الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإليكم التعريف بأصول هذه الرسائل ومحتوياتها:
(1) رسالة في فرضية اتباع السنة والكلام على تقسيم الأخبار وحجية أخبار الآحاد:
توجد النسخة الخطية منها في مكتبة الحرم المكي برقم [4665](ص 21 - 67) ضمن دفتر بقطع طويل، وفيها شطب في مواضع كثيرة منها وإلحاقات وزيادات في الهوامش. وفي كل صفحة منها أكثر من ثلاثين سطرًا. ولم يعنون لها المؤلف بعنوان خاص، ولم يقدم لها بمقدمة، بل بدأ يكتب بعد البسملة تحت عنوان "فرض اتباع السنة"، ثم تطرق إلى الكلام على تقسيم الأخبار وحجية أخبار الآحاد ودفع شبه المنكرين لها بتفصيل.
استهل المؤلف هذه الرسالة بذكر إجماع المسلمين على فرض اتباع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام، وأن التفريق بين الكتاب والسنة تفريق بين الله ورسله. ثم استعرض شبه منكري حجية السنة، وهي كما يلي:
الأولى: أن القرآن تبيان لكل شيء وفيه تفصيل كل شيء كما قال الله تعالى، فلا يحتاج إلى شيء آخر.
الثانية: أن القرآن يكرر القصة الواحدة في مواضع، وينص على فروع من الأحكام التي قد يبدو للناظر أنها ليست بعظيمة الأهمية كالأمر بكتابة الدين، فكيف يتصور أنه لا يذكر الأمور العظيمة؟
الثالثة: أن السنة إذا كانت مفروضًا اتباعها كالقرآن، فلماذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها؟ بل نُقل عنه النهي عن ذلك. ولماذا لم يعتنِ الخلفاء بجمعها؟
بل جاء عنهم ما يخالف ذلك.
الرابعة: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته أن يكتب كتابًا قال عمر رضي الله عنه: "عندنا كتاب الله حسبُنا"، وأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ردَّ على هذه الشُّبه بتفصيل، وبيَّن أن الحجة قائمة على فرضية اتباع السنة، وأن فيها ما ليس في القرآن، وأن الذي يرتاب في ذلك فحقُّه أن تقام عليه الحجج على أصل الإسلام، ولا يُتشاغل معه بالنظر في الجزئيات. ولم يجعل الله حجج الحق بغاية الظهور، لأنها لو كانت كذلك لكانت معرفتها سهلة، ولكان الخلق كالمجبورين على قبولها. وقد جعل الله شبهاتٍ مع هذه الحجج لابتلاء العباد بها، وله فيها حِكَم عديدة كما يظهر من التأمل فيها.
أما النهي عن الكتابة فقد ورد بذلك حديث واحد، وأعلَّه البخاري وغيره، وجاءت في الإذن أحاديث. وأكثر الصحابة لم يكونوا يرون بها بأسًا. وما روي عنهم خلاف ذلك فله محمل حسن. وذكر المؤلف أسباب عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة، وأنه كان في ترك الكتابة آنذاك مصلحة عظيمة وهي حثُّ المسلم على الطلب والسماع والحفظ. وفيها حِكَم أخرى يطول بيانها.
أما قول عمر رضي الله عنه فقد تواتر عنه امتثاله للسنة وتديُّنه بها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها، فلابدَّ من حمل كلمته تلك على ما لا يخالف ذلك. ثم بيَّن المؤلف المقصود منها ومن غيرها من الروايات التي تُروى عن عمر في هذا الباب.
ثم انتقل المؤلف إلى الكلام على تقسيم الأخبار عند الأصوليين إلى ثلاثة أقسام: مقطوع بكذبه، ومقطوع بصدقه، وما ليس مقطوعًا بكذبه أو بصدقه.
فالمقطوع بكذبه ما قام البرهان القاطع على خلافه. وعقَّب المؤلف على ذلك بأنك لن تجد إن شاء الله برهانًا قاطعًا يقينيًّا مخالفًا لحديثٍ إلّا وجدتَ ما يدلُّك على أحد الوجهين: إما أن يكون في إسناده خلل، وإما أن يكون وقع تغيير في متنه بزيادة أو نقص، أو تقديم أو تأخير، أو تبديل لفظٍ بآخر، أو نحو ذلك مما يغير المعنى.
ونقل كلام الأصوليين أن من المقطوع بكذبه: المنقول آحادًا، والعادة قاضية بأنه لو صح لنُقِل بالتواتر، لتوفُّر الدواعي على نقله. وعقب عليه المؤلف بأنه ينبغي التثبت في هذا، فقد تقع القضية ولا يحضرها إلا الواحد أو الاثنان، وقد يحضر جماعة ولا يتنبه لها منهم إلّا الواحد أو الاثنان. وقد يشاهدونها ولا يرون لها أهمية فلا ينقلونها، وقد يرون لها أهمية ولكن لا يرون لنقلها أهمية. وقد ذكر المؤلف أمثلة عديدة لها، وتوصَّل إلى أنه ينبغي التثبت في ردّ الأحاديث بما ذُكر، فلا يُقدم على ذلك مع قيام الاحتمال.
أما المقطوع بصدقه فذكر الأصوليون منها أمورًا:
الأول: خبر الربّ عز وجل، وخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يخبر إنسان بمرأى ومسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره عليه.
الثالث: المتواتر.
الرابع: قد يفيد الآحاد العلم بمعونة القرائن.
الخامس: ما أُجمِع على صحته أو تُلُقِّي بالقبول أو أُجمِع على الحكم الذي يدلُّ عليه.
السادس: أن يخبر إنسان بخبرٍ بحضرة قومٍ لو صدَّقوه حصل العلم بصحة الخبر، ولكنهم سكتوا، ولا حاملَ لهم على السكوت عن تكذيبه لو كان كاذبًا.
السابع: بقاء الخبر مع توفُّر الدواعي على إبطاله.
ذكر المؤلف هذه الأنواع، ثم عقَّب على كلام الأصوليين فيها بما يوضّحه أو يقيّده أو ينقده. وقد فصَّل في موضوع الإجماع تفصيلًا حسنًا، وتكلم على حججه وأنواعه. وذكر عن الأمر السابع أن قاعدته واهية، لأن توفّر الدواعي على الإبطال وإن اقتضى أن تعِزّ رواية الخبر فلا يقتضي أن كلَّ خبر يُروى صحيحٌ، فضلًا عن أن يكون مقطوعًا به.
ثم عقد فصلًا في الكلام على قول جماعة من العلماء: إن أحاديث الصحيحين تفيد العلم لأنّها تُلقِّيت بالقبول، عدا أحاديث انتقدها عليهما بعض الحفَّاظ. وقد تحرر للمؤلف أن أحاديث "صحيح البخاري" على أربعة أضرب، وأن الضرب الأول منها هو الذي احتاط له البخاري، فهو الذي يصح أن يقال: إن أئمة الحديث الذين اطلعوا على الكتاب أجمعوا على صحته إلا ما انتقده بعضهم. وأما الباقي فغاية ما هناك أنهم أجمعوا على أنه صالح لموضعه الذي ذكر فيه، أعني المتابعات والشواهد وفضائل الأعمال والعواضد ونحوها. ويقاس عليه "صحيح مسلم".
وفي فصلٍ آخر تكلم على ما نُقل عن بعض الأئمة أن خبر الثقة يفيد العلم مطلقًا، فذكر أنهم أرادوا بذلك الردّ على الجهمية وبعض الغلاة في الرأي الذين كانوا يطعنون في الأحاديث الواردة في الصفات بأنها أخبار آحاد لا تفيد إلّا الظن، ويردُّون الأحاديث بدعوى أنها مخالفةٌ لظاهر القرآن أو القياس. فقال الإمام أحمد وغيره: إن خبر الثقة يفيد العلم، قصدوا بذلك أن الأخذ به واجب لحجج تفيد العلم اليقيني، ومنها إجماع سلف الأمة على الأخذ بخبر الثقة.
ثم جعل المؤلف عنوان "أخبار الآحاد"، وذكر أنها القسم الثالث من الأخبار عند الأصوليين، وهو ما لا يُقطع بكذبه ولا بصدقه.
وقبل الكلام عليها عقد فصلًا لبيان سبب ضلال أمم الشرك السابقة، فقد كانوا يعلمون وجود الله وعظمته وجلاله، ثم أخذوا يثبتون له ما يرونه كمالًا، فلم يرجعوا إلى هدي الأنبياء والتمسك بسننهم وآثارهم، بل اغتروا بعقولهم واستغنوا بأفكارهم، فضلُّوا وهلكوا. وهذا ما حدث في هذه الأمة، فقد ضلّت الخوارج وغيرها بسبب جهلهم بالهدي النبوي واستغنائهم عن الاهتداء بالعارفين به من الصحابة.
ثم بدأ الكلام على وجوب العمل بخبر الواحد، وأنه قد وقع الإجماع على ذلك، وما نقله بعض الأصوليين عن الظاهرية من أنه لا يجب العمل به مطلقًا= خلاف المعروف عن أئمة الظاهرية كداود وابن حزم. نعم حكي عن المعتزلة كالأصمّ وتلميذه إبراهيم بن إسماعيل بن علية أنه لا يُقبل خبر الواحد في السنن والديانات، ويُقبل في سائر الأحكام. وحكي عن هشام والنَّظَّام أنه لا يُقبل إلا بعد قرينة تنضمُّ إليه، وهو علم الضرورة.
ثم ذكر جميع الشبه العقلية والنقلية للمانعين من قبول خبر الواحد والعمل به، وأطال في الرد عليها، ونقل كلام الأصوليين في هذا الموضوع، وعقَّب عليه بما يوضّحه ويُبيِّنه. وقد تكلم بتفصيل على آية {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] التي استدل بها المانعون، وفسَّرها ونظر في معناها من أربع جهات: العربية، وسياق الآيات، ومراعاة نظيرها من الآيات في القرآن، وتفسير السلف. وفنَّد مزاعم المانعين في التعلُّق بهذه الآية. كما تكلم على آية {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] وبيَّن معنى "يُغني" بتتبع الشواهد في القرآن وكلام العرب
(1)
، ثم شرح معنى "الحق" الذي إذا كرهه الإنسان حاول أن يدفعه بالظنّ، وفصَّل في ذلك تفصيلًا لا يكاد يوجد في موضع آخر، ورجَّح أن المراد بالظنّ الشبهات، وبالحق البراهين القطعية، وعلى ذلك يدلُّ السياق.
وفي فصل آخر ردّ على بعض المفسرين الذين جعلوا "لا يُغني" في الآية بمعنى: لا يقوم مقامه، ولا يسدُّ مسدَّه، و"من" بمعنى بدل، واعترض عليهم بوجوه.
وفي الفصل الأخير من هذه الرسالة ذكر بعض الشبه النقلية من الأحاديث والآثار التي تدلُّ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وغيرهما لم يقبلوا خبر الواحد حتى جاء آخر فأخبر بمثله. تكلم المؤلف عليها واحدًا واحدًا، وبيَّن معناها ووجهها، ونقل كلام الشافعي من "الرسالة" وكلام الآخرين.
(1)
للمؤلف رسالة في معنى "أغنى عنه" في "مجموع رسائل التفسير"، وأشار إليها في "الأنوار الكاشفة"(ص 193).