربية السعودية: نشأته وتطوره، عبد العزيز أبو النجا، ط 1 عام 1417 هـ، ص 59.

ص: 50

إلا إرسال تلفزيوني عبر الأقمار الصناعية ولا ينكر عامل أهمية التلفزيون كوسيلة إعلامية تعليمية، وتربوية، وإخبارية، وهو كذلك فرصة لنظام تعليمي متطور وسريع وشامل يساعد في إيجاد جو تنموي فعال، وهذه الأهمية مقدرة ومعتبرة، وغير منكرة، وتأسيسا على ذلك فالقنوات الفضائية وسيلة تربوية متى أحسن استخدامها تجذب إليها ملايين البشر بحكم خصائصها الذاتية شديدة الوقع والتأثير، وكثير منها مهيأ لتقديم خدمات تعليمية، وتربوية، وثقافية، وإعلامية واسعة ومن ثم ليس من الحكمة رفضها والإعراض عنها (1) .

ولعلنا في هذا السياق نجدها فرصة للإشادة بالجهود التي تبذل حاليا في المملكة العربية السعودية لإقامة قناة فضائية إسلامية باعتبار مثل هذا العمل سبيلا من سبل الريادة في الدعوة إلى الله، وسبقا يضاف إلى أمجادها (2) .

(1) انظر آراء في الإعلام الإسلامي، ص 14، مرجع سابق، وانظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، ص 19، مرجع سابق.

(2)

انظر آراء في الإعلام الإسلامي، ص 17، مرجع سابق.

ص: 51

وبهذا القدر من التناول نكون قد أتينا على كل ما من شأنه الإجابة عن تساؤلات البحث الأساسية بحيث يتمكن المطالع له من الحصول على جواب مقنع قام الدليل القاطع على صحته وسلامته، وبذلك يكون البحث قد انتهى إلى غايته، والله المسؤول أن يجعل ما فيه من صواب وخير في ميزان الحسنات، وأن يغفر ما وقع فيه من زلل وخطل فهو وحده المسؤول وهو القادر، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

* * * * *

ص: 52