المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الرواية التاسعة عن الموفق بالله أبي عبد الله الحسين بن - أطواق الحمامة في حمل الصحابة على السلامة

[المؤيد العلوي]

الفصل: ‌ ‌الرواية التاسعة عن الموفق بالله أبي عبد الله الحسين بن

‌الرواية التاسعة

عن الموفق بالله أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل الجرجاني أنه قال: فإن قيل فما حكم من خالف هذه النصوص الدالة على أمير المؤمنين، هل يكفر أو يفسق؟ قيل إنه يكون مخطئا غير كافر ولا فاسق، ولذلك كان يوليهم أمير المؤمنين الذكر الجميل ويثني عليهم، ولو كان فاسقا لما كان ذلك. فإن قيل هلا فسقوا لأنهم مخطئون فيما يتعلق خطؤه بالفروج والأموال؟ قيل إن من خطّأه بطريق التأويل لم يكن كافرا ولا فاسقا.

فهذا محصول كلامه مؤذن بأنهم ليسوا كفارا ولا فساقا لمخالفتهم هذه النصوص فيما يتعلق بالشريعة.

فهذا ما أردنا ذكره مما أورده الشيخ العالم أحمد بن الحسن الكني في كشف الغلطات ومن غيره، وإنما أوردناه لغرضين:

ص: 44

أحدهما أن تعلم أن أمير المؤمنين وأكابر أولاده من أهل البيت رضي الله عنهم وأفاضلهم ليسوا بقائلين بكفر أحد من الصحابة ولا فسقه مع مخالفتهم لهذه النصوص القاطعة، وأن مخالفتهم لا تقطع موالاتهم ولا تبطلها كما ترجمناه.

وثانيهما أن يكون الناظر على ثقة من أمره وبصيرة في دينه في ترك الإقدام على تكفير من لا دليل على تفكيره وتفسيق من لا دليل على تفسيقه، فإن الخطأ في مثل هذا عظيم. قال المؤيد بالله: ولو قيل لأحد من مدعي التفسيق والإكفار في حقهما: أدِّ نصا صريحا من جهة أئمتنا أنهم يتبرؤون من الشيخين تصريحا، لم يمكنه ذلك أصلا.

فأما ما روي عن الهادي أمير المؤمنين يحيى بن الحسين في كتاب

ص: 45

الأحكام من أنه قال: من أنكر النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقد كذب على الله وعلى رسوله، ومن كذب على الله ورسوله فقد كفر بالله ورسوله؛ وما روي عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني من الأخبار التي رواها في كتاب المصابيح مما يدل على الفسق ويشعر به؛ وما روي عن السيد أبي طالب يحيى بن الحسين في المسألة التي أملاهما، وهو أن الخروج على الإمام فسق؛

ص: 46

فما ذكرنا من الروايات يجب حمله على ما يطابق ما حكيناه عن أمير المؤمنين والأفاضل من الأئمة من ولده لئلا يؤدي إلى تعارض أقوالهم فيما طريقه القطع من المسائل.

فنقول: أما ما روي عن الهادي أمير المؤمنين فهو محمول على من أنكر أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»

ص: 47

وقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» . وإنما وجب حمل كلام يحيى على ما ذكرناه لأمرين:

أما الأول فلأن ظاهر كلامه يوجب إكفارهم وردتهم، ولم يؤثر عن يحيى شيء من هذا ولا عن غيره من أكابر أهل البيت أصلا.

وأما الثاني فلأن كتاب الأحكام مشحون بالاحتجاج برواية القوم وأقضيتهم وأحكامهم والرجوع إليهم في أمور الحوادث؛ ولو كانوا كفارا أو فساقا لكان لا معنى للاحتجاج بأقوالهم وأقضيتهم.

وأما ما روي عن أبي العباس الحسني رحمه الله من الأخبار التي نقلها، فكلها أحادية لا يمكن إثبات الكفر والفسق بشيء منها إجماعا.

ص: 48

وأما ما روي عن السيد أبي طالب، وهو أن الخروج على إمام الحق يكون بغيا وفسقا، فهذا صحيح. لكنا نقول لم يكن من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما خروج على أمير المؤمنين أصلا حتى يلزم فسقهما أو بغيهما، إنما كان قياما بتكاليف كان من حق أمير المؤمنين أن يكون قائما بها وأحق بالتصرف فيها، فلما كف عن القيام بها لعذر كان له في ذلك وقام بها أبو بكر بحضرة جماعة من الصحابة لم يكن فعل أبي بكر خروجا على إمام الحق كما ذكرناه، فلهذا لم يكن فسقا.

على أن الكنّي قد ذكر أن كلامه في المسألة إنما كان في أول عمره وعنفوان شبابه حين كان إماميا، فأما بعد أن صار زيديا محققا في الأصول فلا يظن به أنه قائل بذلك ومعتقِد له.

ويؤيد ما ذكرناه من التأويل لكلامه هو أن شرح التحرير مشحون بذكر الاستدلال والرواية عن الشيخين في الأخبار والأقضية

ص: 49

والأحكام، ولو كانا فاسقين عنده لم يكن للاحتجاج بأقوالهما وأقضيتهما وجه.

فتحصل من مجموع ذلك ما ذكرناه، وأن كلام هؤلاء الأئمة مطابق وموافق لما نقلناه عن سائر الأئمة وأكابرهم بالقول بسلامة أحوال الصحابة عن الكفر والفسق. وهذا مقصودنا.

تنبيه: فإن اعترفت بما نقلناه من أن أحدا من أهل البيت لم ينقل عنه كفر ولا فسق، فاعلم أنهم بعد ذلك فريقان:

الأول: مصرحون بالترحم والترضية عليهم. وهذا هو المشهور عن أمير المؤمنين كما حكيناه وعن زيد بن علي وجعفر الصادق والناصر للحق والسيد المؤيد بالله، فإن هؤلاء كلهم مصرحون بالترضية والترحم والموالاة.

وهذا هو المختار عندنا. وقد دللنا عليه وذكرنا أن إسلامهم مقطوع به لا محالة، وعروض ما عرض من الخطإ في مخالفة النصوص ليس فيه إلا الخطأ لا غير، وأما كونه كفرا أو فسقا فلم تدل عليه دلالة شرعية، فلهذا أبطل القول به. فهذا الذي نختاره ونرضاه مذهبا ونحب أن نلقى الله تعالى ونحن عليه.

ص: 50

الفريق الثاني: متوقفون عن الترضية والترحم وعن القول بالإكفار والتفسيق. وعلى هذا دل كلام القاسم والهادي وأولادهما، وإليه يشير كلام الإمام المنصور بالله. فهؤلاء لا يحكمون بالخطإ ويقطعون به، ويتوقفون في حكمه.

فأما القول بالكفر والفسق فلم يؤثر في حق الصحابة عن أحد من أكابر أهل البيت وأفاضلهم، كما حكيناه وقررناه. وهو مردود على ناقله.

انتهى تم ما قاله الإمام يحيى بن حمزة رحمه الله

ص: 51