الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الحادية والعشرون: القرآن يجري في إرشاداته مع الزمان والأحوال في أحكامه الراجعة للعرف والعوائد
وهذه قاعدة جليلة المقدار، عظيمة النفع، فإن الله أمر عباده بالمعروف، وهو ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً وعرفاً، ونهاهم عن المنكر، وهو ماظهر قبحه شرعا وعقلا وعرفا.
وأمر المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصفهم بذلك.
فما كان من المعروف لا يتغير في الأحوال والأوقات كالصلاة والزكاة، والصوم والحج، وغيرها من الشرائع الراتبة، فإنه أمر به: كلٌ في وقت. والواجب على الآخِرِين نظير الواجب على الأولين من هذه الأمة. وما كان من المنكر لا يتغير كذلك بتغير الأوقات كالشرك والقتل بغير حق، والزنا وشرب الخمر ونحوها ثبتت أحكامه في كل زمان ومكان لا يتغير ولا يختلف حكمه.
وما كان يختلف باختلاف الأمكنة والأزمة والأحوال، فهو المراد ههنا.
فإن الله تعالى يردهم فيه إلى العرف والعادة والمصلحة المتعينة في ذلك الوقت.
وذلك أنه أمر بالإحسان إلى الوالدين بالأقوال والأفعال، ولم يعين لعباده نوعاً خاصاً من الإحسان والبر، ليعم كل ما تجدد من الأوصاف والأحوال، فقد يكون الإحسان إليهم في وقت غير الإحسان في الوقت الآخر، وفي حق شخص دون حق الشخص الآخر.
فالواجب الذي أوجبه الله: النظر في الإحسان المعروف في وقتك ومكانك، في حق والديك.
ومثل ذلك: ما أمر به من الإحسان إلى الأقارب والجيران والأصحاب ونحوهم، فإن ذلك راجع في نوعه وجنسه وأفراده إلى ما يتعارفه الناس إحساناً.
وكذلك ضده من العقوق والإساءة، ينظر
فيه إلى العرف وكذلك قوله تعالى في سورة النساء
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وفي سورة البقرة {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] ، فرد الله الزوجين في عشرتهما وأداء حق كل منهما على الآخر على المعروف المتعارف عند الناس في قطرك، وبلدك وحالك.
وذلك يختلف اختلافاً عظيماً، لا يمكن إحصاؤه عداً.
فدخل ذلك كله في هذه النصوص المختصرة، وهذا من آيات القرآن وبراهين صدقه.
وقال تعالى في سورة الأعراف {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً} [الأعراف: 26] فقد أباح لعباده الأكل والشرب واللباس، ولم يعين شيئاً من الطعام والشراب واللباس، وهو يعلم أن هذه الأمور تختلف باختلاف الأحوال، فيتعلق بها أمره حيث كانت، ولا ينظر إلى ما كان موجوداً منها وقت نزول القرآن فقط.
وكذلك قوله في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] ومن المعلوم: أن السلاح والقوة الموجودة وقت نزول القرآن غير نوع القوة التي وجدت بعد ذلك.
فهذا النص يتناول كل ما يستطاع من القوة في كل وقت وبما يناسبه ويليق به.
وكذلك لما قال تعالى في سورة النساء: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] لم يعين لنا نوعاً من التجارة ولا جنساً، ولم يحدد لنا ألفاظاً يحصل بها الرضى، وهذا يدل على أن الله أباح كل ما عد تجارة ما لم ينه عنه الشارع، وأن ما حصل به الرضى من الأقوال والأفعال انعقدت به التجارة، فما حقق الرضى من قول أو فعل، انعقدت به المعاوضات والتبرعات.
وفي القرآن من هذا النوع شيء كثير.